موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٢

الشيخ مرتضى البروجردي

ثوب الحرير لا يكاد يشمل شي‌ء منها للمكفوف ، إذ المتبادر منها ما كان الثوب بنفسه منسوجاً من الحرير ، فلا يعم ما كانت عليه قطعة منه ، فإنّه ثوب عليه الحرير ، لا أنّه ثوب من الحرير.

وبعبارة اخرى : لو لاحظنا نفس الكفّ لا يصدق عليه اللبس ، ولو لاحظنا مجموع اللباس لا يصدق عليه الحرير ، بل هو لابس لما عليه الحرير. فعنوان لبس الحرير الذي هو الموضوع للحكم غير صادق على التقديرين.

نعم ، ما تضمّن النهي عن الصلاة في الحرير كما في صحيحة ابن عبد الجبار المتقدمة (١) : « لا تحلّ الصلاة في حرير محض » وإن أمكن دعوى شموله للمقام لكن من القريب جدّاً دعوى ظهوره ولو بقرينة ذكر التكّة والقلنسوة في خصوص الملبوس ، وأنّ السؤال عن اختصاص الحكم بما تتمّ فيه الصلاة وتعميمه له ولما لا يتمّ ممّا يكون نظير القلنسوة والتكّة في كونه من الملبوس فلا نظر إلى ما لا يكون من هذا القبيل كالكفّ ونحوه ، كما مرّ التعرّض لذلك سابقاً (٢) وعليه فيمكن القول بالجواز ، لقصور المقتضي.

ومع الغضّ وتسليم الإطلاق في الصحيحة لمثل الكفّ فيخرج عنه بموثّقة الحلبي المتقدمة سابقاً (٣) التي في طريقها أحمد بن هلال المتضمّنة لجواز الصلاة فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً ، إذ الكفّ من الحرير كذلك ، فيقيّد بها الإطلاق.

ويؤيّد المطلوب روايتان ليوسف بن إبراهيم (٤) ودلالتهما ظاهرة ، للتصريح باختصاص المنع بالحرير المبهم أو المصمت المساوق للمحض ، فلا منع فيما كان‌

__________________

(١) في ص ٣٢٧.

(٢) في ص ٣٤٧.

(٣) في ص ٣٣٢.

(٤) الوسائل ٤ : ٣٧٥ / أبواب لباس المصلي ب ١٣ ح ٦ ، ٣٧٩ / ب ١٦ ح ١. وفيه : عن أبي داود بن يوسف بن إبراهيم ، وكلمة « ابن » الاولى زائدة ، والصحيح : أبي داود يوسف ابن إبراهيم.

٣٦١

مشتملاً عليه وعلى غيره كما في المكفوف. ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين حال الصلاة وغيرها ، لكن السند ضعيف من جهة يوسف والعيص بن قاسم (١) ولذا ذكرناهما بعنوان التأييد.

وما يقال في تصحيحه من أنّ الراوي عنه صفوان بن يحيى الذي هو من أصحاب الإجماع قد تقدّم الكلام فيه وفي منعه قريباً (٢) فلاحظ.

كما أنّ [ ما ] يقال أيضاً من أنّ صفوان وابن أبي عمير والحسن بن محبوب قد نصّ عليهم بأنّهم لا يروون إلا عن الثقة غير ثابت. وعبارة الشيخ في العدّة (٣) غير ظاهرة في هذا المعنى فلاحظها.

بقي الكلام في روايتين : إحداهما : رواية جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج .. » إلخ (٤).

وقد استدلّ بها العلامة على الجواز حملاً للكراهة على المصطلحة (٥) وصاحب الحدائق على المنع حملاً لها في لسان الأخبار على المبغوضية والحرمة (٦) كما عبّر عن الحرمة بها كثيراً ، منها في باب الربا أنّ علياً عليه‌السلام كان يكره بيع المثل بالمثل مع الزيادة (٧). ولعلّ الثاني أظهر لكن الرواية غير صالحة للاستدلال لشي‌ء منهما.

أوّلاً : لضعف سندها من جهة قاسم بن سليمان وجراح المدائني ، فإنّ الأوّل‌

__________________

(١) [ لكن العيص وثقه النجاشي في رجاله صريحاً ، راجع معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٣٣ / ٩٢٦٥ ].

(٢) في ص ٣٥٣.

(٣) العُدة ١ : ٥٨ السطر ٧ [ والمذكور فيها : ولأجل ذلك .... بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات .... ].

(٤) الوسائل ٤ : ٣٧٠ / أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ٩.

(٥) التذكرة ٢ : ٤٧٤.

(٦) الحدائق ٧ : ٩٨.

(٧) الوسائل ١٨ : ١٤٩ / أبواب الربا ب ١٤ ح ٢ ، ١٥١ / ب ١٥ ح ١ ٣.

٣٦٢

وإن زاد على أربع أصابع ، وإن كان الأحوط ترك ما زاد عليها (١).

______________________________________________________

ضعيف والثاني مهمل ، إذ لم يذكر بهذا العنوان في كتب الرجال ، ولم يعلم أنّه اسمه أو لقبه.

وثانياً : لقصور دلالتها ، فانّ الديباج وإن فسره بعض اللغويين بالحرير المحض (١) لكن عن لسان العرب أنّه الثوب المنقوش ، سواء كان من الحرير أم غيره كما مرّ سابقاً (٢). وهو لفظ معرّب من ديبا ، ويؤيّده قوله في موثّقة سماعة المتقدمة سابقاً (٣) : « وإن كان فيه تماثيل » وتشهد له المقابلة بينه وبين الحرير في كثير من الأخبار. وعليه فلا يدلّ الخبر إلا على كراهة الثوب المنقوش ، ولا ربط له بالحرير ، فهو أجنبي عن محلّ الكلام.

