الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦
عليكم بآل محمد عليهمالسلام ، فإنهم القادة إلى الجنة ، والدعاة إليها يوم القيامة ، عليكم بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فو الله لقد سلمنا عليه بالولاية وإمرة المؤمنين مرارا جمة مع نبينا ، كل ذلك يأمرنا به ويؤكده علينا ، فما بال القوم عرفوا فضله فحسدوه؟! وقد حسد قابيل هابيل (١) فقتله ، وكفارا قد ارتدت أمة موسى بن عمران عليهماالسلام ، فأمر هذه الأمة [ كأمر ] (٢) بني إسرائيل ، فأين يذهب بكم أيها الناس؟! ويحكم ما أنا (٣) وأبو فلان وفلان؟! أجهلتم أم تجاهلتم ، أم حسدتم (٤) أم تحاسدتم؟ والله لترتدن كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف ، يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة ، ويشهد الشاهد على الكافر (٥) بالنجاة.
ألا وإني أظهرت أمري ، وسلمت لنبيي ، وتبعت (٦) مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة عليا أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين ، وقائد الغر المحجلين ، وإمام ( الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ ).
بيان : عال : أي افتقر (٧).
وطاش السهم : أي زال ومال عن الهدف (٨).
وقال في النهاية : في حديث سلمان : وإن أبيتم نابذناكم على سواء ، أي :
__________________
(١) في المصدر : هابيل قابيل.
(٢) في مطبوع البحار : كما أمر ، والمثبت من المصدر.
(٣) في المصدر : ما لنا.
(٤) في ( ك ) : أتجاهلتم؟ أحسدتم؟.
(٥) في مطبوع البحار : والكافرين.
(٦) في المصدر : واتبعت.
(٧) انظر : مجمع البحرين ٥ ـ ٤٣٢ ، الصحاح ٥ ـ ١٧٧٩ ، القاموس ٤ ـ ٢٢.
(٨) صرح بذلك في لسان العرب ٦ ـ ٣١٣ ، وانظر : مجمع البحرين ٤ ـ ١٤٠ ، الصحاح ٣ ١٠٠٩.
كاشفناكم وقاتلناكم على طريق مستو (١) في العلم بالمنابذة منا ومنكم ، بأن نظهر لهم العزم على قتالهم ، ونخبرهم به إخبارا مكشوفا (٢).
وقوله : وكفارا ، حال عن فاعل ارتدت.
٢ ـ ج (٣) : عن محمد ويحيى ابني عبد الله بن الحسن ، عن أبيهما ، عن جدهما ، عن علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : لما خطب أبو بكر قام (٤) أبي بن كعب ، وكان يوم الجمعة أول يوم من شهر رمضان.
فقال : يا معاشر (٥) المهاجرين الذين اتبعوا مرضاة الله وأثنى الله عليهم في القرآن ، ويا معاشر (٦) الأنصار ( الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ ) وأثنى الله عليهم في القرآن ، تناسيتم أم نسيتم ، أم بدلتم أم غيرتم ، أم خذلتم أم عجزتم؟!.
ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قام فينا مقاما أقام فيه عليا ، فقال : من كنت مولاه فهذا مولاه (٧) ـ يعني عليا ـ ومن كنت نبيه فهذا
__________________
(١) في المصدر : طريق مستقيم مستو.
(٢) النهاية ٥ ـ ٧ ، وانظر : مجمع البحرين ٣ ـ ١٨٩ ، لسان العرب ٣ ـ ٥١٢.
(٣) الاحتجاج ١ ـ ١١٢ ـ ١١٥ [ طبعة النجف : ١ ـ ١٥٣ ـ ١٥٧ ].
(٤) في الاحتجاج : قام إليه.
(٥) في المصدر : وقال يا معشر.
(٦) في المصدر : ويا معشر.
(٧) انظر مصادر الحديث عن طرق العامة مستوفيا في : إحقاق الحق ٢ ـ ٤٢٦ ـ ٤٦٥ ، ٣ ـ ٣٢٢ ٣٢٧ ، ٤ ـ ٤٠٨ ـ ٤١٠ ، ٦ ـ ٢٢٩ ـ ٣٠٤ ، ١٦ ـ ٥٥٩ ـ ٥٨٨ ، ٢١ ـ ١ ـ ٩٣.
وانظر : الغدير ١ ـ ١٦٢ و ٣٩٨ ، وغيرها.
ومنه ما رواه في الينابيع باب ٤٤ عن المناقب بسنده عن ابن عباس قال : قال النبي (ص) في حديث طويل ، وجاء فيه : وأنت مولى من أنا مولاه ، وإني مولى كل مؤمن ومؤمنة.
