معجم حفّاظ القرآن عبر التّاريخ - ج ١

الدكتور محمّد سالم محيسن

معجم حفّاظ القرآن عبر التّاريخ - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمّد سالم محيسن


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦١
الجزء ١ الجزء ٢

المعروف بالانطاكي لطول مقامه بها ، وأخبرني أنه قرأ على « الكسائي » بالحروف التي عرضها على « أبي بكر بن عياش » (١)

وقال « أبو طاهر بن أبي هاشم » : حدثنا « محمد بن يونس » حدثنا « أحمد ابن صدقة » حدثنا أحمد بن جبير بأنطاكية ، قال : سمعت « أبا بكر بن عياش » وكنت أقول له فلان يقرأ عندنا كذا وكذا ، فيقول : ... كان « عاصم » يقرأ كذا وكذا » ا هـ (٢).

وقد تصدى « ابن جبير » للاقراء فتتلمذ عليه عدد كثير منهم « عبد الله ابن صدقة ، ومحمد العباس بن شعبة ، وشهاب بن طالب ، والفضل ابن زكريا ، والحسين بن إبراهيم بن أبي عجرم ، وحمدان بن المغربل ، وغيرهم كثير (٣).

وكان « ابن جبير » إماما جليلا ثقة ضابطا ا هـ (٤). وقال عنه « أحمد بن يعقوب التائب » : « أدركته وأنا ابن عشرين سنة أو دونها وكان فصيحا عالما ، وكان إذا قرأ تخاله لفخامة صوته ، وجمهورية صوته بدويّا » ا هـ (٥).

توفي « أحمد بن جبير » سنة ثمان وخمسين ومائتين يوم التروية ، ودفن يوم عرفة بعد الظهر بباب الجنان. رحم الله « أحمد بن جبير » وجزاه الله أفضل الجزاء.

__________________

(١) انظر القراء الكبار ج ١ ص ٢٠٧.

(٢) انظر القراء الكبار ج ١ ص ٢٠٨.

(٣) انظر طبقات القراء ج ١ ص ٤٢.

(٤) انظر طبقات القراء ج ١ ص ٤٢.

(٥) انظر القراء الكبار ج ١ ص ٢٠٧.

١٤١

رقم الترجمة / ٦٤

« جعفر بن الصبّاح » ت ٢٩٤ هـ (١)

هو : جعفر بن عبد الله بن الصباح بن نهشل أبو عبد الله ، الأنصاري الأصبهاني.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ ضمن علماء الطبقة السابعة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ هـ ضمن علماء القراءات.

أخذ « ابن الصباح » القراءة القرآنية عن خيرة العلماء منهم : « أبو عمر الدوري » ومحمد بن عيسى الأصبهاني التميمي باختياره ، والربيع بن ثعلب ، وعبد الحميد بن بكّار وآخرون (٢).

وقد تلقى القرآن على « ابن الصباح » عدد كثير منهم : « محمد بن أحمد بن عبد الوهاب ، ومحمد بن أحمد الكسائي ، وعليّ بن عبد العزيز » وغيرهم كثير (٣).

كما أخذ « ابن الصباح » أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن خيرة العلماء ، فقد سمع من « إسماعيل بن موسى ابن بنت السّدي ، وإبراهيم بن عبد الله الهروي » وجماعة (٤).

كما حدث عن « ابن الصبّاح » الكثيرون ، منهم : « أبو حمد العسّال ، وأبو القاسم الطبراني ، وآخرون (٥).

توفي « ابن الصباح » سنة أربع وتسعين ومائتين على خلاف. رحم الله « ابن الصباح » رحمة واسعة إنه سميع مجيب.

__________________

(١) انظر ترجمته في : ـ تاريخ الإسلام ، الورقة ٥٢ ( أحمد الثالث ٢٩١٧ / ٩ ) ومعرفة القراء الكبار ١ / ٢٤٢ ، وغاية النهاية ١ / ١٩٥.

(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ص ١٩٢.

(٣) انظر طبقات القراء ج ١ ص ١٩٢.

(٤) انظر القراء الكبار ج ١ ص ٢٤٤.

(٥) انظر القراء الكبار ج ١ ص ٢٤٤.

١٤٢

رقم الترجمة / ٦٥

« أبو جعفر الطّبري » ت ٣١٠ هـ (١)

هو : محمد بن جرير بن يزيد أبو جعفر الطبري أحد الأعلام وصاحب التفسير والتاريخ والتصانيف.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ ضمن علماء الطبقة السابعة من حفاظ القرآن.كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ هـ ضمن علماء القراءات.

ولد « أبو جعفر الطبري » « بآمد » عاصمة طبرستان سنة أربع وعشرين ومائتين من الهجرة.

