موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٢

الشيخ مرتضى البروجردي

تلك المطلقات على الفرد النادر ، وهو بعيد جدّاً ، سيما فيما كان مسبوقاً بأسئلة الرواة ، وهي كثيرة.

وبالجملة : فالجاهل بالحكم المقصّر مشمول للموثّق دون الحديث.

وعليه فما أفاده الأُستاذ قدس‌سره من انقلاب النسبة بينهما بعد تخصيص الموثّق بالصحيح من العموم من وجه إلى العموم المطلق غير وجيه سواء قلنا بشمول الحديث للجاهل أم خصّصناه بالناسي.

أمّا على الأوّل فلعدم شمول الحديث للجاهل المقصّر كما عرفت ، وشمول الموثّق له ، لعدم خروجه عنه حتى بعد تخصيصه بالصحيح كما مرّ.

كما أنّ الحديث عام لمطلق الخلل ، والموثّق مخصوص بما لا يؤكل ، فمادة الافتراق من الطرفين ظاهرة ، ويتعارضان في مادة الاجتماع ، أعني الصلاة الواقعة فيما لا يؤكل نسياناً ، فتجب الإعادة بمقتضى الموثّق ، ولا تجب بمقتضى الحديث.

وعلى الثاني فالأمر أظهر ، إذ عليه تكون مادة الافتراق من جانب الموثّق أكثر ، لعدم شمول الحديث لشي‌ء من مصاديق الجهل على الفرض. وعلى أي تقدير فتقع المعارضة في مورد الاجتماع الذي عرفته ، فلا مجال للتخصيص أي تخصيص الحديث بالموثّق المبني على انقلاب النسبة كما زعمه كي ينتج البطلان في صورة النسيان.

نعم ، هذه النتيجة ثابتة ، لكن لا لهذا الوجه الذي أفاده قدس‌سره بل لأنه بعد تعارض الدليلين وتساقطهما في مادة الاجتماع يرجع إلى عموم ما دلّ على اعتبار المانعية لما لا يؤكل بحسب الجعل الأوّلي ، كنفس الموثقة بلحاظ الفقرة السابقة وغيرها كموثقة سماعة ونحوها من سائر العمومات التي مفادها البطلان لو صلّى فيما لا يؤكل ، من دون حاكم عليها ، إذ الحاكم ليس إلا الحديث والمفروض ابتلاؤه بالمعارض في صورة النسيان كما عرفت.

وأمّا في صورة الجهل فيحكم بالصحة إمّا للحديث بناءً على شموله للجاهل لعدم ابتلائه بالمعارض حينئذ كما لا يخفى ، وإمّا لصحيحة عبد الرحمن بناء على‌

٣٠١

[١٢٨٨] مسألة ٢٠ : الظاهر عدم الفرق بين ما يحرم أكله بالأصالة ، أو بالعرض (١) كالموطوء والجلال وإن كان لا يخلو عن إشكال.

______________________________________________________

عدم الشمول له. فيتّجه التفصيل المنسوب إلى المشهور حينئذ.

لكنّك عرفت أنّ الأقوى هي الصحة مطلقاً وفاقاً للمتن ، وقد ظهر وجهه من مطاوي ما مرّ فلاحظ.

(١) قد مرّ الكلام حول هذه المسألة (١) عند ما تعرضنا تفصيلاً لمسألة اللباس المشكوك فيه ، واستقصينا البحث هناك ، ولا بأس بإعادة ما مرّ والإشارة إليه على سبيل الإجمال بمناسبة تعرّض الماتن قدس‌سره له في المقام فنقول :

عنوان ما حرّم الله أكله المأخوذ موضوعاً لعدم جواز الصلاة فيه في لسان الأخبار هل هو معرّف وعنوان يشير إلى ذوات الحيوانات كالأسد والأرنب والثعلب ونحوها كما عليه شيخنا الأُستاذ قدس‌سره (٢) فكأنّ الموضوع نفس تلك الذوات أُشير إليها بهذا العنوان ، ويلزمه عدم شمول الحكم لما حرّم أكله لعارض كالموطوء وشارب لبن الخنزيرة ونحوها ، لخروجه حينئذ عن تلك الذوات ، أو أنّ هذا العنوان بنفسه موضوع للحكم؟

الظاهر هو الثاني ، إذ المعرّفية والمشيرية خلاف المنسبق من ظاهر أخذ الشي‌ء بنفسه موضوعاً للحكم ، لا يصار إليها إلا بقرينة مفقودة في المقام.

