بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما!.

٨ ـ وروى في المشكاة (١) عن أبي ذر أنه قال ـ وهو آخذ بباب الكعبة ـ : سمعت النبي صلى الله عليه [ وآله ] يقول : ألا إن مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك.

٩ ـ وروى في جامع الأصول (٢) والمشكاة (٣) من صحيح الترمذي (٤) ، عن زيد بن أرقم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين : أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم (٥).

١٠ ـ وروى البخاري (٦) ومسلم (٧) في صحيحهما [ صحيحيهما ] ، وأحمد في مسنده (٨) عن ابن عباس قال : لما نزل : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٩) قالوا : يا رسول الله! من قرابتك الذين وجب علينا مودتهم؟ ، قال : علي وفاطمة وابناهما ... (١٠).

__________________

(١) مشكاة المصابيح : ٥٧٣.

(٢) جامع الأصول ، المجلد العاشر ، حديث : ٦٦٩٤ [ طبعة الأرناووط : ٩ ـ ١٥٧ ، حديث ٦٧٠٧ ].

(٣) مشكاة المصابيح : ٥٦٩.

(٤) صحيح الترمذي : ٥ ـ ٦٩٩ ، حديث ٣٨٧٠ ، وفي طبعة أخرى حديث ٣٨٦٩ ، باب مناقب فاطمة بنت محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم.

(٥) وقد أخرجه الحاكم عن زيد في مستدركه ٣ ـ ١٤٩ ، والكنجي في الكفاية : ١٨٩ من طريق الطبراني ، والخوارزمي في المناقب : ٩٠ ، والسيوطي في ترتيبه ٦ ـ ٢١٦ ، والخطيب في تاريخه ٧ ـ ١٣٧ ، وابن عساكر في تاريخه ٤ ـ ٣١٦ ، وابن حجر في صواعقه : ١١٢ ، وابن الصباغ المالكي في فصوله : ١١ ، وعد مصادر أخرى وطرقا متعددة العلامة الأميني في غديره ١ ـ ٣٣٦ وجاء بألفاظ مختلفة فراجع ، وانظر منه المجلد العاشر : ٤٩ ، والحادي عشر : ٤ ، وموارد أخر.

(٦) صحيح البخاري في كتاب الوصايا باب : ١١.

(٧) صحيح مسلم في كتاب الجهاد باب : ١٣٩ و ١٤٠.

(٨) مسند أحمد بن حنبل ١ ـ ٢٤٨ و ٢٩٤ و ٣٢٠.

(٩) الشورى : ٢٣.

(١٠) جاء في أكثر من أربعين مصدرا عن طريق العامة بهذا اللفظ عدا ما أورده بألفاظ متعددة ومختلفة.

٣٤١

وسيأتي من الأخبار في ذلك ما يشبعك ويغنيك ، وفيما ذكرنا كفاية للمنصف إن لم يكن يكفيك. :

الثانية :

في بيان ما يدل على كونها صلوات الله عليها محقة في دعوى فدك ، مع قطع النظر عن عصمتها ، فنقول :

لا ريب على من (١) له أدنى تتبع في الآثار ، وتنزل قليلا عن درجة التعصب والإنكار في أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يرى فدكا حقا لفاطمة عليها‌السلام ، وقد اعترف بذلك جل أهل الخلاف ، ورووا أنه عليه‌السلام شهد لها ، ولذلك تراهم يجيبون تارة بعدم قبول شهادة الزوج ، وتارة بأن أبا بكر لم يمض شهادة علي عليه‌السلام وشهادة أم أيمن لقصورها عن نصاب الشهادة ، وقد ثبت بالأخبار المتظافرة عند الفريقين أن عليا عليه‌السلام لا يفارق الحق والحق لا يفارقه ، بل يدور معه حيث ما دار ، وقد اعترف ابن أبي الحديد بصحة هذا الخبر (٢).

__________________

انظر من باب المثال : الفصول المهمة : ١٢ ، الكفاية للكنجي : ٣١ ، الصواعق المحرقة : ١٠١ و ١٣٥ ، نور الأبصار : ١١٢ ، والمجمع للحافظ الهيثمي : ١٦٨ و ١٦٩ وغيرها ، وانظر : الغدير ٢ ـ ٣٠٤ ـ ٣١١ ، و ٣ ـ ١٧١ ـ ١٧٥ وغيرها.

(١) في ( ك‍ ) : لا ريب من ..

(٢) في شرحه على نهج البلاغة : ٩ ـ ٨٨ ، وانظر : مستدرك الحاكم ٣ ـ ١٢٤ حيث صححه ، وكذا أقر به الذهبي ، وحسن سنده الطبراني في المعجم الوسيط ، ولاحظ : الصواعق المحرقة : ٧٤ و ٧٥ ، والجامع الصغير للسيوطي : ٢ ـ ١٤٠ ، وتاريخ الخلفاء له : ١١٦ ، وفيض القدير : ٤ ـ ٣٥٨ ، وتاريخ بغداد للخطيب ١٤ ـ ٣٢١ ، ومجمع الزوائد ٧ ـ ٢٣٦ ، وقد فصل طرقه ومصادره شيخنا الأميني في غديره ٣ ـ ٨٠ ـ ١٧٥ تحت عنوان : نظرة في حديث علي مع الحق.

٣٤٢

١١ ـ وروى ابن بطريق (١) عن السمعاني في كتاب فضائل الصحابة (٢) بإسناده عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] يقول : علي مع الحق والحق مع علي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

١٢ ـ وروى ابن شيرويه الديلمي في الفردوس (٣) ، بالإسناد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] : رحم الله عليا ، اللهم أدر الحق معه حيث دار.

وقد روى علي بن عيسى في كشف الغمة (٤) ، وابن شهر آشوب في المناقب (٥) ، وابن بطريق في المستدرك والعمدة (٦) ، والعلامة رحمه‌الله في كشف الحق (٧) .. وغيرهم في غيرها أخبارا كثيرة من كتب المخالفين في ذلك ، وسنوردها بأسانيدها في المجلد التاسع (٨).

