الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٩
يحبه الله أعظم من ثلاثة : صلوة ليلة شديدة البرد ، وصوم يوم شديد الحر ، وصدقة بيمينك لا تعلم بها شمالك ، إلى آخر ما مر من خبر فوته رضياللهعنه.
١٤ ـ ضه : روي أن سعد بن أبي وقاص دخل على سلمان الفارسي يعوده فبكى سلمان فقال له سعد : ما يبكيك يابا عبدالله؟ توفي رسول الله وهو عنك راض وترد عليه الحوض ، فقال سلمان : أما إني لا أبكي جزعا من الموت ، ولا حرصا على الدنيا ، ولكن رسول الله صلىاللهعليهوآله عهد إلينا فقال : ليكن بلغة أحدكم كزاد الراكب ، وحولي هذه الاوساد ، وإنما حوله إجانة وجفنة ومطهرة(١).
بيان : قال في النهاية : في حديث سلمان : دخل عليه سعد يعوده فجعل يبكي ويقول : لا أبكي جزعا من الموت ، أو حزنا على الدنيا ، ولكن رسول الله صلىاللهعليهوآله عهد إلينا ليكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب ، وهذه الاوساد حولي ، وما حوله إلا مطهرة وإجانة وجفنة ، يريد بالاوساد : الشخوص من المتاع الذي كان عنده وكل شخص من إنسان أو متاع أو غيره سواد ، ويجوز أن يريد بالاوساد الحيات جمع أسود ، شبهها بها لاستضراره بمكانها.
١٥ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عليهالسلام قال : قال سلمان رضياللهعنه : إن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه ، فاذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت.
بيان : قال الفيروز آبادي : الالتياث : الاختلاط ، والالتفات ، والابطاء والحبس.(٢)
١٦ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن عبدالله بن محمد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن حنان قال : سمعت أبي يروي عن أبي جعفر عليهالسلام قال : كان سلمان جالسا مع نفر من قريش في المسجد ، فأقبلوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى بلغوا سلمان فقال له عمر بن الخطاب : أخبرني من أنت؟ ومن أبوك؟ وما أصلك؟ فقال : أنا سلمان
____________________
(١) روضة الواعظين : ٥٦٤ و ٥٦٥.
(٢) فروع الكافى ١ : ٣٥٢.
بن عبدالله ، كنت ضالا فهداني الله عزوجل بمحمد صلىاللهعليهوآله وكنت عائلا فأغناني الله بمحمد صلىاللهعليهوآله وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد (ص) هذا نسبي وهذا حسبي ، قال : فخرج النبي (ص) وسلمان يكلمهم ، فقال له سلمان : يا رسول الله ما لقيت من هؤلاء جلست معهم فأخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى إذا بلغوا إلي قال عمر بن الخطاب : من أنت؟ وما أصلك؟ وما حسبك؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآله : فما قلت له يا سلمان؟ قال : قلت له : أنا سلمان بن عبدالله ، كنت ضالا فهداني الله غز ذكره بمحمد (ص) وكنت عائلا فأغناني الله عز ذكره بمحمد صلىاللهعليهوآله ، وكنت مملوكا فأعتقني الله عز ذكره بمحمد صلىاللهعليهوآله هذا نسبي ، وهذا حسبي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا معشر قريش إن حسب الرجل دينه ، ومروته خلقه ، و أصله عقله ، قال الله عزوجل : « إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم » ثم قال النبي صلىاللهعليهوآله لسلمان : ليس لاحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عزوجل ، وإن كان التقوى لك عليهم فأنت أفضل(١).
ما : المفيد ، عن ابن قولويه ، عن الكليني مثله(٢).
كش : حمدويه بن نصير ، عن محمد بن عيسى ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه مثله(٣).
١٧ ـ كش : جبرئيل بن أحمد ، عن الحسن بن خرزاد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أبان بن جناح ، عن الحسن بن حماد بلغ به قال سلمان(٤) : إذا رأى الجمل الذي يقال له : عسكر ، يضربه ، فيقال : يا أبا عبدالله ما تريد من هذه البهيمة؟ فيقول : ما هذا بهيمة ، ولكن هذا عسكر بن كنعان الجني ، يا أعرابي لا ينفق(٥)
____________________
(١) روضة الكافى : ١٨١ و ١٨٢. والاية في الحجرات : ١٣.
(٢) امالى ابن الشيخ : ٩١ ، راجعه. (٣) رجال الكشى : ٩ و ١٠ راجعه.
(٤) في المصدر : قال : كان سلمان. (٥) في المصدر : لا ينعق.
جملك هيهنا ، ولكن اذهب به إلى الحوأب فإنك تعطى به ما تريد(١).
وبالاسناد عن ابن مهران ، عن البطائني ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : اشتروا عسكرا بسبعمائة درهم وكان شيطانا(٢).
بيان : سيأتي في غزوة الجمل أن عسكرا اسم جمل عائشة التي ركبتها يوم الحرب ، وهذا مما أخبر به سلمان رضياللهعنه قبل وقوعه مما علم من علم المنايا والبلايا.
١٨ ـ ش : علي بن محمد القتيبي ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير عن عمير بن يزيد قال : قال سلمان : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآله : إذا حضرك أو أخذك الموت حضر أقوام يجدون الريح ، ولا يأكلون الطعام ، ثم أخرج صرة من مسك فقال : هبة أعطانيها رسول الله (ص) ، قال : ثم بلها ونضحها حوله ، ثم قال لامرأته : قومي أجيفي الباب ، فقامت فأجافت الباب فرجعت وقد قبض. رضياللهعنه(٣).
ضه : عن ابن يزيد مثله(٤).
١٩ ـ كش : خلف بن حماد الكشي ، عن الحسن بن طلحة يرفعه عن حماد ابن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : تزوج سلمان امرأة من كندة فدخل عليها فإذا لها خادمة وعلى بابها عباءة ، فقال سلمان : إن في بيتكم هذا لمريضا ، أو قد تحولت الكعبة فيه؟ فقيل : إن المرأة أرادت أن تسترت على نفسها فيه ، قال : فما هذه الجارية؟ قالوا : كان لها شئ فأرادت أن تخدم ، قال : إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : أيما رجل كانت عنده جارية فلم يأتها أو لم يزوجها من يأتيها ثم فجرت كان عليه وزر مثلها ، ومن أقرض قرضا فكأنما تصدق بشطره ، فإذا أقرضه الثانية كان برأس المال ، وأداء الحق إلى صاحبه أن يأتيه في بيته أو في رحله فيقول : ها خذه(٥).
