بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

لماذا؟ قال : لما اريد أن أسألك عنه ، قال : قل ، قال : ولا تغضب ، قال : ولا أغضب قال : أرأيت قولك في ليلة القدر : وتنزل الملائكة والروح فيها إلى الاوصياء ، يأتونهم بأمر لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد علمه ، أو يأتونهم بأمر كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلمه؟

وقد علمت أن رسول الله (ص) مات وليس من علمه شئ إلا وعلي عليه‌السلام له واع.

قال أبوجعفر عليه‌السلام : ما لي ولك أيها الرجل؟ ومن أدخلك علي؟ قال : أدخلني القضاء لطلب الدين ، قال : فافهم ما أقول لك ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أسري به لم يهبط حتى أعلمه الله جل ذكره علم ما قد كان وما سيكون ، وكان كثير من علمه ذلك جملا يأتي تفسيرها في ليلة القدر ، وكذلك كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام قد علم جمل العلم ، ويأتي تفسيره في ليالي القدر كما كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال السائل : أوما كان في الجمل تفسير؟ قال : بلى ، ولكنه إنما يأتي بالامر من الله تبارك وتعالى في ليالي القدر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى الاوصياء : افعل كذا وكذا لامر(١) قد كانوا علموه ، امروا كيف يعملون فيه ، قلت : فسر لي هذا ، قال : لم يمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا حافظا لجملة العلم وتفسيره ، قلت : فالذي كان يأتيه في ليالي القدر علم ما هو؟ قال : الامر واليسر فيما كان قد علم.

قال السائل : فما يحدث لهم في ليالي القدر علم سوى ما علموا؟ قال : هذا مما امروا بكتمانه ولا يعلم تفسير ما سألت عنه إلا الله عزوجل ، قال السائل : فهل يعلم الاوصياء ما لم يعلم الانبياء(٢)؟ قال : لا ، وكيف يعلم وصي غير علم ما أوصى إليه؟

قال السائل : فهل يسعنا أن نقول : إن أحدا من الاوصياء يعلم ما لا يعلم الآخر؟ قال : لا ، لم يمت نبي إلا وعلمه في جوف وصيه ، وإنما تنزل الملائكة والروح في ليلة القدر بالحكم الذي يحكم به بين العباد.

قال السائل : وما كانوا علموا ذلك الحكم؟ قال : بلى قد علموه ، ولكنهم

____________________

(١) الامر.خ ل.

(٢) في المصدر : ما لا يعلم الانبياء؟

٨١

لا يستطيعون إمضاء شئ منه حتى يؤمروا في ليالي القدر كيف يصنعون إلى السنة المقبلة قال السائل : يا أبا جعفر لا أستطيع إنكار هذا.قال أبوجعفر عليه‌السلام : من أنكره فليس منا.

قال السائل : يابا جعفر أرأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هل كان يأتيه في ليالي القدر شئ لم يكن علمه؟ قال : لا يحل لك أن تسألني(١) عن هذا ، أما علم ما كان وما سيكون فليس يموت نبي ولا وصي إلا والوصي الذي بعده يعلمه ، أما هذا العلم الذي تسأل عنه فإن الله عز وعلا أبى أن يطلع الاوصياء عليه إلا أنفسهم.

قال السائل : يابن رسول الله كيف أعرف إن ليلة القدر تكون في كل سنة؟ قال : إذا أتى شهر رمضان فاقرأ سورة الدخان في كل ليلة مائة مرة ، فإذا أنت ليلة ثلاث وعشرين فإنك ناظر إلى تصديق الذي سألت عنه(٢).

وقال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : لما يزور(٣) من بعثه الله عزوجل للشقاء على أهل الضلالة من أجناد الشياطين وأرواحهم أكثر مما أن يزور(٤) خليفة الله الذي بعثه للعدل والصواب من الملائكة ، قيل : يابا جعفر وكيف يكون شئ أكثر من الملائكة؟ قال : كما شاء الله عزوجل.

قال السائل : ياباجعفر إني لو حدثت بعض الشيعة بهذا الحديث لانكروه قال : كيف ينكرونه؟ قال : يقولون : إن الملائكة عليهم‌السلام أكثر من الشياطين ، قال : صدقت افهم عني ما أقول ، إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا وجميع الجن والشياطين تزور أئمة الضلالة ويزور إمام الهدى عددهم من الملائكة حتى إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة إلى ولي الامر خلق الله ، أو قال : قيض الله عزوجل من الشياطين بعددهم ثم زاروا ولي الضلالة فأتوه بالافك والكذب حتى لعله يصبح فيقول : رأيت كذا

____________________

(١) في المصدر : أن تسأل.

(٢) اصول الكافى ١ : ٢٤٩ و ٢٥١ و ٢٥٢.

(٣) في نسخة : [ لما ترون ] وهو الموجود في المصدر. وفى اخرى : ما تزور.

(٤) في نسخة : [ مما ترون ] وهو الموجود في المصدر.

٨٢

وكذا ، فلو سأل ولي الامر عن ذلك لقان : رأيت شيطانا أخبرك بكذا وكذا حتى يفسر له تفسيرها(١) ويعلمه الضلالة التى هو عليها.

وأيم الله إن من صدق بليلة القدر لعلم(٢) أنها لنا خاصة لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي صلوات الله عليه حين دنا موته : هذا وليكم من بعدي فان أطمعتموه رشدتم » ولكن من لا يؤمن بما في ليلة القدر منكر ومن آمن بليلة القدر ممن على غير رأينا فإنه لا يسعه في الصدق إلا أن يقول : إنها لنا ، ومن لم يقل فإنه كاذب ، إن الله عزوجل أعظم من أن ينزل الامر مع الروح والملائكة إلى كافر فاسق.

فإن قال : إنه ينزل إلى الخليفة الذي هو عليها فليس قولهم ذلك بشئ ، و إن قالوا : إنه ليس ينزل إلى أحد فلا يكون أن ينزل شئ إلى غير شئ ، وإن قالوا وسيقولون : ليس هذا بشئ ، فقد ضلوا ضلالا بعيدا(٣).

