النّفس من كتاب الشّفاء

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]

النّفس من كتاب الشّفاء

المؤلف:

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]


المحقق: الشيخ حسن حسن زاده الآملي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-146-0
الصفحات: ٣٧٦

ولا يتألم ، بل النفس تتألم من ذلك وتلتذ من داخل. وكذلك الحال فى الأذن ، فإن تألمت الأذن من صوت شديد والعين من لون مفرط كالضوء فليس تألم من حيث تسمع أو تبصر ، بل من حيث تلمس ، لأنه يحدث فيه ألم لمسى ، وكذلك تحدث فيه (١) بزوال ذلك لذة لمسية. وأما الشم والذوق فتتألمان وتلتذان إذا تكيفتا بكيفية منافرة أو ملائمة. وأما اللمس فإنه قد يتألم بالكيفيية الملموسة ويلتذ بها ، وقد يتألم ويلتذ بغير توسط كيفية هى المحسوس الأول ، بل بتفرق الاتصال والتئامه.

ومن الخواص التى للمس أن الآلة الطبيعية التى يحس بها وهى لحم عصبى أو لحم وعصب تحس بالمماسة ، وإن لم يكن متوسط (٢) ألبتة ، فإنه لا محالة يستحيل عن المماسات ذوات الكيفيات ؛ وإذا استحال عنها أحس ، ولا كذلك حال كل حاسة مع محسوسها. وليس يجب أن يظن أن الحساس هو العصب فقط ، فإن العصب بالحقيقة هو مؤد للحس اللمسى إلى عضو غيره وهو اللحم. ولو كان الحساس نفس العصب فقط ، لكان الحساس فى جلد الإنسان ولحمه شيئا منتشرا كالليف ، وكان حسه ليس بجميع (٣) أجزائه ، بل أجزاء ليفية فيه ، بل العصب الذى لحس (٤) اللمس مؤد وقابل معا. والعصبة المجوفة مؤدية للبصر لكنها غير

__________________

(١) لانه يحدث فيها الم لمسى وكذلك تحدث فيها ( كما فى المطبوعة بمصر ). ومخطوطاتنا موافقة للمتن اى يحدث فى كل واحد منهما ....

(٢) بتوسط. كما فى عدة نسخ.

(٣) ليس لجميع اجزائه نسخة. قال الهروى فى بحر الجواهر : ليف بالكسر : پوست درخت خرما. ودر طب عبارتست از ريشهاى پى ورباط. وفيه ايضا : البردية هى الرطوبة الجليدية.

(٤) الذى يحس اللمس. كما فى عدة نسخ.

١٠١

قابلة ، إنما القابل ما إليه تؤدى وهو البردية أو ما هو مستول (١) عليه وهو الروح.

فبين إذن أن من طباع اللحم أن يقبل الحس ، فان كان يحتاج أن يقبله من مكان آخر ومن قوة عضو آخر توسط بينهما العصب. وأما إن كان المبدأ موجودا فيه فهو حساس بنفسه وإن كان لحما ، وذلك كالقلب. وإن انتشر فى جوهر القلب ليف عصبى (٢) ، فلا يبعد أن يكون ليلتقط عنه الحس ويؤديه إلى أصل واحد يتأدى عنه إلى الدماغ ، وعن الدماغ إلى أعضاء أخرى ، كما سيتضح بعد. وكالحال فى الكبد من جهة انبثاث عروق ليفية فيه لتقبل عنه وتؤدى إلى غيره ، ويجوز أن يكون انبثاث الليف فيه ليقوى قوامه ويشتد لحمه ، وسنشرح هذه الأحوال فى مواضع آخر مستقبلة.

ومن خواص اللمس أن جميع الجلد الذى يطيف بالبدن حساس باللمس ولم يفرد له جزء منه. وذلك لأن هذا الحس لما كان طليعة تراعى الواردات على البدن التى تعظم مفسدتها إن تمكنت من أى عضو وردت عليه ، وجب أن يجعل جميع البدن حساسا باللمس ؛ ولأن الحواس الأخرى قد تتأدى إليها الأشياء من غير مماسة ومن بعيد ، فيكفى أن تكون

__________________

(١) مشتمل ، نسخة.

(٢) قال فى الفصل الاول من التعليم الخامس من كليات القانون ص ٤٦ و ٤٧ من الطبع الناصرى وص ١٦ من الطبع الرحلى : قال كبير الفلاسفة : العضو المعطى الغير القابل هو القلب وهو الاصل الاول لكل قوة وهو يعطى لساير الاعضاء القوى التى بها تغذو والتى بها تحس والتى بها تدرك وتحرك. قال الآملى فى شرحه : وانما قيد الاصل بالاول لان الدماغ اصل ثان وكذا الكبد فى اعطائهما قوة الحس والحركة والتغذية بعد قبولهما من القلب.