____________________
(١ و ٢) رجال الكشى : ٩.
(٣) رجال الكشى : ١١. (٤) الروضة : ٢٤٣.
(٥) رجال الكشى : ١١ و ١٢.
٢٠ ـ ختص : جعفر بن الحسين ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى أو غيره ، عن بعض أصحابنا ، عن عباس بن حمزة الشهرزوري رفعه إلى أبي عبدالله عليهالسلام قال : كان سلمان يطبخ قدرا فدخل عليه أبوذر فانكبت القدر فسقطت على وجهها ، ولم يذهب منها شئ فردها على الاثافي(١) ، ثم انكبت الثانية فلم يذهب منها شئ فردها على الاثافي ، فمر أبوذر إلى أمير المؤمنين عليهالسلام مسرعا قد ضاق صدره مما رأى ، وسلمان يقفو أثره حتى انتهى إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فنظر أمير المؤمنين عليهالسلام إلى سلمان فقال : يابا عبدالله ارفق بصاحبك(٢).
٢١ ـ مشارق الانوار : عن زاذان خادم سلمان قال : لما جاء أمير المؤمنين ليغسل سلمان وجده قد مات ، فرفع الشملة عن وجهه فتبسم وهم أن يقعد ، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : عد إلى موتك ، فعاد(٣).
٢٢ ـ ين : حماد بن عيسى ، عن حسين بن المختار رفعه إلى سلمان رضي الله عنه أنه قال : لولا السجود لله ومجالسة قوم يتلفظون طيب الكلام كما يتلفظ طيب التمر لتمنيت الموت(٤).
٢٣ ـ أقول : قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : قال أبووائل ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان الفارسي فجلسنا عنده ، فقال : لولا أن رسول الله صلىاللهعليهوآله نهى عن التكلف لتكلف لكم ، ثم جاء بخبز وملح ساذج لا أبزار(٥) عليه ، فقال صاحبي : لو كان لنا في محلنا هذا سعتر ، فبعث سلمان بمطهرته فرهنها على سعتر فلما أكلنا قال صاحبي : الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا ، فقال سلمان : لو قنعت بما رزقك لم تكن مطهرتي مرهونة(٦).
٢٣ ـ كش : حمدويه وإبراهيم ابنا نصير ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان
____________________
(١) الاثافى جمع الاثفية : الحجر توضع عليه القدر.
(٢) الاختصاص : ١٢. (٣) مشارق الانوار :
(٤) الزهد أو المؤمن : مخطوط.
(٥) لابزار عليه اى ليس معه شئ من الحبوب التى تخلط بالملح. منه.
(٦) شرح نهج البلاغة.
ابن يحيى ، عن عاصم بن حميد ، عن إبراهيم بن أبي يحيى ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : الميثب هو الذي كات عليه سلمان فأفاءه الله على رسوله ، فهو في صدقتها ، يعني فاطمة عليهاالسلام(١).
٢٤ ـ كش : نصر بن الصباح ، عن إسحاق بن محمد البصري ، عن أحمد بن هلال عن علي بن أسباط ، عن العلاء ، عن محمد بن حكيم قال : ذكر عند أبي جعفر عليهالسلام سلمان ، فقال : ذاك سلمان المحمدي ، إن سلمان منا أهل البيت إنه كان يقول للناس : هربتم من القرآن إلى الاحاديث : وجدتم كتابا دقيقا حوسبتم فيه على النقير والقطمير والفتيل وحبة خردل ، فضاق ذلك عليكم ، وهربتم إلى الاحاديث التي اتسعت عليكم(٢).
٢٥ ـ كش : علي بن الحسن ، عن محمد بن إسما عيل بن مهران ، عن إسحاق بن ابراهيم الصوان(٣) عن يوسف بن يعقوب ، عن النهاش بن فهم(٤) ، عن عمرو بن عثمان قال : دخل سلمان على رجل من إخوانه فوجده في السياق فقال : يا ملك الموت ارفق بصاحبنا ، قال : فقال الآخر : يابا عبدالله إن ملك الموت يقرأ عليك السلام وهو يقول : وعزة هذا علينا(٥) ليس إلينا شئ(٦).
٢٦ ـ جا : ابن قولويه ، عن محمد الحميري ، عن أبيه ، عن ابن عيسى ، عن ابن أبي عمير عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : مر سلمان رضياللهعنه على الحدادين بالكوفة ، فرأى شابا قد صعق ، والناس قد اجتمعوا حوله ، فقالوا له : يابا عبدالله هذا الشاب قد صرع ، فلو قرأت في اذنه ، قال : فدنا منه سلمان ،؟ فلما رآه الشاب أفاق وقال : يابا عبدالله ليس بي ما يقول هؤلاء القوم ، ولكني مررت بهؤلاء
____________________
(١) رجال الكشى : ١٢ فيه : يعنى صدقة فاطمة عليهاالسلام.
(٢) رجال الكشى : ١٢. (٣) في المصدر : الصواف.
(٣) هكذا في الكتاب ومصدره ، ولكن في التقريب ، النهاس ـ بتشديد الهاء ـ ابن قهم بفتح القاف وسكون الهاء.
(٥) الينا خ ل. أقول : في المصدر : لا وعزة هذا البناء ليس الينا شئ.
(٦) رجال الكشى : ١٣ ( ط ١ ) و ٢٤ ( ط ٢ ).
الحدادين وهم يضربون المرزبات(١) ، فذكرت قوله تعالى : « ولهم مقامع من حديد(٢) » فذهب عقلي خوفا من عقاب الله تعالى ، فاتخذه سلمان أخا ، ودخل قلبه حلاوة محبته في الله تعالى ، فلم يزل معه حتى مرض الشاب فجاءه سلمان فجلس عند رأسه وهو يجود بنفسه فقال : يا ملك الموت ارفق بأخي ، قال : يابا عبدالله إني بكل مؤمن رفيق(٣).
