بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

رفع رأسه إليه فقال : قد جعلت لك ثلاثا فإن قدرت عليه بعد ثلاثة قتلته ، فلما أدبر قال رسول الله : اللهم العن المغيرة بن أبي العاص ، والعن من يؤويه ، والعن من يحمل ، والعن من يطعمه ، والعن من يسقيه ، والعن من يجهزه ، والعن من يعطيه سقاء أو حذاء أو رشاء أو وعاء وهو يعدهن بيمينه ، وانطلق به عثمان فآواه وأطعمه وسقاه وحمله وجهزه حتى فعل جميع ما لعن عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من يفعله به ، ثم أخرجه في اليوم الرابع يسوقه ، فلم يخرج من أبيات المدينة حتى أعطب الله راحلته ، ونقب حذاه ، ودميت(١) قدماه ، فاستعان بيده وركبته(٢) وأثقله جهازه حتى وجربه(٣) فأتى سمرة(٤) فاستظل بها لو أتاها بعضكم ما أبهره(٥) فأتى رسول الله (ص) الوحي فأخبره بذلك فدعا عليا عليه‌السلام فقال : خذ سيفك فانطلق أنت وعمار وثالث(٦) لهم فإن المغيرة بن أبي العاص(٧) تحت شجرة كذا وكذا فأتاه علي عليه‌السلام فقتله ، فضرب عثمان بنت رسول الله (ص) وقال : أنت أخبرت أباك بمكانه ، فبعثت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تشكو ما لقيت ، فأرسل إليها رسول الله (ص) اقني حياءك فما أقبح بالمرأة ذات حسب ودين في كل يوم تشكو زوجها ، فارسلت إليه مرات(٨) كل ذلك يقول لها ذلك ، فلما كان في الرابعة دعا عليا عليه‌السلام وقال : خذ سيفك واشتمل عليه ، ثم ائت بنت ابن عمك فخذ بيدها ، فإن حال بينك وبينها(٩) فاحطمه بالسيف ، وأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كالواله من منزله إلى دار عثمان ، فأخرج علي عليه‌السلام ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما نظرت إليه رفعت صوتها بالبكاء ، واستعبر

____________________

(١) درمت خ ل. أقول : هكذا في نسخة المصنف ولعله مصحف رمت كما في المصدر.

(٢) بيديه وركبتيه خ ل.

(٣) حسر خ ل وجس به خ ل. أقول : يوجد الاخير في المصدر.

(٤) شجرة خ ل. (٥) في المصدر : ما ابهره ذلك.

(٦) وثالث لهما خ ل.

(٧) في المصدر : فأت المغيرة بن ابى العاص تحت سمرة « شجره خ ل » كذا وكذا.

(٨) مرارا خ ل.

(٩) في المصدر : فان حال بينك وبينها أحد.

١٦١

رسول الله (ص) وبكى ثم أدخلها منزله وكشفت عن ظهرها ، فلما أن رأى ما بظهرها قال ثلاث مرات : ماله؟ قتلك قتله الله ، وكان ذلك يوم الاحد وبات عثمان متحلفا(١) بجاريتها ، فمكث الاثنين والثلثاء وماتت في اليوم الرابع ، فلما حضر أن يخرج بها أمر رسول الله (ص) فاطمة عليها‌السلام فخرجت ونساء المؤمنين معها ، وخرج عثمان يشيع جنازتها ، فلما نظر إليه النبي صلى الله عليه آوله قال : من أطاف البارحة بأهله أو بفتاته فلا يتبعن جنازتها ، قال ذلك ثلاثا ، فلم ينصرف فلما كان في الرابعة : قال : لينصرفن أولا سمين باسمه ، فأقبل عثمان متوكيا على مولى له ممسكا ببطنه(٢) فقال : يا رسول الله إني أشتكي بطني ، فإن رأيت أن تأذن لي أن أنصرف ، قال : انصرف! وخرجت فاطمة عليها‌السلام ونساء المؤمنين والمهاجرين فصلين على الجنازة(٣) بيان : يقال : ندر الشئ ، أي سقط ، وأندره غيره ، وفي بعض النسخ : هدر ، وهو أظهر ، وقد مر أن المشجب : خشبات منصوبة توضع عليها الثياب ، قوله : فأعادها ثلاثا ، هذا من كلام الامام عليه‌السلام ، والضمير راجع إلى كلام عثمان بتأويل الكلمة أو الجملة أي أعاد قوله : قد والذي بعثك بالحق آمنتة ، وقوله : وأعادها أبو عبدالله ثلاثا كلام الراوي ، أدخله بين كلامي الامام ، أي إنه عليه‌السلام كلما أعاد كلام عثمان أتبعه بقوله : وكذب والذي بعثه الخ ، وقوله : إني آمنته ، بيان لمرجع الضمير في قوله : أعادها أولا ، وأحال المرجع في الثاني على الظهور ، ويحتمل أن يكون قوله : إني آمنته ، بدلا من الضمير المؤنث في الموضعين معا ، بأن يكون غرض الراوي أنه لم يقل فأعادها ثلاثا ، بل كرر القول بعينه ثلاثا ، فيحتمل أن يكون عليه‌السلام كرر : والذي بعثه أيضا. ولم يذكره الراوي لظهوره ، أو يكون مراده إلى آخره وأن يكون عليه‌السلام قال ذلك مرة بعد الاولى أو بعد الثالثة ، وعلى التقادير قوله : إلا أنه ، استثناء من قوله : ما آمنه ، أي لم يكن آمنه إلا أنه أي عثمان يأتي النبي (ص) عن يمينه وعن شماله ويلح ويبالغ ليأخذ منه صلى‌الله‌عليه‌وآله الامان له ، وفي

____________________

(١) ملتحفا خ ل. متخليا خ ل. (٢) بطنه خ ل.

(٣) فروع الكافى ١ : ٦٩ و ٧٠.

