موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٢

الشيخ مرتضى البروجردي

وأمّا الصبي المميّز فلا يحرم عليه لبسه ولكن الأحوط له عدم الصلاة فيه (١).

______________________________________________________

الارتباطيين ، ويؤيّده التصريح بالجواز في رواية الخصال المتقدمة (١) ، هذا.

وقد نسب إلى الصدوق المنع بدعوى أنّ مقتضى إطلاق النهي عدم الفرق بين الرجال والنساء ، وقد ثبت لهنّ الجواز في خصوص اللبس فيقيّد به ، وأمّا جواز الصلاة فلم يثبت التقييد ، لعدم الدليل عليه فيتمسك بالإطلاق.

والظاهر التباس الأمر على الناسب ، فانّ الصدوق قدس‌سره إنّما ذكر هذه الدعوى في مسألة الحرير بعين هذا التقرير (٢) وهو وإن لم يكن سليماً عن الإشكال كما سنتعرّض له في تلك المسألة إن شاء الله تعالى (٣) إلا أنّ له وجهاً وجيهاً في بادئ النظر.

وأمّا في المقام فلم يذكر هذه الدعوى ، وليس لها وجه أصلاً ، ضرورة اختصاص الأخبار الناهية بأجمعها بالرجال ، ولم يرد في المقام نهي مطلق يعمهم والنساء كما ورد في مسألة الحرير ، هذا مع أنّ الصدوق قدس‌سره بنفسه روى رواية الخصال المصرّحة بجواز اللبس والصلاة لهنّ. فالنسبة في غير محلّها جزماً ، وعلى الصحة فالدعوى فاسدة جدّاً كما عرفت.

(١) أمّا جواز اللبس فالظاهر عدم الخلاف والإشكال فيه ، ويقتضيه مضافاً إلى حديث رفع القلم عن الصبي (٤) وقصور المقتضي للمنع كما مرّ صحيحتا أبي الصباح وداود بن سرحان المتقدّمتان (٥) الصريحتان في الجواز. وعليه فلا مانع للأولياء من تحلية صبيانهم الذهب.

__________________

(١) في ص ٣١٧.

(٢) الفقيه ١ : ١٧١ / ذيل ح ٨٠٧.

(٣) في ص ٣٤٦.

(٤) الوسائل ١ : ٤٥ / أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ١١ ، ١٢ ، ٢٩ : ٩٠ / أبواب القصاص في النفس ب ٣٦ ح ٢.

(٥) في ص ٣٢٠.

٣٢١

نعم ، قد يتوهّم معارضة الصحيحتين بما رواه ابن إدريس في آخر سرائره نقلاً من رواية جعفر بن محمد بن قولويه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يحلّي أهله بالذهب ، قال : نعم النساء والجواري ، فأمّا الغلمان فلا » (١).

وفيه أوّلاً : أنّ الرواية ضعيفة بالإرسال ، لامتناع رواية ابن قولويه عن أبي بصير بلا واسطة كما لا يخفى.

وثانياً : أنّ الغلام يصدق على المميّز في أوان بلوغه ، بل حتى بعد التجاوز عنه بسنين قليلة ما لم يصل إلى حدّ الرجولية. والحاصل أنّه يعمّ الصبي والبالغ ولا يختص بالأوّل ، وموضوع الحكم في الصحيحتين هو الصبي ، فلا تعارض بينهما وبين هذا الخبر ، لإمكان الجمع بعد صناعة الإطلاق والتقييد فيحمل الغلمان في الخبر على غير الصبيان.

وأمّا صلاته في الذهب فالظاهر أيضاً هو الجواز ، سواء قلنا بأنّ عبادات الصبي شرعيّة أم تمرينيّة ، وإن كان الصحيح هو الأوّل ، لقوله عليه‌السلام : مروا صبيانكم بالصلاة والصيام (٢) ، حيث إنّ الأمر بالأمر بالشي‌ء أمر بذلك الشي‌ء كما تقرّر في محلّه (٣). فالصلاة الصادرة عن الصبي مأمور بها من قبل الشارع ، لا أنّها مجرّد تمرين محض.

وكيف كان ، فلا دليل على اعتبار المانعية لمثل هذه الصلاة ، إذ ما دلّ على المنع وعمدته موثّقة عمّار المتقدّمة (٤) : « لا يلبس الرجل الذهب ، ولا يصلّي فيه » موضوعه الرجل غير الصادق على الصبي.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٠٤ / أبواب أحكام الملابس ب ٦٣ ح ٥ ، السرائر ٣ : ٦٣٦.

(٢) الوسائل ٤ : ١٩ / أبواب أعداد الفرائض ب ٣ ح ٥ ، ٧ ، ٨ ، ١٠ : ٢٣٤ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ٣.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٧٤.

(٤) في ص ٣٠٤.

٣٢٢

[١٢٨٩] مسألة ٢١ : لا بأس بالمشكوك كونه ذهباً في الصلاة وغيرها (١).

[١٢٩٠] مسألة ٢٢ : إذا صلّى في الذهب جاهلاً أو ناسياً فالظاهر صحتها (٢).

______________________________________________________

ودعوى أنّ المراد به مطلق الذكر في مقابل الأُنثى ، لا خصوص الرجل المقابل للمرأة والصبي ، لا شاهد عليها ، بل ظاهر أخذ عنوان الرجل دخل الخصوصية في ترتّب الحكم. ومع التنزّل فلا أقل من الاحتمال المورث للإجمال فتسقط أدلّة المانعية عن الاستدلال ، فيرجع إلى البراءة (١) عن المانعية بالإضافة إليه ، بناءً على ما هو الصحيح من جريان الأصل في الأقل والأكثر الارتباطيين. ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

فإن قلت : الموضوع في عبادة الصبي هو عبادة البالغ ، فكأنّه قيل : يصلّي الصبي صلاة البالغ ، فيعتبر فيه ما يعتبر فيه.

