بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

هواه ، ويصدق ما وافق رضاه .. هذا آخر كلام الجاحظ (١).

ثم قال السيد رضي‌الله‌عنه (٢) : فإن قيل : ليس ما عارض به الجاحظ من الاستدلال بترك النكير ، وقوله : كما لم ينكروا على أبي بكر ، فلم ينكروا أيضا على فاطمة عليها‌السلام ولا غيرها من المطالبين (٣) بالميراث كالأزواج وغيرهن معارضة صحيحة ، وذلك أن نكير أبي بكر لذلك ودفعه والاحتجاج عليه يكفيهم ويغنيهم عن تكلف نكير (٤) ، ولم ينكر على أبي بكر ما رواه منكر فيستغنوا بإنكاره (٥).

قلنا : أول ما يبطل هذا السؤال أن أبا بكر لم ينكر عليها ما أقامت عليه بعد احتجاجها بالخبر من التظلم والتألم ، والتعنيف والتبكيت (٦) ، وقولها ـ على ما روي ـ : والله لأدعون الله عليك ... ، ولا كلمتك أبدا ، و ... ما جرى هذا المجرى ، فقد كان يجب أن ينكره غيره ، فمن المنكر الغضب على المنصف. وبعد ، فإن كان إنكار أبي بكر مقنعا أو مغنيا عن إنكار غيره من المسلمين ، فإنكار فاطمة عليها‌السلام حكمه ، ومقامها على التظلم منه يغني (٧) عن نكير غيرها ، وهذا واضح لمن أنصف من نفسه. انتهى كلامه رفع الله مقامه ..

__________________

(١) وقد حكاه السيد المرتضى في الشافي ٤ ـ ٨٤ ـ ٨٩ [ وفي الطبعة الحجرية ٢٣٣ ـ ٢٣٤ وابن أبي الحديد في شرح النهج ١٦ ـ ٢٦٣ ـ ٢٦٧ كما سلف.

(٢) وحكاه ابن أبي الحديد أيضا في شرحه على النهج ١٦ ـ ٢٦٧ ـ ٢٦٨ باختلاف وتصرف.

(٣) في الشافي : ولا على غيرها من المطالبين ، وفي شرح النهج : ولا غيرها من الطالبين.

(٤) في الشافي وشرح النهج : نكير آخر.

(٥) الشافي ٤ ـ ٨٩ ـ ٩٠ [ وفي الطبعة الحجرية : ٢٣٤ ] بتصرف يسير.

(٦) في ( ك‍ ) : التكيت ، وهو غلط. وقد جاء في حاشيتها ما نصه : التبكيت ـ كالتقريع والتوبيخ ـ كما يقال له : يا فاسق أما استحييت؟ ، أما خفت الله .. قال الهروي : ويكون باليد والعصا ، ويقال : بكته بالحجة : إذا غلبه ، وقد يكون التبكيت بلفظ الخبر ، كما في قول إبراهيم عليه‌السلام : « بل فعله كبيرهم هذا .. » فإنه تبكيت وتوبيخ على عبادتهم الأصنام. مجمع.

انظر : مجمع البحرين ٢ ـ ١٩٢.

(٧) في شرح النهج لابن أبي الحديد : مغن.

٣٨١

الخامسة : قال ابن أبي الحديد (١) : اعلم أن الناس يظنون أن نزاع فاطمة (ع) أبا بكر كان في أمرين : في الميراث والنحلة ، وقد وجدت في الحديث أنها نازعت في أمر ثالث ، ومنعها أبو بكر إياه أيضا ، وهو سهم ذي القربى.

روى أحمد بن عبد العزيز الجوهري (٢) عن أنس : أن فاطمة عليها‌السلام لما أتت أبا بكر فقالت : قد علمت الذي حرم علينا (٣) أهل البيت (ع) من الصدقات ، وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى! ثم قرأت عليه قوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) (٤) الآية ، فقال لها أبو بكر : بأبي أنت وأمي ووالد ولدك (٥) السمع والطاعة لكتاب الله ، ولحق رسوله (ص) وحق قرابته ، وأنا أقرأ من كتاب الله الذي تقرءين (٦) ، ولم يبلغ علمي منه أن هذا السهم من الخمس مسلم إليكم (٧) كاملا؟ قالت : أملك هو لك ولأقربائك (٨)؟! قال : لا ، بل أنفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين. قالت : ليس هذا بحكم الله تعالى؟! فقال : هذا حكم الله ، فإن كان رسول الله (ص) عهد إليك في هذا عهدا (٩) صدقتك وسلمته كله إليك وإلى أهلك. قالت : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعهد إلي في

__________________

(١) في شرحه على نهج البلاغة ١٦ ـ ٢٣٠ ـ ٢٣١ باختلاف يسير.

(٢) في شرح النهج : أخبرني أبو زيد عمر بن شبه ، قال : حدثني هارون بن عمير ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا صدقة أبو معاوية ، عن محمد بن عبد الله ، عن محمد بن عبد الرحمن أبي بكر ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك.

(٣) في شرح النهج : الذي ظلمتنا عليه.

(٤) الأنفال : ٤١.

(٥) في ( ك‍ ) : خ. ل : وولدك ولدي.

(٦) في المصدر : تقرءين منه.

(٧) في شرح النهج : يسلم إليكم.

(٨) في المصدر : أفلك هو ولأقربائك؟.

(٩) في شرح النهج : أو أوجبه لكم حقا.

٣٨٢

ذلك بشيء ، إلا أني سمعته يقول لما أنزلت هذه الآية : أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى (١)!. قال أبو بكر : لم يبلغ من (٢) هذه الآية أن أسلم إليكم هذا السهم كله كاملا ، ولكن لكم الغنى (٣) الذي يغنيكم ويفضل عنكم ، وهذا عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهما فاسأليهم عن ذلك وانظري هل يوافقك على ما طلبت أحد منهم؟ فانصرفت إلى عمر فقالت له مثل ما قالت لأبي بكر ، فقال لها مثل ما قال لها أبو بكر ، فتعجبت (٤) فاطمة عليها‌السلام من ذلك وتظنت أنهما قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه.

