موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٢

الشيخ مرتضى البروجردي

السلام ) أهل الكوفة عن ذلك (١) ، والنهي عن المحادثة معهن وسماع صوتهن (٢) ( فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) ، وعن تقبيل البنات بعد بلوغهنّ ست سنين (٣) وعن التسليم على المرأة الشابة حيث ورد أنّ علياً عليه‌السلام كان لا يسلم عليهنّ (٤) وعن الجلوس في مكان قامت عنه المرأة والحرارة بعد باقية لكونه مهيجاً للشهوة (٥) إلى غير ذلك من الموارد المتفرقة التي لا تخفى على المتتبع ومعه كيف يمكن الحكم بالجواز سيما وأنّ الوجه مجمع الحسن ومركز الجمال ومثار الفتنة والنظر اليه من مزال الأقدام ومواقع الهلكة غالباً.

على أنّه لو كان الجواز ثابتاً في مثل هذه المسألة الكثيرة الدوران لكان من الواضحات المشهورات مع أنّه لم ينقل (٦) القول به صريحاً من المتقدمين إلا الشيخ الطوسي قدس‌سره (٧) وبعض من تبعه من المتأخرين حتى قيل إنّ المنع مما اختص به المسلمون قبال غيرهم. فلا يسعنا في المقام إلا الاحتياط الوجوبي كما عرفت ، والله سبحانه أعلم.

ومن جميع ما مرّ يعلم الحال في عكس المسألة أعني نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي وإن كانت الأدلّة في الفرض السابق أكثر ، إذ ليس في المقام دليل لفظي عدا آية الغض ، وقد عرفت الإشكال في الاستدلال بها (٨) وعدة من الروايات الضعاف لكن مقتضى الاحتياط الوجوبي عدم النظر منهن إليه‌

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٢٣٥ / أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب ١٣٢.

(٢) الوسائل ٢٠ : ١٩٧ / أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب ١٠٦.

(٣) الوسائل ٢٠ : ٢٢٩ / أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب ١٢٧.

(٤) الوسائل ٢٠ : ٢٣٤ / أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب ١٣١ ح ٣.

(٥) الوسائل ٢٠ : ٢٤٨ / أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب ١٤٥.

(٦) لا يلائم هذا مع ما في رياض المسائل [ ٢ : ٧٤ السطر ١٣ ، ٧ ] والحدائق [ ٢٣ : ٥٣ ] من إسناد الجواز إلى المشهور فلاحظ وتدبّر.

(٧) تقدم في ص ٧١ نسبة الجواز إليه.

(٨) في ص ٨١ الجهة الخامسة.

٨١

والأحوط سترها عن المحارم من السرة إلى الركبة مطلقاً (١) ، كما أنّ الأحوط (*) ستر الوجه والكفين عن غير المحارم مطلقاً.

______________________________________________________

أيضاً لبعض ما عرفت ، فتدبر جيداً.

ثم إنّ ممن أصرّ على الجواز صاحب الحدائق قدس‌سره فذكر ما يستدلّ به عليه نحو ما مرّ ، ثم ذكر ما يعارضه مما يدلّ على المنع أعني روايات أنّ النظر سهم وأن زنا العينين النظر وقال : إنّ هذا مطلق يشمل الوجه والكفين فيحمل على غيرهما جمعاً. ثم ذكر أنّ العلامة استدل على المنع بوجوه وهي التي تقدّم (١) بعضها عن صاحب الجواهر ثم قال : إنّه لا يمكن الأخذ بها لما فيها من المناقشات ، سيما في قبال ما دل على الجواز التي هي أكثر والاستدلال بها أحسن. وذكر أخيراً أنّ العلامة كأنّه قدس‌سره لم يلتفت إلى هذه الأدلّة أو لم تكن بمرأى منه ، وإلا فلا ريب في ظهورها في الجواز (٢) انتهى.

والإنصاف : أنّ ما افاده قدس‌سره متين جدّاً بالنظر إلى نفس أدلّة الباب والجمع بينهما بما هي ، وأمّا بالنظر إلى العلم الخارجي الحاصل من تتبع الآثار المستكشف منه مذاق الشارع في هذا المضمار من التضييق والتشديد في شأن الإعراض كما عرفت مستقصى فلا يمكن المساعدة على ما ذكره ، بل المتجه الاحتياط في المقام كما مرّ.

(١) لتحديد العورة بذلك في ذيل موثقة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام قال : « إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظرنّ إلى عورتها ، والعورة ما بين السرّة والركبة » (٣) فتكون الموثقة مفسرة للمراد من العورة في الروايات الكثيرة المانعة من النظر إلى عورة المحارم.

__________________

(*) لا يترك.

(١) في ص ٦٨ فما بعد.

(٢) الحدائق ٢٣ : ٥٣ فما بعد.

(٣) الوسائل ٢١ : ١٤٨ / أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤٤ ح ٧.

٨٢

وبالجملة : هذه الموثقة قد دلّت على أنّ العورة في مطلق المرأة عبارة عما بين السرة والركبة ، وبعد ضمّها إلى ما دلّ على المنع عن النظر إلى عورة المحرم ينتج عدم جواز النظر إلى ما بين السرة والركبة من المرأة المحرم.

وهذه الرواية موثقة كما عرفت ، ورميها بالضعف كما عن الهمداني (١) وغيره من جهة أنّ الحسين بن علوان عامي لم يوثّق في غير محله كما مرّ غير مرة ، لتوثيق النجاشي إياه على ما هو ظاهر عبارته حيث قال : « الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامي ، وأخوه الحسن يكنّى أبا محمد ثقة .. » إلخ (٢). فإنّ الظاهر أنّ التوثيق عائد إلى الحسين ، المصدّر به الكلام الذي له كتاب ، دون الحسن الذي لا كتاب له كما صرّح به في ذيل العبارة ولذا لم يعنونه مستقلا ، لعدم تعرضه لغير من له كتاب. وقد صرّح ابن عقدة بأنّ الحسن كان أوثق من أخيه ، وأحمدَ عند أصحابنا (٣). فإنّ التعبير بأفعل التفضيل يدلّ على اشتراكهما في الوثاقة والحمد ، غير أنّ الحسن أوثق وأحمد.