١٠٢

آلتها عضوا واحدا إذا أورد عليه المحسوس (١) الذى يتصل به ضرر عرفت النفس ذلك فاتقته وتنحت بالبدن عن جهته. فلو كانت الآلة اللامسة بعض الأعضاء ، لما شعرت النفس إلا بما يماسها وحدها (٢) من المفسدات. ويشبه أن تكون قوى اللمس قوى كثيرة (٣) كل واحد واحد منها تختص بمضادة ، فيكون ما تدرك به المضادة التى بين الحار والبارد غير الذى تدرك به المضادة التى بين الثقيل والخفيف. فإن هذه أفعال أولية للحس يجب أن تكون لكل جنس منها قوة خاصة ، إلا أن هذه القوى لما انتشرت فى جميع الآلات بالسوية ظنت قوة واحدة ، كما لو كان اللمس والذوق منتشرين فى البدن كله انتشارهما فى اللسان لظن مبدآهما (٤) قوة واحدة ، فلما تميزا فى غير اللسان عرف اختلافهما.

وليس يجب ضرورة أن تكون لكل واحدة من هذه القوى آلة تخصها ،

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : اما كون اللمس بهذه الحالة اى بأن لا يحس الا بالمماسة والقوى الاخرى لا تحتاج اليها لشدة تأدية هذه القوة دون ساير القوى.

(٢) فى تعليقة نسخة : دون باقى الاعضاء.

(٣) فى تعليقة نسخة : الملموسات لما كانت حقايق مختلفة محسوسة من حيث حقايقها المختلفة فان الثقل من حيث هو ثقل والبرودة من حيث هى برودة ملموسان لا من حيث انه امر مشترك بينهما يكون هو ملموس بذاته ويكون الثقل والبرودة وصفين لا حقين به فلا محالة يجب ان تكون القوة اللامسة متعددة بخلاف المبصرات فانها ليست محسوسة من حيث خصوصياتها المتمايزة التى هى السوادية والبياضية وغيرهما بل من حيث الاشتراك بينهما وهو كونها لونا فقط بحيث لو وجد اللون لما هولون فقط مجردا عن جميع الخصوصيات لكان مبصرا لا محالة فلذلك لم يجعل محلها الاقوة واحدة وفى آخر الفصل الخامس الاتى قال الشيخ ما مفاده هذا.

(٤) المبدأ ان على التثنية أضيف إلى الضمير. واعلم أن صدر المتألهين ذكر فى ص ٤٨ ج ٤ ط ١ ـ ص ٢٠٠ ج ٨ ط ٢ من نفس الأسفار إنحصار الحواس فى هذه الخمس فراجع.

١٠٣

بل يجوز أن تكون آلة واحدة مشتركة لها ، ويجوز أن يكون هناك انقسام فى الآلات غير محسوس ، وقد اتفق فى اللمس أن كانت الآلة الطبيعية (١) بعينها هى الواسطة. ولما كان كل واسطة يجب أن يكون عادما فى ذاته لكيفية ما يؤديه ، حتى إذا قبلها وأدّاها أدّى شيئا جديدا ، فيقع الانفعال عنه فيقع (٢) الإحساس به. والانفعال لا يقع إلا عن جديد كان كذلك أيضا آلة اللمس.

لكن المتوسط الذى ليس هو مثلا بحار ولا بارد يكون على وجهين : أحدهما على أنه لا حظّ له من هاتين الكيفتين أصلا ؛ والثانى ما له حظ منهما ولكن صار فيه إلى الاعتدال ، فليس بحار ولا بارد ، بل معتدل متوسط.

ثم لم يمكن أن تكون آلة اللمس خالية أصلا عن هذه الكيفيات ، لأنها مركبة منها ، فوجب أن يكون خلوها عن هذه الأطراف بسبب المزاج والاعتدال لتحسّ ما يخرج عن القدر الذى لها. وما كان من أمزجة اللامسات أقرب إلى الاعتدال ، كان ألطف إحساسا. ولما كان الإنسان أقرب الحيوانات كلها من الاعتدال كان ألطفها لمسا. ولما كان اللمس أول الحواس ، وكان الحيوان الأرضى لا يجوز أن يفارقه ، وكان لا يكون إلا بتركيب معتدل ليحكم به بين الأضداد ؛ فبيّن (٣) من هذا أنه ليس للبسائط

__________________

(١) يعنى العصب هو الواسطة فى تأدية الحس اللمسى إلى عضو آخر هو اللحم.

(٢) ليقع الإحساس به ، نسخة.

(٣) جواب « لما كان ». وفى تعليقة نسخة : قوله « فبيّن من هذا » : اى من انّ اعتدالا ما موجب للحكم بين الأضداد فالبسائط التى لا تركيب فيها اصلا فضلا عن الاعتدال تكون خالية عن القوة وكذلك ما يشبه البسائط كالجماد والنبات من المركبات خالية عن القوة لعدم الاعتدال فيهما.

١٠٤

وما يقرب منها (١) حس ألبتة ولا حياة إلا النمو فى بعض ما يقرب من البسائط. فليكن هذا مبلغ ما نقوله فى اللمس.

__________________

(١) كالجماد والنبات.