ثم قال : قال (٥) أحمد بن عبد العزيز : حدثنا أبو زيد ـ بإسناده إلى عروة قال : أرادت فاطمة عليها‌السلام أبا بكر على فدك وسهم ذي القربى ، فأبى عليها وجعلهما في مال الله تعالى.

ثم روى عن الحسن بن علي (٦) عليهما‌السلام : أن أبا بكر منع فاطمة (ع) وبني هاشم سهم ذي القربى وجعلها (٧) في سبيل الله في السلاح والكراع.

ثم روى بإسناده عن محمد بن إسحاق قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام قلت : أرأيت عليا (ع) حين ولي العراق وما ولي من أمر الناس ، كيف صنع في سهم ذي القربى؟ قال : سلك بهم طريق أبي بكر وعمر : قلت : كيف؟ ولم؟ وأنتم تقولون ما تقولون؟ قال : أما والله ما كان أهله يصدرون إلا عن رأيه. فقلت : فما منعه؟ قال : يكره (٨) أن يدعى عليه مخالفة أبي بكر وعمر. انتهى

__________________

(١) في (س) : الفيء.

(٢) في المصدر : علمي من.

(٣) في (س) : الفيء.

(٤) في شرح النهج : فعجبت.

(٥) لا توجد : قال ، في طبعة (س).

(٦) في المصدر : الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب.

(٧) في المصدر : وجعله.

(٨) في شرح النهج : كان يكره.

٣٨٣

ما أخرجه ابن أبي الحديد من كتاب أحمد بن عبد العزيز (١).

وروى في جامع الأصول (٢) من سنن أبي داود (٣) عن جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقسم (٤) لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئا كما قسم لبني هاشم (٥) ، قال : وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن يعطي منه قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعطيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عمر يعطيهم ومن كان بعده منه.

وروى مثله بسند آخر عن جبير بن مطعم ..

ثم قال : وفي أخرى له والنسائي (٦) : لما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب.

ثم قال : وأخرج النسائي (٧) أيضا بنحو من هذه الروايات من طرق متعددة بتغيير بعض ألفاظها واتفاق المعنى (٨).

وروى أيضا (٩) عن أبي داود (١٠) بإسناده عن يزيد بن هرمز أن ابن الزبير

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٦ ـ ٢٣٠ ـ ٢٣٢.

(٢) جامع الأصول ٣ ـ ٢٩٥ ، [ طبعة الأرناووط ٢ ـ ٦٩٢ في ضمن حديث ١١٩٥ ].

(٣) سنن أبي داود ، كتاب الخراج والإمارة والفيء ، باب ١٩.

(٤) في (س) : ليقسم.

(٥) زاد في المصدر : وبني المطلب.

(٦) سنن النسائي ٧ ـ ١٣٠ ـ ١٣١ في كتاب الفيء.

(٧) سنن النسائي ٧ ـ ١٣٠ ـ ١٣١ في كتاب الفيء.

(٨) جامع الأصول ٣ ـ ٢٩٦ ـ ٢٩٧ [ طبعة الأرناووط ٢ ـ ٦٩٣ في ضمن حديث ١١٩٥ ].

(٩) جامع الأصول ٣ ـ ٢٩٨ [ طبعة الأرناووط ٢ ـ ٦٩٥ ، حديث ١١٩٧ ] ، وقد وقع فيه لبس ، حيث جاءت الرواية هكذا : أن نجدة الحروري حين حج في فتنة ابن الزبير ، أرسل إلى ابن عباس يسأله .. إلى آخره.

(١٠) سنن أبي داود برقم : ٢٩٧٨ و ٢٩٧٩ و ٢٩٨٠ كتاب الخراج والإمارة ، باب بيان مواقع قسم الخمس وسهم ذي القربى.

٣٨٤

أرسل إلى ابن العباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن يراه؟ فقال له : لقربى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ، قسمه رسول الله لهم وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رأيناه دون حقنا ورددناه عليه وأبينا أن نقبله (١).

وروى مثله عن النسائي (٢) أيضا ، وقال :و في أخرى له مثل أبي داود (٣) ، وفيه : وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم ، ويقضي عن غارمهم ، ويعطي فقيرهم ، وأبى أن يزيدهم على ذلك (٤).

وروى العياشي في تفسيره (٥) رواية ابن عباس ورويناه في موضع آخر.

وروى أيضا (٦) عن أبي جميلة عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قد فرض الله الخمس نصيبا (٧) لآل محمد عليهم‌السلام فأبى أبو بكر أن يعطيهم نصيبهم حسدا وعداوة ، وقد قال الله : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (٨).

والأخبار من طريق أهل البيت عليهم‌السلام في ذلك أكثر من أن تحصى ، وسيأتي بعضها في أبواب الخمس والأنفال إن شاء الله تعالى (٩).

فإذا اطلعت على ما نقلناه من الأخبار من صحاحهم نقول : لا ريب في

__________________

(١) وأخرجه أيضا مسلم في صحيحه بمعناه تحت رقم ١٨١٢ كتاب الجهاد ، باب النساء الغازيات رضخ لهن ولا يسهم.

(٢) سنن النسائي ٧ ـ ١٢٨ ـ ١٢٩ كتاب قسم الفيء.

(٣) سنن أبي داود تحت رقم : ٢٩٨٢ كتاب الخراج والإمارة ، باب بيان مواقع قسم الخمس وسهم ذي القربى.

(٤) جامع الأصول ٣ ـ ٢٩٩ [ طبعة الأرناووط ٢ ـ ٦٩٥ ـ ٦٩٦ ذيل حديث ١١٩٧ ].