وبالجملة : فلو كنّا نحن وهذه الموثقة كان اللازم الجزم بعدم جواز نظر الرجل إلى ما بين السرّة والركبة من محارمه ، لقوتها سنداً ، وكذا دلالة ، بالتقريب المتقدم ، إلا أنّ القول به حيث لم ينقل عن أحد من الأصحاب ، بل لعلّ التسالم منهم على خلافه ، لم يسعنا الإفتاء به صريحاً ، بل اللازم هو الاحتياط الوجوبي في المقام كما صنعه في المتن.

وأما عكس ذلك ـ أعني نظر المرأة إلى ما بين السرة والركبة من الرجل المحرم لها أو نظر الرجل إلى مثله فيما بين ذلك فالظاهر هو الجواز ، لعدم الدليل على المنع ، والتحديد في الموثّق قاصر الشمول للمقام ، فانّ قوله عليه‌السلام : « والعورة ما بين السرّة .. » إلخ لا إطلاق له بحيث يشمل الرجل أيضاً كي يكون تفسيراً لطبيعة العورة على الإطلاق ، بل المراد بقرينة ما قبله خصوص عورة‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١٥٣ السطر ٢٨.

(٢) رجال النجاشي : ٥٢ / ١١٦.

(٣) حكاه عنه في الخلاصة : ٣٣٨ / ١٣٣٧.

٨٣

النساء السابق ذكرها متصلاً بهذه الجملة ، لما هو المقرر في محلّه من أن المعرّف المكرر لا يراد بالثاني [ منه ] إلا الأوّل (١).

نعم ، ربما يستفاد المنع من روايتين :

إحداهما : ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن علي عليه‌السلام في حديث الأربعمائة « قال : إذا تعرّى أحدكم الرجل نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا ، ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه ويجلس بين قوم » (٢).

وهذه الرواية وإن كانت معتبرة السند ، إذ ليس في الطريق من يتنظر فيه عدا القاسم بن يحيى والحسن بن راشد لكنهما موجودان في طريق كامل الزيارات. وتضعيف ابن الغضائري للحسن لا يعبأ به ، لعدم الاعتماد على توثيقاته وتضعيفاته.

لكنّها قاصرة الدلالة ، لاشتمال هذا الحديث بطوله على غير واحد من الآداب من السنن والمكروهات ، بل إنّ أكثره كذلك ، فمن القريب جدّاً أن يكون الحكم في هذه الفقرة أيضاً مبنيّاً على الآداب والأخلاق دون الإلزام الشرعي ، كما يؤيده تخصيص المنع بحال الجلوس بين القوم ، فإنّه لو كان محرّماً شرعاً لما كان التحريم مختصاً بهذه الحال كما لا يخفى.

فالمناسب جدّاً إرادة التنزيه ومراعاة الأدب تحفظاً على كرامة الرجل ووقاره ولئلا تعرضه الخفة والمهانة من كشف الفخذ عند القوم.

الثانية : رواية بشير النبّال ، قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الحمام فقال : تريد الحمام؟ قلت : نعم ، فأمر بإسخان الماء ثم دخل فاتزر بإزار فغطى ركبتيه وسرته إلى أن قال ثم قال : هكذا فافعل » (٣) فانّ ظاهر الأمر هو الوجوب.

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٥١.

(٢) الوسائل ٥ : ٢٣ / أبواب أحكام الملابس ب ١٠ ح ٣ ، الخصال : ٦٣٠.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٥ / أبواب آداب الحمام ب ٥ ح ١.

٨٤

[١٢٥٣] مسألة ١ : الظاهر وجوب ستر الشعر الموصول (*) بالشعر (١) سواء كان من الرجل أو المرأة ، وحرمة النظر إليه.

______________________________________________________

لكن الرواية ضعيفة بعدة من المجاهيل والضعفاء ، وهم سهل بن زياد وإسماعيل بن يسار ، وعثمان بن عفان السدوسي ، وبشير النبال ، فلا تصلح للاستدلال بوجه ، هذا.

مضافاً إلى قيام السيرة القطعية على الكشف عن الفخذ ، بل ما عدا القبل والدبر في الحمامات ، وفي الملاحين والفلاحين حال العمل ، فلا يتسترون عن ذلك وهم بمرأى ومنظر من المتدينين ، ولم يعهد الردع عنهم.

ويؤيّده الروايات الكثيرة المفسّرة للعورة في الرجال بالقبل والدبر ، التي تقدّمت في بحث التخلي (١) فإنّها وإن كانت ضعيفة السند بأجمعها لكنّها كثيرة جدّاً تبلغ حدّ الاستفاضة لولا التواتر ، فالظاهر عدم وجوب الستر وإن كان أحوط.

فما صنعه في المتن من تخصيص الاحتياط الوجوبي بالصورة السابقة دون عكسها هو الأوجه كما ظهر وجهه مما مرّ. والإيراد عليه بعدم المقتضي للتفكيك في غير محلّه.

(١) إثبات هذا بالدليل مشكل جدّاً ، لأنّ ما دلّ على المنع عن النظر إلى شعر الأجنبية كصحيح البزنطي المتقدّم (٢) الوارد في شعر أُخت الزوجة ظاهر في الشعر الأصلي ، لظهور الإضافة في الإضافة الفعلية ، أي ما هو شعر الأجنبية بالفعل لا ما كان كذلك سابقاً ، فلا يصدق هذا العنوان على الشعر الموصول إلا بالعناية وعلاقة المجاز باعتبار ما كان ، الذي هو على خلاف ظهور الكلام ، فليس حال مثل هذا الشعر إلا حال الخيط المشدود بالشعر ـ

__________________

(*) لا يبعد عدم وجوبه إلا إذا كان محسوباً من الزينة ، وكذا الحال في القرامل والحلي.

(١) شرح العروة ٤ : ٣٢١.

