بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بسم الله الرحمن الرحيم

١٣

باب

*(نادر في معرفتهم صلوات الله عليهم بالنورانية وفيه)*

*(ذكر جمل من فضائلهم عليهم‌السلام)*

١ ـ أقول : ذكر والدي رحمه‌الله أنه رأى في كتاب عتيق جمعه بعض محدثي أصحابنا في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام بهذا الخبر ، ووجدته أيظا في كتاب عتيق مشتمل على أخبار كثيرة.

قال : روي عن محمد بن صدقة أنه قال : سأل أبوذر الغفاري سلمان الفارسي رض‌الله‌عنهما يا أباعبدالله ما معرفة الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام بالنورانية؟ قال : يا جندب فامض بنا حتى نسأله عن ذلك ، قال : فأتيناه فلم نجده.

قال : فانتظرناه حتى جاء قال صلوات الله عليه : ما جاء بكما؟ قالا جئناك يا أمير المؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانية قال صلوات الله عليه : مرحبا بكما من وليين متعاهدين لدينه لستما بمقصرين ، لعمري أن ذلك الواجب على كل مؤمن ومؤمنة ، ثم قال صلوات الله عليه : ياسلمان ويا جندب قالا : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال عليه‌السلام : إنه لا يستكمل أحد الايمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فاذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام وصار عارفا مستبصرا ، ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاك ومرتاب ، ياسلمان ويا جندب قالا : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال عليه‌السلام : معرفتي بالنورانية معرفة الله عزوجل

١

ومعرفة الله عزوجل معرفتي بالنورانية وهو الدين الخالص الذي قال الله « وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة(١) وذلك دين القيمة ».

يقول : ما امروا إلا بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الدين الحنيفية المحمدية السمحة ، وقوله : « يقيمون الصلاة » فمن أقام ولايتي فقد أقام الصلاة وإقامة ولايتي صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان.

فالملك إذا لم يكن مقربا لم يحتمله ، والنبي إذا لم يكن مرسلا لم يحتمله والمؤمن إذا لم يكن ممتحنا لم يحتمله ، قلت : يا أمير المؤمنين من المؤمن وما نهايته وما حده حتى أعرفه؟ قال عليه‌السلام : يابا عبد الله قلت : لبيك يا أخا رسول الله ، قال : المؤمن الممتحن هو الذي لا يرد من أمرنا إليه بشئ إلا شرح صدره لقبوله ولم يشك ولم يرتب(٢).

اعلم يا باذر أنا عبدالله عزوجل وخليفته على عباده لا تجعلونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فانكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته ، فان الله عزوجل قد أعطانا أكبر وأعظم مما يصفه واصفكم أو يخطر على قلب أحدكم فاذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون.

قال سلمان : قلت : يا أخا رسول الله ومن أقام الصلاة أقام ولايتك؟ قال : نعم يا سلمان تصديق ذلك قوله تعالى في الكتاب العزيز : « واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين » (٣) فالصبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصلاة إقامة ولايتي ، فمنها قال الله « وإنها لكبيرة » ولم يقل : وإنهما لكبيرة لان الولاية كبيرة حملها إلا على الخاشعين ، والخاشعون هم الشيعة المستبصرون ، وذلك لان

__________________

(١) البينة : ٥.

(٢) في نسخة : ولم يرتد.

(٣) البقرة : ٤٥.

٢

أهل الاقاويل من المرجئة والقدرية والخوارج وغيرهم من الناصبية يقرون لمحمد(١) صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس بينهم خلاف وهم مختلفون في ولايتي منكرون لذلك جاحدون بها إلا القليل.

وهم الذين وصفهم الله في كتابه العزيز فقال : « إنها لكبيرة إلا علي الخاشعين » وقال الله تعالى في موضع آخر في كتابه العزيز في نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي ولايتي فقال عزوجل : « وبئر معطلة وقصر مشيد » (٢) فالقصر محمد والبئر المعطلة ولايتي عطلوها وجحدوها ، ومن لم يقر بولايتي لم ينفعه الاقرار بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألا إنهما مقرونان.

وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبي مرسل وهو إمام الخلق ، وعلي من بعده إمام الخلق ووصي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما قال له النبي (ص) : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » وأولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد ، فمن استكمل معرفتي فهو على الدين القيم كما قال الله « وذلك دين القيمة » (٣) وسابين ذلك بعون الله وتوفيقه.

يا سلمان ويا جندب قالا : لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك. قال : كنت أنا ومحمد نورا واحدا من نور الله عزوجل ، فأمر الله تبارك وتعالى ذلك النور أن يشق فقال للنصف : كن محمدا وقال للنصف : كن عليا ، فمنها قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا علي » وقد وجه أبا بكرببراءة إلى مكة فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد قال : لبيك ، قال : إن الله يأمرك أن تؤديها أنت أو رجل عنك ، فوجهني في استرداد أبي بكر فرددته فوجد في نفسه وقال : يا رسول الله أنزل في القرآن؟ قال : لا ولكن لا يؤدي إلا أنا أو علي.

يا سلمان ويا جندب قالا : لبيك يا أخا رسول الله ، قال عليه‌السلام : من لا يصلح لحمل

__________________

(١) في نسخة : بمحمد.

(٢) الحج : ١٥.

(٣) البينة : ٥.