كش : آدم بن محمد القلانسي البلخي ، عن علي ابن الحسين الدقاق ، عن محمد بن عبدالحميد ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن عمر بن يزيد مثله(٤).
٢٧ ـ كش : جعفر بن محمد شيخ من جرجان عامي ، عن محمد بن حميد الرازي عن علي بن مجاهد ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن عبدالاعلى عن أبيه عن المسيب بن نجبة الفزاري قال : لما أتانا سلمان الفارسي قادما تلقيناه فيمن تلقاه فسار حتى انتهى إلى كربلا فقال : ما تسمون هذه؟ قالوا : كربلا فقال : هذه مصارع إخواني ، هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم يقتل بها خير الاولين(٥) ، ويقتل بها خير الآخرين ثم سار حتى انتهى إلى حرورا فقال : ما تسمون هذه الارض؟ قالوا : حرورا فقال : حرورا خرج(٦) بها شر الاولين ويخرج بها شر الآخرين ، ثم سار حتى انتهى إلى بانقيا وبها جسر الكوفة ، فقال : هذه الكوفة؟ قالوا : نعم ، قال : قبة الاسلام(٧).
٢٨ ـ كش : محمد بن مسعود ، عن الحسين بن اشكيب ، عن الحسن بن خرزاد عن محمد بن حماد الشاشي ، عن صالح بن نوح ، عن زيد بن المعدل ، عن عبدالله بن سنان
____________________
(١) المرزبات جمع المرزبة : عصية من حديد. (٢) الحج : ٢١.
(٣) مجالس المفيد : ٧٩ و ٨٠ فيه : فقال ملك الموت : انى.
(٤) رجال الكشى : ١٢ و ١٣. فيه : على بن الحسن الدقاق النيسابورى راجعه.
(٥) في المصدر : يقتل بها ابن خير الاولين. ( ٦ ) يخرج خ ل.
(٧) رجال الكشى : ١٣ ( ط ١ ) و ٢٤ ( ط ٢ ).
عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : خطب سلمان فقال : الحمد لله الذي هداني لدينه بعد جحودي له ، إذ أنا مذكي(١) لنار الكفر ، أهل لها نصيبا ، وأتيت لها رزقا حتى ألقى الله عزوجل في قلبي حب تهامه ، فخرجت جائعا ظمئان قد طردني قومي واخرجت من مالي ولا حمولة تحملني ، ولا متاع يجهزني ، ولا مال يقويني ، وكان من شأني ما قد كان ، حتى أتيت محمدا صلىاللهعليهوآله فعرفت من العرفان ما كنت أعلمه ، و رأيت من العلامة ما خبرت بها فأنقذني به من النار ، فنلت(٢) من الدنيا على المعرفة التي دخلت عليها في الاسلام ، ألا أيها الناس اسمعوا من حديثي ثم اعقلوه عني ، قد اوتيت العلم كثيرا ، ولو أخبرتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة : لمجنون وقالت طائفة اخرى : اللهم اغفر لقاتل سلمان ألا إن لكم منايا تتبعها بلايا ، فإن عند علي عليهالسلام علم المنايا وعلم الوصايا وفصل الخطاب ، على منهاج هارون بن عمران قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : [ أنت وصيي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ] ولكنكم أصبتم سنة الاولين ، وأخطأتم سبيلكم والذي نفس سلمان بيده لتركبن طبقا عن طبق ، سنة بني إسرائيل القذة بالقذة أما والله لو وليتموها عليا لاكلتم من فوقكم ، ومن تحت أرجلكم ، فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء ، ونابذتكم على سواء ، وانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم من الولاء ، أما والله لو أني أدفع(٣) ضيما أو أعز الله دينا لوضعت سيفي على عاتقي ثم لضربت به قدما قدما ، ألا إني احدثكم بما تعلمون وبما لا تعلمون ، فخذوها من سنة التسعين(٤) بما فيها ، ألا إن لبني امية في بني هاشم نطحات ، وإن لنبي امية من آل هاشم نطحات ، ألا وإن بني امية كالناقة الضروس تعض بفيها ، و تخبط بيديها ، وتضرب برجليها ، وتمنع درها إلا إنه حق على الله أن يذل
____________________
(١) في المصدر : مذك.
(٢) فثبت خ ل أقول : في المصدر : فلبثت.
(٣) ارفع خ ل. اقول : الضيم : الظلم.
(٤) السبعين خ ل. أقول : يوجد ذلك في المطبعة الثانية من المصدر : ولعله الصحيح.
ناديها(١) ، وأن يظهر عليها عدوها مع قذف من السماء وخسف ومسخ وشوه الخلق(٢) حتى إن الرجل ليخرج من جانب حجلته إلى صلاة فمسخه(٣) الله قردا ، ألا وفئتان تلتقيان بتهامة كلتاهما كافرتان ألا وخسف بكلب وما أنا وكلب والله لو لا ما لاريتكم(٤) مصارعهم ، الا وهو البيداء ، ثم يجيئ ما يقرفون(٥) ، فإذا أرأيتم أيها الناس الفتن كقطع الليل المظلم يهلك فيها الراكب الموضع(٦) والخطيب المصقع ، والرأس المتبوع ، فعليكم بآل محمد ، فإنهم القادة إلى الجنة ، والدعاة إليها إلى يوم القيامة ، وعليكم بعلي فوالله لقد سلمنا عليه بالولاء مع نبينا ، فما بال القوم؟ أحسد؟ قد حسد قابيل هابيل ، أو كفر؟ فقد ارتد قوم موسى عن الاسباط ويوشع وشمعون وابني هارون شبر وشبير ، والسبعين الذين اتهموا موسى على قتل هارون فأخذتهم الرجفة من بغيهم ، ثم بعثهم الله(٧) أنبياء مرسلين وغير مرسلين فأمر هذه الامة كأمر بني إسرائيل ، فأين يذهب بكم ، ما أنا وفلان وفلان ، ويحكم والله ما أدري أتجهلون أم تجاهلون(٨) ، أم نسيتم أم تتناسون ، انزلوا آل محمد منكم منزلة الرأس من الجسد ، بل منزلة العين من الرأس ، والله لترجعن كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض السيف ، يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة ، ويشهد الناجى على الكافر بالنجاة ، ألا إني أظهرت أمري ، وآمنت بربي ، وأسلمت بنبيي ، واتبعت مولاي ومولى كل مسلم ، بأبي وامي قتيل كوفان ، يا لهف نفسي لاطفال صغار وبأبي صاحب الجفنة والخوان نكاح النساء : الحسن بن علي ، ألا إن نبي الله نحله البأس والحياء ، ونحل الحسين المهابة والجود ، يا ويح من أحقره لضعفه ، واستضعفه
____________________
(١) باديها خ ل أقول : يوجد ذلك في الطبعة الثانية من المصدر.