وثانيتهما : موثّقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « وعن الثوب يكون علمه ديباجاً ، قال : لا يصلّى فيه » (٤) وهي تشترك مع الرواية المتقدّمة في المناقشة الأخيرة ، فلا يعتمد عليها.

فتحصّل : أنّ الأقوى جواز لبس المكفوف من الحرير ، وكذا الصلاة فيه ، نعم لو كان الكفّ كثيراً جدّاً بحيث كان مما تتم فيه الصلاة وكما لو كان النصف الأعلى أو النصف الأسفل من الثوب حريراً لم يجز ، لصدق لبس الحرير كما هو ظاهر فتدبّر جيداً.

(١) نسب إلى المشهور اعتبار عدم زيادة الكف على أربع أصابع ، وإن كانت كلمات أكثرهم خالية عن هذا التقييد. وكيف كان ، فربما يقال : إنّه لا مستند‌

__________________

(١) كما تقدم في ص ٣٢٩.

(٢) في ص ٣٢٩.

(٣) في ص ٣٤٠.

(٤) الوسائل ٤ : ٣٦٩ / أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ٨ ، وفيها : « عليه » بدل « علمه » وهو غلط كما لا يخفى [ المصادر التي بأيدينا لا تشتمل على « عليه » ].

٣٦٣

لذلك سوى ما روي بطريق العامّة عن عمر : « أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الحرير إلا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع » (١) وضعفه منجبر بعمل الأصحاب.

وفيه : مضافاً إلى منع كبرى الانجبار كما تكرّر غير مرّة ، إذ المستفاد من أدلّة الحجّية اعتبار وثاقة الراوي ، لا الوثوق بالرواية إلا إذا كان شخصياً كما يتفق أحياناً ، فتكون العبرة به ، وهو خارج عن محلّ الكلام. وبالجملة : كما أنّ المتّبع في حجية الدلالة تحقّق الظهور الذي هو الموضوع للحجية ببناء العقلاء فلا يكون العمل جابراً لضعفها ، كذلك المتّبع في حجية السند وثاقة الراوي ، فلا يكون العمل جابراً له ، وتمام الكلام في محلّه (٢).

أنّ الصغرى في المقام ممنوعة ، إذ لا يحتمل استناد الأصحاب إلى مثل هذه الرواية التي في سندها من لا يخفى ، بل من الجائز أن يكون مستندهم أحد أمرين :

الأوّل : بناؤهم على الرجوع إلى قاعدة الاشتغال في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين كما كان هذا هو الشائع بين المتقدّمين. فكأنّ مقدار أربع أصابع متيقّن الجواز فيرجع في الزائد إلى قاعدة الاشتغال لا إلى هذه الرواية المانعة عن الزائد على هذا الحدّ فتدبّر.

الثاني : أنّ الزائد على أربع أصابع ممّا تتم فيه الصلاة غالباً ، سيما إذا كان فاحشاً ، وقد عرفت المنع عما تتم فيه الصلاة من الحرير ، ولذا قيّدنا جواز الصلاة في الكفّ بما إذا لم يكن كذلك كما مرّ (٣).

وبالجملة : فلأجل أحد هذين الوجهين وقع التحديد بأربع أصابع فما دون‌

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٦٤٣ / ١٥.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٢٠١.

(٣) في آخر التعليقة السابقة.

٣٦٤

ولا بأس بالمحمول منه أيضاً وإن كان ممّا تتم فيه الصلاة (١).

______________________________________________________

في فتوى الأصحاب ، دون تلك الرواية. وممّا ذكرنا يظهر وجه الاحتياط الذي أفاده في المتن.

(١) أمّا في غير حال الصلاة فلا ريب في الجواز ، بل هو مقطوع به ، سواء كان مما تتم فيه الصلاة أم لا ، لقصور المقتضي وعدم الدليل على المنع ، فحاله كحال الذهب ، وحمله ليس إلا كالنظر إليه المقطوع جوازه.

وأمّا الحمل حال الصلاة فإن كان مما لا تتم فلا ريب في جوازه ، إذ لا إشكال في لبسه فضلاً عن حمله كما عرفت (١). وإن كان مما تتم فيه الصلاة فالجواز وعدمه مبنيان على تفسير كلمة « في » في قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن عبد الجبار المتقدّمة (٢) : « لا تحلّ الصلاة في حرير محض » وأنّ المراد بها خصوص الظرفية أو مطلق المصاحبة ، فيحكم بالبطلان على الثاني دون الأوّل ، وقد تقدّم الكلام حول ذلك مفصّلاً (٣) وقلنا : إنّ المراد بها في موثّقة ابن بكير الواردة فيما لا يؤكل لحمه مطلق المصاحبة ، بقرينة ذكر الروث والبول والألبان ، لعدم اتخاذ اللباس منها. وأمّا في المقام فحيث لا تكون هذه القرينة فلا مناص من حمل الكلمة على ظاهرها وهي الظرفية ، لكن بنحو من التجوّز والعناية ، إذ لا معنى لظرفية شي‌ء لفعل من الأفعال إلا باعتبار كونه ظرفاً لفاعل الفعل ، فقولنا : صلّى زيد في الحرير كقولنا : أكل فيه أو جلس أو مشى فيه ، معناه كون الحرير ظرفاً لفاعل هذه الأُمور ، فهو ظرف للمصلّي مثلاً ، ولا يكون ظرفاً له إلا مع تضمّنه نوعاً من الاشتمال ولو على بعضه ، ولا يكاد يتحقّق ذلك إلا عند اللبس ، وإلا فمجرّد الحمل لا يتضمّن الاشتمال فلا تتحقق‌

__________________

(١) في ص ٣٣١ فما بعدها.

(٢) ص ٣٢٧.