فهل يشك عاقل في حقية دعوى كان المدعي فيها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين باتفاق المخالفين والمؤالفين ، والشاهد لها أمير المؤمنين الذي قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه : إن الحق لا يفارقه ، وإنه الفاروق بين الحق والباطل ، وإن من اتبعه اتبع الحق ومن تركه ترك الحق (٩) و .. غير ذلك مما سيأتي

__________________

(١) لم نجد الرواية في العمدة بعد بحث أكثر من مرة ، وما وجدناه فيه : ٢٨٥ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم أدر الحق مع علي حيث دار. ولعل ابن بطريق ذكره في المستدرك الذي لا نعلم بطبعه ، نعم حكاه العلامة المجلسي عن مستدركه في بحار الأنوار ٣٨ ـ ٣٩.

(٢) فضائل الصحابة للسمعاني.

(٣) الفردوس ٢ ـ ٣٩٠ ذيل حديث رقم ٣٠٥٠ ( دار الكتاب العربي ).

(٤) كشف الغمة ١ ـ ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٥) المناقب ٣ ـ ٦٠ ـ ٦٢.

(٦) العمدة لابن بطريق ٣٨٣ ـ ٣٩١ ، والمستدرك لا نعلم بطبعه ، وحكاه في البحار ( الطبعة الحديثة ) ٣٨ ـ ٣١ و ٣٢ و ٣٩ ، فراجع.

(٧) كشف الحق : ٨٨ ، ذيل رواية الغدير ، وفيها .. وأدر الحق مع علي كيفما دار ..

(٨) بحار الأنوار ٣٨ ـ ٢٦ ـ ٤٠.

(٩) قد مرت مصادر الحديث ، وانظر : الغدير ٣ ـ ١٧٦ ـ ١٧٩.

٣٤٣

في أبواب فضائله ومناقبه عليه‌السلام (١).

وأما فضائل فاطمة عليها‌السلام فتأتي الأخبار المتواترة من الجانبين في المجلد التاسع والمجلد العاشر (٢).

١٣ ـ وروى في جامع الأصول (٣) من صحيح الترمذي (٤) ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية امرأة فرعون.

١٤ ـ وروى البخاري (٥) ومسلم (٦) والترمذي (٧) وأبو داود (٨) في صحاحهم على ما رواه (٩) في جامع الأصول (١٠) ـ في حديث طويل ـ قال في آخره : قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة عليها‌السلام : يا فاطمة! أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء الأمة (١١)؟!.

وفي رواية أخرى رواها البخاري (١٢) ومسلم (١٣) : أما ترضين أن تكوني

__________________

(١) بحار الأنوار ٣٥ ـ ٢٠٦ ـ ٤٢٩ و ٣٦ ـ ١٦٢ ـ ١٦٣ ، والمجلد السابع والثلاثون طرا ، و ٣٨ ـ ٢٦ ٤٠ و ١٢٥ إلى آخر المجلد ، والمجلد التاسع والثلاثون كلا و ٤٠ ـ ١ ـ ١٢٥.

(٢) بحار الأنوار ٣٥ ـ ٢٠٦ ـ ٢٢٥ و ٢٣٧ ـ ٢٥٥ ، ٣٧ ـ ٣٥ ـ ٩٧ ، ٤٣ ـ ١٩ ـ ٧٩.

(٣) جامع الأصول ٩ ـ ١٢٥ ، حديث ٦٦٧٠ ، وفي طبعة دار إحياء التراث العربي ٩ ـ ٨١ ، حديث ٦٦٥٨ ، وفي مسند أحمد ٣ ـ ١٣٥ ، ومستدرك الحاكم ٣ ـ ١٥٧ ـ ١٥٨.

(٤) صحيح الترمذي ٥ ـ ٧٠٣ ، حديث ٣٨٧٨.

(٥) صحيح البخاري ٨ ـ ٧٩.

(٦) صحيح مسلم ٤ ـ ١٩٠٤ ـ ١٩٠٦ ، حديث ٩٨ ـ ٩٩.

(٧) صحيح الترمذي ٥ ـ ٧٠٠ ـ ٧٠١ ، حديث ٣٨٧٢ ـ ٣٨٧٣ ، باختلاف.

(٨) صحيح أبي داود ٤ ـ ٣٥٥ ، حديث ٥٢١٧.

(٩) نسخة بدل : على ما حكاه ، جاءت في طبعة ( ك‍ ).

(١٠) جامع الأصول ٩ ـ ١٢٩ ـ ١٣١ ، حديث ٦٦٧٧ ، وفي طبعة دار إحياء التراث العربي ١٠ ـ ٨٥ في ضمن حديث ٦٦٦٥.

(١١) في جامع الأصول : نساء هذه الأمة.

(١٢) صحيح البخاري ٤ ـ ٢٤٨ ، وفي طبعة عالم الكتاب ٥ ـ ٥٥ ضمن حديث ١٢٦.

(١٣) صحيح مسلم ٤ ـ ١٩٠٤ ، حديث ٩٧ باختلاف ، ولم أعثر على حديث آخر أنسب منه.

٣٤٤

سيدة نساء أهل الجنة؟ (١) وأنك أول أهلي لحوقا بي.

١٥ ـ وروى ابن عبد البر في الإستيعاب (٢) في ترجمة خديجة عليها‌السلام عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وابنة مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم.

وعن ابن عباس : أنهن أفضل نساء أهل الجنة.

وعن أنس : أنهن خير نساء العالمين

١٨ ـ وعن ابن عباس قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوط ثم قال : أتدرون ما هذا؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضل نساء أهل الجنة (٣) خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد (ص) ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون (٤).

١٩ ـ وروى (٥) في ترجمة فاطمة عليها‌السلام ـ بالإسناد ـ عن عمران بن حصين : أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة رض الله عنها ـ وهي مريضة فقال لها : كيف تجدينك يا بنية؟ قالت : إني لوجعة ، وإني (٦) ليزيدني أني ما لي طعام آكله ، قال : يا بنية! ألا ترضين (٧) أنك سيدة نساء العالمين؟ فقالت : يا أبه! فأين مريم بنت عمران؟ قال : تلك سيدة نساء عالمها ، وأنت سيدة نساء عالمك ،

__________________

(١) وفي صحيح البخاري : أو نساء المؤمنين ، فضحكت لذلك ، وإنك أول الناس لحوقا بي ، جاءت في حديث آخر.