١٦٢

بعض النسخ [ أنى آمنه ] على صيغة الماضي الغائب ، فأنى بالفتح والتشديد للاستفهام الانكاري ، والاستثناء متعلق به ، لكن في أكثر النسخ بصيغة التكلم ، فيدل على أن قول اللعين سابقا [ آمنته ] بصيغة التكلم أيضا ، وغرضه إني آمنته في المعركة وأدخلته المدينة ، إذا الامان بعدها لا ينفع ، وربما يقرء [ أمنته ] على بناء التفعيل ، أي جعلته مؤمنا ، وعلى النسخة الظاهرة [ آمنته ] بصيغة الخطاب ، أي ادعى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آمنه ، فيكون موافقا لما مر في خبر الخرائج ، قوله : حتى وجربه قال الجوهري : وجرت منه ، بالكسر : خفت ، وفي بعض النسخ حسربه ، أي أعيا وانقطع بجهازه ، وفي بعضها : وجس به ، أي فزع.

قوله : ما أبهره ، ما نافية لبيان قرب المسافة ، أو للتعجب لبيان بعدها و مشقتها ، والبهر : انقطاع النفس من الاعيان ، وبهره الحمل يبهر بهرا : إذا وقع عليه البهر ، فانبهر ، أي تتابع نفسه ، وأبهر : احترق من حر بهرة النار ، وقال الجوهري : قنيت الحياء بالكسر قنيانا أي لزمته ، قال عنترة.

اقني حياءك لا أبا لك واعلمي * إني امرؤ سأموت إن لم اقتل والحطم : الكسر ، والتحف بالشئ : تغطى به ، واللحاف ككتاب : ما يلتحف به وزوجة الرجل.

٢٣ ـ كا : العدة ، عن البرقي ، عن عثمان بن عيسى ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال : فقال : نعوذ بالله(١) ، ما أقل من يفلت من ضغطة القبر ، إن رقية لما قتلها عثمان وقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على قبرها فرفع رأسه إلى السماء فدمعت عيناه وقال للناس : إني ذكرت هذه وما لقيت فرققت لها واستوهبتها من ضمه القبر ، قال : فقا اللهم هب لي رقية من ضمة القبر ، فوهبها الله له ، قال : وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج في جنازة سعد وقد شيعه سبعون ألف ملك فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه إلى السماء ثم

____________________

(١) نعوذ بالله منهما خ ل.

١٦٣

قال : مثل سعد يضم ، قال : قلت : جعلت فداك إنا نحدث أنه كان يستخف بالبول فقال : معاذ الله إنما كان من زعارة في خلقه على أهله ، قال : فقالت ام سعد : هنيئا لك يا سعد ، قال : فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا ام سعد لا تحتمى على الله(١).

٢٤ ـ كا : حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبان عن أبي بصير ، عن أحدهما عليها‌السلام قال : لما ماتت رقية ابنة رسول الله (ص) قال رسول الله : الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون وأصحابه ، قال : وفاطمة عليها‌السلام على شفير القبر تنحدر دموعها في القبر ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتلقاه بثوبه قائم(٢) يدعو ، قال : إني لاعرف ضعفها ، وسألت الله عزوجل أن يجيرها من ضمة القبر(٣).

بيان : قال الشيخ السعيد المفيد قدس الله روحه في المسائل السروية في جواب من سأل عن تزويج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنته زينب ورقية من عثمان ، قال رحمه‌الله بعد إيراد بعض الاجوبة عن تزويج أمير المؤمنين عليه‌السلام بنته من عمر : وليس ذلك بأعجب من قول لوط(٤) : « هؤلاء بناتي هن أطهرلكم » (٥) فدعاهم إلى العقد عليهم(٦) لبناته وهم كفار ضلال ، قد أذن الله تعالى في هلاكهم(٧) ، وقد زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الاصنام ، أحدهما عتبة بن أبي لهب ، والآخر ابوالعاص بن الربيع ، فلما بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرق بينهما وبين ابنتيه ، فمات عتبة على الكفر ، وأسلم أبوالعاص فردها عليه(٨) بالنكاح الاول ، ولم يكن صلى‌الله‌عليه‌وآله في حال من الاحوال كافرا ولا مواليا لاهل الكفر وقد زوج من يتبرأ من دينه وهو معاد له في الله عزوجل ، وهما اللذان(٩) زوجهما عثمان بعد هلاك عتبة وموت أبي العاص

____________________

(١) فروع الكافى ١ : ٦٤. (٢) في المصدر : قائما يدعو.

(٣) فروع الكافى ١ : ٦٦.

(٤) في المصدر : من قوم لوط كما حكى الله عنه بقوله : هؤلاء.

(٥) هود : ٧٨. ( ٦ ) في المصدر : إلى العقد عليهن.

(٧) في المصدر : وقد اذن الله تعالى في إهلاكهم.

(٨) في المصدر : واسلم ابوالعاص بعد ابانة الاسلام فردها عليه.

(٩) في المصدر : وقد زوج من يتبرأ من دينه من بنى امية هو يعاديه في الله عزوجل ، و هاتان هما اللتان.

١٦٤

وإنما زوجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ظاهر الاسلام ، ثم إنه تغير بعد ذلك ولم يكن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تبعة فيما يحدث في العاقبة ، هذا على قول بعض أصحابنا وعلى قول فريق آخر : إنه زوجه على الظاهر ، وكان باطنه مستورا عنه ويمكن(١) أن يستر الله عن نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله نفاق كثير من المنافقين ، وقد قال الله سبحانه : « ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم(٢) » فلا ينكر أن يكون في أهل مكة كذلك ، والنكاح على الظاهر دون الباطن ، وأيضا يمكن أن يكون الله تعالى قد أباحه مناكحة من يظاهر الاسلام(٣) وإن علم من باطنه النفاق ، وخصه بذلك ، ورخص له فيه كما خصه في أن يجمع بين أكثر من أربع حرائر في النكاح ، وأباحه أن ينكح بغير مهر ، ولم يحظر عليه المواصلة في الصيام ولا الصلاة(٤) بعد قيامه من النوم بغير وضوء وأشباه ذلك مما خص به وحظر على غيره من عامة الناس ، فهذه أجوبة ثلاثة عن تزويج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عثمان ، وكل واحد منها كاف بنفسه ، مستغن عما سواه ، والله الموفق للصواب. انتهى كلامه ، طوبى له وحسن مآب(٥).