بيان : الاعتجار : التنقب ببعض العمامة. ويقال : قيض الله فلانا بفلان ، أي أي جآء به وأتاحه له.قوله : يا با جعفر ، أي ثم التفت إلى أبي وقال : ياباجعفر قوله : بأمر تضمر لي غيره ، أي لا تخبرني بشئ يكون في علمك شئ آخر يلزمك لاجله القول بخلاف ما أخبرت ، كما في أكثر علوم أهل الضلال ، فإنه يلزمهم أشياء لا يقولون بها ، أو المعنى أخبرني بعلم يقيني لا يكون عندك احتمال خلافه ، فقوله عليه‌السلام : علمان اي احتمالان متناقضان ، أو المراد به لا تكتم عني شيئا من الاسرار ، فقوله عليه‌السلام : إنما يفعل ذلك ، أي في غير مقام التقية ، وهو بعيد.

ويقال : تهلل وجهه أي استنار وظهرت عليه أمارات السرور. أن علم ما لا اختلاف فيه : العلم مصدر مضاف إلى المفعول ، ومن في قوله : من العلم : إما للبيان ، والعلم بمعنى المعلوم ، أو للتبعيض.قوله : كما كان رسول الله (ص) يعلمه ، أي بعض علومهم

____________________

(١) تفسيرا.خ ل.

(٢) في المصدر : ليعلم.

(٣) اصول الكافى ١ : ٢٥٢ و ٢٥٣.

٨٣

كذلك. وفد إليه وعليه : قدم وورد.

قوله عليه‌السلام : فضحك أبي ، لعل الضحك كان لهذا النوع من السؤال الذي ظاهره إرادة الامتحان تجاهلا مع علمه بأنه عارف بحاله ، أو لعده المسألة صعبة وليست عنده عليه‌السلام كذلك وحاصل الجواب أن ظهور هذا العلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دائما في محل المنع فإنه كان في سنين من أول بعثته مكتتما إلا عن أهله لخوف عدم قبول الخلق منه حتى أمر بإعلانه ، فكذلك الائمة عليهم‌السلام يكتمون عمن لا يقبل منهم حتى يؤمروا بإعلانه في زمن القائم عليه‌السلام.

ويقال : صدع بالحق ، أي تكلم به جهارا ، وأعرض عن المشركين ، أي لا تلتفت إلى ما يقولون من استهزاء وغيره ، في الطاعة أي طاعة الامة أو طاعة الله.

قوله : ثم أخرج ، أي إلياس عليه‌السلام ، سيفا ثم قال : ها ، وهو حرف تنبيه ، أو بمعنى خذ ، إن هذا منها ، أي من تلك السيوف الشاهرة في زمانه عليه‌السلام ، لان إلياس من أعوانه ، ولعل رد الاعتجار لانه مأمور بأن لا يراه أحد بعد المعرفة الظاهرة.

قوله : قوة لاصحابك ، أي بعد أن تخبرهم به أنت أو أولادك المعصومون.قوله : إن خاصموا بها ، أي أصحابك أهل الخلاف فلجوا ، أي ظفروا وغلبوا.

ثم علم أن حاصل هذا الاستدلال هو أنه قد ثبت أن الله سبحانه أنزل القرآن في ليلة القدر على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنه كان ينزل الملائكة والروح فيها من كل أمر ببيان وتأويل سنة فسنة ، كما يدل عليه فعل المستقبل الدال على التجدد الاستمراري فنقول : هل كان لرسول الله طريق إلى العلم الذي يحتاج إليه الامة سوى ما يأتيه من السماء من عند الله سبحانه إما في ليلة القدر أو في غيرها أم لا ، والاول باطل لقوله تعالى : « إن هو إلا وحي يوحى » (١) فثبت الثاني ، ثم نقول : فهل يجوز أن لا يظهر هذا العلم الذي يحتاج إليه الامة ، أم لابد من ظهوره لهم؟ والاول باطل لانه إنما يوحى إليه ليبلغ إليهم ويهديهم إلى الله عزوجل ، فثبت الثاني ، ثم نقول : فهل

____________________

(١) النجم : ٤.

٨٤

لذلك العلم النازل من السماء من عند الله إلى الرسول اختلاف بأن يحكم في أمر في زمان بحكم ، ثم يحكم في ذلك الامر بعينه في ذلك الزمان بعينه بحكم آخر أم لا؟ والاول باطل ، لان الحكم إنما هو من عند الله عزوجل وهو متعال عن ذلك ، كما قال تعالى : « ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا » (١).

ثم نقول : فمن حكم بحكم فيه اختلاف كالاجتهادات المتناقضة هل وافق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في فعله ذلك أم خالفه؟ والاول باطل ، لانه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن في حكمه اختلاف ، فثبت الثاني.

ثم نقول : فمن لم يكن في حكمه اختلاف فهل له طريق إلى الحكم من غير جهة الله : إما بغير واسطة أو بواسطة ، ومن دون أن يعلم تأويل المتشابه الذي بسببه يقع الاختلاف أم لا؟ والاول باطل ، فثبت الثاني ، ثم نقول : فهل يعلم تأويل المتشابه إلا الله والراسخون في العلم : الذين ليس في علمهم اختلاف أم لا ، والاول باطل لقوله تعالى : « وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم » (٢)

ثم نقول : فرسول الله الذي هو من الراسخين هل مات وذهب بعلمه ذلك ولم يبلغ طريق علمه بالمتشابه إلى خليفته أم بلغه؟ والاول باطل لانه لو فعل ذلك فقد ضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده ، فثبت الثاني.

ثم نقول : فهل خليفته من بعد كسائر آحاد الناس يجوز عليه الخطاء والاختلاف في العلم أم هو مؤيد من عند الله يحكم بحكم رسول الله (ص) بأن يأتيه الملك فيحدثه من غير وحي ورؤية أو ما يجري مجرى ذلك ، وهو مثله إلا في النبوة؟ والاول باطل لعدم إغنائه حينئذ ، لان من يجوز عليه الاختلاف لا يؤمن عليه الاختلاف في الحكم ويلزم التضييع من ذلك أيضا ، فثبت الثاني.

____________________

(١) النساء : ٨٧.

(٢) آل عمران : ٩.

٨٥

فلا بد من خليفة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله راسخ في العلم عالم بتأويل المتشابه ، مؤيد من عند الله ، لا يجوز عليه الخطاء ولا الاختلاف في العلم يكون حجة على العباد وهو المطلوب ، هذا إن جعلنا الكل دليلا واحدا ، ويحتمل أن يكون دلائل كما سنشير إليه ولعله أظهر.