وجاء أيضا في باب ٥٦ منه عن كتاب كنز الدقائق للشيخ عبد الرءوف المناوي المصري ، عن الديلمي بلفظه.
وجاء عن أحمد والترمذي بلفظ آخر.
وعن أبي داود والطيالسي : يا علي أنت ولي كل مؤمن بعدي ... ، وغيرها.
أميره (١)؟!.
ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتي ، إلا أنه (٢) لا نبي بعدي (٣)؟!.
ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : أوصيكم بأهل بيتي خيرا ، فقدموهم ولا تتقدموهم (٤) ، وأمروهم ولا تتأمروا (٥) عليهم؟!.
ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : أهل بيتي منار الهدى والدالون على الله؟!.
ألستم (٦) تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لعلي عليهالسلام : أنت الهادي لمن ضل (٧)؟!.
__________________
(١) رواه جمع ، وجاء في الينابيع باب ٥٦ عن كتاب مودة القربى ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله (ص) : أن الله سبحانه قال للأرواح : أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم.
(٢) في المصدر : غير أنه.
(٣) جاءت مصادره في الغدير ١ ـ ٢٩٧ ، وقد ذكرنا جملة منها سابقا باختلافات يسيرة.
وانظر : ما رواه في ينابيع المودة باب ٤٢ وباب ٥٦ عن المناقب في حديث طويل ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، والحمويني في فرائد السمطين ، والنسائي في خصائصه ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، والمغازلي في فضائله ، والخوارزمي في مناقبه.
وانظر الروايات الواردة في ذيل قوله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ».
(٤) في المصدر : ولا تقدموهم.
(٥) في المصدر : ولا تأمروا.
(٦) في المصدر : أولستم.
(٧) جاء في الغدير ٤ ـ ٦٥ مع حذف : لمن ضل.
وانظر : مسند أحمد ابن حنبل ٦ ـ ١٢٦ ، تفسير الطبري ١٣ ـ ١٠٨ ، معجم شيوخ ابن الأعرابي : ٢ ـ الورقة ١٨٣ و ٢٠٣ و ٢٣٤ ، المعجم الوسيط والصغير للطبراني ١ ـ ٢٦١ ، معرفة الصحابة لأبي نعيم ١ ـ ٢١ ، تاريخ بغداد للخطيب ١٢ ـ ٣٧٢ ، المناقب لابن المغازلي ، ترجمة أمير المؤمنين من
ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : علي المحيي لسنتي ومعلم أمتي ، والقائم بحجتي ، وخير من أخلف (١) من بعدي ، وسيد أهل بيتي ، أحب (٢) الناس إلي ، طاعته كطاعتي على أمتي؟!.
ألستم تعلمون أنه لم يول على علي أحدا منكم ، وولاه في كل غيبته عليكم؟!.
ألستم تعلمون أنه كان منزلهما في أسفارهما واحدا ، وارتحالهما وأمرهما (٣) واحدا (٤)؟!.
ألستم تعلمون أنه قال : إذا غبت فخلفت فيكم (٥) عليا فقد خلفت فيكم رجلا كنفسي؟!.
ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل موته قد جمعنا في بيت ابنته فاطمة عليهاالسلام فقال لنا :
إن الله أوحى إلى موسى بن عمران عليهالسلام أن اتخذ أخا من أهلك فاجعله نبيا ، واجعل أهله لك ولدا ، أطهرهم من الآفات ، وأخلصهم من الريب ، فاتخذ موسى هارون أخا ، وولده أئمة لبني إسرائيل من بعده ، يحل (٦) لهم في مساجدهم ما يحل لموسى.
__________________
تاريخ دمشق لابن عساكر ٢ ـ ٤١٥ ، زاد المسير لابن الجوزي ٤ ـ ٣٠٧ ، المناقب للخوارزمي : ١٤٥ ، تفسير الفخر الرازي ٥ ـ ٢٧٢ ، وغيرهم كثير.
(١) خ. ل : أخلفت.
(٢) في المصدر : وأحب.
(٣) ليس في المصدر : وأمرهما ، وفي ( ك ) : وارتحالهما واحدا وأمرهما ..
(٤) هذه الفقرة جاءت في المصدر بعد فقرة : علي المحيي لسنتي ...
وانظر مصادر هذا الحديث في : إحقاق الحق ٤ ـ ٢٠٥ ، ٥ ـ ٥٨٠ ، ١٦ ـ ٣٧٠.
(٥) في الاحتجاج : عليكم ، بدلا من : فيكم.
(٦) في المصدر : الذين يحل.