(٥) تفسير العياشي ٢ ـ ٦١ ، حديث ٥٢.

(٦) تفسير العياشي ١ ـ ٣٢٥ ، حديث ١٣٠.

(٧) لا توجد : نصيبا ، في (س).

(٨) المائدة : ٤٧.

(٩) بحار الأنوار ٩٦ ـ الباب الثالث والعشرون : ١٩١ ، والباب الرابع والخامس والعشرون : ١٩٦ ٢١٣.

٣٨٥

دلالة الآية على اختصاص ذي القربى بسهم خاص سواء كان هو سدس الخمس ـ كما ذهب إليه أبو العالية وأصحابنا ورووه عن أئمتنا عليهم‌السلام ـ ، وهو الظاهر من الآية ـ كما اعترف به البيضاوي (١) وغيره ـ ، أو خمس الخمس لاتحاد سهم الله وسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكر الله للتعظيم كما زعم ابن عباس وقتادة وعطاء (٢) ، أو ربع الخمس والأرباع الثلاثة الباقية للثلاثة الأخيرة كما زعمه الشافعي (٣) ، وسواء كان المراد بذي القربى أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته وبعده الإمام من أهل البيت عليهم‌السلام ـ كما ذهب إليه أكثر أصحابنا (٤) أو جميع بني هاشم كما ذهب إليه بعضهم (٥).

وعلى ما ذهب إليه الأكثر بكون دعوى فاطمة عليها‌السلام نيابة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام تقية ، أو كان المراد بني هاشم وبني المطلب كما زعمه الشافعي (٦) ، أو آل علي وعقيل وآل عباس وولد الحارث بن عبد المطلب كما قال أبو حنيفة (٧).

وعلى أي حال ، فلا ريب أيضا في أن الظاهر من الآية تساوي الستة في السهم ، ولم يختلف الفقهاء في أن إطلاق الوصية والأقوال لجماعة معدودين يقتضي التسوية لتساوي النسبة ، ولم يشترط الله عز وجل في ذي القربى فقرا أو مسكنة بل

__________________

(١) تفسير البيضاوي ١ ـ ٣٨٤.

(٢) كما نسبه إليهم الفخر الرازي في التفسير الكبير ١٥ ـ ١٦٥ ، وانظر : الدر المنثور للسيوطي ٢ ـ ٣٣٥ وما بعدها ، والكشاف ٢ ـ ٢٢١ وما يليها ، ومجمع البيان ٤ ـ ٥٤٣ ـ ٥٤٥ وغيرها.

(٣) المنقول عن الشافعي تقسيمه للخمس إلى خمسة أقسام ، كما صرح بذلك في بداية المجتهد ١ ـ ٤٠٧ ، ولاحظ : السراج الوهاج : ٣٥١ ، وجواهر الكلام ١٦ ـ ٨٩.

(٤) كما صرح بذلك في الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ٢ ـ ٧٨ ـ ٨٢ ، وجامع المقاصد ٣ ـ ٥٣ ٥٥ والحدائق الناضرة ١٢ ـ ٣٦٩ ـ ٣٧٨ ، ومستمسك العروة الوثقى ٩ ـ ٥٦٧ ـ ٥٩٦ وغيرها ، ولاحظ روايات الباب في كتاب وسائل الشيعة ٩ ـ أبواب قسمة الخمس.

(٥) كما نص عليه صاحب الجواهر في موسوعته ١٦ ـ ٨٦ ـ ٨٩ وغيره.

(٦) ونص عليه في السراج الوهاج : ٣٥١ ، وصاحب الجواهر ١٦ ـ ٨٧ وغيرهما.

(٧) قاله في التفسير الكبير ١٥ ـ ١٦٦ وغيره.

٣٨٦

قرنه بنفسه وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للدلالة على عدم الاشتراط ، وقد احتج بهذا الوجه الرضا عليه‌السلام على علماء العامة في حديث طويل (١) بين فيه فضل العترة الطاهرة ، وسيأتي في محله (٢).

وأما التقييد اجتهادا فمع بطلان الاجتهاد الغير المستند (٣) إلى حجة فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدفع التقييد ، لدلالة خبر جبير وغيره على أنه لم يعطهم ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعطيهم ، وقد قال أبو بكر في رواية أنس : لكم الغنى الذي يغنيكم ويفضل عنكم ، فما زعمه أبو بكر من عدم دلالة الآية على أن السهم مسلم لذي القربى ووجوب صرف الفاضل من السهم عن حاجتهم في مصالح المسلمين مخالف للآية والأخبار المتفق على صحتها ، وقد قال سبحانه في آخر الآية : ( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا ) ... (٤). واعترف الفخر الرازي في تفسيره بأن من لم يحكم بهذه القسمة فقد خرج عن الإيمان (٥) ، وقال تعالى :( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (٦) ، وقال : ( هُمُ الْفاسِقُونَ ) (٧) ، وقال : ( هُمُ الظَّالِمُونَ ) (٨) ، فاستحق بما صنع ما يستحقه الراد على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

السادسة : ما دلت عليه الروايات السالفة وما سيأتي في باب شهادة فاطمة عليها‌السلام من أنها أوصت أن تدفن سرا (٩) ، وأن لا يصلي عليها أبو بكر وعمر

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ ـ ٢٣٣ ، وما قبلها وبعدها.

(٢) بحار الأنوار ٩٦ ـ الباب الرابع والعشرون : ١٩٨.

(٣) كذا ، والصحيح : غير المستند ، والمشهور غلطا : الغير مستند.

(٤) الأنفال : ٤١.

(٥) تفسير الفخر الرازي ١٥ ـ ١٦٥.

(٦) المائدة : ٤٤.

(٧) المائدة : ٤٧.

(٨) المائدة : ٤٥.

