موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٢

الشيخ مرتضى البروجردي

التفصيل بالأمن من الناظر وعدمه إناطة الحكم بنفس الأمن ، فمعه يجب القيام وإن اتّفقت الرؤية خارجاً أثناء الصلاة ، ومع عدمه يجب الجلوس وإن لم يتّفق. وهذا كما ترى لا ينطبق على ما هو المتراءى من ظاهر الأخبار من دوران الحكم مدار نفس الرؤية الخارجية ، التي لازمها بطلان الصلاة قائماً معها حتى لو كان آمناً ، وصحّتها مع عدمها وإن لم يأمن كما لو صلّى في الشارع العام واتّفق عدم الرؤية.

ويمكن أن يقال : إنّ العمدة من الأخبار هي صحيحة عبد الله بن مسكان كما عرفت ، والمذكور فيها قوله : « إذا كان حيث لا يراه أحد » والظاهر من كلمة « حيث » معرضية المكان للرؤية وشأنيته لها ، وكونه بحيث يصلح لأن يراه أحد ، دون نفس الرؤية بوجودها الواقعي ، فتنطبق حينئذ على الأمن المذكور في عبارة الأصحاب ، بل عبارتهم تفسير للمعنى ونقل لمضمون الصحيحة ، بل وغيرها كما لا يخفى.

الثاني : مقتضى إطلاق الأخبار عدم خصوصية للناظر ، فيعتبر الأمن عن رؤية كلّ أحد ، لكن القرينة القطعيّة الارتكازيّة تشهد بأنّ المراد الناظر المحترم الذي يجب التستّر عنه كما عبّر به في كلمات الأصحاب ، فلا عبرة بنظر الصبي الذي هو كالحيوان ، إذ لا حرمة له ، ولا الزوجة أو الأمة ، لعدم وجوب التستّر [ عنهما ].

المقام الثاني : في وجوب الركوع والسجود أو الإيماء إليهما.

أمّا في حالة الجلوس فالظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في وجوب الإيماء لغير المأموم ، كما تقتضيه النصوص التي منها صحيحة زرارة المتقدّمة (١).

وأمّا في حالة القيام فالمشهور المعروف هو وجوب الإيماء أيضاً ، لكن عن‌

__________________

(١) في ص ٣٩٧.

٤٠١

ابن زهرة وجوب الركوع والسجود حينئذ ، مدّعياً عليه الإجماع (١). وإجماعاته كما ترى لا يعبأ بها ، سيما في مثل المقام الذي ذهب المشهور إلى خلافه. فدعواه موهونة جدّاً ، هذا.

وقد وافقه فيما ذهب إليه صاحب الجواهر قدس‌سره (٢) مصرّاً عليه ، مستدلاً له بعد الإجماع الذي عرفت حاله بوجوه منها : الأصل.

وفيه : أنّه إن أراد به الاستصحاب فمضافاً إلى عدم الحالة السابقة ، للشك فيما هو الحادث من التكليف بعد حلول الوقت ، وأنّه الصلاة إيماءً أو مع الركوع والسجود ، ولا عبرة بالعلم بوجوبهما في وقت فريضة سابقة مع التمكّن من الساتر ، للعلم بالانتقاض فتأمّل ، أنّ الاستصحاب غير جارٍ في الشبهات الحكمية.

وإن أراد به المطلقات الدالة على وجوب الركوع والسجود فهي مقيّدة بصحيح علي بن جعفر (٣) الدال على سقوطهما وبدلية الإيماء عنهما في هذه الحال ، وإن ناقش قدس‌سره في الصحيح بما ستعرفه مع جوابه.

ومنها : أنّ الستر الصلاتي ساقط في المقام قطعاً ، لفرض العجز ، وإنّما اللازم رعاية الستر غير الصلاتي الواجب في حدّ نفسه ، ولأجله يفصّل بين الأمن عن الناظر المحترم فقائماً وبين عدمه فجالساً. وعليه فاذا كان الستر الصلاتي ساقطاً فما الموجب إذن للإيماء ، فإنّه إنما يجب تحفظاً على هذا الستر الساقط على الفرض ، فهذا يوجب وهناً في صحيح علي بن جعفر ويسقطه عن درجة الاعتبار ، ويكون المتبع إطلاقات أدلّة الركوع والسجود.

وهذا كما ترى غريب منه جدّاً ، ولو لا مخافة التجاسر على مقامه العظيم قدس‌سره لقلنا إنّه منه اجتهاد في مقابل النصّ ، فإنّا إنّما نقول بوجوب الإيماء‌

__________________

(١) الغنية : ٩٢.

(٢) الجواهر ٨ : ٢٠٨ ، ٢١٠ فما بعدها.

(٣) المتقدم في ص ٣٩٥.

٤٠٢

لأجل النص الصحيح الواجب الاتّباع ، أعني صحيح علي بن جعفر.

نعم ، لولاه كان مقتضى القاعدة أعني المطلقات هو ما ذكره قدس‌سره لكن لا بدّ من الخروج عنها بموجب النص المقيّد لها ، لا أنّه يوهن النص بهذا النوع من الاجتهاد الصريح في خلافه. وستعرف الجواب عن موهناته الأُخر التي أوردها على النص.

ومنها : أنّ ما يستدلّ به للإيماء أمّا موثّقة سماعة أو صحيحة علي بن جعفر (١) ، لضعف غيرهما سنداً. وكلاهما ليسا بشي‌ء فإنّ الموثّق مضطرب المتن ، والصحيح موهون من وجهين :

أحدهما : تضمّنه الإطلاق من حيث الأمن وعدمه ، مع تعيّن الجلوس في الفرض الثاني نصاً وفتوى.

الثاني : أنّ مقتضى إطلاقه الإتيان بالتشهّد والتسليم قائماً ، ولم يقل به أحد ولأجل هذين الموهنين لم يرتض قدس‌سره ببقاء الصحيحة على ظاهرها بل تصرّف بحمل الإيماء على الانحناء المجامع لأقل مراتب الركوع.