(٢) الاستيعاب ـ المطبوع في هامش الإصابة ـ ٤ ـ ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

(٣) في المصدر زيادة : أربع ، وهو الظاهر.

(٤) حكاها في الاستيعاب بأسانيدها ، واختصرها شيخنا قدس‌سره هنا ، وتجد هناك روايات بهذا المضمون ، فلاحظ.

(٥) الاستيعاب ـ المطبوع في حاشية الإصابة ـ ٤ ـ ٣٧٥ ـ ٣٧٦.

(٦) في المصدر : وإنه.

(٧) في الاستيعاب : أما ترضين.

٣٤٥

أما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة.

٢٠ ـ وقال البخاري (١) في عنوان باب مناقب قرابة الرسول صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.

٢١ ـ وروى من طريق أصحابنا الكراجكي في كنز الفوائد (٢) ، عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن شاذان ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن الصفار ، عن محمد بن زياد ، عن المفضل بن عمر (٣) ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ملعون ملعون من يظلم بعدي فاطمة ابنتي ويغصبها حقها ويقتلها ، ثم قال : يا فاطمة! أبشري فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتشفعين ، يا فاطمة! لو أن كل نبي بعثه الله وكل ملك قربه شفعوا في كل مبغض لك غاصب لك ما أخرجه الله من النار أبدا.

الثالثة :

في أن فدكا كانت نحلة لفاطمة عليها‌السلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن أبا بكر ظلمها بمنعها.

قال أصحابنا رضوان الله عليهم : كانت فدك مما ( أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ ) بعد فتح خيبر ، فكانت خاصة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ لم يوجف عليها ب ( خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ) ، وقد وهبها لفاطمة صلوات الله عليها وتصرف فيها وكلاؤها ونوابها ، فلما

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ ـ ٢٥ و ٣٦ في باب مناقب فاطمة عليها‌السلام ، وفي طبعة عالم الكتاب ٥ ـ ٩١.

(٢) كنز الفوائد ـ طبعة دار الأضواء ، بيروت ـ ١ ـ ١٥٠ قطعة من حديث.

(٣) جاء السند في الكنز هكذا : عن أبي الحسن بن شاذان قال : حدثني أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا ابن الوليد محمد بن الحسن ، قال : حدثنا الصفار محمد بن الحسن ، قال : حدثنا محمد بن زياد ، عن مفضل بن عمر.

٣٤٦

غصب أبو بكر الخلافة انتزعها ، فجاءته فاطمة عليها‌السلام مستعدية فطالبها بالبينة فجاءت بعلي والحسنين صلوات الله عليهم وأم أيمن المشهود لها بالجنة (١) ، فرد شهادة أهل البيت عليهم‌السلام بجر النفع ، وشهادة أم أيمن بقصورها عن نصاب الشهادة ، ثم ادعتها على وجه الميراث فرد عليها بما مر وسيأتي ، فغضبت عليه وعلى عمر فهجرتهما ، وأوصت بدفنها ليلا لئلا يصليا عليها ، فأسخطا بذلك ربهما ورسوله واستحقا أليم النكال وشديد الوبال ، ثم لما انتهت الإمارة إلى عمر ابن عبد العزيز ردها على بني فاطمة عليها‌السلام ، ثم انتزعها منهم يزيد بن عبد الملك ، ثم دفعها السفاح إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، ثم أخذها المنصور ، ثم أعادها المهدي ، ثم قبضها الهادي ، ثم ردها المأمون (٢) لما جاءه رسول بني فاطمة فنصب وكيلا من قبلهم وجلس محاكما فردها عليهم (٣) ، وفي ذلك يقول دعبل الخزاعي :

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

برد مأمون هاشما فدكا (٤)

__________________

(١) جاءت القصة مفصلة في الغدير ٧ ـ ١٩١ وما بعدها عن عدة مصادر من العامة.

(٢) أقول : ردها المأمون على الفاطميين سنة ٢١٠ ه‍ ، وكتب بذلك إلى القثم بن جعفر ـ عامله في المدينة ـ كتابا ، ولما استخلف المتوكل أمر بردها إلى ما كانت عليه قبل المأمون ، انظر : فتوح البلدان للبلاذري : ٢٣٩ ـ ٢٤١ ، تاريخ اليعقوبي ٣ ـ ٤٨ ، العقد الفريد ٢ ـ ٣٢٣ ، معجم البلدان ٦ ـ ٣٤٤ ، تاريخ ابن كثير ٩ ـ ٢٠٠ ، شرح ابن أبي الحديد ٤ ـ ١٠٣ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ١٥٤ ، جمهرة رسائل العرب ٣ ـ ٥١٠ ، أعلام النساء ٣ ـ ١٢١١ وغيرها ، بل ألفت كتب كثيرة في الباب : ك‍ ( فدك ) للسيد محمد حسين الموسوي القزويني ، و ( فدك في التاريخ ) للسيد محمد باقر الصدر ، وغيرهما.

(٣) انظر الآراء المتضاربة حول فدك في كتاب الغدير ٧ ـ ١٩٤ ـ ١٩٧ وغيره.

(٤) ديوان دعبل الخزاعي : ٢٤٧ ـ ٢٤٨ ، وانظر : معجم البلدان ٤ ـ ٢٣٩ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ٤ ـ ٨١ ، أمالي السيد المرتضى ٢ ـ ٩٢ ، العقد الفريد ٦ ـ ٢١٤ [ ٥ ـ ٣٧٥ ] ، الأغاني ١٨ ـ ٣٢ ، معجم الأدباء ٤ ـ ١٩٧ ، وفيات الأعيان ١ ـ ١٧٩ [ ٢ ـ ٣٦ ] ، مرآة الجنان ٢ ـ ١٤٦ ، شذرات الذهب ٢ ـ ١١٢ ، النجوم الزاهرة ٢ ـ ٣٢٣ ، تاريخ بغداد ٨ ـ ٣٨٤ ، طبقات الشعراء : ٧٣ ، تاريخ دمشق ٥ ـ ٢٢٩ ، لسان الميزان ٢ ـ ٤٣٠ .. وعشرات المصادر الأخرى.