قلت : نعم ، لكنّه فيما إذا ثبتت جزئية شي‌ء لعبادة البالغ أو شرطيته أو مانعيته بدليل عام يشمله وغيره كما في غالب الأحكام ، وأمّا إذا ثبت حكم لخصوص عنوان الرجل كما في المقام فلا وجه للتعدّي عنه إلى غيره.

(١) للأصل الموضوعي ، أعني أصالة عدم كونه ذهباً ، بناءً على ما هو الصحيح من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية كما مرّ توضيحه مفصّلاً (٢) فيجوز لبسه والصلاة فيه. مضافاً إلى الأصل الحكمي ، أعني أصالة البراءة عن الحرمة وعن المانعية. وقد تقدّم في بحث الأواني تقرير الأصل بوجه ثالث فراجع (٣) ولاحظ.

(٢) لحديث لا تعاد الشامل لمطلق الخلل الناشئ من احتمال فوات قيد وجودي أو عدمي ، فيعمّ الموانع كالأجزاء والشرائط. ومجرّد كون الخمسة المستثناة من قبيل الأخير لا يستوجب التقييد ، ولا يصلح قرينة للاختصاص‌

__________________

(١) [ الموجود في الأصل : استصحاب عدم اعتبار المانعية. ولعل الصحيح ما أثبتناه ].

(٢) في ص ٢٥٠ فما بعدها.

(٣) شرح العروة ٤ : ٣١٥.

٣٢٣

[١٢٩١] مسألة ٢٣ : لا بأس بكون قاب الساعة من الذهب ، إذ لا يصدق عليه الآنية ، ولا بأس باستصحابها أيضاً في الصلاة إذا كان في جيبه ، حيث إنّه يعدّ من المحمول ، نعم إذا كان زنجير الساعة من الذهب وعلّقه على رقبته أو وضعه في جيبه لكن علّق رأس الزنجير يحرم ، لأنّه تزيين بالذهب (*) ، ولا تصحّ الصلاة فيه أيضاً (١).

______________________________________________________

بما عدا الموانع كما لا يخفى. فيتمسك بالإطلاق في جميع أنحاء الخلل المحتمل من غير فرق بين صورتي الجهل والنسيان ، بناءً على شمول الحديث لهما كما هو الصحيح. وأمّا بناءً على الاختصاص بالناسي كما عليه شيخنا الأُستاذ قدس‌سره (١) فلا بدّ من الإعادة في صورة الجهل ، لقاعدة الاشتغال.

نعم ، بناء على المختار يختص الجهل بما كان عذراً كالجهل بالموضوع أو بالحكم عن قصور ، دون التقصير ودون ما كان متردّداً في الصحة عند الشروع فدخل في الصلاة بانياً على الإعادة لو لم تطابق الواقع أو غير مبالٍ أصلاً. وقد تقدّم توضيح ذلك كلّه مفصلاً في بحث اللباس المشكوك ، فراجع (٢) ولاحظ.

(١) ذكر قدس‌سره أنّ قاب الساعة لا مانع من كونه من الذهب ، إذ لا يصدق عليه اللبس ولا الآنية بناءً على حرمة استعمال الأواني منهما حتى في غير الأكل والشرب ، فلا مقتضي لحرمته النفسية بعد عدم صدق شي‌ء من العنوانين. كما لا مانع من استصحابه في الصلاة إذا كان في جيبه ، إذ غايته أنّه يعدّ حينئذ من المحمول ، وقد مرّ عدم الإشكال فيه (٣).

نعم ، إذا علّق الزنجير المصنوع من الذهب على رقبته ، أو وضعه في جيبه‌

__________________

(*) بل لأنه لبس له فيما إذا علّق الزنجير على رقبته ، وفي بعض صور تعليق رأس الزنجير أيضاً.

(١) كتاب الصلاة ٣ : ٥.

(٢) ص ٢٠٦.

(٣) في ص ٣١٧.

٣٢٤

لكن علّق رأس الزنجير حرم ، لأنّه حينئذ تزيين بالذهب ، وبطلت الصلاة معه أيضاً.

أقول : أمّا ما أفاده قدس‌سره أوّلاً فمتين جدّاً ، لما عرفت. وأمّا بالنسبة إلى الزنجير فالظاهر حرمته ، لا لمجرّد صدق التزيين كي يدور الحكم مدار القول بحرمته ، وقد أنكرناها كما مرّ (١) بل لصدق اللبس حقيقة ، سواء علّقه على رقبته أم شدّه على صدره مع تعليق الساعة على رأسه من الطرف الآخر ، إذ لبس كلّ شي‌ء بحسبه ، فيختلف لبس الزنجير عن لبس الخاتم والسوار ونحوهما ، والكلّ يتبع الصدق العرفي. ولو قلنا بحرمة التزيين أيضاً كان حراماً من الجهتين.

نعم ، لو وضع الزنجير في جيبه وقد أخرج مقداراً من رأسه لم يتحقّق اللبس وإن صدق التزيين ، فتدور الحرمة مدار القول بها فيه.

وأما النقض على ما ذكرناه بما لو كان بدل الزنجير خيطاً من الحرير وعلّقه على رقبته فاللازم حرمته أيضاً ، لصدق اللبس على الفرض ، ولبس الحرير حرام على الرجال كالذهب.