أقول : أمّا ما أفاده قدس‌سره في الموثّق من الاضطراب فهو حقّ صواب كما مرّ ، لكن الدليل غير منحصر فيه ، وفي الصحيح غنى وكفاية.

وأمّا ما أفاده قدس‌سره من أوّل الموهنين فغايته تقييد إطلاق الصحيح بما دلّ على لزوم الجلوس مع عدم الأمن ، كصحيح عبد الله بن مسكان المتضمّن للتفصيل بين الأمن وعدمه كما مرّ ، والتقييد غير عزيز في الأخبار المتفرّقة في أبواب الفقه ، ولا يوجب الوهن البتة ، بل ما من خبر مطلق عدا النادر إلا وقد ورد عليه التقييد.

وأمّا الموهن الثاني فيدفعه مضافاً إلى إمكان تقييد الإطلاق بما دلّ على لزوم الإتيان بالتسليم والتشهد حال الجلوس من الإجماع ونحوه ، ومثله لا يوجب‌

__________________

(١) المتقدمتان في ص ٣٩٦ ، ٣٩٥.

٤٠٣

الوهن بوجه كما عرفت ، أنّه لا إطلاق في الصحيح من هذه الجهة أصلاً ، لعدم كونه في مقام البيان من هذه الناحية ، وإنّما هو مسوق لبيان سقوط الركوع والسجود في فرض عدم الساتر ، في قبال ما ذكره في الصدر من لزوم الإتيان بهما عند إصابة الحشيش. والتعرّض للقيام لأجل التنبيه على عدم سقوطه ولزوم مراعاته في الموارد التي يعتبر فيها القيام كحال القراءة والقيام المتّصل بالركوع ، لا لزوم الإتيان به على الإطلاق حتى عند التشهد والتسليم كي يوهن به الصحيح كما لعلّه ظاهر.

وأمّا ما أفاده قدس‌سره من حمل الإيماء على الانحناء المجامع للركوع والسجود فهو أفحش من سابقه ، وكيف يحمل الإيماء الصريح في الإشارة على ما يجامعهما ، مع وقوع المقابلة بينه وبين الركوع والسجود في صدر الصحيح وذيله الظاهر في المغايرة والمباينة كما لا يخفى.

على أنّه لو سلّمنا الحمل على أقل المراتب فإنّما يتم في الركوع ، لاختلاف مراتب الانحناء فيه ، وأمّا السجود فكلا ، لتقوّمه بوضع الجبهة على الأرض فليست له إلا مرتبة واحدة.

ومنها : ما ذكره قدس‌سره تأييداً لدعواه من مرسلة أيّوب بن نوح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها ويسجد فيها ويركع » (١) فانّ الدخول في الحفيرة لأجل الأمن من المطّلع ، ومعه يتعيّن الركوع كما تضمّنه الخبر ، ومقتضاه أنّه إذا تحقّق الأمن خارج الحفيرة أيضاً تعيّن الركوع ، لعدم احتمال خصوصية للحفيرة.

وفيه : مضافاً إلى ضعف الخبر بالإرسال أنّه على تقدير صحة السند فغايته تقييد الإطلاق به ، ويقتصر على مورده ، ولعلّ في الحفيرة خصوصية لا نعرفها فلا وجه للتعدّي كي يوهن به الصحيح ويرفع اليد عنه.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٤٨ / أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ٢.

٤٠٤

ومنها : تأييد الدعوى أيضاً بما سيأتي في صلاة العراة جماعة (١) من إيماء الإمام وركوع المأمومين وسجودهم كما تضمّنه النص (٢) فيظهر أنّ الإيماء لا يكون إلا مع عدم الأمن كما في الإمام ، وأمّا المأمومون فحيث إنّهم مأمومون وجب عليهم الركوع والسجود. فالمناط هو الأمن وعدمه ، ولا خصوصية للجماعة في ذلك ، فيشترك معها الفرادى بعد اتحاد الملاك.

وفيه : أنّه على تقدير تسليم الحكم هناك ونسلّم كما سيأتي إن شاء الله تعالى فهو مقصور على مورده للنصّ فيتقيد به الإطلاق ، ولا مجال للتعدّي عن الجماعة إلى غيرها.

فتحصّل من جميع ما ذكرناه أنّ هذه الشبهات كلّها واهية لا يعبأ بها. والأقوى وفاقاً للمشهور وجوب الإيماء ، وإن احتاط فيه في المتن من أجل هذه الشبهات.

ثم إنّ الأقوى تبعاً للمشهور وعملاً بظاهر النص وجوب الإيماء للركوع والسجود في حال القيام مع فرض الأمن ، لكن عن بعض وهو السيد عميد الدين أنّه يجلس ويومئ للسجود ، وإن كان إيماؤه للركوع في حال القيام (٣) ولم نعرف وجهاً لهذا التفصيل عدا قاعدة الميسور ، فكأنّ الإيماء جالساً أقرب إلى هيئة الساجد ، أو أنّ الهوي إلى السجود يتضمّن نوعاً من الجلوس ، فمع تعذّر المجموع يقتصر على الميسور.

وفيه أوّلاً : أنّ القاعدة غير تامة في نفسها ، فالكبرى ممنوعة كما تكرّر غير مرّة.

وثانياً : مع التسليم فالصغرى ممنوعة ولا مصداق لها في المقام ، إذ الجلوس ليس من مراتب السجود كي يكون ميسوراً له ، لتقوّمه بوضع الجبهة على‌

__________________

(١) في ص ٣٣١ فما بعدها.

(٢) الوسائل ٤ : ٤٥١ / أبواب لباس المصلي ب ٥١ ح ٢.

(٣) حكاه عنه في الذكرى ٣ : ٢٣.