٣

صحيفة يؤديهاعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف يصلح للامامة؟ياسلمان ويا جندب فأنا ورسول الله (ص) كنا نورا واحدا صار رسول الله (ص) محمد المصطفى ، وصرت أنا وصيه المرتضى ، وصار محمد الناطق ، وصرت أنا الصامت ، وإنه لا بد في كل عصر من الاعصار أن يكون فيه ناطق وصامت ، يا سلمان صار محمد المنذر وصرت أنا الهادي ، وذلك قوله : عزوجل : « إنما أنت منذر ولكل قوم هاد » (١) فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنذر وأنا الهادي.

« الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به و من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله » (٢).

قال : فضرب عليه‌السلام بيده على الاخرى وقال : صار محمد صاحب الجمع وصرت أنا صاحب النشر ، وصار محمد صاحب الجنة وصرت أنا صاحب النار ، أقول لها : خذي هذا وذري هذا ، وصار محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب الرجفة وصرت أنا صاحب الهدة(٣) أناصاحب اللوح المحفوظ ألهمني الله عزوجل علم ما فيه.

نعم يا سلمان ويا جندب وصار محمد يس والقرآن الحكيم ، (٤) وصار محمد ن والقلم ، (٥) وصار محمد طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ، (٦) وصار محمد صاحب الدلالات ، وصرت أنا صاحب المعجزات والآيات ، وصار محمد خاتم النبيين وصرت

__________________

(١) الرعد : ٧.

(٢) الرعد : ٨ ـ ١١.

(٣) الهدة : صوت وقع الحائط ونحوه وفى الخبر : « اعوذ بك من الهد والهدة » وفسر الهد بالهدم والهدة بالخسف ، والهد : صوت ما يقع من السماء.

(٤) يس : ١ و ٢.

(٥) القلم : ١.

(٦) طه : ١ و ٢.

٤

أنا خاتم الوصيين ، وأنا الصراط المستقيم(١) وأنا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون(٢) ولا أحد اختلف إلا في ولايتي ، وصارمحمد صاحب الدعوة وصرت أنا صاحب السيف ، وصار محمد نبيا مرسلا وصرت أنا صاحب أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الله عزوجل : « يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده » (٣) وهو روح الله لا يعطيه ولا يلقي هذا الروح إلا على ملك مقرب أو نبي مرسل أو وصي منتجب ، فمن أعطاه الله هذا الروح فقد أبانه من الناس وفوض إليه القدرة وأحيى الموتى وعلم بما كان وما يكون وسار من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق في لحظة عين ، وعلم ما في الضمائر والقلوب وعلم ما في السموات والارض.

يا سلمان ويا جندب وصار محمد الذكر الذي قال الله عزوجل : « قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله » (٤) إني اعطيت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب ، واستودعت علم القرآن وما هو كائن إلى يوم القيامة ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقام الحجة حجة للناس ، وصرت أنا حجة الله عزوجل ، جعل الله لي ما لم يجعل لاحد من الاولين والآخرين لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب.

يا سلمان ويا جندب قالا : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال عليه‌السلام : أنا الذي حملت نوحا في السفينة بأمر ربي ، وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت باذن ربي وأنا الذي جاوزت بموسى بن عمران البحر بأمر ربي ، وأنا الذي أخرجت إبراهيم من النار باذن ربي ، وأنا الذي أجريت أنهارها وفجرت عيونها وغرست أشجارها باذن ربي.

وأنا عذاب يوم الظلة ، وأنا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان : الجن والانس وفهمه قوم.

__________________

(١) الفاتحة : ٦.

(٢) النبأ : ٢ و ٣.

(٣) المؤمن : ١٥.

(٤) الطلاق : ١٠ و ١١.

٥

إني لاسمع كل قوم(١) الجبارين والمنافقين بلغاتهم وأنا الخضر عالم موسى وأنا معلم سليمان بن داود وأنا ذو القرنين وأنا قدرة الله عزوجل.

يا سلمان ويا جندب أنا محمد ومحمد أنا وأنا من محمد ومحمد مني ، قال الله تعالى : « مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان » (٢).

يا سلمان ويا جندب قالا : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال : إن ميتنا لم يمت وغائبنا لم يغب وإن قتلانا لن يقتلوا.

يا سلمان ويا جندب قالا : لبيك صلوات الله عليك ، قال : عليه‌السلام : أنا أمير كل مؤمن ومؤمنة ممن مضى وممن بقي ، وايدت بروح العظمة ، وإنما أنا عبد من عبيد الله لا تسمونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لن تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا ، ولا معشار العشر.

لانا آيات الله ودلائله ، وحجج الله وخلفاؤه وامناؤه وأئمته ، ووجه الله وعين الله ولسان الله ، بنا يعذب الله عباده وبنا يثيب ومن بين خلقه طهرنا واختارنا واصطفانا ، ولو قال قائل : لم وكيف وفيم؟ لكفر وأشرك ، لانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

يا سلمان ويا جندب قالا : لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك ، قال عليه‌السلام : من آمن بما قلت وصدق بما بينت وفسرت وشرحت وأوضحت ونورت وبرهنت فهو مؤمن ممتحن امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام وهو عارف مستبصر قد انتهى وبلغ وكمل ، ومن شك وعند وجحد ووقف وتحير وارتاب فهو مقصر وناصب. يا سلمان ويا جندب ، قالا : لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك ، قال عليه‌السلام : أنا احيي واميت باذن ربي ، أنا انبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم باذن ربي ، وأنا عالم بضمائر قلوبكم والائمة من أولادي عليهم‌السلام يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبوا وأرادوا لانا كلنا واحد ، أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد

__________________

(١) في نسخة : كل يوم.