لم يكد « أبو جعفر الطبري » يبلغ السنّ التي تؤهله للتعليم حتى عهد به والده إلى علماء « بآمد » وسرعان ما يتفتح عقله وتبدو عليه مخايل النبوغ وهو حدث.

وفي هذا يقول « الطبري » عن نفسه : حفظت القرآن ولي سبع سنين ، وصليت بالناس وأنا ابن ثماني سنين وكتبت الحديث وأنا في التاسعة من عمري (٢).

__________________

(١) انظر ترجمته فيما يأتي : ـ فهرست ابن النديم ٢٣٤ ، وتاريخ بغداد ٢ / ١٦٢ ، وطبقات الشيرازي ٩٣ ، وأنساب السمعاني ٣٦٧ ، وتاريخ ابن عساكر ٣٧ / الورقة ٢٤٨ ، والمنتظم ٦ / ١٧٠ ، وإرشاد الأريب ١٨ / ٤٠ ، وإنباه الرواة ٣ / ٨٩ ، والمحمدون من الشعراء ٢٦٣ ، وتاريخ الاسلام ، الورقة ٤٥ ، ( أحمد الثالث ٢٩١٧ / ٩ ) وتذكرة الحفاظ ٢ / ٧١٠ ، وميزان الاعتدال ٣ / ٢٩٨ ، وتلخيص ابن مكتوم ١٩٨ ، والوافي بالوفيات ٢ / ٢٨٤ ، ومرآة الجنان ٢ / ٢٦١ ، وطبقات السبكي ٣ / ١٢٠ والبداية والنهاية ١١ / ١٤٥ ، ووفيات ابن قنفذ ٢٠٣ ، ومعرفة القراء : ١ / ٢٦٤ ، وغاية النهاية ٢ / ١٠٦ ، ولسان الميزان ٥ / ١٠٣ ، والنجوم الزاهرة ١ / ٢٠٥.

(٢) انظر معجم الأدباء ج ١٨ ص ٤٩.

١٤٣

هذا الخبر إن دل على شيء فإنما يدلّ على ذكائه ونبوغه ، لأنه من النادر أن يستطيع صبيّ في السابعة من عمره أن يحفظ القرآن كله. ومن النادر أيضا أن يستطيع صبيّ في التاسعة من عمره أن يكتب الحديث على الطريقة التي كان يسير عليها القدماء من الرواية والسند. وإذا كان المسلمون ارتضوا أن يصلي بهم غلام في الثامنة من عمره فهذا دليل على ثقتهم فيه ، وتقديرهم له ، وإعجابهم به.

رحل « أبو جعفر الطبري » في سبيل طلب العلم إلى : العراق ، والشام ، والحجاز ، ومصر ، ولقد كانت مصر ثريّة بعلمائها الذين أخذ عنهم « الطبري ». فقد أخذ عن « يونس بن عبد الأعلى الصدفي » قراءة « حمزة ، وورش ».

كما أخذ « الطبري » القراءة عن خيرة العلماء وفي مقدمتهم : « سليمان بن عبد الرحمن بن حامد ، والعباس بن الوليد بن مزيد ، كما روى حروف القراءات سماعا عن : « أبي كريب محمد بن العلاء ، وأحمد بن يوسف التغلبي » وغير هؤلاء كثير (١).

كما أخذ حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن خيرة العلماء منهم : « محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وأحمد بن منيع البغوي ، ومحمد بن حميد الرازي ، وأبو كريب محمد بن العلاء ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وأبو سعيد الأشجّ » وغيرهم كثير (٢).

وفي « مصر » أخذ فقه الشافعي على « الربيع بن سليمان المرادي ، واسماعيل بن إبراهيم المزني ، ومحمد بن عبد الله بن الحكم ».

وقد تصدر « أبو جعفر الطبري » لتعليم القرآن فتتلمذ عليه الكثيرون منهم :

__________________

(١) انظر طبقات القراء ج ٢ ص ١٠٧.

(٢) تاريخ بغداد ج ٢ ص ١٦٢.

١٤٤

« محمد بن أحمد الداجوني ، وعبد الواحد بن عمر ، وعبد الله بن أحمد الفرغاني ، ومحمد بن محمد بن فيروز الكرجي شيخ الأهوازي » ، وغيرهم كثير (١).

ومن الذين تتلمذوا على « أبي جعفر الطبري » القاضي أبو بكر أحمد قاضي الكوفة ، وقد اشتهر بعلمه في الفقه ، والقراءات ، والتفسير ، والأدب ، والتاريخ ، وله عدّة مؤلفات منها : كتاب في السير ، وكتاب في غريب القرآن ، وكتاب في القراءات ، وكتاب في التاريخ ، وكتاب المختصر في الفقه ، وغير ذلك. ومن تلاميذ « الطبري » « أبو الحسن أحمد بن يحيى بن علم الدين ».