٤٠٥

الأرض ، فيكون الجلوس مبايناً له عرفاً ، وليس الجلوس الذي يتضمّنه السجود واجباً في نفسه كي يقتصر عليه لدى العجز عن المجموع ، بل هو مقدّمة له يسقط بسقوطه لا محالة كما لا يخفى.

وثالثاً : مع الغضّ عما ذكر فالقاعدة إنّما يتمسّك بها مع عدم سقوط الواجب حال التعذّر كي يكون الميسور من مراتب امتثاله ، وفي المقام قد سقط الواجب وهو السجود رأساً ، وجعل بدله واجب آخر وهو الإيماء. فلا وجه لمراعاة الميسور في مثل ذلك أصلاً.

وهذا نظير ما لو تعذّر الوضوء لفقد الماء الكافي له ، فإنّه ينتقل إلى التيمم وإن كان لديه من الماء ما يكفي لغسل وجهه وإحدى يديه مثلاً ، فلا يعتبر الإتيان بهذا الوضوء الناقص بدعوى كونه ميسوراً عن الكامل ، لسقوط الوضوء في هذه الحال من أصله ، وجعل بدل آخر مكانه وهو التيمم كما هو ظاهر. وبالجملة : فهذا التفصيل ساقط.

نعم لو ذكر هذا القائل ولم يذكر أنّه يجب الجلوس للركوع والسجود معاً لأمكن توجيهه باستفادته من صحيحة زرارة المتقدّمة الآمرة بالجلوس والإيماء للركوع والسجود في قوله عليه‌السلام : « ثم يجلسان فيومئان إيماءً ولا يسجدان ولا يركعان ... » إلخ (١).

لكنّه لم يقل به أحد ، ولا وجه له أيضاً ، لمنع الاستفادة ، فانّ الاستظهار المزبور مبني على أن يكون قوله عليه‌السلام : « ثم يجلسان ... » إلخ بياناً لكيفيّة الإيماء بعد فرض الشروع في الصلاة قائماً. وليس كذلك ، بل ظاهره أنّه بيان لأصل كيفية الشروع في الصلاة ، فإنّه بعد فرض الخروج عن السفينة وهم عراة أو أنّهم قد سلبت ثيابهم حكم عليه‌السلام إجمالاً بلزوم الصلاة إيماءً وبما أنّهم بطبيعة الحال لا يقومون إلى الصلاة بمجرّد‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٤٩ / أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ٦.

٤٠٦

وينحني للركوع والسجود (*) بمقدار لا تبدو عورته ، وإن لم يمكن فيومئ برأسه (١).

______________________________________________________

الخروج عن السفينة أو سلب الثياب ، بل يمشون أو ينتظرون حلول الوقت أو حصول الفرصة تعرّض عليه‌السلام حينئذ لحكم الستر الواجب في نفسه وتحفّظ كل عورته عن صاحبه ، فذكر عليه‌السلام أنّه إن كان امرأة جعلت يدها على فرجها ، وإن كان رجلاً وضع يده على سوأته ، ثم بعد حلول الوقت وإرادة الاشتغال بالصلاة ذكر عليه‌السلام « أنّهما يجلسان فيومئان ... » إلخ.

فالجلوس هو مبدأ الشروع في الصلاة ، لأنّ المفروض عدم أمنهم عن الناظر المحترم. وقد مرّ أنّ الوظيفة بمقتضى صحيحة عبد الله بن مسكان (١) هي الصلاة جالساً مع عدم الأمن ، فبيّن عليه‌السلام أنّهم يصلّون جالسين ويومئون في صلاتهم ، لا أنّهم يصلّون قائمين ثم يجلسون ويومئون كما هو مبنى الاستظهار المتقدّم.

(١) أفاد قدس‌سره أنّه في فرض عدم الأمن والصلاة جالساً فوظيفته من حيث الركوع والسجود هي الانحناء إليهما بمقدار لا تبدو عورته ، وإلا فالإيماء بالرأس ، وإلا فبالعين.

وفيه أوّلاً : أنّ تخصيص هذه المراتب بالصلاة جالساً لا نعرف له وجهاً ، بل لو تمّت لجرى فيما لو صلّى قائماً مع الأمن لاتحاد الملاك. فالتفصيل غير ظاهر الوجه.

وثانياً : أنّ الثابت بمقتضى الأدلّة إنّما هو بدلية الإيماء كما تضمنته النصوص‌

__________________

(*) الأقوى عدم وجوب الانحناء لهما ، والأحوط الجمع بينه وبين الإيماء وقصد ما هو الواجب منهما في نفس الأمر.

(١) المتقدمة في ص ٣٩٧.

٤٠٧

وإلاّ فبعينيه (١)

______________________________________________________

وأما الانحناء العاري عنه فلا دليل على الاجتزاء به عن الركوع والسجود عدا قاعدة الميسور التي عرفت آنفاً تقريرها مع ما أوردنا عليها من الوجوه الثلاثة فلاحظ (١).

وعليه فلو اقتصر على الانحناء فالأظهر بطلان الصلاة ، لعدم الإتيان بالوظيفة المزبورة من الشارع ، نعم لو جمع بينه وبين الإيماء كان أحوط كما لا يخفى.

(١) الإيماء بالعين لدى العجز عن الإيماء بالرأس غير مذكور في نصوص المقام. ويمكن أن يستدلّ له بأنّ الأمر حينئذ دائر بينه وبين عدم الإيماء أصلاً وبين سقوط الصلاة رأساً ولا رابع.

أمّا الأخير فيدفعه القطع بعدم سقوط الصلاة بحال ، الثابت بالإجماع والنص ، وهذا حال من الأحوال.

وأمّا الثاني فيردّه أنّ الصلاة متقوّمة بالركوع والسجود بما لهما من المراتب كما يفصح عنه قوله عليه‌السلام : « الصلاة ثلاثة أثلاث ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود » (٢) فالصلاة الفاقدة لهما ولبدلهما ليست من حقيقة الصلاة في شي‌ء ، فلا بدّ من الإتيان بهما أو ببدلهما ، وحيث إن بدليّة الإيماء بالعين ثابتة في الجملة كما في المريض الذي ورد فيه النصّ بذلك ، فلا بدّ من تعيّن الاحتمال الأوّل ، لما عرفت من حصر المحتملات فيما ذكر.