(٢) شوه الخلق : قبحه. وفى المصدر : سوء الخلق.
(٣) في المصدر : فيمسخه الله. (٤) في المصدر : لولا ما لولا لاريتكم.
(٥) في المصدر : ما تعرفون.
(٦) الراكب الموضع : السريع العدو. والمصقع : البليغ. العالى الصوت. من لا يرتج عليه في كلامه.
(٧) ثم بعث الله. (٨) في المصدر : ام تتجاهلون.
لقلته(١) ، وظلم من بين ولده فكان بلادهم عامر(٢) الباقين من آل محمد ، أيها الناس لاتكل أظفاركم من عدوكم ، ولا تستغشوا صديقكم ، يستحوذ الشيطان عليكم والله لتبتلن ببلاء لا تغيرونه بأيديكم إلا إشارة بحواجبكم ثلاثة خذوها بما فيها وارجوا رابعها وموافاها ، بأبي(٣) دافع الضيم شقاق بطون الحبالى ، وحمال الصبيان على الرماح ، ومغلى الرجال في القدور ، أما إني ساحدثكم بالنفس الطيبة الزكية وتضريج دمه بين الركن والمقام ، المذبوح ذبح الكبش(٤) ، يا ويح لسبأ(٥) نساء من كوفان الواردون الثوية(٦) ، المسقرون(٧) عشية ، وميعاد ما بينكم وبين ذلك فتنة شرقية ، ستسير موجأ هاتفا(٨) يستغيث من قبل المغرب ، فلا تغيثوه لا أغاثه الله ، وملحمة بين الناس إلى أن تصير ما ذبح على شبيه المقتول بظهر الكوفة ، وهي كوفان ، ويوشك أن يبني جسرها ، ويبنى(٩) جما حتى يأتى زمان لا يبقى مؤمن إلا بها أو بحواليها(١٠) ، وفتنة مصبوبة تطأفي خطامها ، لا ينهاها أحد ، لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ، واحدثك يا حذيفة إن ابنك مقتول ، وإن عليا أمير المؤمنين عليهالسلام ، فمن كان مؤمنا دخل في ولايته فيصبح على أمر يسمي على مثله ، لا يدخل فيها إلا مؤمن ، ولا يخرج منها إلا كافر(١١).
بيان : تذكية النار : إيقادها ، أهل لها : أي أصيح لاطلب نصيبا ، أي قوما لعبادة النار وفي بعض النسخ : أهيل ، أي كنت من قوام النار اعطي النصيب عبدتها ، ويأتيني
____________________
(١) احتقره خ ل. أقول : في المصدر : لمن احتقره.
(٢) عامرة خ ل. (٣) يأتى به خ ل. أقول : في المصدر يأتى دافع الضيم.
(٤) في المصدر : كذبح الكبش. (٥) في المصدر : لسبايا نساء.
(٦) الثوية : موضع قريب من الكوفة ، قيل : كانت سبحنا للنعمان بن المنذر.
(٧) المستعدون خ ل. أقول : في نسخة من المصدر : المستسعدون.
(٨) في المصدر : فتنة شرقية ، وجاء هاتف.
(٩) وينبأ جنيها خ ل جنبها خ. أقول : في المصدر : ويبنى جبليها.
(١٠) في المصدر : او يحن اليها.
(١١) رجال الكشى : ١٣ ـ ١٦ (ط ١) و ٢٥ ـ ٢٧ (ط ٢).
الرزق لها ، وهو أظهر ، وفي النهاية : القذذ : ريش السهم ، واحدتها قذة ، ومنه الحديث : لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ، أي كما يقذ كل واحدة منهما على صاحبتها وتقطع ، وقال : فيه لفارس نطحة أو نطحتان ، أي تقاتل المسلمين مرة أو مرتين ، وفي القاموس : الضروس : الناقة السيئة الخلق تعض حالبها قوله : لولا ما ، لعله اكتفى ببعض الكلام ولم يذكر العلة لبعض المصالح إن لم يكن سقط من الكلام شئ(١) من بين ولده ، في أكثر النسخ : من بني ولده ، إشارة إلى الظلم على أولاده المعصومين ، وقد يطلق الولد على الآباء ايضا ، وكان في النسخ التي عندنا في تلك الخطبة تصحيفات فأوردناها كما وجدنا.
٢٩ ـ أقول : قال ابن أبي الحديد : سلمان رجل من فارس من رامهرمز ، و قيل : بل من إصفهان من قرية يقال لها : جي ، وهو معدود من موالي رسول الله (ص) وكنيته أبوعبدالله ، وكان إذا قيل له : ابن من أنت؟ يقول : أنا سلمان بن الاسلام أنا من بني آدم ، وقد روي أنه تداوله بضعة عشر ربا عن واحد إلى آخر حتى أفضى إلى رسول الله صلى الله عليه آله ، وروى أبوعمر ابن عبدالبر في الاستيعاب أن رسول الله صلوات الله عليه وآله اشتراه من أربابه وهم قوم يهود(٢) ، على أن يغرس لهم من النخل كذا وكذا ، ويعمل فيها حتى يدرك(٣) ، فغرس رسول الله صلىاللهعليهوآله ذلك النخل كله بيده إلا نخلة واحدة غرسها عمر بن الخطاب ، فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة ، فقال رسول الله (ص) : من غرسها؟ فقيل : عمر ، فقلعها وغرسها رسول الله صلىاللهعليهوآله بيده فأطعمت ، قال أبوعمر : وكان سلمان يسف الخوص وهو أمير على المدائن ، ويبيعه ويأكل منه ، ويقول : لا احب أن آكل إلا من عمل يدي ، وكان تعلم سف الخوص من المدينة ، وأول مشاهده الخندق ، وقد روي أنه شهد بدرا واحدا. ولم يفته بعد ذلك مشهد.
