بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٣٢ ـ وعن ابن عباس أنه قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ، قال : فقلت : يا أميرالمؤمنين كيف ينظر بنور الله عزوجل؟ قال عليه‌السلام : لانا خلقنا من نور الله ، وخلق شيعتنا من شعاع نورنا ، فهم أصفياء أبرار أطهار متوسمون ، نورهم يضئ على من سواهم كالبدر في الليلة الظلماء

٣٣ ـ وروى صفوان عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : لما خلق الله السماوات والارضين استوى على العرش فأمر نورين من نوره فطافا حول العرش سبعين مرة فقال عزوجل : هذان نوران لي مطيعان ، فخلق الله من ذلك النور محمدا وعليا والاصفياء من ولده عليهم‌السلام ، وخلق من نورهم شيعتهم ، وخلق من نور شيعتهم ضوء الا بصار.

٣٤ ـ وسأل المفضل الصادق عليه‌السلام ما كنتم قبل أن يخلق الله السماوات والارضين؟ قال عليه‌السلام : كنا أنوارا حول العرش نسبح الله ونقدسه حتى خلق الله سبحانه الملائكة فقال لهم : سبحوا ، فقالوا : ياربنا لا علم لنا ، فقال لنا : سبحوا ، فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا ، ألا إنا خلقنا من نور الله ، وخلق شيعتنا من دون ذلك النور فإذا كان يوم القيامة التحقت السفلى بالعليا ، ثم قرن عليه‌السلام بين أصبعيه السبابة والوسطى وقال : كهاتين.

ثم قال : يا مفضل أتدري لم سميت الشيعة شيعة؟ يا مفضل شيعتنا منا ، ونحن من شيعتنا ، أما ترى هذه الشمس أين تبدو؟ قلت : من مشرق. وقال : إلى أين تعود؟ قلت : إلى مغرب ، قال عليه‌السلام : هكذا شيعتنا ، منا بدؤا وإلينا يعودون.

٣٥ ـ وروى أحمد بن حنبل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : كنت أنا وعلي نورا بين يدي الرحمان قبل أن يخلق عرشه بأربعة عشر ألف عام.

٣٦ ـ ومن ذلك ما رواه ابن بابويه مرفوعا إلى عبدالله بن المبارك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام أنه قال : إن الله خلق نور محمد (ص) قبل المخلوقات بأربعة عشر ألف سنة ، وخلق معه اثني عشر حجابا والمراد بالحجب الائمة عليهم‌السلام.

٣٧ ـ ومن ذلك ما رواه جابر بن عبدالله قال : قلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أول



٢١

شئ خلق الله تعالى ما هو؟ فقال : نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير ثم أقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله ثم جعله أقساما ، فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم ، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم ، وأقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله ، ثم جعله أقساما فخلق القلم من قسم ، واللوح من قسم والجنة من قسم.

وأقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله ثم جعله أجراء فخلق الملائكة من جزء والشمس من جزء والقمر والكواكب من جزء ، وأقام القسم الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله ، ثم جعله أجزاء فخلق العقل من جزء والعلم والحلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء ، وأقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله ، ثم نظر إليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة ألف وأربعة وعشرون ألف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول ، ثم تنفست أرواح الانبياء فخلق الله من أنفاسها أرواح الاولياء والشهداء والصالحين.

٣٨ ـ ويؤيد ذلك ما رواه جابر بن عبدالله في تفسير قوله تعالى : « كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف(١) » قال : قال رسول الله (ص) : أول ما خلق الله نوري ابتدعه من نوره واشتقه من جلال عظمته ، فأقبل يطوف بالقدرة حتى وصل إلى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة ، ثم سجد لله تعظيما ففتق منه نور علي عليه‌السلام فكان نوري محيطا بالعظمة ونور علي محيطا بالقدرة ، ثم خلق العرش واللوح والشمس وضوء النهار ونور الابصار والعقل والمعرفة وأبصار العباد وأسماعهم وقلوبهم من نوري ونوري مشتق من نوره.

فنحن الاولون ونحن الآخرون ونحن السابقون ونحن المسبحون ونحن الشافعون ونحن كلمة الله ، ونحن خاصة الله ، ونحن أحباء الله ، ونحن وجه الله ، ونحن جنب الله و نحن يمين الله ونحن امناء الله ، ونحن خزنة وحي الله وسدنة(٢) غيب الله ونحن معدن التنزيل

____________________

(١) آل عمران : ١١٠.

(٢) سدنة جمع سادن : البواب والحاجب ، فكما ان الحاجب يخبر عن الملك فهم ايضا يخبرون عن الله تعالى وعما هو يخفى على الناس.

٢٢

ومعنى التأويل ، وفي أبياتنا هبط جبرئيل ، ونحن محال قدس الله ، ونحن مصابيح الحكمة ونحن مفاتيح الرحمة ونحن ينابيع النعمة ونحن شرف الامة ، ونحن سادة الائمة ونحن نواميس العصر وأحبار الدهر(١) ونحن سادة لعباد ونحن ساسة(٢) البلاد ونحن الكفاة والولاة والحماة والسقاة والرعاة وطريق النجاة ، ونحن السبيل والسلسبيل(٣) ، ونحن النهج القويم والطريق المستقيم.

من آمن بنا آمن بالله ، ومن رد علينا رد على الله ، ومن شك فينا شك في الله ، ومن عرفنا عرف الله ، ومن تولى عنا تولى عن الله ، ومن أطاعنا أطاع الله ، و نحن الوسيلة إلى الله والوصلة إلى رضوان الله ، ولنا العصمة والخلافة والهداية ، و فينا النبوة والولاية والامامة ، ونحن معدن الحكمة وباب الرحمة وشجرة العصمة ، و نحن كلمة التقوى والمثل الاعلى والحجة العظمى والعروة الوثقى التي من تمسك يها نجا(٤).

