بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وسيعلم الذي ظلموا أي منقلب ينقلبون(١).

بيان : قال الجزري : عال الرجل : كثر عياله ، وفي حديث عثمان : كتب إلى أهل الكوفة : أني ليست بميزان لا أعول ، أي لا أميل عن الاستواء والاعتدال ، يقال عال الميزان : إذا ارتفع أحد طرفيه على الآخر ، وعالت الفريضة : ارتفعت ، انتهى. والمراد بولي الله إما الامام أو الاعم وطاش السهم عن الهدف : مال ولم يصبه.

٤ ـ أقول : وجدت في بعض مؤلفات قدماء أصحابنا في الاخبار ماهذا لفظه : مناظرة الحروري والباقر عليه‌السلام : قال الحروري : إن في أبي بكر أربع خصال استحق بها الامامة ، قال الباقر عليه‌السلام : ماهن؟ قال : فانه أول الصديقين ولا نعرفه حتى يقال : الصديق ، والثانية : صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار ، والثالثة : المتولي أمر الصلاة ، والرابعة : ضجيعه في قبره.

قال أبوجعفر عليه‌السلام : أخبرني عن هذه الخصال هن لصاحبك بان بها من الناس أجمعين؟ قال : نعم.

قال أبوجعفر عليه‌السلام : ويحك هذه الخصال تظن أنهن مناقب لصاحبك وهي(٢) مثالب له ، أما قوله : كان صديقا ، فاسألوه من سماه بهذا الاسم ، قال الحروري : الله ورسوله ، قال أبوجعفر عليه‌السلام : اسأل الفقهاء هل أجمعوا على هذا من رواياتهم أن أبا بكر أول من آمن برسول الله؟ قالت الجماعة : اللهم لا ، وقد روينا أن ذلك علي بن أبي طالب.

قال الحروري : أو ليس قد زعمتم أن علي بن أبي طالب لم يشرك بالله في وقت من الاوقات؟ فان كان مارويتم حقا فأحرى أن يستحق هذا الاسم ، قالت الجماعة : أجل ، قال أبوجعفر عليه‌السلام : يا حروري إن كان سمي صاحبك صديقا بهذه الخصلة فقد استحقها غيره قبله ، فيكون المخصوص بهذا الاسم دون أبي بكر إذ كان أول

__________________

(١) تفسير فرات : ٢٦ و ٢٧.

(٢) في نسخة : وهن.

٣٢١

المؤمنين من جاء بالصدق وهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، (١) وكان علي عليه‌السلام هو المصدق. فانقطع الحروري.

قال أبوجعفر عليه‌السلام : وأما ماذكرت أنه صاحب رسول الله (ص) في الغار فذلك رذيلة لا فضيلة من وجوه : الاول أنا لا نجد له في الآية مدحا أكثر من خروجه معه وصحبته له وقد أخبر الله في كتابه أن الصحبة قد يكون للكافر مع المؤمن حيث يقول : « قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت »(٢) وقوله : « أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا مابصاحبكم من جنة »(٣) ولا مدح له في صحبته إذ لم يدفع عنه ضيما ولم يحارب عنه عدوا.

الثاني قوله تعالى : « لاتحزن إن الله معنا(٤) » وذلك يدل على قلقه وضرعه و قلة صبره وخوفه على نفسه وعدم وثوقه بما وعده الله ورسوله من السلامة والظفر ولم يرض بمساواته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نهاه عن حاله.

ثم إني أسألك عن حزنه هل كان رضا لله تعالى أو سخطا له؟ فان قلت : إنه رضا لله تعالى خصمت لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لاينهى عن شئ لله فيه رضا ، وإن قلت : إنه سخط فما فضل من نهاه رسول الله (ص) عن سخط الله؟ وذلك أنه إن كان أصاب في حزنه فقد أخطأ من نهاه ، وحاشا النبي (ص) أن يكون قد أخطأ ، فلم يبق إلا أن حزنه كان خطأ ، فنهاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن خطائه.

الثالث قوله تعالى : « إن الله معنا » تعريف لجاهل لم يعرف حقيقة مايهم فيه(٥) ، ولو لم يعرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فساد اعتقاده لم يحسن منه القول : « إن الله معنا » وأيضا فان الله تعالى مع الخلق كلهم حيث خلقهم ورزقهم وهم في علمه كما قال الله تعالى :

__________________

(١) في نسخة : ومن جاء بالصدق هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٢) الكهف : ٣٧.

(٣) سبأ : ٤٦.

(٤) التوبة : ٤٠.

(٥) في نسخة : ماهم فيه.

٣٢٢

« ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم »(١) فلا فضل لصاحبك في هذا الوجه.