وهو صاحب كتاب « المدخل إلى مذهب الطبري » ، وكتاب « الاجماع في الفقه على مذهب أبي جعفر الطبري ». ومنهم « أبو الفرج المعافي بن زكريا النهرواني » القاضي المشهور. وله كتاب « التحرير » في أصول الفقه ، وكتاب « الحدود والعقود » في أصول الفقه أيضا ، وكتاب « القراءات » ، وغير ذلك. ومنهم : « علي بن عبد العزيز بن محمد الدولابي » مؤلف كتاب القراءات ، وكتاب أصول الكلام ، وكتاب إثبات الرسالة. ومنهم : « أبو بكر محمد بن أحمد ابن أبي الثلج الكاتب. وأبو القاسم بن المراد مؤلف كتاب الاستقصاء في الفقه وأبو الحسن الدقيقي الحلواني ، صاحب كتاب الشروط ، وكتاب الرد على المخالفين.

وغير هؤلاء ممن تتلمذوا على « أبي جعفر الطبري » فانتهجوا نهجه ، واصطبغوا بصبغته ، وصار الطابع المميز لكل منهم أنه تخرج من مدرسة الطبري.

أما عن معالم شخصية « الطبري » فقد كان طويل القامة ، نحيف الجسم ، أسمر اللون ، واسع العينين ، كبير اللحية ، وهب حياته للعلم ، ولم يتزوج قط.

كما أن كتب التاريخ تذكر « لأبي جعفر الطبري » عدة صفات أهمها ما

__________________

(١) انظر طبقات القراء ج ٢ ص ١٠٧.

١٤٥

يلي : منها أنه كان « ورعا » كما كان والده أيضا ورعا تقيا. وليس معنى هذا أنه ورث هذه الصفة عن والده ، بل معناه أنه تأثر بأبيه ومحاكاته له.

ومن مظاهر ورعه أنه كان مع اشتغاله بالتأليف والتدريس يحرص على قراءة قدر من القرآن الكريم ، اعتاد أن يقرأه ، وكانت قراءته للقرآن تجمع بين الترتيل الجيّد الممثل للمعاني ، وبين الخشوع المصور للجلال ، حتى لقد كان بعض سامعيه يقول إنه لم يكن يظن أن إنسانا يحسن أن يقرأ هذه القراءة. ووصفه « عبد العزيز بن محمد الطبري » بأنه كان مجوّدا في القراءة ، موصوفا بذلك ، يقصده القراء ليصلوا خلفه ، ويسمعوا قراءته وتجويده (١).

قال « أبو علي الطوماري » : كنت أحمل القنديل في شهر رمضان بين يدي « أبي بكر بن مجاهد » لصلاة التراويح ، فخرج ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره ، ومررنا على مسجده فاجتازه ولم يدخله ، وسار حتى وقف على باب مسجد « الطبري » وكان « الطبري » يقرأ سورة « الرحمن » فاستمع لقراءته طويلا ثم انصرف. فقلت له : يا أستاذ تركت الناس ينتظرونك ، وجئت تسمع قراءة « الطبري »؟ فقال : « يا أبا علي ، دع عنك ، ما ظننت أن الله خلق بشرا يحسن أن يقرأ هذه القراءة » (٢).

ومن الصفات التي اتصف بها : « إباؤه » وعزّة نفسه ، فلم يستهن بكرامة نفسه مرة ، وقد لزمته هذه الصفة طيلة حياته ، حتى كان يرفض الهدايا والمنح ، لأنه جرى على ألا يقبل هدية لا يستطيع أن يكافئ بمثلها ، فإن كانت فوق طاقته ردّها ، واعتذر إلى مهديها. وكثيرا ما رفض هدايا الوزراء ، والكبراء على تشوقهم إلى أن يقبلها.

__________________

(١) انظر طبقات الشافعية ج ٢ ص ١٣٧.

(٢) انظر طبقات المفسرين ص ٣١.

١٤٦

ومن صفات « الطبري » : جرأته في الحق. ولا غرابة في أن يكون « الطبري » شجاع القلب ، جريئا في إعلان ما يعتقده حقّا ، لأنه قد استكمل الأسباب التي تسلحه بهذه الجرأة من علم واسع ، وورع مشهور ، واستهانة بالدنيا ومظاهرها. لهذا كان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم.

وقد عرض عليه القضاء فأبى أن يقبله ، وربما كان « ورعه » هو السبب في رفضه ولاية المظالم مخافة أن يجور في حكم من أحكامه. ويذكر أن « الخاقاني » لما تقلد الوزارة أرسل الى « الطبري » مالا كثيرا ، فأبى أن يقبله فعرض عليه القضاء فامتنع (١).