(٣) في ص ٣١١.

٣٦٥

[١٢٩٤] مسألة ٢٦ : لا بأس بغير الملبوس من الحرير كالافتراش والركوب عليه والتدثّر به ونحو ذلك في حال الصلاة وغيرها ، ولا بزرّ الثياب وأعلامها والسفائف والقياطين الموضوعة عليها وإن تعدّدت وكثرت (١).

______________________________________________________

معه الظرفية.

وعليه فلا يصدق مع الحمل عنوان الصلاة في الحرير كي تبطل ، نعم لو أغضينا عن ذلك وحملنا الكلمة على مطلق المصاحبة اتجه البطلان حينئذ لصدق المصاحبة مع الحمل ، لكنه خلاف التحقيق كما عرفت.

(١) أمّا الافتراش والجلوس عليه فلا إشكال فيه ، لقصور المقتضي ، فإنّ الممنوع هو اللبس غير الصادق عليه بالضرورة. وكذا الصلاة عليه ، إذ الممنوع الصلاة في الحرير ، دون الصلاة عليه كما هو ظاهر.

ويؤكّده صحيح علي بن جعفر عليه‌السلام قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الفراش الحرير ومثله من الديباج ، والمصلّى الحرير هل يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال : يفترشه ويقوم عليه ، ولا يسجد عليه » (١) ونحوه خبر مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف ، أو يجعله مصلّى يصلّي عليه » (٢).

وما تضمّنه الصحيح من النهي عن السجود عليه فهو من جهة اعتبار كون المسجد من الأرض أو نباتها ، وليس الحرير منهما كما هو ظاهر. وممّا ذكرنا يظهر جواز الركوب عليه.

وأمّا التدثّر فإن أُريد به الالتحاف والتغطّي حال الاضطجاع والنوم كما لعلّه مراد الماتن فلا إشكال في الجواز ، لعدم صدق اللبس حينئذ قطعاً ، كما تجوز الصلاة تحته في هذه الحالة مع التستّر بغيره. وإن أُريد به الالتفاف به‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٤ : ٣٧٨ / أبواب لباس المصلي ب ١٥ ح ١ ، ٢.

٣٦٦

[١٢٩٥] مسألة ٢٧ : لا يجوز جعل البطانة من الحرير للقميص وغيره وإن كان إلى نصفه ، وكذا لا يجوز لبس الثوب الذي أحد نصفيه حرير ، وكذا إذا كان طرف العمامة منه ، إذا كان زائداً على مقدار الكف (*) بل على أربعة أصابع على الأحوط (١).

[١٢٩٦] مسألة ٢٨ : لا بأس بما يرقع به الثوب من الحرير إذا لم يزد على مقدار الكف ، وكذا الثوب المنسوج طرائق بعضها حرير وبعضها غير حرير إذا لم يزد عرض الطرائق من الحرير على مقدار الكف ، وكذا لا بأس بالثوب الملفق من قطع بعضها حرير وبعضها غيره بالشرط المذكور.

______________________________________________________

في سائر الأحوال كما تصنعه الهنود والجنود فلا ريب في حرمته وبطلان الصلاة فيه ، لصدق اللبس.

(١) ذكر قدس‌سره في هذه المسألة وما بعدها عدّة من الفروع يظهر حالها مما مرّ.

وملخّص ما قلناه : أنّ المستفاد من الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض أنّه يعتبر في حرمة الحرير تكليفاً ووضعاً صدق اللبس بمعنى اشتماله وإحاطته على المكلّف ، تحقيقاً للظرفية وكونه ممّا تتم فيه الصلاة.

وعليه فلا يجوز جعل بطانة الملابس من الحرير وإن كانت إلى النصف ، إذ لا فرق بينها وبين الظهارة في صدق اللبس وإن كانت مستورة. ودعوى اختصاص المنع بالحرير المستقل في اللبس فلا يشمل الملبوس تبعاً ، لا شاهد عليها ، بل يدفعها إطلاق الدليل.

وكذا لا يجوز لبس الثوب الذي أحد نصفيه حرير من الأعلى أو الأسفل.

وعن بعض تخصيص المنع بالثاني ، لحصول التستّر به ، ولا وجه له بعد‌

__________________

(*) العبرة في عدم الجواز إنما هي بصدق اللبس لا بالمقدار ، وبذلك يظهر الحال في المسألتين بعدها.

٣٦٧

[١٢٩٧] مسألة ٢٩ : لا بأس بثوب جعل الإبريسم بين ظهارته وبطانته عوض القطن ونحوه ، وأمّا إذا جعل وصلة من الحرير بينهما فلا يجوز لبسه ولا الصلاة فيه (١).

______________________________________________________

صدق اللبس الممنوع على التقديرين ، بل لا يجوز وإن كان ثلث اللباس حريراً من الأعلى أو الوسط أو الأسفل ، بعد أن كان بمقدار تتم فيه الصلاة في حدّ نفسه ، لما ذكر.

ومنه يظهر وجه المنع فيما إذا كان طرف العمامة من الحرير إذا كان زائداً على مقدار ما يكفّ به الثوب ، بل الأربع أصابع على الاحتياط الذي مرّ وجهه.

وبالجملة : المتبع إطلاق الدليل الشامل لجميع هذه الموارد ، بعد انطباق الضابط المزبور من كونه لبساً لما تتم فيه الصلاة.

كما أنّه لا بأس بما يرقّع به الثوب من الحرير إذا لم تكن الرقعة ممّا تتم فيها الصلاة وحدها ، وكذا الثوب المنسوج طرائق بعضها حرير وبعضها من غيره على الشرط المزبور. ومنه يظهر حكم الثوب الملفّق من قطع بعضها حرير.