٣٩ ـ أقول : روى البرسي في مشارق الانوار من كتاب الواحدة باسناد عن الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : إن الله سبحانه تفرد في وحدانيته ثم تكلم بكلمة فصارت نورا ، ثم خلق من ذلك النور محمدا وعليا وعترته عليهم‌السلام ، ثم تكلم بكلمة فصارت روحا وأسكنها في ذلك النور وأسكنه في أبداننا ، فنحن روح الله و كلمته احتجب بنا عن خلقه فما زلنا في ظل عرشه خضراء مسبحين نسبحه ونقدسه حيث لا شمس ولا قمر ولا عين تطرف ، ثم خلق شيعتنا ، وإنما سموا شيعة لانهم خلقوا

____________________

(١) اى ونحن رؤساء العالم.

(٢) الساسة جمع السائس : وهو من يدبر القوم ويتولى امرهم ويقوم بالسياسة. والسياسة : استصلاح الخلق بارشادهم إلى الطريق المنجى في العاجل أو الاجل. والسياسة المدنية : تدبير المعاش مع العموم على سنن العدل والاستقامة.

(٣) السلسبيل : الماء العذب السهل المساغ. اسم عين في الجنة.

(٤) رياض الجنان : مخطوط ، لم نظفر بنسخته.

٢٣

من شعاع نورنا.

٤٠ ـ وعن الثمالي : قال : دخلت حبابة الوالبية على أبي جعفر عليه‌السلام فقالت : أخبرني يابن رسول الله أي شئ كنتم في الاظلة؟ فقال عليه‌السلام : كنا نورا بين يدي الله قبل خلق خلقه ، فلما خلق الخلق سبحنا فسبحوا ، وهللنا فهللوا ، وكبرنا فكبروا ، وذلك قوله عزوجل : « وأن لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا(١) » الطريقة حب علي صلوات الله عليه ، والمآء الغدق المآء الفرات وهو ولاية آل محمد عليهم‌السلام.

٤١ ـ وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : نحن شجرة النبوة ومعدن الرسالة ونحن عهد الله ونحن ذمة الله ، لم نزل أنوارا حول العرش نسبح فيسبح أهل السماء لتسبيحنا ، فلما نزلنا إلى الارض سبحنا فسبح أهل الارض ، فكل علم خرج إلى أهل السماوات والارض فمنا وعنا ، وكان في قضاء الله السابق أن لا يدخل النار محب لنا ، ولا يدخل الجنة مبغض لنا ، لان الله يسأل العباد يوم القيامة عما عهد إليهم ولا يسألهم عما قضى عليهم.

٤٢ ـ وعن محمد بن سنان عن ابن عباس قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه آله فأقبل علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال له النبي (ص) : مرحبا بمن خلقه الله قبل أبيه بأربعين ألف سنة ، قال : فقلنا : يا رسول الله أكان الابن قبل الاب؟ فقال نعم ، إن الله خلقني وعليا من نور واحد قبل خلق آدم بهذه المدة ثم قسمه نصفين ، ثم خلق الاشياء من نوري ونور علي عليه‌السلام ، ثم جعلنا عن يمين العرش فسبحنا فسبحت الملائكة ، فهللنا فهللوا ، وكبرنا فكبروا ، فكل من سبح الله وكبره فإن ذلك من تعليم علي عليه‌السلام.

٤٣ ـ قال : وروى محمد بن بابويه مرفوعا إلى عبدالله بن المبارك عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أميرالمؤمنين عليهم‌السلام أنه قال : أن الله خلق نور محمد (ص) قبل خلق المخلوقات كلها بأربعمائة ألف سنة وأربعة وعشرين ألف سنة

____________________

(١) الجن : ١٦.

٢٤

وخلق منه اثنى عشر حجابا ، والمراد بالحجب الائمة عليهم‌السلام.

٤٤ ـ وعن محمد بن سنان قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‌السلام فذكرت اختلاف الشيعة فقال : إن الله لم يزل فردا متفردا في وحدانيته ، ثم خلق محمدا وعليا و فاطمة فمكثوا ألف ألف دهر ، ثم خلق الاشياء وأشهدهم خلقها وأجرى عليها طاعتهم وجعل فيهم منه ما شاء وفوض أمر الاشياء إليهم فهم قائمون مقامه يحللون ما شاؤا ويحرمون ما شاؤا ، ولا يفعلون إلا ما شاء الله.

فهذه الديانة التي من تقدمها غرق ، ومن تأخر عنها محق ، خذها يا محمد فانها من مخزون العلم ومكنونه

٤٥ ـ وعن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول : إن الله خلق محمدا وعليا والطيبين من نور عظمته ، وأقامهم أشباحا قبل المخلوقات ثم قال : أتظن أن الله لم يخلق خلقا سواكم؟ بلى والله لقد خلق الله ألف ألف آدم وألف ألف عالم ، وأنت والله في آخر تلك العوالم(١).

أقول : الاخبار المأخوذة من كتابي الفارسي والبرسي ليست في مرتبة سائر الاخبار في الاعتبار ، وإن كان أكثرها موافقا لسائر الاثار ، والله أعلم بأسرار الائمة الابرار والاختلافات الواردة في أزمنة سبق الانوار يمكن حملها على اختلاف معانى الخلق و مراتب ظهوراتهم في العوالم المختلفة فإن الخلق يكون بمعنى التقدير ، وقد ينسب إلى الارواح وإلى الاجساد المثالية وإلى الطينات ولكل منها مراتب شتى.

مع أنه قد يطلق العدد ويراد به الكثرة لا خصوص العدد ، وقد يراعى في ذلك مراتب عقول المخاطبين وأفهامهم ، وقد يكون بعضها لعدم ضبط الرواة ، وسياتي بعض القول في ذلك في كتاب السماء والعالم إن شاء الله تعالى.