ومنه تعرف الفرق بين الإيماء بالعين وبين غيره كالإيماء باليد مثلاً ، لعدم ثبوت البدلية لغير الأوّل ولو في الجملة. فلا مناص من تعيّنه ، فيكون غمض العين بدلاً عن الركوع والسجود ، وفتحها بدلاً عن رفع الرأس عنهما.

__________________

(١) ص ٤٠٥ ٤٠٦.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٠ / أبواب الركوع ب ٩ ح ١.

٤٠٨

ويجعل الانحناء أو الإيماء (*) للسجود أزيد من الركوع (١) ويرفع ما يسجد عليه ويضع (**) جبهته عليه (٢). وفي صورة القيام يجعل يده على قبله على الأحوط (٣).

______________________________________________________

(١) نسبه في الذكرى إلى الأصحاب (١) وربما يعلّل تارة بخبر أبي البختري وهب بن وهب : « يجعل سجوده أخفض من ركوعه » (٢) وضعفه ظاهر ، بل قيل : إنّه أكذب البرية.

وأُخرى بتحصيل الافتراق. وفيه : أنّ المائز هو القصد ، وكفى به في حصول الفرق ، وإلاّ فلو أُريد الفرق الظاهري فهو لا ينحصر بذلك ، بل يمكن العكس بأن يكون الإيماء للركوع أخفض منه للسجود ، كما يمكن رفع اليدين على هيئة الساجد في الإيماء للسجود مع تساوي الإيماءين في الخفض وعدمه ، فالظاهر عدم الدليل على لزوم رعاية الأخفضية بعد ما عرفت من حصول المميّز بالنية والقصد.

(٢) لا دليل عليه في المقام. ووروده في المريض لا يقتضي التعدّي بعد خلوّ نصوص المقام عنه ، فالأظهر عدم وجوبه عملاً بإطلاق الأدلّة.

(٣) كأنّه لاحتمال دلالة صحيح زرارة (٣) عليه ، لتضمّنه الأمر بوضع الرجل يده على سوأته والمرأة على فرجها ، الكائن ذلك حال القيام بقرينة قوله عليه‌السلام بعد ذلك : « ثم يجلسان فيومئان ... » إلخ ، فيكون ذلك من الستر المعتبر حال الصلاة.

__________________

(*) على الأحوط الأولى.

(**) على الأحوط ، والأظهر عدم وجوبه.

(١) الذكرى ٣ : ٢٣.

(٢) الوسائل ٤ : ٤٥١ / أبواب لباس المصلي ب ٥٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٤ : ٤٤٩ / أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ٦.

٤٠٩

[١٣١٢] مسألة ٤٤ : إذا وجد ساتراً لإحدى عورتيه ففي وجوب تقديم القبل أو الدبر أو التخيير بينهما وجوه (١) أوجهها الوسط (*).

______________________________________________________

لكن عرفت ضعفه فيما مرّ ، وأنّ ذلك ناظر إلى الستر غير الصلاتي المعتبر في نفسه عن الناظر المحترم ، وأنّ مبدأ الشروع في الصلاة هو قوله عليه‌السلام : « ثم يجلسان فيومئان ... » إلخ ، فليس ذلك من الستر المعتبر في الصلاة. فإطلاق ما دلّ على وجوب القيام حال الأمن كصحيح علي بن جعفر الدافع لاحتمال وجوب ستر القبل بوضع اليد عليه حينئذ هو المحكّم كما لا يخفى.

(١) من عدم الترجيح بعد كون كلّ منهما عورة. ومن أنّ الدبر مستور بالأليتين فيترجّح القبل ، ولا سيما مع بروزه وكونه إلى القبلة ، وفي المرأة للأفظعية. ومن ترجيح الدبر نظراً إلى عدم استتمام الركوع والسجود وهما ركنان في الصلاة إلا بستره ، ومع التمكّن منهما لا ينتقل إلى البدل وهو الإيماء.

وهذا هو الأظهر ، وقد أُشير إليه في صحيحة زرارة المتقدمة (١) الناطقة بأنّ العلّة في سقوطهما هو بدوّ ما خلفه.

ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، لاتحاد المناط ، فلا يصغي إلى ما قيل فيها بالتخيير لاشتراكهما في المستورية بالفخذين والأليتين وإن قلنا بتقديم القبل في الرجل ، إذ فيه ما عرفت من تساويهما في البدوّ المزبور.

ثم إنّه ينبغي التنبيه على أمر وهو أنّك قد عرفت فيما تقدّم حكم الرجل العاري ، وأنّ وظيفته لدى الأمن عن الناظر المحترم الصلاة قائماً مومئاً للركوع والسجود.

وأمّا المرأة العارية فلم يرد فيها نصّ متعرّض لهذه الصورة ، فإنّ صحيحة‌

__________________

(*) فيصلي حينئذ مع الركوع والسجود ، وقد دلت صحيحة زرارة على أن الموجب لسقوط الركوع والسجود هو بدوّ ما خلفه.

(١) في ص ٣٩٧.

٤١٠

زرارة (١) موردها عدم الأمن ، ومن ثم أمر فيها بوضع اليد على الفرج قبل الصلاة والإتيان بها إيماءً عن جلوس في الرجل والمرأة. وما ورد في صورة الأمن مورده الرجل دون المرأة ، فهل هي ملحقة بالرجل أو أنّها تصلّي عن جلوس مطلقاً ، سواء أمنت من الناظر أم لا؟

ظاهر إطلاق كلمات الأصحاب من غير تعرّض للتفصيل الاتفاق منهم على الأوّل ، وأنّها تصلّي مومية قائمة مع الأمن ، وجالسة مع عدم الأمن كالرجل.