وإن الله (١) أوحى إلي أن اتخذ عليا أخا ، كموسى (٢) اتخذ هارون أخا ، واتخذ ولده ولدا ، فقد طهرتهم كما طهرت ولد هارون ، إلا أني ختمت (٣) بك النبيين فلا نبي بعدك ، فهم الأئمة الهادية؟!.
أفما تبصرون؟! أفما تفهمون؟! أما (٤) تسمعون؟! ضربت (٥) عليكم الشبهات.
فكان مثلكم كمثل رجل في سفر ، فأصابه عطش شديد حتى خشي أن يهلك ، فلقي رجلا هاديا في الطريق فسأله عن الماء ، فقال له : أمامك عينان : أحدها (٦) مالحة والأخرى عذبة ، فإن أصبت المالحة ضللت ، وإن أصبت العذبة هديت ورويت.
فهذا مثلكم أيتها الأمة المهملة ـ كما زعمتم ـ ، وايم الله ما أهملتم ، لقد نصب لكم علم يحل لكم الحلال ويحرم عليكم الحرام ، لو أطعتموه ما اختلفتم ، ولا تدابرتم ، ولا تقاتلتم ، ولا برئ بعضكم من بعض.
فو الله! إنكم بعده لمختلفون في أحكامكم ، وإنكم بعده (٧) لناقضوا (٨) عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وإنكم على عترته لمختلفون.
إن (٩) سئل هذا عن غير من (١٠) يعلم أفتى برأيه ، فقد أبعدتم وتجاريتم
__________________
(١) في المصدر : إن الله تعالى.
(٢) في المصدر : كما أن موسى.
(٣) في الاحتجاج : قد ختمت.
(٤) في المصدر : أفما.
(٥) في المصدر ـ طبعة إيران ـ : ضرب.
(٦) في المصدر : إحداهما.
(٧) لا يوجد في المصدر : لمختلفون في أحكامكم وإنكم بعده.
(٨) في المصدر : لناقضون.
(٩) في المصدر : وإن.
(١٠) خ. ل : ما ، وكذا في المصدر.
وزعمتم الاختلاف رحمة (١) ، هيهات! أبى الكتاب ذلك عليكم (٢) ، يقول الله تبارك وتعالى (٣) : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (٤) ، ثم أخبرنا باختلافكم فقال (٥) : ( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) (٦) ، أي : للرحمة (٧) ، وهم : آل محمد.
سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : يا علي! أنت وشيعتك على الفطرة والناس [ منها ] (٨) براء.
فهلا قبلتم من نبيكم صلىاللهعليهوآله؟! كيف وهو [ خبركم بانتكاصتكم ] (٩) عن وصيه عليهالسلام (١٠) وأمينه ووزيره وأخيه ووليه دونكم أجمعين (١١).
أطهركم قلبا ، وأعلمكم علما ، وأقدمكم سلما (١٢) ، وأعظمكم غناء عن رسول الله (١٣) صلىاللهعليهوآله ، أعطاه تراثه ، وأوصاه بعداته ، واستخلفه على
__________________
(١) في المصدر : وتخارستم وزعمتم أن الخلاف رحمة.
(٢) في (س) : عليهم.
(٣) في المصدر : تعالى جده.
(٤) آل عمران : ١٠٥.
(٥) في المصدر : فقال سبحانه.
(٦) هود : ١١٨ ـ ١١٩.
(٧) في مطبوع البحار : الرحمة ، والمثبت من المصدر.
(٨) في مطبوع البحار : منهم ، والمثبت من المصدر.
(٩) في مطبوع البحار : خيركم بانتكاصكم ، والمثبت من المصدر ، والانتكاص بمعنى الرجوع.
(١٠) في المصدر : علي بن أبي طالب ، بدلا من : عليهالسلام.
(١١) وضعت في المطبوع على كلمة : دونكم أجمعين ، علامة نسخة بدل.
(١٢) في المصدر : وأطهركم قلبا وأقدمكم سلما.
(١٣) في المصدر : وعيا من رسول الله.
أمته ، وضع عنده سره (١) ، فهو وليه دونكم أجمعين ، وأحق به منكم على التعيين (٢) ، سيد الوصيين ، وأفضل (٣) المتقين ، وأطوع الأمة لرب العالمين ، سلمتم عليه بخلافة المؤمنين (٤) في حياة سيد النبيين وخاتم المرسلين (٥).
فقد أعذر من أنذر ، وأدى النصيحة من وعظ ، وبصر من عمى ، فقد سمعتم كما سمعنا ، ورأيتم كما رأينا ، وشهدتم كما شهدنا.
