النّفس من كتاب الشّفاء

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]

النّفس من كتاب الشّفاء

المؤلف:

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]


المحقق: الشيخ حسن حسن زاده الآملي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-146-0
الصفحات: ٣٧٦

ذلك من كل جنس ، فيكون من المعقولات ، ويكون من الإنذارات (١) ، ويكون شعرا ، ويكون غير ذلك بحسب الاستعدادات والعادة والخلق. وهذه الخواطر تكون لأسباب تعنّ (٢) للنفس مسارقة (٣) فى أكثر الأمر وتكون كالتلويحات (٤) المستلبة التى لا تتقرّر فتذكر إلا أن تبادر إليها النفس بالضبط الفاضل ، ويكون أكثر ما يفعله أن يشغل التخيل بجنس غير مناسب لما كان فيه.

ومن شأن هذه القوة المتخيلة أن تكون دائمة الإكباب على خزانتى

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : اى الاخبار بنزول عذاب او بلاء.

(٢) اى تظهر.

(٣) هو يسارق فى النظر اذا احتال فيه.

(٤) قوله : « وتكون كالتلويحات » يعنى تكون تلك الخواطر التى تعنّ اى تظهر للنفس مسارقة كتلك التلويحات التى لا تتقرر فى النفس فتذكر اى حتى تذكر بل تلوح فتذهب بلا تراخ ومن ثم تنسى وتنمحى ، الا ان تبادر النفس الى تلك الخواطر اللائحة بالضبط الفاضل اى تمسكها جيدا ولا تطلقها.

ثم اخذ الشيخ ـ قدس‌سره ـ ان يبين علة عدم تقررها فى النفس وعدم تذكرها اياها بقوله : « واكثر ما يفعله ... » وخلاصتها ان المتخيلة تزاحم النفس فى ذلك التقرر والتذكر. فـ « اكثر ما » مبتدأ ، وخبره : « ان يشغل التخيل » و « التخيل » فاعل « يشغل ».

وفاعل « يفعل » هو الضمير الراجع الى « اكثر ما ». والضمير البارز المنصوب فى « يفعله » راجع الى « عدم التقرر ». والتذكر المستفاد من قوله « لا تتقرر فتذكر » اى اشتغال التخيل بشىء غير مناسب هو اكثر شىء موجب لعدم تقرر تلك الخواطر وعدم تذكرها للنفس.

فعلم ان الهمّ الواحد هو سبب انقهار المتخيلة للنفس وهو يحصل فى السلوك الانسانى من المراقبة التامة. وهذا الفصل الشريف من غرر فصول كتاب النفس.

وبما ذكرنا من معنى العبارة دريت ان الصواب المحقق هو تذكير الفعلين اعنى يفعله ويشغل لا تأنيثهما كما فى طبع مصر ، ولو كان كذلك لوجب ان يقال « ان تشغل التخيل عن جنس ... » لانّ النفس على هذا الزعم تشغله عنه على انه زعم باطل وان تكلف فى تصحيح المعنى فتدبر.

٢٤١

المصورة والذاكرة ، ودائمة العرض للصورة مبتدئة من صورة محسوسة أو مذكورة ، منتقلة منها إلى ضد أو ندّ أو شىء هو منه بسبب ، وهذه طبيعتها.

وأما اختصاص انتقالها من الشىء إلى ضده دون ندّه ، أو ندّه دون ضده ، فيكون لذلك أسباب جزئية لا تحصى.

وبالجملة يجب أن يكون أصل السبب فى ذلك أن النفس إذا جمعت بين مراعاة المعانى والصور انتقلت من المعنى إلى الصورة التى هى أقرب إليها إما مطلقا وإما لاتفاق قرب عهد مشاهدته لتألّفهما فى حس أو فى وهم ، وانتقلت كذلك من الصورة إلى المعنى. ويكون السبب الأول الذى يخصّص صورة دون صورة ومعنى دون معنى أمرا قد ورد عليه من الحس خصّصه به ، أو من العقل ، أو الوهم فخصصه به ، أو لأمر سماوى. فلما تخصص بذلك صار استمراره وانتقاله متخصصا لتخصيص المبدأين (١) ، ولأجل أحوال تقارن من العادة او لقرب العهد ببعض الصور والمعانى. وقد يكون ذلك لأحوال أيضا سماوية ، وقد يكون لطوالع من الحس والعقل بعد التخصيص الأول يضاف إليه.

واعلم أن الفكر النطقى ممنوّ بهذه القوة وهو من غريرة هذه القوة فى شغل شاغل ، فإنه إذا استعملها فى صورة مّا استعمالا موجها نحو غرض مّا انتقلت بسرعة إلى شىء آخر لا يناسبه ومنه إلى ثالث وأنست النفس أول ما ابتدأت عنه حتى تحوج النفس إلى التذكر نازعة (٢) إلى التحليل

__________________

(١) بمخصّص المبدأين كما فى نسختين. و « لمخصص » كما فى نسخة. وفى تعليقة نسخة : اى العقل والوهم او الامر السماوى والارضى.

(٢) فازعة. نسخة.

٢٤٢

بالعكس حتى تعود إلى المبدأ.