والرابع قوله تعالى : « فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها »(٢) فيمن نزلت؟ قال : على رسول الله ، قال له أبوجعفر عليه‌السلام : فهل شاركه أبوبكر في السكينة؟ قال الحروري : نعم ، قال له أبوجعفر عليه‌السلام : كذبت لانه لو كان شريكا فيها لقال تعالى : « عليهما » فلما قال : « عليه » دل على اختصاصها بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما خصه بالتأييد بالملائكة ، لان التأييد بالملائكة لا يكون لغير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالاجماع ولو كان أبوبكر ممن يستحق المشاركة هنا لاشركه الله فيها كما أشرك فيها المؤمنين يوم حنين حيث يقول : « ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين(٣) » ممن يستحق المشاركة لانه لم يصبر مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله غير تسعة نفر : علي عليه‌السلام وستة من بني هاشم وأبودجانة الانصاري وأيمن بن أم أيمن ، فبان بهذا أن أبا بكر لم يكن من المؤمنين ، ولو كان مؤمنا لاشركه مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في السكينة هنا ، كما أشرك فيها المؤمنين يوم حنين.

فقال الحروري : قوما(٤) فقد أخرجه من الايمان.

فقال أبوجعفر عليه‌السلام : ما أنا قلته وإنما قاله الله تعالى في محكم كتابه.

قالت الجماعة : خصمت يا حروري.

قال أبوجعفر عليه‌السلام : وأما قولك في الصلاة بالناس فان أبا بكر قد خرج تحت يد اسامة بن زيد بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله باجماع الامة ، وكان اسامة قد عسكر على أميال من المدينة فكيف يتقدر أن يأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا قد أخرجه تحت يد

__________________

(١) المجادلة : ٧.

(٢) التوبة : ٤٠.

(٣) التوبة : ٢٥ و ٢٦.

(٤) لعل الصحيح : « قوموا » كما في نسخة ، والخطاب للحرورى وجماعة الفقهاء الذين كانوا معه.

٣٢٣

اسامة وجعل اسامة أميرا عليه أن يصلي بالناس بالمدينة ، ولم يأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله برد ذلك الجيش ، بل كان يقول : « نفذوا جيش اسامة لعن الله من تأخر عنه ».

ثم أنتم تقولون : إن أبا بكر لما تقدم بالناس وكبر وسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله التكبير خرج مسرعا يتهادى(١) بين علي والفضل بن العباس وهو معصب الرأس و رجلاه يخطان الارض من الضعف قبل أن يركع بهم أبوبكر حتى جاء رسول الله (ص) ونحاه عن المحراب ، فلو كان النبي أمره بالصلاة لم يخرج إليه مسرعا على ضعفه ذلك ، أن لايتم له ركوع ولا سجود ، فيكون ذلك حجة له ، فدل على أنه لم يكن أمره.

والحديث الصحيح أن رسول الله (ص) في حال مرضه كان إذا حضر وقت الصلاة أتاه بلال فيقول : الصلاة يارسول الله ، فان قدر على الصلاة بنفسه تحامل وخرج وإلا أمر عليا عليه‌السلام يصلي بالناس.

قال أبوجعفر عليه‌السلام : الرابعة زعمت أنه ضجيعه في قبره.

قال : نعم. قال أبوجعفر عليه‌السلام : وأين قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال الحروري في بيته.

قال أبوجعفر : أو ليس قال الله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا لاتدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم »(٢) فهل استأذنه في ذلك؟

قال الحروري : نعم. قال أبوجعفر عليه‌السلام : كذبت ،لان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سد بابه عن المسجد وباب صاحبه عمر ، فقال عمر : يارسول الله اترك لي كوة أنظرك منها ، قال له : « ولا مثل قلامة ظفر » فأخرجهما وسد أبوابهما ، فأقم البينة على أنه أذن لهما في ذلك.

فقال أبوجعفر عليه‌السلام : بأي وحي وبأي نص؟ قال : بما لايدفع بميراث ابنتيهما

__________________

(١) أي مشى وهو يعتمد عليهما في مشيته.

(٢) الاحزاب : ٥٣.

٣٢٤

قال أبوجعفر عليه‌السلام : أصبت أصبت ياحروري استحقا بذلك تسعا من ثمن ، وهو جزء من اثنين وسبعين جزءا لان رسول الله (ص) مات عن ابنته فاطمة عليها‌السلام وعن تسع نسوة وأنتم رويتم أن الانبياء لاتورث. فانقطع الحروري.

بيان : قوله : أوليس قد زعمتم ، أقول : هذا السؤال والجواب يحتملان وجهين : الاول أن غرض الخارجي أن مارويتم أن عليا : لم يشرك في وقت من الاوقات يدل على أنه ليس أول من آمن ، لان الايمان إنما يكون بعد إنكار أو شك ، فأحرى أي فأبو بكر أحرى أن يستحق هذا الاسم لان إيمانه كان بعد الشرك ، فأجاب عليه‌السلام بأن الصديق مبالغة في التصديق ، والتصديق إنما يكون بعد الاتيان بالصدق ، وليس مشروطا بسبق الانكار ، فالاسبق تصديقا من كان بعد إتيان النبي بالصدق أسبق في تصديقه وقبوله ، وكان علي عليه‌السلام أسبق في ذلك ، فهو أحق بهذا الاسم ثم أيد ذلك بقوله تعالى : « والذي جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون(١) » وبما رواه المفسرون عن مجاهد وعن الضحاك عن ابن عباس أن الذي جاء بالصدق رسول الله (ص) ، والذي صدق به علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأطلق عليه التصديق و اختص به لكونه أسبق فهو أحرى بكونه صديقا.