(٢) الرحمن : ١٩ و ٢٠.

٦

فلا تفرقوا بيننا ، ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا كرهنا كره الله ، الويل كل الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيتنا ، وما أعطانا الله ربنا لان من أنكر شيئا مما أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله عزوجل ومشيته فينا.

يا سلمان ويا جندب ، قالا : لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك ، قال عليه‌السلام : لقد أعطانا الله ربنا ما هو أجل وأعظم وأعلى وأكبر من هذا كله قلنا : يا أمير المؤمنين ما الذي أعطاكم ما هو أعظم وأجل من هذا كله؟ قال : قد أعطانا ربنا عزوجل علمنا للاسم الاعظم الذي لو شئنا خرقت السماوات والارض والجنة والنار ونعرج به إلى السماء ونهبط به الارض ونغرب ونشرق وننتهي به إلى العرش فنجلس(١) عليه بين يدي الله عزوجل ويطيعنا كل شئ حتى السموات والارض والشمس والقمروالنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والجنة والنار ، أعطانا الله ذلك كله بالاسم الاعظم الذي علمنا وخصنا به ، ومع هذا كله نأكل ونشرب ونمشي في الاسواق ونعمل هذه الاشياء بأمر ربنا ونحن عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

وجعلنا معصومين مطهرين وفضلنا على كثير من عباده المؤمنين ، فنحن نقول : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وحقت كلمة العذاب على الكافرين ، أعني الجاحدين بكل ما أعطانا الله من الفضل والاحسان ، ياسلمان ويا جندب فهذا معرفتي بالنورانية فتمسك بها راشدا فانه لا يبلغ أحد من شيعتنا حد الاستبصار حتى يعرفني بالنورانية فاذا عرفني بها كان مستبصرا بالغا كاملا قد خاض بحرا من العلم ، وارتقى درجه من الفضل ، واطلع على سر من سر الله ، ومكنون خزائنه.(٢)

بيان : قوله : أنا الذى حملت نوحا ، أقول : لو صح صدور الخبر عنه عليه‌السلام

__________________

(١) هذا كناية عن شدة قربهم وعظم منزلتهم عند الله ، أو كناية عن احاطتهم العلمية بامور السماوات والارضين بافاضة الله تعالى اياهم أو قدرتهم بها ومطاعيتهم عندها.

(٢) لم نجد هذا الكتاب.

٧

لاحتمل أن يكون المراد به وبأمثاله أن الانبياء عليهم‌السلام بالاستشفاع بنا والتوسل بأنوارنا رفعت(١) عنهم المكاره والفتن كما دلت عليه الاخبار الصحيحة.

٢ ـ وحدثني والدي من الكتاب المذكور قال : حدثنا أحمد بن عبيدالله قال : حدثنا سليمان بن أحمد قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن محمد الموصلي قال : أخبرني أبي عن خالد عن جابر بن يزيد الجعفي وقال : حدثنا أبوسليمان أحمد قال. حدثنا محمد بن سعيد عن أبي سعيد عن سهل بن زياد قال : حدثنا محمد بن سنان عن جابر بن يزيد الجعفي قال :

لما أفضت الخلافة إلى بني امية سفكوا فيها الدم الحرام ولعنوا فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام على المنابر ألف شهر وتبرأوا منه واغتالوا(٢) الشيعة في كل بلدة واستأصلوا بنيانهم من الدنيا لحطام دنياهم فخوفوا الناس في البلدان ، وكل من لم يلعن أمير المؤمنين عليه‌السلام ولم يتبرأ منه قتلوه كائنا من كان ، قال جابر بن يزيد الجعفي فشكوت من بني امية وأشياعهم إلى الامام المبين أطهر الطاهرين زين العباد وسيد الزهاد وخليفة الله على العباد علي بن الحسين صلوات الله عليهما فقلت : يا ابن رسول الله قد قتلونا تحت كل حجرومدر ، واستأصلوا شأفتنا ، وأعلنوا لعن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه على المنابر والمنارات والاسواق والطرقات وتبرأوا منه حتى أنهم ليجتمعون في مسجد رسول الله (ص) فيلعنون عليا عليه‌السلام علانية لا ينكر ذلك أحد ولا ينهر(٣) فإن أنكر ذلك أحد منا حملوا عليه بأجمعهم وقالوا : هذا رافضي أبوترابي ، وأخذوه إلى سلطانهم وقالوا : هذا ذكر أبا تراب بخير فضربوه ثم حبسوه ثم بعد ذلك قتلوه.

فلما سمع الامام صلوات الله عليه ذلك مني نظر إلى السماء فقال : « سبحانك اللهم سيدي ما أحلمك وأعظم شأنك في حلمك وأعلى سلطانك يا رب » قد أمهلت(٤)

__________________

(١) في نسخة : دفعت.

(٢) غاله الشئ او اغتاله : اذا اخذه من حيث لم يدر.

(٣) اى لا يزجر.

(٤) في نسخة : قد مهلت.