٤٦ ـ وروى على بن الحسين المسعودي في كتاب إثبات الوصية عن أميرالمؤمنين

____________________

(١) مشارق الانوار .. أقول : كنت عند اشرافى على هذا المجلد وتصحيحه معتقلا ولم يكن عندى في المحبس بعض المصادر ، ولذا لم اوفق لاخراج بعض الاحاديث و تطبيقه مع مصادره.

٢٥

صلوات الله عليه وآله هذه الخطبة : الحمد لله الذي توحد بصنع الاشياء ، وفطر أجناس البرايا على غير أصل ولا مثال سبقه في إنشائها ، ولا إعانة معين على ابتداعها بل ابتدعها بلطف قدرته فامتثلت في مشيته(١) خاضعة ذليلة مستحدثة لامره. الواحد الاحد الدائم بغير حد ولا أمد ولا زوال ولا نفاد ، وكذلك لم يزل ، ولا يزال ، لا تغيره الازمنة ولا تحيط به الامكنة ولا تبلغ صفاته الالسنة ولا تأخذه نوم ولا سنة ، لم تره العيون فتخبر عنه برؤية ، ولم تهجم عليه العقول فتتوهم كنه صفته ولم تدر كيف هو إلا بما أخبر عن نفسه ، ليس لقضائه مرد ، ولا لقوله مكذب. ابتدع الاشياه بغير تفكر ولا معين(٢) ولا ظهير ولا وزير ، فطرها بقدرته ، وصيرها إلى(٣) مشيته ، وصاغ أشباحها وبرأ أرواحها واستنبط أجناسها خلقا مبروءا مذروءا(٤) في. أقطار السماوات والارضين لم يات بشئ على غير ما أراد أن يأتي عليه ليري عباده آيات جلاله وآلائه ، فسبحانه لا إله إلا هو الواحد القهار ، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما ، اللهم فمن جهل فضل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فإني مقر بأنك ما سطحت أرضا ولا برأت خلقا حتى أحكمت خلقه وأتقنته من نور سبقت به السلالة وأنشأت آدم له جرما ، فأودعته منه قرارا مكينا ومستودعا مأمونا ، وأعذته من الشيطان ، وحجبته عن الزيادة والنقصان(٥) ، وحصلت(٦) له الشرف الذي يسامى(٧) به عبادك.

____________________

(١) في المصدر : فامتثلت لمشيته.

(٢) في المصدر : ابتدع الاشياء بلا تفكير وخلقها بلا معين.

(٣) وصيرها بمشيته.

(٤) صاغ الشئ : هيأه على مثال مستقيم. والاشباح جمع الشبح : الشخص واستنبط اخترع والمبروء : المخلوق من العدم. وذرأ الله الخلق : خلقه.

(٥) كناية عن ملكة العصمة.

(٦) في المصدر : وجعلت.

(٧) سامى الرجل : فاخره وباراه.

٢٦

فأي بشر كان مثل آدم فيما سابقت به الاخبار ، وعرفتنا كتبك في عطاياك؟ أسجدت له ملائكتك ، وعرفته ما حجبت عنهم من علمك(١) ، إذ تناهت(٢) به قدرتك وتمت فيه مشيتك ، دعاك بما أكننت فيه فأجبته إجابة القبول ، فلما أذنت اللهم في انتقال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من صلب آدم ألفت بينه وبين زوج خلقتها له سكنا ، ووصلت لهما به سببا ، فنقلته من بينهما إلى شيث اختيارا له بعلمك فإنه بشر كان اختصاصه برسالتك.

ثم نقلته إلى أنوش فكان خلف أبيه في قبول كرامتك واحتمال رسالاتك ، ثم قدرت المنقول إليه قينان(٣) وألحقته في الحظوة(٤) بالسابقين ، وفي المنحة بالباقين ، ثم جعلت مهلائيل : رابع أجرامه قدرة تودعها من خلقك من تضرب(٥) لهم بسهم النبوة وشرف الابوة حتى إذا قبله برد(٦) عن تقديرك تناهى به تدبيرك إلى اخنوخ ، فكان أول من جعلت من الاجرام ناقلا للرسالة ، وحاملا أعباء النبوة(٧).

فتعاليت يارب لقد لطف حلمك(٨) وجل قدرتك(٩) عن التفسير إلا بما دعوت إليه من الاقرار بربوبيتك ، وأشهد أن الاعين لا تدركك ، والاوهام لا تلحقك ، والعقول لا تصفك ، والمكان لا يسعك ، وكيف يسع من كان قبل المكان ومن خلق المكان(١٠)؟

____________________

(١) اشارة إلى قوله تعالى : وعلم آدم الاسماء كلها. اه.

(٢) فلما تناهت خ ل.

(٣) في المصدر : ثم قدرت نقل النور إلى قينان.

(٤) الحظوة : المكانة والمنزلة.

(٥) في المصدر : فيمن تضرب.

(٦) ذكرنا فيما تقدم في كتاب النبوة اختلاف النسخ في اسماء اولاد آدم ، راجعه.

(٧) الاعباء جمع العبء : الثقل والحمل.

(٨) في المصدر : لطف علمك.

(٩) في النسخة المصححة : وجل قدرك.

(١٠) في المصدر : وكيف يسع المكان من خلقه وكان قبله؟.

٢٧

أم كيف تدركه الاوهام ولم تؤمر(١) الاوهام على أمره؟ وكيف تؤمر(٢) الاوهام على أمره وهو الذي لا نهاية له ولا عاية؟ وكيف تكون له نهاية وغاية وهو الذي ابتدأ الغايات والنهايات؟ أم كيف تدركه العقول ولم يجعل لها سبيلا إلى إدراكه(٣)؟ و كيف يكون له إدراكه(٤) بسبب وقد لطف بربوبيته عن المحاسة والمجاسة(٥)؟ وكيف لا يلطف عنهما من لا ينتقل عن حال إلى حال؟ وكيف ينتقل من حال إلى حال وقد جعل الانتقال نقصا وزوالا؟

فسبحانك ملات كل شئ ، وباينت كل شئ ، فأنت الذي لا يفقدك شئ ، وأنت الفعال لما تشاء ، تبارك يامن كل مدرك من خلقه ، وكل محدود من صنعه ، أنت الذي لا يستغني عنك المكان(٦) ، ولا نعرفك إلا بانفرادك بالوحدانية والقدرة ، و سبحانك ما أبين اصطفاءك لادريس على من سلك من الحاملين(٧) ، لقد جعلت له دليلا من كتابك إذ سميته صديقا نبيا « ورفعته مكانا عليا وأنعمت عليه نعمة حرمتها على خلقك إلا من نقلت إليه نور الهاشميين ، وجعلته أول منذر من أنبيائك.