ويؤيده أن الظاهر من النسخة المنقول منها أنه كان هكذا : « ومن جاء بالصدق هو رسول الله » فضرب على الواو أولا وكتب أخيرا ، فقوله : إذ كان أول المؤمنين ، تعليل لكون علي عليه‌السلام أولى بهذا الاسم.

الثاني : أن يكون المراد بقوله : « أو ليس قد زعمتم » إلزامهم بأنه لو كان مارويتم حقا لكان علي عليه‌السلام أحرى باسم الصديق ، فلما لم يسم به علم كذب الرواية ، فالجواب أن العلة التي ذكرتم في تسمية أبي بكر موجود في علي عليه‌السلام ، بل في رسول الله (ص) حيث جاء بالصدق ، فهما أحرى بهذا الاسم.

وفيه أن الجواب لايطابق السؤال إلا بأن يرجع إلى منع عدم التسمية في

__________________

(١) الزمر : ٣٣.

٣٢٥

علي عليه‌السلام ومنع كون تسمية أبي بكر بذلك من الله ومن رسوله ، وإنما ماه المفترون المدعون لامامته ظلما وعتوا ، وما ذكر سند للمنعين ، ولا يخفى بعده ( مع ) مافيه من التكلف وسياق السؤال حيث بنى السؤال على عدم الشرك فقط ولم يبن على ما سلمه الجماعة من سبق الاسلام ، وسياق الجواب بوجوه شتى يطول ذكرها يناديان بصحة ماذكرنا في الوجه الاول فتأمل.

٥ ـ ما : المفيد عن ابن قولويه عن أبيه ومحمد بن الحسن عن سعد عن ابن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن كليب بن معاوية الصيداوي قال : قال أبوعبدالله جعفر بن محمد عليه‌السلام : مايمنعكم إذا كلمكم الناس أن تقولوا(١) : ذهبنا من حيث ذهب الله واخترنا من حيث اختار الله ، إن الله سبحانه اختار محمدا واختار لنا(٢) آل محمد فنحن متمسكون بالخيرة من الله عزوجل(٣).

__________________

(١) في المصدر : أن تقولوا لهم.

(٢) في المصدر : واخترنا آل محمد.

(٣) امالي ابن الشيخ : ١٤٢.

٣٢٦

٢

باب

*(احتجاج الشيخ السديد المفيد(١) رحمه‌الله على عمر في الرؤيا)*

١ ـ ج : حدث الشيخ أبوعلي الحسن بن محمد الرقي بالرملة في شوال سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة عن الشيخ المفيد أبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه أنه قال : رأيت في المنام سنة من السنين كأني قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثيرة فقلت : ماهذا؟ قالوا : هذه حلقة فيها رجل يقص فقلت : من هو؟ قالوا : عمر بن الخطاب ، ففرقت الحلقة(٢) فاذا أنا برجل يتكلم على الناس بشئ لم احصله(٣) ، فقطعت عليه الكلام وقلت : أيها الشيخ أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق بن أبي قحافة من قول الله تعالى « ثاني اثنين إذ هما في الغار »(٤) فقال : وجه الدلالة على أبي بكر(٥) من هذه الآية في ستة مواضع : الاول أن الله تعالى ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وذكر أبا بكر فجعله ثانيه ، فقال : « ثاني اثنين إذ هما في الغار ».

__________________

(١) هو الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد يكنى ابا عبدالله المعروف بابن المعلم من جهابذة علماء الشيعة ومتكلميهم واساطينهم ولد سنة ٣٣٨ ، او ٣٣٦ وتوفى في ٤١٣ ببغداد ، حضر جنازته وشيعه ثمانون الفامن الشيعة ، استوعبنا ترجمته في مقدمة الكتاب راجعه.

(٢) في المصدر : ففرقت الناس ودخلت الحلقة.

(٣) في نسخة : ( لم يحصله ) وفي اخرى : لم نحصله.

(٤) التوبة : ٤٠.

(٥) في المصدر : على فضل أبي بكر.

٣٢٧

والثاني : أنه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد لتأليفه بينهما فقال : إذ هما في الغار.

والثالث أنه أضافه إليه بذكر الصحبة ليجمع بينهما فيما تقتضي(١) الرتبة فقال : إذ يقول لصاحبه.

والرابع : أنه أخبر عن شفقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ورفقه به لموضعه عنده فقال : لاتحزن.

والخامس : أنه أخبره أن الله معهما على حد سواء ناصرا لهما ودافعا عنهما فقال : إن الله معنا.

والسادس : أنه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر لان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم تفارقه السكينة قط قال : فأنزل الله سكينته عليه.

فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار لايمكنك ولا لغيرك الطعن فيها.