٨

عبادك في بلادك حتى ظنوا أنك أمهلتهم أبدا وهذا كله بعينك ، لا يغالب قضاؤك ولا يرد المحتوم من تدبيرك كيف شئت وأنى شئت ، وأنت أعلم به منا.

قال : ثم دعا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنه محمدا عليه‌السلام فقال : يا بني ، قال : لبيك يا سيدي قال : إذا كان غدا فاغد إلى مسجد رسول الله (ص) وخذ معك الخيط الذي انزل مع جبرئيل على جدنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحركه تحريكا لينا ولا تحركه شديدا ، الله الله فيهلك الناس كلهم.

قال جابر : فبقيت متفكرا متعجبا من قوله فما أدرى ما أقول لمولاي عليه‌السلام فغدوت إلى محمد عليه‌السلام وقد بقي علي ليل حرصا أن أنظر إلى الخيط وتحريكه فبينما أنا على دابتي إذ خرج الامام عليه‌السلام فقمت وسلمت عليه فرد علي السلام ، و قال : ما غدا بك فلم تكن تأتينا في هذا الوقت؟ فقلت : يا بن رسول الله سمعت أباك صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول بالامس : خذ الخيط وسر إلى مسجد رسول الله (ص) فحركه تحريكا لينا ولا تحركه تحريكا شديدا فتهلك الناس كلهم ، فقال : يا جابر لولا الوقت المعلوم والاجل المحتوم والقدر المقدور لخسفت والله بهذا الخلق المنكوس في طرفة عين لا بل في لحظة لا بل في لمحة ولكننا عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

قال : قلت له : يا سيدي ولم تفعل هذا بهم؟ قال : ما حضرت أبي بالامس و الشيعة(١) يشكون إليه ما يلقون من الناصبية الملاعين والقدرية المقصرين؟ فقلت : بلى يا سيدي قال : فاني ارعبهم وكنت احب أن يهلك طائفة منهم ويطهر الله منهم البلاد ويريح العباد ، قلت : يا سيدي فكيف ترعبهم وهم أكثر من أن يحصوا؟ قال امض بنا إلى المسجد لاريك قدرة الله تعالى.

قال جابر : فمضيت معه إلى المسجد فصلى ركعتين ثم وضع خده في التراب و كلم بكلمات ثم رفع رأسه وأخرج من كمه خيطا دقيقا يفوح منه رائحة المسك وكان

__________________

(١) لعل جابر مع جماعة من الشيعة شكى إلى على بن الحسين عليه‌السلام فلا ينافى صدر الخبر.

٩

أدق في المنظر من خيط المخيط ، ثم قال : خذ إليك طرف الخيط وامش رويدا و إياك ثم إياك أن تحركه.

قال : فأخذت طرف الخيط ومشيت رويدا فقال صلوات الله عليه : قف يا جابر فوقفت فحرك الخيط تحريكا لينا فما ظننت أنه حركه من لينه ثم قال : ناولني طرف الخيط ، قال : فناولته.

فقلت : ما فعلت به يا بن رسول الله؟ قال : ويحك اخرج إلى الناس وانظر ما حالهم ، قال : فخرجت من المسجد فاذا صياح وولولة من كل ناحية وزاوية وإذا زلزلة وهدة ورجفة ، وإذا الهدة أخربت عامة دور المدينة وهلك تحتها أكثر من ثلاثين ألف رجل وامرأة.

وإذا بخلق يخرجون من السكك لهم بكاء وعويل وضوضاة ورنة شديدة وهم يقولون : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قد قامت الساعة ووقعت الواقعة وهلك الناس وآخرون يقولون : الزلزلة والهدة ، وآخرون يقولون : الرجفة والقيامة ، هلك فيها عامة الناس.

وإذا اناس قد أقبلوا يبكون يريدون المسجد ، وبعضهم يقولون لبعض : كيف لا يخسف بنا وقد تركنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وظهر الفسق والفجور وكثر الزنا والربا وشرب الخمر واللواطة؟ والله لينزلن بنا ما هو أشد من ذلك وأعظم أو نصلح أنفسنا.

قال جابر : فبقيت متحيرا أنظر إلى الناس يبكون ويصيحون ويولولون و يغدون زمرا إلى المسجد فرحمتهم حتى والله بكيت لبكائهم وإذا لا يدرون من أين اتوا واخذوا ، فانصرفت إلى الامام الباقر عليه‌السلام وقد اجتمع الناس له وهم يقولون : يا بن رسول الله! ما ترى ما نزل بنا بحرم رسول الله (ص) وقد هلك الناس وماتوا؟ فادع الله عزوجل لنا فقال لهم : افزعوا إلى الصلاة والصدقة والدعاء.

ثم سألني فقال : يا جابر ما حال الناس؟ فقلت : يا سيدي لاتسأل يا ابن رسول الله خربت الدور والقصور وهلك الناس ورأيتهم بغير رحمة فرحمتهم ، فقال :

١٠

لا رحمهم‌الله أبدا ، أما إنه قد بقي عليك بقية ، لولا ذلك ما رحمت أعداءنا وأعداء أوليائنا ثم قال عليه‌السلام : سحقا سحقا بعدا بعدا للقوم الظالمين ، والله لو حركت الخيط أدنى تحريكة لهلكوا أجمعين وجعل أعلاها أسفلها ولم يبق دار ولا قصر ، ولكن أمرني سيدي ومولاي أن لا احركه شديدا.