وقال السيد المرتضى رحمه‌الله في الشافي : فإن قيل : إذا كان جحد النص كفرا عندكم وكان الكافر على مذاهبكم لا يجوز أن يتقدم منه إيمان ولا إسلام.

والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عالم بكل ذلك ، فكيف يجوز أن ينكح ابنته من يعرف من باطنه خلاف الايمان؟

قلنا : ليس كل من قال بالنص على أمير المؤمنين عليه‌السلام يكفر دافعيه ، ولا كل من كفر دافعيه يقول بالموافاة ، وإن الموافي بالكفر لا يجوز أن يتقدم منه إيمان ، ومن قال بالامرين لا يمتنع أن يجوز كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله غير عالم بحال دافعي النص على سبيل التفصيل ، فإذا علم ذلك علم ما يوجب تكفيرهم ، ومتى لم يعلم جوز أن يتوبوا كما يجوز أن يموتوا على حالهم ، وذلك يمنع من القطع في

____________________

(١) في المصدر : وليس بمكنر. (٢) سورة التوبة : ١٠١.

(٣) في المصدر : من ظاهره الاسلام. (٤) في المصدر : ولا في الصلاة.

(٥) المسائل السروية : ٦٢ ـ ٦٤.

١٦٥

الحال على كفرهم وإن أظهروا الاسلام ، ثم لو ثبت أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم التفصيل والعاقبة وكل شئ جوزنا أن لا يعلمه لكان ممكنا أن يكون تزويجه قبل هذا العلم فلو كان تقدم له العلم لما زوجه ، فليس معنى في العلم إذا ثبت تاريخ انتهى(١).

أقول : سيأتي بعض القول في ذلك في باب المطاعن إن شاء الله.

٢٥ ـ قال في المنتقى : ولدت خديجة له صلى‌الله‌عليه‌وآله زينب ورقية وام كلثوم وفاطمة والقاسم ، وبه كان يكنى ، والطاهر والطيب ، وهلك هؤلاء الذكور في الجاهلية ، وأدركت الاناث الاسلام فأسلمن وهاجرن معه ، وقيل : الطيب والطاهر لقبان لعبدالله ، وولد في الاسلام ، وقال ابن عباس : أول من ولد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة قبل النبوة القاسم يكنى به ، ثم ولد له زينب ، ثم رقية ، ثم فاطمة ، ثم ام ـ كلثوم ، ثم ولد له في الاسلام عبدالله ، فسمي الطيب والطاهر ، وامهم جميعا خديجة بنت خويلد ، وكان أول من مات من ولده القاسم ، ثم مات عبدالله بمكة ، فقال العاص بن وائل السهمي : قد انقطع ولده فهو أبتر ، فأنزل الله تعالى : « إن شانئك هو الابتر(٢) » وعن جبير ابن مطعم قال : مات القاسم وهو ابن سنتين ، وقيل : سنة(٣) ، وقيل إن القاسم والطيب عاشا سبع ليال ، ومات عبدالله بعد النبوة بسنة وأما إبراهيم فولد سنة ثمان من الهجرة ، ومات وله سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام ، وقيل : كان بين كل ولدين لخديجة سنة ، وقيل : إن الذكور من أولاده ثلاثة ، والبنات أربع ، أولهن زينب ، ثم القاسم ، ثم ام كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية ثم عبدالله وهو الطيب والطاهر ، ثم إبراهيم ، ويقال : إن أولهم القاسم ، ثم زينب ثم عبدالله ، ثم رقية ، ثم ام كلثوم ، ثم فاطمة ، وأما بناته فزينب كانت زوجة أبي العاص واسمه القاسم بن الربيع ، وكان لها منه ابنة اسمها أمامة ، فتزوجها المغيرة بن نوفل ثم فارقها ، وتزوجها علي عليه‌السلام بعد وفاة فاطمة عليها‌السلام ، وكان

____________________

(١) الشافى : ٢٦٢ و ٢٦٣. (٢) الكوثر : ٣.

(٣) في المصدر : وقيل : ابن سنة.

١٦٦

أوصت بذلك(١) قبل فوتها ، وتوفيت زينب سنة ثمان من الهجرة ، وقيل إنها ولدت من أبي العاص ابنا اسمه علي ومات في ولاية عمر ، ومات أبوالعاص في ولاية عثمان وتوفيت أمامة سنة خمسين ، ورقية كانت زوجة عتبة بن أبي لهب فطلقها قبل الدخول بأمر أبيه وتزوجها عثمان في الجاهلية فولدت له ابنا سماه عبدالله ، وبه كان يكنى وهاجرت مع عثمان إلى الحبشة ثم هاجرت معه إلى المدينة وتوفيت سنة اثنتين من الهجرة والنبي (ص) في غزوة بدر وتوفي ابنها سنة أربع وله ست سنين ويقال : نقره ديك على عينيه فمات ، وام كلثوم تزوجها عتيبة بن أبي لهب وفارقها قبل الدخول ، وتزوجها عثمان بعد رقية سنة ثلاث ، وتوفيت في شعبان سنة سبع ، وفاطمة صلوات الله عليها تزوجها علي عليه‌السلام سنة اثنتين من الهجرة ، ودخل بها منصرفه من بدر ، وولدت له حسنا وحسينا(٢) وزينب الكبرى وام كلثوم الكبرى ، وانتشر نور النبوة والعصمة حسبا ونسبا من ذرياتها وتوفيت بعد وفاة أبيها صلوات الله عليهما بمائة يوم ، وقيل : توفيت لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة ، وقيل : غير ذلك(٣) وأما منزل خديجة فإنه يعرف بها اليوم اشتراه معاوية فيما ذكر فجعله مسجدا يصلى فيه ، وبناه على الذي هو عليه اليوم ولم يغير(٤).