فقلت له : حبرت(٢) بكلامك في الاحتجاج لصاحبك عنه ، وإني بعون الله سأجعل جميع ما أتيت به كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف. أما قولك : إن الله تعالى ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل أبا بكر ثانيه فهو إخبار عن العدد ، لعمري لقد كانا اثنين ، فما في ذلك من الفضل ، فنحن نعلم ضرورة أن مؤمنا ومؤمنا أو مؤمنا وكافرا اثنان ، فما أرى لك في ذكر العدد طائلا تعتمده.

وأما قولك : إنه وصفهما بالاجتماع في المكان فانه كالاول ، لان المكان يجمع المؤمن والكافر كما يجمع العدد المؤمنين والكفار ، وأيضا فان مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أشرف من الغار وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار ، وفي ذلك قوله عزوجل :

__________________

(١) في المصدر : بما يقتضى الرتبة.

(٢) أى زينت كلامك وحسنته ظاهره وان كان في الحقيقة سقيما ، ويمكن أن يقرأ بالتخفيف اى سررت بكلامك وخلته موجها.

٣٢٨

« فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين »(١) وأيضا فان سفينة نوح قد جمع النبي والشيطان والبهيمة(٢) ، والمكان لايدل على ما أوجبت من الفضيلة فبطل فضلان.

وأما قولك إنه أضافه إليه بذكر الصحبة فانه أضعف من الفضلين الاولين لان اسم الصحبة يجمع المؤمن والكافر ، والدليل على ذلك قول الله تعالى : « قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رحلا(٣) » وأيضا فان اسم الصحبة يطلق بين العاقل وبين البهيمة ، والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم لقول الله(٤) عزوجل : « وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه »(٥) أنهم سموا الحمار صاحبا ، فقالوا :

شعر

إن الحمار مع الحمار مطية

فاذا خلوت به فبئس الصاحب

وأيضا فقد سموا الجماد مع الحي صاحبا فقالوا ذلك في السيف وقالوا : (٦)

شعر :

زرت هندا وذاك غير اختيار(٧)

ومعي صاحب كتوم اللسان

يعني السيف ، فاذا كان اسم الصحبة تقع بين المؤمن والكافر وبين العاقل و

__________________

(١) المعارج : ٣٦ و ٣٧.

(٢) في المصدر : والبهيمة والكلب.

(٣) الكهف : ٣٧.

(٤) في المصدر : فقال الله.

(٥) ابراهيم : ٤.

(٦) في المصدر : قالوا ذلك في السيف شعرا.

(٧) اي من غير خيانة ، والكتوم : الكاتم للاسرار. وقوس كتوم : التي لاترن او التي لا شق فيها.

٣٢٩

البهيمة وبين الحيوان والجماد فأي حجة لصاحبك فيه؟

وأما قولك : إنه قال : « لاتحزن » فانه وبال عليه ومنقصة له ، ودليل على خطائه ، لان قوله : « لاتحزن » نهي ، وصورة النهي قول القائل : لاتفعل ، فلا يخلو أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية ، فان كان طاعة فان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لاينهى عن الطاعات بل يأمر بها ويدعو إليها ، وإن كان معصية فقد نهاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها ، وقد شهدت الاية بعصيانه بدليل أنه نهاه.

وأما قولك : إنه قال : « إن الله معنا » فان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبر أن الله معه وعبر عن نفسه بلفظ الجمع كقوله : « إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون »(١) وقد قيل أيضا في هذا : إن أبا بكر قال : يارسول الله حزني على أخيك علي بن أبي طالب عليه‌السلام ما كان منه ، فقال له النبي (ص) : لاتحزن إن الله معنا ، أي معي ومع أخي علي بن أبي طالب.

وأما قولك : إن السكينة نزلت على أبي بكر ، فانه ترك للظاهر لان الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيده بالجنود ، كذا يشهد ظاهر القرآن في قوله : « فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها » فان كان أبوبكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود ، ففي هذا إخراج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من النبوة ، على أن هذا الموضع لو كتمته على صاحبك لكان خيرا له لان الله تعالى أنزل السكينة على النبي في موضعين كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها ، فقال في أحد الموضعين : « فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى »(٢) وقال في الموضع الآخر : « ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها »(٣).

__________________

(١) الحجر : ٩.

(٢) الفتح : ٢٦.

(٣) التوبة : ٢٦.

٣٣٠

ولما كان في هذا الموضع خصه وحده بالسكينة فقال : « فأنزل الله سكينته عليه » فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين ، فدل إخراجه من السكينة على إخراجه من الايمان. فلم يحر جوابا وتفرق الناس واستيقظت من نومي(١).

أقول : روي الكراجكي رحمه‌الله في كنز الفوائد مثله(٢).

__________________

(١) احتجاج الطبرسي : ٢٧٩ و ٢٨٠.