فإذا اتفق فى حال اليقظة أن أدرك النفس شيئا أو فى حال النوم أن اتصلت بالملكوت اتصالا على ما سنصفه بعد وصفا ، فإن هذه القوة إن مكنتها (١) بسكونها أو بانقهارها (٢) من حسن الاستثبات ولم تغلبها مقصرة عليها زمان الاستثبات لما يلوح لها من تخيلاتها ، تمكنت تلك الصورة (٣) من الذكر تمكنا جيدا على وجهه وصورته فلم تحتج إن كان يقظة إلى التذكر ، وإن كان نوما إلى تعبير (٤) ، وإن كان وحيا إلى التأويل ، فان التعبير والتأويل هاهنا يذهبان مذهب التذكر.

فان لم تستثبب النفس ما رأته من ذلك فى قوة الذكر على ما ينبغى ، بل كانت القوة المتخيلة توازى كل مفرد من المرئى فى النوم بخيال مفرد أو مركب ، أو توازى مركبا من المرئى فى النوم بخيال مفرد أو مركب فلا تزال تحاذى ما يرى هناك (٥) بمحاكاة مؤلفة من صور ومعان كان استثبات النفس فى ذاتها لما يراها أضعف من استثبات المصورة والمتذكرة (٦) لما يورده التخيل ، فلم يثبت فى الذكر ما أرى من الملكوت وثبت ما حكى (٧) به.

__________________

(١) ان مكنّتها ، كما فى جميع النسخ التى عندنا. وعبارة الكتاب كانت « مكنته » بتذكير الضمير. فالضمير على الاول اعنى على التأنيث راجع الى النفس وهو ظاهر. وعلى التذكير راجع الى الفكر النطقى ، او راجع الى شىء فى قوله « ادرك النفس شيئا » فيحتاج المعنى الى دقة. وكان مآل الاولين واحدا كما لا يخفى.

(٢) فى تعليقة نسخة : اى انقهار المتخيلة من النفس.

(٣) اى ذلك الشىء المدرك فان شئت تقرء قوله : « فلم يحتج » بالتذكير او بالتأنيث.

(٤) التعبير حدس من المعبّر ليستخرج به الاصل من الفرع. الفص الاسحاقى ص ١٩١.

(٥) فى النوم.

(٦) المذكرة ـ خ ل.

(٧) وثبت ما حوكى به. نسخة مصحّحة.

٢٤٣

ويتفق كثيرا أن يكون ما يرى من الملكوت شيئا كالرأس وكالابتداء ، فيستولى التخيل على النفس استيلاء يصرفها عن استتمام ماتراه ، وتنتقل بعده انتقالا بعد انتقال لا تحاكى بتلك الانتقالات شيئا مما يرى من الملكوت ، إذ ذلك قد انقطع ، فيكون هذا ضربا من الرؤيا. إنما موضع العبارة منه شىء طفيف (١) وباقيه أضغاث أحلام (٢) ، فما كان من الرؤيا من الجنس الذى السلطان فيه للتخيل فإنه يحتاج إلى عبارة ضرورة.

وربما رأى الإنسان تعبير رؤياه فى رؤياه فيكون ذلك بالحقيقة تذكرا ، فإن القوة المفكرة كما أنها قد تنتقل أولا من الأصل إلى الحكاية لمناسبة بينهما ، كذلك لا يبعد أن تنتقل عن الحكاية إلى الأصل.

فكثيرا ما يعرض لها أن تتخيل (٣) فعلها ذلك مرة أخرى فيرى (٤) كأن مخاطبا يخاطبه بذلك ، وكثيرا مّا لم يكن كذلك ، بل كان كأنها تعاين الشىء معاينة صحيحة من غير أن تكون النفس اتصلت بالملكوت ، بل تكون محاكاة من المتخيلة للمحاكاة فترجع إلى الأصل.

وهذا الضرب من الرؤيا الصحيح قد يقع عن التخيل من غير معونة

__________________

(١) بمعنى القليل والغير التام.

(٢) فى تعليقة نسخة : الضغث : قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس واضعاث الاحلام الرؤيا التى لا يصح تأويلها لاختلاطها. والحشيش ما يبس من الكلأ قال الجوهرى ولا يقال له حشيش اذا كان رطبا.

والحلم بالضم واحد الاحلام فى النوم وحقيقته على ما قيل ان الله يخلق باسباب مختلفة فى الاذهان عند النوم صورا علمية منها مطابق لما مضى ولما يستقبل ومنها غير مطابق.

(٣) اى يكون الرجوع الى الاصل ايضا على سبيل التمثيل والحكاية من جنس الالفاظ.

(٤) فيرى كان مخاطبا يخاطبها بذلك ، نسخة.

٢٤٤

قوة أخرى وإن كان الأصل فيه ذلك فيرجع (١) ، وربما حاكت هذه المحاكاة محاكاة أخرى فتحتاج إلى تعبير المعبر مرة أخرى ، وهذه أشياء وأحوال لا تضبط.

ومن الناس من يكون أصح أحلاما (٢) ، وذلك إذا كانت نفسه قد اعتادت الصدق وقهرت التخيل الكاذب وأكثر من يتفق له أن يعبّر رؤياه فى رؤياه هو من كانت همته مشغولة بما رأى ، فإذا نام بقى الشغل به بحاله ، فأخذت القوة المتخيلة تحاكيه (٣) بعكس ما حاكت أولا.