(٩) مما سيأتي بيانه في الأجزاء الآتية وتعرض له شيخنا المجلسي في بحاره ٤٣ ـ ١٥٥ ـ ٢١٨.

٣٨٧

لغضبها عليهما في منع فدك (١) وغيره من أعظم الطعون عليهما.

وأجاب عنه قاضي القضاة في المغني (٢) بأنه قد روي أن أبا بكر هو الذي صلى على فاطمة عليها‌السلام وكبر أربعا ، وهذا أحد ما استدل به كثير من الفقهاء (٣) في التكبير على الميت ، ولا يصح أنها دفنت ليلا ، وإن صح ذلك فقد دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلا ، وعمر دفن ليلا (٤) ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدفنون بالنهار ويدفنون بالليل ، فما في هذا مما (٥) يطعن به ، بل الأقرب في النساء أن دفنهن ليلا أستر وأولى بالسنة (٦).

ورد عليه السيد الأجل في الشافي (٧) : بأن ما ادعيت من أن أبا بكر هو الذي صلى على فاطمة عليها‌السلام وكبر أربعا ، وأن كثيرا من الفقهاء يستدلون به في التكبير على الميت فهو شيء ما سمع إلا منك ، وإن كنت تلقيته عن غيرك فممن يجري مجراك في العصبية ، وإلا فالروايات المشهورة وكتب الآثار والسير خالية من ذلك ، ولم يختلف أهل النقل في أن أمير المؤمنين عليه‌السلام صلى (٨) على فاطمة عليها‌السلام إلا رواية شاذة نادرة وردت بأن العباس صلى عليها (٩).

روى الواقدي (١٠) بإسناده عن عكرمة قال : سألت ابن العباس : متى دفنت (١١) فاطمة عليها‌السلام؟ قال : دفناها بليل بعد هدأة. قال : قلت : فمن

__________________

(١) فصلها الشيخ الأميني في غديره في أكثر من مكان ، انظر مثلا : ٧ ـ ٢٢٩.

(٢) المغني ، الجزء العشرون ، القسم الأول : ٣٣٥ ، باختلاف أشرنا لبعضه.

(٣) في المغني : أن أبا بكر صلى على فاطمة (ع) وكبر عليها أربعا ، هذا أحد ما يستدل به الفقهاء.

(٤) في المصدر : ودفن عمر ابنه ليلا.

(٥) جاء في طبعة كمباني : ما ، بدلا من : مما.

(٦) جاء في المغني : فما في هذا من الطعن ، بل الأقرب أن دفنهم ليلا أستر وأقرب إلى السنة.

(٧) الشافي : ٢٣٩ ـ حجرية ـ [ الطبعة الجديدة ٤ ـ ١١٣ ـ ١١٥ ] ، باختلاف يسير.

(٨) في المصدر : هو الذي صلى.

(٩) كما ذكره سيدنا المرتضى علم الهدى في الشافي ٤ ـ ١١٣ ، وكذا كل الذي جاء بعد هذا.

(١٠) لعله جاء في كتابه الجمل الذي لا نعلم بطبعه ولم نحصل على نسخته.

(١١) في الشافي : دفنتم.

٣٨٨

صلى عليها؟ قال : علي عليه‌السلام.

وروى الطبري (١) ، عن الحرث بن أبي أسامة ، عن المدائني ، عن أبي زكريا العجلاني أن فاطمة عليها‌السلام عمل لها نعش قبل وفاتها ، فنظرت (٢) وقالت : سترتموني ستركم الله ، قال أبو جعفر محمد بن جرير : والثبت (٣) في ذلك أنها (٤) زينب ، لأن فاطمة عليها‌السلام (٥) دفنت ليلا ولم يحضرها إلا العباس وعلي والمقداد والزبير.

وروى القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بإسناده في تاريخه (٦) عن الزهري قال : حدثني عروة بن الزبير : أن عائشة أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليه وعليها عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها علي عليه‌السلام ليلا ، وصلى عليها علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وذكر في كتابه هذا (٧) أن أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم‌السلام دفنوها ليلا وغيبوا قبرها.

وروى سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن الحسن بن محمد : أن فاطمة عليها‌السلام دفنت ليلا.

وروى عبد الله بن أبي شيبة ، عن يحيى بن سعيد العطار ، عن معمر ، عن الزهري مثل ذلك ..

__________________

(١) لم نجد الرواية في تاريخ الطبري ٣ ـ ٢٤٠ حوادث سنة ١١ ه‍ ، ولعلها في غيره من كتبه ، وقد أخذها العلامة المجلسي طاب ثراه من السيد المرتضى في الشافي.

(٢) في الشافي : فنظرت إليه.

(٣) في الشافي : وثابت.

(٤) لا توجد : أنها ، في (س).

(٥) في الشافي : لا فاطمة عليها‌السلام.

(٦) تاريخ الشجري للقاضي أبو بكر أحمد بن كامل.

(٧) تاريخ الشجري : ولم نحصل عليه.

٣٨٩

وقال البلاذري في تاريخه (١) إن فاطمة عليها‌السلام لم تر متبسمة (٢) بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ، ولم يعلم أبو بكر وعمر بموتها.

والأمر في هذا أوضح وأظهر من أن يطنب في الاستشهاد عليه ويذكر الروايات فيه.