(١) أمّا إذا كان المجعول بينهما وصلة من الحرير شبه الوزرة ونحوها ممّا تتم فيه الصلاة فلا إشكال في عدم الجواز ، لصدق اللبس ، بعد عدم الفرق فيه بين الظاهر والخفي.

وأمّا إذا كان الحشو بالإبريسم نفسه أعني مادّة الحرير قبل النسج التي هي بمثابة القطن والصوف فلم يتعرّض له القدماء ما عدا الشهيد في الذكرى حيث لم يستبعد الجواز (١). والكلام يقع تارة في الروايات التي يستدلّ بها على الجواز ، وأُخرى بالنظر إلى ما تقتضيه القاعدة.

أمّا الروايات فهي ثلاث :

__________________

(١) الذكرى ٣ : ٤٤.

٣٦٨

الأُولى : صحيحة الريّان بن الصلت أنّه سأل الرضا عليه‌السلام عن أشياء منها المحشو بالقزّ ، فقال عليه‌السلام : « لا بأس بهذا كلّه إلا بالثعالب » (١).

وفيه : أنّ مفادها ليس إلا جواز اللبس في نفسه ، لا عدم المانعية في الصلاة فيتوقّف الاستدلال بها على دعوى أنّ الممنوع في الصلاة هو ما كان ممنوعاً في نفسه ، لكن هذه الملازمة في حيّز المنع كما سبق (٢) ومن ثم ذكرنا أنّ من اضطر إلى لبس الحرير لبرد أو في الحرب وإن ساغ له ذلك لكنّه يجب عليه نزعه في الصلاة إذا تمكّن منه في بعض الوقت.

الثانية : صحيحة الحسين بن سعيد قال : « قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى الرضا عليه‌السلام يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قز ، فكتب إليه قرأته : لا بأس بالصلاة فيه » (٣).

وما عن المحقق في المعتبر من الطعن في السند باستناد الراوي وهو الحسين ابن سعيد إلى ما وجده في كتاب لم يسمعه من محدّث كما حكاه عنه في الحدائق (٤) مدفوع بما ذكره غير واحد من المتأخّرين من عدم الفرق في تحمّل الرواية بين السماع من الراوي وبين الوجدان في كتاب يجزم بأنّه له ، سيما بعد شهادة ابن سعيد بأنّه قرأ الكتاب ولاحظ الجواب ، الظاهر في كونه بخط الإمام عليه‌السلام ومعرفته له.

وما عن بعض المؤلّفات من إسناد الطعن المزبور من المحقّق المذكور إلى الرواية الآتية مبني على الغفلة ، فإنّ الصدوق رواها بسنده الصحيح عن إبراهيم بن مهزيار أنّه كاتب الإمام عليه‌السلام (٥) ، ولم يتعرّض المحقّق لذاك‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٥٢ / أبواب لباس المصلي ب ٥ ح ٢.

(٢) في ص ٣٤٢.

(٣) الوسائل ٤ : ٤٤٤ / أبواب لباس المصلي ب ٤٧ ح ١.

(٤) الحدائق ٧ : ٩٣.

(٥) الفقيه ١ : ١٧١ / ٨٠٧.

٣٦٩

الطعن في هذه الرواية ، بل في رواية ابن سعيد فحسب كما عرفت.

الثالثة : صحيحة إبراهيم بن مهزيار : « أنه كتب إلى أبي محمد عليه‌السلام : الرجل يجعل في جبّته بدل القطن قزّاً هل يصلّي فيه؟ فكتب : نعم ، لا بأس به » (١).

وهي كالروايتين السابقتين معتبرة السند على الأظهر ، فإنّ إبراهيم بن مهزيار وإن لم يرد فيه توثيق صريح ، وحاولوا التصحيح بوجوه لعلّ أحسنها أنّه كان وكيلاً للإمام عليه‌السلام وأجبنا عنه في محلّه (٢) بأنّ الوكالة أعمّ من الوثاقة وصدق اللهجة ، فربّ وكيل غير موثوق في الحديث وإن كان مأموناً في خصوص ما وكّل فيه ، وقد كان جملة من وكلائهم عليهم‌السلام مذمومين. إلا أنّ الأولى التعويل في وثاقته بوقوعه في أسناد كامل الزيارات (٣).

وعلى الجملة : فقد دلّت الروايتان الأخيرتان على جواز الصلاة في الثوب المحشوّ بالقز.

إنّما الكلام في تفسير المراد من القز ، فقد حمله الصدوق في الفقيه على قزّ الماعز (٤) ، ولكنّه خلاف الظاهر وعارٍ عن الشاهد ، بل الظاهر أنّ الكلمة معرّب ما يسمّى بالفارسية بـ ( كج ) وهو الخارج من دود القز قبل أن يصفّى ، فهو اسم لنفس المادة قبل التصفية ويسمى بعدها بالإبريسم تارة وبالحرير اخرى باعتبار حالتي النسج وعدمه. ونصوص المنع إنّما وردت بالعنوان الثاني والترخيص في هذه النصوص إنّما ورد بعنوان القز ، فالتعدّي منها لا وجه له إلا دعوى أنّ القزّ والإبريسم سواء ، استناداً إلى ما رواه في الكافي بسنده عن‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٤٤ / أبواب لباس المصلي ب ٤٧ ح ٤.

(٢) معجم رجال الحديث ١ : ٧١.

(٣) ولكنّه أيضاً لا ينفع ، لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

(٤) الفقيه ١ : ١٧١ / ٨٠٧.

٣٧٠

عباس بن موسى عن أبيه قال : « سألته عن الإبريسم والقز ، قال : هما سواء » (١).

ولكن الرواية ضعيفة السند ، فانّ عباس بن موسى الذي هو الورّاق وإن كان ثقة إلا أنّ أباه مجهول ، على أنّها مضمرة ، فانّ المسئول غير معلوم ، ولم يكن السائل ممن لا يروي عن غير المعصوم كما هو واضح.