وقد حكى أن هرقل الملك رأى رؤيا شغلت قلبه ولم يجد عند المعبرين ما يشفيه ، فلما نام بعد ذلك عبر له فى منامه تلك الرؤيا ، فكانت مشتملة على إخبار عن أمور تكون فى العالم وفى خاص مدينته ومملكته ، فلما دوّنت تلك الانذارات خرجت على نحو ما عبر له فى منامه ، وقد جرّب (٤) مثل هذا فى غيره.

والذين يرون هذه الأمور فى اليقظة :

منهم من يرى ذلك لشرف نفسه وقوتها وقوة متخيلته ومتذكرته فلا

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : اى ان كان ما وجد فى ذلك الانتقال هو الاصل فيتحقق الرجوع الى الاصل وان كان ذلك الانتقال حكاية الحكاية فيحتاج الى تعبير المعبّر مرة اخرى كما اشار الى هذا بقوله وربما حاكت هذه المحاكات بمحاكات اخرى.

(٢) فى تعليقة نسخة : قال الحكيم الفاضل ابو الحسن سعد بن هبة الله فى رسالة الحدود الرؤيا الحقيقية سنح الروحانية ينطبع فى القوة المتخيلة تأتى جهة العقل الفعال ومن هذه علم الغيوب فى اخبارات الانبياء عليهم‌السلام ورؤيا الصالحين. حد الاحلام سنح تحريك الحس فيها التخيل الا انها واردة من قبل الحس وهذه لا حقيقة لوجودها.

(٣) فى تعليقة نسخة : اى من الحكاية الى الاصل والاول يكون من الاصل الى الحكاية.

(٤) خبرت. نسخة.

٢٤٥

تشغلها المحسوسات عن أفعالها الخاصة.

ومنهم من يرى ذلك لزوال تميّزه ولأن النفس التى له منصرفة عن التميّز. ولذلك فإن تخيله قوىّ ، فهو قادر على تلقى تلك الأمور الغيبية فى حال اليقظة. فإن النفس محتاجة فى تلقى فيض الغيب إلى القوة الباطنة من وجهين : أحدهما ليتصور فيها المعنى الجزئى تصورا محفوظا ، والثانى لتكون معينة لها متصرفة فى جهة إرادتها ، لا شاغلة إياها ، جاذبة إلى جهتها ، فيحتاج إلى نسبة بين الغيب وبين النفس والقوة الباطنة المتخيلة ونسبة بين النفس والقوة الباطنة المتخيلة فإن كان الحس يستعملها أو العقل يستعملها على النحو العقلى الذى ذكرناه لم تفرغ لأمور أخرى ، مثل المرآة إذا شغلت عن جهة وحركت نحو جهة فإن كثيرا من الأمور التى من شأنها أن ترتسم فى تلك المرآة مغافصة ومباغتة لنسبة مّا بينهما لا ترتسم. وسواء كان هذا الشغل من الحس أو من ضبط العقل ، فإذا فات أحدهما أو شك أن تتفق النسبة المحتاج إليها ما بين الغيب وبين النفس والقوة المتخيلة ، وبين النفس وبين القوة المتخيلة ، فيلوح فيها اللائح على نحو ما يلوح.

ولأنا قد انتقل بنا الكلام فى التخيل إلى أمر الرؤيا فلا بأس أن ندلّ يسيرا على المبدأ الذى تقع الإنذارات فى المنام بأمور نضعها وضعا. وإنما يتبين لنا فى الصناعة التى هى الفلسفة الأولى.

فنقول : إن معانى جميع الأمور الكائنة فى العالم مما سلف ومما حضر ومما يريد أن يكون موجودة فى علم البارىء والملائكة العقلية من جهة وموجودة فى أنفس الملائكة السماوية من جهة ، وستتضح لك الجهتان فى موضع آخر.

٢٤٦

وإن الأنفس البشرية أشد مناسبة لتلك الجواهر الملكية منها للأجسام المحسوسة ، وليس هناك احتجاب ولا بخل ، إنما (١) الحجاب للقوابل إما لانغمارها فى الأجسام وإما لتدنسها بالأمور الجاذبة إلى الجنبة السافلة. وإذا وقع لها أدنى فراغ من هذه الأفعال حصل لها مطالعة لما ثمّ ، فيكون أولى ما تستثبته ما يتصل بذلك الإنسان أو بذويه أو ببلده أو بإقليمه. فلذلك أكثر الأحلام الذى تذكر تختص بالإنسان الذى حلم بها وبمن يليه ، ومن كانت همته المعقولات لا حت له. ومن كانت همته مصالح الناس رآها واهتدى إليها ، وكذلك على هذا القياس.

وليست الاحلام كلها صادقة ، او بحيث يجب أن يشتغل بها ، فإن القوة المتخيلة ليس كل محاكاتها إنما تكون لما يفيض على النفس من الملكوت ، بل أكثر ما يكون منها ذلك إنما يكون إذا كانت هذه القوة قد سكنت عن محاكاة أمور هى أقرب إليها.

والأمور التى هى أقرب إليها منها طبيعية ، ومنها إرادية.

فالطبيعية هى التى تكون من ممازجة قوى الأخلاط للروح التى تمتطيها (٢) القوة المصورة والمتخيلة ، فإنها أول شىء إنما تحكيها وتشتغل بها. وقد تحكى أيضا آلاما تكون فى البدن وأعراضا فيه ، مثل ما يكون عندما تتحرك القوة الدافعة للمنى إلى الدفع ، فإن المتخيلة حينئذ تحاكى صورا من شأن النفس أن تميل إلى مجامعتها ، ومن كان به جوع حكى له مأكولات ، ومن كان به حاجة إلى دفع فضل حكى له موضع ذلك ، ومن

__________________

(١) انّ ، نسخة.