وعلى المختار فهل المراد بالمحرّم ما حرّم أكله بالفعل ، أو ما كان كذلك في أصل الشرع وإن لم تتم فيه شرائط الفعلية؟

لا ينبغي الإشكال في الثاني ، وإلا لانتقض بموارد طرداً وعكساً ، كما لو حلّ أكل لحم الأسد مثلاً لاضطرار ونحوه ، أو مات الحيوان قبل سنين ، فلا موضوع للّحم كي يحرم أكله بالفعل ، أو كان خارجاً عن محلّ الابتلاء ، فإنّ الحرمة‌

__________________

(١) في الجهة السابعة في ص ٢٢٦.

(٢) رسالة الصلاة في المشكوك : ٣٢٠ فما بعدها.

٣٠٢

الفعلية مفقودة في جميع ذلك ، ومع ذلك لا تجوز الصلاة في الوبر المتخذ منه أو غيره من سائر أجزائه بلا إشكال. وأيضاً ربما يحرم أكل لحم المعز لضرر أو غصب أو صوم أو عدم ورود التذكية عليه لكونه حياً بالفعل أو ميتة ، فيحرم الأكل فعلاً ومع ذلك تجوز الصلاة في صوفه بلا إشكال. فيظهر أنّ العبرة بالحلّية والحرمة الثابتتين في أصل الشرع ، وبنحو الشأنية دون الفعلية منهما التي تختلف باختلاف الحالات والأشخاص ، ولا تكون عامّة لجميع الناس.

ثم إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة عدم الفرق في هذه الحرمة الثابتة في أصل الشرع بالإضافة إلى عامّة الناس بين ما كانت ذاتية كالأسد ونحوه ، وبين ما طرأت لجهة عارضية كالموطوء وشارب لبن الخنزيرة ، والحرمة في كلتا الصورتين ثابتة في أصل الشرع وعامّة لجميع المكلّفين من دون اختصاص بشخص خاص أو حالة مخصوصة ، فيصدق على الثاني كالأوّل أنّه مما حرّم الله أكله في الشريعة المقدسة صدقاً حقيقياً ومن دون عناية كما لا يخفى. فلا موجب لاختصاص الحكم بالأوّل ، ولا يقاس ذلك بالحرمة الثابتة لبعض الأشخاص أو في بعض الأحوال لجهة عارضية كالأمثلة المتقدّمة آنفاً ، للفرق الواضح بين المقامين في الصدق المزبور كما لا يخفى.

وهل المراد بالحرمة ما كانت دائمة أبدية وإن كانت عرضية ، بحيث لم توقّت بوقت ولم تقبل للزوال كما في الموطوء وشارب لبن الخنزيرة ، حيث إنّ الحرمة فيهما ثابتة أبداً كالمحرّم الذاتي ، بل في الشارب تسري إلى النسل أيضاً ، أو تعمّ الحرمة الموقتة القابلة للزوال كما في الجلال حيث تزول الحرمة بزوال الجلل باستبراء ونحوه؟ اختار شيخنا الأُستاذ قدس‌سره الأوّل (١) ولم نعرف له وجهاً صحيحاً ، بل الأقوى الثاني ، لاندراج الكلّ تحت إطلاق الأدلّة بملاك واحد كما لا يخفى.

__________________

(١) رسالة الصلاة في المشكوك : ٩٦.

٣٠٣

الخامس : ان لا يكون من الذهب للرجال ، ولا يجوز لبسه لهم في غير الصلاة أيضاً (١).