قال : وكان سلمان خيرا فاضلا حبرا عالما زاهدا متقشفا.
____________________
(١) تقدم ان الموجود في المصدر : لولا ما لولا.
(٢) في المصدر : بدراهم وعلى ان يغرس. (٣) في المصدر : حتى تدرك.
وعن الحسن البصري قال : كان عطاء سلمان خمسة آلاف ، وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به ويأكل من عمل يده ، وكانت له عباءة يفرش بعضها ، ويلبس بعضها.
وقد ذكر ابن وهب وابن نافع أن سلمان لم يكن له بيت ، إنما كان يستظل بالجدر والشجر ، وإن رجلا قال له : ألا أبني لك بيتا تسكن فيه؟ قال : لا حاجة لي في ذلك ، فمازال به الرجل حتى قال له : أنا أعرف البيت الذي يوافقك قال : فصفه لي ، قال : أبني لك بيتا إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه ، وإن أنت مددت فيه رجليك أصابهما الجدار ، قال : نعم ، فبنى له.
قال أبوعمر : وقد روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله عن(١) وجوه أنه قال : لو كان الدين في الثريا لناله سلمان.
قال : وقد روينا عن عايشة قالت : كان لسلمان مجلس من رسول الله صلىاللهعليهوآله ينفرد(٢) به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلىاللهعليهوآله.
قال : وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : أمرني ربي بحب أربعة ، وأخبرني أنه يحبهم : علي وأبوذر والمقداد وسلمان.
وعن علي عليهالسلام أنه قال : علم علم الاول والعلم الآخر ، ذلك بحر لا ينزف هو منا أهل البيت.
وفي رواية زاذان عن علي : سلمان الفارسي كلقمان الحكيم.
وقال فيه كعب الاحبار : سلمان حشى علما وحكمة.
قال : وروي أن أبا سفيان مر على سلمان وصهيب وبلال في نفر من المسلمين فقالوا : ما أخذت السيوف من عنق عدو الله مأخذها ، فقال لهم أبوبكر : أتقولون هذا الشيخ قريش وسيدها وأتى النبي صلىاللهعليهوآله فأخبره ، فقال : يابا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت الله ، فأتاهم ، أبوبكر فاعتذر منهم.
وتوفي في آخر خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين ، وقيل توفي في أول
____________________
(١) في المصدر : من وجوه. (٢) في المصدر : يتفرد به بالليل.
سنة ست وثلاثين ، وقال قوم : توفي في خلافة عمر ، والاول أكثر.
أقول : ثم ذكر ابن أبى الحديد خبر إسلامه نحوا مما مر ، ثم قال : وكان سلمان من شيعة علي عليهالسلام وخاصته ، ويزعم الامامية أنه أحد الاربعة الذين حلقوا رؤسهم وأتوه متقلدي سيوفهم في خبر يطول ، وليس هذا موضع ذكره وأصحابنا لا يخالفونهم في أن سلمان كان من الشيعة ، وإنما يخالفونهم في أمر أزيد من ذلك وما يذكره المحدثون من قوله للمسلمين يوم السقيفة : « كرديد ونكرديد » محمول عند أصحابنا على أن المراد صنعتم شيئا ، وما صنعتم ، أي استخلفتم خليفة ونعم ما فعلتم(١) ، إلا أنكم عدلتم عن أهل البيت ، فلو كان الخليفة منهم كان أولى والامامية تقول(٢) : أسلمتم وما أسلمتم انتهى كلامه(٣).
وسيأتي جواب شبهته مع سائر أحوال سلمان في كتاب الفتن انشاء الله تعالى.
٣٠ ـ الصراط المستقيم : جاء في الاخبار الحسان أن عليا عليهالسلام مضى في ليلة إلى المدائن لتغسيل سلمان(٤).
____________________
(١) فيه تحريف لمعنى الكلام ، لان قوله : [ نعم ما فعلتم ] من زياداته في المعنى ، ولم يفهم من قوله ، والصحيح من معنى كلامه : فعلتم ما كان خطأ وضلالا ، وما فعلتم ما كان حقا وصوابا.
(٢) في المصدر : يقول : معناه. (٣) شرح نهج البلاغة ٤ : ٢٢٤ و ٢٢٥.
(٤) الصراط المستقيم : مخطوط.
١٢
باب
*(كيفية اسلام أبى ذر رضى الله عنه وسائر أحواله إلى وفاته)*
*(وما يختص به من الفضائل والمناقب وفيه)*
*(أيضا بيان أحوال بعض الصحابة)*
١ ـ م : حدثني أبي ، عن آبائه عليهمالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان من خيار أصحابه عنده أبوذر الغفاري ، فجاءه ذات يوم فقال : يا رسول الله إن لي غنيمات قدر ستين شاة ، فأكره أن أبدو فيها وافارق حضرتك وخدمتك ، وأكره أن أكلها إلى راع فيظلمها ويسئ رعايتها فكيف أصنع؟ فقال رسول الله (ص) : ابد فيها فبدا فيها ، فلما كان في اليوم السابع جاء إلى رسول الله (ص) فقال رسول الله (ص) : يابا ذر ، قال : لبيك يا رسول الله ، قال : ما فعلت غنيماتك؟ قال : يا رسول الله إن لها قصة عجيبة ، قال : وما هي؟ قال : يا رسول الله بينا أنا في صلاتي على غنمي وأخطر الشيطان ببالي : يابا ذر أين أنت إن عدت الذئاب على غنمك وأنت تصلي فأهلكتها وما يبقى لك في الدنيا ما تتعيش به؟ فقلت للشيطان : يبقى لي توحيد الله تعالى والايمان(١) برسول الله صلىاللهعليهوآله ، وموالاة أخيه سيد الخلق بعده علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ومولاة الائمة الهادين الطاهرين من ولده ، ومعاداة أعدائهم ، و كل ما فات بعد ذلك جلل(٢) ، فأقبلت على صلاتي ، فجاء ذئب فأخذ حملا فذهب به وأنا أحس به ، إذا أقبل على الذئب أسد فقطعه(٣) نصفين ، واستنقذ الحمل و
____________________
(١) بمحمد رسول الله خ ل.