ثم صعد المنارة والناس لا يرونه فنادى بأعلا صوته. ألا أيها الضالون المكذبون فظن الناس أنه صوت من السمآء فخروا لوجوههم وطارت أفئدتهم وهم يقولون في سجودهم : الامان الامان ، فإذا هم يسمعون الصيحة بالحق ولا يرون الشخص. ثم أشار بيده صلوات الله عليه وأنا أراه والناس لا يرونه فزلزلت المدينة أيضا زلزلة خفيفة ليست كالاولى وتهدمت فيها دور كثيرة ثم تلا هذه الآية : « ذلك جزيناهم ببغيهم » (١) ثم تلا بعد ما نزل « فلما(٢) جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا(٣) عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين » (٤) وتلا عليه‌السلام : « فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ».(٥)

قال : وخرجت المخدرات في الزلزلة الثانية من خدورهن مكشفات الرؤس وإذا الاطفال يبكون ويصرخون فلا يلتفت أحد ، فلما بصر الباقر عليه‌السلام ضرب بيده إلى الخيط فجمعه في كفه فسكنت الزلزلة.

ثم أخذ بيدي والناس لا يرونه وخرجنا من المسجد فاذا قوم قد اجتمعوا إلى باب حانوت الحداد وهم خلق كثير يقولون : ما سمعتم في مثل هذا المدرة(٦) من

__________________

(١) الاعراف : ١٤٦.

(٢) هكذا في الكتاب ، والموجود في المصحف الشريف في سورة هود هكذا : « وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد » و لعله من تصحيف الروات او جمع الامام عليه‌السلام بين الايتين فأخذ شطرا من آية من سورة هود وشطرا من سورة والذاريات.

(٣) هود : ٨٢.

(٤) الذاريات : ٣٣ و ٣٤.

(٥) النحل : ٢٦.

(٦) في نسخة : هذا المنارة.

١١

الهمة؟ فقال بعضهم : بلى لهمهة كثيرة ، وقال آخرون : بل والله صوت وكلام وصياح كثير ولكنا والله لم نقف على الكلام.

قال جابر : فنظر الباقر عليه‌السلام إلى قصتهم ثم قال : يا جابر دأبنا ودأبهم إذا بطروا وأشروا وتمردوا وبغوا أرعبناهم وخوفناهم فإذا ارتدعوا وإلا أذن الله في خسفهم.

قال جابر : يا ابن رسول الله فما هذا الخيط الذي فيه الاعجوبة؟ قال : هذه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إلينا ، يا جابر إن لنا عند الله منزلة ومكانا رفيعا ولولا نحن لم يخلق الله أرضا ولا سماء ولا جنة ولا نارا ولا شمسا ولا قمرا ولا برا ولا بحرا ولا سهلا ولا جبلا ولا رطبا ولا يابسا ولا حلوا ولا مرا ولا ماء ولا نباتا ولا شجرا اخترعنا الله من نور ذاته لا يقاس بنا بشر.

بنا أنقذكم الله عزوجل وبنا هداكم الله ، ونحن والله دللناكم على ربكم فقفوا على أمرنا ونهينا ولا تردوا كل ما ورد عليكم منا فإنا أكبر وأجل وأعظم وأرفع من جميع ما يرد عليكم ، ما فهمتموه فاحمدوا الله عليه ، وما جهلتموه فكلوا أمره إلينا وقولوا : أئمتنا أعلم بما قالوا.

قال : ثم استقبله أمير المدينة راكبا وحواليه حراسه وهم ينادون في الناس : معاشر الناس احضروا ابن رسول الله (ص) علي بن الحسين عليهما‌السلام وتقربوا إلى الله عزوجل به لعل الله يصرف عنكم العذاب.

فلما بصروا بمحمد بن علي الباقر عليهما‌السلام تبادروا نحوه وقالوا : يا ابن رسول الله أما ترى ما نزل بامة جدك محمد (ص) هلكوا وفنوا عن آخرهم ، أين أبوك حتى نسأله أن يخرج إلى المسجد ونتقرب به إلى الله ليرفع الله به عن امة جدك هذا البلاء؟ قال لهم محمد بن علي عليه‌السلام : يفعل الله تعالى إن شاء الله ، أصلحوا أنفسكم وعليكم بالتضرع والتوبة والورع والنهي عما أنتم عليه ، فانه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.

قال جابر : فأتينا علي بن الحسين عليهما‌السلام وهو يصلي فانتظرناه حتى فرغ من

١٢

صلاته وأقبل علينا فقال : يا محمد ما خبر الناس؟ فقال : ذلك لقد رأى من قدرة الله عزوجل ما لا زال متعجبا منها ، قال جابر : إن سلطانهم سألنا أن نسألك أن تحضر إلى المسجد حتى يجتمع الناس يدعون ويتضرعون إلى الله عزوجل ويسألونه الاقالة.

قال : فتبسم عليه‌السلام ثم تلا « أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال(١) ، ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون » (٢).

فقلت : سيدي العجب أنهم لا يدرون من أين اتوا ، قال : أجل ، ثم تلا : « فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون » (٣) وهي والله آياتنا وهذه أحدها وهي والله ولايتنا ، يا جابر ما تقول في قوم أماتوا سنتنا وتوالوا أعداءنا وانتهكوا حرمتنا(٤) فظلمونا وغصبونا وأحيوا سنن الظالمين وساروا بسيرة الفاسقين قال جابر : الحمد لله الذي من علي بمعرفتكم وألهمني فضلكم ووفقني لطاعتكم موالاة مواليكم ومعاداة أعدائكم.

