الأمر بين الأمرين

الأمر بين الأمرين

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-036-6
الصفحات: ١٠٧
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

خلال اختياره ولا يشعر بالرعاية الإلهية وهيمنة الله تعالى على حركته وحياته إلاّ نادراً. وهو لاشكّ إحساس خاطئ ينشأ من احتجابه عن الله تعالى وألطافه الخفية ، وإلاّ فإنّ مساحة الأمر بين الأمرين هي كلّ مساحة حياة الإنسان ، وهو في كلّ شؤونه وأعماله وحركاته يتعامل مع الله تعالى ، ويأخذ من الله من حيث لا يشعر ، ولله تعالى في حياة الإنسان إمدادات غيبيّة وألطاف خفية لا يشعر بها الإنسان ، إلاّ من آتاه الله تعالى من عنده بصيرة وفقهاً ومعرفة.

روى الكليني رحمه‌الله في ( الكافي ) والصدوق في ( التوحيد ) عن يونس بن عبد الرحمن ، عن غير واحد ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ـ قالا : « إنّ الله أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثمّ يعذّبهم عليها ، والله أعزّ من أن يريد أمراً فلا يكون ». فسئُلا هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة ؟ قالا عليهما‌السلام : « نعم ، أوسع مما بين السماء والأرض » (١).

وفي رواية اُخرى للكليني رحمه‌الله في ( الكافي ) عن يونس ، عن عدّة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال له رجل : جعلت فداك ، أجبر الله العباد على المعاصي ؟ قال عليه‌السلام : « الله أعدل من أن يجبرهم على المعاصي ثمّ يعذّبهم عليها ». فقال له : جُعلت فداك ، ففوّض الله إلى العباد ؟ قال عليه‌السلام : « لو فوّض إليهم لم يحصرهم بالأمر والنهي ». فقال له : جعلت فداك ، فبينهما منزلة ؟ قال : فقال عليه‌السلام : « نعم أوسع ما بين السماء والأرض » (٢).

وهذه الأحاديث والنصوص تبيّن لنا حقيقة هامّة يجب أن نأخذها بنظر

__________________

(١) الكافي ١ : ١٥٩ / ٩ باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ـ كتاب التوحيد.

(٢) الكافي ١ : ١٥٩ / ١١ باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ـ كتاب التوحيد.

١٠١

الاعتبار ، ونلتزم بها ، وهي أن نلمس يد الله تعالى ورعايته لنا في حياتنا ، ونستشعر معيّة الله تعالى لنا في كلّ حركة وسكون. والإنسان عندما يتجرّد عن الحوار العقائدي القائم في التأريخ العقلي الإسلامي ويعود إلى نفسه يؤمن بشكل واضح ـ ومن غير ترديد ـ إنّ الله تعالى لم يتخلّ عنه في لحظة من لحظات حياته ، ولم ينفرد الإنسان ولم يستقل عن رعاية الله ويد الله في شيء من حياته.

ولو أنّ الله تعالى تخلّى عن الكون لتلاشى الكون. ولو أنّ الله تعالى تخلّى عن الإنسان وأوكله إلى نفسه ، وإلى نظام القضاء والقدر لبلغ الإنسان منذ أمد بعيد طريقاً مسدوداً.

ولكن رعاية الله تعالى تواكب مسيرة الإنسان وحركته الفردية والتأريخية ، وترعاه عند كلّ منعطف ، وفي كلّ مشكلة ، وتسدّده ، وتهديه ، وتعينه ، وتلطف به ، وتستر عليه ، وتحفظه.

إنّ قراءة عامّة لكتاب الله تعالى تعمّق فينا هذا الاحساس بشكل واضح ، وتشعرنا أنّ القرآن يريد أن يربط مسيرتنا وحياتنا بالمعية والرعاية الإلهية ، ويربّينا على الاحساس بالستر الدائم المتّصل لله علينا ، وبحفظ الله لنا وإمداده المتّصل ، وليس في القرآن كلّه رغم حرص القرآن على تثبيت مبدأ الاختيار إشارة أو إيهام بأنّ الإنسان يستقل عن الله تعالى في الاختيار والقرار والفعل ، أو أنّ الله تعالى أوكل الإنسان إلى نفسه في الاختيار والفعل والقرار. وويل للانسان إذا أوكله الله تعالى إلى نفسه.

ومن غير الممكن في نظام الوجود وقانون العلّية والإمكان من الناحية العقلية أن يستقلّ الانسان عن الله تعالى في القرار ، والفعل والاختيار ،

١٠٢

ولكن لو فرضنا إمكان ذلك من الناحية العقلية واستقلّ الإنسان عن الله تعالى ، وأوكل الله أمر الإنسان إليه وإلى نظام القضاء والقدر لسقط الإنسان منذ أمد بعيد ووصل إلى طريق مسدود لاخلاص له منه في بعض هذه المآزق والأزمات.