(٢) في ص ٦٣.

٨٥

وأما القرامل من غير الشعر (١) وكذا الحليّ ففي وجوب سترهما وحرمة النظر إليهما مع مستورية البشرة إشكال ، وإن كان أحوط.

______________________________________________________

الأصلي الذي هو شي‌ء أجنبي عن المرأة بالكلّية ، فدليل المنع قاصر الشمول للمقام. فالظاهر جواز النظر إليه بما أنّه شعر ، نعم لا يبعد حرمته بعنوان آخر آخر ، أعني عنوان الحليّ ، وسيجي‌ء البحث عنه إن شاء الله تعالى.

وقد يفصّل في المقام بين ما كان الشعر الموصول مأخوذاً من غير الأجنبية كالمحارم أو الرجال أو الحيوان فيجوز النظر اليه ، لعدم المقتضي للمنع ، وبين ما كان مأخوذاً منها فلا يجوز ، استصحاباً للمنع الثابت حال الاتصال بالأجنبية.

وفيه : مضافاً إلى ما هو الحق من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية أنّ الموضوع متعدد جزماً ، لأنّ الحرام هو الشعر المضاف إلى الأجنبية بإضافة فعلية من دون تجوّز كما عرفت ، وهذا الموضوع قد ارتفع يقيناً بمجرّد الانفصال عن الأجنبية ، ولذا لا إشكال في جواز النظر اليه بعد الفصل وقبل الوصل بامرأة أُخرى كما لو كان مطروحاً على الأرض ، فالشك بعد الاتصال في ثبوت حكم جديد ، والأصل البراءة دون الاستصحاب لانتقاضه باليقين بالخلاف ، فهذا التفصيل ساقط. فالصحيح أنّ هذا الشعر حكمه حكم الحليّ والقرامل الذي ستعرف حكمها.

(١) بل حتى الشعر كما عرفت آنفاً ، فحكمه مع القرامل من غيره والحليّ على حد سواء. وقد استشكل قدس‌سره في جواز النظر إليها ، بل احتاط فيه. وكأنّ الوجه في احتمال وجوب الستر دعوى شمول آية الإبداء (١) لها ، فإنّها من الزينة المحرّم إبداؤها بمقتضى الآية.

وفيه : أنه مبني على أن يكون المراد بالزينة نفس ما يتزيّن به ، أعني الجسم الخارجي الذي هو آلة التزيين كالقلادة ونحوها. لكنّه باطل جزماً ، لعدم احتمال المنع عن إبداء مثل ذلك ، كيف وهذه الآلات يتداول بيعها في الأسواق ، وتنتقل‌

__________________

(١) النور ٢٤ : ٣١.

٨٦

[١٢٥٤] مسألة ٢ : الظاهر حرمة النظر إلى ما يحرم النظر إليه في المرآة والماء الصافي (١) مع عدم التلذذ ، وأما معه فلا إشكال في حرمته.

______________________________________________________

من يد رجل إلى رجل ، والمرأة بنفسها تباشر البيع أو الشراء من الرجال من دون نكير ، فاراءة نفس آلة التزيين ليس بحرام قطعاً ، بل المراد من الزينة الممنوع إبداؤها في الآية إراءة المرأة الحالة الحاصلة لها من تزينها بهذه الآلات ، فإنّ الزينة اسم مصدر من التزين ، ولكلّ من المصدر واسمه صيغة مخصوصة في المقام كما قد يتفق في بعض الموارد وإن كان الغالب اشتراكهما في الصيغة ، والفرق انّما هو بالاعتبار ، فالمصدر هو المعنى الحدثي الملحوظ انتسابه إلى الفاعل ، والاسم ما كان مجرّداً عن الانتساب ، لكن المقام يختص كما عرفت باختصاص كل منهما بصيغة مخصوصة. فالمصدر هو التزين والاسم الزينة.

وبالجملة : بعد ما زيّنت المرأة نفسها بما يتزين به تطرؤها حالة مخصوصة تتحلّى معها ، ويعبّر عن تلك الحالة الحاصلة لها بعد التزيين بالزينة ، وإبداء هذه الحالة لا ينفك عن إبداء مواضع الزينة أيضاً ، وإلا فاراءة نفس ما تتزيّن به من دون المحلّ ليس ذلك من إبداء الزينة بهذا المعنى الذي هو المراد في المقام دون الأول أعني نفس الآلة بالضرورة كما عرفت لأن التحلّي الحاصل لها منوط بقيام هذه الآلات بمواضعها ، فابداؤها يستلزم إبداء المواضع ، فلو لم يرد في تفسير الزينة إرادة المواضع كانت الآية بنفسها ظاهرة في أرادتها بالتقريب المتقدم.

وعليه فلا وجه لاحتمال وجوب ستر الشعر الموصول أو القرامل أو الحليّ بأنفسها ، ولا مانع من إبدائها بما هي ما لم يقترن بإبداء المواضع (١) فيكون التحريم حينئذ من أجلها لا من أجل هذه الأمور فتدبر جيداً.

(١) خلافاً لبعضهم حيث ذهب إلى الجواز ، بدعوى انصراف الأدلّة عن‌

__________________

(١) هذا مخالف لتعليقته الجديدة فليلاحظ.

٨٧

مثل هذا النظر غير الواقع على شخص الأجنبية ، بل على صورتها المنطبعة في المرآة أو غيرها من الأجسام الشفافة ، فلا دليل على حرمة مثل هذا النظر بعد أن كانت الرؤية فيها على سبيل الانطباع دون الانكسار.

لكن الدعوى غير مسموعة ، فإنّها على تقدير تماميتها مما تجهلها عامة الناس ولا يلتفت إليها أكثرهم ، إذ لا يفرّق لدى العرف بين هذا النظر وبين النظر إلى شخص الأجنبية. وحديث الانطباع والانكسار من الأبحاث الدقيقة البعيدة عن أذهان العرف ، فإنهم لا يرتابون في أنّ الناظر إلى عورة الإنسان في المرآة الحاكية لها حكاية تامة ناظر إليها حقيقة ، ولا يرون فرقاً بينه وبين من ينظر إليها مباشرة ومن دون واسطة ، سواء كانت الرؤية بنحو الانطباع أم غيره هذا.