(٢) امتطاه أى أخذه مطية. وفى منتهى الارب : امتطاء بارگى ساختن ستور را. وقد يذكر فى مواضع الكتاب ان الروح البخارية هى مطية اولى للنفس.

٢٤٧

عرض لعضو منه أن سخّن أو برد بسبب حر أو برد حكى له أن ذلك العضو منه موضوع فى نار أو فى ماء بارد.

ومن العجائب أنه كما يعرض من حركة الطبيعة لدفع المنى تخيل مّا ، كذلك ربما عرض تخيل مّا لصورة مشتهاة بسبب من الأسباب ، فتنبعث الطبيعة إلى جمع المنى وإرسال الريح الناشرة لآلة الجماع وربما قذفت المنىّ ، وقد يكون هذا فى النوم واليقظة جميعا وإن لم يكن هناك هيجان وشبق.

وأما الإرادية فان يكون فى همة النفس وقت اليقظة شىء تنصرف النفس إلى تأمّله وتدبّره ، فإذا نام أخذت المتخيلة تحكى ذلك الشىء وما هو من جنس ذلك الشىء ، وهذا هو من بقايا الفكر التى تكون فى اليقظة ، وهذه كلها أضغاث أحلام. وقد تكون أيضا من تأثيرات الأجرام السماوية ، فإنها قد توقع بحسب مناسباتها ومناسبات نفوسها صورا فى التخيل بحسب الاستعداد ليست عن تمثل شىء من عالم الغيب والإنذار.

وأما الذى يحتاج أن يعبّر وأن يتأول فهو ما لم ينسب إلى شىء من هذه الجملة ، فيعلم أنه قد وقع من سبب خارج وأن له دلالة مّا ، فلذلك لا يصح فى الأكثر رؤيا الشاعر والكذاب والشرير والسكران والمريض والمغموم ومن غلب عليه سوء مزاج أو فكر.

ولذلك أيضا إنما يصح من الرؤيا فى أكثر الأمر ما كان فى وقت السحر ، لأن الخواطر كلها تكون فى هذا الوقت ساكنة ، وحركات الأشباح تكون قد هدأت. وإذا كانت القوة المتخيلة فى حال النوم فى مثل هذا الوقت غير مشغولة بالبدن ولا مقطوعة عن الحافظة والمصورة ، بل

٢٤٨

متمكنة منهما ، فبالحرى أن تحسن خدمتها للنفس فى ذلك ، لأنها تحتاج لا محالة فيما يرد عليها. من ذلك أن ترتسم صورته فى هذه القوى (١) ارتساما صالحا إما هى بأنفسها وإما محاكياتها.

ويجب أن يعلم أن أصح الناس أحلاما أعدلهم أمزجة.

فإن اليابس المزاج وإن كان يحفظ جيدا فإنه لا يقبل جيدا.

والرطب المزاج وإن كان يقبل سريعا فإنه يترك سريعا فيكون كأنه لم يقبل ولم يحفظ جيدا.

والحار المزاج متشوش الحركات.

والبارد المزاج بليد.

وأصحهم من اعتاد الصدق.

فإن عادة الكذب والأفكار الفاسدة تجعل الخيال ردىء الحركات غير مطاوع لتسديد (٢) النطق ، بل يكون حاله حال خيال من فسد مزاجه إلى تشويش.

[ فى النوم واليقظة ]

وإذا كان هذا (٣) مما يتعلق بالنوم واليقظة ، فيجب أن ندل هاهنا

__________________

(١) القوة ، نسخة. وفى تعليقة نسخة : وحينئذ لا يكون بين المعنى الذى ادركته النفس وبين الصور التى رأتها المتخيلة فرق الا من جهة الكلية والجزئية فيكون الرؤيا غنية عن التعبير.

(٢) اى لتصويب.

(٣) قوله : « واذا كان هذا ... » تمهيد لا يراد البحث عن النوم واليقظة ولابدّ من البحث عنهما فى المسائل الفلسفية وهذا المقام انسب من غيره فى ايراد البحث عنهما لوجهين :

الاول : ان البحث عنهما يجب ان يكون فى المسائل المتعلقة بذى الحس اى الحيوان

٢٤٩

باختصار على أمر النوم واليقظة. فنقول :

إن اليقظة حالة تكون النفس فيها مستعملة للحواس أو للقوى المحركة من ظاهر بالإرادة التى لا ضرورة إليها ، فيكون النوم عدم هذه الحالة ، وتكون النفس فيه قد أعرضت عن الجهة الخارجة إلى الجهة الداخلة وإعراضها لا يخلو من أحد وجوه : إما أن يكون لكلال عرض لها من هذه الجهة. وإما أن يكون لمهمّ عرض لها فى تلك الجهة. وإما أن يكون لعصيان الآلات إياها.

والذى يكون من الكلال هو أن يكون الشىء الذى يسمى روحا وتعرفه فى موضعه قد تحلل وضعف فلا يقدر على الانبساط (١) فيغور وتتبعه القوى النفسانية. وهذا الكلال قد يعرض من الحركات البدنية وقد يعرض من الأفكار وقد يعرض من الخوف. فإن الخوف قد يعرض منه النوم ، بل الموت.