______________________________________________________

ومن الغريب حكمه قدس‌سره بنجاسة بول الجلال مع حكمه قدس‌سره في المقام بجواز الصلاة في أجزائه ، مع اتحاد الموضوع في المقامين وهو عنوان ما لا يؤكل لقوله عليه‌السلام هناك : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (١) الذي هو المستند للنجاسة ، فإن اختص العنوان بما لا يقبل للزوال فلما ذا يحكم بنجاسة بول الجلال ، وإن شمل ما يقبل له فلما ذا يحكم بجواز الصلاة فيه. فلم نعرف وجهاً للتفكيك ، لعدم وضوح الفرق بين المقامين.

(١) يقع الكلام في مقامين :

أحدهما : في حرمة لبس الذهب للرجال تكليفاً حال الصلاة وغيرها.

الثاني : في الحرمة الوضعية وبطلان الصلاة الواقعة فيه.

أمّا المقام الأوّل : فلا إشكال كما لا خلاف في الحرمة ، بل عليه الإجماع لولا الضرورة.

ويدلّ عليه جملة من النصوص ، وأكثرها وإن كانت ضعيفة السند إلا أنّ فيها الموثّق والصحيح.

فالأوّل : موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « لا يلبس الرجل الذهب ، ولا يصلّي فيه ، لأنّه من لباس أهل الجنة » (٢). التي رواها الشيخ والصدوق بطريقين معتبرين (٣).

والثاني : صحيحة علي بن جعفر التي رواها صاحب الوسائل عن كتابه وطريقه إلى الكتاب صحيح عن أخيه موسى عليه‌السلام أنّه قال : « هل‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٠٥ / أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٤١٣ / أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧٢ / ١٥٤٨ ، علل الشرائع : ٣٤٨ / ١.

٣٠٤

يصلح له أن يتختّم بالذهب؟ قال : لا » (١) فإنّ النهي ظاهر في التحريم.

نعم ، لعلي بن جعفر رواية أُخرى بهذا المضمون (٢) ، لكن في الطريق عبد الله ابن الحسن ولم تثبت وثاقته.

وبالجملة : فالعمدة في المقام هاتان الروايتان المؤيدتان بغيرهما من سائر الأخبار ، وإن ضعفت أسانيدها ، وفيهما غنى وكفاية.

وبإزاء هذه الأخبار روايتان ربما يستظهر منهما الجواز :

إحداهما : رواية ابن القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تختّم في يساره بخاتم من ذهب ، ثمّ خرج على الناس فطفق ينظرون إليه ، فوضع يده اليمنى على خنصره اليسرى حتى رجع إلى البيت فرمى به فما لبسه » (٣).

حيث يظهر منها عدم حرمة اللبس ، ولذا تختم صلى‌الله‌عليه‌وآله به. وإنّما رمى به لما شاهده صلى‌الله‌عليه‌وآله من نظر الناس إليه نظراً ينبئ عن عدم مناسبة ذلك لمقام النبوّة ، فطرحه صلى‌الله‌عليه‌وآله كراهة جلب الأنظار. فغاية ما هناك كراهة اللبس دون التحريم.

وفيه أوّلاً : أنّها ضعيفة السند بسهل بن زياد والأشعري.

وثانياً : بقصور الدلالة ، إذ غاية ما تدلّ عليه عدم ثبوت التحريم في ذلك الزمان الذي لبسه صلى‌الله‌عليه‌وآله فمن الجائز ثبوت التحريم بعده ، إمّا في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله أو زمن الأئمة عليهم‌السلام كما يفصح عنه تلك الأخبار ، إذ لا ريب أنّ الأحكام تدريجية التشريع ، بل تدريجية التبليغ ، فربّ حكم لم يشرّع في صدر الإسلام فشرّع بعد حين ، أو لم يبلّغ في عصره صلى‌الله‌عليه‌وآله لمصلحة في الإخفاء أو مفسدة في الإظهار ، ثم بلّغ في زمن الأئمة‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٤ : ٤١٥ / أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ١٠ ، مسائل علي بن جعفر : ١٦٢ / ٢٥١.

(٣) الوسائل ٤ : ٤١٣ / أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ٣.

٣٠٥

( عليهم‌السلام ) بإيداع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم ، فلا تنافي بين هذه الرواية وتلك الأخبار المصرّحة بالتحريم كما لا يخفى.