مع أنّه لا يبعد أن يقال : إنّ الصواب انكسار النور من المرآة ووقوع النظر على شخص الأجنبية دون انطباع صورتها فيها ، كما يكشف عنه ما إذا فرضنا مرآة قبال الإنسان على نحو لا تسع أكثر من صورة واحدة ووقف شخص عن يمين الناظر وآخر عن يساره ، فانّ كلا من الشخصين حينئذ يرى صورة الآخر ولا يرى صورة نفسه ، فلو كانت الرؤية على سبيل الانطباع فكيف انطبعت فيها صورتان بل ثلاثة مع أنّها لم تسع لأكثر من صورة واحدة على الفرض. ولا شك في عدم انطباع صورة فوق اخرى ، وإلا لما تمت الحكاية عن شي‌ء منهما مع أنّها تامة عن كل منهما بالوجدان. فيعلم من ذلك بطلان هذا المسلك وأنّ النور ينكسر عن المرآة فيصيب نفس الجسم الخارجي كالأجنبية فلا فرق بين النظر إليه مباشرة أو في المرآة إلاّ من حيث استقامة النور في الأول وانكساره في الثاني. وهناك شواهد ومؤيدات اخرى لا يسعها المقام.

وقد يقال : إنّ الأمر وإن كان كذلك إلا أنّه يستفاد من بعض الأخبار جواز النظر في المرآة ، وهو ما رواه الكليني بسنده عن موسى بن محمد الملقب بالمبرقع أخي أبي الحسن الثالث عليه‌السلام : « أنّ يحيى بن أكثم سأله في‌

٨٨

[١٢٥٥] مسألة ٣ : لا يشترط في الستر الواجب في نفسه ساتر مخصوص ولا كيفية خاصة ، بل المناط مجرّد الستر ولو كان باليد وطلي الطين ونحوهما.

أما الثاني أي الستر حال الصلاة فله كيفية خاصة ويشترط فيه ساتر خاص ، ويجب مطلقاً ، سواء كان هناك ناظر محترم أو غيره أم لا ، ويتفاوت بالنسبة إلى الرجل والمرأة (١).

______________________________________________________

المسائل التي سأله عنها : أخبرني عن الخنثى وقول علي عليه‌السلام : تورث الخنثى من المبال ، من ينظر إليه إذا بال؟ وشهادة الجار إلى نفسه لا تقبل ، مع أنّه عسى أن يكون امرأة وقد نظر اليه الرجال أو يكون رجلاً وقد نظر اليه النساء ، وهذا مما لا يحلّ ، فأجاب أبو الحسن الثالث عليه‌السلام : أمّا قول علي عليه‌السلام في الخنثى أنّه يورث من المبال فهو كما قال ، وينظر قوم عدول يأخذ كلّ واحد منهم مرآة ويقوم الخنثى خلفهم عريانة فينظرون في المرآة فيرون شبحاً فيحكمون عليه » (١).

لكن الرواية ضعيفة السند ، فانّ المبرقع لم يوثق ، بل إنّ المفيد في الإرشاد (٢) وكذا الكليني (٣) نقلا رواية تدلّ على ضعف الرجل. وكيف كان ، فيكفي في الضعف عدم ثبوت الوثاقة.

(١) أمّا الكيفية الخاصة فسيجي‌ء البحث عنها عند تعرض المصنف لها (٤).

وأمّا أصل وجوب الستر حال الصلاة واشتراطها به وإن لم يكن هناك ناظر محترم فقد يستدلّ له بالإجماع ، وهو كما ترى ، للجزم عادة بكون المستند بعض الوجوه الآتية ، فلا يحتمل أن يكون تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه‌السلام. فالأولى أن يستدلّ له بوجوه :

__________________

(١) الوسائل ٢٦ : ٢٩٠ / أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٣ ح ١ ، الكافي ٧ : ١٥٨ / ١.

(٢) الإرشاد ٢ : ٣٠٧.

(٣) الكافي ١ : ٥٠٢ / ٨.

(٤) في ص ٩٢.

٨٩

الأول : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم ، يصلّي فيه أو يصلي عرياناً؟ قال : إن وجد ماءً غسله ، وإن لم يجد ماءً صلّى فيه ، ولم يصلّ عرياناً » (١).

فإنّها معتبرة من حيث السند ، إذ رواها الشيخ والصدوق عن علي بن جعفر ، وطريق الثاني إليه صحيح (٢). وأمّا الأوّل فله إليه طريقان : أحدهما : ما ذكره في المشيخة (٣) وهو ضعيف ، لمكان أحمد بن محمد بن يحيى العطار غير الموثق على الأقوى. والثاني ما ذكره في الفهرست (٤) المنتهى إلى الصدوق ، وهو صحيح. ففي الحقيقة الرواية عن الصدوق.

وأمّا الدلالة فظاهرة ، حيث حكم عليه‌السلام في الشرطية الأُولى بوجوب الغسل مع التمكن منه ، المقتضي لوجوب الستر في الصلاة ، وإلا لم يكن وجه لوجوب الغسل ، بل صلّى عارياً.

وبعبارة اخرى : فصّل عليه‌السلام بين صورتي وجدان الماء وعدمه ، وحكم بوجوب الغسل في الأُولى والصلاة في النجس في الثانية ، وعلى التقديرين منع عن الصلاة عارياً ، فلولا اعتبار الستر حال الصلاة لم يكن وجه للمنع ، بل لا مقتضي لتجويز الصلاة في النجس كما لا يخفى. ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين وجود الناظر المحترم وعدمه.

وقد تقدم الكلام حول هذه الصحيحة في مبحث الخلوة (٥) وقلنا : إنّ ذيلها أعني الشرطية الثانية وإن كانت معارضة بموثقة سماعة المانعة عن الصلاة في‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٨٤ / أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٥ ، الفقيه ١ : ١٦٠ / ٧٥٦ ، التهذيب ٢ : ٢٢٤ / ٨٨٤ ، الإستبصار ١ : ١٦٩ / ٥٨٥.