[ سبب تنويم الافكار ]

وربما كانت الأفكار تنوّم لا من هذه الجهة ، بل بأن تسخّن الدماغ

__________________

والانسان كما نص به الشيخ فى آخر الفصل بقوله : « وان كان من حق النوم واليقظة ان يتكلم فيه فى عوارض ذى الحس » يعنى لا يناسب البحث عنهما البحث عن كائنات الجو مثلا فيجب ان يتكلم فيهما فى كتاب النفس.

الوجه الثانى : ان التكلم فيهما بعد ما كان يجب ان يورد فى كتاب النفس فالمقام اشد مناسبا فى ذلك من غيره حيث قال : « واذا كان هذا ـ اى الرؤيا ـ مما يتعلق بالنوم واليقظة فيجب ان ندلّ هاهنا باختصار على امر النوم واليقظة ». ثم كان الحرى ان يعنون البحث عنهما بعنوان كالوصل والفصل والتذنيب ونحوها.

(١) فى تعليقة نسخة : طلبا لبدل ذلك المتحلل.

٢٥٠

فتنجذب الرطوبات إليه فيمتلىء الدماغ فينوّم بالترطيب (١).

والذى لمهم فى الباطن هو أن يكون الغذاء والرطوبات قد اجتمعت من داخل فتحتاج إلى أن يقصدها الروح بجميع الحار العزيزى ليفى بهضمها التام فيتعطّل الخارج.

والذى يكون من جهة الآلات فأن تكون الأعصاب قد امتلأت وانسدت من أبخرة وأغذية تنفذ (٢) فيها إلى أن تنهضم ، والروح (٣) ثقلت من الحركة لشدة الترطيب.

وتكون اليقظة لأسباب مقابلة لهذه. من ذلك أسباب يجفّف مثل الحرارة واليبوسة ، ومن ذلك جمام (٤) وراحة حصلت ، ومن ذلك فراغ عن الهضم فتعود الروح منتشرة كثيرة ، ومن ذلك حالة ردّية تشغل النفس عن الغور ، بل تستدعيها إلى خارج كغضب أو خوف لأمر قريب أو مقاساة (٥) لمادّة مؤلمة. وهذا قد دخل فيما نحن فيه بسبيل العرض ، وإن كان من حق النوم واليقظة أن يتكلم فيه فى عوارض ذى الحس.

__________________

(١) فى تحصيل بهمنيار : « لأن كل موضع يسخن فى البدن تنجذب اليه الرطوبات وكذلك الحال فى شعلة السراج والسبب فيه ضرورة الخلأ فيمتلى الدماغ بالرطوبة وينوم بالترطيب ويثقل الروح ويعجز عن الحركة ... » ( ط ١ ـ ص ٨٠٠ ).

(٢) اى الروح.

(٣) او الروح ، نسخة.

(٤) جمام كسحاب آسايش وآسودگى اسب بعد از ماندگى. منتهى الارب.

(٥) رنج كشيدن.

٢٥١

الفصل الثالث

فى أفعال القوى المتذكرة والوهمية

وفى أن أفعال هذه القوى كلها بآلات جسمانية

كأنا قد استقصينا القول فى حال المتخيلة والمصورة. فيجب أن نتكلم فى حال المتذكرة ، وما بينها وبين المفكرة ، وفى حال الوهم ، فنقول :

إن الوهم هو الحاكم الأكبر فى الحيوان ، ويحكم على سبيل انبعاث تخيلى من غير أن يكون ذلك محققا ؛ وهذا مثل ما يعرض للإنسان من استقذار العسل لمشابهته المرارة (١) ، فإن الوهم يحكم بأنه فى حكم ذلك ، وتتبع النفس ذلك الوهم وإن كان العقل يكذبه. والحيوانات وأشباهها من الناس إنما يتبعون فى أفعالهم هذا الحكم من الوهم الذى لا تفصيل منطقيا (٢) له ، بل هو على سبيل انبعاث مّا فقط ، وإن كان الإنسان قد يعرض لحواسه وقواه بسبب مجاورة النطق ما يكاد أن تصير قواه الباطنة نطقية مخالفة للبهائم. فلذلك يصيب من فوائد الأصوات المؤلفة والألوان

__________________

(١) زهره دان. هى التى تجمع المرّة الصفراء معلقة مع الكبد كالكيس.

(٢) نطقيا. نسخة.

٢٥٢

المؤلفة والروائح والطعوم المؤلفة ومن الرجاء والتمنى أمورا (١) لا تصيبها الحيوانات الأخرى ، لأن نور النطق (٢) كأنه فائض سائح (٣) على هذه القوى. وهذا التخيل أيضا الذى للإنسان قد صار موضوعا للنطق بعد ما أنه موضوع للوهم فى الحيوانات ، حتى أنه ينتفع به فى العلوم وصار ذكره أيضا نافعا فى العلوم كالتجارب التى تحصل (٤) بالذكر والأرصاد الجزئية وغير ذلك.

ونرجع إلى حديث الوهم. فنقول : إن من الواجب أن يبحث الباحث ويتأمل أن الوهم الذى لم يصحبه العقل حال توهمه كيف ينال المعانى التى هى فى المحسوسات عندما ينال الحس صورتها من غير أن يكون شىء من تلك المعانى يحس ومن غير أن يكون كثير منها مما ينفع ويضر فى تلك الحال.