وبعد ، فبالاستناد إلى ما تقدم نستطيع أن نجد منها ـ إن شاء الله ـ العناصر الأساسية لصياغة نظرية أهل البيت عليهم‌السلام المقتبسة من القرآن في القضاء والقدر والسلوك الفردي والتأريخي للانسان.

اللّهمّ إنّنا آمنّا بك وبرحمتك وسترك وإمدادك ورعايتك لعبادك ، وطالما لمسنا هذه الرعاية والستر والحفظ والتوفيق منك ـ عزّ شأنك ـ لنا في حياتنا فاكتبنا مع المؤمنين ، واكتبنا مع الشاهدين.

* * *

١٠٣
١٠٤

المحتويات

مقدمة المركز.................................................................... ٥

مقدِّمة الكتاب :................................................................ ٩

الفصل الأول

الحتمية التاريخية والحتمية الكونية................................................ ١٣

النتائج السلبية لهاتين الحتميتين :............................................... ١٥

الاستغلال السياسي للحتمية التاريخية :........................................ ١٥

بنو أُميّة والحتمية السلوكية والتاريخية :......................................... ١٦

الاستغلال السياسي للحتمية الثانية :........................................... ١٧

العلاقة بين الحتميتين :....................................................... ١٩

موقف القرآن من هاتين الحتميتين :............................................ ٢١

موقف أهل البيت عليهم‌السلام من هاتين الحتميتين :.................................. ٢٣

الحتمية الأولى :........................................................... ٢٤

الحتميات الإلهية في سلوك الانسان :........................................... ٢٥

أصل الكسب :.......................................................... ٢٦

١٠٥

مناقشة أصل الكسب :.................................................... ٢٨

الحتميات المادية المعاصرة :.................................................... ٢٩

نقد الحتمية التاريخية :........................................................ ٣١

الاستغلال السياسي للحتمية :................................................ ٣٣

التفويض :.................................................................. ٣٥

الفصل الثاني

موقف القرآن من مسألة : ( الحتمية ) و ( استقلال الانسان ).................... ٣٩

١ ـ مبدأ حرية الاختيار في القرآن :.......................................... ٣٩

٢ ـ نفي التفويض واستقلال الانسان في القرآن :.............................. ٤٥

الفصل الثالث

مذهب أهل البيت عليهم‌السلام : ( الأمر بين الأمرين )................................. ٥١

تفسير الأمر بين الأمرين :.................................................... ٥٢

السبب الذي صرف العلماء عن ( الأمر بين الأمرين ) :......................... ٥٢

الاختيار ليس مساوقاً للاستقلال :............................................. ٥٤

تفسير علماء مدرسة أهل البيت ل‍ ( الأمر بين الأمرين ) :........................ ٥٥

التنظير الفلسفي لارتباط الانسان بالله تعالى حدوثاً وبقاءً :..................... ٥٥

مناهج علماء مدرسة أهل البيت: لتفسير ( الأمر بين الأمرين ) :............. ٥٧

تقرير وشرح لنظرية ( الأمر بين الأمرين ) :.................................... ٥٨

١٠٦

المثال الّذي استعان به المحقّق السيد الخوئي لتوضيح الأمر :........................ ٥٩

رأي الشيخ المفيد :.......................................................... ٦٠

١ ـ رفض نسبة أفعال الناس إلى الله :...................................... ٦٠

٢ ـ نفي استقلال الانسان في أفعاله :...................................... ٦٥

الفصل الرابع

أهل البيت عليهم‌السلام في موقع الدفاع عن ( التوحيد ) و ( العدل )................... ٧٣

١ ـ نظام القضاء والقدر في الكون :......................................... ٧٣

٢ ـ القضاء والقدر هو النظام الإلهي في الكون وحياة الإنسان :.................. ٧٦

٣ ـ القيمومة الإلهية الدائمة على نظام القضاء والقدر في الكون :................ ٧٨

٤ ـ تتّم المعاصي من الناس بقضاء الله وقدره ولا يُعصى مغلوباً :................. ٨٠

٥ ـ التفكيك بين إرادة الله التكوينية والتشريعية :.............................. ٨٥

٦ ـ حرّية الاختيار لدى الإنسان داخل الدائرة الحتمية للقضاء والقدر :.......... ٨٨

٧ ـ مسؤولية الإنسان في فعله :.............................................. ٩٣

٨ ـ الهيمنة الإلهية على حركة القضاء والقدر في الكون والتاريخ :............... ٩٤

٩ ـ قانون الإمداد والخذلان الإلهي في حياة الناس :............................ ٩٦

الخاتمة........................................................................ ٩٩

المحتويات................................................................... ١٠٥

١٠٧