٣٤٧

ولنبين خطأ أبي بكر في تلك القضية مع وضوحها بوجوه :

أما أن فدكا كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمما لا نزاع فيه ، وقد أوردنا من رواياتنا وأخبارنا لمخالفين (١) ما فيه كفاية ، ونزيده وضوحا بما رواه في :

٢٢ ـ جامع الأصول (٢) مما أخرجه من صحيح أبي داود (٣) عن عمر قال : إن أموال بني النضير مما ( أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ ) مما لم يوجف المسلمون عليه ب ( خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ) ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه [ وآله ] خاصة قرى عرينة (٤) وفدك وكذا وكذا .. ينفق على أهله منها نفقة سنتهم ، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عده في سبيل الله ، وتلا : ( ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ) ... الآية (٥).

٢٣ ـ وروى أيضا (٦) عن مالك بن أوس قال : كان فيما احتج عمر أن قال : كانت لرسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ثلاث صفايا : بنو النضير وخيبر وفدك .. إلى آخر الخبر.

٢٤ ـ وروى ابن أبي الحديد (٧) في شرح كتاب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى عثمان بن حنيف ، عن أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، قال : حدثني أبو إسحاق عن الزهري قال : بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا ، فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحقن دماءهم ويسيرهم ، ففعل ذلك ، فسمع أهل (٨) فدك

__________________

(١) كذا ، والظاهر : أخبار المخالفين ، أو : أخبارا من المخالفين ، أو : لمخالفينا.

(٢) جامع الأصول ٢ ـ ٧٠٧ ضمن حديث ١٢٠٢ ، باختلاف.

(٣) سنن أبي داود ٣ ـ ١٤١ ، انظر حديثي ٢٩٦٥ ـ ٢٩٦٦ ، ولعله حدث خلط أو سقط عند النقل أو ما شابه هذا ، فليلاحظ جيدا.

(٤) قال في القاموس ٤ ـ ٢٤٧ : وعرينة ـ كجهينة ـ : قبيلة ، وانظر : معجم البلدان ٤ ـ ١١٥ ، وقال فيه : وقيل قرى بالمدينة .. إلى آخره.

(٥) الحشر : ٧.

(٦) في جامع الأصول ٢ ـ ٧٠٦ ضمن حديث ١٢٠٢ ، وسنن أبي داود ٣ ـ ١٤١ ، حديث ٢٩٦٧.

(٧) في شرح النهج ١٦ ـ ٢١٠ ، باختلاف يسير.

(٨) في المصدر : ففعل فسمع ذلك أهل ..

٣٤٨

فنزلوا على مثل ذلك ، فكانت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة ، لأنه لم يوجف عليها بخَيْلٍ وَلا رِكابٍ.

قال (١) : وقال أبو بكر : وروى محمد بن إسحاق أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك فبعثوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصالحونه (٢) على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق أو بعد ما قدم المدينة (٣) فقبل ذلك منهم ، فكانت فدك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة (٤) لأنه لم يوجف عليها بخَيْلٍ وَلا رِكابٍ.

قال : وقد روي أنه صالحهم عليها كلها ، والله أعلم أي الأمرين كان ، انتهى.

وسيأتي اعتراف عمر بذلك في تنازع علي عليه‌السلام والعباس.

وأما أنه وهبها لفاطمة عليها‌السلام ، فلأنه لا خلاف في أنها صلوات الله عليها ادعت النحلة مع عصمتها الثابتة بالأدلة المتقدمة ، وشهد له (٥) من ثبتت عصمته بالأدلة الماضية والآتية ، والمعصوم لا يدعي إلا الحق ، ولا يشهد إلا بالحق ، ويدور الحق معه حيثما دار.

وأما أنها كانت في يدها صلوات الله عليها فلأنها ادعتها بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجه الاستحقاق ، وشهد المعصوم بذلك لها ، فإن كانت الهبة قبل الموت تبطل بموت الواهب ـ كما هو المشهور ـ ثبت القبض ، وإلا فلا حاجة إليه في إثبات المدعى ، وقد مر من الأخبار الدالة على نحلتها ، وأنها كانت في يدها عليها‌السلام ما يزيد على كفاية المصنف ، بل يسد طريق إنكار

__________________

(١) في شرحه على النهج ١٦ ـ ٢١٠ ، باختلاف كثير.

(٢) في المصدر : فصالحوه.

(٣) في شرح النهج : أقام بالمدينة.

(٤) في المصدر : خالصة.

(٥) كذا ، والظاهر : لها.

٣٤٩

المتعسف.

ويدل على أنها كانت في يدها صلوات الله عليها ما ذكر أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى عثمان بن حنيف (١) حيث قال : بلى كانت في أيدينا فدك ، من كل ما أظلته السماء ، فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين (٢) ، ونعم الحكم الله.

وأما أن أبا بكر وعمر أغضبا فاطمة عليها‌السلام ، فقد اتضح بالأخبار المتقدمة.

ثم اعلم أنا لم نجد أحدا من المخالفين أنكر كون فدك خالصة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته ، ولا أحدا من الأصحاب طعن على أبي بكر بإنكاره ذلك ، إلا ما تفطن به بعض الأفاضل من الأشارف ، مع أنه يظهر من كثير من أخبار المؤالف والمخالف ذلك ، وقد تقدم ما رواه ابن أبي الحديد في ذلك عن أحمد ابن عبد العزيز الجوهري وغيرها من الأخبار ، ولا يخفى أن ذلك يتضمن إنكار الآية وإجماع المسلمين ، إذ القائل بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصرف شيئا من غلة فدك وغيرها من الصفايا في بعض مصالح المسلمين لم يقل بأنها لم تكن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل قال : بأنه فعل ذلك على وجه التفضل وابتغاء مرضاة الله تعالى ، وظاهر الحال أنه أنكر ذلك دفعا لصحة النحلة ، فكيف كان يسمع الشهود على النحلة مع ادعائه أنها كانت من أموال المسلمين.