وربما يستدلّ له بقاعدة الاشتراك. وفيه : أنّ موردها الاتحاد في الصنف ، ولا اتحاد في المقام. والتعدّي إلى المرأة وإن ثبت في غير واحد من الأحكام إلا أنّه بمعونة القطع بعدم الفرق ، ولا قطع في محلّ الكلام بعد أن افترقا في أنّ بدنها بتمامه عورة دون الرجل. فمن الجائز اختصاصها لهذه العلّة بالصلاة جالسة أمنت من الناظر أم لا. فليس الوجه في التعدّي القاعدة المزبورة.

بل الظاهر أنّ الوجه فيه إطلاقات أدلّة اعتبار القيام الشاملة للرجل والمرأة ، عاريين كانا أم لابسين ، خرجنا عنها بالنصّ الخاص في العاري لدى عدم الأمن من الناظر ، فانّ المتعيّن حينئذ الصلاة عن جلوس كما تقدّم (٢) فيبقى غيره تحت الإطلاق ، غاية الأمر أنّ النصوص قد دلّت في الرجل على لزوم القيام زيادة على ما تقتضيه الإطلاقات ، وفي المرأة لم يرد نصّ خاصّ ، إلاّ أن تلك الإطلاقات كافية ووافية.

وبعبارة واضحة : لمّا كان الجلوس على خلاف القاعدة فهو الذي يحتاج إلى دليل مخرج عنها ، دون القيام المطابق لها ، وحيث لم يرد دليل إلاّ مع عدم الأمن فلا جرم تبقى صورة الأمن تحت القاعدة ، من غير فرق بين الرجل والمرأة.

وحيث قد عرفت إلحاقها بالرجل في القيام فهي ملحقة به في الإيماء أيضاً إلى الركوع والسجود بالأولوية القطعية ، فإنّها أولى من الرجل بالمحافظة عن‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ٣٩٧.

(٢) في ص ٣٩٧.

٤١١

[١٣١٣] مسألة ٤٥ : يجوز للعراة الصلاة متفرقين (١). ويجوز بل يستحب لهم الجماعة (٢) وإن استلزمت للصلاة جلوساً وأمكنهم الصلاة مع الانفراد قياماً ، فيجلسون ويجلس الإمام وسط الصف ويتقدمهم بركبتيه ويومئون للركوع والسجود (*) إلاّ إذا كانوا في ظلمة آمنين من نظر بعضهم إلى بعض فيصلّون قائمين صلاة المختار (**) تارة ومع الإيماء أُخرى على الأحوط.

______________________________________________________

بدوّ العورة.

على أنّ قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « .. ثم يجلسان فيومئان إيماءً ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفها » ظاهر في أنّ العلّة في سقوطهما والانتقال إلى الإيماء حتى في حال القيام هو المحافظة على عدم بدوّ الخلف وهذه العلّة موجودة في المرأة العارية أيضاً ، سواء صلّت عن قيام أو عن جلوس كما هو ظاهر.

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لإطلاقات مشروعية الصلاة فرادى ، بل قد يظهر من ذيل رواية أبي البختري المتقدمة « ... فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ، ثم صلّوا كذلك فرادى » (١) وجوبها عليهم ، بحيث تكون بمثابة التخصيص في دليل مشروعية الجماعة.

ولكنّها مضافاً إلى ضعف سندها كما تقدّم (٢) محمولة على لزوم التباعد لو أرادوا الصلاة فرادى ، ليأمنوا من الناظر.

(٢) إذ تدلّ عليه مضافاً إلى إطلاقات المشروعية نصوص خاصة كصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن قوم صلّوا جماعة‌

__________________

(*) الأظهر أن المأمومين يركعون ويسجدون ، وإن كان الأولى ترك الجماعة في هذا الحال.

(**) الأولى ترك الجماعة في هذا الحال ، وإن أتى بها فالأقوى وجوب القيام مع الإيماء للإمام والمأموم ، والأحوط للمأمومين إعادة الصلاة من جلوس جماعة مع الركوع والسجود.

(١) الوسائل ٤ : ٤٥١ / أبواب لباس المصلي ب ٥٢ ح ١.

(٢) في ص ٤٠٩.

٤١٢

وهم عراة ، قال : يتقدّمهم الإمام بركبتيه ، ويصلّي بهم جلوساً وهو جالس » (١).

وموثّقة إسحاق بن عمار قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قوم قطع عليهم الطريق وأُخذت ثيابهم فبقوا عراة ، وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال : يتقدّمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه ، فيومئ إيماءً بالركوع والسجود ، وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم » (٢) فالحكم في الجملة مما لا شبهة فيه.

وإنّما الكلام في جهتين :

الاولى : لا ريب في سقوط القيام عن العراة ، فيصلّون جماعة عن جلوس كما نطقت به الصحيحة والموثّقة. وهل يختصّ السقوط بحالة عدم الأمن من الناظر المحترم ، أو يعمّ حالة الأمن؟

مقتضى الإطلاق فيهما هو الثاني ، لكنّه معارض بإطلاق صحيحة ابن مسكان المتقدّمة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « في رجل عريان ليس معه ثوب ، قال : إذا كان حيث لا يراه أحد فليصلّ قائماً » (٣) بالعموم من وجه حيث إنّ الاولى خاصّ من حيث الجماعة عامّ من حيث الأمن ، على العكس من الثانية ، فتتعارضان في مادّة الاجتماع وهي الجماعة مع الأمن (٤) ، فيسقط القيام بمقتضى إطلاق الأُولى ، ويجب بمقتضى الثانية. والمرجع بعد التساقط إطلاقات أدلّة اعتبار القيام في الصلاة ، وعليه فيختصّ السقوط بحالة عدم الأمن.