نعم ، ذكر في الوسائل بعد قوله : عن أبيه ، كلمة عليه‌السلام الكاشفة عن أنّ المراد به هو العباس بن موسى بن جعفر عليه‌السلام. ولكنه مضافاً إلى خلو المصدر عن هذه الكلمة كما عرفت ، لا توثيق له ، بل قد ورد ذمّه في بعض الأخبار ، وأنّه عارض أخاه الرضا عليه‌السلام.

أجل ذكر المفيد في الإرشاد أنّ أولاد موسى بن جعفر عليه‌السلام لكل واحد منهم منقبة مشهورة (٢). ولكن هذا التعبير أعم من التوثيق ، ومن الجائز أن يراد من المنقبة نوع كمال من شجاعة أو سخاؤه وما شاكلها.

نعم ، قد ورد في بعض نسخ رجال الشيخ توثيقه صريحاً (٣) ولكنّه يشكل الاعتماد عليه ، إذ لم ينقل النجاشي ولا العلامة ولا ابن داود توثيقه عنه مع وجود نسخة الرجال عندهم ، ولا سيما الأخير الذي رأى نسخة رجال الشيخ بخطه الشريف حسبما أشار إليه في موارد من كتابه.

فالرواية ضعيفة السند على التقديرين ، إذن فالتسوية المزبورة غير ثابتة ، بل الظاهر عرفاً إطلاق القز على غير المصفّى ، والإبريسم على المصفّى كما عرفت. فتبقى نصوص المنع في موردها على حالها ، هذا.

والذي ينبغي أن يقال : إن الموضوع في النصوص الناهية وإن كان هو الحرير ، إلا أنّ المراد منه بحسب الفهم العرفي ومناسبة الحكم والموضوع هو‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٦٨ / أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ٤ ، الكافي ٦ : ٤٥٤ / ٩.

(٢) الإرشاد ٢ : ٢٤٦.

(٣) رجال الطوسي : ٣٣٩ / ٥٠٤٢.

٣٧١

ذات هذه المادة ، الأعم من المصفّى ومن غيره ممّا يسمّى بالقز. وقد نقل عن بعض أهل اللغة أنّ الفرق بين القز والحرير كالفرق بين الحنطة والدقيق ، ولعلّ تخصيص المنع بالحرير من أجل أنّه الغالب في اللباس ، فيفهم أنّ العبرة بنفس المادة على اختلاف هيئاتها من غير دخل للتصفية.

كما أنّ التعبير بالقز في نصوص جواز الحشو من أجل أنّه الغالب في الحشو كما في الصوف والقطن ، فإنّ الذي ينسج ثوباً هو المصفّى ، والذي يجعل حشواً غير المصفّى. فاذا ثبت جواز الحشو بالقز ، ثبت الجواز بالإبريسم أيضاً. ونتيجة ذلك ارتكاب التخصيص في نصوص المنع والالتزام بعدم الجواز إلا حشواً ، فيجوز الحشو مطلقاً ، كما لا يجوز اللبس مطلقاً حتى قبل النسج كما في الملبّد. هذا كلّه بالنظر إلى الروايات.

وأمّا بالنظر إلى ما تقتضيه القاعدة مع الغض عن نصوص المقام فالظاهر أنّ مقتضاها هو الجواز أيضاً ، لا من أجل أنّ النهي عن لبس الحرير يختص بالمنسوج كما احتمله بعضهم لمنافاته لإطلاق اللبس الشامل لغير المنسوج أيضاً كالملبّد ، ولا من أجل اختصاص النهي باللباس غير الصادق قبل النسج فإنّ صحيحة محمد بن عبد الجبّار المتقدّمة (١) الناهية عن الصلاة في الحرير مطلقة من حيث اللباس وغيره ، فإنّ المنهي عنه إنّما هو ظرفية الحرير للمصلّي وإحاطته به ، سواء أصدق عليه اللباس أم لا.

بل من أجل اختصاص المنع بحرير تتم الصلاة فيه ، وعدم شموله لما لا تتم كما سبق (٢). ومن الظاهر أنّ الحرير غير المنسوج مما لا تتم الصلاة فيه ، للزوم كون الساتر الصلاتي ثوباً منسوجاً يخرج به عن كونه عارياً ، ولا يكفي مطلق الستر كيف ما اتفق ولو بظلمة أو الالتفاف بقطن أو صوف ونحوهما مما يمنع عن الرؤية ، فإنّ ذلك وإن كان كافياً في الستر التكليفي عن الناظر المحترم إلا‌

__________________

(١) في ص ٣٢٧.

(٢) في ص ٣٣١ فما بعدها.

٣٧٢

[١٢٩٨] مسألة ٣٠ : لا بأس بعصابة الجروح والقروح وخرق الجبيرة وحفيظة المسلوس والمبطون إذا كانت من الحرير (١).

[١٢٩٩] مسألة ٣١ : يجوز لبس الحرير ممّن كان قَمِلاً على خلاف العادة لدفعه (٢).

______________________________________________________

أنّ المعتبر في الصلاة أن لا يكون عارياً ، وبما أنّ العاري في مقابل اللابس فيعتبر أن يكون لابساً للساتر المنسوج ، إذ بدونه لا يخرج عن العراء كما لا يخفى.

وعليه فالحرير غير المنسوج بما أنّه مما لا تتم الصلاة فيه فلا مانع من الحشو به والصلاة فيه.

(١) لوضوح أنّ هذه الأُمور مما لا تتم الصلاة فيه وحدها ، وقد تقدّم (١) اختصاص المنع بما تتم.