فمندفع بمنع الصدق ، وبطلان القياس ، لكونه مع الفارق. والسرّ ما أشرنا إليه من أنّ لبس كلّ شي‌ء بحسبه ، فيصدق اللبس مع الزنجير دون الحرير. ولذا لو شدّ خيطاً منه حول إصبعه أو ساعده على شكل الخاتم أو السوار لم يصدق أنّه لبس الحرير ، ولو بدّله بالذهب ونحوه صدق لبس الذهب مثلاً ، فليس صدق اللبس مطّرداً في كلّ مورد ، بل لخصوصية المورد دخل في الصدق والوجه فيه : أنّ الحرير لم يوضع لهذا النحو من اللبس ولم يكن معدّاً لمثل ذلك بخلاف الذهب ونحوه فانّ لبسه هو هكذا ، فلا يقاس أحدهما بالآخر كي يتوجّه النقض.

__________________

(١) في ص ٣١٢.

٣٢٥

[١٢٩٢] مسألة ٢٤ : لا فرق في حرمة لبس الذهب بين أن يكون ظاهراً مرئياً أو لم يكن ظاهراً (١).

[١٢٩٣] مسألة ٢٥ : لا بأس بافتراش الذهب (٢) ويشكل التدثّر به.

السادس : أن لا يكون حريراً محضاً للرجال (٣).

______________________________________________________

ثم إنّ ما أفاده قدس‌سره من بطلان الصلاة إنّما يتمّ بناءً على ما ذكرناه من صدق عنوان اللبس ، وإلا فلا وجه للبطلان وإن قلنا بحرمة التزين كما أسمعناك مراراً.

(١) لصدق اللبس على التقديرين فيشمله الإطلاق ، نعم لو كانت الحرمة لأجل التزين اختصت بالظاهر ، إذ لا تزين مع التخفّي.

(٢) كما لو صنع كرسياً مثلاً من الذهب وجلس عليه ، لعدم صدق اللبس ولا التزين.

وأمّا التدثّر فهو يطلق على معنيين : أحدهما : الالتحاف والالتفاف كما تصنعه المرأة عند الصلاة ، ومنه قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) (١) ولا ينبغي الإشكال في الحرمة حينئذ ، لصدق اللبس فضلاً عن التزين.

ثانيهما : التغطّي بحيث يجعله فوقه كاللحاف عند النوم ، في قبال الفرش الذي يجعله تحته ، والظاهر الجواز حينئذ ، إذ حكمه حكم الافتراش في عدم صدق اللبس ولا التزين كما عرفت ، وعليه فلو صلّى مضطجعاً تحت هذا اللحاف صحّت صلاته.

(٣) يقع الكلام في الحرمة النفسية تارة والوضعية اخرى ، ونقدّم الثاني تبعاً للمتن فنقول :

يعتبر في صحة الصلاة عدم وقوعها في الحرير المحض للرجال ، فتبطل‌

__________________

(١) المدثر ٧٤ : ١.

٣٢٦

صلاتهم به إجماعاً كما ادّعاه غير واحد ، وتشهد له طائفة من النصوص ، جملة منها صحيحة السند وهي أربعة :

الأُولى : صحيحة محمد بن عبد الجبار قال : « كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه‌السلام : لا تحلّ الصلاة في حرير محض » (١).

٣ الثانية : صحيحته الأُخرى قال : « كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه ، أو تكّة حرير محض أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب : لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصلاة فيه إن شاء الله تعالى » (٢).

الثالثة : صحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص في حديث قال : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال : لا » (٣) والتعبير عنه بالخبر المشعر بالضعف كما عن الهمداني قدس‌سره (٤) لا وجه له ، ولعلّه اغترّ من ظاهر عبارة الحدائق (٥) مع أنّه قدس‌سره أيضاً وصفه بالصحة كما يظهر بالتأمّل فلاحظ.

الرابعة : صحيحة أبي الحارث قال : « سألت الرضا عليه‌السلام هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ قال : لا » (٦).

فالعمدة هي هذه الصحاح الأربع ، وباقي الأخبار مؤيّدة للمطلوب. ودلالتها على البطلان ظاهرة ، بل صريحة كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٦٨ / أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٧٧ / أبواب لباس المصلي ب ١٤ ح ٤.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٦٧ / أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ١.

(٤) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١٣٧ السطر ١.

(٥) الحدائق ٧ : ٨٩.

(٦) الوسائل ٤ : ٣٦٩ / أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ٧.

٣٢٧

نعم ، قد تعارض بصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة في الثوب الديباج ، فقال : ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس » (١). وقد حملها الشيخ قدس‌سره تارة على حال الحرب ولا يخفى بعده ، وأُخرى على ما إذا كان الديباج سداه قطناً أو كتاناً (٢) ، وحملها صاحب الوسائل على التقية.

أقول : يقع الكلام في المعارض تارة من حيث السند ، وأُخرى من حيث الدلالة.

أمّا السند : فلا ينبغي التشكيك في صحته ، فانّ سعداً المذكور فيه وإن كان يحتمل بدواً تردده بين سعد بن عبد الله الأشعري الذي طريق الشيخ إليه صحيح في المشيخة (٣) والفهرست (٤) ، وبين غيره ممن لم يصح كسعد بن أبي خلف ، أو سعد بن سعد الأحوص (٥) ونحوهما. لكن المتعيّن هو الأوّل.

أوّلاً : أنّه قدس‌سره لم يذكر في المشيخة غيره ، وفي التهذيب لم يرو إلا عنه ، بمعنى أنّه كثيراً ما يصرح باسمه واسم أبيه ، وإذا أُطلق أحياناً فهو مسبوق أو ملحوق به ، فيطمأنّ عادة أنّه المراد به وقد حذف اسم أبيه اختصاراً اعتماداً على القرينة السابقة أو اللاحقة.

وثانياً : مع الغضّ عمّا ذكر لا يحتمل عادة أن يراد به غيره ، لاختلاف الطبقة ، فإنّ الرّاوي بعده هو أحمد بن محمد ، والمراد به إمّا أحمد بن محمد بن عيسى أو أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، وهذا أعني سعد بن عبد الله روى عنهما كثيراً ، فايّاً من كان تجوز روايته عنه لاتحاد الطبقة ، بخلاف ما لو أُريد به‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٧٠ / أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ١٠.