قال صلوات الله عليه : يا جابر أو تدري ما المعرفة؟ المعرفة إثبات التوحيد أولا ثم معرفة المعاني ثانيا ثم معرفة الابواب ثالثا ثم معرفة الانام(٥) رابعا ثم معرفة الاركان خامسا ثم معرفة النقباء سادسا ثم معرفة النجباء سابعا وهو قوله « لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا » (٦)

__________________

(١) المؤمن : ٥٠.

(٢) الانعام : ١١١.

(٣) الاعراف : ٥١.

(٤) في نسخة : حريمنا.

(٥) في نسخة : معرفة الامام.

(٦) الكهف : ١٠٨.

١٣

وتلا أيضا : « ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم » (١).

يا جابر إثبات التوحيد ومعرفة المعاني : أما إثبات التوحيد معرفة الله القديم الغائب الذي لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير ، وهو غيب باطن ستدركه كما وصف به نفسه.

وأما المعاني فنحن معانيه ومظاهره فيكم ، اخترعنا من نور ذاته وفوض إلينا امور عباده ، فنحن نفعل باذنه ما نشاء ، ونحن إذا شئنا شاء الله ، وإذا أردنا أراد الله ونحن أحلنا الله عزوجل هذا المحل واصطفانا من بين عباده وجعلنا حجته في بلاده. فمن أنكر شيئا ورده فقد رد على الله جل اسمه وكفر بآياته وأنبيائه ورسله يا جابر من عرف الله تعالى بهذه الصفة فقد أثبت التوحيد لان هذه الصفة موافقة لما في الكتاب المنزل وذلك قوله « لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصارليس كمثله شئ وهو السميع العليم » (٢) وقوله « لا يسأل عما يفعل وهم يسألون » (٣).

قال جابر : يا سيدي ما أقل أصحابي؟ قال عليه‌السلام : هيهات هيهات أتدري كم على وجه الارض من أصحابك؟ قلت : يابن رسول الله كنت أظن في كل بلدة ما بين المائة إلى المائتين وفي كل ما بين الالف إلى الالفين(٤) بل كنت أظن أكثر من مائة ألف في أطراف الارض ونواحيها ، قال عليه‌السلام : يا جابر خالف ظنك وقصر رأيك اولئك المقصرون وليسوا لك بأصحاب.

قلت : يابن رسول الله ومن المقصر؟ قال : الذين قصروا في معرفة الائمة وعن معرفة ما فرض الله عليهم من أمره وروحه ، قلت : يا سيدي وما معرفة روحه؟ قال عليه‌السلام : أن يعرف كل من خصه الله تعالى بالروح فقد فوض إليه أمره يخلق باذنه

__________________

(١) لقمان : ٢٧.

(٢) الانعام : ١٠٣. والشورى : ١١ وفيها : وهو السميع البصير.

(٣) الانبياء : ٢٣.

(٤) في نسخة : والالفين.

١٤

ويحيي باذنه ويعلم الغير ما في الضمائر ويعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وذلك أن هذا الروح من أمر الله تعالى ، فمن خصه الله تعالى بهذا الروح فهذا كامل غير ناقص يفعل ما يشاء باذن الله ، يسير من المشرق إلى المغرب في لحظة واحدة ، يعرج به إلى السمآء وينزل به إلى الارض ويفعل ما شاء وأراد.

قلت : ياسيدي أوجدني بيان هذا الروح من كتاب الله تعالى وإنه من أمر خصه الله تعالى بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : نعم اقرأ هذه الآية : « وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا » (١) وقوله تعالى : « اولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه » (٢).

قلت : فرج الله عنك كما فرجت عني ووقفتني على معرفة الروح والامر ثم قلت : ياسيدي صلى الله عليك فأكثر الشيعة مقصرون ، وأنا ما أعرف من أصحابي على هذه الصفة واحدا ، قال : يا جابر فإن لم تعرف منهم أحدا فاني أعرف منهم نفرا قلائل يأتون ويسلمون ويتعلمون مني سرنا ومكنوننا وباطن علومنا.

قلت : إن فلان ابن فلان وأصحابه من أهل هذه الصفة إن شاء الله تعالى ، وذلك أني سمعت منهم سرا من أسراركم وباطنا من علومكم ولا أظن إلا وقد كملوا وبلغوا قال : يا جابر ادعهم غدا وأحضرهم معك ، قال : فأحضرتم من الغد فسلموا على الامام عليه‌السلام وبجلوه ووقروه ووقفوا بين يديه.

فقال عليه‌السلام : ياجابر أما إنهم إخوانك وقد بقيت عليهم بقية أتقرون أيها النفر أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون؟ قالوا : نعم إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، قلت : الحمد لله قد استبصروا وعرفوا وبلغوا ، قال : يا جابر لا تعجل بما لا تعلم ، فبقيت متحيرا.

__________________

(١) الشورى : ٥٢.

(٢) المجادلة : ٢٢.

١٥

فقال عليه‌السلام : سلهم هل يقدر علي بن الحسين أن يصير صورة ابنه محمد؟ قال جابر : فسألتهم فأمسكوا وسكتوا : قال عليه‌السلام : يا جابر سلهم هل يقدر محمد أن يصير بصورتي؟ قال جابر : فسألتهم فأمسكوا وسكتوا.