(٢) في المصدر : وكل ما فات من الدنيا بعد ذلك سهل.
(٣) بنصفين خ ل.
رده إلى القطيع ، ثم ناداني : يابا ذر أقبل على صلاتك ، فإن الله قد وكلني بغنمك إلى أن تصلي ، فأقبلت على صلاتي وقد غشيني من التعجب مالا يعلمه إلا الله تعالى حتى فرغت منها ، فجاءني الاسد وقال لي : امض إلى محمد فأخبره أن الله تعالى قد أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك ، ووكل أسدا بغنمه يحفظها ، فعجب(١) من حول رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله صدقت يابا ذر ، ولقد آمنت به أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال بعض المنافقين : هذا لمواطاة بين محمد وأبي ذر ، يريد أن يخدعنا بغرروه ، و اتفق(٢) منهم عشرون رجلا وقالوا : نذهب إلى غنمه وننظر إليها وننظر إليه إذا صلى هل يأتي الاسد فيحفظ غنمه(٣) فيتبين(٤) بذلك كذبه ، فذهبوا القطيع ما شذ عنه منها ، حتى إذا فرغ من صلاته ناداه الاسد : هاك قطيعك مسلما(٥) وافر العدد سالما ، ثاداهم الاسد : معاشر المنافقين أنكرتم لولي محمد وعلي وآلهما الطيبين(٦) والمتوسل إلى الله بهم أن يسخرني الله ربي لحفظ غنمه ، والذي أكرم محمدا وآله الطيبين الطاهرين لقد جعلني الله طوع يد أبي ذر حتى لو أمرني بافتراسكم و هلاككم لاهلكتكم ، والذي لا يحلف بأعظم منه لو سأل الله بمحمد وآله الطيبين أن يحول البحار دهن زنبق وبان ، والجبال مسكا وعنبرا وكافورا ، وقضبان الاشجار قضب الزمرد والزبرجد لما منعه الله ذلك ، فلما جاء أبوذر إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : يابا ذر إنك أحسنت طاعة الله فسخر الله لك من يطيعك في كف العوادي عنك ، فأنت من أفاضل من مدحه الله عزوجل بأنه يقيم الصلاة(٧).
بيان : الجلل محركة : العظيم والصغير ، ضد. والعوادي جمع العادية من
____________________
(١) في المصدر : فتعجب من كان.
(٢) فاتفق منهم رجال خ ل. (٣) غنمه له خ ل.
(٤) في المصدر : فتبين (٥) مسلمة وافرة العدد ، سالمة الاهل.
(٦) والطيبين من آلهما خ ل.
(٧) التفسير المنسوب إلى العسكرى عليهالسلام : ٢٦ و ٢٧.
العدوان ، أو من عدا على الشئ : إذا اختلسه ، وفي الحديث : من كف عن مؤمن عادية ماء ونار.
٢ ـ جا : علي بن بلال ، عن علي بن عبدالله الاصبهاني ، عن الثقفي ، عن محمد بن علي ، عن الحسين بن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي جهضم الازدي ، عن أبيه وكان من أهل الشام قال : لما سير عثمان أبا ذر من المدينة إلى الشام كان يقص علينا ، فيحمد الله فيشهد شهادة الحق ، ويصلي على النبي صلىاللهعليهوآله ويقول : أما بعد فإنا كنا في جاهليتنا قبل أن ينزل علينا الكتاب ويبعث فينا الرسول ، ونحن نوفي بالعهد ، ونصدق الحديث(١) ، ونحسن الجوار ، ونقري الضيف ، ونواسي الفقير ، فلما بعث الله تعالى فينا رسول الله وأنزل علينا كتابه كانت تلك الاخلاق يرضاها الله ورسوله ، وكان أحق بها أهل الاسلام ، وأولى أن يحفظوها ، فلبثوا بذلك ما شاء الله أن يلبثوا ، ثم إن الولاة قد أحدثوا أعمالا قباحا ما نعرفها : من سنة تطفى ، وبدعة تحيى ، وقائل بحق مكذب ، وأثرة لغير تقي وأمين مستأثر عليه من الصالحين ، اللهم إن كان ما عندك خيرا لي فاقبضني إليك غير مبدل ولا مغير ، وكان يعيد هذا الكلام ويبديه ، فأتى حبيب بن مسلمة معاوية بن أبي سفيان فقال : إن أبا ذر يفسد عليك الناس بقوله : كيت وكيت ، فكتب معاوية إلى عثمان بذلك ، فكتب عثمان أخرجه إلي ، فما صار إلى المدينة نفاه إلى الزبدة(٢).
٣ ـ جا : بهذا الاسناد عن أبي جهضم ، عن أبيه قال : لما أخرج عثمان أبا ذر الغفاري رحمهالله من المدينة إلى الشام كان يقوم في كل يوم فيعظ الناس ويأمرهم بالتمسك بطاعة الله ، ويحذرهم من ارتكاب معاصيه ، ويروي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ما سمعه منه في فضائل أهل بيته عليه وعليهمالسلام ويحضهم على التمسك بعترته ، فكتب معاوية إلى عثمان : أما بعد فإن أبا ذر يصبح إذا أصبح ويمسي إذا أمسى وجماعة من الناس كثيرة عنده ، فيقول : كيت وكيت ، فإن كان لك حاجة في الناس قبلي
____________________
(١) في المصدر : ونصدق بالحديث.
(٢) مجالس المفيد : ٧٠ و ٧١.
فأقدم أبا ذر إليك ، فإني أخاف أن يفسد الناس عليك. والسلام.