١٠٥

الفصل الرابع

فى الذوق والشم

وأما الذوق فإنه تال للّمس ، ومنفعته أيضا فى الفعل الذى به يتقوم البدن وهو تشهية الغذاء واختياره ، ويجانس اللمس فى شىء وهو فى أن المذوق يدرك فى أكثر الأمر (١) بالملامسة ، ويفارقه فى أن نفس الملامسة لا تؤدى الطعم ، كما أن نفس ملامسة الحار مثلا تؤدى الحرارة ، بل كأنه محتاج إلى متوسط يقبل الطعم ويكون فى نفسه لا طعم له وهو الرطوبة اللعابية المنبعثة من الآلة المسماة بالملعبة (٢). فإن كانت هذه الرطوبة عديمة الطعوم أدت الطعوم بصحة وإن خالطها طعم ، كما يكون للممرورين من المرارة ، ولمن فى معدته خلط حامض من الحموضة شابت ما تؤديه بالطعم الذى فيه فتحيله مرا أو حامضا.

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : قوله « فى اكثر الامر » لعل مراده ان الذايق قد يمكن أن يلمس بعض المذوقات ولا يحس منه طعم.

(٢) قوله ـ قدس‌سره ـ « من الآلة المسماة بالملعبة » الملعبة بتقديم الميم وكسرها من : ل ـ ع ـ ب اسم آلة كالمكنسة اى آلة تورث الرطوبة اللعابية. والقرائة بتقديم الباء على اللام من : ب ـ ل ـ ع ملحونة.

١٠٦

ومما فيه موضع نظر هل هذه الرطوبة إنما تتوسط بأن تخالطها أجزاء ذى الطعم مخالطة تنتشر فيها ثم تنفذ فتغوص فى اللسان حتى تخالط اللسان فيحسه ، أو تكون نفس الرطوبة تستحيل إلى قبول الطعم من غير مخالطة ، فإن هذا موضع نظر. فإن كان المحسوس هو المخالط فليست الرطوبة بواسطة مطلقة ، بل واسطة تسهّل وصول الجوهر المحسوس الحامل للكيفية نفسها إلى الحاس وأما الحس نفسه فإنما هو بملامسة الحاس للمحسوس بلاواسطة. وإن كانت الرطوبة تقبل الطعم وتتكيف به فيكون المحسوس بالحقيقة أيضا هو الرطوبة ويكون أيضا هو الرطوبة ويكون أيضا بلاواسطة (١) ، ويكون الطعم إذا لاقى آلة الذوق أحسته ، فيكون لو كان للمحسوس الوارد من خارج سبيل إلى المماسة الفائضة من غير هذه الواسطة لكان ذوق ، لا كالمبصر الذى لا يمكن أن يلاقى آلة الإبصار بلاواسطة. وإذا مست الآلة المبصر لم يدرك ألبتة (٢) ، لكنه بالحرى أن تكون هذه الرطوبة للتسهيل وأنها تتكيف وتختلط معا ، ولو كان سبيل إلى الملامسة المستقصاة من غير هذه الرطوبة لكان يكون ذوق.

فإن قيل : ما بال العفوصة تذاق وهى تورث السدد وتمنع النفوذ؟

فنقول : إنها أولا تخالط بوساطة هذه الرطوبة ثم تؤثّر أثرها من التكثيف وقد خالطت. والطعوم التى يدركها الذوق هى الحلاوة (٣) والمرارة (٤)

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : اى كما فى الاول او كما يكون محسوسا بالذات.

(٢) واذا مست الآلة المدركة لم تدرك ألبتة. ( كما فى نسختين من الشفاء ونسخة اخرى كما فى المتن ).

(٣) شيرينى.

(٤) تلخى.

١٠٧

والحموضة (١) والقبض (٢) والعفوصة (٣) والحرافة (٤) والدسومة (٥) والبشاعة (٦) والتفه (٧). والتفه يشبه أن يكون كأنه عدم الطعم ، وهو كما يذاق من الماء ومن بياض البيض. وأما هذه الأخرى فقد تكثرت بسبب أنها متوسطات (٨) وأنها أيضا مع ما تحدث ذوقا يحدث بعضها لمسا ، فيتركب من الكيفية الطعمية ومن التأثير اللمسى شىء واحد لا يتميز فى الحس ، فيصير ذلك الواحد كطعم محض متميز ، فإنه يشبه أن يكون طعم من الطعوم المتوسط بين الأطراف يصحبه طعم وتفريق وإسخان وتسمى جملة ذلك حرافة ، وآخر يصحبه طعم وتفريق من غير إسخان وهو الحموضة ، وآخر يصحبه مع الطعم تجفيف وتكثيف وهو العفوصة. وعلى هذا القياس ما قد شرّح فى الكتب الطبية.

وأما الشم فإنه وإن كان الإنسان أبلغ حيلة فى التشمم من سائر

__________________

(١) ترشى.

(٢) خشكى.

(٣) دبش ، گلوگير. وفى تعليقة نسخة العفص والقابض متقاربان فى الطعم لكن القابض يقبض ظاهر اللسان والعفص باطنه ايضا.

(٤) تندى ، تيزى.

(٥) چربى.