قال : فنظر إلي وقال : يا جابر هذا ما أخبرتك أنهم قد بقي عليهم بقية فقلت لهم : ما لكم ما تجيبون إمامكم؟ فسكتوا وشكوا فنظر إليهم وقال : يا جابر هذا ما أخبرتك به : قد بقيت عليهم بقية ، وقال الباقر عليه‌السلام : ما لكم لاتنطقون؟ فنظر بعضهم إلى بعض يتساءلون قالوا : يابن رسول الله لا علم لنا فعلمنا.

قال : فنظر الامام سيد العابدين علي بن الحسين عليهما‌السلام إلى ابنه محمد الباقر عليه‌السلام وقال لهم : من هذا؟ قالوا : ابنك ، فقال لهم : من أنا؟ قال : أبوه علي بن الحسين ، قال : فتكلم بكلام لم نفهم فاذا محمد بصورة أبيه علي بن الحسين وإذا علي بصورة ابنه محمد ، قالوا : لا إله إلا الله.

فقال الامام عليه‌السلام : لا تعجبوا من قدرة الله أنا محمد ومحمد أنا ، وقال محمد : يا قوم لا تعجبوا من أمر الله أنا علي وعلي أنا ، وكلنا واحد من نور واحد وروحنا من أمر الله ، أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد وكلنا محمد.

قال : فلما سمعوا ذلك خروا لوجوههم سجدا وهم يقولون : آمنا بولايتكم وبسركم وبعلانيتكم وأقررنا بخصائصكم ، فقال الامام زين العابدين : ياقوم ارفعوا رؤسكم فأنتم الآن العارفون الفائزون المستبصرون ، وأنتم الكاملون البالغون ، الله الله لا تطلعوا أحدا من المقصرين المستضعفين على ما رأيتم مني ومن محمد فيشنعوا عليكم و يكذبوكم ، قالوا : سمعنا وأطعنا ، قال عليه‌السلام : فانصرفوا راشدين كاملين فانصرفوا.

قال جابر : قلت : سيدي وكل من لا يعرف هذا الامر على الوجه الذي صنعته وبينته إلا أن عنده محبة ويقول بفضلكم ويتبرأ من أعدائكم ما يكون حاله؟ قال عليه‌السلام : يكون في خير إلى أن يبلغوا.

قال جابر : قلت : يابن رسول الله هل بعد ذلك شئ يقصرهم؟ قال عليه‌السلام : نعم إذا قصروا في حقوق إخوانهم ولم يشاركوهم في أموالهم وفي سر امورهم وعلانيتهم

١٦

واستبدوا بحطام الدنيا دونهم فهنالك يسلب المعروف ويسلخ من دونه سلخا ويصيبه من آفات هذه الدنيا وبلائها ما لا يطيقه ولا يحتمله من الاوجاع في نفسه وذهاب ماله وتشتت شمله لما قصر في بر إخوانه.

قال جابر : فاغتممت والله غما شديدا وقلت : يابن رسول الله ما حق المؤمن على أخيه المؤمن؟ قال عليه‌السلام : يفرح لفرحه إذا فرح ويحزن لحزنه إذا حزن وينفذ اموره كلها فيحصلها ولا يغتم لشئ من حطام الدنيا الفانية إلا واساه حتى يجريان في الخير والشر في قرن واحد.

قلت : يا سيدي فكيف أوجب الله كل هذا للمؤمن على أخيه المؤمن : قال عليه‌السلام لان المؤمن أخو المؤمن لابيه وامه ، على هذا الامر لا يكون أخاه وهو أحق بما يملكه ، قال جابر : سبحان الله ومن يقدر على ذلك؟ قال عليه‌السلام : من يريد أن يقرع أبواب الجنان ويعانق الحور الحسان ويجتمع معنا في دار السلام.

قال جابر : فقلت : هلكت والله يابن رسول الله لاني قصرت في حقوق إخواني ولم أعلم أنه يلزمني علي التقصير كل هذا ولا عشره ، وأنا أتوب إلى الله تعالى يابن رسول الله مما كان مني من التقصير في رعاية حقوق إخواني المؤمنين(١)

بيان : قال الجوهري : الشأفة : قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوى فتذهب ، يقال في المثل : استأصل الله شأفته أي أذهبه الله كما أذهب تلك القرحة بالكي ، وفي القاموس : أمهله : رفق به ومهله تمهيلا : أجله ، والمخيط كمنبر : ما خيط به الثوب وقال الضوضاة : أصوات الناس وجلبتهم.

أقول : إنما أفردت لهذه الاخبار بابا لعدم صحة أسانيدها وغرابة مضامينها فلا نحكم بصحتها ولا ببطلانها ونرد علمها إليهم عليهم‌السلام.

__________________

(١) لم أجد هذا الكتاب إلى الان.

١٧

أبواب علومهم عليهم‌السلام

١

باب

*(جهات علومهم عليهم‌السلام وما عندهم من الكتب وانه)*

*(ينقر في آذانهم وينكت في قلوبهم)*

١ ـ شا ، ج : كان الصادق عليه‌السلام يقول : علمنا غابر ومزبورونكت في القلوب و نقر في الاسماع وإن عندنا الجفر الاحمر والجفرالابيض ومصحف فاطمة عليها‌السلام وعندنا الجامعة فيها جميع ما تحتاج الناس إليه ، فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال : أما الغابر فالعلم بما يكون ، وأما المزبور فالعلم بماكان ، وأما النكت في القلوب فهو الالهام. وأما النقر في الاسماع فحديث الملائكة عليهم‌السلام نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم. وأما الجفر الاحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولن يخرج حتى يقوم قائمنا أهل البيت ، وأما الجفر الابيض فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الاولى.