(٢) الاستبصار ١ : ٣٨٦ / ذيل ح ١٤٦٥ ، ١٤٦٦.

(٣) التهذيب ١٠ ( المشيخة ) : ٧٣.

(٤) الفهرست : ٧٥ / ٣١٦.

(٥) الفهرست : ٧٦ / ٣٢٠ ، ٣١٩.

٣٢٨

سعد بن أبي خلف ، فإنّه من أصحاب الصادق أو الكاظم عليهما‌السلام فكيف يمكن روايته عن أحمد بن محمد بن عيسى أو ابن خالد المتأخرين عنه بكثير.

وكذا سعد بن سعد الأحوص ، فانّ البرقي أعني محمد بن خالد والد أحمد يروي عنه فكيف يروي هو عن ابنه أحمد.

وبالجملة : فاختلاف الطبقات يمنع عن إرادة غير سعد بن عبد الله ، فلا ينبغي التأمّل في صحة السند.

وأمّا من حيث الدلالة فقد اختلفت كلمات اللغويين في تفسير الديباج ، فعن أقرب الموارد أنّه الثوب الذي سداه ولحمته حرير (١) فيتحد مع الحرير المحض وتستقر المعارضة حينئذ. لكن هذا لم يثبت ، بل يبعّده وقوع التقابل بينهما في بعض الأخبار ، وقد ظفرنا من ذلك على مواضع ثلاثة :

أحدها : الصحيحة الأُولى لمحمد بن عبد الجبار المتقدمة (٢) ، قال فيها : « هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج ».

الثاني : مرسلة ابن بكير : « لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلا في الحرب » (٣).

الثالث : موثّقة سماعة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لباس الحرير والديباج ... » إلخ (٤) ولعلّ المتتبّع يجد أكثر من ذلك ، ولا ريب أنّ هذه تكشف عن التعدّد وتغاير المعنى ، وإلاّ فلا وجه للمقابلة مع الاتحاد.

وعليه فلعلّ الأقوى تفسيره بما عن لسان العرب من أنّه الحرير المنقوش (٥) الشامل بإطلاقه للخالص وغيره من دون دخل المحوضة في مفهومه.

ويؤيّد هذا التفسير جواب الإمام عليه‌السلام في هذه الصحيحة أعني‌

__________________

(١) أقرب الموارد ١ : ٨١٦.

(٢) في ص ٣٢٧.

(٣) ، (٤) الوسائل ٤ : ٣٧٢ / أبواب لباس المصلّي ب ١٢ ح ٢ ، ٣.

(٥) لسان العرب ٢ : ٢٦٢.

٣٢٩

سواء كان ساتراً للعورة أو كان الساتر غيره (١)

______________________________________________________

صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع المتقدّمة بقوله عليه‌السلام : « ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس » فعلّق الجواز بما إذا لم يكن النقش تمثالاً.

وعلى هذا فترتفع المعارضة ، إذ النسبة حينئذ بينها وبين الصحاح المتقدّمة المانعة نسبة الإطلاق والتقييد ، فتحمل هذه على غير الخالص.

وإن أبيت إلا عن الاتحاد كما عن الأقرب فلا مناص عن الحمل على التقية ، لذهاب العامّة إلى جواز الصلاة في الحرير المحض (١).

وأمّا الحمل على الكراهة فهو وإن أمكن بالنسبة إلى الخبرين الأخيرين من الصحاح الأربع المتقدّمة ، لكنّه لا يتمشّى في الأُوليين منها ، للتصريح فيهما بعدم الحلّية الممتنع حمله عليها ، إذ المراد بها في المقام الحلّية الوضعية كما لا يخفى بمعنى سدّ الطريق قبال فتحه ، المساوق للبطلان ، دون التكليفية كي تقبل الحمل على الكراهة.

(١) كما نصّ عليه جمع من الأصحاب ، لإطلاق الأدلّة الشامل لما كان ساتراً بالفعل وغيره.

نعم ، لو استندنا في البطلان إلى الحرمة النفسية ، بدعوى أنّ الساتر إذا كان حراماً فوجوده كعدمه ، إذ يعتبر في الشرط أعني الستر أن يكون مصداقاً للمباح ، فلو تستّر بالحرير المحرّم فكأنه لم يتستّر ، فتبطل الصلاة لفقدها شرطية الستر. كان اللازم حينئذ اختصاص البطلان بالساتر كما تقدّم (٢) نظير هذه الدعوى في الذهب.

لكنّها مضافاً إلى فسادها في نفسها كما أشرنا إليه هناك لا نستند إليها في‌

__________________

(١) حلية العلماء ٢ : ٦٧ ، المغني ١ : ٦٦١ ، الشرح الكبير ١ : ٥٠٦ ، المجموع ٣ : ١٨٠ [ والمراد من الجواز هنا هو الصحة ، لا الحكم التكليفي ، لأنهم يذهبون إلى حرمة لبسه ].

(٢) عن العلامة في ص ٣٠٨.

٣٣٠

وسواء كان مما تتم فيه الصلاة أو لا على الأقوى (*) كالتكّة والقلنسوة ونحوهما (١).

______________________________________________________

الحكم بالبطلان ، بل المستند في المقام الروايات المتقدمة المصرّحة بالبطلان الشاملة بإطلاقها للساتر وغيره كما عرفت.