(٦) بدمزه. قال السيد فى شرح المواقف ص ٢٨٤ ج ٥ : فمن الطعوم المركبة ما له اسم على حدة نحو البشاعة المركبة من مرارة وقبض كما فى الحضض. قال الجوهرى : شىء بشع اى كريه الطعم يأخذ بالحلق ( بحر الجواهر ). وقال صدر المتالهين فى الاسفار : قد تتركب طعمان فى جرم واحد مثل اجتماع المرارة والقبض ويسمى بشاعة. ( الأسفار ج ٢ ص ٣٣ ط ١ ـ ج ٤ ص ١٠٣ ط ٢ ).

(٧) بى مزه.

(٨) اى بين الاطراف يعنى المتوسط بين عديم الطعم وشديد الطعم الذى اذا ورد على القوة يبطلها.

١٠٨

الحيوانات (١) فإنه يثير الروائح الكامنة بالدلك ، وهذا ليس لغيره ، ويتقصى فى تحسّسها بالاستنشاق ، وهذا لا يشاركه فيه غيره. فإنه لا يقبل الروائح قبولا قويا حتى يحدث فى خياله منها مثل ثابتة كما تحصل للملموسات والمطعومات. بل تكاد أن تكون رسوم الروائح فى نفسه رسوما ضعيفة. ولذلك لا تكون للروائح عنده أسماء إلا من جهتين :

إحداهما من جهة الموافقة والمخالفة بأن يقال طيبة ومنتنة ، كما لو قيل للطعم إنه طيّب وغير طيّب من غير تصور فصل أو تسمية.

والجهة الأخرى أن يشتق لها من مشاكلتها للطعم اسم فيقال رائحة حلوة ورائحة حامضة ، كأنّ الروائح التى اعتيد مقارنتها لطعوم مّا تنسب إليها وتعرف بها.

ويشبه أن يكون حال إدراك الروائح من الناس كحال إدراك أشباح الأشياء وألوانها من الحيوانات الصلبة العين ، فإنها تكاد أن تكون إنما تدركها كالتخيل غير المحقق وكما يدرك ضعيف البصر شبحا من بعيد. وأما كثير من الحيوانات الصلبة العين فإنها قوية جدا فى إدراك الروائح مثل النمل ، ويشبه أن لا تحتاج أمثالها إلى التشمم والتنشق ، بل تتأدى إليها الروائح فى الهواء.

وواسطة الشم أيضا جسم لا رائحة له كالهواء والماء وهى التى تحمل رائحة المشمومات (٢).

__________________

(١) قال الرازى : الانسان يكاد ان يكون ابلغ الحيوانات فى الشم إلا أنه أضعفها فى بقاء متمثله فى خياله فانّ رسوم الروائح فى نفس الانسان ضعيفة جدا ولذلك لا يكون للروائح عنده اسماء إلا من وجهين.

(٢) اى الواسطة هى التى تحمل رائحة المشمومات ، نسخة.

١٠٩

وقد اختلف الناس فى الرائحة : فمنهم من زعم أنها تتأدى بمخالطة شىء من جرم ذى الرائحة متحلل متبخر فيخالط المتوسط. ومنهم من زعم أنها تتأدى باستحالة من المتوسط من غير أن يخالطه شىء من جرم ذى الرائحة متحلل عنه. ومنهم من قال إنها تتأدى من غير مخالطة شىء آخر من جرمه ومن غير استحالة من المتوسط. ومعنى هذا أن الجسم ذا الرائحة يفعل فى الجسم عديم الرائحة وبينهما جسم لا رائحة له من غير أن يفعل فى المتوسط ، بل يكون المتوسط ممكّنا من فعل ذلك فى هذا ، على ما يقال فى تأدى الأصوات والألوان.

فحرى بنا أن نحقق هذا ونتأمله.

ولكن لكل واحد من المذعنين (١) بشىء من هذه المذاهب حجة.

فالقائل بالبخار والدخان يحتج ويقول : إنه لو لم تكن الرائحة تسطع بسبب تحلل شىء ، ما كانت الحرارة وما يهيج الحرارة من الدلك والتبخير وما يجرى مجرى ذلك مما يذكى الروائح ولما كان البرد ممّا يحتبسها (٢). فبين أن الروائح أنما تصل إلى الشم ببخار يتبخر من ذى الرائحة ، يخالطه الهواء وينفذ فيه ، ولهذا إذا استقصيت تشمّم التفاحة ذبلت لكثرة ما يتحلل منها.

والقائلون بالاستحالة احتجوا وقالوا : إنه لو كانت الروائح التى تملأ المحافل أنما تكون بتحلل شىء لوجب أن يكون الشىء ذو الرائحة ينقص وزنه ويقلّ حجمه مع تحلل ما يتحلل منه.

وقال أصحاب التأدية : خصوصا إنه لا يمكننا أن نقول إن البخار

__________________

(١) المدعين ، نسخة.

(٢) لا كان البرد يخفيها ، نسخة.