فأما قوله : ولا يصح أنها دفنت ليلا ، وإن صح فقد دفن فلان وفلان ليلا .. فقد بينا أن دفنها ليلا في الصحة كالشمس الطالعة ، وأن منكر ذلك كدافع المشاهدات ، ولم نجعل دفنها ليلا بمجرده هو (٣) الحجة فيقال : فقد دفن فلان وفلان ليلا ، بل مع الاحتجاج بذلك على.ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة التي هي كالمتواتر أنها عليها‌السلام أوصت بأن تدفن ليلا حتى لا يصلي عليها الرجلان (٤) ، وصرحت بذلك ، وعهدت فيه عهدا بعد أن كانا استأذنا عليها في مرضها ليعوداها ، فأبت أن تأذن لهما ، فلما طال عليهما المدافعة رغبا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام في أن يستأذن لهما ، وجعلاها حاجة إليه ، فكلمها أمير المؤمنين عليه‌السلام في ذلك وألح عليها فأذنت لهما في الدخول ، ثم أعرضت عنهما عند دخولهما ولم تكلمهما ، فلما خرجا قالت لأمير المؤمنين عليه‌السلام : قد صنعت (٥) ما أردت؟ قال : نعم. قالت : فهل أنت صانع ما آمرك؟ قال : نعم. قالت : فإني أنشدك الله أن لا يصليا على جنازتي ، ولا يقوما على قبري.

وروي أنه عليه‌السلام عمى على قبرها ورش أربعين قبرا في البقيع ولم يرش على قبرها حتى لا يهتديا إليه ، وأنهما عاتباه على (٦) ترك إعلامهما بشأنها وإحضارهما

__________________

(١) تاريخ البلاذري : ولم نحصل عليه ، ولم نجده في الأنساب وغيره.

(٢) في الشافي : مبتسمة.

(٣) في ( ك‍ ) : وهو.

(٤) ذكرنا وسنذكر جملة من المصادر ، وانظر كتاب سليم بن قيس : ٢٥٥ ، وتفصيل المصادر في الغدير ٧ ـ ٣٢٧ وغيرهما.

(٥) في الشافي : أليس قد صنعت.

(٦) في المصدر : وإنما عاتبا على ..

٣٩٠

للصلاة عليها، فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلا ، ولو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدم عليه وتأخر عنه لم يكن فيه حجة. انتهى كلامه رفع الله مقامه (١).

ومما يدل من صحاح أخبارهم على دفنها ليلا ، وأن أبا بكر لم يصل عليها ، وعلى غضبها عليه وهجرتها إياه ، ما رواه مسلم في صحيحه (٢) وأورده في جامع الأصول (٣) في الباب الثاني من كتاب الخلافة والإمارة من حرف الخاء عن عائشة ـ في حديث طويل بعد ذكر مطالبة فاطمة عليها‌السلام أبا بكر في ميراث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفدك ، وسهمه من خيبر ـ قالت : فهجرته فاطمة عليها‌السلام فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها علي (ع) ليلا (٤) ولم يؤذن بها أبا بكر ، قالت : فكانت لعلي وجه من الناس حياة فاطمة فلما توفيت فاطمة عليها‌السلام انصرفت وجوه الناس عن علي عليه‌السلام ، ومكثت فاطمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ستة أشهر ثم توفيت.

وروى ابن أبي الحديد (٥) عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن هشام بن محمد عن أبيه قال : قالت فاطمة عليها‌السلام لأبي بكر : إن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاني فدك. فقال : يا بنت (٦) رسول الله! والله ما خلق الله خلقا أحب إلي من رسول الله (ص) أبيك ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك ، والله لأن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري ، أتراني

__________________

(١) الشافي : ٢٣٩ [ ٤ ـ ١١٣ ـ ١١٥ ] بتصرف كما سلف.

(٢) صحيح مسلم ٥ ـ ١٥٤ ، باب حكم الفيء.

(٣) جامع الأصول ٤ ـ ٤٨٢ ، حديث ٢٠٧٩ ، وحكاه العلامة الأميني رحمه‌الله في غديره عن عدة مصادر ، لاحظ : ٧ ـ ٢٢٧ وغيره.

(٤) لا توجد : ليلا ، في (س).

(٥) في شرحه على نهج البلاغة ١٦ ـ ٢١٤ ، وقد مرت هذه الرواية عن نفس المصدر في صفحة ٣٢٨ من هذا الكتاب ، فراجع.

(٦) في المصدر : فقال لها يا بنية. وهي نسخة على مطبوع البحار.

٣٩١

أعطي الأسود والأحمر (١) حقه وأظلمك حقك وأنت بنت رسول الله (ص)! إن هذا المال لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم (٢) وليته كما كان يليه! قالت : والله لا كلمتك أبدا!. قال : والله لا هجرتك أبدا. قال : والله لأدعون الله عليك. قال : والله لأدعون الله لك. فلما حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلي (٣) عليها ، فدفنت ليلا ، وصلى عليها العباس بن عبد المطلب ، وكان بين وفاتها ووفاة أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) اثنتان وسبعون ليلة (٥).

ومما يؤيد إخفاء دفنها جهالة قبرها والاختلاف فيه بين الناس إلى يومنا هذا ، ولو كان بمحضر من الناس لما اشتبه على الخلق ولا اختلف فيه.

السابعة : مما يرد من الطعون على أبي بكر في تلك الواقعة أنه مكن أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التصرف في حجراتهن بغير خلاف ، ولم يحكم فيها بأنها صدقة ، وذلك يناقض ما منعه في أمر فدك وميراث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن انتقالها إليهن إما على جهة الإرث أو النحلة ، والأول مناقض لروايته في الميراث ، والثاني يحتاج إلى الثبوت ببينة ونحوها ، ولم يطالبهن بشيء منها كما طالب فاطمة عليها‌السلام في دعواها ، وهذا من أعظم الشواهد لمن له أدنى بصيرة ، على أنه لم يفعل ما فعل إلا عداوة لأهل بيت الرسالة ، ولم يقل ما قال إلا افتراء على الله وعلى رسوله.

ولنكتف (٦) بما ذكرنا ، فإن بسط الكلام في تلك المباحث مما يوجب كثرة حجم الكتاب وتعسر تحصيله على الطلاب.

__________________

(١) في المصدر : الأحمر والأبيض.

(٢) هنا سقط ، وفي شرح النهج : وإنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال وينفقه في سبيل الله ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم.

(٣) في المصدر : ألا يصلي.