واعتذر المخالفون من قبل أبي بكر بوجوه سخيفة ...

الأول : منع عصمتها صلوات الله عليها ، وقد تقدمت الدلائل المثبتة لها.

الثاني : أنه (٣) لو سلم عصمتها فليس للحاكم أن يحكم بمجرد دعواها وإن

__________________

(١) نهج البلاغة ـ محمد عبده ، طبعة مصر ، مطبعة الاستقامة ـ ٢ ـ ٧٩ ضمن الكتاب رقم ٤٥ ، وفي طبعة الأعلمي ٣ ـ ٧١ ، وفي طبعة الدكتور صبحي الصالح : ٤١٧ ضمن الكتاب المذكور.

(٢) في طبعة صبحي الصالح من النهج : نفوس قوم آخرين.

(٣) في ( ك‍ ) وضع على : أنه ، خ. ل. رمز نسخة بدل.

٣٥٠

تيقن صدقها.

وأجاب أصحابنا بالأدلة الدالة على أن الحاكم يحكم بعلمه.

وأيضا اتفقت الخاصة والعامة على رواية قصة خزيمة بن ثابت وتسميته بذي الشهادتين لما شهد للنبي (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدعواه (٢) ، ولو كان المعصوم كغيره لما جاز للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبول شاهد واحد والحكم لنفسه ، بل كان يجب عليه الترافع إلى غيره.

وقد روى (٣) أصحابنا أن أمير المؤمنين عليه‌السلام خطأ شريحا في طلب البينة منه (٤) ، وقال : إن إمام المسلمين يؤتمن من أمورهم على ما هو أعظم من ذلك ، وأخذ ما ادعاه من درع طلحة بغير حكم شريح ، والمخالفون حرفوا هذا الخبر وجعلوه حجة لهم.

واعتذروا بوجوه أخرى سخيفة لا يخفى على عاقل ـ بعد ما أوردنا في تلك الفصول ـ ضعفها ووهنها ، فلا نطيل الكلام بذكرها.

الرابعة : في توضيح بطلان ما ادعاه أبو بكر من عدم توريث الأنبياء عليهم‌السلام :

استدل أصحابنا على بطلان ذلك بآي من القرآن :

__________________

(١) في (س) : بالنبي.

(٢) راجع الطبقات الكبرى لابن سعد ٤ ـ ٣٧٨ ـ ٣٨١ ، تهذيب التهذيب لابن حجر ٣ ـ ١٢١ برقم ٢٦٧ ، والدرجات الرفيعة للسيد علي خان الشيرازي : ٣١٠ ـ ٣١٤ ، والاختصاص للمفيد : ٦٤ ، والكافي ٧ ـ ٤٠٠ ـ ٤٠١ حديث ١ وغيرها.

(٣) في المناقب لابن شهرآشوب ٢ ـ ١٠٥ ـ ١٠٦ ، نقلا عن الأحكام الشرعية للخزاز القمي علي بن محمد ، وفي : من لا يحضره الفقيه ٧ ـ ٦٣ ، حديث ٢١٣ ، وفي التهذيب ٦ ـ ٢٧٣ ـ ٢٧٥ ، حديث ٧٤٧ ، وفي الاستبصار ٣ ـ ٣٤ ، حديث ١١٧ ، وفي الكافي ٧ ـ ٣٨٥ ، حديث ٥.

(٤) لا توجد في (س) : منه.

٣٥١

الأولى : قوله تعالى مخبرا عن زكريا عليه‌السلام (١) : ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) (٢).

قوله تعالى : « وَلِيًّا » أي ولدا يكون أولى بميراثي ، وليس المراد بالولي من يقوم مقامه ، ولدا كان أو غيره ، لقوله تعالى حكاية عن زكريا : ( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ) (٣). وقوله : ( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى ) (٤). والقرآن يفسر بعضه بعضا.

واختلف المفسرون في أن المراد بالميراث العلم أو المال؟.

فقال ابن عباس والحسن والضحاك أن المراد به في قوله تعالى : « يَرِثُنِي .. » وقوله سبحانه : ( وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ). (٥) ميراث المال (٦) ، وقال أبو صالح : المراد به في الموضعين ميراث النبوة (٧). وقال السدي ومجاهد والشعبي : المراد به في الأول ميراث المال وفي الثاني ميراث النبوة ، وحكي هذا القول عن ابن عباس والحسن والضحاك (٨) ، وحكي عن مجاهد أنه قال : المراد من الأول العلم ومن الثاني النبوة (٩).

__________________

(١) استدل بهذه الآية الشيخ الطوسي في التبيان ٧ ـ ١٠٦ ، والطبرسي في مجمع البيان ٣ ـ ٥٠٣ ، والسيد المرتضى في الشافي ٤ ـ ٦٠ ـ ٦٥ ، وغيرهم في غيرها.

(٢) مريم : ٦.

(٣) آل عمران : ٣٨.

(٤) الأنبياء : ٨٩ ـ ٩٠.

(٥) مريم : ٦.

(٦) كما في تفسير الفخر الرازي ٢١ ـ ١٨٤.

(٧) جاء في التفسير الكبير ٢١ ـ ١٨٤ ، وأحكام القرآن للجصاص ٣ ـ ٢١٦ ، وتفسير الطبري ١٦ ـ ٣٧.بتغيير في اللفظ.

(٨) حكى هذا القول عنهم في التفسير الكبير ٢١ ـ ١٨٤ ، وعن ابن عباس في أحكام القرآن للجصاص ٣ ـ ٢١٦ ، وفي زاد المسير لابن الجوزي ٥ ـ ٢٠٩.

(٩) كما قاله في تفسير الفخر الرازي ٢١ ـ ١٨٤.

٣٥٢

وأما وجه دلالة الآية على المراد ، فهو أن لفظ الميراث في اللغة والشريعة والعرف إذا أطلق ولم يقيد لا يفهم منه إلا الأموال وما في معناها ولا يستعمل في غيرها إلا مجازا ، وكذا لا يفهم من قول القائل لا وارث لفلان إلا من ينتقل إليه أمواله وما يضاهيها دون العلوم وما يشاكلها ، ولا يجوز العدول عن ظاهر اللفظ وحقيقته إلا لدليل ، فلو لم يكن في الكلام قرينة توجب حمل اللفظ على أحد المعنيين لكفى في مطلوبنا ، كيف والقرائن الدالة على المقصود موجودة في اللفظ؟!.