قوله عليه‌السلام : أو يأتيه ، معطوف على « يعلمه » فينسحب عليه النفي ، والمعنى هل له علم من غير تينك الجهتين كما عرفت.قوله : فقد نقضوا أول كلامهم حيث قالوا : لا اختلاف فيما أظهر رسول الله من علم الله ، فهذا يقتضي أن لا يكون في علم من لا يخالفه في العلم أيضا اختلاف ، وبهذا يتم دليل على وجود الامام ، لان من ليس في علمه اختلاف ليس إلا المعصوم المؤيد من عند الله تعالى.

قوله : فقل لهم ما يعلم تأويله ، هذا إما دليل آخر سوى مناقضة كلامهم ، على أنهم خالفوا رسول الله ، أو على أصل المدعى ، أي إثبات الامام.

قوله عليه‌السلام : فقال من لا يختلف في علمه ، لعله استدل عليه‌السلام على ذلك بمدلول لفظ الرسوخ ، فإنه بمعنى الثبوت ، والمتزلزل في علمه المنتقل عنه إلى غيره ليس بثابت فيه.

قوله عليه‌السلام : فإن قالوا لك : إن علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان من القرآن ، لعل هذا إيراد على الحجة ، تقريره أن علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعله كان من القرآن فقط وليس مما يتجدد في ليلة القدر شئ ، فأجاب عليه‌السلام بأن الله تعالى يقول : « فيها يفرق كل أمر حكيم » (١).

فهذه الآية تدل على تجدد الفرق والارسال في تلك الليلة المباركة بانزال الملائكة والروح فيها من السماء إلى الارض دائما ، ولابد من وجود من يرسل إليه الامر دائما.

ثم قوله : فإن قالوا لك.سؤال آخر ، تقريره أنه يلزم مما ذكرتم جواز إرسال

____________________

(١) الدخان : ٤.

٨٦

الملائكة إلى غير النبي ، مع أنه لا يجوز ذلك ، فأجاب عنه بالمعارضة بمدلول الاية التي لا مرد لها.

وقوله عليه‌السلام : وأهل الارض ، جملة حالية ، قوله : فهل لهم بد ، لعله مؤيد للدليل السابق بأنه كما أنه لابد من مؤيد ينزل إليه في ليلة القدر ، فكذلك لابد من سيد يتحاكم العباد إليه ، فإن العقل يحكم بأن الفساد والنزاع بين الخلق لا يرتفع إلا به ، فهذا مؤيد لنزول الملائكة والروح على رجل ليعلم ما يفصل به بين العباد ويحتمل أن يكون استيناف دليل آخر على وجود الامام.

فإن قالوا : فإن الخليفة التي في كل عصر هو حكمهم ، بالتحريك ، فقل : إذا لم يكن الخليفة مؤيدا معصوما محفوظا من الخطاء فكيف يخرجه الله ويخرج به عباده من الظلمات إلى النور؟ وقد قال سبحانه : « الله ولي الذين آمنوا(١) » الاية.

والحاصل أن من لم يكن عالما بجميع الاحكام وكان ممن يجوز عليه الخطاء فهوا أيضا محتاج إلى خليفة آخر لرفع جهله والنزاع الناشي بينه وبين غيره.

وأقول : يمكن أن يكون الاستدلال بالاية من جهة أنه تعالى نسب إخراج المؤمنين من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم إلى نفسه ، فلابد من أن يكون من يهديهم منصوبا من قبل الله تعالى مؤيدا من عنده ، والمنصوب من قبل الناس طاغوت يخرجهم من النور إلى الظلمات ، لعمري ، بالفتح قسم بالحياة ، إلا وهو مؤيد ، لقوله تعالى : « يخرجهم » (٢) ولما مر أنه لو لم يكن كذلك كان محتاجا إلى إمام آخر كذلك ، لابد من وال : أي من يلي الامر ويتلقاه من الملائكة والروح.

فإن قالوا : لا نعرف هذا ، أي الوالي ، أو الاستدلال المذكور نظير قوله تعالى : قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول » (٣) وقولوا ما أحببتم نظير قوله تعالى : « اعملوا ما شئتم(٤) » وقوله : تمتعوا قليلا « (٥) قوله ثم وقف : اي ترك أبي الكلام فقال ، أي

____________________

(١ و ٢) البقرة : ٢٥٧.

(٣) هود : ١٩.(٤) فصلت : ٤٠.

(٥) المرسلات ٤٦.

٨٧

إلياس عليه‌السلام أو ضمير « وقف » أيضا لالياس ، أي قام تعظيما. باب غامض ، أي شبهة مشكلة استشكلها المخالفون لقول عمر « حسبنا كتاب الله وقيل الغامض بمعنى السائر المشهور من قولهم : غمض في الارض ، أي ذهب وسار. إن القرآن ليس بناطق ، أي ليس القرآن بحيث يفهم منه الاحكام كل من نظر فيه ، فإن كثيرا من الاحكام ليست في ظاهر القرآن ، وما فيه أيضا تختلف فيه الامة وفي فهمه ، فظهر أن القرآن إنما يفهمه الامام ، وهو دليل له على معرفة الاحكام.

أو المراد أن القرآن لا يكفي لسياسة الامة ، وإن سلم أنهم يفهمون معاينه بل لابد من آمر وناه وزاجر يحملهم على العمل بالقرآن ويكون معصوما عاملا بجميع ما فيه فقوله عليه‌السلام : وأقول : قد عرضت ، مشيرا إلى ما ذكرنا أولا دليل آخر ، والحكم الذي ليس فيه اختلاف ضروريات الدين أو السنة المتواترة أو ما أجمعت عليه الامة وليست في القرآن ، أي في ظاهره الذي يفهمه الناس وإن كان في باطنه ما يفهمه الامام عليه‌السلام.

قوله ثم وقف أي أبوجعفر عليه‌السلام ، فقال أي إلياس ، قوله : أن تظهر أي الفتنة وهو مفعول « أبى » وقوله : وليس في حكمه ، جملة حالية ، والضمير في « حكمه » راجع إلى الله ، قوله : « في الارض » أي في غير أنفسهم كالمال أو في أنفسهم كالدين أو القصاص إلا أن يفتري خصمكم : أي يكابر بعد إتمام الحجة معاندة أو مانعا للطف أو اشتراط التكليف بالعلم.