(١) اختلفت كلمات الأصحاب في جواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه منفرداً من الحرير أي ما لا يكون ساتراً حتى بالقوّة وعدمه ، فالأشهر بل المشهور هو الجواز. وعن الشيخ المفيد (١) والصدوق (٢) وابن الجنيد (٣) والعلامة في المختلف (٤) وجمع من متأخّري المتأخّرين كصاحب المدارك (٥) والمجلسي (٦) والكاشاني (٧) والفاضل الخراساني في الذخيرة (٨) وغيرهم اختيار المنع ، وتبعهم السيد قدس‌سره في المتن ، وقوّاه صاحب الحدائق قدس‌سره (٩) وبالغ الصدوق في المنع فقال : لا تجوز الصلاة في تكّة رأسها من إبريسم (١٠) ، ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار كما ستعرف.

وأمّا ما استند إليه في الحدائق ولو بنحو التأييد للقول بالمنع من عموم الأخبار المانعة من الصلاة في الحرير المحض ، فغير سديد ، إذ الموضوع في تلك‌

__________________

(*) في القوة إشكال ، نعم هو أحوط.

(١) المقنعة : ١٥٠.

(٢) المقنع : ٨٠ ، الفقيه ١ : ١٧١ / ذيل ح ٨٠٧ ، ٨١٠.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٩٨.

(٤) المختلف ٢ : ٩٩.

(٥) المدارك ٣ : ١٧٩.

(٦) البحار ٨٠ : ٢٤١.

(٧) مفاتيح الشرائع ١ : ١١٠.

(٨) ذخيرة المعاد : ٢٢٧ السطر ٤٢.

(٩) الحدائق ٧ : ٩٧.

(١٠) الفقيه ١ : ١٧٢ / ذيل ح ٨١٠.

٣٣١

العمومات الثوب من الحرير أو الإبريسم ، غير الصادق على مثل التكّة والقلنسوة ونحوهما ممّا لا تتمّ الصلاة فيه ، لا مطلق اللبس كي يشملها فلاحظ.

وكيف كان ، فالعمدة في المقام اختلاف الأخبار كما عرفت ، فانّ مقتضى الإطلاق في صحيحتي محمد بن عبد الجبار المتقدمتين (١) المنع ، بل إنّ لهما قوة ظهور في ذلك زائداً على الإطلاق ، من جهة أنّ موردهما هو القلنسوة التي لا تتم فيها الصلاة ، فهما باعتبار المورد كالنصّ في ذلك ، لاستهجان التخصيص به.

ودعوى أنّ الحرير مختص لغة بالثوب فلا يشمل ما لا تتم ، يدفعها مضافاً إلى منعها ، إذ لا شاهد عليها ، أنّ التكّة والقلنسوة قد اضيفتا إلى الحرير المحض في الصحيحتين الكاشف عن صدقه عليهما كصدقه على الثوب فلاحظ.

وبإزاء هاتين الصحيحتين خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه ، مثل التكّة الإبريسم ، والقلنسوة والخف والزنّار يكون في السراويل ويصلّى فيه » (٢).

ويقع الكلام في هذا الخبر تارة من حيث السند ، فان بنينا على الضعف تعيّن العمل بالصحيحتين السليمتين عن المعارض. وأُخرى بناءً على الصحة ، فهل يمكن التوفيق والجمع العرفي بينهما على وجه ترتفع المعارضة أو لا؟ وثالثة بناءً على استقرار المعارضة فأيّهما المرجّح. فهذه جهات البحث.

أمّا الجهة الأُولى : فليس في السند من يتأمّل فيه عدا أحمد بن هلال العبرتائي ، فقد ذكر العلامة في الخلاصة أنّ روايته غير مقبولة (٣).

لكنّا ذكرنا غير مرّة عدم الاعتماد على تضعيف العلامة وتوثيقه ، وكذا غيره من المتأخرين ، لابتنائه على الحدس والاجتهاد ، وإنّما يعتمد على من يقطع أو يحتمل استناده في الجرح والتعديل على الحسّ كي يشمله دليل حجية الخبر.

__________________

(١) في ص ٣٢٧.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٧٦ / أبواب لباس المصلي ب ١٤ ح ٢.

(٣) الخلاصة : ٣٢٠ / ١٢٥٦.

٣٣٢

على أنّ من المعلوم من مسلك العلامة اقتصاره في الحجيّة على خبر الإمامي الاثني عشري ، فلا يعتمد على غيره وإن كان ثقة ، والرجل منحرف عن الحق كما ستعرف ، ولأجله منع عن قبول روايته. فلا يكشف المنع عن عدم الوثاقة.

ولم نعثر على غير العلامة ممّن ضعّف الرجل في حديثه ، برميه بالكذب أو الوضع ونحوه ممّا يوجب عدم صدقه في الحديث أو الخدش في قبول روايته.

بل إنّ النجاشي قد صرّح بالقبول فقال : إنّه صالح الرواية ، يعرف منها وينكر (١). فيظهر منه أنّ الرجل في نفسه صالح الرواية غير أنّ بعض أحاديثه منكرة إمّا لخلل في المضمون أو لروايته عمّن لا يعتمد عليه ، وقد ذكرنا في محلّه (٢) أنّ هذا هو المراد من مثل هذه العبارة الكثيرة الدوران في كلمات الرجاليين ، وإلا فظاهرها يقتضي التناقض بين الصدر والذيل كما لا يخفى.

هذا مع أنّ ابن الغضائري لم يتوقّف في حديثه عن نوادر ابن أبي عمير ومشيخة الحسن بن محبوب (٣) فلولا أنّ الرجل في نفسه صالح الحديث ومقبول الرواية لم يكن فرق بين روايته عنهما وعن غيرهما في عدم قبول شي‌ء منها.