ومن صفات « الطبري » التواضع : يعرف في كثير من العلماء سماحة النفس ، ودماثة الخلق ، ورقة المعاملة ، والتواضع الذي لا يمسّ كرامة المؤمن بل يعليها ، من هؤلاء العلماء « أبو جعفر الطبري ».

فقد كان رحمه‌الله ورعا زاهدا في الدنيا ، راغبا عما بأيدي الناس ، وكان عظيم الأنفة والإباء ، فاستغنى بذلك عن الزهو والخيلاء. ومن مظاهر تواضع « الطبري » أنه كان يعطف على تلاميذه ، ويتواضع في معاملتهم حبّا لهم ، وثقتهم من حبّهم له.

ذكر « ابن كامل » أن بعض تلاميذ « الطبري » آلمه في مجلس الأستاذ ، فانقطع « ابن كامل » عن المجلس مدّة ، ثم قابله « الطبري » فجعل يعتذر له ، ويترضاه ، ويترفق به ، كأنه هو الذي آذاه. فرضي « ابن كامل » وعاد إلى مجلس « الطبري » (٢)

ومن صفات « أبي جعفر الطبري » مضاء عزيمته : أولع « الطبري » بحبه

__________________

(١) انظر طبقات الشافعية ج ٢ ص ١٣٧.

(٢) انظر معجم الأدباء ج ١٨ ص ٥٤.

١٤٧

للعلم منذ حداثته إلى أن توفّاه الله تعالى. فقد وهب نفسه للعلم ، وأعطى العلم أعظم نصيب من وقته ومن جهده. كانت عزيمته الماضية تتأبى على الفتور والكلال ، فتسلح بالصبر ، والنشاط. بهذه العزيمة طوّف في كثير من الأقطار ، فسمع من كبار العلماء بطبرستان ، والعراق ، والشام ، ومصر.

وبهذه العزيمة قرأ كثيرا ، وحفظ كثيرا ، وألف كثيرا ، وكان يستهين بالجهد المضني ، ويستسهل الصعب المجهد. وبهذه العزيمة كان يقرأ وهو شديد المرض ، فقد ذكر تلميذه « ابن كامل » أنه زاره قبل المغرب وهو شديد العلة ، فرأى تحت مصلاّه « فردوس الحكمة » لعلي بن زين الطبري (١).

وكانت عزيمته القويّة ، تنشّطه إلى القراءة وهو في الخامسة والثمانين من عمره ، ولم يكن يقنع بالقراءة في ذلك الوقت ، بل كان يتدبّر ما يقرأ ، ويتمعن فيه ، ويخطّ بقلمه في كثير من المواضع (٢).

وكانت ثمرات هذه العزيمة أنه خلّف ثروة عظيمة من المؤلفات في كثير من العلوم المختلفة ، وهذا ما سيتضح جليا بإذن الله تعالى أثناء الحديث عن مؤلفاته.

ومن صفات « أبي جعفر الطبري » ظرفه : كان « أبو جعفر الطبري » مع كثرة اشتغاله بالعلم إلا أنه لم يصرفه ذلك عن الدعابة ، ووجاهة السمت ، وأناقة المظهر ، والتنعم بما أحله الله تعالى ، فقد كان ظريفا في ظاهره ، نظيفا في باطنه ، حسن العشرة لمجالسيه ، مهذبا في جميع أحواله.

ومن صفات « الطبري » تعدد ثقافته : وحقا أن منهوم العلم لا يشبع ، كما أن منهوم المال لا يقنع ، وأنى لمنهوم العلم أن يشبع ، وهو يجد في كل لون من

__________________

(١) انظر معجم الأدباء ج ١٨ ص ٤٨.

(٢) انظر معجم الأدباء ج ١٨ ص ٨١.

١٤٨

ألوان المعرفة كشفا عن جديد كان يجهله ، ولذّة مستحدثة لا تغني عنها لذّة سابقة؟

وقد عرفنا من حياة « الطبري » أنه وهب نفسه للعلم ، وقصر عليه حياته ، وناط به حاضره ، ومستقبله.

ومن أهم ثقافة الطبري : العلوم الدينية من قراءات ، وتفسير ، وحديث ، وفقه ، وأصول. وهذه هي ثقافته الأصلية ، ومعظم مؤلفاته تدور في فلكها.

كان « الطبري » شافعيا أولا ، ثم اجتهد وانفرد بمذهب مستقل ، وقد مكنه علمه الواسع بالمذاهب المختلفة أن يؤلف كتابا : في « اختلاف الفقهاء » فيعرض آراءهم ، وأدلتهم ، ويناقشها. وكان الحديث النبوي الواحد يحمله على طلبه في مظانه ، وفي هذا يقول « الطبري » عن نفسه : جئت إلى « أبي حاتم السجستاني » وكان عنده حديث في القياس عن « الأصمعي » عن « أبي زائدة » عن « الشعبي » فسألته عنه ، فحدثني به (١).