قوله : قال في أبي فلان وأصحابه ، أقول : يحتمل وجوها :

الاول : ما خطر ببالي وهو أن الآية نزلت في أبي بكر وأصحابه ، أي عمر وعثمان ، والخطاب معهم ، فقوله : « لكيلا تأسوا على ما فاتكم » أي لا تحزنوا على ما فاتكم من النص والتعيين للخلافة والامامة ، وخص علي عليه‌السلام به حيث نص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عليه بالخلافة ، وحرمكم عنها ، ولا تفرحوا بما آتاكم من الخلافة الظاهرية بعد رسول الله (ص) ، اي مكنكم من غصبها من مستحقها ولم يجبركم على ترك ذلك ، واحدة مقدمة ، أي قوله : « لا تأسوا » إشارة إلى قضية متقدمة ، وهي النص

٨٨

بالخلافة في حياة الرسول عليه‌السلام ، وواحدة مؤخرة ، أي قوله : « ولا تفرحوا » إشارة إلى واقعة مؤخرة وهي غصب الخلافة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولا يخفى شدة انطباق هذا التأويل على الاية حيث قال : « ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها » (١) أي ما يحدث مصيبة وقضية في الارض وفي أنفسكم إلا وقد كتبناها ، والحكم المتعلق بها في كتاب من قبل أن نخلق المصيبة أو الانفس ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم من الخلافة وتعلموا أن الخلافة لا يستحقها إلا من ينزل عليه الملائكة والروح بالوقايع والاحكام المكتوبة في ذلك الكتاب ، ولا تفرحوا بما تيسر لكم من الخلافة وتعلموا أنكم لا تستحقونه وأنه غصب وسيصيبكم وباله.

فظهر أن ما ذكره الباقر عليه‌السلام قبل ذلك السؤال أيضا كان إشارة إلى تأويل صدر تلك الآية ، فلذا سأل الياس عليه‌السلام عن تتمة الاية ، ويحتمل وجها آخر مع قطع النظر عما أشار عليه‌السلام إليه أولا بأنا قدرنا المصائب الواردة على الانفس قبل خلقها وقدرنا الثواب على من وقعت عليه والعقاب على من تسبب لها لكيلا تأسوا على ما فاتكم وتعلموا أنها لم تكن مقدرة لكم ، فلذا لم يعطكم الرسول (ص) ، ولا تفرحوا بما آتاكم للعقاب المترتب عليه.

الثانى : ما أفاده الوالد العلامة قدس الله روحه ، وهو أن السؤال عن هذه الآية لبيان أنه لا يعلم علم القرآن غير الحكم ، إذ كل من يسمع تلك الاية يتبادر إلى ذهنه أن الخطابين لواحد لاجتماعهما في محل واحد والحال أن الخطاب في قوله : « لكيلا تأسوا » لعلي عليه‌السلام لما فاته من الخلافة ، وفي قوله « ولا تفرحوا » لابي بكر وأصحابه لما غصبوا من الخلافة ، فقوله : واحدة مقدمة وواحدة مؤخرة لبيان اتصالهما وانتظامهما في آية واحدة ، فلذا قال الرجل : أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه حيث تعلمون بطون الايات وتأويلاتها وأسرارها.

الثالث : ما ذكره المولى محمد أمين الاسترابادي رحمه‌الله حيث قال : « لا تأسوا »

____________________

(١) الحديد : ٢٢.

٨٩

خطاب مع أهل البيت عليهم‌السلام ، أي لا تحزنوا على مصيبتكم للذي فات عنكم « ولا تفرحوا » خطاب مع المخالفين ، أي لا تفرحوا بالخلافة التي أعطاكم الله إياها بسبب سوء اختياركم وإحدى الآيتين مقدمة والاخرى مؤخرة ، فاجتمعتا في مكان واحد في تأليف عثمان.

الرابع : ما قيل : إن قوله : « لكيلا تأسوا على ما فاتكم » خطاب للشيعة حيث فاتهم خلافة علي عليه‌السلام.

« ولا تفرحوا بما آتاكم » خطاب لمخالفيهم حيث أصابتهم الخلافة المغصوبة ، و إحدى القضيتين مقدمة على الاخرى.

اقول : إذا تأملت في تلك الوجوه لا يخفى عليك حسن ما ذكرنا أولا وشدة انطباقه على الاية والخبر أولا وآخرا ، والله يعلم حقائق أخبار حججه عليهم‌السلام.

قوله عليه‌السلام : إذا استضحك ، كأنه مبالغة في الضحك ، ويقال : اغرورقت عيناه أي دمعتا كأنهما غرقتا في دمعهما.

قوله عليه‌السلام : هل رأيت الملائكة ، إشارة إلى تتمة الاية إذ هي هكذا : « إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون » فيظهر منه أنه عليه‌السلام فسر الآية بأن هذا الخطاب من الملائكة سيكون في الدنيا بحيث يسمعون كلامهم ، وذهب جماعة إلى أن الخطاب في الدنيا وهم لا يسمعون ، أو عند الموت وهم يسمعون ، وما ذكره عليه‌السلام ألصق بالآية فالمراد بالاستقامة الاستقامة على الحق في جميع الاقوال والافعال وهو ملزوم العصمة.

قوله عليه‌السلام : صدقت ، أي في قولك : إنما المؤمنون إخوة ، لكن لا ينفعك إذ الاخوة لا يستلزم الاشتراك في جميع الكمالات ، أو قال ذلك على سبيل المماشاة والتسليم أو على التهكم ، وإنما ضحك عليه‌السلام لوهن كلامه وعدم استقامته.

قوله عليه‌السلام : وابعث به إلى ذوي عدل ، لعل ذلك للارش ، وقد قال ابن إدريس وبعض أصحابنا فيه بالارش والاختلاف الذي ألزمه عليه‌السلام عليه إما بين قوله : صالحه ، وقوله : وابعث ، لتنافيهما ، أو بينهما وبين قوله : أعطه دية كفه ، أو لاختلاف تقويم المقومين ، فلا يبتني عليه حكم الله وفيه شئ ، أو المراد بالاختلاف

٩٠

الحكم بالظن الذي يزول بظن آخر كما مر.