٢٦ ـ الغرر للسيد المرتضى رضي‌الله‌عنه : روى محمد بن الحنفية عن أبيه عليه‌السلام قال : كان قد كثر على مارية القبطية ام إبراهيم الكلام في ابن عم لها قبطي كان يزورها ويختلف إليها ، فقال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : خذ هذا السيف وانطلق(٥) فإن وجدته عندها فاقتله ، قلت : يا رسول الله أكون في أمرك كالسكة المحماة أمضي لما أمرتني ، أم الشاهد يرى مالا يرى الغائب؟ فقال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل الشاهد يرى

____________________

(١) في المصدر : وكانت اوصته بذلك.

(٢) في المصدر : ومسحنا. اقول وهو الصحيح كما يأتي في محله ، وقد صرح بذلك رجال من اهل السنة منهم ابن قتيبة في المعارف.

(٣) يأتى الخلاف في تاريخ وفاتها في محله.

(٤) المنتقى في مولد المصطفى : الباب الثامن فيما كان سنة خمس وعشرين من مولده.

(٥) في المصدر : وانطلق به.

١٦٧

ما لا يرى الغائب ، فأقبلت متوشحا بالسيف فوجدته عندها فاخترطت السيف ، فلما أقبلت نحوه عرف أني اريده ، فأتى نخلة فرقى إليها ثم رمى بنفسه على قفاه وشغر برجليه ، فإذا إنه أجب أمسح ماله مما للرجل قليل ولا كثير ، قال : فغمدت السيف ورجعت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته ، فقال : الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت(١).

قال رضي‌الله‌عنه : في هذا الخبر أحكام وغريب ، ونحن نبدأ بأحكامه ثم تتلوه بغرييه ، فأول ما فيه أن القائل أن يقول : كيف يجوز أن يأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بقتل رجل على التهمة بغير بينة وما يجري مجراها؟

والجواب عن ذلك أن القبطي جائز أن يكون من أهل العهد الذين أخذ عليهم أن يجري فيهم أحكام المسلمين ، وأن يكون الرسول الله (ص) تقدم إليه بالانتهاء عن الدخول إلى مارية فخالف وأقام على ذلك ، وهذا نقض للعهد ، وناقض العهود من أهل الكفر مؤذن بالمحاربة ، والمؤذن بها مستحق للقتل فأما قوله : « بل الشاهد يرى مالا يرى الغائب » فإنما عنى به رؤية العلم ، لا رؤية البصر ، لانه لا معنى في هذا الموضع لرؤية البصر ، فكأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : بل الشاهد يعلم ويصح له من وجه الرأي والتدبير مالا يصح للغائب ، ولو لم يقل ذلك لوجب قتل الرجل على كل حال ، وإنما جاز منه أن يخير بين قتله والكف عنه ، و يفوض الامر في ذلك إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام من حيث لم يكن قتله من الحدود و الحقوق التي لا يجوز العفو عنها ، ولا يسع إلا إقامتها ، لان ناقض العهد ممن إلى الامام القائم بامور المسلمين إذا قدر عليه قبل التوبة أن يقتله أو يمن عليه ، ومما فيه أيضا من الاحكام اقتضاؤه أن مجرد أمر الرسول لا يقتضي الوجوب ، لانه لو اقتضى ذلك لما حسنت مراجعته ولا استفهامه ، وفي حسنها ووقوعها موقعها دلالة على أنه لا يقتضي ذلك ، ومما فيه أيضا من الاحكام دلالته على أنه لا بأس بالنظر إلى عورة الرجل عند الامر ينزل فلا يوجد من النظر إليها بد ، إما لحد يقام ، أو لعقوبة تسقط ، لان العلم بأنه أمسح أجب لم يكن إلا عن تأمل ونظر ، وإنما جاز

____________________

(١) يصرف عنا الرجل أهل البيت.

١٦٨

التأمل والنظر ليتبين هل هو ممن يكون منه ما قرف به أم لا ، والواجب على الامام فيمن شهد عليه بالزنا وادعى أنه مجبوب أن يأمر بالنظر إليه ويتبين أمره ومثله(١) أمر النبي (ص) في قتل مقاتلة بني قريظة لانه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أن ينظروا إلى مؤتزر كل من أشكل عليهم أمره ، فمن وجدوه قد أثبت قتلوه ، ولولا جواز النظر إلى العورة عند الضرورة لما قامت شهادة الزنا ، لان من رأى رجلا مع امرأة واقعا عليها متى لم يتأمل أمرها حق التأمل لم تصح شهادته ، ولهذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لسعد بن عبادة وقد سألته عمن وجد مع امرأته رجلا أيقتله؟ فقال : « حتى يأتي بأربعة شهداء » فلو لم يكن الشهداء إذا حضروا تعمدوا إلى النظر إلى عورتيهما لاقامة الشهادة كان حضورهم كغيبتهم ، ولم تقم شهادة الزنا ، لان من شرطها مشاهدة العضو في العضو كالميل في المكحلة.

فإن قيل : كيف جاز لامير المؤمنين عليه‌السلام الكف عن القتل؟ ومن أي جهة آثره لما وجده أجب؟ وأي تأثير لكونه أجب فيما استحق به القتل وهو نقض العهد؟

قلنا : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لما فوض إليه الامر في القتل والكف كان له أن يقتله على كل حال وإن وجده أجب ، لان كونه بهذه الصفة لا يخرجه عن نقض العهد وإنما آثر الكف الذي كان إليه ومفوضا إلى رأيه لازالة التهمة والشك الواقعين في أمر مارية ، ولانه أشفق من أن يقتله فيتحقق الظن ويلحق بذلك العار ، فرأى عليه‌السلام أن الكف أولى لما ذكرناه.