وأما مصحف فاطمة عليها‌السلام ففيه ما يكون من حادث وأسماء من يملك(١) إلى أن تقوم الساعة ، وأما الجامعة فهو كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من فلق فيه وخط علي ابن أبي طالب عليه‌السلام بيده ، فيه والله جميع ما تحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة حتى أن فيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة(٢).

بيان : قال الجوهري : كلمني من فلق فيه بالكسر ويفتح أي من شقه.

٢ ـ ما : أبوالقاسم بن شبل عن ظفر بن حمدون عن إبراهيم بن إسحاق عن

__________________

(١) في المصدر : واسماء كل من يملك.

(٢) ارشاد المفيد : ٢٥٧ واحتجاج الطبرسى : ٢٠٣.

١٨

علي بن مهزيار وجماعة من رجاله وغيرهم عن داود بن فرقد عن الحارث النضري قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : الذي يسأل عنه الامام عليه‌السلام وليس عنده فيه شئ من أين يعلمه؟ قال : ينكت في القلب نكتا أو ينقر في الاذن نقرا ، وقيل لابي عبدالله عليه‌السلام : إذا سئل الامام كيف يجيب؟ قال : إلهام إو إسماع(١) وربما كانا جميعا(٢).

٣ ـ ما : بالاسناد عن إبراهيم عن ابن عيسى عن عبدالله بن الصلت ومحمد بن خالد عن علي بن النعمان عن يزيد بن إسحاق عن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إن منا لمن ينكت في قلبه وإن منا لمن يؤتى في منامه ، وإن منا لمن يسمع الصوت مثل صوت السلسلة في الطشت ، وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرئيل وميكائيل.

وقال أبوعبدالله عليه‌السلام : منا من ينكت في قلبه ومنا من يقذف(٣) في قلبه ، و منا من يخاطب ، وقال عليه‌السلام : إن منا لمن يعاين معاينة ، وإن منا لمن ينقر في قلبه كيت كيت ، وإن منا لمن يسمع كما يقع السلسلة في الطشت ، قال : قلت : والذي يعاينون ما هو؟ قال : خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل(٤).

بيان : لعل النكت والقذف نوعان من الالهام ، والمراد بالمعاينة معاينة روح القدس وهو ليس من الملائكة مع أنه يحتمل أن تكون المعاينة في غير وقت المخاطبة.

٤ ـ ن : بالاسانيد الثلاثة إلى الرضا عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ينقلب جناح طائر في الهواء إلا وعندنا فيه علم.(٥)

٥ ـ ير : عبدالله بن جعفر عن محمد بن عيسى عن إسماعيل بن سهل عن إبراهيم بن عبدالحميد عن سليمان عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن في صحيفة من الحدود ثلث

__________________

(١) في المصدر : وسماع.

(٢) امالى ابن الشيخ : ٢٦٠.

(٣) في المصدر : ومن يقذف في قلبه.

(٤) امالى ابن الطوسى : ٢٦٠.

(٥) عيون الاخبار : ٢٠٠.

١٩

جلدة من تعدى ذلك كان عليه حد جلدة.(١)

٦ ـ ير : محمد بن عبدالحميد عن يونس بن يعقوب عن منصور بن حازم عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت : إن الناس يذكرون أن عندكم صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها ما يحتاجون إليه الناس ، وإن هذا هو العلم ، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : ليس هذا هو العلم إنما هو أثر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إن العلم(٢) الذي يحدث في كل يوم وليلة(٣).

٧ ـ ير : إبراهيم بن هاشم عن البرقي عن ابن سنان أو غيره عن بشر عن حمران بن أعين قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : عندكم التوراة والانجيل والزبور وما في الصحف الاولى صحف ابراهيم وموسى؟ قال : نعم ، قلت : إن هذا لهو العلم الاكبر قال : يا حمران لو لم يكن غير ما كان ، ولكن ما يحدث بالليل والنهار علمه عندنا أعظم.(٤)

بيان : لو لم يكن ، أي لو لم يكن لنا علم غير العلم الذي كان للسابقين كان ماذكر العلم الاكبر ولكن ما يحدث من العلم عندنا أكبر.

أقول : ههنا إشكال قوي وهو أنه لما دلت الاخبار الكثيرة على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم علم ما كان وما يكون وجميع الشرائع والاحكام وقد علم جيمع ذلك عليا عليه‌السلام وعلم علي الحسن عليه‌السلام وهكذا ، فأي شئ يبقى حتى يحدث لهم بالليل والنهار؟

ويمكن أن يجاب عنه بوجوه : الاول ما قيل : إن العلم ليس يحصل بالسماع

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٣٨.

(٢) لعل المراد ان الذى عندنا من الصحيفة هو الاصول والكليات المتلقية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولنا العلم بالحوادث الواقعة والجزئيات المستحدثة إلى يوم القيامة وهو أعظم ، ولا ينافى ذلك ان علمهم هذا مأخوذ من تلك الاصول الباقية عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

(٣ و ٤) بصائر الدرجات : ٣٨.

٢٠