أما أولا : فلأن زكريا عليه‌السلام اشترط في وارثه أن يكون رضيا ، وإذا حمل الميراث على العلم والنبوة لم يكن لهذا الاشتراط معنى ، بل كان لغوا عبثا ، لأنه إذا سأل من يقوم مقامه في العلم والنبوة فقد دخل في سؤاله الرضا وما هو أعظم منه فلا معنى لاشتراطه ، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول أحد : اللهم ابعث إلينا نبيا واجعله مكلفا عاقلا؟!.

وأما ثانيا : فلأن الخوف من بني العم ومن يحذو حذوهم يناسب المال دون النبوة والعلم ، وكيف يخاف مثل زكريا عليه‌السلام من أن يبعث الله تعالى إلى خلقه نبيا يقيمه مقام زكريا ولم يكن أهلا للنبوة والعلم ، سواء كان من موالي زكريا أو من غيرهم؟ ، على أن زكريا عليه‌السلام كان إنما بعث لإذاعة العلم ونشره في الناس فلا يجوز أن يخاف من الأمر الذي هو الغرض في (١) بعثته.

فإن قيل : كيف يجوز على مثل زكريا عليه‌السلام الخوف من أن يرث الموالي ماله؟ وهل هذا إلا الضن والبخل؟.

قلنا : لما علم زكريا عليه‌السلام من حال الموالي أنهم من أهل الفساد ، خاف أن ينفقوا أمواله في المعاصي ويصرفوه في غير الوجوه المحبوبة ، مع أن في وراثتهم ماله كان يقوي فسادهم وفجورهم ، فكان خوفه خوفا من قوة الفساق

__________________

(١) وجاءت في ( ك‍ ) نسخة بدل : من.

٣٥٣

وتمكنهم في سلوك الطرائق المذمومة ، وانتهاك محارم الله عز وجل ، وليس مثل ذلك من الشح والبخل.

فإن قيل : كما جاز الخوف على المال من هذا الوجه (١) جاز الخوف على وراثتهم العلم لئلا يفسدوا به الناس ويضلوهم ، ولا ريب في أن ظهور آثار العلم فيهم كان من دواعي اتباع الناس إياهم وانقيادهم لهم.

قلنا : لا يخلو هذا العلم الذي ذكرتموه من أن يكون هو كتبا علمية وصحفا حكمية ، لأن ذلك قد يسمى علما مجازا ، أو يكون هو العلم الذي يملأ القلوب وتعيه الصدور ، فإن كان الأول ، فقد رجع إلى معنى المال وصح أن الأنبياء عليهم‌السلام يورثون الأموال ، وكان حاصل خوف زكريا عليه‌السلام أنه خاف من أن ينتفعوا ببعض أمواله نوعا خاصا من الانتفاع ، فسأل ربه أن يرزقه الولد حذرا من ذلك ، وإن كان الثاني ، فلا يخلو ـ أيضا ـ من أن يكون هو العلم الذي بعث النبي لنشره وأدائه إلى الخلق ، أو أن يكون علما مخصوصا لا يتعلق لشريعة ولا يجب اطلاع الأمة عليه كعلم العواقب وما يجري في مستقبل الأوقات .. ونحو ذلك.

والقسم الأول : لا يجوز أن يخاف النبي من وصوله إلى بني عمه ـ وهم من جملة أمته المبعوث إليهم لأن يهديهم ويعلمهم ـ وكان خوفه من ذلك خوفا من غرض البعثة.

والقسم الثاني : لا معنى للخوف من أن يرثوه إذ كان أمره بيده ، ويقدر على أن يلقيه إليهم ، ولو صح الخوف على القسم الأول لجرى ذلك فيه أيضا ، فتأمل.

هذا خلاصة ما ذكره السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في الشافي عند تقرير هذا الدليل (٢) ، وما أورد عليه من تأخر عنه يندفع بنفس التقرير ، كما لا يخفى على

__________________

(١) لا توجد في (س) : من هذا الوجه.

(٢) الشافي ٢٢٩ ـ الحجرية ـ [ الطبعة الجديدة ٤ ـ ٦٣ ـ ٦٦ ].

٣٥٤

الناقد البصير ، فلذا لا نسود بإيرادها الطوامير.

الآية الثانية : قوله تعالى : ( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) (١).

وجه الدلالة ، هو أن المتبادر من قوله تعالى ـ ورثه ـ ، أنه ورث ماله (٢) كما سبق في الآية المتقدمة ، فلا يعدل عنه إلا لدليل.

وأجاب قاضي القضاة في المغني (٣) : بأن في الآية ما يدل على أن المراد وراثة العلم دون المال ، وهو قوله تعالى : ( وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) (٤) فإنه يدل على أن الذي ورث هو هذا (٥) العلم وهذا الفضل ، وإلا لم يكن لهذا تعلق بالأول.

وقال الرازي في تفسيره : لو قال تعالى : ورث سليمان داود ماله ، لم يكن لقوله تعالى : ( وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) (٦) معنى ، وإذا قلنا ورث مقامه من النبوة والملك حسن ذلك ، لأن علم منطق الطير يكون داخلا في جملة ما ورثه ، وكذلك قوله : ( وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) (٧) لأن وارث العلم يجمع ذلك ووارث المال لا يجمعه ، وقوله : ( إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) (٨) يليق أيضا بما ذكر دون المال الذي يحصل للكامل والناقص ، وما ذكره الله تعالى من جنود سليمان بعده لا يليق إلا بما ذكرنا ، فبطل بما ذكرنا قول من زعم أنه لا يورث إلا المال ، فأما إذا ورث المال والملك معا فهذا لا يبطل بالوجوه الذي ذكرنا ، بل بظاهرقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نحن معاشر الأنبياء لا نورث (٩).

__________________

(١) النمل : ١٦.

(٢) نقله عن الحسن في تفسير الفخر الرازي ٢٤ ـ ١٨٦ ، وفي مجمع البيان ٤ ـ ٢١٤.