الثانية : صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قال علي عليه‌السلام : نهاني رسول الله ( ص ) ولا أقول لكم نهاكم عن التختّم بالذهب » (١) فانّ قوله عليه‌السلام : « ولا أقول نهاكم » يكشف عن اختصاص النهي به عليه‌السلام دون غيره من سائر الناس ، فليكن ذاك من مختصات أمير المؤمنين عليه‌السلام.

والجواب يظهر ممّا مرّ آنفاً ، فانّ علياً عليه‌السلام وهو الصادق المصدّق يحكي ما جرى بينه وبين النبي ( ص ) من توجيه النهي إليه عليه‌السلام وعدم تعميمه لغيره لا تصريحه ( ص ) بالجواز لمن عداه ، فلا ينافي ثبوت النهي للجميع في العصر المتأخّر لعدم مصلحة في الإظهار آن ذاك. فلا تنافي بين هذه الصحيحة وتلك الأخبار المتضمّنة للتحريم على الإطلاق.

وبالجملة : فتلك الأخبار وعمدتها الموثق والصحيح كما عرفت قويّة السند والدلالة سليمة عن المعارض.

نعم ، قد يناقش في دلالة الموثّق من وجهين :

أحدهما : عدم مناسبة التعليل المذكور فيه مع الحرمة ، أعني قوله عليه‌السلام : « لأنّه من لباس أهل الجنة » فإنّ كونه من لباسهم وهم المتّقون الأبرار يكشف عن كونه من زيّ المتقين ولباس المؤمنين ، فالأنسب للمؤمن لبسه تشبيهاً له بأهل الجنة ، سيما في حال الصلاة التي هي معراج المؤمن ، فينبغي أن يتّصف وهو في حال العروج والمناجاة مع الربّ بلباس المقرّبين وأهل الجنة والنعيم ، فكيف يلتئم التعليل مع التحريم.

ويندفع : بأنّ الشبهة إنما نشأت من تخيّل أنّ المراد من اللبس في التعليل ـ

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤١٤ / أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ٧.

٣٠٦

اللبس التكويني ، أي ما يختاره أهل الجنة ويلبسونه باختيارهم وإرادتهم وليس كذلك ، بل المراد اللبس التشريعي الذي خصّه الله بأهل الجنة ، وحرّمه على الرجال في الدنيا.

وحاصل المعنى : المنع عن لبس الرجال للذهب في حال الصلاة وغيرها لأنّ الله تعالى حرّمه عليهم في هذه الحياة الدنيا ، وخصّه تشريعاً بأهل الجنة في الآخرة فلا يجوز مخالفة المولى سبحانه في هذا التشريع.

ثانيهما : اشتمال صدر الموثّق على ما يمنع ظهوره في التحريم ، حيث ذكر قبل هذه الفقرة هكذا : « في الرجل يصلّي وعليه خاتم حديد ، قال : لا ، ولا يتختّم به الرجل ، فإنّه من لباس أهل النار » (١) فانّ التختّم بالحديد غير محرّم قطعاً بل غايته الكراهة ، فيكشف بمقتضى وحدة السياق أنّ الحكم في جميع فقرأت الموثّق مبني على الكراهة.

وفيه : أنّ النهي ظاهر في التحريم ، كالأمر في الوجوب ما لم يقترن بالترخيص في الفعل أو الترك كما تقرّر في الأُصول (٢) وقد ثبت الترخيص في الفعل بالنسبة إلى الحديد بالنصوص العديدة فيحمل على الكراهة ، ولم يثبت ذلك بالنسبة إلى الذهب كما عرفت فلا بدّ من الأخذ بظاهر النهي. وقرينية السياق لم نتعقّلها بعد ما هو المشاهد من اشتمال غير واحد من الأخبار على الجمع بين المحرّمات والمكروهات بلسان واحد ، كالجمع بين الواجبات والمستحبات ، والمتّبع هو الدليل في كلّ مورد بالخصوص.

وأمّا المقام الثاني : فالمشهور بطلان الصلاة الواقعة في الذهب للرجال ، بل لم ينسب الخلاف إلا إلى المحقق قدس‌سره في المعتبر (٣) حيث تردّد فيه لأجل‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤١٨ / أبواب لباس المصلي ب ٣٢ ح ٥.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٣١ [ لكن ذكر ذلك في مبحث صيغة الأمر ].