كان لأبي جعفر الطبري المكانة السامية ، والمنزلة الرفيعة بين العلماء ، وغيرهم من خاصة الناس ، وعامتهم ، مما استوجب الثناء عليه ، وهذا قبس مما ذكره المؤرخون عنه. قال « أبو محمد عبد العزيز بن محمد الطبري » أحد تلاميذه : « كان أبو جعفر من الفضل والعلم والذكاء والحفظ لأنه جمع من علوم الاسلام ما لا نعلمه اجتمع لأحد ، ولا ظهر من كتب المصنفين ، وانتشر من كتب المؤلفين ما انتشر له ، وكان راجحا في علوم القرآن ، والقراءات ، واختلاف الفقهاء مع الرواية كذلك » ا هـ (٢). وقال « الخطيب البغدادي » : « كان « أبو جعفر الطبري » أحد أئمة العلماء يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله ، وكان قد

__________________

(١) انظر معجم الأدباء ج ١٨ ص ٤٨.

(٢) انظر الطبري لأحمد الحوفي ص ٦٠.

١٤٩

جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره ، وكان حافظا لكتاب الله ، عارفا بالقراءات ، بصيرا بالمعاني ، فقيها في أحكام القرآن ، عالما بالسنن وطرقها ، وصحيحها وسقيمها ، وناسخها ومنسوخها ، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ، ومسائل الحلال والحرام ، عارفا بأيام الناس وأخبارهم ، وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك ، وكتاب في التفسير لم يصنف أحد مثله ، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة ، واختيار من أقاويل الفقهاء » ا هـ (١).

وقال « ابن خلكان » : « كان « أبو العباس بن سريج » يقول : « محمد ابن جرير الطبري » فقيه العالم » (٢).

وقال « الحسن بن علي الأهوازي المقرئ » : ألف « الطبري » في القراءات كتابا جليلا كبيرا رأيته في ثمانية عشرة مجلدا بخطوط كبار ، ذكر فيه جميع القراءات من المشهور والشاذ ، وعلل ذلك وشرحه ، واختار منها قراءة لم يخرج بها عن المشهور » ا هـ (٣).

عاش « الطبري » حياة كانت من بدايتها إلى نهايتها ستا وثمانين سنة قضاها منذ الصغر إلى نهاية العمر بحثا عن العلوم والمعرفة.

ومما لا شك فيه أن ثقافة « الطبري » كانت متنوعة ، وكان علمه غزيرا ، كل ذلك أهل « الطبري » ليترك ثروة علمية عظيمة من المؤلفات والمصنفات.

في مقدمة مؤلفات « الطبري » كتابه : « جامع البيان في تفسير القرآن ». قال عنه « السيوطي » : إنه جمع فيه بين الرواية والدراية ولم يشاركه في ذلك أحد

__________________

(١) انظر تاريخ بغداد ج ٢ ص ١٦٣.

(٢) طبقات الشافعية ج ٢ ص ١٣٧.

(٣) انظر معجم الأدباء ج ١٨ ص ٤٥.

١٥٠

قبله ، ولا بعده ا هـ (١). وقال « الخطيب البغدادي » : إن كتابه في التفسير لم يصنف أحد مثله ا هـ.

التزم « الطبري » منهجا خاصا في تصنيف كتابه ، ويتميز هذا المنهج بعدة سمات ، أهمها ما يلي :

أولا : الاعتماد على المأثور :

ذلك أنه اعتمد على التفسير بالمأثور مما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومما روى عن الصحابة والتابعين ، متتبعا طريق الاسناد الدقيقة في سلاسل الروايات ، وبهذا اصطبغ تفسيره بأنه سجّل لما أثر من الروايات. لكنه كان في أكثر تفسيره يلخص الفكرة العامة التي يستنبطها من هذه الروايات ، ويصوغها بقوله ، ثم يعقب عليها بذكر الروايات التي قد تختلف في التفصيل والايجاز.

ثانيا : دقة الإسناد :

كان « الطبري » أمينا في ذكر السند ، وفي تسجيل أسماء الرواة ، لأنه اتصل بكثير من العلماء ، وسمع منهم ، فإذا كان قد سمع هو وغيره قال ، حدثنا ، وإذا كان قد سمع وحده ، قال : حدثني.

ثالثا : الإكثار من الأحاديث النبوية.

رابعا : الإكثار من الاستشهاد بالقراءات القرآنية وتخريجها.

مثال ذلك قوله تعالى : ( أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ ، وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (٢).

__________________

(١) انظر طبقات المفسرين ص ٣٠.

(٢) سورة التوبة الآية ١٠٩.