(٣) المغني ، الجزء الأول المتمم للعشرين : ٣٣٠ ، بتصرف واختصار.

(٤) النمل : ١٦.

(٥) في المصدر : فنبه على أن الذي هو ورث هذا ..

(٦) النمل : ١٦.

(٧) النمل : ١٦.

(٨) النمل : ١٦.

(٩) كما جاء في تفسير الفخر الرازي ٢٤ ـ ١٨٦.

٣٥٥

ورد السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في الشافي (١) كلام المغني بأنه لا يمتنع أن يريد ميراث المال خاصة ، ثم يقول مع ذلك : إنا ( عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) (٢) ، ويشير بالفضل المبين (٣) إلى العلم والمال جميعا ، فله في الأمرين جميعا فضل على من لم يكن كذلك ، وقوله : ( وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) (٤) يحتمل المال كما يحتمل العلم فليس بخالص لما ظنه ، ولو سلم دلالة الكلام على العلم لما ذكره ، فلا يمتنع أن يريد أنه ورث المال بالظاهر ، والعلم بهذا النوع من الاستدلال فليس يجب إذا دلت الدلالة في بعض الألفاظ على المجاز أن نقتصر بها عليه ، بل يجب أن نحملها على الحقيقة ـ التي هي الأصل ـ إذا لم يمنع من ذلك مانع.

وقد ظهر بما ذكره السيد قدس‌سره بطلان قول الرازي أيضا (٥) ، وكان القاضي يزعم أن العطف لو لم يكن للتفسير لم يكن للمعطوف تعلق بما عطف عليه وانقطع نظام الكلام.

وما اشتهر (٦) من أن التأسيس أولى من التأكيد من الأغلاط المشهورة ، وكأن الرازي يذهب إلى أنه لا معنى للعطف إلا إذا كان المعطوف داخلا في المعطوف عليه ، فعلى أي شيء يعطف حينئذ قوله تعالى : ( وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) (٧)؟فتدبر.

وأما قوله : إن المال يحصل للكامل والناقص ، فلو حمل الميراث على المال لم يناسبه قوله : ( إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) (٨).

فيرد عليه أنه إنما يستقيم إذا كانت الإشارة إلى أول الكلام فقط ـ وهو وراثة المال ـ وبعده ظاهر ، ولو كانت الإشارة إلى مجموع الكلام ـ كما هو الظاهر ـ أو إلى

__________________

(١) الشافي ٢٣٢ ـ حجرية ـ [ الطبعة الجديدة ٢ ـ ٧٩ ] بتصرف واختصار.

(٢) النمل : ١٦.

(٣) النمل : ١٦.

(٤) النمل : ١٦.

(٥) في تفسيره الكبير ٢٤ ـ ١٨٦.

(٦) وما اشتهر عطف على اسم ( أن ) أعني العطف ، ويكون المعنى : كان القاضي يزعم أن ما اشتهر ..

(٧) النمل : ١٦.

(٨) النمل : ١٦.

٣٥٦

أقرب الفقرات ـ أعني قوله : ( وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) (١) ـ لم يبق لهذا الكلام مجال ، وكيف لا يليق دخول المال في جملة المشار إليه ، وقد من الله تعالى على عباده في غير موضع من كلامه المجيد بما أعطاهم في الدنيا من صنوف الأموال ، وأوجب على عباده الشكر عليه ، فلا دلالة فيه على عدم إرادة وراثة المال سواء كان من كلام سليمان أو كلام الملك المنان.

وقد ظهر بذلك بطلان قوله أخيرا : إن ما ذكره الله تعالى من جنود سليمان لا يليق إلا بما ذكرنا ، بل الأظهر أن حشر الجنود من الجن والإنس والطير قرينة على عدم إرادة الملك من قوله : ( وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) (٢) ، فإن تلك الجنود لم تكن لداود حتى يرثها سليمان ، بل كانت عطية مبتدأة من الله تعالى لسليمان عليه‌السلام ، وقد أجرى الله تعالى على لسانه أخيرا الاعتراف بأن ما ذكره لا يبطل قوله من حمل الآية على وراثة الملك والمال معا ، فإنه يكفينا في إثبات المدعى ، وسيأتي الكلام في الحديث الذي تمسك به.

الآية الثالثة : ما يدل على وراثة الأولاد والأقارب ، كقوله تعالى : ( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ) (٣) ، وقوله تعالى : ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (٤) ، وقد أجمعت الأمة على عمومها (٥) إلا من أخرجه الدليل ، فيجب أن يتمسك بعمومها إلا إذا قامت دلالة قاطعة ، وقد قال سبحانه

__________________

(١) النمل : ١٦.

(٢) النمل : ١٤.

(٣) النساء : ٧.

(٤) النساء : ١١.

(٥) كما صرح بذلك في تفسير الكشاف ١ ـ ٥٠٢ و ٥٠٥ ، وتفسير زاد المسافرين لابن الجوزي ٢ ـ ١٨ و ٢٥ ، وأحكام القرآن للزجاج ٢ ـ ١٥ و ١٨ ، وتفسير الفخر الرازي ٩ ـ ١٩٤ و ٢٠٣ ، وتفسير الطبري ٤ ـ ١٧٧ و ١٨٥ ، وتفسير القمي ١ ـ ١٣١ ـ ١٣٢ ، والتبيان للشيخ الطوسي ٣ ـ ١٢٠ و ١٢٨ ، ومجمع البيان ٢ ـ ١٠ و ١٤ وغير ذلك.

٣٥٧

عقيب آيات الميراث : ( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ ) (١) ، ولم يقم دليل على خروج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن حكم الآية ، فمن تعدى حدود الله (٢) في نبيه يدخله الله النار خالدا فيها وله العذاب المهين.

وأجاب المخالفون بأن العمومات مخصصة بما رواه أبو بكر عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة (٣).