(٢) كنز الكراجكي :

٣٣١

٣

باب

*(احتجاج السيد المرتضى(١) قدس الله روحه في تفضيل الائمة)*

*(عليهم‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على جميع)*

*(الخلق ذكره في رسالته الموسومة بالرسالة الباهرة)*

*(في العترة الطاهرة)*

١ ـ ج : قال : ومما يدل أيضا على تقديمهم وتعظيمهم على البشر أن الله تعالى دلنا على أن المعرفة بهم كالمعرفة به تعالى في أنها إيمان وإسلام ، وأن الجهل بهم والشك فيهم كالجهل به والشك فيه في أنه كفر وخروج من الايمان ، وهذه منزلة ليس لاحد من البشر إلا لنبينا (ص) وبعده لامير المؤمنين عليه‌السلام والائمة من ولده على جماعتهم السلام.

لان المعرفة بنبوة الانبياء المتقدمين من آدم عليه‌السلام إلى عيسى عليه‌السلام أجمعين غير واجبة علينا ولا تعلق لها بشئ من تكاليفنا ، ولولا أن القرآن ورد بنبوة من سمي فيه من الانبياء المتقدمين فعرفناهم تصديقا للقرآن وإلا فلا وجه لوجوب معرفتهم علينا ولا تعلق لها بشئ من أحوال تكليفنا(٢) ، وبقي علينا أن ندل على أن الامر على ما ادعيناه.

__________________

(١) هو ابوالقاسم علي بن الحسين بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن موسى بن جعفر عليه‌السلام علم الهدى الاجل المرتضى ، حاز من العلوم مالم يدانيه احد في زمانه وسمع من الحديث فاكثر وكان متكلما شاعرا اديبا عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا ، صنف كتبا كثيرة ، كان مولده في رجب سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وتوفي في شهر ربيع الاول سنة ست وثلاثين واربعمائة ، ذكرنا ترجمته في مقدمة الكتاب مفصلا راجعه.

(٢) في المصدر : تكاليفنا.

٣٣٢

والذي يدل على أن المعرفة بامامة من ذكرناه عليهم‌السلام من جملة الايمان وأن الاخلال بها كفر ورجوع عن الايمان ، إجماع الشيعة الامامية على ذلك ، فانهم لا يختلفون فيه ، وإجماعهم حجة بدلالة أن قول الحجة المعصوم الذي قد دلت العقول على وجوده في كل زمان في جملتهم وفي زمرتهم ، وقد دللنا على هذه الطريقة في مواضع كثيرة من كتبنا واستوفيناها في جواب التبانيات خاصة ، وفي كتاب نصرة ما انفردت به الشيعة الامامية من المسائل الفقهية ، فان هذا الكتاب مبني على صحة هذا الاصل.

ويمكن أن يستدل على وجوب المعرفة بهم عليهم‌السلام باجماع الامة مضافا إلى ما بيناه من إجماع الامامية وذلك أن جميع أصحاب الشافعي يذهبون إلى أن الصلاة على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله في التشهد الاخير فرض واجب وركن من أركان الصلاة من أخل به فلا صلاة له(١) ، وأكثرهم يقول : إن الصلاة في هذا التشهد على آل النبي عليهم الصلوات في الوجوب واللزوم ووقوف إجزاء الصلاة عليها كالصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والباقون منهم يذهبون إلى أن الصلاة على الآل مستحبة وليست بواجبة.

فعلى القول الاول لابد لكل من وجبت عليه الصلاة من معرفتهم من حيث كان واجبا عليه الصلاة عليهم ، فان الصلاة عليهم فرع على المعرفة بهم ومن ذهب إلى أن ذلك مستحب فهو من جملة العبادة وإن كان مسنونا مستحبا والتعبد به يقتضي التعبد بما لايتم إلا به من المعرفة ، ومن عدا أصحاب الشافعي لاينكرون أن الصلاة على النبي وآله في التشهد مستحبة وأي شبهة تبقى مع هذا في أنهم عليهم‌السلام أفضل الناس وأجلهم وذكرهم واجب في الصلاة. وعند أكثر الامة من الشيعة الامامية وجمهور أصحاب الشافعي أن الصلاة تبطل بتركه وهل مثل هذه الفضيلة لمخلوق سواهم أو تتعداهم؟.

ومما يمكن الاستدلال به على ذلك أن الله تعالى قد ألهم جميع القلوب وغرس

__________________

(١) في المصدر : متي اخل بها الانسان فلا صلاة له.

٣٣٣

في كل النفوس تعظيم شأنهم وإجلال قدرهم على تباين مذاهبهم واختلاف دياناتهم ونحلهم ، وما اجتمع(١) هؤلاء المختلفون المتباينون مع تشتت الاهواء وتشعب الآراء على شئ كاجماعهم على تعظيم من ذكرناه وإكبارهم إنهم(٢) يزورون قبورهم ويقصدون من شاحط البلاد وشاطئها(٣) مشاهدهم ومدافنهم والمواضع التي وسمت(٤) بصلاتهم فيها وحلولهم بها وينفقون في ذلك الاموال ويستنفذون الاحوال ، فقد أخبرنى من لا احصيه كثرة أن أهل نيسابور ومن والاها من تلك البلدان يخرجون في كل سنة إلى طوس لزيارة الامام أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهما بالجمال الكثيرة والاهبة(٥) التي لاتوجد مثلها إلا للحج إلى بيت الله(٦).