فنقول : إن ذلك للوهم من وجوه : من ذلك الإلهامات الفائضة على الكل (٥) من الرحمة الإلهية ، مثل حال الطفل ساعة يولد فى تعلقه

__________________

(١) مفعول يصيب.

(٢) قوله : « لان نور النطلق ... » للشيخ فى المقام كلام آخر فى المجانسة يطلب فى الثانى من رابعة الهيات الشفاء ص ١١٧ ـ ط ١ ، رحلى.

(٣) سانح بالنون. نسخة.

(٤) يحفظه. نسخة.

(٥) قال الرازى : وهذه الالهامات يقف بها النفس على المعانى المخالطة للمحسوسات فيما يضر وينفع فالذئب يحذره كل شاة وان لم يره قط ولا وصلت اليها آفة. والفارة يحذر الهرة وكثير من الطيور يحذر جوارح الطير وان كانت ما رآها قبل ذلك.

فافعال الحيوانات تارة تكون على هذا الوجه وتارة بحسب التجربة فان الحيوان اذا نال لذة او الما مقارنين بصورة حسية ارتسم فى النفس صورة الشىء وصورة المقارن وما بينهما من النسبة فاذا وقع الاحساس باحد الشيئين شعرت النفس حينئذ بالمقارن

٢٥٣

بالثدى ، ومثل حال الطفل إذا أقلّ (١) وأقيم فكاد يسقط من مبادرته إلى أن يتعلق بمستمسك لغريزة جعلها فيه الإلهام الإلهى ، وإذا تعرض لحدقته بالقذى (٢) بادر فأطبق جفنيه قبل فهم ما يعرض له وما ينبغى أن يفعل بحسبه كأنه غريزة لنفسه لا اختيار معه وكذلك للحيوانات إلهامات غريزية ، والسبب فى ذلك مناسبات موجودة بين هذه الأنفس ومبادئها هى دائمة لا تنقطع غير المناسبات التى يتفق أن تكون مرة وأن لا تكون ، كاستعمال (٣) العقل وكخاطر الصواب ، فإن الأمور كلها من هناك. وهذه الإلهامات يقف بها الوهم على المعانى المخالطة للمحسوسات فيما يضر وينفع ، فيكون الذئب تحذره كل شاة وإن لم تره قط ولا أصابتها منه نكبة (٤) ، وتحذر الأسد حيوانات كثيرة ، وجوارح (٥) الطير يحذرها سائر الطير وتشنّع (٦) عليها الطير الضعاف من غير تجربة ؛ فهذا قسم.

وقسم آخر يكون لشىء كالتجربة ، وذلك أن الحيوان إذا أصابه ألم أو لذة أو وصل إليه نافع حسى أوضار حسى مقارنا لصورة حسية ، فارتسم فى المصورة صورة الشىء وصورة ما يقارنه ، وارتسم فى الذكر

__________________

ـ الاخر المطلوب او المهروب ولهذا يخاف الكلاب المدرو الخشب ( المباحث المشرقية ص ٤٣٨ ج ٢ ).

(١) اى رفع وقام.

(٢) وهو ما دفع فى العين من تراب او تبن او وسخ.

(٣) كاستكمال ، نسخة.

(٤) النكبة ما يصيب الانسان من الحوادث والجمع نكبات.

(٥) جمع جارحة : مرغان شكارى.

(٦) تشنّع اى تهيا للقتال. وفى تعليقة نسخة : التشنيع له معانى متعددة واحد معانيه الجدّ فى السير وهو المناسب هيهنا.

٢٥٤

معنى النسبة بينهما والحكم بينهما (١) فإن الذكر لذاته وبجبلّته (٢) ينال ذلك. فإذا لاح للمتخيلة تلك الصورة من خارج تحركت فى المصورة وتحرك معها ما قارنها من المعانى النافعة أو الضارة ، وبالجملة المعنى الذى فى الذكر على سبيل الانتقال والاستعراض الذى فى طبيعة القوة المتخيلة فأحس الوهم بجميع ذلك معا فرأى المعنى مع تلك الصورة ، وهذا هو على سبيل يقارب التجربة ، ولهذا تخاف الكلاب المدر والخشب وغيرها.

وقد تقع للوهم أحكام أخرى بسبيل التشبيه بأن تكون للشىء صورة تقارن معنى وهميا فى بعض المحسوسات وليس تقارن ذلك دائما وفى جميعها ، فيلتفت مع وجود تلك الصورة إلى معناها ، وقد تخلف.

فالوهم حاكم فى الحيوان يحتاج فى أفعاله إلى طاعة هذه القوى له ، وأكثر ما يحتاج إليه هو الذكر والحس ؛ وأما المصورة فيحتاج إليها بسبب الذكر والتذكر.

[ الفرق بين الذكر والتذكر ]

والذكر (٣) قد يوجد فى سائر الحيوانات ، وأما التذكر وهو الاحتيال لاستعادة ما اندرس فلا يوجد على ما أظن إلا فى الإنسان ، وذلك انّ الاستدلال على أن شيئا كان فغاب (٤) إنما يكون للقوة النطقية ، وإن كان

__________________

(١) والحكم فيها ، والحكم فيهما ، نسختان.

(٢) لجبلّته ، نسخة.

(٣) فى التصريح : الذكر باللسان ضد الانصات وذاله مكسورة ، وبالقلب ضد النسيان وذاله مضمومة قاله الكسائى.