(٤) في المصدر : عليها بدلا من عليه وآله.

(٥) وذكره الخوارزمي في مقتله ١ ـ ٨٣ باختلاف يسير.

(٦) في (س) : ولتكتف.

٣٩٢

فانظر أيها العاقل المنصف بعين البصيرة! فيما اشتمل عليه تلك (١) الأخبار الكثيرة التي أوردوها في كتبهم المعتبرة عندهم من حكم سيدة النساء صلوات الله عليها ـ مع عصمتها وطهارتها ـ باغتصابهم للخلافة وأنهم أتباع الشيطان ، وأنه ظهر فيهم حسيكة النفاق ، وأنهم أرادوا إطفاء نور الدين ، وإهماد سنن سيد المرسلين صلوات الله عليه وآله أجمعين ، وأنهم آذوا أهل بيته وأضمروا لهم العداوة .. وغير ذلك مما اشتملت عليه الخطبة الجليلة .. (٢)!.

فهل يبقى بعد ذلك شك في بطلان خلافة أبي بكر ونفاقه ونفاق أتباعه؟!.

ثم إنها عليها‌السلام حكمت بظلم أبي بكر في منعها الميراث صريحا بقولها عليها‌السلام : لقد جئت ( شَيْئاً فَرِيًّا ) (٣) ، ودعت الأنصار إلى قتاله ، فثبت جواز قتله ، ولو كان إماما لم يجز قتله.

ثم انظر إلى هذا المنافق كيف شبه أمير المؤمنين وسيد الوصيين وأخا سيد المرسلين وزوجه الطاهرة : بثعالة شهيده ذنبه ، وجعله مربا لكل فتنة ، ثم إلى موت فاطمة صلوات الله عليها ساخطة على أبي بكر مغضبة عليه منكرة لإمامته ، وإلى إنكار أبي بكر كون فدك خالصة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع كونه مخالفا للآية والإجماع وأخبارهم ، وإلى أنه انتزع فدك من يد وكلاء فاطمة وطلب منها الشهود ، مع أنها لم تكن مدعية ، فحكم بغير حكم الله وحكم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصار بذلك من الكافرين بنص القرآن ، وإلى طلب الشاهد من المعصومة ورد

__________________

(١) لا توجد : تلك ، في (س).

(٢) مرت جملة من مصادرها ونزيد هاهنا : كفاية الأثر : ١٩٨ ، البحار ٣٦ ـ ٣٥٢ ، ٤٣ ـ ١٤٨ ، ١٧٠ ، ١٩٧ ، والمناقب ٢ ـ ٥٠ طبعة النجف ، الاحتجاج ١ ـ ١٠٧ [ طبعة قم ] ، و ١ ـ ١٤٥ [ طبعة النجف ] ، العوالم ١١ ـ ٢٢٦ ، وراجع خطبة الصديقة الطاهرة سلام الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها فقد أوردها المخالف والمؤالف وقد مرت ، وانظر : بيت الأحزان : ١١٥ [ طبعة قم ] ، والسقيفة وفدك للجوهري : ١٣٧ [ طبعة طهران ] ، والغدير ٢ ـ ٦١ ، و ٣ ـ ١٧٥ وما بعدها ، ودلائل الإمامة : ٤٥ ، وكتاب سليم بن قيس الهلالي : ٢٤٩ وغيرها.

(٣) ولعلها اقتباس مما جاء في سورة مريم : ٢٧.

٣٩٣

شهادة المعصومين الذين أنزل الله تعالى فيهم ما أنزل ، وقال فيهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال ، ومنعها الميراث خلافا لحكم الكتاب ، وافترائه على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما شهد الكتاب والسنة بكذبه ، فتبوأ مقعده من النار ، وظلمه عليها صلوات الله عليها في منع سهم ذي القربى خلافا لله تعالى ، ومناقضته لما رواه حيث مكن الأزواج من التصرف في الحجر وغيرها (١) مما يستنبط من فحاوي ما ذكر من الأخبار (٢) ، ولا يخفى طريق استنباطها على أولي الأبصار.

__________________

(١) في (س) : وغيرهما.

(٢) صرح بأكثر من هذا في : الصراط المستقيم ٢ ـ ٢٨٢ ـ ٢٩٩.

٣٩٤

١٢ ـ باب (١)

العلة التي من أجلها ترك أمير المؤمنين عليه‌السلام

فدك لما ولي الناس

١ ـ ع (٢) : الدقاق ، عن الأسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي (٣) ، عن علي بن سالم ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : لم لم يأخذ أمير المؤمنين عليه‌السلام فدك لما ولي الناس؟ ولأي علة تركها؟ فقال له : لأن الظالم والمظلومة قد كانا قدما (٤) على الله عز وجل وأثاب الله المظلومة (٥) وعاقب الظالم (٦) ، فكره أن يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه غاصبه وأثاب عليه

__________________

(١) الترقيم لا يوجد في الأصل وجاء في حاشية (س).

(٢) علل الشرائع ١ ـ ١٥٤ ، باب ١٢٤ ، حديث ١.

(٣) في المصدر : حدثنا علي بن أحمد بن محمد الدقاق رحمه‌الله قال : حدثني محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد عن النوفلي ...

(٤) في المصدر : فقال : لأن الظالم والمظلومة كانا قدما.

(٥) في العلل : المظلوم.

(٦) في مطبوع البحار وضع على : قد كانا .. إلى الظالم رمز نسخة بدل ، وعلى الواو من وأثاب رمز نسخة صحيحة.

٣٩٥

المغصوبة (١).

٢ ـ ع (٢) : ابن هاشم ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم (٣) الكرخي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت له : لأي علة ترك أمير المؤمنين عليه‌السلام فدكا (٤) لما ولي الناس؟ فقال : للاقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما فتح مكة وقد باع عقيل بن أبي طالب داره ، فقيل له : يا رسول الله! ألا ترجع إلى دارك؟ فقال (ص) : وهل ترك عقيل لنا دارا ، إنا أهل بيت لا نسترجع شيئا يؤخذ منا ظلما ، فلذلك لم يسترجع فدكا لما ولي.