١٥١

قال : اختلف القراء في قراءة قوله تعالى : « أ فمن أسّس بنيانه » فقرأ بعض قرّاء أهل المدينة وهو « نافع » ومعه « ابن عامر » الشامي ، بضم الهمزة ، وكسر العين على البناء للمفعول ، و « بنيانه » بالرفع نائب فاعل.

وقرأت عامة قراء الحجاز ، والعراق بفتح الهمزة والسين فيهما على البناء للفاعل ، والفاعل ضمير يعود على « من » و « بنيانه » بالنصب مفعول به. ثم قال : وهما قراءتان متفقتان في المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

وقوله تعالى : ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى ) (١).

قال : اختلف القراء في قراءة قوله تعالى : « ما ذا ترى » فقرأته عامة قراء أهل المدينة ، والبصرة ، وبعض أهل الكوفة بفتح التاء ، والراء ، وألف بعدها ، بمعنى أيّ شيء تأمر.

وقرأ عامة قراء الكوفة : « ما ذا ترى » بضم التاء ، وكسر الراء ، وياء بعدها ، بمعنى ما ذا تشير وما ذا ترى من صبرك.

ومن مؤلفات « الطبري » تاريخ الأمم والملوك ، واختلاف الفقهاء ، وتهذيب الآثار ، وتفصيل الثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأخبار ، وكتاب آداب القضاة ، وكتاب أدب النفوس الجيدة والأخلاق النفيسة وكتاب المسند المجرد ، ورسالة البصير في معالم الدين ، وكتاب مختصر مناسك الحج ، وكتاب الفرائض ، وكتاب الموجز في الأصول ، وكتاب مسند « ابن عباس » رضي‌الله‌عنهما ، واختيار من أقاويل الفقهاء ، وكتاب المسترشد ، وفضائل « عليّ بن أبي طالب وابن عباس » رضي‌الله‌عنهما. وكتاب فضائل « أبي بكر وعمر » رضي‌الله‌عنهما ، وكتاب في تعبير الرؤيا إلى غير ذلك من المصنفات المفيدة والنافعة.

__________________

(١) سورة الصافات الآية ١٠٢.

١٥٢

قال « أبو محمد الفرغاني » صاحب ابن جرير : إن قوما من تلامذة « محمد ابن جرير » حسبوا له منذ بلغ الحلم إلى أن مات ثم قسموا على تلك المدّة أوراق مصنفاته ، فصار لكل يوم أربع عشرة ورقة ا هـ (١).

توفي « ابن جرير الطبري » في شوال سنة عشر وثلاثمائة ببغداد ، بعد حياة حافلة بتعليم القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام. رحم الله « ابن جرير الطبري » رحمة واسعة وجزاه الله أفضل الجزاء.

__________________

(١) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ص ٢٦٥.

١٥٣

رقم الترجمة / ٦٦

« جعفر المشحلائي » ت بعد ٣٣٠ هـ (١)

هو : جعفر بن سليمان أبو أحمد ، وقيل : أبو الحسين المشحلائي : بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وحاء مهملة ، نسبة إلى قرية « مشحلايا » قرية من أعمال حلب.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ ضمن علماء الطبقة الثامنة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ هـ ضمن علماء القراءات.

أخذ « جعفر المشحلائي » القراءة عن خيرة العلماء ، وفي مقدمتهم : « أبو شعيب السوسي » الراوي المشهور عن « أبي عمرو بن العلاء البصري ». ولا زالت قراءة « السوسي » يتلقاها المسلمون بالقبول حتى الآن (٢).

تصدر « جعفر المشحلائي » لتعليم القرآن. واشتهر بالثقة والضبط وعمر طويلا ، فتتلمذ عليه الكثيرون ، وفي مقدمة من أخذ عنه القراءة : « عبد الله بن المبارك ، وعبد المنعم بن غلبون » ، وهو الذي روى الإدغام الكبير منصوصا (٣).

توفي « جعفر المشحلائي » بعد حياة حافلة بتعليم القرآن بعد الثلاثين وثلاثمائة من الهجرة. رحمه‌الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

__________________

(١) انظر ترجمته فيما يأتي : ـ غاية النهاية ج ١ ص ١٩٢.

(٢) انظر القراء الكبار ج ١ ص ٣٠١.

(٣) انظر طبقات القراء ج ١ ص ١٩٢.

١٥٤

رقم الترجمة / ٦٧

« جعفر النّصيبي » ت ٣٠٧ هـ (١)

هو : جعفر بن محمد بن أسد أبو الفضل الضرير النصيبي المعروف بابن الحمامي ، قارئ ضابط حاذق.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ ضمن علماء الطبقة السابعة من حفاظ القرآن.كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ هـ ضمن علماء القراءات.