١١٠

يتحلل من ذى الرائحة فيسافر مائة فرسخ فما فوقه ، ولا أيضا يمكننا أن نحكم أن ذا الرائحة أشد إحالة للأجسام من النار فى تسخينها ، والنار القوية إنما تسخن ما حولها إلى حد ، وإذا بلغ ذلك غلوة (١) فهو أمر عظيم ، وقد نجد من وصول الروائح إلى بلاد بعيدة ما يزيل الشك فى أن وصولها لم يكن بسبب بخار انتشر أو استحالة فشت. فقد علم أن بلاد اليونانيين والمغاربة لا ترى فيها رخمة (٢) ألبتة ولا تأوى إليها وبينها وبين البلاد المرخمة مسافة كثيرة تقارب ما ذكرناه (٣). وقد اتفق فى بعض السنين أن وقعت ملحمة (٤) بتلك البلاد فسافرت الرخم إلى الجيف ولا دليل لها إلا الرائحة ، فتكون الرائحة قد دلت من مسافة بعدها بعد لا يجوز معه أن يقال إن الأبخرة أو الاستحالات من الهواء وصلت إليه.

فنقول نحن : إنه يجوز أن يكون المشموم هو البخار ، ويجوز أن يكون الهواء نفسه يستحيل عن ذى الرائحة فيصير له رائحة فيكون حكمه أيضا حكم البخار فيكون كل شىء لطيف الأجزاء من شأنه أن ينفذ إذا بلغ آلة الشم ولاقاها كان بخارا أو هواء مستحيلا إلى الرائحة أحس به (٥). وقد علمت أن كل متوسط يوصل إليه بالاستحالة ، فإن المحسوس أيضا لو تمكّن من ملاقاة الحاسّ لأحسّ به بلاواسطة.

__________________

(١) غلوة : مقدار يك تير انداختن راه.

(٢) كركس ، لاشخوار.

(٣) اى تقارب مائة فرسخ.

(٤) الملحة : الواقعة العظيمة القتل.

(٥) بالرائحة : نسخة.

١١١

ومما يدل على أن الاستحالة لها مدخل فى هذا الباب ، أنا مثلا نبخر الكافور تبخيرا يأتى على جوهره كله (١) ، فتكون منه رائحة منتشرة انتشارا إلى حد وقد يمكن أن تنتشر منه تلك الرائحة فى أضعاف ذلك الموضع بالنقل ، والوضع جزءا جزءا من ذلك المكان كله حتى يتشمم منه فى بقعة ضيقة صغيرة من تلك الأضعاف مثل تلك الرائحة. فإذا كان فى كل واحدة من تلك البقاع الصغيرة يتبخر منه شىء فيكون مجموع الأنجرة التى تتحل منه فى جميع تلك البقاع التى تزيد على البقعة المذكورة أضعافا مضاعفة للبخار كله الذى يكون بالتبخير أو مناسبا له ، فيجب أن يكون النقصان الوارد عليه فى ذلك (٢) قريبا من ذلك (٣) أو مناسبا له ولا يكون. فبين أن هاهنا للاستحالة مدخلا.

وأما حديث التأدية (٤) المذكورة فأمر بعيد ، وذلك لأن التأدية لا تكون إلا بنسبة مّا ونصبة (٥) للمؤدى عنه إلى المؤدى إليه. وأما الجسم ذو الرائحة فليس يحتاج إلى شىء من ذلك ، فإنك لو توهمت الكافور قد نقل إلى حيث لا تتأدى إليك رائحته ، بل قد عدم دفعة ، لم يمنع أن تكون رائحته بعده (٦) باقية فى الهواء ، فذلك لا محالة لاستحالة أو مخالطة.

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : اى بحيث يفنى كله.

(٢) اى النقل.

(٣) فى تعليقة نسخة : اى التبخير الذى وقع على جوهره.

(٤) وهو المذهب الثالث.

(٥) كما فى جميع النسخ التى عندنا وهذا هو الصواب. فمعنى العبارة على قرائة الصاد فى النسبة الثانية ظاهر. وعلى قرائة السين بيان للنسبة الأولى والتأسيس أولى من التأكيد.

(٦) اى بعد النقل والعدم.

١١٢

وأما حديث الرخم فإنّه قد يجوز أن تكون رياح قوية تنقل الروائح والأنجرة المتحللة عن الجيف إلى المسافة المذكورة فى أعلى الجو فيحسّ بها ما هو أقوى حسا من الناس وأعلى مكانا مثل الرخم وغيره. وأنت تعلم أن الروائح وإن كانت قد تصل إلى كثير من الحيوانات فوق ما تصل إلى الناس بكثير ، فقد تتأدى إليها المبصرات من مسافاة بعيدة وهى تحلّق (١) فى الجو حتى يبلغ إبصارها فى البعد مبلغا بعيدا جدا ، وحتى يكون ارتفاعها أضعاف ارتفاع قلل الجبال الشاهقة. وقد رأينا قلل جبال شاهقة جدا وقد جاوزتها النسور (٢) محلقة ، حتى يكاد أن يكون ارتفاعها ضعف ارتفاع تلك الجبال. وقلل تلك الجبال قد ترى من ست أو سبع مراحل ، وليس نسبة الارتفاع إلى الارتفاع كنسبة بعد المرئى إلى بعد المرئى (٣) ، فإنك ستعلم فى الهندسة أن النسب فى الأبعاد التى منها يرى أعظم وأكبر. فلا يبعد أن تكون الرخم قد علت فى الجو بحيث ينكشف لها بعد هذه المسافة فرأت الجيف ، فإن كان يستنكر تأدى أشباح هذه الجيف إليها

__________________

(١) تحليق الطائر : ارتفاعه فى طيرانه. ص

(٢) نسر : كركس ، ج : نسور.