قوله : اقطع قاطع الكف ، عمل به أكثر أصحابنا وإن ضعف الخبر عندهم.

قوله : فلذلك عمي بصري ، هذا اعتراف منه كما يدل عليه ما سيأتي ، لا استفهام إنكار كما يترآى من ظاهره ، ثم بعد اعترافه قال له عليه‌السلام : وما علمك بذلك؟ وقول فوالله ، من كلام الباقر عليه‌السلام ، وقائل : « فاستضحك » أيضا الباقر عليه‌السلام ، وقوله : ما تكلمت بصدق ، إشارة إلى اعترافه.

ثم لما استبعد ابن عباس في اليوم السابق علمه عليه‌السلام بتلك الواقعة ذكر عليه‌السلام تفصيلها بقوله : قال لك علي بن أبي طالب ، ليظهر لابن عباس علمه بتفاصيل تلك الواقعة ، قوله : تتبدا لك الملك ، يمكن أن يكون المراد ظهور كلامه له ، وعلى التقديرين لعله باعجاز أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال أي الملك : رأت عيناي ما حدثك به على عليه‌السلام من نزول الملائكة ، لاني من جملة الملائكة النازلين عليه ، ولم تره عينا علي لانه محدث ولا يرى الملك في وقت إلقاء الحكم.

وقر في سمعه كوعد ، أي سكن وثبت ، ثم صفقك أي الملك وهو كلام الباقر عليه‌السلام ، والصفقة : الضربة يسمع لها صوت قوله : ما اختلفنا في شئ ، لعل غرضه أن الله يعلم المحق منا والمبطل ، تعريضا بأنه محق ، أو غرضه الرجوع إلى القرآن في الاحكام ، فأجاب عليه‌السلام بأنه لا ينفع لرفع الاختلاف ، وكان هذه المناظرة بين الباقر عليه‌السلام وابن عباس في صغره وفي حياة أبيه عليهما‌السلام إذ ولادته عليه‌السلام كانت في سنة سبع وخمسين ، ووفاة ابن عباس سنة ثمان وستين ، ووفاة سيد الساجدين عليه‌السلام سنة خمس وتسعين.

قوله عليه‌السلام : والمحكم ليس بشيئين ، الحكيم فعيل بمعنى مفعول ، أي المعلوم اليقيني ، من حكمه كنصره : إذا أتقنه كأحكمه والمراد بشيئين أمران متنافيان(١) كما يكون في المظنونات ، والمراد بالعلم الخاص العلوم اللدينة(٢) من المعارف

____________________

(١) في النسخة المصححة : امران متباينان.

(٢) في النسخة المصححة : من العلوم الدينية.

٩١

الالهية ، وبالمكنون العجيب المغيبات البدائية ، أسرار القضاء والقدر كما سيأتى إنشاء الله.

قوله : فقد رضيه ، إما تفسير للاذن بالرضا ، أو هو لبيان أن من ينزلون عليه هو مرضي لله ، يسلم عليك ، التخصيص على المثال ، أو لانه كان مصداقه في زمان نزول الاية.

قوله عليه‌السلام : فهذه فتنة ، أقول : في الاية قراءتان : إحداهما « لاتصيبن » وهي المشهورة ، والاخرى « لتصيبن » باللام المفتوحة ، وقال الطبرسي هي قراءة أمير المؤمنين عليه‌السلام وزيد بن ثابت وأبوجعفر الباقر عليه‌السلام وغيرهم(١) فعلى الاول قيل : إنه جواب الامر على معنى إن أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة ، وقيل : صفة لفتنة و « لا » للنفي أو للنهي على إرادة القول ، وقيل : جواب قسم محذوف ، وقيل إنه نهي بعد الامر باتقاء الذنب عن التعرض للظلم ، فإن وباله يصيب الظالم خاصة وقيل كلمة « لا » زائدة ، وقيل إن أصلها « لتصيبن » فزيد الالف للاشباع ، وعلى القراءة الثانية جواب القسم.

فما ذكره عليه‌السلام شديد الانطباق على القراءة الثاينة ، وكذا ينطبق على بعض محتملات القراءة الاولى ككونه نهيا أو « لا » زائدة أو مشبعة ، وأما على سائر المحتملات فيمكن أن يقال إنه لما ظهر من الاية انقسام الفتنة إلى ما يصيب الظالمين خاصة وما يعمهم وغيرهم فسر عليه‌السلام الاولى بما أصاب الثلاثة الغاصبين للخلافة وأتباعهم الذين أنكروا كون ليلة القدر بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ووجود إمام بعده تنزل الملائكة والروح على أحد بعده.

وأيده بآية اخرى نزلت في الذين فروا يوم احد مرتدين على أعقابهم ، وهم الذين غصبوا الخلافة بعده وأنكروا الامامة جهارا ، وأما الفتنة العامة فهي التي شملت عامة الخلق من اشتباه الامر عليهم وتمسكهم بالبيعة الباطلة والاجماع المفترى

____________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٥٣٢.

٩٢

والتحذير إنما هو عن هذه الفتنة.

قوله عليه‌السلام(١) : وإنها لسيدة دينكم ، أي الحجة القوية التي ترجعون إليها في أمر دينكم وإنها لغاية علمنا ، أي دالة على غاية علمنا ، قوله : فإنها ، أي الآيات لولاة الامر أي الائمة عليهم‌السلام وفي شأنهم ، والانزال إنما هو عليهم بعده والانذار بهم.

ثم استشهد عليه‌السلام بقوله : « وإن من امة » حيث يدل على وجود المنذر في كل عصر من الماضين فكيف لا يكون في الاعصار بعده نذير؟ والنبي (ص) لم يكف لانذار من بعده بدون نائب يبلغ عنه ، كما أنه في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث قوما لانذار من بعد عنه ، والفرق بين بعثته في حال الحياة والمنذر بعد الوفاة أن في الاول لم يشترط العصمة بخلاف الثاني ، لانه إن ظهر منهم فسق في حياته كان يمكنه عزلهم ، بخلاف ما بعد الوفاه.