أخذ « جعفر النصيبي » القرآن عن خيرة العلماء وفي مقدمتهم : « أبو عمر الدوري » أحد رواة « أبي عمرو بن العلاء » البصريّ ، ولا زالت قراءة « أبي عمر الدوري » يتلقاها المسلمون بالقبول وقد تلقيتها وقرأت بها والحمد لله رب العالمين.

وقد اشتهر « جعفر النصيبي » بالقراءة والاقراء ، وقد تتلمذ عليه الكثيرون منهم : « محمد بن علي الجلندا ، ومحمد بن علي بن حسن العطوفي ».

كما روى عنه حروف القرآن « عبد الله بن أحمد بن ذي زويه ، وإبراهيم بن أحمد الخرقي » (٢).

توفي « جعفر النصيبي » سنة سبع وثلاثمائة من الهجرة. رحم الله « أبا جعفر النصيبي » رحمة واسعة إنه سميع مجيب.

__________________

(١) انظر ترجمته فيما يأتي : ـ تاريخ الإسلام ، الورقة ٥٢ ( أحمد الثالث ٢٩١٧ / ٩ ) ومعرفة القراء الكبار : ١ / ٢٤٢ وغاية النهاية : ج ١ / ١٩٥.

(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ص ١٩٥.

انظر القراء الكبار ج ١ ص ٢٤٢.

١٥٥

رقم الترجمة / ٦٨

« ابن الجلندا » ت بعد ٣٤٠ هـ (١)

هو : محمد بن علي بن الحسن بن الجلندا أبو بكر الموصلي ، مقرئ متقن ضابط.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ ضمن علماء الطبقة الثامنة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ هـ ضمن علماء القراءات.

أخذ « ابن الجلندا » القراءة عرضا عن خيرة العلماء ، منهم : محمد بن اسماعيل القرشي ، والفضل بن داود المدني ، والفضل بن أحمد الزبيدي ، ومحمد ابن هارون التمار ، والحسن بن الحسين الصواف ، وجعفر بن محمد بن أسد ، وأحمد ابن سهل الأشناني ، وأبو بكر بن مجاهد ، وأحمد بن عبد ربه ابن عياش وآخرون (٢).

تصدر « ابن الجلندا » لتعليم القرآن ، فتتلمذ عليه الكثيرون ، منهم : عبد الباقي بن الحسن بن السقاء وغيره (٣).

واشتهر « ابن الجلندا » باتقان القرآن الكريم وضبط حروفه وبرع في القراءات. مما استوجب الثناء عليه وفي هذا المعنى يقول « الذهبي » :

اشتهر « ابن الجلندا » بالضبط والإتقان وبرع في القراءات (٤). وقال عنه

__________________

(١) انظر ترجمته فيما يأتي : ـ غاية النهاية ج ٢ ص ٢٠١.

(٢) انظر طبقات القراء ج ٢ ص ٢٠١.

(٣) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ص ٣٠٥.

(٤) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ص ٣٠٥.

١٥٦

« الإمام الداني » : « ابن الجلندا » مشهور بالضبط والاتقان ا هـ (١).

قال « ابن الجزري » : توفي « ابن الجلندا » فيما أحسب سنة بضع وأربعين وثلاثمائة من الهجرة. رحم الله « ابن الجلندا » رحمة واسعة ، إنه سميع مجيب.

__________________

(١) أنظر طبقات القراء ج ٢ ص ٢٠١.

١٥٧

رقم الترجمة / ٦٩

« أبو جعفر يزيد بن القعقاع

المدني المخزومي » ت ١٢٨ هـ (١)

أحد أئمة التابعين ، وعلم من علماء القراءات ، الثقة من المشهورين شيخ القراءات بالمسجد النبوي الشريف.

أحد القراء العشرة المشهورين ، وقراءة « أبي جعفر » من القراءات المتواترة التي لا زال الناس يتلقونها بالقبول ، وقد تلقيتها وقرأت بها ، والحمد لله رب العالمين.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ ضمن علماء الطبقة الثالثة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ هـ ضمن علماء القراءات.

قال « ابن الجزري » : عرض « أبو جعفر » القرآن على مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، وعبد الله بن عباس ، وأبي هريرة ا هـ (٢).