(٢) الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ٤.

(٣) التهذيب ١٠ ( المشيخة ) : ٨٦.

(٤) الفهرست : ٨٧ / ٣٦٧.

(٥) [ بل تقدم في مبحث النجاسات ] راجع شرح العروة ٣ : ٣٥٩ ، ٣٦٤.

٩٠

الثوب النجس وأنّه يصلي عارياً (١) لكنّ اللازم تقديم الصحيحة عليها ببيان قد تقدم في محلّه ، وعلى أيّ حال سواء قدمناها عليها أم لا فغايته سقوط هذه الفقرة من الصحيحة عن الحجية لأجل المعارضة ، دون الفقرة الأُولى التي هي محل الاستشهاد في المقام ، لسلامتها عن المعارض فيؤخذ بها.

ويعضده ما يظهر من غير واحد من الروايات من ارتكاز اعتبار الستر في الصلاة في أذهان الرواة بحيث إنّ ذلك من المسلمات لديهم ، وقد أقرّهم الإمام عليه‌السلام على ذلك ، التي منها صحيح زرارة ، قال « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلّي فيه ، فقال : يصلّي إيماءً » (٢) ونحوها غيرها.

ويؤيده خبر أبي البختري عن جعفر بن محمد عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام أنه قال : « من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت ، يبتغي ثياباً » (٣) فإنّها وإن كانت ضعيفة السند بأبي البختري وهب بن وهب الذي قيل في حقه : أنّه أكذب البرية ، فلا يستدل بها ، لكنها صالحة للتأييد.

الثاني : صحيح محمد بن مسلم : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الرجل يصلّي في قميص واحد ، فقال : إذا كان كثيفاً فلا بأس به .. » إلخ (٤) فانّ تعليق الجواز على ما إذا كان القميص كثيفاً أي غليظاً ساتراً يدلّ بمقتضى القضية الشرطية على عدم الجواز فيما إذا كان رقيقاً حاكياً عما تحته ، بل الظاهر أنّ منشأ السؤال ما ورد في غير واحد من الأخبار من الأمر بالصلاة في ثوبين ولا أقل من ثوب وحبل كما في صحيحة محمد بن مسلم الآتية المحمول على الفضل.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٨٦ / أبواب النجاسات ب ٤٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٤٤٩ / أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ٦.

(٣) الوسائل ٤ : ٤٥١ / أبواب لباس المصلي ب ٥٢ ح ١.

(٤) الوسائل ٤ : ٣٨٧ / أبواب لباس المصلي ب ٢١ ح ١.

٩١

أما الرجل فيجب عليه ستر العورتين (١) أي القبل من القضيب والبيضتين وحلقة الدبر لا غير ، وإن كان الأحوط ستر العجان أي ما بين حلقة الدبر إلى أصل القضيب ، وأحوط من ذلك ستر ما بين السرة والركبة.

______________________________________________________

وكأنّ السائل تخيل الوجوب قياساً على ثوبي الإحرام فأجاب عليه‌السلام بعدم البأس في قميص واحد مع رعاية الشرط المتقدم.

ونحوها صحيحته الأُخرى : « إذا كان عليه قميص صفيق أو قباء ليس بطويل الفُرَج فلا بأس .. » إلخ (١) والصفيق : الغليظ ، قبال الصقيل أي الخفيف ، وطويل الفُرَج : أي متسعها بحيث تظهر العورة من وراء الفُرَج.

الثالث : الأخبار الكثيرة المستفيضة المتضمنة أنّ المكلف إذا لم يجد ساتراً صلّى عارياً مومئاً إما قاعداً أو قائماً ، أو إن كان ناظر محترم فجالساً وإلا قائماً على اختلاف ألسنتها (٢) فإنّها متفقة على المنع عن الركوع والسجود وأنّه يومي إليهما. وهذا المقدار وإن لم يكف في اعتبار الستر في الصلاة بما هي ، لكنه يدل على اعتباره في خصوص الركوع والسجود ، ولذا منع عنهما مع العجز عن رعاية الستر فيهما ، فلا مناص للمكلّف من تحصيل الساتر قبل الدخول في الصلاة من باب المقدمة كي لا تبدو عورته في حالتي الركوع والسجود فيفوّتهما على نفسه اختياراً ، فانّ الانتقال إلى الإيماء الذي هو بدل اضطراري إنّما هو مع العجز عن الوظيفة الاختيارية كما هو ظاهر.

ولعلّ فيما ذكرناه من الأخبار غنى وكفاية. فلا ينحصر المستند بالإجماع كما قيل الذي عرفت ما فيه.

(١) فإنّهما القدر المتيقّن من العورة الواجب سترها على الرجال حال الصلاة وغيرها ، وما عدا ذلك لا دليل عليه حتى العجان ، لخروجه عن مفهوم العورة‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٩٠ / أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٤٤٨ / أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ، ٣ : ٤٨٦ / أبواب النجاسات ب ٤٦.

٩٢

عرفاً ، ومع الشك فأصالة البراءة محكمة ، على أنّ العجان يتستر بتستر القبل والدبر عادة ، ففرض تسترهما بدونه لعله لا يتفق أو نادر التحقّق. وكيف كان فستره بما هو لا دليل عليه كما عرفت.

مضافاً إلى تقييد العورة بالقبل والدبر في غير واحد من النصوص التي تقدّمت في بحث التخلي (١) فإنّها وإن كانت ضعيفة لكنها كثيرة مستفيضة.

وعن القاضي تحديدها بما بين السرة والركبة (٢) وعن أبي الصلاح وجوب ستر ما بين السرة إلى نصف الساق (٣).

أمّا الأخير فلا شاهد عليه أصلاً ، إذ لم ترد به ولا رواية ضعيفة. ولعلّه يريد ما ذكره القاضي ، والزيادة من باب المقدمة العلمية ، لكنّها تحصل بما دون ذلك من ثلث الساق أو ربعه ، بل أقل بمقدار يحرز معه ستر الركبة كما لا يخفى.