وهذا مع المعروف من انحراف أهل خراسان عن هذه الجهة وازورارهم (٧) عن هذا الشعب ، وما تسخير هذه القلوب القاسية ، وعطف هذه الامم البائنة (٨) إلا كالخارق للعادات والخارج عن الامور المألوفات ، وإلا فما الحامل للمخالفين لهذه النحلة المنحازين عن هذه الجملة (٩) على أن يراوحوا هذه المشاهد ويغادوها ويستنزلوا عندها من الله تعالى الا رزاق ويستفتحوا الاغلال (١٠) ويطلبوا ببركاتها (١١) الحاجات

__________________

(١) في نسخة : ( وما اجمع ) وهو الموجود في المصدر.

(٢) في المصدر : فانهم.

(٣) شحط البلاد : بعد. وشاطئ البلاد : اطرافها وفي نسخة : ( شاطنها ) من شطن

الدار : بعد.

(٤) في نسخة : رسمت.

(٥) في نسخة من الكتاب وفي المصدر : الاهب.

(٦) في المصدر : إلى بيت الله الحرام وهذا مع ان.

(٧) اى انحرافهم.

(٨) في المصدر : الامم النائية.

(٩) في نسخة : عن هذه الجهة.

(١٠) في المصدر : ويستفتحوا بها الاغلال.

(١١) في نسخة : ببركاتها.

٣٣٤

ويستدفعوا البليات والاحوال الظاهرة كلها لاتوجب ذلك ولا تقتضيه ولا تستدعيه وإلا فعلوا ذلك فيمن يعتقدونهم ، وأكثرهم يعتقدون إمامته وفرض طاعته ، وإنه في الديانة موافق لهم غير مخالف ومساعد غير معاند.

ومن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواعي الدنيا ، فان الدنيا عند غير هذه الطائفة موجودة وعندها هي مفقودة ولا لتقية واستصلاح فان التقية هي فيهم لا منهم ولا خوف من جهتهم ولا سلطان لهم وكل خوف إنما هو عليهم ، فلم يبق إلا داعي الدين ، وذلك هو الامر الغريب العجيب الذي لاينفذ في مثله إلا مشية الله(١) وقدرة القهار التي تذلل الصعاب وتقود بأزمتها الرقاب.

وليس لمن جهل هذه المزية أو تجاهلها وتعامى عنها وهو يبصرها أن يقول : إن العلة في تعظيم غير فرق الشيعة لهؤلاء القوم ليست ماعظمتموه وفخمتموه وادعيتم خرقه للعادة وخروجه من الطبيعة ، بل هي لان هؤلاء القوم من عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكل من عظم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلابد من أن يكون لعترته(٢) وأهل بيته معظما مكرما وإذا انضاف إلى القرابة الزهد وهجر الدنيا والعفة والعلم زاد الاجلال والاكرام لزيادة أسبابهما.

والجواب عن هذه الشبهة الضعيفة أن شارك (٣) أئمتنا عليهم‌السلام في حسبهم ونسبهم وقراباتهم من النبي (ص) غيرهم ، وكانت لكثير منهم عبادات ظاهرة وزهادة في الدنيا بادية وسمات جميلة وصفات حسنة من ولد أبيهم عليه وآله السلام ومن ولد العباس (٤) رضوان الله عليه فما رأينا من الاجماع على تعظيمهم وزيارة مدافنهم والاستشفاع بهم في

__________________

(١) في نسخة : خشية الله.

(٢) في نسخة : لاهل بيته وعترته.

(٣) في المصدر : ( ان قد شارك ) وفيه : قرابتهم.

(٤) في المصدر : ومن ولد عمهم العباس.

٣٣٥

الاغراض والاستدفاع بمكانهم للاعراض والامراض ، وما وجدنا مشاهدا معاينا في هذا الشراك(١).

ألا فمن ذا الذي أجمع على فرط إعظامه وإجلاله من سائر صنوف العترة في هذه الحالة يجري مجرى الباقر والصادق والكاظم والرضا صلوات الله عليهم أجمعين لان من عدا من ذكرناه من صلحاء العترة وزهادها ممن يعظمه فريق من الامة ويعرض عنه فريق ومن عظمة منهم وقدمه لاينتهي في الاجلال والاعظام إلى الغاية التي ينتهي إليها من ذكرناه.

ولولا أن تفصيل هذه الجملة ملحوظ معلوم لفصلناها على طول ذلك ولاسمينا من كنينا عنه ونظرنا بين كل معظم مقدم من العترة ليعلم أن الذي ذكرناه هو الحق الواضح ، وما عداه هو الباطل الماضح(٢).