قوله : من البعثة ، هي بالتحريك ، أي المبعوثين. وإبان الشئ بكسر الهمزة و تشديد الباء حينه أو أوله.قوله فقد رد على الله عزوجل علمه ، أي معلومه ، وهو ما يعلمه من نزول العلوم فيها على الاوصيآء ، أو علمه الذي أهبطه على أوليائه ، لان علم الله في الامور المتجددة في كل سنة لابد أن ينزل في ليلة القدر إلى الارض ليكون حجة على الانبياء والمحدثين لنبوتهم وولايتهم فالراد لليلة القدر هو الراد على الله علمه الجاحد أن يكون علمه في الارض

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فلا شك ، أي في نزول جبرئيل عليهم ، وإنما أبهم عليه‌السلام الامر في الاوصيآء إما للتقية أو لقصور عقل السائل ، لئلا يتوهم النبوة فيهم.قوله : ووصفه أي وصف الامر لوصيه. وفي نسخ الكافي : « ووضع » على بناء المعلوم أو المجهول ، أي وضع الله وقرر نزول الامر لوصيه ، وربما يقرأ : « ووضع » بالتنوين عوضا عن المضاف إليه عطفا على الامر.قوله عليه‌السلام : أستخلفكم بصيغة المتكلم بعلمي أي لحفظه.

____________________

(١) في الحديث المتقدم تحت رقم : ٦٢.

٩٣

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يعبدونني بايمان ، كأنه عليه‌السلام فسر الشرك باعتقاد النبوة في الخليفة ، فمن قال غير ذلك : هذا تفسير لقوله : ومن كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون » يعني ومن كفر بهذا الوعد بأن قال : مثل هذا الخليفة لا يكون إلا نبيا ، ولا نبي بعد محمد فالوعد غير صادق ، أو كفر بالموعود بأن قال إذا ظهر أمره : هذا نبي ، أو قال : ليس بخليفة لانكار العامة المرتبة المتوسطة بين النبوة وآحاد الرعية.

فقد مكن ، إشارة إلى قوله : « ليمكنن لهم » فهذا يشمل جميعهم ، وقوله : « وليبدلنهم » إشارة إلى غلبتهم في زمان القائم عليه‌السلام.فظاهر ، أي في كل زمان ، و أما إبان أجلنا ، أي تبديل الامن بالخوف.

قوله : وكان الامر ، أي الدين واحدا لا اختلاف فيه.قوله عليه‌السلام : ولذلك إي لعدم الاختلاف جعلهم شهداء لان شهادة بعضهم على بعض بالحقية لا يكون إلا مع التوافق ، وكذا على غيرهم لا يتأتى إلا مع ذلك إذ الاختلاف في الشهادة موجب لرد الحكم ، ويحتمل أن يكون المراد بالمؤمنين الائمة عليهم‌السلام ، أي حكم الله حكما حتما أن لا يكون بين أئمة المسلمين اختلاف ، وأن يكونوا مؤيدين من عنده تعالى ولكونهم كذلك جعلهم شهداء على الناس ، قوله : لمن علم ، أي كون الدفع لكمال عذاب الآخرة وشدته ، إنما هو لمن علم أنه لا يتوب ، وأما من علم أنه يتوب فإنما يدفع عنه لعلمه بأنه يتوب.قوله(١) عليه‌السلام : والجوار ، أي المحافظة على الذمة والامان ، أو رعاية حق المجاورين في المنزل ، أو مطلق المجاورين والمعاشرين والتقية منهم وحسن المعاشرة معهم ، والصبر على أذاهم.

قوله عليه‌السلام : الامر واليسر ، لعل المراد أنه كان يعلم العلوم على الوجه الكلي الذي يمكنه استنباط الجزئيات منه ، وإنما يأتيه في ليلة القدر تفصيل أفراد تلك الكليات لمزيد التوضيح ولتسهيل الامر عليه في استعلام الجزئيات ، ثم ذكر عليه‌السلام بعد ذلك فائدة اخرى لنزول ليلة القدر وهي أن إخبار ما يلزمهم إخباره وإمضاء ما امروا به من التكاليف موقوف على تكرير الاعلام في ليلة القدر ، ويحتمل أن يكون المراد

____________________

(١) في الحديث المتقدم تحت رقم : ٦٨.

٩٤

بالجمل ما يقبل البداء من الامور ، وبالتفسير والتفصيل تعيين ما هو محتوم وما يقبل البداء كما يظهر من سائر الاخبار ، ولما كان علم البداء غامضا وفهمه مشكلا أبهم عليه‌السلام على السائل ولم يوضحه له.فقوله : هذا مما امروا بكتمان أمر البداء من غير أهله لقصور فهمهم. أو أنهم قبل أن يعين لهم الامور البدائية والمحتومة لا يجوز لهم الاخبار بها ، ولدا قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لولا آية في كتاب الله لاخبرت بما يكون إلى يوم القيامة ».

فقوله : لا يعلم تفسير ما سألت أي لا يعلم ما يكون محتوما وما ليس بمحتوم في السنة قبل نزول الملائكة والروح إلا الله ، وأما قوله عليه‌السلام : لا يحل لك ، فهو إما لقصوره عن فهم معنى البداء ، أو لان توضيح ما ينزل في ليلة القدر والعلم بخصوصياته مما لا يمكن لسائر الناس غير الاوصياء عليهم‌السلام الاحاطة به ، ويؤيد هذا قوله : فإن الله عزوجل أبي ، وعلى الاول يمكن تعميم الانفس على وجه يشمل خواص أصحابهم وأصحاب أسرارهم مجازا والحاصل أن توضيح أمر البداء وتفصيله لاكثر الخلق ينافي حكمة البداء وتعيينه ، إذ هذه الحكمة لا تحصل لهم إلا بجهلهم بأصله ليصير سببا لاتيانهم بالخيرات وتركهم الشرور ، كما أومأنا إليه في باب البداء أو بالعلم بكنه حقيقة ذلك وهذا العلم لا يتيسر لعامة الخلق ، ولذا منعوا الناس عن تعلم علم النجوم والتفكر في مسائل القضاء والقدر ، وهذا بين لمن تأمل فيه ، وأيضا الاحاطة بتفاصيل كيفيات ما ينزل في ليلة القدر وكنه حقيقتها إنما يتأتى بعد الاحاطة بغرائب أحوالهم وشؤنهم وهذا مما تعجز عنه عقول عامة الخلق ولو أحاطوا بشئ من ذلك لطاروا إلى درجة الغلو والارتفاع ولذا كانوا عليهم‌السلام يتقون من شيعتهم أكثر من مخالفيهم ويخفون أحوالهم وأسرارهم منهم خوفا من ذلك. ولذا قالوا عليهم‌السلام : « إن علمنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان ».