فأما غريب الحديث فقوله : شغر برجليه ، يريد رفعهما ، وأصله في وصف الكلب إذا رفع رجله للبول ، وأما قوله : فإذا إنه أجب ، فيعني به المقطوع الذكر ، لان الجب هو القطع ، ومنه بعير أجب ، إذا كان مقطوع السنام ، وقد ظن بعض من تأول هذا الخبر أن الامسح ههنا هو قليل لحم الالية ، وهذا غلط لان الوصف بذلك لا معنى له في الخبر ، وإنما أراد تأكيد الوصف له بأنه أجب ، والمبالغة

____________________

(١) وتبيين امره ، وبمثله أمر.

١٦٩

فيه لان قوله : أمسح ، يفيد أن مصطلم الذكر ، ويزيد على معنى الاجب زيادة ظاهره(١). انتهى كلامه قدس‌سره ، ولم نتعرض لما يرد على بعض ما أفاده رحمه الله إحالة على فهم الناظرين.

٢

باب

*(جمل أحوال أزواجه صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه قصة زينب وزيد)*

الاحزاب « ٣٣ » : وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل * ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما * النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امهاتهم « ٤ ـ ٦ ».

وقال تعالى : يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحيوة الدنيا و زينتها فتعالين امتعكن واسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما * يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا* ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما * يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا * إن المسلمين والمسلمات

____________________

(١) الغرر والدرر ويقال له الامالى ١ : ٥٤ ـ ٥٧ طبعة السعادة بمصر.

١٧٠

والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين و الصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما * وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا * وإذا تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا * ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا * الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا * ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما « ٢٩ ـ ٤٠ ».

وقال تعالى : « يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت اجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما * ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حكيما * لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شئ رقيبا * يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكن إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فاذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسئلوهن من وراء حجاب ذلكم

١٧١

أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما * إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شئ عليما * لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شئ شهيدا « ٥٠ ـ ٥٥ » إلى قوله تعالى :

« يا أيها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما * لئن لم ينته المنافقون والذي في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ، ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا « ٥٩ و ٦٠ ».

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : « وما جعل أدعيائكم أبنائكم » : الادعياء جمع الدعي ، وهو الذي يتبناه الانسان ، بين سبحانه أنه ليس ابنا على الحقيقة ، ونزلت في زيد بن الحارثة بن شراحيل الكلبي من بني عبد ود تبناه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الوحي ، وكان قد وقع عليه السبي فاشتراه رسول الله (ص) بسوق عكاظ ، ولما نبئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعاه إلى الاسلام فأسلم ، فقدم أبوه حارثة مكة وأتى أبا طالب وقال : سل ابن أخيك فإما أن يبيعه وإما أن يعتقه ، فلما قال ذلك أبوطالب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : هو حر فليذهب حيث شاء ، فأبى زيد أن يفارق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال حارثة : يامعشر قريش اشهدوا أنه ليس ابني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اشهدوا أن زيدا ابني ، فكان يدعى زيد بن محمد ، فلما تزوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة قالت اليهود والمنافقون : تزوج محمد امرأة ابنه ، وهو ينهى الناس عنها ، فقال الله سبحانه : ما جعل الله من تدعونه ولدا وهو ثابت النسب من غيركم ولدا لكم « ذلكم قولكم بأفواهكم » أي ان قولكم الدعي ابن الرجل شئ تقولونه بألسنتكم لا حقيقة له عند الله تعالى « والله يقول الحق » الذي يلزم اعتقاده « وهو يهدي السبيل » أي يرشد إلى طريق الحق

١٧٢

« ادعوهم لآبائهم » الذين ولدوهم وانسبوهم إليهم أو إلى من ولدوا على فراشهم « هو أقسط عندالله » أي أعدل عند الله قولا وحكما ، روي عن ابن عمر(١) قال : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن « ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبائهم » أي لم تعرفوهم بأعيانهم « فإخوانكم في الدين » أي فهو إخوانكم في الملة فقولوا : يا أخي « ومواليكم » أي بني أعمامكم ، أو أولياؤكم في الدين في وجوب النصرة ، أو معتقوكم ومحرروكم إذا أعتقتموهم من رق فلكم ولاؤهم « وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به » أي إذا ظننتم أنه أبوه فلا يؤاخذكم الله به « ولكن ما تعمدت قلوبكم » أي ولكن الاثم والجناح في الذي قصدتموه من دعائهم إي غير آبائهم ، وقيل : ما أخطأتم قبل النهي وما تعمدتموه بعد النهي « وكان الله غفورا » لما سلف من قولكم « رحيما » بكم « وأزواجه امهاتهم » أي انهن للمؤمنين كالامهات في الحرمة وتحريم النكاح ، وليس امهات لهم على الحقيقة إذ لو كانت(٢) كذلك لكانت بناته أخوات المؤمنين على الحقيقة ، فكان لا يحل للمؤمنين التزوج بهن ، ألا ترى أنه لا يحل للمؤمنين رؤيتهن ، ولا يرثن المؤمنين ولا يرثون(٣).

« يا أيها النبي قال لازواجك » قال المفسرون : إن أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سألته شيئا من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة في النفقة ، وآذنيه لغيرة بعضهن على بعض فآلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منهن شهرا ، فنزلت آية التخيير ، وهو قوله : « قل لازواجك » وكن يومئذ تسعا : عايشة وحفصة وام حبيبة بنت أبي سفيان وسودة بنت زمعة وام سلمة بنت أبي امية ، فهؤلاء من قريش ، وصفية بنت حيي الخيبرية وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وزينب بنت جحش الاسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية ، وروى الواحدي بالاسناد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان رسول الله (ص) جالسا مع حفصة فتشاجر بينهما فقال : هل لك أن أجعل

____________________

(١) في المصدر : وروى سالم عن ابن عمر. (٢) في المصدر : اذ لوكن.