وأمّا تحديد القاضي ، فإن أراد تفسير العورة بذلك مطلقاً ولو في غير حال الصلاة فيردّه خروج ذلك عن مفهوم العورة عرفاً كما عرفت ، والروايات الواردة في تفسيرها وأنّها القبل والدبر دافعة لذلك كما مرّ. فلا دليل على هذا التحديد.

نعم ، ورد ذلك في موثقة الحسين بن علوان الواردة في نظر الرجل إلى عورة أمته المزوّجة من قوله : « والعورة ما بين السرة والركبة » التي تقدمت الإشارة إليها سابقاً (٤) لكن ذلك ليس تحديداً لمطلق العورة ، بل لخصوص عورة النساء السابق ذكرها في كلام الإمام عليه‌السلام ، لأنّ المعرّف المكرّر لا يراد بالثاني إلا الأوّل كما مرّ (٥) فلا ينبغي الإشكال في جواز النظر إلى ما عدا القبل والدبر.

__________________

(١) شرح العروة ٤ : ٣٢١.

(٢) المهذب ١ : ٨٣.

(٣) الكافي في الفقه : ١٣٩.

(٤) في ص ٨٢.

(٥) في ص ٨٤.

٩٣

ويؤيّده : صحيح علي بن جعفر عليه‌السلام في كتابه عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « وسألته عن الرجل يكون ببطن فخذه أو أليته الجرح هل يصلح للمرأة أن تنظر إليه وتداويه؟ قال : إذا لم يكن عورة فلا بأس » (١). وقوله عليه‌السلام : « إذا لم يكن عورة » أي إذا لم يقع نظره على العورة ، أو إذا لم يكن الجرح في العورة ، وأمّا الفخذ نفسه فقد جوّز عليه‌السلام النظر إليه.

وقد نقل في الجواهر (٢) ومصباح الفقيه (٣) هذه الصحيحة عن قرب الإسناد وهو اشتباه ، فإنّها غير مذكورة فيه ، بل هي في كتاب علي بن جعفر كما نقلها عنه في الوسائل فلاحظ.

وإن أراد تفسير الستر الصلاتي بذلك مع الاعتراف بعدم كونه من العورة في غير حال الصلاة فلا شاهد عليه أيضاً.

نعم ، ربما يستأنس لذلك بصحيح رفاعة ، قال : « حدّثني من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلّي في ثوب واحد متزراً به ، قال : لا بأس به إذا رفعه إلى الثندوتين » (٤).

وخبر سفيان بن السمط عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الرجل إذا اتزر بثوب واحد إلى ثندوته صلّى فيه » (٥). والثندوة للرجل بمنزلة الثدي للمرأة.

لكنّهما لا يصلحان للاستدلال لضعف السند. أمّا الأوّل فلأنّه وإن كان صحيحاً إلى رفاعة لكنّه يرويها مرسلة. وأمّا الثاني فمن جهة أحمد بن عبديل وسفيان ابن السمط ، فإنّهما مجهولان لم يتعرّض لهما في كتب الرجال ، هذا.

مضافاً إلى ما في غير واحد من الروايات من جواز الصلاة في السراويل‌

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٢٣٣ / أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب ١٣٠ ح ٤ ، مسائل علي بن جعفر : ١٦٦ / ٢٦٩.

(٢) الجواهر ٨ : ١٨٣.

(٣) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١٥٣ السطر ٢٠.

(٤) الوسائل ٤ : ٣٩٠ / أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٣.

(٥) الوسائل ٤ : ٣٩١ / أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٥.

٩٤

والواجب ستر لون البشرة (١) ، والأحوط (*) ستر الشبح الذي يرى من خلف الثوب من غير تميز للونه ، وأما الحجم أي الشكل فلا يجب ستره.

______________________________________________________

وحدها ، التي منها صحيح محمد بن مسلم (١) مع أنّ السروال يشدّ من السرّة أو ما دونها ، ولعل الغالب هو الثاني ، فلو كان الواجب الستر من السّرة لم يتجه تجويز الصلاة في السروال وحده على الإطلاق وإن شدّ مما دون السرّة على ما تقتضيه هذه النصوص الذي هو الغالب فيها كما عرفت.

(١) بلا إشكال ، فإنّه المتيقن من الأخبار. ويلحق به الشبح ، وهو ما ترى معه العين من دون تشخيص للون ، كما لو كانت العورة مستورة بثوب رقيق جدّاً يحكي ما تحته كالنايلون فإنّها غير مستورة حينئذ لتعلق النظر إليها بشخصها ، إذ لا يعتبر في صدق النظر إلى الشي‌ء تشخيص لونه قطعاً ، فانّ من نظر إلى جسم من خلف زجاجة غليظة أو خفيفة ملوّنة أو بتوسط نظّارة ملوّنة يصدق عرفاً أنّه نظر إليه حقيقة ، لتعلّق النظر إليه بذاته وإن لم يميّز لونه الواقعي الذي هو عليه ، لعدم دخل ذلك في صدق النظر كما عرفت ، فيجب ستر الشبح كالعين.

وأمّا الحجم أعني شكل العورة وهيئتها كما لو سترها بساتر غليظ لا تبدو معه البشرة ولا اللّون لكن الهيئة الخاصة والحجم المخصوص مشهود ، على نحو يقبل حدوده للوصف من جهة انعكاس الأشعة النورية الفاصلة بين الناظر والعورة ، وأوضح حالاً ما لو سترها بخصوصها بخرقة أو طين أو كاغذ ونحوها ، فهل يجب ستر مثل ذلك أيضاً أو لا؟

الظاهر الثاني ، بل لا ينبغي الإشكال فيه ، لعدم كون العورة مكشوفة حينئذ ، إذ لم يتعلّق بها النظر ، ولذا لا علم بكونها عورة من ناحية حسّ‌

__________________

(*) لا يترك.

(١) الوسائل ٤ : ٣٩٠ / أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٢.