(٣) الرائى ، نسخة. وفى تعليقة نسخة : « قوله : وليس نسبة الارتفاع الى الارتفاع كنسبة بعد المرئى الى بعد المرئى ، لأنه يمكن أن يكون الارتفاع مثلا عشرة أذرع ويرى بعد المرئى من العمود الخارج عن البصر الى السطح بهذا الارتفاع خمسين ذراعا مثلا. فاذا صار الارتفاع خمسة عشر ذراعا مثلا يرى هذا المرئى بعيدا عن العمود المذكور عشرة اذرع مثلا. فلا تكون نسبة الارتفاع الى الارتفاع كنسبة بعد المرئى من العمود الى بعد المرئى من العمود.

وبيان ما ذكره : ان الابعاد ترى من المواضع البعيدة اقصر فان كل مرئى واقع فى سطح يرتفع عنه البصر فانه يرى اقرب اذا صار البصر ارفع. فليكن السطح « ا ـ ب » ، والمرئى « ب » ، والبصر هو « ه » مرتفع عنه بقدر « ا ـ ج ».

١١٣

فتأدى روائحها التى هى أضعف تأديا أولى بالاستنكار. وكما أنه ليس يحتاج كل حيوان فى تحريك الجفن والمقلة إلى أن يبصر كذلك ليس يحتاج كل حيوان إلى استنشاق حتى يشم ، فإن كثيرا منها يأتيها الشم من غير تشمم.

__________________

فنقول : انّ « ب » يرى اقرب من « الف » موقع العمود الخارج من البصر الى السطح اذا صار « ج » « د » بقدر « ا ـ ج ». لان زاوية « ا ـ ب ـ د » اعظم من زاوية « أ ـ ب ـ ج » وزاوية « الف » بحاله. فتكون زاوية « ا ج ب » اعظم من زاوية « ا د ب ». وايضا زاوية « ا ج ب » خارجة عن مثلث « د ج ب ». وله وجوه اخرى.

ثم انّ فى تعليقة اخرى توضيح على هذه التعليقة السابقة ذكرها وهو : « قوله فان كل مرئى واقع فى سطح يرتفع عنه البصر فانه يرى اقرب اذا صار البصر ارفع » : اى اقرب من موقع العمود الخارج من البصر الى السطح كما يظهر من عبارته فيما بعد ».

١١٤

الفصل الخامس

فى حاسة السمع

وإذ قد تكلمنا فى أمر اللمس والذوق والشم ، فبالحرى أن نتكلم فى أمر السمع. فنقول : إن الكلام فى أمر السمع يقتضى الكلام فى أمر الصوت وماهيته ، وقد يليق بذلك الكلام فى الصدى. فنقول :

إن الصوت ليس أمرا قائم الذات موجودا ثابت الوجود يجوز فيه ما يجوز فى البياض والسواد والشكل من أحكام الثبات على أن يصح فرضه ممتد الوجود وأنه مثلا لم يكن له مبدأ وجود زمانى كما يصح هذا الفرض فى غيره ، بل الصوت بيّن واضح من أمره أنه أمر يحدث وأنه ليس يحدث إلا عن قلع أو قرع. أما القرع فمثل ما تقرع صخرة أو خشبة فيحدث صوت. وأما القلع فمثل ما يقلع أحد شقى مشقوق عن الآخر كخشبة تنحى عليها بأن يبين أحد شقيها عن الآخر طولا. ولا تجد أيضا مع كل قرع صوتا ، فإن قرعت جسما كالصوف بقرع لين جدا لم تحس صوتا ، بل يجب أن تكون للجسم الذى تقرعه مقاومة مّا ، وأن يكون للحركة التى للمقروع به إلى المقروع عنيف صادم (١) ، فهناك تحس. وكذلك أيضا إذا

__________________

(١) وان يكون للحركة التى للمقروع به الى المقروع عنف صادم. ( كما فى النسخ التى

١١٥

شققت شيئا يسيرا وكان الشىء لا صلابة له لم يكن للقلع صوت ألبتة.

والقرع بما هو قرع لا يختلف ، والقلع أيضا بما هو قلع لا يختلف. لأن أحدهما إمساس والآخر تفريق ، لكن الإمساس يخالف الإمساس بالقوة والسرعة ، والتفريق أيضا يخالف التفريق بمثل ذلك. ولأن كل صائر إلى مماسة شىء فيجب أن يفرغ لنفسه مكان جسم آخر كان مماسا له لينتقل إليه ، وكل مقلوع عن شىء فقد يفرغ مكانه حتى يصار إليه.