فقام (٦) عبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل فقالوا : يا أبي! أصابك خبل أم بك جنة؟!.
__________________
(١) في المصدر : فاستخلفه أمته ووضع عنده سره.
(٢) في المصدر : منكم أكتعين.
(٣) في المصدر : ووصي خاتم المرسلين ، أفضل.
(٤) في المصدر : بإمرة المؤمنين.
(٥) يعبر عنه بحديث التهنئة ، جاء في عشرات المصادر من العامة كما نص عليها العلامة الأميني في الغدير ١ ـ ٢٧٠ ـ ٢٧٣ ، وغيره.
وقد ذكره الطبري في كتاب الولاية ، والدارقطني ، كما أخرج عنه ابن حجر في الفصل الخامس من الباب الأول من صواعقه : ٢٦ ، والحافظ أبو سعيد النيسابوري في كتابه شرف المصطفى وروضة الصفا ١ ـ ١٧٣ ، وأحمد بن حنبل في مسنده ٤ ـ ٢٨١ ، والطبري في تفسيره ٣ ـ ٤٢٨ ، وسر العالمين ٩ ، والتفسير الكبير ٣ ـ ٦٣٦ ، والرياض النضرة ٢ ـ ١٦٩ ، وفرائد السمطين في الباب ١٣ ، والبداية والنهاية ٥ ـ ٢٠٩ ، والخطط للمقريزي ٢ ـ ٢٢٣ ، والفصول المهمة ٢٥ ، وكنز العمال ٦ ـ ٣٩٧ ، ووفاء الوفاء ٢ ـ ١٧٣ ، وغيرها.
قال الغزالي في سر العالمين : ولكن أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته عليهالسلام في يوم غدير خم باتفاق الجميع ، وهو يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال عمر :
بخ بخ لك يا أبا الحسن ، لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
فهذا تسليم ورضى وتحكيم ، ثم بعد هذا غلب الهواء بحب الرئاسة ، وحمل عود الخلافة ، وعقود النبوة ، وخفقات الهواء ، في قعقعة الرايات ، واشتباك ازدحام الخيول ، وفتح الأمصار ، سقاهم كأس الهواء ، فعادوا إلى الخلاف الأول ، فنبذوا الحق وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا ، فبئس ما يشترون.
(٦) في المصدر : فقام إليه.
فقال : بل الخبل فيكم ، كنت (١) عند رسول الله صلىاللهعليهوآله يوما ، فألفيته يكلم رجلا أسمع كلامه ولا أرى وجهه (٢).
فقال فيما يخاطبه : ما أنصحه لك ولأمتك ، وأعلمه بسنتك.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أفترى أمتي تنقاد له من بعدي؟
قال : يا محمد! تتبعه (٣) من أمتك أبرارها ، وتخالف (٤) عليه من أمتك فجارها ، وكذلك أوصياء النبيين من قبلك ، يا محمد! إن موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ـ وكان أعلم بني إسرائيل وأخوفهم لله وأطوعهم له وأمره (٥) الله عز وجل أن يتخذه وصيا كما اتخذت عليا وصيا ، وكما أمرت بذلك ، فحسده بنو إسرائيل سبط موسى خاصة ، فلعنوه وشتموه وعنفوه ووضعوا له (٦) ، فإن أخذت أمتك سنن بني إسرائيل كذبوا وصيك ، وجحدوا أمره (٧) ، وابتزوا خلافته ، وغالطوه في علمه.
فقلت : يا رسول الله! من هذا؟.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : هذا ملك من ملائكة الله (٨) ربي عز وجل ، ينبئني أن أمتي تختلف (٩) على وصيي علي بن أبي طالب عليهالسلام.
وإني أوصيك يا أبي بوصية إن حفظتها لم تزل بخير ، يا أبي عليك بعلي ، فإنه الهادي المهدي ، الناصح لأمتي ، المحيي لسنتي ، وهو إمامكم بعدي ،
__________________
(١) في المصدر : والله كنت.
(٢) في المصدر : شخصه.
(٣) في المصدر : يتبعه.
(٤) في المصدر : ويخالف.
(٥) في المصدر : فأمره.
(٦) في (س) : منه ، بدلا من : له.
(٧) في المصدر : إمرته.
(٨) لا يوجد لفظ الجلالة في المصدر.
(٩) في المصدر : تتخلف.
فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه ، يا أبي ومن غير وبدل (١) لقيني ناكثا لبيعتي ، عاصيا أمري ، جاحدا لنبوتي ، لا أشفع له عند ربي ، ولا أسقيه من حوضي.
فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا : اقعد ـ رحمك الله ـ يا أبي ، فقد أديت ما سمعت (٢) [ و ] (٣) وفيت بعهدك.