وقد صرّح الشيخ قدس‌سره في العدّة بقبول رواياته في حال استقامته (٤). ومن هنا ذكر في إكمال الدين قوله : حدّثنا يعقوب بن يزيد عن أحمد بن هلال في حال استقامته عن ابن أبي عمير (٥). فيظهر أنّه ثقة في نفسه ، وإنّما منع عن الأخذ برواياته انحرافه عن الحق ، وهذا إنّما يقدح عند من يقتصر في الحجيّة على خبر الإمامي الاثني عشري ، وأمّا على المختار من التعميم لمطلق الثقة وإن لم يكن كذلك كما في الفطحيّة والواقفيّة ونحوهما من سائر الفرق المخالفة للفرقة‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٨٣ / ١٩٩.

(٢) معجم رجال الحديث ٣ : ١٥٢.

(٣) حكاه عنه في الخلاصة : ٣٢٠ / ١٢٥٦.

(٤) العُدّة : ٥٧ السطر ١.

(٥) كمال الدين : ٢٠٤ / ١٣.

٣٣٣

الناجية ، فلا يكون الانحراف المزبور قادحاً في الحجيّة ومانعاً عن قبول الرواية.

نعم ، ذكر الصدوق (١) تبعاً لشيخه محمد بن الحسن بن الوليد أنّه يستثني من روايات محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري (٢) في كتاب نوادر الحكمة ما يرويه عن جماعة وعدّ منهم أحمد بن هلال ، وتبعه القميّون في ذلك ، غير أنّ بعضهم ناقش في استثناء محمد بن عيسى العبيدي كما تقدّم سابقاً.

لكن سبق غير مرّة أنّ الاستثناء المزبور لا يدل على التضعيف ، بل غايته عدم ثبوت وثاقة هؤلاء عندهم لا الطعن فيهم في قبال الباقين الثابتة وثاقتهم.

ومنه يظهر أنّ ما ذكره الشيخ في التهذيب من عدم العمل بما يختص الرجل أعني أحمد بن هلال بروايته (٣) غير دالّ على التضعيف ، ولعلّ عدم العمل لدى الاختصاص لاشتمال حديثه على المنكرات ، أو غايته عدم ثبوت وثاقته عنده.

وعلى الجملة : لا ينبغي الريب في انحراف الرجل عن الحقّ وفساد عقيدته بعد أن كان مستقيماً في أوّل أمره ، بل كان من أعيان هذه الطائفة ووجوهها وثقاتها ، وقد وردت فيه ذموم شديدة ومطاعن أكيدة عن العسكري عليه‌السلام كما ذكره النجاشي (٤) وعن الناحية المقدّسة كما عن الكشي (٥) تتضمن اللّعن عليه والتبرّي منه ، بل خروجه عن الدين ، حتى قطع الله عمره بدعوة الحجّة ( عجل الله فرجه ).

__________________

(١) كما في رجال النجاشي ٣٤٨ / ٩٣٩.

(٢) [ المذكور في الأصل : أحمد بن محمد بن يحيى العطار. والصحيح ما أثبتناه ].

(٣) التهذيب ٩ : ٢٠٤ / ذيل ح ٨١٢.

(٤) رجال النجاشي : ٨٣ / ١٩٩.

(٥) رجال الكشي : ٥٣٥ / ١٠٢٠.

٣٣٤

وقد حكى الصدوق في إكمال الدين عن شيخه ابن الوليد عن سعد بن عبد الله أنّه قال : ما سمعنا ولا رأينا بمتشيّع رجع عن تشيّعه إلى النصب إلا أحمد ابن هلال (١).

بل يظهر كما عن شيخنا الأنصاري (٢) من نسبته إلى النصب تارة وإلى الغلو اخرى عدم اعتناقه مذهباً أصلاً ، لما بين المسلكين من بعد المشرقين وكونهما على طرفي النقيض.

ولعلّ السرّ والله العالم في عدوله عن الحقّ وانحرافه عن المذهب هو البغي والحسد ، حيث إنّه كما عرفت كان من أعيان هذه الطائفة ووجوهها ، وعلى جانب عظيم في أعين الناس ، وقد لقيه أصحابنا بالعراق وكتبوا عنه ، وأنكروا ما ورد في مذمّته حتى حملوا القاسم بن العلاء على أن يراجع في أمره مرة بعد اخرى ، ولذلك كان يتوقّع اللعين صدور التوقيع باسمه وتفويض السفارة اليه وجعله نائباً خاصاً ، فلمّا رأى خلاف ذلك دعاه بغيه وحسده إلى الخروج عن الدين والانحراف عن الحق ، أعاذنا الله من سوء الخاتمة ، ووقانا من تسويلات النفس الغاشمة.

وكيف كان ، فكلّ ذلك مما لا ريب فيه ولا إشكال ، لكنّ شيئاً من ذلك لا يقتضي نفي الوثاقة عن الرجل في نفسه ، وعدم صدقه في حديثه الذي هو المناط في حجّية الخبر كي يعارض به توثيق النجاشي المتقدّم.

بل إنّ الرجل قد وقع في سلسلة سند كامل الزيارات ، وقد مرّ غير مرّة توثيق جعفر بن محمد بن قولويه لكلّ من يقع في سند كتابه ، ولزوم الأخذ به ما لم يثبت تضعيفه من الخارج. فهذا توثيق آخر يعضد توثيق النجاشي ، وليس في البين ما يعارض التوثيقين كي يرفع اليد عنهما.

وعليه فالأظهر قبول روايات أحمد بن هلال ، لثبوت توثيقه السليم عن‌

__________________

(١) كمال الدين : ٧٦.

(٢) كتاب الطهارة : ٥٧ السطر ١٩.

٣٣٥

المعارض ، ولأجله نعتبر رواية الحلبي في المقام موثّقة.

ويؤيّده : أنّ المشهور قد عملوا بها كما عرفت ، لانحصار مدركهم فيها ، فمع تسليم الضعف فهو مجبور بعمل المشهور بناءً على ما هو المعروف من ثبوت الانجبار ، وإن كان على خلاف التحقيق.