وهذا الشىء الذى فيه هذه الحركات شىء رطب سيال لا محالة إما ماء وإما هواء ، فتكون مع كل قرع وقلع حركة للهواء وما يجرى مجراه إما قليلا قليلا وبرفق ، وإما دفعة على سبيل تموج أو انجذاب بقوة. وقد وجب هاهنا شىء لا بد أن يكون موجودا عند حدوث الصوت وهو حركة قوية من الهواء أو ما يجرى مجراه.

فيجب أن يتعرف هل الصوت هو نفس القرع أو القلع ، أو هو حركة (١) موجيّة تعرض للهواء من ذلك ، أو شىء ثالث يتولد من ذلك أو يقارنه. أما القلع والقرع فإنهما يحسان بالبصر بتوسط اللون ولا شىء من الأصوات يحس بتوسط اللون ، فليس القلع والقرع بصوت ، بل إن كان

__________________

عندنا ولكن الاصح بل الصواب هو ما فى المتن ) اى تكون الحركة التى للمقروع به الى المقروع عنيف صادم.

(١) فى تعليقة نسخة : مدت حركت صوت در هواى معتدل در هر ثانيه سيصد وچهل متر است. يعنى مسافتى را كه طى مى كند در مدت يك ثانيه مساوى است با ٣٤٠ متر. وانتشار صوت در اجسام جامده اسرع از اجسام هوائى وموايع است از قرارى كه تجربه شده وضبط كرده اند در يك ثانيه صوت در آب هزار وچهارصد وسى وپنج متر مسافت را طى مى كند وبتوسط آهن هزار وپانصد وهفتاد متر مسافت را در مدت يك ثانيه طى مى كند. از ترجمه كتب فرنگى نوشته شد.

١١٦

ولا بد فسببا الصوت (١).

وأما الحركة فقد يتشكك فى أمرها ، فيظن أن الصوت نفس تموج الهواء. وليس كذلك أيضا ، فإن جنس الحركة يحس أيضا بسائر الحواس ، وإن كان بتوسط محسوسات أخر. والتموج الفاعل للصوت قد يحس حتى يؤلم ، فإن صوت الرعد يعرض منه أن تدك الجبال (٢) ، وربما ضرب حيوانا فأفسده. وكثيرا ما يستظهر على هدم الحصون العالية بأصوات البوقات ؛ بل حس اللمس ، كما أشرنا إليه قبل أيضا قد ينفعل من تلك الحركة من حيث هى حركة ولا يحس الصوت ، ولا أيضا من فهم أن شيئا حركة فهم أنه صوت. ولو كانت حقيقة الصوت حقيقة الحركة ، لا أنه أمر يتبعها ويلزم عنها ، لكان من عرف أن صوتا عرف أن حركة.

وهذا ليس بموجود ، فإن الشىء الواحد النوعى لا يعرف ويجهل معا إلا من جهتين وحالين ، فجهة كونه صوتا فى ماهيته ونوعيته ، ليس جهة كونه حركة فى ماهيته ونوعيته. فالصوت إذن عارض يعرض من هذه الحركة الموصوفة يتبعها ، ويكون معها ، فإذا انتهى التموج من الهواء أو الماء إلى الصماخ ـ وهناك تجويف فيه هواء راكد يتموج بتموج ما ينتهى إليه ووراءه كالجدار مفروش عليه العصب الحاس للصوت ـ أحس بالصوت.

__________________

(١) قال الرازى : ويدل على بطلان المذهبين وجهان : الاول ان التموج محسوس باللمس لان الصوت الشديد ربما ضرب الصماخ فافسده والقلع والقرع يحسان بالبصر بتوسط اللون ولا شىء من الاصوات يحس باللمس والبصر فليس التموج والقلع والقرع بصوت. الثانى : ان الشىء قد يعلم منه انّه تموّج او قرع او قلع ويجهل كونه صوتا وقد يعلم الصوت عندما يكون الامور الثلاثة مجهولة فتلك الامور الثلاثة مغايرة للصوت.

(٢) دكّ : كوفتن وهموار كردن. راجع الفصل ١٤ من المقالة ٤ من الفن الاول من طبيعيات الشفاء ـ ط ١ ـ ص ١٥٤.

١١٧

ومما يشكل من امر الصوت هل هو شىء موجود من خارج تابع من خارج لوجود الحركة أو مقارن أو إنما يحدث من حيث هو صوت إذا تأثر السمع به ، فإنه لمعتقد أن يعتقد أن الصوت لا وجود له من خارج ، وأنه يحدث فى الحس من ملامسة الهواء المتموج ، بل كل الأشياء التى تلامس ذلك الموضع بالمسّ أيضا تحدث صوتا فيه ، فهل ذلك الصوت حادث بتموج الهواء الذى فى الصماخ أو لنفس المماسة.