٣ ـ شف (٤) : الحسن بن محمد بن الفرزدق ، عن (٥) محمد بن أبي هارون ، عن مخول (٦) بن إبراهيم ، عن عيسى بن عبد الله بن الحسن (٧) ، عن أبيه ، عن جده (٨) .. مثله ، مع اختصار.
وقد أوردته في باب النصوص على أمير المؤمنين عليهالسلام (٩).
بيان :
قال الجوهري : أغنيت عنك مغنى فلان .. أي (١٠) : أجزأت عنك مجزأة ، ويقال ما يغني عنك هذا .. أي : ما يجدي (١١) عنك وما ينفعك .. ، والغناء
__________________
(١) في المصدر : أو بدل.
(٢) في المصدر : ما سمعت الذي معك.
(٣) زيادة من المصدر.
(٤) كشف اليقين ( اليقين ) لأبي القاسم علي بن موسى بن طاوس : ١٧٠ ـ ١٧٢.
(٥) في المصدر : عن الفزاري قال حدثنا.
(٦) في المصدر : المقري العلاف قال حدثنا محول.
(٧) في المصدر : قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن الحسن.
(٨) في المصدر : من جده.
(٩) بحار الأنوار ٣٨ ـ ١٢٣ ـ ١٢٥ حديث ٧١.
واستدراكا لهذا الباب راجع :
الاحتجاج ١ ـ ٧٦ ـ ٧٩ و ٨٤ ـ ٨٦ ، كشف اليقين ٧٤ ـ ٧٦ و ٩٤ ـ ٩٥ و ١٠٨ ـ ١١٣ و ١٧٢ ـ ١٧٣ و ١٨٣ ، مناقب ابن شهرآشوب ٣ ـ ٥٣ ـ ٥٤ ، وغيرها.
(١٠) في المصدر : إذا ، بدلا من : أي.
(١١) في المصدر : يجزي ، بدلا من : يجدي.
بالفتح .. النفع (١).
قوله : وبصر ـ على بناء التفعيل ـ معطوف على وعظ.
ويقال : وضع منه فلان أي : حط من درجته (٢).
__________________
(١) الصحاح ٦ ـ ٢٤٤٩ ، ولاحظ : لسان العرب ١٥ ـ ١٣٨ ، القاموس ٤ ـ ٣٧١.
(٢) كما جاء في مجمع البحرين ٤ ـ ٤٠٥ ، والقاموس ٣ ـ ٩٤ ، وتاج العروس ٦ ـ ٥٤٣ ، وغيرها.
٩ ـ باب
ما كتب أبو بكر إلى جماعة يدعوهم إلى البيعة
وفيه بعض أحوال أبي قحافة
١ ـ ج (١) : روي عن الباقر عليهالسلام : أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر : اكتب إلى أسامة (٢) يقدم عليك ، فإن في قدومه قطع الشنعة عنا (٣).
فكتب أبو بكر إليه : من أبي بكر خليفة رسول الله إلى أسامة بن زيد ، أما بعد : فانظر إذا أتاك كتابي فأقبل إلي أنت ومن معك ، فإن المسلمين قد اجتمعوا [ علي ] (٤) وولوني أمرهم ، فلا تتخلفن فتعصي ويأتيك مني ما تكره ، والسلام.
قال : فكتب إليه أسامة (٥) جواب كتابه : من أسامة بن زيد عامل رسول الله (ص) على غزوة الشام ، أما بعد ، فقد أتاني [ منك ] (٦) كتاب ينقض أوله آخره
__________________
(١) الاحتجاج ١ ـ ٨٧ [ طبعة النجف : ١ ـ ١١٤ ـ ١١٥ ].
(٢) في المصدر : أسامة بن زيد.
(٣) في المصدر : الشنيعة عنا.
(٤) زيادة من المصدر.
(٥) في المصدر : فكتب أسامة إليه.
(٦) في مطبوع البحار : لك ، والمثبت من المصدر.
ذكرت في أوله أنك خليفة رسول الله ، وذكرت في آخره أن المسلمين اجتمعوا (١) عليك فولوك أمورهم ورضوا بك (٢).
واعلم ، أني ومن (٣) معي من جماعة المسلمين والمهاجرين ، فلا والله ما رضينا بك (٤) ولا وليناك أمرنا ، وانظر أن تدفع الحق إلى أهله ، وتخليهم وإياه ، فإنهم أحق به منك.
فقد علمت ما كان من قول رسول الله صلىاللهعليهوآله في علي عليهالسلام يوم غدير خم (٥) ، فما طال العهد فتنسى.