وفي بعض الاخبار : « لا يحتمله ملك مقرب » كما مر وسيأتى.

قوله : لما يزور كذا ينبغي ، وفي أكثر النسخ : « لما يرون » وهو تصحيف ، وكذا فيما سيأتي من قوله : « مما يزور خليفة الله » واللام موطئة للقسم ، والموصول مبتدء « وأكثر »

٩٥

خبره ، وفي هذا السؤال والجواب أيضا تشويش وإعضال ، ويمكن توجيههما بأن يكون ما يزور أئمة الضلال من الشياطين مع ما يخلق الله منهم في ليلة القدر أكثر من الملائكة النازلين على الامام ، وإن كان جميع الملائكة أكثر من الشياطين فيستقيم قوله عليه‌السلام : صدقت ، ويمكن حمل الكلام على جميع الملائكة ، وقوله : صدقت : على أن التصديق لقول الشيعة لا لقولهم ، وهذا أنسب بقوله : كما شاء الله ، لكنه مخالف للاخبار الدالة على أن الملائكة أكثر من سائر الخلق.

قوله : فلو سأل أي إمام الجور وولي الامر وهو المسؤل.

قوله : لقال أي ولي الامر ، وقوله : رأيت على صيغة الخطاب ، قوله : الذي هو عليها ، الظاهر أن المراد به خليفة الجور ، وضمير « عليها » راجع إلى الضلالة أو الخلافة ، وقيل : ضمير « عليها » راجع إلى خليفة الجور ، والمراد بالخليفة خليفة العدل ، ولا يخفى بعده وعلى الاول فالمراد بقوله : ليس بشئ أن بطلانه ظاهر لما تقدم ، وعلى الثاني المراد به أنه مخالف لمذهبهم ، وقوله : وسيقولون جملة حالية نظير قوله تعالى : « وإن لم تفعلوا ولن تفعلوا » (١) ليس هذا بشئ أي هذا الكلام الاخير أو سائر ما مر مباهتة وعنادا ، وقيل : أي إن قالوا لا ينزل إلى أحد فسيقولون بعد التنبيه إنه ليس بشئ ولا يخفى ما فيه.

أقول : وروى الشيخ شرف الدين رحمه‌الله في كتاب تأويل الآيات الباهرة باسناده عن محمد بن جمهور عن صفوان عن عبدالله بن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قوله عزوجل : « خير من ألف شهر » هو سلطان بني امية ، وقال : ليلة من إمام عدل خير من ألف شهر من ملك بني امية ، وقال : « تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم « أي من عند ربهم على محمد وآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكل أمر سلام » (٢).

____________________

(١) البقر : ٢٤.

(٢) كنز الفوائد : ٣٧٣ ( النسخة الرضوية ) وروى ايضا في ص ٤٧٥ باسناده عن محمد بن العباس رحمه‌الله عن احمد بن القاسم عن احمد بن محمد عن محمد بن خالد عن صفوان عن ابن مسكان عن ابى بصير عن ابى عبدالله عليه‌السلام في قوله عزوجل : « خير من ألف شهر « قال : من ملك بنى امية قال : وقوله : « تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم » اى من عند ربهم على محمد وآل محمد « بكل امر سلام ».

٩٦

٧٠ ـ وروى أيضا عن محمد بن جمهور عن موسى بن بكر عن زرارة عن حمران قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عما يفرق في ليلة القدر هل هو ما يقدر الله فيها؟ قال : لا توصف قدرة الله إلا أنه قال : « فيها يفرق كل أمر حكيم » فكيف يكون حكيما إلا ما فرق ، ولا توصف قدرة الله سبحانه لانه يحدث ما يشاء. وأما قوله : « ليلة القدر خير من ألف شهر » يعنى فاطمة عليها‌السلام ، وقوله : « تنزل الملائكة والروح فيها » و الملائكة في هذا الموضع المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد عليهم‌السلام : والروح روح القدس وهو في فاطمة عليها‌السلام « من أمركل سلام » يقول من كل أمر مسلمة « حتى مطلع الفجر » يعنى حتى يقوم القائم عليه‌السلام.

٧١ ـ قال : وفي هذا المعنى ما رواه الشيخ أبوجعفر الطوسي قدس الله روحه عن رجاله عن عبدالله بن عجلان السكوني قال : قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : بيت علي وفاطمة من حجرة رسول الله صلوات الله عليهم ، وسقف بيتهم عرش رب العالمين وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج الوحي والملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحا ومساء ، وفي كل ساعة وطرفة عين ، والملائكة لا ينقطع فوجهم ، فوج ينزل وفوج يصعد ، وإن الله تبارك وتعالى كشط لابراهيم عليه‌السلام عن السماوات حتى أبصر العرش وزاد الله في قوة ناظره ، وإن الله زاد في قوة ناظرة محمد وعلى فاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم وكانوا يبصرون العرش(١) ولا يجدون لبيوتهم سقفا غير العرش ، فبيوتهم مسقفة بعرش الرحمن ، ومعارج معراج الملائكة والروح فوج بعد فوج لا انقطاع لهم وما من بيت من بيوت الائمة منا إلا وفيه معراج الملائكة لقول الله : « تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم بكل أمر سلام » قال : قلت : من كل أمر؟ قال : بكل أمر قلت : هذا التنزيل؟ قال نعم(٢).

٧٢ ـ قال : وروي عن أبي ذر رضي‌الله‌عنه أنه قال : قلت : يا رسول الله ليلة

____________________

(١) إلى يبصرون ملكوت السماوات والارض او يدركون علوم الله تبارك وتعالى و معارفة وآياته.

(٢) كنز الفوائد : ٤٧٣ و ٤٧٤ ( النسخة الرضوية ).

٩٧

القدر شئ يكون على عهد الانبياء ينزل فيها عليهم الامر فأذا مضوا رفعت؟ قال : لا بل هي إلى يوم القيامة(١).