٣ ـ ن ، ع (٥) : القطان ، عن أحمد الهمداني ، عن علي (٦) بن الحسن بن فضال (٧) ، عن أبيه ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن أمير المؤمنين عليه‌السلام لم لم يسترجع فدك لما ولي (٨) الناس؟ فقال : لأنا أهل بيت ولينا الله عز وجل لا يأخذ لنا حقوقنا ممن يظلمنا إلا هو (٩) ، ونحن أولياء المؤمنين ، إنما نحكم لهم ونأخذ (١٠) حقوقهم ممن يظلمهم (١١) ، ولا نأخذ لأنفسنا.

__________________

(١) في المصدر : المغصوب.

(٢) علل الشرائع ١ ـ ١٥٥ ، باب ١٢٤ ، حديث ٢ ، باختلاف يسير.

(٣) جاء في المصدر : حدثنا أحمد بن علي بن هاشم رحمه‌الله ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن أبي عمير ، عن إبراهيم.

(٤) في العلل : ترك علي بن أبي طالب عليه‌السلام فدكا.

(٥) علل الشرائع ١ ـ ١٥٥ ، باب ١٢٤ ، حديث ٣ ، وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ ـ ٨٦ ، حديث ٣١.

(٦) في العلل : حدثنا أحمد بن الحسين القطان ، قال : حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا علي ..

(٧) في المصدرين : علي بن الحسن بن علي بن فضال.

(٨) في العيون : زيادة : أمر ، قبل : الناس.

(٩) في العلل : لأنا أهل بيت إذا ولانا الله عز وجل لا نأخذ حقوقنا ممن ظلمنا إلا هو .. وكذا في العيون إلا أنه لا توجد : ولانا الله عز وجل.

(١٠) في العيون : ونأخذ لهم.

(١١) في المصدرين : ظلمهم.

٣٩٦

تبيين : اعلم أن بعض المخالفين (١) تمسكوا في تصحيح ما زعموه في أمر الميراث وقصة فدك بإمضاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ما فعلته الخلفاء لما صار الأمر إليه ، وقد استدل قاضي القضاة (٢) بذلك على أن أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يكن شاهدا في قضية فدك ، إذ لو كان هو الشاهد فيها لكان الأقرب أن يحكم بعلمه ، وكذلك في ترك الحجر لنساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال : وليس لهم (٣) بعد ذلك إلا التعلق بالتقية التي هي مفزعهم عند لزوم الكلام ، ولو علموا ما عليهم في ذلك لاشتد هربهم منه ، لأنه إن جاز للأئمة التقية ـ وحالهم في العصمة ما يقولون ـ ليجوزن ذلك (٤) من رسول الله ، وتجويز ذلك فيه يوجب أن لا يوثق بنصه على أمير المؤمنين عليه‌السلام لتجويز التقية ، ومتى قالوا يعلم بالمعجز (٥) إمامته فقد أبطلوا كون النص طريقا للإمامة ، والكلام مع ذلك لازم لهم ، بأن يقال : جوزوا مع ظهور المعجز أن يدعي الإمامة تقية ، وأن يفعل سائر ما يفعله تقية (٦)؟ وكيف يوثق مع ذلك بما ينقل عن الرسول وعن الأئمة؟! وهلا جاز أن يكون أمير المؤمنين عليه‌السلام نبيا بعد الرسول وترك ادعاء ذلك تقية وخوفا؟! فإن الشبهة (٧) في ذلك أوكد من النص ، لأن التعصب للنبي (٨) في النبوة أعظم من التعصب لأبي بكر وغيره في الإمامة! فإن عولوا في ذلك على علم الاضطرار فعندهم أن الضرورة في

__________________

(١) المراد به قاضي القضاة في كتابه المغني كما صرح بذلك السيد المرتضى رحمه‌الله في الشافي ، وحكاه عنه ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ١٦ ـ ٢٧٠.

(٢) كما جاء في المغني ، الجزء العشرين : ٣٣٣.

(٣) في المصدر : وليس يمكنهم.

(٤) في ( ك‍ ) : ليجوزون ، وفي المصدر : ذلك للرسول.

(٥) في المغني : نعلم بالمعجز.

(٦) في المصدر : ما يفعله بفعله تقية؟.

(٧) في المغني : بل الشبهة.

(٨) في المصدر : لرسول الله بدلا من النبي.

٣٩٧

النص على الإمامة قائمة ، وإن (١) فزعوا في ذلك إلى الإجماع ، فمن قولهم أنه لا يوثق به (٢) ويلزمهم في الإجماع أن يجوز أن يقع على طريق التقية لأنه لا يكون أوكد من قول الرسول وقول الإمام عندهم ، وبعد ، فقد ذكر الخلاف في ذلك كما ذكر الخلاف في أنه إله ، فلا يصح على شروطهم أن يتعلقوا بذلك (٣).

وأجاب عنه السيد الأجل رضي‌الله‌عنه في الشافي (٤) بما هذا لفظه : أما قوله : إن جازت التقية للأئمة ـ وحالهم في العصمة ما يدعون (٥) ـ جازت على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالفرق بين الأمرين واضح ، لأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبتدئ بالشرع ، ومفتتح لتعريف الأحكام التي لا تعرف إلا من جهته وبيانه ، فلو جازت عليه التقية لأخل ذلك بإزاحة علة المكلفين ، ولفقدوا الطريق إلى معرفة مصالحهم الشرعية ، وقد بينا (٦) أنها لا تعرف إلا من جهته ، والإمام بخلاف هذا الحكم ، لأنه مفيد (٧) للشرائع التي قد علمت من غير جهته ، وليس يقف العلم بها والحق فيها على قوله دون غيره ، فمن اتقى في بعض الأحكام بسبب يوجب ذلك لم يخل تقيته بمعرفة الحق وإمكان الوصول إليه ، والإمام والرسول ـ وإن (٨) استويا في العصمة ـ فليس يجب أن يستويا في جواز التقية للفرق الذي ذكرناه ، لا أن الإمام لم يجز (٩) التقية عليه لأجل العصمة ، وليس للعصمة تأثير في جواز التقية ولا نفي جوازها.