وبعد فمعلوم ضرورة أن الباقر والصادق ومن وليهما من الائمة(٣) صلوات الله عليهم أجمعين كانوا في الديانة والاعتقاد(٤) وما يفتون من حلال وحرام على خلاف مايذهب إليه مخالفوا الامامية ، وإن ظهر شك في ذلك كله فلا شك ولا شبهة على منصف في أنهم لم يكونوا على مذهب الفرقة المختلفة المجتمعة(٥) على تعظيمهم والتقرب إلى الله تعالى بهم.

وكيف يعترض ريب فيما ذكرناه؟ ومعلوم ضرورة أن شيوخ الامامية وسلفهم في تلك الازمان كانوا بطانة للصادق (٦) والكاظم والباقر عليه‌السلام وملازمين لهم ومتمسكين

__________________

(١) في نسخة : ( الاشتراك ) وفي المصدر : في هذا الاشتراك والا.

(٢) مضح عرضه : شانه وعابه. مضح عنه : ذب.

(٣) في المصدر : من ائمة أبنائهما.

(٤) في نسخة : والاجتهاد.

(٥) في نسخة : ( المجمعة ) وهو الموجود في المصدر.

(٦) في نسخة : ( بطانة للباقر والصادق ومن وليهما ) وهو الموجود في المصدر.

٣٣٦

بهم ومظهرين أن كل شئ يعتقدونه وينتحلونه ويصححونه أو يبطلونه فعنهم تلقوه ومنهم أخذوه ، فلو لم يكونوا عنه بذلك(١) راضين وعليه مقرين لابوا عليهم نسبة تلك المذاهب إليهم وهم منها بريئون خليون ، ولنفوا مابينهم من مواصلة ومجالسة وملازمة وموالاة ومصافاة ومدح وإطراء وثناء ، ولابدلوه بالذم واللوم والبراءة والعداوة فلو لم يكونوا عليهم‌السلام لهذه المذاهب معتقدين وبها راضين(٢) لبان لنا واتضح ولو لم يكن إلا هذه الدلالة لكفت وأغنت.

وكيف يطيب قلب عاقل أو يسوغ في الدين لاحد أن يعظم في الدين من هو على خلاف مايعتقد أنه الحق. وما سواه باطل ، ثم ينتهي في التعظيمات والكرامات إلى أبعد الغايات وأقصى النهايات وهل جرت بمثل هذا(٣) عادة أو مضت عليه سنة؟ أو لايرون أن الامامية لاتلتفت إلى من خالفها من العترة وحاد عن جادتها في الديانة ومحجتها في الولاية ولا تسمح له بشئ من المدح والتعظيم فضلا عن غايته وأقصى نهايته ، بل تتبرأ منه وتعاديه وتجريه في جميع الاحكام مجرى من لا نسب له ولا حسب له ولا قرابة ولا علقة.

وهذا يوقظ على أن الله خرق في هذه العصابة العادات وقلب الجبلات ليبين من عظيم منزلتهم وشريف مرتبتهم ، وهذه فضيلة تزيد على الفضائل وتربي(٤) على جميع الخصائص والمناقب ، وكفى بها برهانا لائحا وميزانا راجحا ، والحمد لله رب العالمين(٥).

__________________

(١) في المصدر : فلو لم يكونوا بذلك.

(٢) في المصدر : فلو لم يكن انهم عليهم‌السلام لهذه المذاهب معتقدون وبها راضون.

(٣) في المصدر : بمثل ذلك.

(٤) أي يزيد. وفي المصدر : توفى.

(٥) احتجاج الطبرسي : ٢٨٢ ـ ٢٨٤.

٣٣٧

٤

باب

*(الدلائل التى ذكرها شيخنا الطبرسي روح الله روحه في)*

*(كتاب اعلام الورى على امامة أئمتنا عليهم‌السلام)*

١ ـ قال : أحد الدلائل على إمامتهم عليهم‌السلام ماظهر منهم من العلوم التي تفرقت في فرق العالم فحصل في كل فرقة فن منها(١) ، واجتمعت فنونها وسائر أنواعها في آل محمد عليهم‌السلام.

ألا ترى ماروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في أبواب التوحيد والكلام الباهر المفيد من الخطب وعلوم الدين وأحكام الشريعة وتفسير القرآن وغير ذلك مازاد على كلام جميع الخطباء والعلماء والفصحاء حتى أخذ عنه المتكلمون والفقهاء والمفسرون ، ونقل أهل العربية عنه اصول الاعراب ومعاني اللغات ، وقال في الطب ما استفاد منه الاطباء وفي الحكمة والوصايا والاداب ما أرى على كلام جميع الحكماء ، وفي النجوم وعلم الآثار ما استفاده من جهته جميع أهل الملل والآراء.

ثم قد نقلت الطوائف عمن ذكرناه من عترته وأبنائه عليهم‌السلام مثل ذلك من العلوم في جميع الانحاء ، ولم يختلف في فضلهم وعلو درجتهم في ذلك من أهل العلم اثنان ، فقد ظهر عن الباقر والصادق عليهما‌السلام لما تمكنا من الاظهار ، وزالت عنهما التقية التي كانت على سيد العابدين عليه‌السلام من الفتاوى في الحلال والحرام والمسائل والاحكام ، وروى الناس عنهما من علوم الكلام وتفسير القرآن وقصص الانبياء والمغازي والسير وأخبار العرب وملوك الامم ما سمي أبو جعفر عليه‌السلام لاجله باقر العلم.