قال صاحب المغني (٤) : لم يقتصر أبو بكر على رواية حتى استشهد عليه عمر (٥) وعثمان وطلحة والزبير وسعد أو (٦) عبد الرحمن بن عوف فشهدوا به ، فكان لا يحل لأبي بكر وقد صار الأمر إليه أن يقسم التركة ميراثا ، وقد أخبر الرسول (ص) بأنها صدقة وليس (٧) بميراث ، وأقل ما في الباب أن يكون الخبر من أخبار الآحاد ، فلو أن شاهدين شهدا في التركة أن فيها حقا أليس كان يجب أن يصرفه عن الإرث؟ فعلمه بما قال الرسول (ص) مع شهادة غيره أقوى ، ولسنا نجعله مدعيا (٨) ، لأنه لم يدع ذلك لنفسه ، وإنما بين أنه ليس بميراث وأنه صدقة ، ولا يمتنع تخصيص القرآن بذلك كما يخص في العبد والقاتل وغيرهما.

ويرد عليه أن الاعتماد في تخصيص الآيات إما على سماع أبي بكر ذلك الخبر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجب على الحاكم أن يحكم بعلمه ، وإما على

__________________

(١) النساء : ١٣ ـ ١٤.

(٢) في (س) : حد الله.

(٣) مرت مصادر الحديث كرارا ، وانظر : الغدير ٦ ـ ١٩٠ مثالا.

(٤) المغني ، الجزء الأول المتمم للعشرين ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ، باختلاف يسير.

(٥) في المصدر : لم يقتصر على روايته حتى استشهد أصحاب رسول الله ، فشهد بصدقه عمر ..

(٦) في المغني : الواو بدلا من أو.

(٧) قد تقرأ الكلمة في ( ك‍ ) : ليست ، وهو الظاهر.

(٨) في المصدر : بدعيا.

٣٥٨

شهادة من زعموهم شهودا على الرواية ، أو على مجموع الأمرين ، أو على سماعه من حيث الرواية مع انضمام الباقين إليه.

فإن كان الأول فيرد عليه وجوه من الإيراد :

الأول : ما ذكره السيد رضي‌الله‌عنه في الشافي (١) من أن أبا بكر في حكم المدعي لنفسه والجار إليها نفعا في حكمه ، لأن أبا بكر وسائر المسلمين سوى أهل البيت عليهم‌السلام تحل لهم الصدقة ، ويجوز أن يصيبوا منها ، وهذه تهمة في الحكم والشهادة.

ثم قال رحمه‌الله تعالى : وليس له أن يقول هذا يقتضي أن لا تقبل شهادة شاهدين في تركة فيها صدقة بمثل ما ذكرتم ، وذلك لأن الشاهدين إذا شهدا بالصدقة فحظهما منها كحظ صاحب الميراث ، بل سائر المسلمين ، وليس كذلك حال تركة الرسول (٢) (ص) ، لأن كونها صدقة يحرمها على ورثته ويبيحها لسائر المسلمين ، انتهى.

ولعل مراده رحمه‌الله أن لحرمان الورثة في خصوص تلك المادة شواهد على التهمة ، بأن كان غرضهم إضعاف جانب أهل البيت عليهم‌السلام لئلا يتمكنوا من المنازعة في الخلافة ولا يميل الناس إليهم لنيل الزخارف الدنيوية ، فيكثر أعوانهم وأنصارهم ، ويظفروا بإخراج الخلافة والإمارة من أيدي المتغلبين ، إذ لا يشك أحد ممن نظر في أخبار العامة والخاصة في أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان في ذلك الوقت طالبا للخلافة مدعيا لاستحقاقه لها ، وأنه لم يكن انصراف الأعيان والأشراف عنه وميلهم إلى غيره إلا لعلمهم بأنه لا يفضل أحدا منهم على ضعفاء المسلمين ، وأنه يسوي بينهم في العطاء والتقريب ، ولم يكن انصراف سائر الناس عنه إلا لقلة ذات يده ، وكون المال والجاه مع غيره.

__________________

(١) الشافي : ٢٣٠ ـ الحجرية ـ [ الطبعة الجديدة ٤ ـ ٦٨ ] بتصرف واختصار.

(٢) كذا في المصدر ، وفي (س) : رسول الله.

٣٥٩

والأولى أن يقال في الجواب ، إنه لم تكن التهمة لأجل أن له حصة (١) في التركة ، بل لأنه كان يريد أن يكون تحت يده ، ويكون حاكما فيه يعطيه من يشاء ويمنعه من يشاء.

ويؤيده قول أبي بكر ـ فيما رواه في جامع الأصول (٢) من سنن أبي داود (٣) عن أبي الطفيل قال : جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها من أبيها ، فقال لها : سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] يقول : إن الله إذا أطعم نبيا طعمة فهو للذي يقوم من بعده.

ولا ريب في أن ذلك مما يتعلق به الأغراض ، ويعد من جلب المنافع ، ولذا لا تقبل شهادة الوكيل فيما هو وكيل فيه والوصي فيما هو وصي فيه.

وقد ذهب قوم إلى عدم جواز الحكم بالعلم مطلقا ، لأنه مظنة التهمة ، فكيف إذا قامت القرائن عليه من عداوة ومنازعة وإضعاف جانب و .. نحو ذلك؟.

والعجب أن بعضهم في باب النحلة منعوا ـ بعد تسليم عصمة فاطمة عليها‌السلام ـ جواز الحكم بمجرد الدعوى وعلم الحاكم بصدقها ، وجوزوا الحكم بأن التركة صدقة للعلم بالخبر مع معارضته للقرآن ، وقيام الدليل على كذبه.

الثاني : أن الخبر معارض (٤) للقرآن لدلالة الآية في شأن زكريا عليه‌السلام وداود عليه‌السلام على الوراثة ، وليست الآية عامة حتى يخصص بالخبر ، فيجب طرح الخبر.

لا يقال : إذا كانت الآية خاصة فينبغي تخصيص الخبر بها ، وحمله على غير

__________________

(١) في ( ك‍ ) : حضة ، ولا معنى لها هنا.

(٢) جامع الأصول ٩ ـ ٦٣٩ ، حديث ٧٤٤٠.

(٣) سنن ابن داود ٣ ـ ١٤٤ ، حديث ٢٩٧٣.

(٤) في حاشية ( ك‍ ) : خ. ل : مناقض ، ولم يعلم عليها ، ولعل محلها هنا.

٣٦٠