انظر بمركزك ، ولا تخلف (٦) فتعصي الله ورسوله وتعصي [ من ] (٧) استخلفه رسول الله صلىاللهعليهوآله عليك وعلى صاحبك ، ولم يعزلني حتى قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأنك وصاحبك رجعتما وعصيتما ، فأقمتما في المدينة بغير إذني (٨).
قال : فهم (٩) أبو بكر أن يخلعها من عنقه ، قال : فقال له عمر : لا تفعل قميص قمصك الله لا تخلعه فتندم ، ولكن ألح على أسامة بالكتب ، ومر فلانا وفلانا وفلانا يكتبون إلى (١٠) أسامة أن لا يفرق جماعة المسلمين ، وأن يدخل يده (١١)
__________________
(١) في المصدر قد اجتمعوا.
(٢) في المصدر : أمرهم ورضوك.
(٣) في مطبوع البحار : واعلم أني أنا ومن.
(٤) في المصدر : ما رضيناك.
(٥) في المصدر : يوم الغدير.
(٦) في المصدر : انظر مركزك ولا تخالف.
(٧) في مطبوع البحار : ما ، والمثبت من المصدر.
(٨) في المصدر : إذن.
(٩) في المصدر : فأراد ، بدلا من : قال : فهم.
(١٠) في المصدر : ولكن ألح عليه بالكتب والرسائل ، ومر فلانا وفلانا أن يكتبوا إلى.
(١١) في المصدر : معهم ، بدلا من : يده.
فيما صنعوا.
قال : فكتب إليه أبو بكر ، وكتب إليه أناس (١) من المنافقين : أن ارض بما اجتمعنا عليه ، وإياك أن تشمل (٢) المسلمين فتنة من قبلك ، فإنهم حديثو عهد بالكفر.
فلما (٣) وردت الكتب على أسامة انصرف بمن معه حتى دخل المدينة ، فلما رأى اجتماع الناس (٤) على أبي بكر انطلق إلى علي بن أبي طالب فقال (٥) : ما هذا؟
فقال له (٦) علي : هذا ما ترى! قال له أسامة : فهل بايعته؟
فقال : نعم.
فقال له أسامة : طائعا أو كارها (٧)؟
قال : لا ، بل كارها قال : فانطلق أسامة فدخل على أبي بكر ، فقال (٨) : السلام عليك يا خليفة المسلمين.
قال : فرد (٩) أبو بكر وقال : السلام عليك أيها الأمير.
بيان : انظر بمركزك ، أي : إلى مركزك ومحلك الذي أقامك فيه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من عسكري ، وأمرك أن تكون فيهم ، أو من كونك رعية لأمير
__________________
(١) في المصدر : الناس.
(٢) في المصدر : أن تشتمل.
(٣) في المصدر : قال فلما.
(٤) في المصدر : الخلق.
(٥) في الاحتجاج : فقال له.
(٦) في المصدر : قال له.
(٧) في المصدر : فقال نعم يا أسامة ، فقال طائعا أو كرها.
(٨) في المصدر : وقال له.
(٩) في المصدر : فرد عليه.
المؤمنين عليهالسلام ، أو انظر في أمرك ، في مركزك ومقامك (١).
. ٢ ـ جا (٢) : علي بن محمد البصري ، عن (٣) أحمد بن إبراهيم ، عن (٤) زكريا بن يحيى ، عن (٥) عبد الجبار ، عن سفيان ، عن الوليد بن كثير ، عن ابن الصياد ، عن سعيد بن المسيب قال : لما قبض النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ارتجت مكة بنعيه.
فقال أبو قحافة : ما هذا؟
قالوا : قبض رسول الله.
قال : فمن ولي الناس بعده؟
قالوا : ابنك.
قال : فهل رضيت بنو عبد شمس وبنو المغيرة؟
قالوا : نعم.
قال : لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع الله ، ما أعجب هذا الأمر يتنازعون (٦) النبوة ويسلمون (٧) الخلافة ، ( إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ )
بيان : أي : ما أعجب منازعة بني عبد شمس وبني المغيرة في النبوة الحقة وتسليمهم الخلافة الباطلة.
( إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ ) ، أي : هذا الأمر لشيء من ريب الزمان يراد بنا فلا مرد
__________________
(١) قال في لسان العرب ٥ ـ ٣٥٥ : مركز الجند : الموضع الذي أمروا أن يلزموه وأمروا أن لا يبرحوه ، ومركز الرجل : موضعه ، يقال : أخل فلان بمركزه.
ولاحظ أيضا : مجمع البحرين ٤ ـ ٢١.