فكتب إليه عثمان : أما بعد فاشخص إلي أبا ذر حين تنظر في كتاب هذا. والسلام
فبعث معاوية إلى أبي ذر فدعاه وأقرأه كتاب عثمان ، وقال له : النجا الساعة فخرج أبوذر إلى راحلته فشدها بكورها وأنساعها ، فاجتمع إليه الناس فقالوا له : يابا ذر رحمك الله أين تريد؟ قال : أخرجوني إليكم غضبا علي ، وأخرجوني منكم إليهم الآن عبثاني ، ولا يزال هذا الامر فيما أرى شأنهم فيما بيني وبينهم حتى يستريح برا ، ويستراح من فاجر ، ومضى وسمع الناس بمخرجه فاتبعوه حتى خرج من دمشق ، فساروا معه حتى انتهى إلى دير المران فنزل ونزل معه الناس فاستقدم فصلى بهم ، ثم قال : أيها الناس إني موصيكم بما ينفعكم ، وتارك الخطب والتشقيق ، احمدوا الله عزوجل ، قالوا : الحمد لله ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ، فأجابوه بمثل ما قال ، فقال : أشهد أن البعث حق ، و وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، وأقر بما جاء من عند الله ، واشهدوا علي بذلك ، قالوا : نحن على ذلك من الشاهدين ، قال : ليبشر من مات منكم على هذه الخصال برحمة الله وكرامته مالم يكن للمجرمين ظهيرا ، ولا لاعمال الظلمة مصلحا ولا لهم معينا ، أيها الناس أجمعوا مع صلاتكم وصومكم غضبا لله عزوجل إذا عصي في الارض ولا ترضوا أئمتكم بسخط الله ، وإن أحدثوا(١) مالا تعرفون فجانبوهم وازرؤا عليهم وإن عذبتم وحرمتم وسيرتم ، حتى يرضى الله عزوجل. فإن الله أعلى وأجل ، لا ينبغي أن يسخط برضا المخلوقين ، غفر الله لي ولكم ، أستودعكم الله ، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله ، فناداه الناس أن : سلم الله عليك ورحمك يابا ذر يا صاحب رسول الله ، ألا نردك إن كان هؤلاء القوم أخرجوك ، ألا نمنعك(٢)؟ فقال لهم : ارجعوا رحمكم الله ، فإني أصبر منكم على البلوى ، وإياكم والفرقة
____________________
(١) في المصدر : واذا احدثوا.
(٢) » : انا لا نردك ان كان هؤلاء القوم اخرجوك ولا نمنعك.
والاختلاف ، فمضى حتى قدم عثمان ، فلما دخل عليه قال له : لا قرب الله بعمرو عينا ، فقال أبوذر : والله ما سماني أبواي عمروا ، ولكن لا قرب الله من عصاه ، وخالف أمره ، وارتكب هواه ، فقام إليه كعب الاحبار فقال له : ألا تتقي الله يا شيخ تجبه(١) أمير المؤمنين بهذا الكلام؟ فرفع أبوذر عصا كانت في يده فضرب بها رأس كعب ، ثم قال له : يا ابن اليهوديين ، ما كلامكم مع المسلمين؟ فوالله ما خرجت اليهودية من قلبك بعد ، فقال عثمان : والله لا جمعتني وإياك دار ، قد خرفت وذهب عقلك ، أخرجوه من بين يدي حتى تركبوه قتب ناقته بغير وطاء ، ثم انجوا به الناقة وتعتعوه حتى توصلوه الربذة ، فنزلوه بها من غير أنيس ، حتى يقضي الله فيه ما هو قاض ، فأخرجوه متعتعا ملهوزا(٢) بالعصي ، وتقدم ألا يشيعه أحد من الناس ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام فبكى حتى بل لحيته بدموعه ، ثم قال : أهكذى يضع بصاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم نهض ومعه الحسن والحسين عليهاالسلام وعبدالله بن العباس والفضل و قثم وعبيدالله حتى لحقوا أبا ذر فشيعوه ، فلما بضربهم أبوذر رحمهالله حن إليهم وبكى عليهم ، وقال : بأبي وجوه إذا رأيتها ذكرت بها رسول الله صلىاللهعليهوآله وشملتني البركة برؤيتها ، ثم رفع يديه إلى السماء وقال : اللهم إني احبهم ، ولو قطعت إربا إربا في محبتهم ما زلت عنها ابتغاء وجهك والدار الآخرة ، فارجعوا رحمكم الله والله أسأل أن يخلفني فيكم أحسن الخلافة ، فودعه القوم ورجعوا وهم يبكون على فراقه(٣).
بيان : الكور بالضم : الرحل. والانساع جمع النسع بالكسر ، وهو سير ينسج عريضا على هيئة أعنه البغال ، تشد به الرحال ، وشقق الكلام : أخرجه أحسن مخرج ، وزرئ عليه : عابه ، كأزرى. قوله : ثم انجوا أي أسرعوا ،
____________________
(١) في المصدر : وتجيب. (٢) في المصدر : موهونا.
(٣) مجالس المفيد : ٩٥ ـ ٩٨.
تعته : أقلقه وأزعجه ، ولهزه بالرمح : طعنه في صدره ، واللهز : الضرب ، بجميع اليد في الصدر.
٤ ـ كش : محمد بن سعيد بن مزيد ، ومحمد بن ابي عوف معا عن محمد بن أحمد بن حماد رفعه قال : أبوذر الذي قال رسول الله صلىاللهعليهوآله في شأنه : [ ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، يعيش وحده ، ويموت وحده ويبعث وحده ، ويدخل الجنة وحده ] وهو الهاتف بفضائل أمير المؤمنين عليهالسلام و وصي رسول الله صلىاللهعليهوآله واستخلافه إياه ، فنفاه القوم عن حرم الله وحرم رسوله بعد حملهم إياه من الشام على قتب بلا وطاء ، وهو يصيح فيهم قد خاب القطار(١) بحمل النار ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دخلا ، وعباد الله خولا ، ومال الله دولا » فقتلوه فقرا وجوعا وضرا و صبر(٢).