وروى القراءة عنه عدد كثير لأنه كان مدرسة وحده ، منهم : « نافع ابن أبي نعيم » أحد القراء السبعة المشهورين ، ولا زالت قراءة « نافع » يتلقاها المسلمون بالقبول ، وقد قرأت بها والحمد لله رب العالمين. كما أخذ القراءة عن « أبي

__________________

(١) أنظر ترجمته فيما يأتي : ـ تاريخ خليفة ٤٠٥ ، وطبقات خليفة ٢٦٢ ، والتاريخ الكبير ٨ / ٣٥٣ ، والمعارف ٥٢٨ ، والمعرفة والتاريخ ١ / ٦٧٥ ، و ٣ / ٢١٣ ، والجرح والتعديل ٩ / ٢٨٥ ، ومشاهير علماء الأمصار ٧٦ ، والكامل لابن الأثير ٥ / ٣٩٤ ، ووفيات الأعيان ٦ / ٢٧٤ ، وميزان الاعتدال ٤ / ٥١١ ، ومرآة الجنان ١ / ٢٧٣ ، و ٢٨٠ ، وغاية النهاية ٢ / ٣٨٢ ، وتقريب التهذيب ٢ / ٤٠٦ ، وتهذيب التهذيب ١٢ / ٥٨ ، وشذرات الذهب ١ / ١٧٦ ، معرفة القراء الكبار : ١ / ٧٢.

(٢) أنظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ص ٣٨٢.

١٥٨

جعفر » : سليمان بن مسلم بن جماز ، وعيسى بن وردان ، وأبو عمرو بن العلاء ، وعبد الرحمن بن زيد ، وولداه : إسماعيل ، ويعقوب ، وآخرون.

قال « يحيى بن معين » : كان « أبو جعفر » إمام أهل المدينة في القراءة فسمى القارئ لذلك (١).

وقال « مالك بن أنس » : كان « أبو جعفر » رجلا صالحا ، يقرئ الناس بالمدينة ا هـ (٢).

وقال « مجاهد » : حدثوني عن « الأصمعي » عن « أبي الزناد » قال : لم يكن أحد أقرأ للسنة من « أبي جعفر » وكان يقدم في زمانه على « عبد الرحمن ابن هرمز » ا هـ (٣).

وقال « الذهبي » : فأما قراءة « أبي جعفر » فدارت على « أحمد بن زيد الحلواني » عن « قالون ، عن عيسى بن وردان » ، عن « أبي جعفر » قرأ بها « الفضل بن شاذان الداري ، وجعفر بن الهيثم عن الحلواني » ، وأقرأ بها « الزبير ابن محمد العمري » ، عن قراءته على « قالون » بإسناده ، وأقرأها « سليمان بن داود الهاشمي ، عن سليمان بن مسلم بن جماز » عن « أبي جعفر » وأقرأها « الدوري » عن إسماعيل بن جعفر عن « أبي جعفر » ا هـ (٤).

ومن يقرأ تاريخ « أبي جعفر » يتبين له بجلاء ووضوح أنه كان من الزهاد ، المتصدقين ، الذين يصومون صيام داود عليه‌السلام ، يوضح ذلك النصوص التالية : فعن « سبط الخياط » قال : روى « ابن جماز عنه » أنه كان يصوم يوما ويفطر

__________________

(١) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ص ٣٨٣.

(٢) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ص ٣٨٣.

(٣) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ص ٣٨٣.

(٤) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ص ٧٤.

١٥٩

يوما ، واستمرّ على ذلك مدة من الزمان ، فقال له بعض أصحابه في ذلك فقال : إنما فعلت ذلك أروض به نفسي لعبادة الله تعالى ا هـ (١).

وقال « ابن الجزري » : قرأت بخط الأستاذ « أبي عبد الله القصّاع » أن « أبا جعفر » كان يصلي في جوف الليل أربع تسليمات يقرأ في كل ركعة بالفاتحة ، وسورة من طوال المفصل ، ويدعو عقبها لنفسه ، والمسلمين ، ولكل من قرأ عليه وقرأ بقراءته بعده وقبله ا هـ (٢).

وقال « سليمان بن مسلم » : أخبرني « أبو جعفر » أنه أتى به إلى « أم سلمة » أم المؤمنين رضي‌الله‌عنها ، وهو صغير فمسحت على رأسه ، ودعت له بالبركة ا هـ (٣). وعن « عبد الرحمن بن زيد بن أسلم » : كان « أبو جعفر » يصلي خلف القراء في رمضان يلقنهم ، وكان بعده « شيبة بن نصاح » جعلوه كذلك ا هـ (٤).

كما كان « أبو جعفر » رحمه‌الله تعالى من المتصدقين الذين يخفون أنفسهم ابتغاء رضوان الله تعالى ، يوضح ذلك الخبر التالي : فعن « مالك بن أنس » قال : كان « أبو جعفر » إذا مرّ سائل وهو يصلي بالليل ، دعاه فيستتر منه ، ثم يلقي إليه إزاره ا هـ (٥).

ومن نعم الله على « أبي جعفر » رحمه‌الله ، أن الله أكرمه غاية الإكرام فتفضل عليه في الدنيا ومنحه القرآن ، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام أما في الدار

__________________

(١) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ص ٣٨٣.

(٢) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ص ٣٨٣.

(٣) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ص ٧٣.

(٤) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ص ٧٣.

(٥) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ص ٧٣.

١٦٠