(٣) المعتبر ٢ : ٩٢.

٣٠٧

ضعف رواية موسى بن أكيل (١). بل ربما يظهر منه في الشرائع الصحة ، حيث لم يذكره في شرائط لباس المصلّي. وكيف كان ، فالمتبع هو الدليل.

والأقوى ما عليه المشهور ، للأخبار وعمدتها موثّقة عمار المتقدمة المانعة من إيقاع الصلاة فيه ، ولا ريب أنّ النهي عن العبادة يدلّ على الفساد ، فليس المستند منحصراً في رواية موسى بن أكيل كي يتوقف عن الحكم لأجل ضعف السند ، هذا.

وقد استدلّ العلامة قدس‌سره (٢) للبطلان بوجهين آخرين :

أحدهما : أنّ استعمال الذهب حرام ، وإيقاع الصلاة فيه بنفسه مصداق للاستعمال فيحرم ويفسد ، لدلالة النهي عن العبادة على الفساد.

وفيه أوّلاً : أنّه لا دليل على حرمة مطلق الاستعمال ، ولذا يجوز اقتناؤه وأخذه ، وكذا صرف النقود الذهبية بلا إشكال ، وإنّما الثابت بمقتضى النصوص المتقدّمة حرمة لبسه فقط دون سائر الاستعمالات.

وثانياً : أنّ الصلاة بنفسها ليست مصداقاً للاستعمال ولا اللبس ، لعدم كون ذلك من أجزائها ولا شرائطها ، فهو أجنبي عن حقيقة الصلاة بالكلّية ، بل غايته أنّ الاستعمال من مقارنات الصلاة وملابساتها ، نظير النظر إلى الأجنبية حال الصلاة ، فلا تسري حرمته إليها قطعاً كما هو ظاهر جدّاً.

فالإنصاف : أنّ هذا الاستدلال منه قدس‌سره غريب جدّاً ، لعدم الاتحاد بينهما بوجه.

ثانيهما : أنّ الصلاة مشروطة بالستر ، وحيث إنّ لبس الذهب حرام فلا يتحقق به الستر الواجب في الصلاة ، لعدم كون الحرام مصداقاً للشرط فوجوده كعدمه ، فالصلاة فيه بمثابة الصلاة عارياً فتفسد لفقد الشرط.

وفيه أوّلاً : أنّ هذا لو تم فهو مختص بالساتر أعني اللباس الذهبي الذي‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤١٤ / أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ٥.

(٢) المنتهي ٤ : ٢٣١.

٣٠٨

ولا فرق بين أن يكون خالصاً أو ممزوجاً (١)

______________________________________________________

تحقّق به الستر فعلاً ولا يعمّ مطلق اللباس ، فهو أخص من المدعى.

وثانياً : أنّه غير تام في نفسه ، لعدم الدليل على اعتبار الإباحة في ذات الشرط ، وإنّما يعتبر ذلك في الجزء ، حيث ينبسط الأمر المتعلّق بالمركّب عليه فلا يتعلّق بالحرام ، وأمّا الشرط فهو خارج عن المأمور به ، وإنّما الداخل التقيّد به ، وإباحته لا تستدعي اعتبار الإباحة في ذات القيد كما لا يخفى ، ولذا يحصل التقيّد بالطهارة عن الخبث وإن حصل التطهير بالغسل بالماء المغصوب.

نعم ، لو ثبت من الخارج عبادية الشرط كما في الطهارات الثلاث لم يتحقق بالفرد المحرّم ، لمنافاة الحرمة مع العبادية ، وإلا فمجرد الشرطية لا تستدعي الإباحة. ومن الظاهر أنّ الستر المعتبر في الصلاة ليس شرطاً عباديا ولذا لم نمنع عن صحة الصلاة في الساتر المغصوب.