(٤) كما فى النسخ التى عندنا. وفى المطبوعة بمصر : « كان فغات ».

٢٥٥

لغير النطقية فعسى أن يكون للوهم المزين بالنطق. فسائر الحيوانات إن ذكرت ذكرت ، وإن لم تذكر لم تشتق إلى التذكر ، ولم يخطر لها ذلك بالبال ، بل إن هذا الشوق والطلب هو للإنسان.

والتذكر هو مضاف إلى أمر كان موجودا فى النفس فى الزمان الماضى ، ويشاكل التعلم من جهة ويخالفه من جهة. أما مشاكلته للتعلم فلأن التذكر انتقال من أمور تدرك ظاهرا أو باطنا إلى امر غيرها ، وكذلك التعلم فإنه أيضا انتقال من معلوم إلى مجهول ليعلم ، لكن التذكر هو طلب أن يحصل فى المستقبل مثل ما كان حاصلا فى الماضى ، والتعلم ليس إلا أن يحصل فى المستقبل شىء آخر.

وأيضا فإن التذكر ليس يصار إلى الغرض فيه من أشياء توجب ضرورة حصول الغرض ، بل على سبيل علامات إذا حصل أقربها من الغرض انتقلت النفس إلى الغرض فى مثل تلك الحال (١) ، ولو كانت الحال غير ذلك لم يجب ـ وإن أخطر صورة الأقرب أو معناه ـ أن تنتقل ، كمن يخطر بباله كتاب بعينه فتذكر منه معلّمه الذى قرأ عليه ذلك الكتاب. وليس يجب من إخطار صورة ذلك الكتاب بالبال وإخطار معناه أن يخطر ذلك المعلم بالبال لكل إنسان. وأما العلم فإن السبيل. الموصلة إليه ضرورية النقل إليه وهو القياس والحد.

ومن الناس من يكون التعلم أسهل عليه من التذكر ، لأنه يكون مطبوعا على ضروريات النقل ومن الناس من يكون بالعكس ومن الناس من يكون شديد الذكر ضعيف التذكر ، وذلك لأنه يكون يابس المزاج

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : اى الطلب والاستدلال على ان شيئا كان فغاب.

٢٥٦

فيحفظ ما يأخذه ، ولا يكون حرك النفس مطاوع المادة لأفعال التخيل واستعراضاته ومن الناس من يكون بالعكس. وأسرع الناس تذكرا أفطنهم للإشارات ، فإن الإشارات تفعل نقلا عن المحسوسات إلى معان غيرها ، فمن كان فطنا فى الإشارات كان سريع التذكر. ومن الناس من يكون قوى الفهم ولكن يكون ضعيف الذكر ويكاد أن يكون الأمر فى الفهم والذكر بالتضاد ، فإن الفهم يحتاج إلى عنصر للصور الباطنة شديد الانطباع ، وإنما تعين عليه الرطوبة ، وأما الذكر فيحتاج إلى مادة يعسر انفساخ ما يتصور فيها ويتمثل ، وذلك يحتاج إلى مادة يابسة ، فلذلك يصعب اجتماع الأمرين.

فأكثر من يكون حافظا هو الذى لا تكثر حركاته ولا تتفنن هممه ، ومن كان كثير الهمم كثير الحركات لم يذكر جيدا ، فيحتاج الذكر مع المادة المناسبة إلى أن تكون النفس مقبلة على الصورة وعلى المعنى المستثبتين إقبالا بالحرص غير مأخوذة (١) عنهما باشتغال آخر ، ولذلك كان الصبيان مع رطوبتهم يحفظون جيدا ، لأن نفوسهم غير مشغولة بما تشتغل به نفوس البالغين ، فلا تذهل عما هى مقبلة عليه بغيره. وأما الشبان فلحرارتهم واضطراب حركاتهم مع يبس مزاجهم لا يكون ذكرهم كذكر الصبيان والمترعرعين (٢) ، والمشايخ أيضا يعرض لهم من الرطوبة الغالبة أن لا يذكروا ما يشاهدون.

وقد يعرض مع التذكر من الغضب والحزن والغم وغير ذلك ما يشاكل

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : اخذ بمعنى انقطاع وبازداشتن.

(٢) ترعرع الصبى تحرك ونشأ والسن قلقت وتحركت. وسنّ الترعرع هو بعد الشدة ونبات الانسان وقبل المراهقة.

٢٥٧

حال وقوع الشىء (١) ، وذلك أنه لم يكن سبب وقوع الغم والحزن والغضب فيما مضى إلا انطباع هذه الصورة فى باطن الحواس ، فإذا عادت فعلت ذلك أو قريبا منه ، والأمانى والرجاء تفعل ذلك ، والرجاء غير الأمنية ، فإن الرجاء تخيل أمر مّا مع حكم أو ظن بأنه فى الأكثر كائن ، وأما الأمنية فهى تخيل أمر وشهوته والحكم بالتذاذ يكون إن كان ، والخوف مقابل الرجاء على سبيل التضاد ، واليأس عدمه ، وهذه كلها تكون أحكاما للوهم (٢).