وروى عن الصادق عليه‌السلام في أبوابه من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان

__________________

(١) في المصدر : فحصل في كل فرقة منهم فن منها ما اجتمعت.

٣٣٨

وصنف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب هي معروفة بكتب الاصول رواها أصحابه وأصحاب أبيه من قبله ، وأصحاب ابنه أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، ولم يبق فن من فنون العلم إلا ماروي فيه(١) أبواب ، وكذلك حال ابنه موسى عليه‌السلام من بعده في إظهار العلوم إلى أن حبسه الرشيد ومنعه من ذلك.

وقد انتشر أيضا عن الرضا عليه‌السلام وابنه أبي جعفر عليه‌السلام من ذلك ماشهرة جملته تغني عن تفصيله ، وكذلك كانت سبيل أبي الحسن وأبي محمد العسكريين عليهما‌السلام ، و إنما كانت الرواية عنهما أقل لانهما كانا محبوسين في عسكر السطلان ممنوعين من الانبساط في الفتيا ، وأن يلقاهما(٢) كل أحد من الناس.

وإذا ثبت بما ذكرناه بينونة أئمتنا عليهم‌السلام بما وصفناه عن جميع الانام ولم يمكن أحدا(٣) أن يدعي أنهم أخذوا العلم عن رجال العامة أو تلقنوه(٤) من رواتهم وثقاتهم(٥) لانهم لم يروا قط مختلفين إلى أحد من العلماء في تعلم شئ من العلوم ، ولان ما اثر عنهم من العلوم فان أكثره لم يعرف إلا منهم ولم يظهر إلا عنهم وعلمنا أن هذه العلوم بأسرها قد انتشرت عنهم مع غناهم عن سائر الناس ، وتيقنا زيادتهم في ذلك على كافتهم ونقصان جميع العلماء عن رتبتهم ، ثبت(٦) أنهم أخذوها عن النبي عليه و آله السلام خاصة ، وأنه قد أفردهم بها ليدل على إمامتهم بافتقار الناس إليهم فيما يحتاجون إليه وغناهم عنهم.

وليكونوا مفزعا لامته في الدين وملجأ لهم في الاحكام ، وجروا في هذا التخصيص

__________________

(١) في المصدر : الا روى عنه فيه أبواب.

(٢) في المصدر : من الانبساط والمعاشرة وان يلقاهما.

(٣) في المصدر : لاحد.

(٤) في المصدر : أو تلقوه.

(٥) في المصدر : وفقهائهم.

(٦) جزاء لكلمة اذا.

٣٣٩

مجرى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في تخصيص الله له بإعلامه أحوال الامم السالفة وإفهامه مافي الكتب المتقدمة من غير أن يقرأ كتابا أو يلقى أحدا من أهله ، هذا.

وقد ثبت في العقول أن الاعلم الافضل أولى بالامامة من المفضول ، وقد بين الله سبحانه ذلك بقوله : « أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لايهدي إلا أن يهدى(١) » وقوله : « هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون(٢) » ودل بقوله سبحانه في قصة طالوت : « وزاده بسطة في العلم والجسم »(٣) أن التقدم في العلم و الشجاعة موجب للتقدم في الرياسة.

وإذا كان أئمتنا عليهم‌السلام أعلم الامة بما ذكرناه فقد ثبت أنهم أئمة الاسلام الذين استحقوا الرياسة على الانام على ماقلناه.

دلالة اخرى : ومما يدل على إمامتهم أيضا إجماع الامة على طهارتهم وظاهر عدالتهم وعدم التعلق عليهم أو على أحد منهم بشئ يشينه في ديانته مع اجتهاد أعدآئهم وملوك أزمنتهم في الغض منهم والوضع من أقدارهم والتطلب لعثراتهم ، حتى كانوا(٤) يقربون من يظهر عداوتهم ويقصون(٥) ، بل يحفون وينفون ويقتلون من يتحقق بولايتهم وهذا أمر ظاهر عند من سمع بأخبار الناس.

فلولا أنهم عليهم‌السلام كانوا على صفات الكمال من العصمة والتأييد من الله تعالى بمكان وأنه سبحانه منع بلطفه كل أحد من أن يتخرص عليهم باطلا أو يتقول فيهم زورا لما سلموا عليهم‌السلام من ذلك على الحد الذي شرحناه.

ولا سيما وقد ثبت أنهم لم يكونوا ممن لايؤبه بهم ، وممن لايدعو الداعي إلى

__________________

(١) يونس : ٣٥.

(٢) الزمر : ٩.

(٣) البقرة : ٢٤٧.

(٤) في المصدر : حتى انهم كانوا.

(٥) اى يبعدون ، وفي نسخة : وينقصون. وحفاه عن الشئ اى منعه منه. وفي المصدر : يجفون.

٣٤٠