ثم أذنت في انتقال محمد(٨) صلى‌الله‌عليه‌وآله من القابلين له متوشلخ ولمك المفضيين إلى نوح(٩) ، فأي آلائك يارب على(١٠) ذلك لم توله؟ وأي خواص كرامتك لم تعطه؟ ثم أذنت في إيداعه ساما دون حام ويافث ، فضرب لهما بسهم في الذلة ، وجعلت ما أخرجت

____________________

(١ و ٢) تعثر خ ل ظ.

(٣) في المصدر : ولم يجعل لها سبيل إلى ادراكه.

(٤) ادراك خ ل.

(٥) جسه : مسه بيده ليتعرفه.

(٦) في المصدر : لا يستغنى عنك المكان والزمان.

(٧) في المصدر : على سائر خلقك من العالمين.

(٨) في المصدر : في انتقال نور محمد

(٩) المفضيين به إلى نوح.

(١٠) المصدر خال من : [ على ذلك ].

٢٨

من بينهما لنسل سام خولا(١).

ثم تتابع عليه القابلون من حامل إلى حامل ، ومودع إلى مستودع من عترته في فترات الدهور حتى قبله تارخ أطهر الاجسام وأشرف الاجرام ، ونقلته منه إلى إبراهيم فأسعدت بذلك جده ، وأعظمت به مجده ، وقدسته في الاصفياء ، وسميته دون رسلك خليلا ، ثم خصصت به إسماعيل دون ولد إبراهيم ، فأنطقت لسانه بالعربية التي فضلتها على سائر اللغات ، فلم تزل تنقله محظورا عن الانتقال في كل مقذوف من أب إلى أب حتى قبله كنانة عن مدركة ، فأخذت له مجامع الكرامة ومواطن السلامة وأجللت له البلدة التي قضيت فيها مخرجه.

فسبحانك لا إله إلا أنت ، أي صلب أسكنته فيه لم ترفع ذكره؟ وأي نبي بشر به فلم يتقدم في الاسماء اسمه؟ وأي ساحة من الارض سلكت به لم تظهر بها قدسه؟ حتى الكعبة التي جعلت منها مخرجه غرست أساسها بياقوتة من جنات عدن ، وأمرت الملكين المطهرين : جبرئيل وميكائيل فتوسطا بها أرضك ، وسميتها بيتك ، واتخذتها معمدا(٢) لنبيك ، وحرمت وحشها وشجرها وقدست حجرها ومدرها ، وجعلتها مسلكا لوحيك ، ومنسكا لخلقك ، ومأمن المأكولات وحجابا للآكلات العاديات ، تحرم على أنفسها إذعار من أجرت.

ثم أذنت للنضر في قبوله وإيداعه مالكا ، ثم من بعد مالك فهرا ، ثم خصصت من ولد فهر غالبا ، وجعلت كل من تنقله إليه أمينا لحرمك حتى إذا قبله لوي بن غالب آن له حركة تقديس ، فلم تودعه من بعده صلبا إلا جللته نورا تأنس به الابصار وتطمئن إليه القلوب.

فأنا يا إلهي وسيدي ومولاي المقر لك بأنك الفرد الذي لا ينازع ولا

____________________

(١) الخول : العبيد والاماء وغيرهم من الحاشية ، وفى النسخة المصححة : [ الحول ] بالمهملة اى القدرة على التصرف ، الحذق وجودة النظر.

(٢) في المصدر : معبدا.

٢٩

يغالب ولا يشارك(١) » سبحانك لا إله إلا أنت ما لعقل مولود وفهم مفقود مدحق من ظهر مريج نبع من عين مشيج بمحيض(٢) لحم وعلق ودر(٣) إلى فضالة الحيض وعلالات الطعم ، وشاركته الاسقام والتحقت(٤) عليه الآلام ، لا يقدر على فعل ولا يمتنع من(٥) علة ، ضعيف التركيب والبينة؟ ماله والاقتحام على قدرتك ، والهجوم على إرادتك ، وتفتيش مالا يعلمه غيرك؟

سبحانك أي عين تقوم نصب بهاء نورك ، وترقى إلى نور ضياء قدرتك؟ وأي فهم يفهم ما دون ذلك إلا أبصار(٦) كشفت عنها الاغطية ، وهتكت عنها الحجب العمية فرقت أرواحها إلى أطراف أجنحة(٧) الارواح فناجوك في أركانك ، وألحوا بين(٨) أنوار بهائك ، ونظروا من مرتقى التربة إلى مستوى كبريائك ، فسماهم أهل الملكوت زوارا ودعاهم أهل الجبروت عمارا.

فسبحانك يامن ليس في البحار قطرات ولا في متون الارض جنبات(٩) ولا في رتاج الرياح حركات ولا في قلوب العباد خطرات ولا في الابصار لمحات ولا على متون السحاب نفحات إلا وهي في قدرتك متحيرات.

أما السماء فتخبر عن عجائبك ، وأما الارض فتدل على مدائحك ، وأما الرياح

____________________

(١) في المصدر : ولا يغالب ولا يجادل ولا يشارك سبحانك سبحانك.

(٢) بمخيض خ ل.

(٣) ورد خ ل.

(٤) والتحفت خ ل.

(٥) في المصدر : لا يمتنع من قيل ولا يقدر على فعل.

(٦) انصارا.خ ل. أقول وفي المصدر : بصائر.