هذا بناءً على انعقاد الإطلاق في الروايتين أعني الصحيحة والموثّقة وأمّا بناءً على إنكاره ، نظراً إلى أنّ موردهما تعدّد العراة واجتماعهم ،

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٥٠ / أبواب لباس المصلي ب ٥١ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٤٥١ / أبواب لباس المصلي ب ٥١ ح ٢.

(٣) الوسائل ٤ : ٤٥٠ / أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ٧.

(٤) [ المذكور في الأصل : من دون الأمن. والصحيح ما أثبتناه ].

٤١٣

والغالب فيه عدم الأمن ، فالأمر أوضح كما لا يخفى.

الثانية : في وظيفتهم من حيث الركوع والسجود أو الإيماء إليهما.

أمّا الإمام فلا كلام في أنّ وظيفته الإيماء ، لبدوّ عورته بعد لزوم تقدّمه ، على أنّ الموثّقة صريحة في ذلك.

وأمّا المأمومون فقد ذهب الشيخ في النهاية (١) وجماعة إلى أنّهم يركعون ويسجدون ، خلافاً لجماعة أُخرى حيث ذهبوا إلى وجوب الإيماء عليهم أيضاً مستدلّين له تارة بالإجماع كما عن السرائر (٢) وأُخرى بإطلاقات الإيماء في العاري ، وثالثة بما عن الذكرى من استبعاد أن يكون للمأمومين خصوصية عن غيرهم من العراة (٣).

والكلّ كما ترى. فإنّ الإجماع مضافاً إلى أنّه منقول لا يعبأ به ، موهون بذهاب ثلّة من الأكابر إلى خلافه ، بل قيل إنّه المشهور. وأمّا الإطلاقات فهي مقيّدة بموثّقة إسحاق بن عمار. ومنه تعرف ضعف الاستبعاد ، فإنّه يشبه الاجتهاد في مقابل النصّ.

فالأقوى إذن ما اختاره الشيخ من التفصيل بين الإمام والمأمومين ، فيومئ هو ويركعون ويسجدون ، عملاً بموثقة إسحاق الصريحة في ذلك ، والسليمة عمّا يصلح للمعارضة ، نعم يختصّ الحكم بما إذا لم يكن خلف المأمومين ناظر محترم ، وإلا ففيه إشكال ، من إطلاق الموثّقة ، ومن وجوب ستر العورة.

لكن الأظهر هو الثاني ، إذ الركوع والسجود كغيرهما من أجزاء الصلاة مشروطة بالقدرة الشرعية ، ووجوب الستر مشروط بالقدرة العقلية. ولا ريب في تقديم الثاني لدى المزاحمة حسبما هو موضح في محلّه (٤) فإنّ كشف العورة‌

__________________

(١) النهاية : ١٣٠.

(٢) السرائر ١ : ٣٥٥.

(٣) الذكرى ٣ : ٢٦.

(٤) مصباح الأُصول ٣ : ٣٥٨.

٤١٤

[١٣١٤] مسألة ٤٦ : الأحوط بل الأقوى (*) تأخير الصلاة عن أوّل الوقت إذا لم يكن عنده ساتر واحتمل وجوده في آخر الوقت (١).

______________________________________________________

حرام مطلقاً من غير إناطة بشي‌ء ، ومع هذا النهي الفعلي يكون المصلّي عاجزاً شرعاً عن الركوع والسجود ، فلا جرم ينتقل إلى الإيماء. وبذلك يتقيّد إطلاق الموثقة.

ومنه يظهر أنّ صفوف الجماعة لو كانت متعدّدة فالصفوف المتقدّمة كلّهم يومئون ما عدا الصف الأخير ، لكن الشأن في مشروعية مثل هذه الجماعة ، إذ كيف يسوغ لهم الإيماء مع التمكّن من الركوع والسجود بوقوفهم أجمع في صف واحد وإن استطال ، بل الأظهر عدم صحّة جماعة العراة في أكثر من صف واحد ، هذا.

ولمّا كانت المسألة خلافية من حيث ركوع المأمومين أو الإيماء إليه فالأولى للعراة ترك الجماعة في هذه الحالة كما أُشير إليه في التعليقة الشريفة.

(١) هل يجوز البدار للمعذور في بعض الوقت عن جزء أو شرط وهو لا يدري ، بعد الفراغ عن عدم الجواز في صورة العلم بزوال العذر.

والكلام يقع تارة في جوازه واقعاً ، وأُخرى ظاهراً.

أمّا الأوّل : فالظاهر عدم الجواز ، لا لرواية [ أبي ] البختري الواردة في المقام « من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت ... » إلخ (١) لضعف السند ، بل لبرهان عام يشمل كافة الموارد ، وهو أنّ المستفاد من أدلّة الأبدال الاضطرارية أنّ الموضوع فيها هو المعذور في مجموع الوقت ، بحيث لم يتمكّن من الإتيان بالمأمور به على وجهه في أي جزء ممّا بين الحدّين ، لا مجرّد العجز الفعلي ، وإلاّ لثبت البدل حتى مع القطع بزوال العذر ، وهو كما ترى.

__________________

(*) بل منع ، نعم هو أحوط.

(١) الوسائل ٤ : ٤٥١ / أبواب لباس المصلي ب ٥٢ ح ١.

٤١٥

[١٣١٥] مسألة ٤٧ : إذا كان عنده ثوبان يعلم أنّ أحدهما حرير أو ذهب أو مغصوب والآخر ممّا تصحّ فيه الصلاة لا تجوز الصلاة في واحد منهما ، بل يصلّي عارياً (١).

______________________________________________________

وعليه فلو تجدّدت القدرة ولو في آخر الوقت كشف ذلك لا محالة عن انتفاء الموضوع من أوّل الأمر ، وأنّه لم يكن مأموراً بالبدل في صقع الواقع وإن توهّمه وتخيّله.