فلنقتصر الآن على ما قلناه من أمر القوى المدركة الحيوانية ، ولنبين أنها كلها تفعل افعالا (٣) بالآلات (٤) ، فنقول : أما المدرك من القوى للصور الجزئية الظاهرة على هيئة غير تامّة التجريد والتفريد عن المادة ولا مجردة أصلا عن علائق المادة كما تدركه الحواس الظاهرة ، فالأمر فى احتياج إدراكه إلى آلات جسمانية واضح سهل. وذلك لأن هذه الصور إنما تدرك

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : يعنى قد يوجب من تذكر ما يوجب الغم والحزن حال يشبه حال وقوعه فان تلك الحالة انما تحصل من الصورة التى تنطبع فى القوى وقد حصلت.

(٢) وهذه كلها احكام للوهم ، نسخة.

(٣) تفعل افعالها بالآلات ، نسخة.

(٤) فى تعليقة نسخة : قال الشيخ فى المباحثات ان الصور والمتخيلات ليس المدرك لها جسما او جسمانيا واقام البرهان بحسب الظاهر على ذلك وقال بعد اقامة البرهان فاذن الحفظ والذكر ليسا جسمانيين بل انما يوجدان فى النفس الا ان المشكل انه كيف يرتسم الاشباح الخيالية فى النفس. وقال فى آخر الفصل وهذا وامثاله يوقع فى النفس ان نفس الحيوان غير الناطق ايضا جوهر غير مادى وانه هو الواحد بعينه المشعور به واحد وانه هو الشاعر الباقى وان هذه الجسمانيات آلات متبدلة عليه. وعبارة المباحثات مذكورة فى المباحث المشرقية للامام الرازى وفى سفر نفس الاسفار لصدر المتألهين. ( المباحث المشرقية ج ٢ ص ٣٣٧ ).

٢٥٨

ما دامت المواد حاضرة موجودة ، والجسم الحاضر الموجود إنما يكون حاضرا موجودا عند جسم ، وليس يكون حاضرا مرة وغائبا أخرى عند ما ليس بجسم ، فإنه لا نسبة له إلى قوة مفرّدة من جهة الحضور والغيبة. فإن الشىء الذى ليس فى مكان لا تكون للشىء المكانى إليه نسبة فى الحضور عنده والغيبة عنه ، بل الحضور لا يقع إلا على وضع او بعد للحاضر عند المحضور. وهذا لا يمكن إذا كان الحاضر جسما إلا أن يكون المحضور جسما أو فى جسم.

وأما المدرك للصور الجزئية على تجريد تام من المادة وعدم تجريد ألبتة من العلائق المادية كالخيال فيحتاج أيضا إلى آلة جسمانية ، فإن الخيال لا يمكنه أن يتخيل إلا أن ترتسم الصورة الخيالية فيه ارتساما (١) مشتركا بينه وبين الجسم ؛ فإن الصورة المرتسمة فى الخيال من صورة شخص زيد على شكله وتخطيطه ووضع أعضائه بعضها عند بعض التى تتميز فى الخيال كالمنظور إليها لا يمكن أن تتخيل على ما هى عليه إلا أن تلك الأجزاء والجهات من أعضائه يجب أن ترتسم فى جسم وتختلف جهات تلك الصورة فى جهات ذلك الجسم وأجزاؤها فى أجزائه.

ولننقل صورة زيد إلى صورة مربع ا ب ج د المحدود المقدار والجهة والكيفية واختلاف الزوايا بالعدد ، وليكن متصلا بزاويتى ا ب منه مربعان كل واحد منهما مثل الآخر ، ولكل واحد جهة معينة ولكنهما متشابها الصورة ، فترتسم من الجملة صورة شكل مجنح جزئى واحد بالعدد مقرّر فى الخيال.

__________________

(١) الخيالية فيه فى جسم ارتساما ، نسخة.

٢٥٩

فنقول : إن مربع (١) « ا ه ر و» وقع غيرا بالعدد لمربع « ب ـ ح ـ ط ـ ى » ووقع فى الخيال منه بجانب اليمين متميزا عنه بالوضع المتخيل المشار إليه فى الخيال فلا يخلو إما أن يكون لصورة المربعية لذاتها أو لعارض خاص له فى المربعية غير صورة المربعية ، أو يكون للمادة التى هى منطبعة فيها (٢).

ولا يجوز أن تكون مغايرته له من جهة صورة المربعية ، وذلك انّا فرضناهما متشاكلين متشابهين متساويين. ولا يجوز أن يكون ذلك لعارض يخصه.

أما أولا فإنا لا نحتاج الى تخيله يمينا إلى إيقاع عارض فيه ليس فى ذلك غير جهات المادة.

وأما ثانيا فإن ذلك العارض إما أن يكون شيئا فيه نفسه (٣) لذاته أو

__________________

(١)

(٢) قال الرازى فى المباحث المشرقية ( ج ٢ ص ٣٥٦ ) « انّا اذا تخيلنا مربعا مجنّحا بمربّعين فلابدّ ان نتخيل هذا المربع على هذا الوجه المفروض فى هواء وفى جهة مخصوصة وذلك الهواء وتلك الجهة موجودتان فاذا انطبعت فى النفس صورتا المربعين فكان لاحد المربعين نسبة الى جهة مخصوصة او الى جانب مخصوص ولم تكن الصورة الاخرى مفروضة الحصول فى ذلك الجانب وتلك الجهة فحينئذ يتميز بهذا السبب احد المربعين عن الاخر واذا احتمل ذلك سقط الاستدلال ».

(٣) فيه بعينه ، نسخة.

٢٦٠