(٧) الارواح خ ل. أقول : لعل معنى اجنحة الارواح القوى الروحانية فتكون الاجنحة كناية عن القوى والاستعدادات التى تكون للارواح.

(٨) وولجوا خ ل.

(٩) في المصدر : جنات.

٣٠

فتنشر فوائدك ، وأما السحاب فتهطل مواهبك ، وكل ذلك يحدث بتحننك ويخبر أفهام العارفين بشفقتك.

وأنا المقر بما أنزلت على ألسن أصفيائك أن أبانا آدم عند اعتدال نفسه وفراغك من خلقه رفع وجهه فواجهه من عرشك وسم(١) فيه : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فقال : إلهي من المقرون باسمك؟ فقلت : محمد خير من أخرجته من صلبك ، واصطفيته بعدك من ولدك ، ولولاه ما خلقتك.

فسبحانك لك العلم النافذ والقدر الغالب ، لم تزل الآباء تحمله(٢) ، والاصلاب تنقله كلمات أنزلته ساحة صلب جعلت له فيها صنعا يحث العقول على طاعته ، ويدعوها إلى متابعته(٣).حتى نقلته إلى هاشم خير آبائه بعد إسماعيل ، فأي أب وجد ووالد اسرة(٤) ومجتمع عترة ومخرج طهر ومرجع فخر جعلت يارب هاشما؟ لقد أقمته لدن بيتك ، وجعلت له المشاعر والمتاجر(٥) ، ثم نقلته من هاشم إلى عبدالمطلب فانهجته سبيل إبراهيم ، وألهمته رشدا للتأويل وتفصيل الحق ، ووهبت له عبدالله وأبا طالب وحمزة ، وفديته في القربان بعبدالله ، كسمتك في إبراهيم باسماعيل ، ووسمت بأبي طالب(٦) في ولده كسمتك في إسحاق بتقديسك عليهم وتقديم الصفوة لهم.

فلقد بلغت إلهي ببني أبي طالب الدرجة التي رفعت إليها فضلهم في الشرف الذي مددت به أعناقهم ، والذكر الذي حليت به أسماءهم ، وجعلتهم معدن النور وجنته ، وصفوة الدين وذروته ، وفريضة الوحي وسنته ، ثم أذنت لعبدالله في نبذه

____________________

(١) رسم خ ل.

(٢) اى تحمل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٣) اشارة إلى خوارق عادة كانت تظهر من آبائه بسببه.

(٤) الاسرة : اهل الرجل المعروفون بالعائلة.

(٥) والمفاخر.خ ل.

(٦) في أبى طالب خ ل.

٣١

عند ميقات تطهير أرضك من كفار الامم الذين نسوا عبادتك ، وجهلوا معرفتك ، واتخذوا أندادا ، وجحدوا ربوبيتك ، وأنكروا وحدانيتك ، وجعلوا لك شركاء وأولادا ، وصبوا إلى عبادة الاوثان وطاعة الشيطان ، فدعاك نبينا صلوات الله عليه بنصرته(١) فنصرته بي وبجعفر وحمزة.

فنحن الذين اخترتنا له وسميتنا في دينك لدعوتك أنصارا لنبيك ، قائدنا إلى الجنة خيرتك ، وشاهدنا أنت رب السماوات والارضين ، جعلتنا ثلاثة ما نصب لنا عزيز إلا أذللته بنا ، ولا ملك إلا طحطحته(٢) ، أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا ، ووصفتنا يا ربنا بذلك وأنزلت فينا قرآنا(٣) جليت به عن وجوهنا الظلم ، وأرهبت بصولتنا الامم ، إذا جاهد محمد رسولك عدوا لدينك تلوذ به اسرته وتحف به عترته ، كأنهم النجوم الزاهرة إذا توسطهم القمر المنير ليلة تمة.

فصلواتك على محمد عبدك ونبيك وصفيك وخيرتك وآله الطاهرين ، أي منيعة لم تهدمها دعوته؟ وأي فضيلة لم تنلها عترته؟ جعلتهم خير أئمة اخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويجاهدون في سبيلك ، ويتواصلون بدينك طهرتهم بتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل ونسك به لغير الله ، تشهد لهم وملائكتك أنهم باعوك أنفسهم ، وابتذلوا من هيبتك أبدانهم ، شعثة رؤسهم ، تربة وجوههم ، تكاد الارض من طهارتهم تقبضهم إليها ، ومن فضلهم تميد بمن عليها ، رفعت شأنهم بتحريم أنجاس المطاعم والمشارب من أنواع المسكر.

فأي شرف يارب جعلته في محمد وعترته؟

فوالله لاقولن قولا لا يطيق أن يقوله أحد من خلقك : أنا علم الهدى ، وكهف

____________________

(١) في المصدر.لنصرته.

(٢) في المصدر : الا طحطحته بنا.

(٣) هو قوله تعالى : [ والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم ] الاية.راجع سورة الفتح : ٢٩.

٣٢

التقى ، ومحل السخا وبحر الندى وطود النهى ومعدن العلم ونور في ظلم الدجا وخير من آمن واتقى ، وأكمل من تقمص وارتدى ، وأفضل من شهد النجوى بعد النبي المصطفى ، وما ازكي نفسي ولكن بنعمة ربي احدث(١) ، أنا صاحب القبلتين وحامل الرايتين ، فهل يوازي في أحد وأنا أبوالسبطين؟ فهل يساوي بي بشر وأنا زوج خير النسوان؟ فهل يفوقني أحد(٢) وأنا القمر الزاهر بالعلم الذي علمني ربي والفرات الزاخر اشبهت من القمر نوره وبهاءه ، ومن الفرات بذله وسخاءه.