نعم ، ظاهر مرسلة ابن مسكان جواز البدار في المقام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة ، قال : يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد ، فإن رآه أحد صلّى جالساً » (١). ولكنّها مضافاً إلى ضعف السند محمولة على من علم من حاله استمرار الاضطرار إلى انتهاء الوقت كما لا يخفى.

وأمّا الثاني : فالظاهر جواز البدار ظاهراً ، استناداً إلى استصحاب بقاء العذر إلى نهاية الوقت ، بناءً على ما هو الأصحّ من جريانه في الأُمور الاستقبالية كالحالية ، فإنّه بذلك يحرز موضوع الانتقال إلى البدل.

أجل لمّا كان هذا الجواز حكماً ظاهرياً يستند إلى الاستصحاب فلا جرم كان اعتباره مغيا بعدم انكشاف الخلاف ، فلا يجري مع كشفه ، إذ به يعلم عدم تحقّق الموضوع من الأوّل ، ومعه لا مناص من الإعادة.

وبالجملة : فالصحّة تدور مدار استمرار العذر ، فان استمر صحّ العمل وإن احتمل وقتئذ زواله ، وإن لم يستمر لم يصح ، وإن علم بالاستمرار آن ذاك بعلم وجداني أو تعبّدي من استصحاب ونحوه فلاحظ.

(١) تنحلّ المسألة إلى صور ثلاث :

إحداها : ما لو كان له ثوبان يعلم إجمالاً بأنّ أحدهما لا يجوز لبسه ولا الصلاة فيه ، لكونه ذهباً أو حريراً أو مغصوباً ، وحكمه ما ذكره في المتن من‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٤٩ / أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ٣.

٤١٦

تركهما والصلاة عارياً ، لتنجيز العلم الإجمالي المانع من الاقتحام في شي‌ء من الطرفين بحكم العقل بعد معارضة الأصل المؤمّن في كلّ منهما بالآخر ، فإنّه بذلك يصبح عاجزاً عن استعمال الثوب السائغ الموجود في البين ، فلا مناص من الصلاة عارياً.

نعم ، ربما يناقش بمعارضته بعلم إجمالي آخر ، وهو وجوب لبس أحدهما في الصلاة رعاية للستر الواجب فيها ، فيكون إذن من سنخ الدوران بين المحذورين المحكوم عقلاً بالتخيير ، نظراً إلى أنّ للعلم الإجمالي مقتضيين : أحدهما حرمة المخالفة القطعية ، والآخر وجوب الموافقة كذلك.

والأوّل وإن تيسّر في المقام بأن يلبس أحد الثوبين دون الآخر ، إذ لا قطع حينئذ بالمخالفة لشي‌ء من العلمين الإجماليين ، لكن الثاني متعذّر ، لامتناع الجمع بين لبس الثوبين وتركهما ، فلا جرم تسقط الموافقة القطعية ، ويكتفى بالموافقة الاحتمالية ، بأن يلبس أحدهما ويترك الآخر ، مخيّراً بينهما بعد عدم مرجّح للتقديم حتى احتمال الأهمّية ، ضرورة أنّه إنّما ينفع فيما إذا وقعت المزاحمة بين نفس التكليفين فيتقدّم حينئذ محتمل الأهمّية ، للقطع بسقوط الإطلاق في غير المحتمل إمّا للتساوي أو لكون غيره أهم ، فيبقى الإطلاق في المحتمل على حاله.

وأمّا في المقام فمورد المزاحمة إحراز الامتثالين لا نفس التكليفين ، ومعه لا موقع للتقديم بالمرجّح المزبور إلاّ إذا أُحرز اهتمام الشارع بامتثال ما هو أهم ولو احتمالاً كما في الدماء والفروج والأموال الخطيرة ، لأنّ مرجع ذلك إلى إيجاب الاحتياط. ومن البيّن أنّ ما يجب فيه الاحتياط يتقدّم على ما لا يجب.

فلو نذر أن يقتل كافراً مهدور الدم في وقت معيّن فرأى شخصاً مردّداً بينه وبين مؤمن محقون الدم ، أو نذر أن يجامع زوجته في ليلة معيّنة ، أو وجب الوطء لمضيّ أربعة أشهر وتردّدت المرأة بين الزوجة والأجنبية ، فإنّه لا يجوز القتل ولا الوطء لمكان اهتمام الشارع بحفظ النفوس والفروج الموجب لتقديم إحراز أحد الامتثالين على الآخر كما هو واضح.

وتندفع المناقشة بأنّ الكبرى المزبورة وإن كانت وجيهة ولكنّها غير منطبقة‌

٤١٧

وإن علم أنّ أحدهما من غير المأكول والآخر من المأكول (١) ،

______________________________________________________

على المقام ، لاختصاصها بما إذا كانت القدرة المأخوذة في كلّ من المعلومين بالإجمال عقلية ، فإنّه يلتزم حينئذ بالتخيير كما أُفيد. وأمّا في محلّ الكلام فهي وإن كانت في جانب الحرمة عقلية ولكنّها في جانب الستر الواجب شرعية كما هو الشأن في كافة أجزاء الصلاة وشرائطها ، ولا ريب في تقدّم المشروط بالقدرة العقلية على الشرعية لدى المزاحمة.

إذن فتتقدّم الحرمة على الوجوب ، بل تكون حاكمة عليه ، إذ بعد ثبوتها بالعلم الإجمالي لم يتمكّن المصلي من اللبس شرعاً ، فيكون طبعاً غير واجد للساتر. ومن البيّن أنّ الموضوع للصلاة عارياً هو من لم يجد ساتراً ، أي لم يتمكّن من استعماله وإن كان موجوداً عنده ، نظير عدم وجدان الماء المأخوذ في موضوع التيمم الذي هو أعم من الفقد التكويني والتشريعي.

وعليه فتتعيّن الصلاة عارياً في هذه الصورة كما أفاد في المتن.

(١) الصورة الثانية : ما إذا كان أحد الثوبين مما لا تصحّ الصلاة فيه وإن ساغ لبسه في نفسه لكونه من غير المأكول.