ومن الغريب أنّ صاحب الحدائق قدس‌سره مع اعتراضه كثيراً على الأصحاب في تقسيمهم الأخبار إلى الصحيح والحسن والضعيف ، وبنائه على حجّية الأخبار الموجودة في الكتب الأربعة ، وعدم الطعن في أسانيدها كيف حكم على هذه الرواية بالضعف (١) ، مع أنّها موثّقة ، بل مجبورة بعمل المشهور كما عرفت.

الجهة الثانية : بعد الفراغ عن حجيّة رواية الحلبي ، والبناء على كونها موثّقة كما عرفت فهل يمكن الجمع الدلالي بينها وبين الصحيحتين المتقدّمتين لمحمد ابن عبد الجبار (٢) أو أنّهما متعارضتان؟ الظاهر هو الأول ، لأنّ الموثّقة صريحة في الجواز ونصّ فيه بحيث لا تقبل التصرّف والتأويل ، بخلاف الصحيحتين ، فانّ دلالتهما على المنع وإن كانت في غاية القوّة ، لكون ما لا يتم بنفسه مورداً لهما ، ويقبح تخصيص المورد كما عرفت (٣) لكنّهما مهما بلغتا من القوّة فهما بالأخرة ظاهرتان قابلتان للتأويل ، ولا تكادان تخرجان عن حدّ الظهور إلى الصراحة كما في الموثّقة ، فهما من قبيل النص والظاهر ، فليحمل الإطلاق في الصحيحتين على غير ما لا تتم الصلاة فيه.

والقبح المزبور ليس حكماً عقلياً غير قابل للتخصيص ، بل هو قبح كلامي نشأ من المنافاة لحكمه التكلّم ، فيرتفع القبح والاستهجان فيما إذا كانت هناك نكتة اقتضت العدول عن مورد السؤال ، وإلقاء الحكم بنحو الكبرى الكلّية وإن‌

__________________

(١) الحدائق ٧ : ٩٧.

(٢) في ص ٣٢٧.

(٣) في ص ٣٣٢.

٣٣٦

لم تنطبق على المورد ، فيتدارك القبح بتلك المصلحة.

وقد تقدّم نظير ذلك في السنجاب وقلنا إنّه وإن كان مورداً لموثقة ابن بكير المانعة عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه لكنّه يحكم بالجواز للنصّ الخاص الوارد فيه غير القابل للتأويل ، ويحمل إطلاق الموثّقة على غير هذا المورد فلاحظ (١).

الجهة الثالثة : لو أغمضنا عمّا ذكر وبنينا على استقرار المعارضة لتعذّر الجمع العرفي ، فهل يمكن ترجيح أحدهما على الآخر؟

ذكر صاحب الحدائق قدس‌سره أنّ الترجيح مع الصحيحتين ، لموافقة خبر الحلبي مع العامّة ، فإنّ المنقول عن أبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين جواز الصلاة في الحرير المحض فيحمل على التقيّة (٢).

وهذا كما ترى غريب جدّاً ، ضرورة أنّهم يجوّزون الصلاة في الحرير مطلقاً سواء كان مما تتم فيه الصلاة أم لا ، والمستفاد من موثّقة الحلبي ظهوراً ، بل صراحة المفروغية عن مانعية الحرير في الصلاة ، وأنّها أمر مفروض مسلّم وإنّما حكم بالجواز لكون الحرير مما لا تتم فيه الصلاة مثل التكّة والقلنسوة ونحوهما ، بحيث لولا هذه الجهة لكان عدم الجواز لمانعية الحرير في حدّ ذاته مما لا ريب فيه ، وهذا كما ترى مخالف لمذهب العامّة ، فكيف يحمل مثله على التقيّة.

وعن المحقّق الهمداني قدس‌سره عكس ذلك ، فحمل الصحيحتين على التقيّة ، ورجّح الموثّقة عليهما وقال بعد ما استظهر أنّهما رواية واحدة قد وقع الاختلاف في النقل من حيث التعبير باللفظ والمضمون ، فنقلها محمد بن عبد الجبار إجمالاً تارة وتفصيلاً اخرى : إنّهما من الأخبار التي تلوح منها آثار التقيّة ، حيث إنّهما من المكاتبة دون المشافهة ، ويحتاط في الأُولى ما لا يحتاط في الثانية ، فإنّها تبقى وهذه تفنى ، مع اشتمالها على نفي البأس عن الصلاة في وبر ما لا يؤكل كالأرانب مشروطاً بالتذكية المحمول على التقيّة البتّة.

__________________

(١) ص ١٩٤ فما بعدها.

(٢) الحدائق ٧ : ٩٧.

٣٣٧

وفي التعليق على المشيئة إيماء إليها كما لا يخفى ، فبعد هذه الشواهد والأمارات سيما بعد تطرّق التقيّة في بعض الفقرات لا يبقى وثوق بصدورها لبيان الحكم الواقعي ، فلا مجال لدعوى إبائها عن التقيّة.

بل إنّ في العدول عن التصريح بالمنع عن الصلاة فيه إلى التعبير بنفي الحلّية في قوله عليه‌السلام : « لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض » المشعر بالحرمة النفسية فقط كما يرونها دون الوضعية كما نقول بها إيماء إلى ما ذكرناه من ابتنائها على التقية. وعليه فتحمل هذه الفقرة على إرادة حرمة نفس الحرير حال الصلاة لا بطلان الصلاة الواقعة فيه (١).

وأنت خبير بما فيه ، بل لم نكن نترقّب صدوره عن مثله قدس‌سره. أمّا ما أفاده من دعوى الاتحاد فغير بعيدة ، ولا نضايقه فيها.