(٢) ويستدلّ للجواز تارة بمرسلة الصدوق قال : « لم يطلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لبس الحرير لأحد من الرجال إلا لعبد الرحمن بن عوف ، وذلك أنّه كان رجلاً قملاً » (٢).

واخرى بما ورد من طرق العامّة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في لبس الحرير لما شكوا اليه القمل (٣).

وفيه : مضافاً إلى التدافع بينهما في الحصر في ابن عوف وعدمه ، أنّ ضعفهما يمنع عن الاعتماد عليهما. ودعوى الانجبار بعمل المشهور ممنوعة صغرى وكبرى.

لكن الحكم مطابق للقاعدة من غير حاجة إلى النص ، لسقوط التحريم بدليل نفي الحرج ، بعد وضوح أنّ تحمّل الأذيّة من ناحية القمل زيادة على‌

__________________

(١) في ص ٣٣١ فما بعدها.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٧٢ / أبواب لباس المصلي ب ١٢ ح ٤.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٦٤٧ / ٢٦.

٣٧٣

والظاهر جواز الصلاة فيه (*) حينئذ (١).

[١٣٠٠] مسألة ٣٢ : إذا صلى في الحرير جهلاً أو نسياناً فالأقوى عدم وجوب الإعادة وإن كان أحوط (٢).

[١٣٠١] مسألة ٣٣ : يشترط في الخليط أن يكون ممّا تصحّ فيه الصلاة كالقطن والصوف ممّا يؤكل لحمه ، فلو كان من صوف أو وبر ما لا يؤكل لحمه لم يكف في صحة الصلاة ، وإن كان كافياً في رفع الحرمة (٣) ويشترط أن يكون بمقدار‌

______________________________________________________

المتعارف حرجي يسقط معه التكليف وإن لم يبلغ حدّ الاضطرار ، فيجوز لبس الحرير حينئذ ما لم تكن له مندوحة من لبس الفنطاز أو النايلون المتداول في العصر الحاضر.

(١) هذا مشكل ، بل ممنوع جدّاً ، لما تقدّم سابقاً (١) من أنّ كلا من الحرمة التكليفية والوضعية قد ثبت بدليل مستقل ، فالتخصيص في أحدهما بدليل خاص كحالة الحرب أو عام كالحرج لا يستوجب التخصيص في الآخر. فلا مناص إذن من النزع حالة الصلاة ، إلا إذا فرض ولو نادراً حصول الاضطرار أو الحرج حتى في هذه الحالة.

(٢) لحديث لا تعاد الشامل للجاهل والناسي ، وإن خصّه المحقق النائيني قدس‌سره بالثاني (٢). نعم يختص الحكم بمن كان جهله عذراً له كالجاهل بالموضوع أو بالحكم عن قصور ، فلا يشمل غير المعذور كالجاهل بالحكم عن تقصير ، فإنّه ملحق بالعامد. وتمام الكلام في محلّه (٣).

(٣) إذ المانعية كالحرمة تتبعان المحوضة ، فترتفعان بارتفاعها ، لكن الاولى‌

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، وقد تقدّم نظيره.

(١) في ص ٣٤٢.

(٢) كتاب الصلاة ٣ : ٥.

(٣) شرح العروة ١ : ٢٧٤.

٣٧٤

يخرجه عن صدق المحوضة ، فاذا كان يسيراً مستهلكاً بحيث يصدق عليه الحرير المحض لم يجز لبسه ، ولا الصلاة فيه ، ولا يبعد كفاية العشر في الإخراج عن الصدق.

[١٣٠٢] مسألة ٣٤ : الثوب الممتزج إذا ذهب جميع ما فيه من غير الإبريسم من القطن أو الصوف لكثرة الاستعمال وبقي الإبريسم محضاً لا يجوز لبسه بعد ذلك (١).

[١٣٠٣] مسألة ٣٥ : إذا شك في ثوب أنّ خليطه من صوف ما يؤكل لحمه أو ما لا يؤكل فالأقوى جواز الصلاة فيه (٢) وإن كان الأحوط الاجتناب عنه.

[١٣٠٤] مسألة ٣٦ : إذا شك في ثوب أنّه حرير محض أو مخلوط جاز لبسه والصلاة فيه على الأقوى (٣).

______________________________________________________

تثبت بعنوان الخليط نفسه وإن ارتفعت بعنوان الحرير الخالص. وبقيّة ما في المسألة ظاهر ، لوضوح أنّ المدار في الخلط والاستهلاك بالصدق العرفي.

(١) لعود الخلوص الذي هو الموضوع للتحريم ، فيعود حكمه.

(٢) إذ لا يحتمل المنع من ناحية الحرير بعد العلم بالخلط والخروج عن الخلوص الذي هو الموضوع للحكم ، فيبقى احتمال كون الخلط من أجزاء ما لا يؤكل لحمه فيندرج في مسألة الصلاة في اللباس المشكوك ، وقد تقدّم بنطاق واسع أنّ الأقوى هو الجواز.

(٣) لما عرفت من أنّ الموضوع للمنع في الحكم التكليفي والوضعي هو الحرير الخالص ، وحينئذ فان بنينا على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية كما هو الصواب ثبت به عدم كون الخليط حريراً ، وبذلك يحرز عدم الخلوص فينتفي الموضوع.

وإن أنكرنا ذلك كان المرجع أصالة البراءة عن حرمة لبسه وعن مانعية مثل هذا اللباس وتقيّد الصلاة بعدم الوقوع فيه ، بناءً على أنّها المرجع في الأقل‌

٣٧٥

[١٣٠٥] مسألة ٣٧ : الثوب من الإبريسم المفتول بالذهب لا يجوز لبسه ولا الصلاة فيه (١).