(١) مع صدق اسم الذهب عليه ولو بإضافة الغش ، فيقال إنّه ذهب مغشوش ، كما لو كان الخليط من النحاس أو غيره قليلاً جدّاً بحيث لا يوجب سلب العنوان ، وهذا لا إشكال فيه ، لإطلاق الأدلّة الشاملة للخالص وغيره. إنّما الكلام في صور ثلاث :

إحداها : ما إذا كان الثوب مثلاً سداه من الذهب واللحمة من غيره ، أو بالعكس.

الثانية : ما لو امتزج الذهب مع غيره بكميّة متساوية كما لو اذيب مقدار من الذهب وما يعادله من النحاس ، وامتزج أحدهما مع الآخر بحيث لم يصدق على الممتزج شي‌ء من العنوانين.

الثالثة : ما لو كان الثوب مثلاً مطرّزاً بالذهب.

أمّا القسم الثاني : فلا ينبغي الإشكال في الجواز ، لعدم صدق لبس الذهب الذي هو الموضوع للحكم ، وأولى منه ما لو كان الذهب أقل من المزيج فكان مستهلكاً بحيث صدق عليه العنوان الآخر.

٣٠٩

إنّما الإشكال في القسمين الآخرين وقد ذهب جمع إلى حرمة اللبس فيهما. وذكر كاشف الغطاء (١) في وجهه أنّه لم يعهد صنع الثوب ، بل ولا غيره مما لا تتم الصلاة فيه كالقلنسوة ونحوها من الذهب الخالص ، بل المتعارف خلطه بغيره إمّا بجعل سداه من الذهب واللحمة من غيره أو بالعكس ، أو يكون بنحو التطريز ، ولا ريب أنّ النهي في الأخبار منصرف إلى الفرد المتعارف دون ما لا يعهد ، فلو اتفق صنعه من الذهب الخالص فهو غير مشمول للنهي.

والجواب عنه ظاهر كما ذكره المحقق الهمداني قدس‌سره (٢) إذ لم يتوجّه النهي في شي‌ء من الأخبار إلى لبس ثوب من الذهب كي يدعى انصرافه إلى المتعارف ، بل متعلّق النهي مجرّد لبس الذهب ، وكم له مصداق من الذهب الخالص كلبس القرط والسوار والخاتم والخلخال ونحوها مما تتزيّن النساء بلبسه مع فرض خلوص الذهب ، وكأنّ المقصود من تلك الأخبار منع الرجال عن لبس هذه الأشياء التي هي من مختصات النساء.

فالإنصاف : أنّه لا دليل على حرمة اللبس في هذين القسمين ، لعدم صدق لبس الذهب الذي هو الموضوع للحكم كما عرفت في شي‌ء منهما ، بل ما هو ذهب غير ملبوس ، وما هو الملبوس لا يصدق عليه أنّه لبس للذهب ، بل هو لبس شي‌ء استعمل فيه الذهب في سداه أو لحمته ، أو طلي بالذهب كما في التطريز ، لا أنّه بنفسه لبس للذهب.

وما يقال من أنّ من لبس ذلك يصدق عليه أنّه لابس للذهب ، وإن لم يصدق الذهب على نفس اللباس لأنّه جزؤه لا كلّه ، فلا ضير في عدم الصدق في الملبوس ، مدفوع بأنّ هذه الاشتقاقات تتبع المبدأ في الصدق ، ولا يختلف الحال فيها باختلاف الهيئات ، فإذا لم يصدق على اللباس أنّه ذهب ولم‌

__________________

(١) كشف الغطاء : ١٩٩ السطر ٣٥.

(٢) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١٤٤ السطر ٢٢.

٣١٠

يكن الملبوس بنفسه مصداقاً له فكيف يصدق عنوان لبس الذهب ، وأنّ المكلّف لابس للذهب.

وبالجملة : فلا وجه لحرمة اللبس في هذين القسمين بعد قصور الأدلّة عن الشمول ، إلا إذا صدق عنوان التزيين فيمكن القول بالتحريم حينئذ من تلك الجهة ، وسيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله تعالى (١).