٥ ـ كش : جعفر بن معروف ، عن الحسن بن علي بن النعمان ، عن أبيه ، عن البطائني ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله عليهالسلام يقول : أرسل عثمان إلى أبي ذر موليين له ، ومعهما مائتا دينار ، فقال لهما : انطلقا إلى أبي ذر فقولا له : إن عثمان يقرئك السلام ، ويقول لك : هذه مائتا دينار فاستعن بها على ما نابك ، فقال أبوذر : هل أعطى أحدا من المسلمين مثل ما أعطاني؟ قال : لا ، قال : إنما أنا رجل من المسلمين ، يسعني ما يسع المسلمين ، قالا له : إنه يقول : هذا من صلب مالي ، وبالله الذي لا إله إلا هو ما خالطها حرام ، ولا بعث(٣) بها إليك إلا من حلال ، فقال : لا حاجة لي فيها ، وقد أصبحت يومي هذا وأنا من أغنى الناس ، فقالا له : عافاك الله وأصلحك ما نرى في بيتك قليلا ولا كثيرا مما يستمتع(٤) به ، فقال : بلى تحت هذا الاكاف الذي ترون رغيفا شيعر قد أتى عليهما أيام ، فما أصنع بهذه
____________________
(١) قد جاءت القطار تحمل خ ل.
(٢) رجال الكشى : ١٦ فيه : وذلا وضرا وصبرا.
(٣) ولا بعثت خ ل. (٤) في المصدر : مما تستمتع به.
الدنانير؟ لا والله حتى يعلم الله أني لا أقدر على قليل ولا كثير ، وقد أصبحت غنيا بولاية علي بن أبي طالب عليهالسلام وعترته الهادين المهديين الراضين المرضيين ، الذين يهدون بالحق وبه يعدلون ، وكذلك سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « فإنه لقبيح بالشيخ أن يكون كذابا » فرداها عليه وأعلماه أني لا حاجة لي فيها ولا فيما عنده حتى ألقى الله ربي فيكون هو الحاكم فيما بيني وبينه(١).
٦ ـ كش : عبيد بن محدم النخعي ، عن أبي أحمد الطرسوسي ، عن خالد بن طفيل الغفاري ، عن أبيه ، عن حلام بن دل الغفاري(٢) وكانت له صحبة قال : مكث أبوذر رحمهالله بالربذة حتى مات ، فلما حضرته الوفاة قال لامرأته : اذبحي شاة من غنمك واصنعيها ، فإذا نضجت فاقعدي على قارعة الطريق فأول ركب ترينهم قولي : يا عباد الله المسملين ، هذا أبوذر صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله قد قضى نحبه ولقي ربه ، فأعينوني عليه وأجيبوه. فإن رسول الله صلىاللهعليهوآله أخبرني أني أموت في أرض غربة ، وأنه يلي غسلي ودفني والصلاة علي رجال من امتي(٣) صالحون(٤).
٧ ـ كش : محمد بن علمقة بن الاسود النخعي قال : خرجت في رهط اريد الحج منهم مالك بن الحارث الاشتر(٥) حتى قدمنا الربذة ، فإذا امرأة على قارعة الطريق تقول : يا عباد الله المسلمين هذا أبوصاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله قد هلك غريبا ليس لي أحد يعينني عليه ، قال : فنظر بعضنا إلى بعض ، وحمدنا الله على ما ساق إلينا ، واسترجعنا على عظم(٦) المصيبة ، ثم أقبلنا معها فجهزناه وتنافسنا في كفنه حتى خرج من بيننا بالسواء ، ثم تعاونا على غسله حتى فرغنا منه ، ثم قدمنا
____________________
(١) رجال الكشى : ١٨.
(٢) في الطبعة الاولى في المصدر : [ حلام بن ركين ] وفى الطبعة الثانية : [ حلام بن دلف ] وذكر المامقانى في تنقيح المقال ٢ : ٤٩ : حلام ( غلام خ ) بن دلف ، كما انه ذكر : عبدالعزيز بن محمد مكان عبيد بن محمد.
(٣) من امته خ ل. (٤) رجال الكشى : ٤٣ (ط ١) و ٦١ (ط ٢).
(٥) زاد في المصدر : وعبدالله بن الفضل التميم ورفاعة بن شداد البجلى.
(٦) عظيم خ ل.
مالك(١) الاشتر فصلى بنا عليه ، ثم دفناه ، فقام الاشتر على قبره ، ثم قال : اللهم هذا أبوذر صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله عبدك في العابدين ، وجاهد فيك المشركين ، لم يغير ولم يبدل ، لكنه رأى منكرا فغيره بلسانه وقلبه حتى جفي ونفي وحرم واحتقر ، ثم مات وحيدا غريبا ، اللهم فاقصم من حرمه ، ونفاه من مهاجره وحرم رسولك صلىاللهعليهوآله ، قال : فرفعنا أيدينا جميعا وقلنا : آمين ، ثم قدمت الشاة التي صنعت فقالت : إنه قد أقسم عليكم ألا تبرحوا حتى تتغدوا فتغدينا وارتحلنا(٢).
٨ ـ ضه : قيل له عند الموت : يابا ذر ما مالك؟ قال : عملي ، قالوا : إنما نسألك عن الذهب والفضة ، قال : ما أصبح ولا أمسي وما أمسي ولا أصبح لنا كندوج فيه حر متاعنا ، سمعت خليلي رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : كندوج المرء قبره(٣).
ما : بإسناده عن موسى بن بكر ، عن أبي إبراهيم مثله(٤).
كش : علي بن محمد القيتبي ، عن الفضل بن شاذان ، عن أبيه ، عن علي بن الحكم ، عن موسى بن بكر مثله(٥).
بيان : الكندوج بالكسر : شبه المخزن معرب كندو ، والحر بالضم : خيار كل شئ.
٩ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن محمد بن يحيى الخثعمي ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن أبا ذر أتى رسول الله (ص) ومعه جبرئيل في صورة دحيل الكلي وقد استخلاه رسول الله صلى الله وآله ، فلما رآهما انصرف عنهما ولم يقطع كلامهما ، فقال جبرئيل : يا محمد هذا أبوذر قد مر بنا ولم يسلم علينا ، أما لو سلم لرددنا عليه ، يا محمد إن له دعاء يدعو به معروفا عند أهل السماء فاسأله عنه إذا عرجت إلى السماء فلما ارتفع جبرئيل عليهالسلام جاء أبوذر إلى النبي (ص) فقال له رسول الله (ص) : ما
____________________
(١) في المصدر : مالكا الاشتر.
(٢) رجال الكشى : ٤٤ (ط ١) ر ٦٢ (ط ٢).
(٣) روضة الواعظين : ٢٤٥. (٤) امالى الشيخ : ٧٨.
(٥) رجال الكشى : ١٨ و ١٩.