[١٣٠٦] مسألة ٣٨ : إذا انحصر ثوبه في الحرير فان كان مضطراً إلى لبسه لبرد أو غيره فلا بأس بالصلاة فيه (*) (٢) وإلاّ لزم نزعه ، وإن لم يكن له ساتر غيره فيصلّي حينئذ عارياً ، وكذا إذا انحصر في الميتة أو المغصوب أو الذهب ، وكذا إذا انحصر في غير المأكول ، وأمّا إذا انحصر في النجس فالأقوى جواز الصلاة فيه وإن لم يكن مضطراً إلى لبسه ، والأحوط تكرار الصلاة ، بل وكذا في صورة الانحصار في غير المأكول ، فيصلّي فيه ثم يصلّي عارياً.

______________________________________________________

والأكثر الارتباطيين ، وقد تقدّم البحث حول ذلك مستوفى في مبحث اللباس المشكوك (١).

وتوهّم التمسك بأصالة عدم وجود غير الحرير في هذا اللباس الذي يقطع بكون بعضه حريراً كما ترى ، ضرورة أنّه لا يثبت به الخلوص الذي هو الموضوع للحكم إلا على القول بالأصل المثبت ، ولا نقول به.

(١) فإنّه وإن لم يكن منع من ناحية لبس الحرير بعد فرض خلطه وانتفاء الخلوص ، إلا أنّه مصداق للبس الذهب المحرّم في نفسه والمانع عن صحة الصلاة ، سواء كان محضاً أم كان فتيلاً ، وسواء أكان المفتول حريراً أم غيره من قطن أو صوف ونحوهما.

ومنه تعرف أنّ ربط هذه المسألة بالمقام غير واضح ، لما عرفت من عدم الفرق في المزيج بين الحرير وغيره. ولعلّ الأنسب ذكرها في فروع لبس الذهب كما لا يخفى.

(٢) لا ريب في سقوط الحرمة التكليفية والوضعية فيما إذا كان الاضطرار‌

__________________

(*) قد مرّ حكمه [ في هذا الفصل الشرط السادس ].

(١) في ص ٢٧٩ فما بعدها.

٣٧٦

مستوعباً لتمام الوقت ، لدليل نفي الاضطرار ، ولما دلّ على عدم سقوط الصلاة بحال.

وأمّا مع عدم الاستيعاب فالتكليفية وإن كانت ساقطة حال العذر ، لما ذكر لكن الوضعية لا وجه لسقوطها بعد عدم الاضطرار إليها ، إذ الواجب إيقاع الصلاة في ساتر غير حرير في مجموع الوقت المحدود بين المبدأ والمنتهى ، وهو قادر عليه على الفرض ، والقطعة من الوقت التي يضطر إلى لبسه فيها لا تجب الصلاة فيها بخصوصها. فما هو الواجب غير مضطر إلى تركه ، والمضطر اليه ليس بمصداق للواجب.

نعم ، لو قلنا بتبعية المانعية للحرمة من جهة انصراف دليلها إلى اللبس المحرم كما قيل اتجه السقوط حينئذ ، لكن التبعية ممنوعة كما سبق (١).

وبالجملة : كلّ من الحرمة والمانعية قد ثبتت بدليل مستقل ولا تبعية ولا تلازم بينهما لا رفعاً ولا وضعاً. ودليل رفع الاضطرار لا يترتّب عليه إلا رفع الإثم ، وهو لا يستلزم رفع المانعية. فإطلاق دليلها محكّم.

ثم إنّه قد تعرّض في المتن لعدة فروع تتضمن دوران الأمر بين الصلاة عارياً أو في ثوب مقرون بأحد الموانع ، من كونه حريراً ، أو مغصوباً ، أو ممّا لا يؤكل أو ميتة ، أو نجساً ، واختار في جميعها تقديم الصلاة عارياً ما عدا الأخير فرجّح الصلاة في النجس ، وقد مرّ الكلام حوله في بحث النجاسات (٢) وذكرنا أنّ ما أفاده قدس‌سره هو الصحيح ، وإن كان على خلاف المشهور.

وكيف كان ، فالكلام فعلاً متمحّض فيما عدا الأخير من صور الدوران فنقول : صور الدوران ثلاث :

الاولى : ما إذا دار الأمر بين رعاية الستر وبين الاجتناب عن الحرام النفسي‌

__________________

(١) في ص ٣٤٢.

(٢) شرح العروة ٣ : ٣٥٨.

٣٧٧

من غير استتباعه لحرمة وضعية ، وهذا كما إذا انحصر الثوب في المغصوب ، بناءً على أنّ حرمة الشرط لا تسري إلى المشروط ولا توجب فساد العبادة ، فإنّ مصداق الشرط وهو الساتر وإن كان حراماً حينئذ لكونه غصباً لكنّه لا يستوجب فساد المشروط. فبناءً على هذا المسلك الذي تعرّضنا له في الأُصول في بحث النهي عن العبادة (١) ليس في البين إلا الحرمة التكليفية الصرفة غير المقرونة بالوضع.

ويلحق بهذا القسم ما إذا كان التكليف مقروناً بالوضع لكن الحرمة الوضعية أعني المانعية كانت تابعة للتكليفية ودائرة مدارها ، من دون أن يكون لها دليل مستقل عداها. وهذا كما لو قلنا بالسراية في الفرض المزبور.

الصورة الثانية : ما لو دار الأمر بين التحفّظ على الستر أو [ عدم ] ارتكاب المانع ، من دون أن تكون هناك حرمة تكليفية أصلاً عكس الصورة الأُولى ، كما لو انحصر الثوب فيما لا يؤكل ، فانّ لبسه جائز في نفسه حتى حال الصلاة مع قطع النظر عن الحرمة التشريعية حينئذ. فلا حرمة فيه إلاّ وضعاً.

ويلحق به ما لو كان الثوب من الميتة ، بناءً على جواز الانتفاع بها فيما عدا البيع كما هو الصحيح.