__________________

(١) في ( ك‍ ) هنا : كان ، وجعل : وإن ، نسخة بدل ، وفي المغني : على الإمام قائمة وإن.

(٢) لا توجد : به ، في المغني.

(٣) إلى هنا كلام قاضي القضاة في المغني ٢٠ ـ ٣٣٣ ـ ٣٣٥ ، بتفاوت قليل.

(٤) الشافي ـ الحجرية ـ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ [ الطبعة الجديدة ٤ ـ ١٠٥ ـ ١١٠ ] باختلاف يسير.

(٥) في المصدر : ما تدعون.

(٦) في المصدر : التي قد بينها ..

(٧) كذا ، وفي الشافي : منفذ .. وهو الظاهر.

(٨) لا توجد : وإن ، في (س).

(٩) في المصدر : لأن الإمام لم تجز.

٣٩٨

فإن قيل : أليس من قولكم إن الإمام حجة في الشرائع وقد يجوز عندكم أن ينتهي الأمر إلى أن يكون الحق لا يعرف إلا من جهته وبقوله ، بأن يعرض الناقلون عن النقل فلا يرد إلا من جهة من يقوم الحجة بقوله (١) وهذا يوجب مساواة الإمام للرسول فيما فرقتم بينهما فيه؟.

قلنا : إذا كانت الحال في الإمام ما صورتموه وتعينت الحجة في قوله ، فإن التقية لا تجوز عليه كما لا تجوز على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فإن قيل : فلو قدرنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بين جميع الشرائع والأحكام التي يلزمه بيانها حتى لم يبق شبهة في ذلك ولا ريب ، لكان يجوز عليه والحال هذه ـ التقية في بعض الأحكام.

قلنا : ليس يمنع (٢) عند قوة أسباب الخوف الموجبة للتقية أن يتقي إذا لم يكن (٣) التقية مخلة بالوصول إلى الحق ولا منفرة عنه.

ثم يقال له (٤) : أليست التقية عندك جائزة على جميع المؤمنين عند حصول أسبابها وعلى الإمام والأمير؟!.

فإن قال : هي جائزة على المؤمنين وليست جائزة على الإمام والأمير.

قلنا : وأي فرق بين ذلك؟ والإمام والأمير عندك ليسا بحجة في شيء كما أن النبي (ص) حجة فيمنع (٥) من ذلك لمكان الحجة بقولهما ، فإن اعترف بجوازها عليهما قيل له فإلا جاز على النبي (ص) قياسا على الأمير والإمام.

فإن قال : لأن قول النبي (ص) حجة ، وليس الإمام والأمير كذلك.

__________________

(١) في الشافي : من لا تقوم الحجة بقوله.

(٢) في المصدر : يمتنع.

(٣) في الشافي : لم تكن.

(٤) في الشافي : ثم يقال لصاحب الكتاب.

(٥) في المصدر : فتمنع.

٣٩٩

قيل له : وأي تأثير في الحجة (١) في ذلك إذا لم تكن التقية مانعة من إصابة الحق ، ولا بمخلة بالطريق إليه. وخبرنا عن الجماعة التي نقلها في باب الأخبار حجة لو ظفر بهم جبار ظالم متفرقين أو مجتمعين فسألهم عن مذاهبهم ـ وهم يعلمون أو يغلب في ظنونهم أنهم متى ذكروها على وجهها قتلهم وأباح حريمهم أليست التقية جائزة على هؤلاء مع الحجة (٢) في أقوالهم؟ فإن منع من جواز التقية على ما ذكرناه دفع ما هو معلوم.

وقيل له : وأي فرق بين هذه الجماعة وبين من نقص عن عدتها في جواز التقية؟ فلا يجد فرقا.

فإن قال : إنما جوزنا التقية على من ذكرتم لظهور الإكراه والأسباب الملجئة إلى التقية ومنعناكم من مثل ذلك ، لأنكم تدعون تقية لم تظهر أسبابها ولا الأمور الحاملة عليها من إكراه وغيره.

قيل له : هذا اعتراف بما أردناه من جواز التقية عند وجود أسبابها ، وصار الكلام الآن في تفصيل هذه الجملة ، ولسنا نذهب في موضع من المواضع إلى أن الإمام اتقى بغير سبب موجب لتقية ، وحامل على فعله ، والكلام في التفصيل غير الكلام في الجملة ، وليس كل الأسباب التي توجب التقية تظهر لكل أحد ، ويعلمها جميع الخلق ، بل ربما اختلفت الحال فيها ، وعلى كل حال فلا بد أن تكون معلومة لمن وجب تقيته ، ومعلومة أو مجوزة لغيره ، ولهذا قد نجد بعض الملوك يسأل رعيته عن أمر فيصدقه بعضهم في ذلك ولا يصدقه آخرون ، ويستعملون ضربا من التورية ، وليس ذلك إلا لأن من صدق لم يخف على نفسه ومن جرى مجرى نفسه ، ومن ورى فلأنه خاف على نفسه وغلب في ظنه وقوع الضرر به متى صدق فيما (٣) سئل عنه ، وليس يجب أن يستوي حال الجميع ، وأن يظهر لكل أحد

__________________

(١) في الشافي : للحجة.

(٢) في المصدر : مع أن الحجة.

(٣) في المصدر : عما ، بدلا من : فيما.

٤٠٠