٩٥

وأما المرأة فيجب عليها ستر جميع بدنها (١) حتى الرأس والشعر.

______________________________________________________

البصر ، لجواز كونها شيئاً آخر بهذا المنظر ، وإنّما يعلم بأنّها عورة من جهة القرائن الخارجية ، فهي بنفسها غير مبصرة ولا مرئية ، وإنّما يرى شيئاً شبيهاً بالعورة ، فلا يجب في مثله الستر.

ويؤيده : خبر عبيد الله الرافقي في حديث « أنّه دخل حماماً بالمدينة فأخبره صاحب الحمام أنّ أبا جعفر عليه‌السلام كان يدخله فيبدأ فيطلي عانته وما يليها ثم يلفّ إزاره على أطراف إحليله ويدعوني فاطلي سائر بدنه ، فقلت له يوماً من الأيام : إنّ الذي تكره أن أراه قد رأيته ، قال : كلا ، إنّ النورة ستره » (١) فإنّه وإن كان ضعيفاً سنداً لجهالة الرافقي ، وكذا متناً ، إذ من البعيد جدّاً أنّ الإمام عليه‌السلام يفعل كذلك ، لكنّه لا يخلو عن التأييد.

(١) والمراد بها الحرة. وأمّا الأمة فسيجي‌ء الكلام فيها (٢).

ولا إشكال كما لا خلاف في وجوب ستر بدنها في الجملة ، لجملة وافرة من النصوص (٣) وفيها الصحاح وغيرها كما لا تخفى على المراجع.

وما عن ابن الجنيد من مساواتها مع الرجل في العورة الواجب سترها في الصلاة (٤) ساقط جدّاً على تقدير صدق النسبة إذ لم ترد به ولا رواية ضعيفة ، ولا حكي القول به عن أحد ، فهو شاذ مطروح.

إنّما الكلام في مواضع :

منها : الرأس فإنّ المشهور وإن ذهبوا إلى وجوب ستره ، بل لا خلاف فيه من أحد عدا ابن الجنيد كما عرفت للتصريح به في تلك النصوص المشار إليها آنفاً.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٣ / أبواب آداب الحمام ب ١٨ ح ١.

(٢) في ص ١٠٧ المسألة ١٢٥٩.

(٣) الوسائل ٤ : ٤٠٥ / أبواب لباس المصلي ب ٢٨ وغيره.

(٤) حكاه عنه في المختلف ٢ : ١١٤.

٩٦

إلا أنّ مقتضى موثقة ابن بكير عدم الوجوب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة أن تصلّي مكشوفة الرأس » (١).

ونحوها روايته الأُخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا بأس أن تصلّي المرأة المسلمة وليس على رأسها قناع » (٢).

والعمدة هي الأُولى. وأمّا الثانية فضعيفة السند بأبي علي بن محمد بن عبد الله ابن أبي أيوب ، فإنّه مجهول.

ومن الغريب ما عن المحقق في المعتبر على ما حكاه في الحدائق عنه (٣) من رمي الاولى بالضعف من جهة عبد الله بن بكير ، فانّ الرجل وإن كان فطحياً لكن الأصحاب لم يعاملوا مع الفطحية معاملة سائر المذاهب الفاسدة ، بل كثيراً ما يعبّرون عن بعضهم ومنهم الرجل نفسه بالعدل الثقة ، والسرّ أنّهم لا يفترقون عن الإمامية الاثني عشرية سوى الانحراف بامامة عبد الله الأفطح خلال ستة أشهر ثم عدلوا إلى الحق ، حتى أنّ العلامة الذي لم يعمل إلا بروايات الشيعة الاثني عشرية كان يعمل بروايات الفطحية (٤). على أنّ ابن بكير من أصحاب الإجماع كما ذكره الكشي (٥) وغيره ، فالنقاش في سند الرواية من جهته من غرائب الكلام.

وكان الأولى للمحقق أن يناقش فيه من جهة محمد بن عبد الله الأنصاري ، فإنّه بهذا العنوان لم يوثق ، وإنّما وثّقوا محمد بن عبد الله بن غالب الأنصاري. لكن الظاهر أنّ المراد بهما واحد ، لاتحاد الطبقة ومن يروي عنه ومن يروي هو عنه فلاحظ. وكيف كان ، فلا ينبغي التشكيك فيها من حيث السند.

وأمّا الدلالة فهي ظاهرة ، بل صريحة في جواز صلاة الحرة مكشوفة‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤١٠ / أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٥ ، ٦.

(٢) الوسائل ٤ : ٤١٠ / أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٥ ، ٦.

(٣) الحدائق ٧ : ١٢.

(٤) [ كما صرح في موارد منها ما في الخلاصة : ١٩٥ / ٦٠٩ ].

(٥) رجال الكشي : ٣٧٥ / ٧٠٥.

٩٧

الرأس. ومن هنا وقع الأصحاب في كيفيّة الجمع بينها وبين النصوص المتقدمة الدالّة على وجوب ستر الرأس في حيص وبيص.

فحملها الشيخ قدس‌سره (١) تارة على الصبية. وهو كما ترى ، للتصريح فيها بالمرأة غير الصادقة على الصغيرة بالضرورة.

وأُخرى على حال الضرورة. وهذا أيضاً أبعد من سابقه ، إذ مضافاً إلى عدم اختصاصه حينئذ بالرأس ، لجواز الكشف عن كلّ جزء من البدن ، بل عن جميعه لدى الاضطرار بلا إشكال يردّه : أنّه حمل تبرعي منافٍ لظهور الكلام جدّاً ، إذ ليس المنسبق منه إلى الذهن إلا إرادة حال الاختيار. وهل ترى جواز الحمل على الاضطرار فيما لو ورد مثلاً أنّ شرب الخمر حلال ، أو أنّه يطرح بلا تأمل ولا إشكال؟

وحملها صاحب الحدائق قدس‌سره على إرادة عدم وجوب التستر بالقناع خاصة ، فلا ينافي وجوب الستر بساتر آخر (٢). وهذا أيضاً يتلو ما تقدّمه في الضعف ، للتصريح فيها بأنّها تصلّي مكشوفة الرأس ، ولا ريب أنّ التستر بأي ساتر ولو غير القناع ينافي الكشف بالضرورة.