الصورة الثالثة : ما لو دار الأمر بينه وبين [ عدم ] ارتكاب ما هو محرّم نفساً ووضعاً ، مع ثبوت كلّ منهما بدليل مستقل من دون استتباع بينهما ، كما لو انحصر الثوب في الحرير ، فإنّه حرام نفساً ، ومانع عن الصلاة من دون أن تكون المانعية تابعة للحرمة كما تقدّم (٢).

أمّا الصورة الاولى : فلا ريب في اندراجها في كبرى التزاحم ، إذ لا تنافي بين شرطية الستر وحرمة الغصب في مقام الجعل كي يلزم من وجود أحدهما عدم الآخر ، وإنّما التنافي ناشئ من عجز المكلّف عن الجمع بينهما في مقام الامتثال‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٢٠.

(٢) في ص ٣٤٢.

٣٧٨

الذي هو المناط في التزاحم ، وعليه فلا بدّ من ملاحظة مرجّحات هذا الباب ومقتضاها تقديم حرمة الغصب والإتيان بالصلاة عارياً ، فانّ حرمته فعلية مطلقة غير مشروطة بشي‌ء ، بخلاف الستر فإنّه مشروط بالتمكّن من الساتر والقدرة عليه ، كما يكشف عنه ما دلّ على لزوم الصلاة عارياً لدى العجز عن الساتر ، فإنّه كاشف عن اختصاص اشتراط الساتر بالقادر ، ولا ريب في تقدّم المطلق على المشروط ، لانعدام موضوع الثاني بالأوّل ، إذ هو مشروط بالقدرة كما عرفت. وإطلاق النهي عن الغصب سالب لها ومعجّز عنها بعد ملاحظة أن الممنوع شرعاً كالممنوع عقلاً ، فلا فرق بين عدم وجود الساتر رأساً أو وجوده والمنع عن التصرف فيه شرعاً.

وبعبارة اخرى : القدرة المعتبرة في حرمة الغصب عقلية ، وفي وجوب الستر شرعية ، ولا ريب في تقدّم الاولى على الثانية كما حرّر في مرجّحات باب التزاحم (١).

فالمقام بعينه نظير ما إذا انحصر الماء بالمغصوب ، فكما ينتقل هناك إلى التيمّم ، لأنّ الوضوء مشروط شرعاً بالتمكّن من الماء على ما يستفاد من نفس الآية المباركة (٢) بقرينة ذكر المريض ، ببيان تقدّم في محلّه (٣) والنهي عن التصرّف في الماء المغصوب سالب للتمكّن ورافع للقدرة على استعماله شرعاً فلا يكون واجداً للماء ، فكذا ينتقل في المقام إلى الصلاة عارياً بعين الملاك ، من دون فرق بينهما أصلاً.

وممّا ذكرنا يظهر فساد ما عن مفتاح الكرامة من ترجيح الصلاة في الساتر المغصوب ، بدعوى أنّ الترديد ليس بين ارتكاب الغصب وترك الستر فحسب بل تركه وترك الركوع والسجود ، إذ العاري وظيفته الإيماء إليهما ، ولا ريب أنّ‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٥٨.

(٢) المائدة ٥ : ٦.

(٣) شرح العروة ١٠ : ٦٨.

٣٧٩

الركوع والسجود أهم ، فإنّهما ثلثا الصلاة كما يكشف عنه قوله عليه‌السلام : « الصلاة ثلاثة أثلاث ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود » (١) فيتقدّم. فاللازم الصلاة مع رعاية الستر والركوع والسجود وإن استلزم التصرّف في الغصب لأهمّيتها منه قطعاً ، ولا أقل احتمالاً (٢).

وجه الفساد : أنّ الأهمّية وإن كانت من مرجّحات باب التزاحم ، لكن موردها ما إذا كان المتزاحمان مما اعتبرت القدرة في كلّ منهما عقلاً ، وأمّا إذا اعتبرت في أحدهما عقلاً وفي الآخر شرعاً فلا ريب في تقدّم القدرة العقلية على الشرعية ، وإن كانت الثانية في أعلى مراتب الأهمّية ، لما عرفت من فناء الموضوع وسلب القدرة الشرعية مع وجود العقلية ، والمقام من هذا القبيل ، فإنّ القدرة المعتبرة في الركوع والسجود شرعيّة كنفس الستر ، حيث إنّ وجوبهما مشروط بالتمكّن من الساتر كما يكشف عنه ما دلّ على أنّ من لم يتمكن من الساتر وظيفته الإيماء إليهما ، وأنّ من لم يتمكّن من رعاية الستر وظيفته الصلاة عارياً ، فمن دليل جعل البدل لدى العجز يستكشف تقيّد المبدل عنه بالقدرة شرعاً.

وبالجملة : لا مجال للترجيح بالأهمّية في مثل المقام ، بل اللازم تقديم القدرة العقليّة على الشرعية ، ومقتضاه تعيّن الصلاة عارياً كما عرفت.

وأمّا الصورة الثانية : أعني الدوران بين فوات الشرط بأن يصلّي عارياً مومئاً ، وبين الاقتران بالمانع فقط من دون حرمة نفسيّة كانحصار الثوب فيما لا يؤكل أو في الميتة على القول بجواز الانتفاع بها. فالمشهور إدراج ذلك في باب التزاحم ، وتبعهم شيخنا الأُستاذ قدس‌سره (٣) فراعوا مرجّحات هذا الباب من إعمال الأهمّية وغيرها.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٠ / أبواب الركوع ب ٩ ح ١.

(٢) [ ولعله فهم ذلك مما ذكره في مفتاح الكرامة ٢ : ١٧٥ السطر ٢٧ ].

(٣) أجود التقريرات ١ : ٢٨٢.

٣٨٠