وقد فصّل الماتن حينئذ بين سعة الوقت فيصلّي صلاتين في كلّ من الثوبين تحصيلاً لإحراز وقوع الصلاة في ساتر سائغ ، وبين ضيقه بحيث لم يسع الوقت إلاّ لصلاة واحدة ، فإنّه يصلّي حينئذ عارياً ، لتنجّز المانعية المعلومة بالإجمال بعد تعارض الأصلين من الطرفين الرادع عن الاقتحام في شي‌ء منهما.

ولكنّه غير واضح ، بل الأظهر التخيير في صورة الضيق ، نظراً إلى معارضة العلم الإجمالي بمانعية أحد الثوبين بالعلم الإجمالي بشرطية أحدهما ، فيكون من الدوران بين الشرطية والمانعية الذي مقتضاه التخيير حسبما عرفته من الكبرى المتقدّمة آنفاً ، من إمكان الاجتناب عن المخالفة القطعية لكلّ من المعلومين بالإجمال بلبس أحدهما دون الآخر ، وامتناع الموافقة القطعية لهما‌

٤١٨

أو أن أحدهما نجس والآخر طاهر صلّى صلاتين ، وإذا ضاق الوقت ولم يكن إلا مقدار صلاة واحدة (١) يصلّي عارياً في الصورة الاولى (*) ويتخيّر بينهما في الثانية (٢).

[١٣١٦] مسألة ٤٨ : المصلّي مستلقياً أو مضطجعاً لا بأس بكون فراشه أو لحافه نجساً أو حريراً أو من غير المأكول (**) إن كان له ساتر غيرهما ، وإن كان يتستّر بهما أو باللحاف فقط فالأحوط كونهما ممّا تصحّ فيه الصلاة (٣).

______________________________________________________

وأنّه لا مناص من الاكتفاء بالاحتمالية ، وحيث لا ترجيح هنا في البين إذ لم تكن الحرمة نفسية ليتقدّم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالشرعية كما كان كذلك في الصورة السابقة فلا جرم يتخيّر بينهما.

(١) الصورة الثالثة : ما لو علم إجمالاً بنجاسة أحد الثوبين وطهارة الآخر وحكمه تكرار الصلاة مع السعة ، والتخيير مع الضيق كما في الصورة السابقة وقد علم وجهه ممّا مرّ ، بل إنّ التخيير هنا أولى ممّا سبق ، لجواز الصلاة في النجس عند الاضطرار ، وعدم جوازها في غير المأكول حتى للمضطر فيصلّي عارياً ، فاذا ثبت التخيير فيه كما عرفت ثبت في النجس بطريق أولى.

ومنه يظهر أنّ تفكيك الماتن بينهما بالصلاة عارياً في الأوّل والتخيير في الثاني في غير محلّه ، بل الأقوى هو التخيير في كلتا الصورتين حسبما عرفت.

(٢) بل عرفت أنّ الأظهر ثبوت التخيير في الصورتين معاً.

(٣) ينبغي التفصيل بين النجس والحرير ، وبين غير المأكول. ففي الأوّلين بما أنّ الممنوع هو اللبس غير الصادق على فراش المصلّي مستلقياً أو مضطجعاً ولا لحافه فلا ضير فيه ، ضرورة أنّه لا يصدق عليه أنّه لابس للحرير ولا للنجس‌

__________________

(*) بل يتخير كما في الصورة الثانية.

(**) الأقوى بطلان الصلاة في اللحاف إذا كان من غير المأكول.

٤١٩

نعم لو فرضنا التفافه باللحاف على وجه يصدق عليه عرفاً لبسه اتجه المنع فالعبرة في الجواز والمنع بصدق اللبس وعدمه.

وأمّا في الأخير فموضوع المنع أوسع ، فإنّه على ما يستفاد من موثقة ابن بكير (١) هو مطلق المصاحبة من غير اختصاص باللباس ، ومن ثم يشمل المحمول أيضاً. فلا قصور إذن في شموله للحاف الذي يتغطّى به المضطجع أو المستلقي ، بل وفراشه أيضاً على تأمّل فيه ، هذا.

ولا فرق في ذلك كلّه بين الساتر وغيره ، أمّا في الأخير فواضح ، لما عرفت من أنّ الموضوع هو مطلق المصاحبة الشامل لهما بمناط واحد.

وأمّا في الأوّلين فإن صدق على التغطّي بهما عنوان اللبس كان مانعاً عن الصلاة ، سواء أكان ساتراً أم لا ، لعموم المنع فيهما للساتر وغيره كما هو ظاهر. وإن لم يصدق كما هو الغالب فلا مانع من التغطّي به وإن كان هو الساتر ، لما عرفت في محلّه (٢) من الفرق بين الستر الصلاتي وبين الستر الواجب في نفسه فإن الثاني وإن تحقّق بكلّ مانع عن النظر ولو بالدخول في الماء أو في مكان مظلم ، لكن الأوّل يختص بما يصدق معه عنوان اللبس في مقابل العاري.

وعليه فان كان للمصلّي المزبور ساتر غير اللحاف فقد تستّر بما هو المأمور به ، ولا يقدح تغطّيه حينئذ باللحاف النجس أو المتخذ من الحرير ، لاختصاص المانعية باللباس المفروض عدم صدقه عليه. وإن لم يكن له ساتر غيره فكذلك ، إذ المفروض عدم كونه مصداقاً للستر الصلاتي ، فهو فاقد للّباس ووظيفته الصلاة عارياً ، ولا دليل على قادحيّة النجاسة أو الحرير في غير اللباس كما عرفت.

والمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ الالتحاف بما لا يؤكل مبطل ، وبالنجس أو الحرير سائغ ما لم يصدق عنوان اللبس ، وإلاّ بطلت الصلاة ، من غير فرق في جميع‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ١٦٨.

(٢) في ص ١٢٧.

٤٢٠