٧٣ ـ وجاء في حديث المعراج عن الباقر عليه‌السلام أنه قال : لما عرج بالنبي (ص) وعلمه الله سبحانه الاذان والاقامة والصلاة فلما صلى أمره سبحانه أن يقرأ في الركعة الاولى بالحمد والتوحيد ، وقال له : هذا نسبتي ، وفي الثانية بالحمد وسورة القدر وقال : يا محمد هذه(٢) نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة(٣).

٧٤ ـ وعن الصادق عليه‌السلام أنه قال : إنها(٤) باقية إلى يوم القيامة لانها لو رفعت لارتفع القرآن(٥).

بيان : قوله عليه‌السلام في الخبر الاول : بكل أمر سلام ، لعل تقديره لهم بكل أمر سلام ، أي يسلمون على الامام بسبب كل أمر ، أو مع كل أمر يفضون إليه ويحتمل أن يكون سلام متعلقا بما بعده ، ولم يذكر عليه‌السلام تتمة الاية اختصارا ، قوله عليه‌السلام : لا توصف قدرة الله ، لعله عليه‌السلام لم يبين كيفية التقدير للسائل لما ذكرنا في الخبر السابق من المصالح بل قال : ينبغي أن تعلم أن الامر المحكم المتقن الذي يفضي إلى الامام لا يكون إلا مفروقا مبينا واضحا غير ملتبس عليه ، ولكن مع ذلك لا ينافي احتمال البداء في

____________________

(١) كنز الفوائد : ٤٧٤ ( النسخة الرضوية ).

(٢) اى سورة القدر.

(٣) كنز الفوائد : ٤٧٥.

(٤) اى سورة القدر.

(٥) كنز الفوائد : ٤٧٤. واستدل مصنف الكنز لذلك بان فيها تنزيل الملائكة والروح بلفظ المستقبل ولم يقل : نزل ، بلفظ الماضى وذلك حق لانها لا تجئ لقوم دون قوم بل لسائر الخلق فلا بد من رجل تنزل عليه الملائكة والروح فيها بالامر المحتوم في ليلة القدر في كل سنة ولو لم يكن كذلك لم يكن بكل امر ، ففى زمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله كان هو المنزل عليه ، ومن بعده على اوصيائه اولهم امير المؤمنين وآخرهم القائم عليهم‌السلام وهو المنزل عليه إلى يوم القيامة لان الارض لا تخلو من حجة الله عليها وهو الحجة الباقية إلى يوم القيامة.

٩٨

تلك الامور أيضا ، لانه تعالى يحدث ما يشاء في أي وقت شاء ، أو المراد أن في تلك الليلة تفرق كل أمر محكم لا بداء فيه ، وأما سائر الامور فلله فيه البداء ، والحاصل أن في ليلة القدر يميز للامام عليه‌السلام بين الامور الحتمية والامور التي تحتمل البداء ليخبر بالامور الاولة حتما ، وبالامور الثانية على وجه إن ظهر خلافه لا ينسب إلى الكذب وسيأتي مزيد تحقيق لذلك.

وأما تأويله عليه‌السلام ليلة القدر بفاطمة عليها‌السلام فهذا بطن من بطون الآية وتشبيهها بالليلة إما لسترها وعفافها ، أو لما يغشاها من ظلمات الظلم والجور وتأويل الفجر بقيام القائم بالثاني أنسب فإنه عند ذلك يسفر الحق وتنجلي عنهم ظلمات الجور والظلم ، و عن أبصار الناس أغشية الشبه فيهم ، ويحتمل أن يكون طلوع الفجر إشارة إلى طلوع الفجر من جهة المغرب الذي هو من علامات ظهوره ، والمراد بالمؤمنون الائمة عليهم‌السلام وبين عليه‌السلام أنهم إنما سموا ملائكة لانهم يملكون علم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ويحفظونها ونزولهم فيها كناية عن حصولهم منها موافقا لما ورد في تأويل آية سورة الدخان أن الكتاب المبين أمير المؤمنين عليه‌السلام والليلة المباركة فاطمة عليها‌السلام « وفيها يفرق كل أمر حكيم » أي حكيم بعد حكيم وإمام بعد إمام.

وقوله : « من كل أمر سلام هي » على هذا التأويل هي مبتدأ ، وسلام خبره ، أي ذات سلامة ، ومن كل أمر متعلق بسلام ، أي لا يضرها وأولادها ظلم الظالمين ، ولا ينقص من درجاتهم المعنوية شيئا ، أو العصمة محفوظة فيهم فهم معصومون من الذنوب والخطاء والزلل إلى أن تظهر دولتهم ويتبين لجميع الناس فضلهم.

٩٩

٤

باب

*(احوالهم عليهم‌السلام في السن)*

١ ـ ير : علي بن إسماعيل عن محمد بن عمر عن علي بن أسباط قال : رأيت أبا ـ جعفر عليه‌السلام قد خرج علي فأحددت(١) النظر إليه وإلى رأسه وإلى رجله لاصف قامته لاصحابنا بمصر فخر ساجدا وقال : إن الله احتج في الامامة بمثل ما احتج في النبوة قال الله تعالى : « وآتيناه الحكم صبيا(٢) » وقال الله : « ولما بلغ أشده(٣) » وبلغ أربعين سنة « (٤) فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي ، ويجوز أن يؤتى وهو ابن أربعين سنة(٥).

بيان : في الكافي بعد قوله : بمصر : فبينا أنا كذلك حتى قعد(٦) فقال : يا علي إن الله الخ(٧).

ثم اعلم أن قوله : « ولما بلغ أشده(٨) » الخ.لا يطابق ما في المصاحف ، فإن مثله في القرآن في ثلاث مواضع : أحدها في سورة يوسف : ولما بلغ أشده آتيناه

____________________

(١) احد اليه النظر : بالغ في النظر اليه.

(٢) مريم : ١٢.

(٣) يوسف : ٢٢.

(٤) الاحقاف : ١٤.

(٥) بصائر الدرجات : ٦٥.

(٦) في نسخة : حتى بعد.

(٧) اصول الكافى : ١ : ٣٨٤ فيه [ فجعلت انظر إلى رأسه والى رجليه ] وفيه : [ ما احتج به في النبوة ] وفيه يؤتاها ابن اربعين سنة.

(٨) مجموعها ليست آية واحدة بل هما آيتان ذكر عليه‌السلام من كل جزءا.

١٠٠