أيها الناس بنا أنار الله السبل وأقام الميل ، وعبدالله في أرضه وتناهت إليه معرفة خلقه ، وقدس الله جل وتعالى بإبلاغنا الالسن ، وابتهلت بدعوتنا الاذهان فتوفى الله محمدا (ص) سعيدا شهيدا هاديا مهديا قائما بما استكفاه ، حافظا لما استرعاه تمم به الدين ، وأوضح به اليقين ، وأقرت العقول بدلالته ، وأبانت حجج أنبيائه واندمغ الباطل زاهقا ، ووضح العدل ناطقا ، وعطل مظان الشيطان ، وأوضح الحق والبرهان ، اللهم فاجعل فواضل صلواتك ونوامي بركاتك ورأفتك ورحمتك على محمد نبي الرحمة وعلى أهل بيته الطاهرين(٣).

بيان قوله عليه‌السلام : خلقه ، الظاهر أن الضمير راجع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقوله : سبقت به السلالة ، لعل فيه تصحيفا ، ويحتمل أن يكون المراد أن السلالة إنما سبقت خلقته لاجل ذلك النور ، وليكون محلا له.

والمراد بالسلالة آدم عليه‌السلام كما قال تعالى : « ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين » ويحتمل أن يكون صغت ، فصحف ، وفي القاموس : الجرم بالكسر : الجسد قوله : بما أكننت أي دعاك مستشفعا بالنور الذي سترته فيه ، وقوله : قدرة ، إن لم يكن تصحيفا فهو حال عن ضمير إجرامه.

وبرد هو الخامس من الاباء ، وقع هنا مكان زيادا وماردا وأيادا وادد في الاخبار

____________________

(١) اشارة إلى قوله تعالى : واما بنعمة ربك فحدث.

(٢) في المصدر : فهل يفوقنى رجل.

(٣) اثبات الوصية : ١٠٠ و ١٠٥.

٣٣

الاخر ، وقوله : أول من جعلت ، يدل على أن من بينه وبين آدم لم يكونوا رسلا ولا ينافي كونهم أنبياء ، قوله : ولم تؤمر الاوهام على بناء التفعيل بصيغة المجهول أي لم تجعل الاوهام أميرا على أمر معرفته ، أو بالتخفيف بتضمين ، أو يكون « على » بمعنى الباء ، أي لم يأمر الله الاوهام بمعرفته ، والظاهر « لم يعثر » كما في موضع آخر من العثور بمعنى الاطلاع.

وقوله : « من خلقه » خبر « كل » قوله عليه‌السلام : سلك ، أي مضى أو انسلك في سلك الحاملين ، لكن لا يساعده اللغة ، قوله : المفضيين ، أي قبل النور متوشلخ ثم لمك وأوصلاه إلى نوح عليه‌السلام ، قوله : على ذلك ، أي بسبب قبول النور ، وضمير « ألم توله ولم تعطه » راجعان إلى نوح.

قوله : محظورا أي ممنوعا من أن ينتقل إلى من يقذف بسوء وقوله : من أب متعلق بقوله : تنقله ، ومدركة اسم والد خزيمة ، وخزيمة والد كنانة ، قوله : معمدا كمقصد بمعناه ، أي قبلة يتوجهون إليه في الصلاة ، إو يقصدونه للحج والعمرة والاذعار : التخويف

قوله عليه‌السلام : إن له حركة تقديس ، أي صار النور بعد ذلك أظهر وتأثير الكرامة للا باء لقربهم أكثر ، وقال في القاموس.دحقه كمنعه : طرده وأبعده كأدحقه ، والرحم بالماء : رمته ولم تقبله والمريج : المختلط والمضطرب ويقال : خوط مريج ، أي متداخل في الاغصان.

والمشيج : المختلط من كل شئ وجمعه أمشاج.قوله : بمحيض ، في المنقول منه بالحاء المهملة فيكون متعلقا بمشيج ، أي مختلط بالحيض ، ويحتمل أن يكون بالمعجمة من قولهم : مخض اللبن إذا أخذ زبده فهو مخيض ، ومخض الشئ : حركه شديدا ، فالباء زائدة أو للملابسة ، أو على التجريد.

والحاصل أنه شبه النطفة بلبن مخيض إذ هي تحصل من الحركة وهي تخرج من اللحم وتنعقد من الدم ، وعلى الاول لحم وعلق بدلان من قوله : مدحق ، لبيان تغيراتها وانقلاباتها ، والفضالة بالضم : البقية والعلالة بالضم : ما يتعلل به وبقية

٣٤

اللبن وغيره وقوله : ماله ، تأكيد لقوله : مالعقل.

قوله : الحجب العمية ، أي الكثيفة الحاجبة قال الجزري : في حديث الصوم فان عمي عليكم ، قيل : هو من العماء : السحاب الرقيق ، أي حال دونه ما أعمى الابصار عن رؤيته ، وفيه : من قتل تحت راية عمية ، قيل : هو من فعيلة من العمى : الضلالة.

قوله : أجنحة الارواح ، هو إما جمع الروح بمعنى الرحمة أو الراحة ، أو جمع الريح بمعنى الرحمة أو الغلبة والنصرة ، وكان يحتمل المنقول منه الدال المهملة جمع دوح وهو جمع دوحة الشجرة العظيمة ، والجنبات جمع جنبة بالتحريك وهو من الوادي ناحيته.

قوله عليه‌السلام : ولا في رتاج الرياح الرتاج ككتاب : الباب المغلق ، ولا يناسب المقام إلا بتكلف ، ويحتمل أن يكون من قولهم : رتج البحر ، أي هاج وكثر ماؤه فغمر كل شئ ، ويحتمل أن يكون رجاج الرياح من الرج وهو التحريك والتحرك والاهتزاز ، والرجرجة : الاضطراب ، والهطل : تتابع المطر. والصنع بالضم المعروف

قوله : في نبذه ، الضمير راجع إلى النور ، ويقال : صبا إلى الشئ : إذا حن ومال. وقوله : قائدنا صفة لنبيك وكذا خيرتك ويحتمل أن يكون قائدنا مبتدء وخيرتك خبره ، كما أن شاهدنا مبتدء وأنت خبره ، ويقال : نصب لفلان ، أي عاداه وله الحرب : وضعها ، وكلما رفع واستقبل به شئ فقد نصب ، ذكره الفيروزآبادي فيمكن أن يقرأ هنا على المعلوم والمجهول. ويقال : طحطح ، أي كسر وفرق وبدد إهلاكا.