فالإنصاف : أنّه لا جواب لنا عن هذه الموثّقة ، ولا مناص عن الاعتراف باستقرار المعارضة بينها وبين النصوص المتقدمة بعد تعذر الجمع في خصوص المقام بالحمل على الاستحباب ، لما في بعض تلك النصوص ما يأبى لسانه عن الحمل عليه ، وهي صحيحة زرارة ، قال : « سالت أبا جعفر عليه‌السلام عن أدنى ما تصلي فيه المرأة ، قال : درع وملحفة فتنشرها على رأسها وتجلّل بها » (٣) فإنّ السؤال عن أقل الواجب وأدنى ما يجزئ عنه ، وقد اعتبر عليه‌السلام في الجواب ستر الرأس ، فكيف يحمل على الاستحباب.

فالمعارضة مستقرة والمعالجة متعذرة ، فلا مناص من طرح الموثقة ، لعدم‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١٨ / ذيل ح ٨٥٨.

(٢) الحدائق ٧ : ١٢.

(٣) الوسائل ٤ : ٤٠٧ / أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٩.

٩٨

صلاحيّتها للمقاومة مع تلك النصوص المستفيضة بل المتواترة إجمالاً ، لعدم المجازفة في دعوى القطع بصدور بعضها إجمالاً ، فتكون تلك النصوص من المشهورات ومن قبيل بيّن الرشد وهذه من الشاذ النادر المأمور بطرحه والأخذ بالمشهور.

ومنها : الشعر ، فقد اختلفت كلمات الأصحاب في استثنائه ، حيث لم يرد بذلك نص بالخصوص فأثبته جمع ومنعه آخرون ، وتوقف فيه ثالث. لكن الظاهر وجوب ستره ، لا لتبعية الشعر للرأس الواجب ستره كي يستشكل بعدم جريانه في الشعر الطويل لاختصاص التبعية بالقصير ، بل لاستفادة ذلك من نفس الأخبار الدالّة على وجوب ستر الرأس ، التي منها صحيحة زرارة المتقدمة آنفاً وغيرها (١) فإنّ بشرة الرأس بنفسها متسترة بالشعر إلا ما شذ ممن لا ينبت على رأسه الشعر الملحق بالعدم فلا حاجة إلى الأمر بسترها وليس المقام نظير الأمر بالغسل اللازم فيه إيصال الماء إلى البشرة كما هو ظاهر.

وعليه فالأمر بستر الرأس لا يستفاد منه إلا ستر ما ينبت عليه من الشعر الذي يكون مكشوفاً بطبعه لولا الساتر. فهذه الأدلّة تدلّنا بالمطابقة على وجوب ستر الشعر من دون حاجة إلى التماس دليل آخر.

وأوضح رواية من روايات الباب تدلّ على ما ذكرناه وتؤكّده هي صحيحة زرارة المتقدمة آنفاً ، لمكان التصريح بالتجلّل الذي هو بمعنى التغطية الكاملة والاستيعاب التام ، يقال : جلّل المطر الأرض إذا عمّها وطبّقها فلم يدع شيئا إلا غطّى عليه. فالأمر بنشر الملحفة على الرأس والتجلّل بها معناه استيعاب التغطية للرأس بحيث لم تدع شعرة وإن طالت إلا وسترتها كي يكون التستر مستوعباً لجميعها ، تحقيقاً لمعنى التجلّل. وبالجملة : فالدليل الصحيح هو ما ذكرناه.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٠٥ / أبواب لباس المصلي ب ٢٨.

٩٩

وأمّا ما قد يستدلّ به لذلك من صحيح الفضيل عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : صلّت فاطمة عليها‌السلام في درع وخمارها على رأسها ، ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها وأُذنيها » (١) ففي غير محلّه ، لتوقف الاستدلال على تمامية السند والدلالة.

أمّا السند فمعتبر ، فإنّه وإن اشتمل على محمد بن موسى بن المتوكل ، وعلي ابن الحسين السعدآبادي وهما لم يوثقا في كتب القدماء من الرجاليين ، لكن الأوّل منهما وثّقه العلامة صريحاً (٢) وتوثيقه على الظاهر مأخوذ من توثيق شيخه السيد ابن طاوس في فلاح السائل ، فإنّه قدس‌سره بعد ذكره في سلسلة سند قال : رجال السند ثقات بالاتفاق (٣). فيظهر أنّ وثاقة الرجل مورد للاتفاق ، ولا أقل من أن يكون قد وثّقه جماعة كثيرة بحيث كان مشهوراً بذلك ، وهذا المقدار كاف في الوثاقة ، إذ لا يسعنا عدم الأخذ بكلام السيد قدس‌سره مع ما هو عليه من العظمة والجلالة.

وأمّا السعدآبادي الذي هو من مشايخ الكليني فقد صرّح ابن قولويه والرجل من مشايخه أيضاً في كامل الزيارات بأنّه لا ينقل في كتابه إلا عن الثقات ، فإنّه لو سلّم التشكيك ولا نسلّم (٤) في إرادة التعميم لكلّ من هو مذكور في سند الكتاب فلا نكاد نشك في إرادة خصوص مشايخه الذين ينقل عنهم بلا واسطة ، ومنهم الرجل نفسه كما عرفت ، فانّ ذلك هو المتيقّن من التوثيق.

وأمّا فضيل الراوي للحديث فهو مردّد بين فضيل بن يسار وفضيل بن عثمان الأعور ، وأيّا منهما كان فهو موثّق ، وإن لم تكن لنا قرينة على التعيين‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٠٥ / أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ١.

(٢) الخلاصة : ٢٥١ / ٨٥٧.

(٣) فلاح السائل : ٢٨٤ / ١٧٥.

(٤) وقد سلّم ، بل عدل قدس‌سره أخيراً.

١٠٠