وهذا أمر يصعب الحكم عليه ، وذلك لأن نافى وجود الصوت من خارج لا يلزمه ما يلزم نافى باقى الكيفيات الأخرى المحسوسة ، لأن هذا له أن يثبت للمحسوس الصوتى خاصية معلومة هى تفعل الصوت ، وتلك الخاصية هى التموج ، فتكون نسبة التموج من الصوت نسبة الكيفية التى فى العسل إلى ما يتأثر منه فى الحس. لكنه يختلف الأمر هاهنا ، وذلك لأن الأثر الذى يحصل من العسل فى الحاسة ومن النار فى الحاسة هو من جنس ما فيهما. ولذلك فإن الذى يمس الحرارة قد يسخن أيضا غيره إذا ثبت فيه الأثر. وليس الصوت والتموج حالهما كذا ، فإن التموج شىء والصوت شىء ، والتموج يحس بآلة أخرى وتلك الكيفية لا تحس بآلة أخرى. وليس يجب أيضا أن يكون كل ما يؤثر أثرا ففى نفسه مثل ذلك الأثر.

فيجب أن تتعرف حقيقة الحال فى هذا فنقول :

مما يعين على معرفة أن العارض المسموع له وجود من خارج (١) أيضا أنه لو كان إنما يحدث فى الصماخ نفسه لم يخل إما أن يكون التموج

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : اى خارج الصماخ.

١١٨

الهوائى يحس بالسمع من حيث هو تموج أو لا يحس. فإن كان التموج الهوائى يحس بالسمع ـ لست أقول يحس بلمس آلة السمع ـ حسا من حيث هو تموج ، فإما أن يحس به أوّلا أو بتوسط الصوت.

فلو كان يحس به أوّلا ، والمحسوس الأوّل بالسمع هو الصوت وهذا مما لا شك فيه ، كان التموج من حيث هو تموج صوتا ، وقد أبطلنا هذا.

ولو كان يحس به بتوسط الصوت ، لكان كل من سمع الصوت علم أن تموجا ، كما أن كل من أحس لون المربع والمربع بتوسطه علم أن هناك مربعا وليس كذلك.

وإن كان إنما يحس باللمس أيضا عرض منه ما قلنا (١). فإذن ليس بواجب أن يحس التموج عند سماع الصوت. فلننظر ما يلزم بعد هذا.

فنقول : إن الصوت كما يسمع تسمع له جهته ، فلا يخلو إما أن تكون الجهة تسمع لأن الصوت مبدأ تولده ووجوده فى تلك الجهة ومن هنالك ينتهى ، وإما لأن المنتقل المتأدى (٢) إلى الأذن الذى لا صوت فيه بعد أن يفعل الصوت (٣) إذا اتصل بالأذن ينتقل من تلك الجهة ويصدم من تلك الجهة فيخيل أن الصوت ورد من تلك الجهة ، وإما للأمرين جميعا.

فإن كان لأجل المنتقل وحده ، فمعنى هذا هو أن المنتقل نفسه محسوس ، فإنه إذا لم يشعر به (٤) كيف يشعر بجهة مبدئه. فيلزم أن يحس

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : من ان كل من احس الصوت علم انّ تموجا ....

(٢) اى التموج الفاعل للصوت.

(٣) لا صوت فيه بعد بل يفعل الصوت الخ ، كما فى نسخة مصحّحة.

(٤) اى بالصوت. هذا ايضا مقدمة لا ثبات انّ للصوت وجودا فى الخارج.

١١٩

بالسمع عند إدراك جهة الصوت تموج الهواء. وقد قلنا : إن ذلك ليس بواجب.

وإن كان لأجلهما جميعا ، عرض من ذلك هذا (١) المحال أيضا ، وصح أن الصوت كان يصحب التموج (٢).

فبقى أن يكون ذلك لأن الصوت نفسه تولد هناك ومن هناك انتهى.

ولو كان الصوت إنما يحدث فى الأذن فقط ، لكان سواء أتى سببه من اليمين أو اليسار ، وخصوصا وسببه (٣) لا يحس به. وهاهنا (٤) مؤثر فيه مثل نفسه فلا تدرك جهته (٥) لأنه إنما يدرك (٦) عند وصوله فكيف ما لا حدوث له إلا عند وصول سببه. فقد بان أن للصوت وجودا مّا من خارج لا من حيث هو مسموع بالفعل ، بل من حيث هو مسموع بالقوة ، وأمر كهيئة مّا من الهيئات للتموج غير نفس التموج.

ويجب أن نحقق الكلام فى القارع والمقروع فنقول :

إنه لا بد فى القرع من حركة قبل القرع وحركة تتبع القرع ، فأما الحركة قبل القرع فقد تكون من أحد الجسمين وهو الصائر إلى الثانى ، وقد تكون من كليهما ، ولا بد من قيام كل واحد منهما أو أحدهما فى وجه الآخر

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : اى ان يحس بالسمع عند ادراك جهة الصوت تموج الهواء.

(٢) فى تعليقة نسخة : اى ادراك الصوت مستلزم لادراك التموج.

(٣) وهو التموج.

(٤) اى فى الاذن.

(٥) وهيهنا مؤثر مثل نفسه وقد لا تدرك جهته. كما فى ثلاث نسخ. وهيهنا مؤثر فيه مثل نفسه فلا تدرك الخ كما فى نسخة اخرى.

(٦) اى السبب عند وصوله الى الصماخ فكيف ما لا حدوث له الا عند وصول سببه وهو الصوت مع الجهة.

١٢٠