(٣) مجمع البيان ٨ : ٣٣٦ و ٣٣٧.

١٧٣

بيني وبينك رجلا؟ قالت : نعم ، فأرسل إلى عمر فلما أن دخل عليهما قال لها : تكلمي ، قالت : يا رسول الله تكلم ولا تقل إلا حقا ، فرفع عمر يده فوجأ وجهها ثم رفع يده فوجأ وجهها ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : كف ، فقال عمر : يا عدوة الله النبي لا يقول إلا حقا ، والذي بعثه بالحق لولا مجلسه ما رفعت يدي حتى تموتي فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فصعد إلى غرفة فمكث فيها شهرا لا يقرب شيئا من نسائه يتغدى و يتعشى فيها فأنزل الله تعالى هذه الآيات « إن كنتن تردن الحيوة الدنيا وزينتها » أي سعة العيش في الدنيا وكثرة حكن « أي اطلقكن » سراحا جميلا « أي طلاقا من غير خصومة ولا مشاجرة » وإن كنتن تردن الله ورسوله « أي طاعتهما والصبر على ضيق العيش » والدار الآخرة « أي الجنة » فإن الله أعد للمحسنات « أي العارفات المريدات الاحسان ، المطيعات له » منكن أجرا عظيما « واختلف في هذا التخيير فقيل : إنه خيرهن بين الدنيا والآخرة ، فإن هن اخترن الدنيا استأنف حينئذ طلاقهن بقوله : « امتعكن واسرحكن » وقيل : خيرهن بين الطلاق والمقام معه ، واختلف العلماء في حكم التخيير على أقوال : أحدها : أن الرجل إذا خير امرأته فاختارت زوجها فلا شئ ، وإن اختارت نفسها تقع تطليقة واحدة(١). وثانيها : إنه إذا اختارت نفسها تقع ثلاث تطليقات ، وإن اختارت زوجها تقع واحدة(٢).

وثالثها : إنه إن نوى الطلاق كان طلاقا وإلا فلا(٣).

ورابعها : إنه لا يقع بالتخيير طلاق ، وإنما كان ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة ولو اخترن أنفسهن لبن منه ، فأما غيره فلا يجوز له ذلك ، وهو المروي عن أتمتنا عليهم‌السلام.

____________________

(١) في المصدر : وهو قول عمر بن الخطاب وابن مسعود واليه ذهب ابوحنيفة واصحابه.

(٢) في المصدر : وهو قول زيد بن ثابت ، واليه ذهب مالك.

(٣) في المصدر : وهو مذهب الشافعى.

١٧٤

« بفاحشة مبينة » أي بمعصية ظاهرة « يضاعف لها العذاب » في الآخرة « ضعفين » أي مثلي ما يكون على غيرهن ، وذلك لان نعم الله سبحانه عليهن أكثر لمكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله منهن ، ونزول الوحي في بيوتهن ، وإذا كانت النعمة عليهن أعظم وأوفر كانت المعصية منهن أفحش ، والعقوبة بها أعظم وأكثر ، وقال أبو ـ عبيدة : الضعفان أن يجعل الواحد ثلاثا ، فيكون عليهن ثلاثة حدود ، وقال غيره : المراد بالضعف المثل ، فالمعنى أنها يزاد في عذابها ضعف كما زيد في ثوابها ضعف كما قال : « نؤتها أجرها مرتين ».

« وكان ذلك » أي عذابها « على الله يسيرا » اي هينا « ومن يقنت منكن لله ورسوله » القنوت : الطاعة ، وقيل : المواظبة عليها ، وروى أبوحمزة الثمالي عن زيد بن علي أنه قال : إني لارجو للمحسن منا أجرين ، وأخاف على المسئ عمير ، عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن علي بن عبدالله بن الحسين ، عن أبيه عن علي بن الحسين عليها‌السلام أنه قال له رجل : إنكم أهل بيت مغفور لكم ، قال : فغضب وقال : نحن أحرى أن يجري فينا ما أجرى الله في أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أن نكون كما تقول ، إنا نرى لمحسننا ضعفين من الاجر ، ولمسيئنا ضعفين من العذاب ، ثم قرأ الآيتين « وأعتدنا لها رزقا كريما » أي عظيم القدر ، رفيع الخطر « لستن كأحد من النساء » قال ابن عباس : أي ليس قدركن عندي كقدر غيركن من النساء الصالحات « إن اتقيتن » شرط عليهن التقوى ليبين سبحانه أن فضيلتهن بالتقوى لا بمحض اتصالهن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « فلا تخضعن بالقول » أي لا ترققن القول ، و لا تلن الكلام للرجال ، ولا تخاطبن الاجانب مخاطبة تؤدي إلى طمعهم فتكن كما تفعل المرأة التي تظهر الرغبة في الرجال « فيطمع الذي في قلبه مرض » أى نفاق و فجور ، وقيل : شهوة الزنا « وقلن قولا معروفا » أي مستقيما جميلا بريئا عن التهمة بعيد من الريبة « وقرن في بيوتكن » من القرار ، أو من الوقار ، فعلى الاول يكون الامر اقررن فيبدل من العين الياء كراهة التضعيف ، ثم تلقى الحركة على

١٧٥

الفاء وتسقط العين فتسقط همزة الوصل ، والمعنى اثبتن في منازلكن والزمنها ، و إن كان من وقر يقر فمعناه كن أهل وقار وسكينة « ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى » أي لا تخرجن على عادة النساء اللاتي كن في الجاهلية ، ولا تظهرن زينتكن كما كن يظهرن ذلك ، وقيل : التبرج التبختر والتكبر في المشي ، و قيل : هو أن تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فتواري قلائدها وقرطيها فيبدو ذلك منها ، والمراد بالجاهلية الاولى ما كان قبل الاسلام ، وقيل : ما كان بين آدم ونوح ثمان مائة سنة ، وقيل : ما بين عيسى ومحمد ، عن الشعبي ، قال : وهذا لا يقتضي أن يكون بعدها جاهلية في الاسلام ، لان الاول اسم للسابق تأخر عنه غيره أو لم يتأخر ، وقيل : إن « معنى تبرج الجاهلية الاولى » أنهم كانوا يجوزون أن تجمع امرأة واحدة زوجا وخلا ، فتجعل لزوجها نصفها الاسفل ، و لخلها نصفها الاعلى يقبلها ويعانقها.