قوله عليه‌السلام : ليلة تمه بكسر التاء وفتحها وضمها أي تمامه ، قال الجوهري : قمر تمام وتمام : إذا تم ليلة البدر ، وليلة التمام مكسور ، وهو أطول ليلة في السنة ويقال : أبى قائلها إلا تما وتما وتما ثلاث لغات أي تماما ، ومضى على قوله : لم يرجع منه والكسر أفصح.

قوله عليه‌السلام : أي منيعة ، أي بنية رفيعة حصينة من أبنية الضلالة وابتذال الثوب

٣٥

وغيره : امتهانه.تكاد الارض ، أي كانت الارض تحبهم بحيث تكاد تقبضهم اليها ، وتهتز بكونهم عليها بحيث يخاف أن تميد بمن عليها فرحا ، والسخاء ممدود ، ولعله قصره لرعاية السجع ، والندى بالقصر : الجود والمطر والبلل ، والطود : الجبل العظيم. والنهى بضم النون جمع نهية وهي العقل.

قوله عليه‌السلام : من شهد النجوى ، أي أفضل الافاضل فإنهم يشهدون النجوى والمشورة أو أفضل من اطلع على نجوى الخلق وأسرارهم بنور الامامة.قوله عليه‌السلام : وأقام الميل ، لعله بالتحريك وهو ما كان من الميل والاعوجاج بحسب الخلقة ، فهو أوفق لفظا وأبلغ معنى.

قوله عليه‌السلام : وتناهت ، يقال : تناهى ، أي بلغ ، أي بنا اختبر الله الخلق واطلع على أحوالهم اطلاعا يوجب الثواب والعقاب ، أو بنا عرف الخلق ربهم فانتهى معرفتهم إليهم. واعلم أن النسخة كانت سقيمة جدا فصححناها بحسب الامكان.

٢

باب

*(احوال ولادتهم عليهم‌السلام وانعقاد نطفهم واحوالهم في الرحم)*

*(وعند الولادة وبركات ولادتهم صلوات الله عليهم)*

*(وفيه بعض غرائب علومهم وشؤنهم)*

١ ـ ما : المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن موسى بن طلحة عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إن في الليلة التي يولد فيها الامام لا يولد فيها مولود ألا كان مؤمنا ، وإن ولد في أرض الشرك نقله الله إلى الايمان ببركة الامام(١).

٢ ـ فس : أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا خلق الله الامام في بطن امه يكتب على عضده الايمن : « وتمت كلمة ربك صدقا

____________________

(١) امالى ابن الطوسى : ٢٦٣.

٣٦

وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم ».

٣ ـ وحدثني أبي عن حميد بن شعيب عن الحسن بن راشد قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إن الله إذا أحب أن يخلق(١) الامام أخذ شربة من تحت العرش فأعطاها ملكا فسقاها إياها(٢) فمن ذلك يخلق الامام ، فإذا ولد بعث الله ذلك الملك إلى الامام فكتب(٣) بين عينيه : « وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم » فإذا مضى ذلك الامام الذي قبله رفع له منارا يبصر به أعمال العباد ، فلذلك يحتج به على خلقه(٤).

بيان : قوله عليه‌السلام : إياها ، أي ام الامام عليه‌السلام ، وفي بعض النسخ : إياه كما في الكافي ، وفي بعضها : « أباه » بالموحدة ومفادهما واحد ، قوله : فلذلك ، في بعض النسخ : فبذلك ، أي يرفع المنار حيث يطلعه على أعمالهم فيصير شاهدا عليهم يحتج به يوم القيامة عليهم ، وفي الكافي وفيما سيأتي : « وبهذا يحتج الله على خلقه » أي بمثل هذا الرجل المتصف بتلك الاوصاف يحتج الله على خلقه ويوجب على الناس طاعته.

٤ ـ ير : عباد بن سليمان عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه سليمان عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن نطفة الامام من الجنة ، وإذا وقع من بطن امه إلى الارض وقع وهو واضع يده إلى الارض رافع رأسه إلى السماء ، قلت جعلت فداك ولم ذاك قال عليه‌السلام : لان مناديا يناديه من جو السماء من بطنان العرش من الافق الاعلى : يافلان بن فلان اثبت فإنك صفوتي من خلقي ، وعيبة علمي ولك ولمن تولاك أوجبت رحمتى ، ومنحت جناني ، واحلك جواري.

ثم وعزتي وجلالي لاصلين من عاداك أشد عذابي ، وإن أوسعت عليهم في دنياي من سعة رزقي ، قال : فاذا انقضى صوت المنادي ، أجابه هو : « شهد الله أنه لا

____________________

(١) لما أحب ان خلق خ ل.

(٢) في نسخة [ اباه ] وفى المصدر : [ اياه ] ولعله مصحف.

(٣) في المصدر : أن يكتب.

(٤) تفسير القمى : ٢٠٢. والاية في سورة الانعام : ١١٥.

٣٧

إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم » فاذا قالها أعطاه الله العلم الاول والعلم الاخر واستحق زيادة الروح في ليلة القدر(١).

بيان : قال الجزري : فيه ينادي مناد من بطنان العرش ، أي من وسطه وقيل : من أصله ، وقيل : البطنان جمع بطن وهو الغامض من الارض يريد من دواخل العرش أقول : لعل المراد بالعلم الاول علوم الانبياء والاوصياء السابقين ، وبالعلم الاخر علوم خاتم الانبياء ، أو بالاول العلم بأحوال المبدء وأسرار التوحيد وعلم ما مضى وما هو كائن في النشأة الاولى والشرائع والاحكام ، وبالاخر العلم بأحوال المعاد والجنة والنار وما بعد الموت من أحوال البرزخ وغير ذلك ، والاول أظهر.