(٢) أمالي المفيد ـ المجالس ـ : ٩٠ ـ ٩١.
(٣) في المصدر : قال أخبرني أبو الحسن علي بن محمد البصري البزاز ، قال حدثنا أبو بشر.
(٤) في المصدر : قال حدثنا ، وفي ( ك ) ورد لفظ : ابن ، بدلا من لفظ : عن.
(٥) في المصدر : الساجي قال حدثنا.
(٦) خ. ل : تنازعون ، وكذا في المصدر.
(٧) خ. ل : تسلمون ، وكذا في المصدر.
له ، أو إن تولي أمر الخلافة شيء يتمنى ، أو يريده كل أحد ، أو إن دينكم يطلب ليؤخذ منكم كما قيل في الآية (١) ، والأخير هنا أبعد.
٣ ـ ج (٢) : روي (٣) أن أبا قحافة كان بالطائف لما قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله وبويع لأبي بكر ، فكتب إلى أبيه (٤) كتابا عنوانه : من خليفة رسول الله إلى أبي قحافة ، أما بعد ، فإن الناس قد تراضوا بي ، فأنا (٥) اليوم خليفة الله ، فلو قدمت علينا لكان أحسن بك.
فلما (٦) قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول : ما منعهم (٧) من علي؟
قال الرسول (٨) : هو حدث السن ، وقد أكثر القتل في قريش وغيرها ، وأبو بكر أسن منه.
قال أبو قحافة : إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر ، لقد ظلموا عليا حقه ، ولقد بايع (٩) له النبي وأمرنا ببيعته.
ثم كتب إليه : من أبي قحافة إلى أبي بكر (١٠) أما بعد ، فقد أتاني كتابك ، فوجدته كتاب أحمق ينقض بعضه بعضا ، مرة تقول : خليفة الله ، ومرة تقول : خليفة رسول الله ، ومرة (١١) تراضى بي الناس ، وهو أمر ملتبس ، فلا تدخلن
__________________
(١) سورة ص : ٦ « إن هذا لشيء يراد ».
(٢) الاحتجاج ١ ـ ٨٧ ـ ٨٨ [ طبعة النجف : ١ ـ ١١٥ ].
(٣) في المصدر : وروي.
(٤) في المصدر : فكتب ابنه إليه.
(٥) في المصدر : فإني.
(٦) في المصدر : فلو قدمت علينا كان أقر لعينك ، قال فلما.
(٧) في المصدر : ما منعكم.
(٨) لا يوجد في المصدر : الرسول.
(٩) في الاحتجاج : وقد بايع.
(١٠) في المصدر : إلى ابنه أبي بكر.
(١١) في المصدر : خليفة رسول الله ومرة تقول خليفة الله ومرة تقول ..
في أمر يصعب عليك الخروج منه غدا ، ويكون عقباك منه إلى الندامة (١) ، وملامة النفس اللوامة ، لدى الحساب يوم (٢) القيامة ، فإن للأمور مداخل ومخارج ، وأنت تعرف من هو أولى منك بها (٣) ، فراقب الله كأنك تراه ، ولا تدعن صاحبها ، فإن تركها اليوم أخف عليك وأسلم لك ..
٤ ـ شف (٤) : من كتاب البهار للحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن رئاب (٥) ، عن فضيل الرسان والحسن بن السكن (٦) ، عمن أخبره ، عن أبي أمامة قال : لما قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله كتب أبو بكر إلى أسامة بن زيد : من أبي بكر خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآله (٧) إلى أسامة بن زيد ، أما بعد ، فإن المسلمين اجتمعوا علي لما أن قبض رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله فإذا أتاك كتابي هذا فأقبل.
قال : فكتب إليه (٨) أسامة بن زيد : أما بعد ، فإنه جاءني كتاب لك ينقض آخره أوله ، كتبت إلي : من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وعلى أهل بيته ، ثم أخبرتني أن المسلمين اجتمعوا عليك.
قال : فلما قدم عليه قال له : يا أبا بكر! أما تذكر رسول الله صلى الله
__________________
(١) في المصدر : إلى النار والندامة.
(٢) في المصدر : بيوم.
(٣) في المصدر : بها منك.
(٤) كشف اليقين ـ اليقين ـ : ٩٥.
(٥) في المصدر : فيما نذكره عن الحسين بن سعيد عن كتابه ـ كتاب البهار في إنكار أسامة بن زيد لأبي بكر ، بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لهم أن يسلموا على علي بإمرة المؤمنين ـ نذكر ما نحتاج إليه بلفظه المعتمد عليه ونترك ما لا ضرورة إليه ، فنقول : عن رجال الحسين ما هذا لفظه : محمد ابن أبي عمير ، عن علي بن الزيات.