وأمّا ما أفاده من حمل قوله عليه‌السلام : « لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض » على إرادة حرمة اللبس فمن غرائب الكلام ، بل لعلّ طرح الرواية أهون من هذا الحمل ، ضرورة ظهور قوله : « لا تحلّ » بل صراحته في نفي الحلّية الوضعيّة المساوقة للبطلان ، سيما بعد إسناده إلى الصلاة نفسها ، فكيف يحمل على الحرمة النفسية ويسند إلى اللبس غير المختص بحال الصلاة.

فالإنصاف : أنّه لا يمكن ترجيح شي‌ء من الروايتين على الأُخرى بالحمل على التقية ، لمخالفتهما معاً مع العامّة. ومن الظاهر عدم موافقة مضمون إحداهما مع الكتاب أو مخالفته كي يرجّح من هذه الجهة. وقد ذكرنا في بحث التعادل والتراجيح حصر الترجيح بهذين (٢) فهما متكافئان بعد تسليم المعارضة.

وحينئذ فان بنينا على التخيير بعد فقد الترجيح كما هو المشهور جاز الأخذ بأحدهما مخيّراً والفتوى بمضمونه ، وإلا كما هو الأقوى ، لضعف أخبار‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١٤١ السطر ٢٦.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٤١٤.

٣٣٨

بل يحرم لبسه في غير حال الصلاة أيضاً إلاّ مع الضرورة لبرد ، أو مرض ، وفي حال الحرب ، وحينئذ تجوز الصلاة فيه أيضاً (*) (١).

______________________________________________________

التخيير بأجمعها كما تعرّضنا له في محلّه (١) فيتساقطان على ما هو الأصل في المتعارضين ، وحينئذ فحيث ليس لنا عموم فوق يرجع إليه ، إذ الأخبار المانعة عن الصلاة في الحرير وعمدتها الصحيحة الثالثة والرابعة المتقدّمتان (٢) كلّها مقيّدة بالثوب غير الصادق على التكّة والقلنسوة ونحوهما مما لا تتم فيه الصلاة ، وإن صدق عنوان اللبس ، لكنّه غير مأخوذ في شي‌ء منها ، فينتهي الأمر حينئذ إلى الرجوع إلى الأصل العملي ، ومقتضاه أصالة البراءة عن تقيّد الصلاة بعدم وقوعها في مثل هذا الحرير ، بناءً على ما هو الصحيح من جريان البراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين.

فتحصّل : أنّ النتيجة هي الجواز على كلّ تقدير ، سواء قلنا بالجمع الدلالي والتوفيق العرفي بين موثّقة الحلبي والصحيحتين كما هو الحق على ما عرفت ، أم بنينا على استقرار المعارضة بينهما لتساقطهما حينئذ ، ومقتضى الأصل هو الجواز. فالأقوى جواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه وحده من الحرير واختصاص المانعية بما تتم.

(١) بعد الفراغ عن الحرمة الوضعية تعرّض قدس‌سره للحرمة النفسية واستقصاء البحث يستدعي التكلّم في جهات :

الجهة الاولى : لا إشكال كما لا خلاف في حرمة لبس الحرير على الرجال حال الصلاة وغيرها ، بل عليه الإجماع في كثير من الكلمات ، وتدلّ عليه جملة‌

__________________

(*) دوران صحة الصلاة مدار جواز اللبس لا يخلو من إشكال بل منع ، نعم إذا كان الاضطرار في حال الصلاة أيضاً جازت الصلاة فيه.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٤٢٣.

(٢) في ص ٣٢٧.

٣٣٩

من الروايات ، وفيها المعتبرة كموثقة سماعة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لباس الحرير والديباج ، فقال : أمّا في الحرب فلا بأس به ، وإن كان فيه تماثيل » (١) دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس في غير حال الحرب ، ولعلّ الجواز حالها لأجل إظهار شوكة الإسلام كي لا يزعم الكفّار أنّ الحرب معهم لكسب الثروة والتخلّص من الفقر ، أو لما قيل من أنّ الحرير يوجب قوّة القلب أو لوجه آخر لا نعرفه.

وكيف ما كان ، فهي صريحة في عدم الجواز في غير هذه الحال ، كما أنّها صريحة في الجواز حال الحرب وإن كان فيه تماثيل.

نعم ، يعارضها في هذا الإطلاق ما رواه عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد بسنده عن الصادق عن أبيه : « أنّ علياً عليه‌السلام كان لا يرى بلبس ( بلباس ) الحرير والديباج في الحرب إذا لم يكن فيه التماثيل بأساً » (٢).

لكن الرواية مضافاً إلى ضعف سندها بعبد الله بن جعفر (٣) يمكن حملها على الكراهة جمعاً ، للتصريح في الموثّق بالجواز حتى مع التماثيل.

الجهة الثانية : هل تعمّ الحرمة مطلق اللباس أو تختصّ بما تتم فيه الصلاة فما لا تتم كالقلنسوة لا يكون لبسه حراماً؟ لم أرَ من تعرّض لهذه الجهة ، وإنّما تعرّضوا لذلك في المانعية والحرمة الوضعيّة كما تقدّم.

والظاهر ابتناء الحكم هنا على ما تقدّم في تلك المسألة ، فإن بنينا هناك على المانعية من جهة المناقشة في خبر الحلبي كان إطلاق الأخبار الناهية عن اللبس الشاملة لما تتم وما لا تتم محكّماً فنحكم بالإطلاق في الحرمة النفسيّة والوضعيّة ، لعدم المقيّد لشي‌ء منهما.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٧٢ / أبواب لباس المصلى ب ١٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٧٢ / أبواب لباس المصلّي ب ١٢ ح ٥ ، قرب الاسناد : ١٠٣ / ٣٤٧.

(٣) [ بل وثّقه الشيخ ، راجع معجم رجال الحديث ١١ : ١٤٨ / ٦٧٦٦ ].

٣٤٠