٥ ـ ير : محمد بن الحسين عن أبي داود المسترق عن محمد بن مروان عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : إن الله إذا اراد أن يخلق الامام أنزل قطرة من ماء المزن فيقع على كل شجرة فيأكل منه ثم يواقع فيخلق الله منه الامام فيسمع الصوت في بطن امه فإذا وقع على الارض رفع له منار من نور يرى أعمال العباد ، فإذا ترعرع كتب على عضده الايمن : وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم(٢).

بيان : الاكثر فسروا المزن بالسحاب أو أبيضه أو ذي الماء ، ويظهر من الاخبار أنه اسم للماء الذي تحت العرش.

٦ ـ ير : أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن محمد بن مروان قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : إذا دخل أحدكم على الامام فلينظر ما يتكلم به ، فإن الامام يسمع الكلام في بطن امه ، فإذا هي وضعته سطع لها نور ساطع إلى السماء وسقط وفي عضده الايمن مكتوب : « وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم » فإذا هو تكلم رفع الله له عمودا يشرف(٣) به على أهل الارض يعلم به أعمالهم(٤).

____________________

(١) بصائر الدرجات : ٦١ والاية في آل عمران : ١٨.

(٢) بصائر الدرجات : ١٢٧ و ١٢٨.

(٣) أشرف عليه : اطلع عليه من فوق.

(٤) بصائر الدرجات : ١٢٨ والاية في الانعام : ١١٥.

٣٨

٧ ـ ير : أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن إسحاق بن عمار قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : الامام يسمع الصوت في بطن امه فإذا سقط إلى الارض كتب على عضده الايمن : وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم « فإذا ترعرع نصب له عمودا من نور من السماء إلى الارض يرى به أعمال العباد(١)

٨ ـ ير : أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن صالح بن سهل الهمداني وغيره رواه عن يونس بن ظبيان عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا أراد الله أن يقبض روح إمام ويخلق من بعده إماما أنزل قطرة من ماء تحت العرش إلى الارض فيلقيها على ثمرة أو على بقلة فيأكل تلك الثمرة أو تلك البقلة الامام الذي يخلق الله منه نطفة الامام الذي يقوم من بعده.

قال فيخلق الله من تلك القطرة نطفة في الصلب ثم يصير إلى الرحم فيمكث فيها أربعين ليلة ، فاذا مضى له أربعون ليلة سمع الصوت ، فاذا مضى له أربعة أشهر كتب على عضده الايمن : « وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم » فإذا خرج إلى الارض اوتي الحكمة وزين بالعلم والوقار ، والبس الهيبة وجعل له مصباح من نور يعرف به الضمير ويرى به أعمال العباد.(٢)

ير : أحمد بن محمد عن الاهوازي عن مقاتل عن الحسين بن أحمد عن يونس بن ظبيان مثله(٣).

ير : محمد بن عبدالجبار عن ابن أبي نجران عن ابن محبوب عن مقاتل مثله(٤) بتغيير ما ، أوردناه في باب صفات الامام عليه‌السلام.

شى : عن يونس مثله(٥).

٩ ـ ير : محمد بن الحسين عن موسى بن سعدان عن عبدالله بن القاسم عن الحسن ابن راشد قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إن الله تبارك وتعالى إذا أحب أن

____________________

(١ ـ ٤) بصائر الدرجات : ١٢٨ و ١٢٩. والاية في الانعام : ١١٥.

(٥) تفسير العياشى ١ : ٣٧٤.

٣٩

يخلق الامام أمر ملكا أن يأخذ شربة من ماء تحت العرش فيسقيها إياه ، فمن ذلك يخلق الامام ويمكث أربعين يوما وليلة في بطن امه لا يسمع الصوت ، ثم يسمع بعد ذلك الكلام ، فإذا ولد بعث ذلك الملك فيكتب بين عينيه : « وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم » فإذا مضى الامام الذي كان من قبله رفع لهذا منارا من نور ينظر به إلى أعمال الخلائق ، فبهذا يحتج الله على خلقه(١).

١٠ ـ ير : الهيثم بن أبي مسروق عن محمد بن فضيل عن محمد بن مروان قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن الامام منا يسمع الكلام في بطن امه ، فإذا وقع على الارض بعث الله ملكا فكتب على عضده(٢) : « وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم » ثم يرفع له عمود من نور يرى به أعمال العباد (٣).

١١ ـ ير : أحمد بن الحسين عن أبي الحسين أحمد بن الحصين الحصيني والمختار بن زياد جميعا عن علي بن أبي سكينة عن بعض رجاله عن إسحاق بن عمار قال : دخلت على أبي عبدالله عليه‌السلام اودعه فقال : اجلس ، شبه المغضب ، ثم قال : يا إسحاق كأنك ترى أنا من هذا الخلق؟ أما علمت أن الامام منا بعد الامام يسمع في بطن امه ، فإذا وضعته امه كتب الله على عضده الايمن : « وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم » فإذا شب وترعرع نصب له عمود من السماء إلى الارض ينظر به إلى أعمال العباد.(٤)

بيان : شب أي صار شابا ، وترعرع الصبي : تحرك ونشأ.

واعلم أنه لا تنافي بين تلك الاخبار ، إذ يحتمل أن تكون الكتابة في جميع المواضع والاوقات المذكورة إما حقيقة أو تجوزا ، كناية عن جعله مستعدا للامامة والخلافة ومحلا لافاضة العلوم الربانية ، ومستنبطا منه آثار العلم والحكمة من جميع جهاته وحركاته وسكناته ، وكذا عمود النور إما المراد به النور حقيقة بأن يخلق الله تعالى

____________________

(١) بصائر الدرجات : ١٢٨.

(٢) في المصدر : فكتب على عضده الايمن.ظ.

(٣ و ٤) بصائر الدرجات : ١٢٨.

٤٠