أقول : سيأتي تفسير آية التطهير في المجلد التاسع.

« واذكرن » الآية ، أي اشكرن الله إذ صيركن في بيوت تتلى فيها القرآن والسنة ، أو احفظن ذلك وليكن ذلكن منكن على بال أبدا لتعملن بموجبه ، قال مقاتل : لما رجعت أسماء بنت عميس من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : هل نزل فينا شئ من القرآن؟ قلن : لا ، فأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار ، فقال : ومم ذلك؟ قالت : لانهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : « إن المسلمين » أي المخلصين الطاعة لله ، أو الداخلين في الاسلام ، أو المستسلمين لاوامر الله والمنقادين له من الرجال والنساء « والمؤمنين » أي المصدقين بالتوحيد « والقانتين » أي الدائمين على الاعمال الصالحات ، أو الداعين « والخاشعين » أي المتواضعين الخاضعين لله تعالى « والحافظين فروجهم » من الزنا وارتكاب الفجور « والذاكرين الله » روي عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : من بات على تسبيح فاطمة عليها‌السلام كان من الذاكرين الله كثيرا والذاكرت(١).

____________________

(١) مجمع البيان ٨ : ٣٥٣ و ٣٥٤ و ٣٥٦ و ٣٥٨.

١٧٦

« وما كان لمؤمن ولا مؤمنة » نزلت في زينب بنت جحش الاسدية ، وكانت بنت امية بنت عبدالمطلب عمة رسول الله (ص) فخطبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على مولاه زيد ابن حارثة ، ورأت أنه يخطبها على نفسه ، فلما علمت أنه يخطبها على زيد أبت و أنكرت ، وقالت : أنا ابنة عمتك فلم أكن لافعل ، وكذلك قال أخوها عبدالله بن جحش ، فنزل « وما كان لمؤمن ولا مؤمنة » الآية يعني عبدالله واخته زينب ، فلما نزلت الآية قالت : رضيت يا رسول الله ، وجعلت أمرها بيد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكذلك أخوها ، فأنكحها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زيدا فدخل بها ، وساق إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرة دنانير وستين درهما مهرا ، وخمارا ومحلفة ودرعا وإزارا وخمسين مدا من طعام ، وثلاثين صاعا من تمر ، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وقالت زينب : خطبني عدة من قريش فبعثت اختي حمنة بنت جحش إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أستشيره فأشار بزيد فغضبت اختي وقالت : أتزوج بنت عمتك مولاك؟ ثم أعلمتني فغضبت أشد من غضبها ، فنزلت الآية ، فأرسلت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت : زوجني ممن شئت ، فزوجني من زيد ، وقيل : نزلت في ام كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وكانت وهبت نفسها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : قد قبلت وزوجها زيد ابن حارثة فسخطت هي وأخوها وقالا : إنما أردنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فزوجنا عبده فنزلت الآية ، عن ابن زيد « إذا قضى الله ورسوله » أي أوجبا أمرا وألزماه وحكما به « أن يكون لهم الخيرة » أي الاختيار « من أمرهم » على اختيار الله تعالى « وإذ تقول » أي اذكر يا محمد حين تقول « للذي أنعم الله عليه » بالهداية « وأنعمت عليه » بالعتق ، وقيل : أنعم الله عليه بمحبة رسول الله ، وأنعم الرسول عليه بالتبني وهو زيد ابن حارثة « أمسك عليك زوجك » يعني زينب تقول : احبسها ولا تطلقها ، وهذا الكلام يقتضي مشاجرة جرت بينهما حتى وعظه الرسول الله (ص) وقال : أمسكها « و اتق الله » في مفارقتها ومضارتها « وتخفي في نفسك من الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه » والذي أخفاه في نفسه هو أنه إن طلقها زيد تزوجها ، و خشي صلى‌الله‌عليه‌وآله لائمة الناس أن يقولوا : أمره بطلاقها ثم تزوجها ، وقيل : الذي

١٧٧

أخفاه في نفسه هو أن الله سبحانه أعلمه أنها ستكون من أزواجه ، وأن زيدا سيطلقها فلما جاء زيد وقال له : اريد أن اطلق زينب قال له : أمسك عليك زوجك ، فقال سبحانه : لم قلت : أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك؟ و روي ذلك عن علي بن الحسين عليها‌السلام ، وهذا التأويل مطابق لتلاوة القرآن ، وذلك أنه سبحانه أعلم أنه يبدي ما أخفاه ولم يظهر غير التزويج فقال : « زوجناكها » فلو كان الذي أضمره محبتها أو إرادة طلاقها لاظهر الله تعالى ذلك مع وعده بأنه يبديه ، فدل ذلك على أنه عوتب على قوله : أمسك عليك زوجك ، مع علمه بأنها ستكون زوجته ، وكتمانه ما أعلمه الله به حيث استحيى أن يقول لزيد : إن التي تحتك ستكون امرأتي ، قال البلخي : ويجوز أيضا أن يكون على ما يقولونه : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استحسنها فتمنى أن يفارقها فيتزوجها وكتم ذلك ، لان هذا التمني قد طبع عليه البشر ولا حرج على أحد في أن يتمنى شيئا استحسنه وقيل : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما أضمر أن يتزوجها ، إن طلقها زيد من حيث أنها كانت ابنة عمته ، فأراد ضمها إلى نفسه لئلا يصيبها ضيعة ، كما يفعل الرجل بأقاربه ، عن الجبائي قال : فأخبر الله سبحانه الناس بما كان يضمره من إيثار ضمها إلى نفسه ليكون ظاهره مطابقا لباطنه ، وقيل : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يريد أن يتزوج إذا فارقها ، ولكنه عزم أن لا يتزوجها مخافة أن يطعنوا عليه فأنزل الله هذه الآية كيلا يمتنع من فعل المباح خشية الناس ، ولم يرد بقوله : « والله أحق أن تخشاه » خشية التقوى ، لانه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتقي الله حق تقاته ويخشاه فيما يجب أن يخشى فيه ، ولكنه أراد خشية الاستحياء ، لان الحياء كان غالبا على شيمته الكريمة كما قال سبحانه : « وإن ذلكم كان يؤذي النبي (ص) فيستحيي منكم(١) » وقيل : إن زينب كانت شريفة فزوجها شرفا بأن يتزوجها ، لانه كان السبب في تزويجها من زيد ، فعزم أن يتزوج بها إذا فارقها ، وقيل : إن العرب كانوا ينزلون الادعياء منزلة الابناء في الحكم