(٦) في المصدر : سكن العرار.
(٧) في المصدر : صلى الله عليه وعلى أهل بيته.
(٨) لا يوجد في المصدر : إليه.
عليه وآله حين أمرنا أن (١) نسلم على علي بإمرة المؤمنين ، فقلت : أمن الله ومن رسوله؟! فقال لك : نعم ، ثم قام عمر فقال : أمن الله ومن رسوله؟! فقال : نعم ، ثم قام (٢) القوم فسلموا عليه ، فكنت أصغركم سنا ، فقمت فسلمت بإمرة المؤمنين؟!
فقال : إن الله لم يكن ليجمع (٣) لهم النبوة والخلافة.
__________________
(١) في المصدر : فلما قدم عليه وعلى أهل بيته حين أمرنا أن .. والظاهر وجود سقط في المصدر.
(٢) في (س) : قال ، بدلا من : قام.
(٣) في المصدر : يجمع.
١٠ ـ باب
إقرار أبي بكر بفضل أمير المؤمنين وخلافته بعد الغصب
١ ـ ج (١) : عن عامر الشعبي ، عن عروة بن الزبير ، عن الزبير (٢) بن العوام قال : لما قال المنافقون : إن أبا بكر تقدم عليا وهو يقول : أنا أولى بالمكان منه.
قام أبو بكر خطيبا فقال : صبرا على من ليس يئول إلى دين ، ولا يحتجب برعاية ، ولا يرعوي (٣) لولاية ، أظهر الإيمان ذلة ، وأسر (٤) النفاق علة (٥) ، هؤلاء عصبة الشيطان ، وجمع الطغيان ..
تزعمون (٦) أني أقول : إني أفضل من علي ، وكيف أقول ذلك؟ وما لي سابقته ولا قرابته ولا خصوصيته ، وحد الله وأنا ملحده ، وعبده (٧) قبل أن أعبده ، ووالى
__________________
(١) الاحتجاج ١ ـ ٨٨ [ طبعة النجف : ١ ـ ١١٥ ـ ١١٦ ].
(٢) لا يوجد في المصدر : عن الزبير ، وهو الظاهر.
(٣) أي : لا ينزجر عن القبيح.
(٤) خ. ل : أسس.
(٥) في المصدر : غلة.
(٦) احتجاج : يزعمون.
(٧) في المصدر : عبده علي.
الرسول وأنا عدوه ، وسبقني بساعات لو تقطعت (١) لم ألحق ثناءه (٢) ، ولم أقطع غباره.
إن (٣) علي بن أبي طالب فاز ـ والله ـ من الله بمحبته (٤) ، ومن الرسول بقربة (٥) ، ومن الإيمان برتبة ، لو جهد الأولون والآخرون ـ إلا النبيين ـ لم يبلغوا درجته ، ولم يسلكوا منهجه.
بذل لله (٦) مهجته ، ولابن عمه مودته ، كاشف الكرب ، ودافع (٧) الريب ، وقاطع السبب إلا سبب الرشاد ، وقامع الشرك ، ومظهر ما تحت سويداء حبة النفاق ، مجنة هذا (٨) العالم ، لحق قبل أن يلاحق ، وبرز قبل أن يسابق ، جمع العلم والحلم والفهم ، فكأن جميع الخيرات كانت (٩) لقلبه كنوزا ، لا يدخر منها مثقال ذرة إلا أنفقه في بابه.
فمن ذا يأمل (١٠) أن ينال درجته وقد جعله الله ورسوله للمؤمنين وليا ، وللنبي
__________________
(١) في المصدر : انقطعت.
(٢) خ. ل : شاره ، وفي نسخة : شأوه ، وكذا في المصدر ، وقد تعرض المصنف قدسسره إلى ذلك في بيانه.
(٣) في الاحتجاج : وإن.
(٤) في نسخة : محبة ، وفي المصدر بمحبة.
(٥) في المصدر : بقرابة.
(٦) في المصدر : في الله.
(٧) خ. ل : دامغ ، وكذا في المصدر.
(٨) في المصدر : محنة لهذا .. : قال في الصحاح ٥ ـ ٢٠٩٤ : المجنة ـ أيضا ـ : الموضع الذي يستتر فيه انتهى.
أقول : يكون المعنى أن أمير المؤمنين عليهالسلام مجنة هذا العالم ، أي كل ما في العالم مستتر في نفس أمير المؤمنين عليهالسلام.
(٩) لا يوجد في المصدر : كانت.
(١٠) في المصدر : يؤمل.