____________________

(١) الاحزاب : ٥٣.

١٧٨

فأراد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبطل ذلك بالكلية وينسخ سنة الجاهلية ، فكان يخفي في نفسه تزويجها لهذا الغرض كيلا يقول الناس : إن تزوج امرأة ابنه ويقرفونه(١) بما هو منزه عنه ، ولهذا قال : « أمسك عليك زوجك » عن أبي مسلم ، ويشهد لهذا التأويل قوله فيما بعد : « فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها » الآية ، ومعناه فلما قضى زيد حاجته من نكاحها فطلقها وانقضت عدتها فلم يكن في قبله ميل إليها ولا وحشة من فراقها ، فإن معنى القضاء هو الفراغ من الشئ على التمام ، أذنا لك في تزويجها ، وإنما فعلنا ذلك توسعة على المؤمنين حتى لا يكون(٢) إثم في أن يتزوجوا أزواج أدعيائهم الذين تبنوهم إذا قضى الادعياء منهن حاجتهم و فارقوهن « وكان أمر الله مفعولا » أي كائنا لا محالة ، وفي الحديث أن زينب كانت تفتخر على سائر نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتقول : زوجني الله من النبي ، وأنتن إنما زوجكن أولياؤكن.

ورى ثابت عن أنس بن مالك قال : لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لزيد : اذهب فاذكرها علي ، قال زيد : فانطلقت فقلت : يا زينب أبشري قد أرسلني رسول الله (ص) يذكرك ، ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فدخل عليها بغير إذن لقوله : « زوجناكها ».

وفي رواية اخرى : قال زيد : فانطلقت فإذا هي تخمر عجينها ، فلما رأيتها عظمت في نفسي حتى ما أستطيع أن أنظر إليها حين علمت أن رسول الله (ص) ذكرها فوليتها ظهري وقلت : يا زينب ابشري ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخطبك ، ففرحت بذلك وقالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى اوامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ونزل « زوجناكها » فتزوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودخل بها ، وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها ، ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد(٣) النهار.

____________________

(١) في المصدر : يقذفونه.

(٢) في المصدر : حتى لا يكون عليهم اثم.

(٣) حتى اشتد خ ل.

١٧٩

وعن الشعبي : قال : كانت زينب تقول للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني لادل (١) عليك بثلاث ، ما من نسائك امرأة تدل بهن : جدي وجدك واحد ، وإني أنكحنيك الله في السماء ، وإن السفير لجبرئيل عليه‌السلام « ما كاء على النبي من حرج » أي إثم وضيق « فيما فرض الله له » أي فيما أحل له من الزويج بامرأة المتبني ، أو فيما أوجب عليه من التزويج ليبطل حكم الجاهلية في الادعياء « سنة الله في الذين خلوا من قبل » أي كسنة الله في الانبياء الماضين وطريقته وشريعته فيهم في زوال الحرج عنهم وعن اممه بما أحل سبحانه لهم من ملاذهم ، وقيل : في كثرة الازواج كما فعله داود وسليمان ، وكان لداود عليه‌السلام مأة امرأة ، ولسليمان ثلاثمائة امرأة ، و سبعمائة سرية ، وقيل : أشار بالنسبة إلى أن النكاح من سنة الانبياء ، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : النكاح من سنتي ، فمن رغب عنه فقد رغب عن سنتي « وكان أمر الله قدر مقدورا » أي كان ما ينزله الله على أنبيائه من الامر الذي يريده قضاء مقضيا « ولا يخشون أحدا إلا الله » أي ولا يخافون من سوى الله فيما يتعلق بالاداء والتبليغ ، ومتى قيل : فكيف ما قال لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وتخشى الناس » فالقول إنه لم يكن ذلك فيما يتعلق بالتبليغ ، وإنما خشي المقالة القبيحة فيه ، والعاقل كما يتحرز عن المضار يتحرز عن إساءة الظنون به ، والقول السيئ فيه ، ولا يتعلق شئ من ذلك بالتكليف « وكفى بالله حسيبا » أي حافظا لاعمال خلقه ومحاسبا مجازيا عليها ، ولما تزوج صلى‌الله‌عليه‌وآله زينب بنت جحش قال الناس : إن محمدا تزوج امرأة ابنه فقال سبحانه : « ما كان محمد أبا أحد من رجالكم(٢) » وقد مر تفسيره. « اللآتي آتيت اجورهن » أي أعطيت مهورهن « وما ملكت يمينك » من الاماء « مما أفاء الله عليك » من الغنائم والانفال فكانت من الغنائم مارية القبطية ام ابنه إبراهيم ومن الانفال صفية وجويرية أعتقهما وتزوجهما « وبنات عمك وبنات عماتك »

____________________

(١) دل يدل : افتخر : تغنج وتلوى. دلت المرأة على زوجها : اظهرت جرأة عليه في تلطف كانها تخالفه وما بها خلاف.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٣٥٩ ـ ٣٦١.

١٨٠