وهل تبطل الصلاة في القسمين فتثبت الحرمة الوضعية وإن لم تثبت النفسية؟

قد يقال بذلك نظراً إلى شمول موثقة عمار الناهية عن الصلاة في الذهب لمثل ذلك ، إذ يصدق على من صلّى في ثوب مطرّز بالذهب أو كانت لحمته أو سداه منه أنّه صلّى في الذهب وإن لم يصدق لبسه ، ولأجله حكمنا ببطلان الصلاة مع استصحاب شي‌ء من أجزاء ما لا يؤكل وإن لم يكن لابساً له ، للصدق المزبور.

ويندفع : بظهور كلمة « في » في الظرفية. فالممنوع إيقاع الصلاة في الذهب على وجه يكون الذهب ظرفاً لها ، وحيث إنّ هذا على ظاهره لا محصّل له كما لا يخفى فيكون إسناد الظرفية إلى الذهب إسناداً مجازياً باعتبار كونه ظرفاً للمصلّي ، فالمظروف حقيقة هو المصلّي ، ولا يكون الذهب ظرفاً له إلا مع اشتماله عليه ، ولو على بعضه ، إذ لا تتحقّق الظرفية بدونه. ومن الواضح توقّف صدق الاشتمال على اللبس ، فمجرد المصاحبة من دون صدق اللبس المستلزم لنوع من الاشتمال لا يحقق الظرفية بلا إشكال ، فلا يصدق الصلاة في الذهب إلا إذا كان لابساً له.

وأمّا فيما لا يؤكل فإنّما ترفع اليد عن ظهور كلمة « في » الواردة في قوله عليه‌السلام في موثقة ابن بكير : « فالصلاة في وبره وشعره وروثه وبوله وألبانه وكلّ شي‌ء منه فاسدة ... » إلخ (٢) في الظرفية ، وتحمل على مطلق المصاحبة لمكان‌

__________________

(١) في الصفحة الآتية.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٤٥ / أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ١.

٣١١

القرينة ، وهي ذكر البول والروث والألبان ، لعدم اتخاذ اللباس منها كي تكون ظرفاً للمصلّي ، فلأجله تحمل على الظرفية الموسّعة الشاملة لمطلق المصاحبة فينتج بطلان الصلاة في المحمول والملبوس.

ومثل هذه القرينة مفقودة في المقام ، فلا مقتضي لرفع اليد عن ظهور « في » في الظرفية. فقياس المقام بذاك الباب مع الفارق.

والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ المستفاد من الأخبار وعمدتها موثقة عمار وصحيحة علي بن جعفر (١) حرمة لبس الذهب ، فما صدق عليه هذا العنوان حرم لبسه والصلاة فيه ، من غير فرق بين الخالص والمغشوش بمقتضى الإطلاق ، وما لم يصدق كما في المطرّز وما سداه من الذهب دون اللحمة أو العكس ، وما كان ممزوجاً بغير الذهب بكمية متساوية جاز لبسه والصلاة فيه لخروجه عن منصرف الأخبار. فالحكم دائر مدار صدق اللبس وعدمه.

وهل التزيّن بالذهب بعنوانه محرّم على الرجال وإن لم يصدق عليه اللبس كما صرّح به الماتن قدس‌سره في المسألة (٢٣) الآتية أو لا؟ وعلى الأوّل فهل توجب الحرمة بطلان الصلاة أو لا؟

أمّا الحرمة النفسية فالمعروف ذلك ، بل في الجواهر دعوى الإجماع عليها بقسميه (٢) فان تمّ الإجماع ولم يتمّ ، لاحتمال استناد المجمعين إلى ما ستعرف وإلا فتتميم ذلك بالدليل مشكل جدّاً ، فانّ ما يستدلّ به عدة أخبار لا تخلو عن شوائب الإشكال.

منها : رواية روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تتختّم بالذهب فإنّه زينتك في الآخرة » (٣).

__________________

(١) المتقدمتان في ص ٣٠٤.

(٢) الجواهر ٤١ : ٥٤.

(٣) الوسائل ٤ : ٤١٢ / أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ١.

٣١٢

ومنها : رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام : « أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام : إني أُحبّ لك ما أُحبّ لنفسي ، وأكره لك ما أكره لنفسي ، لا تتختّم بخاتم ذهب فإنّه زينتك في الآخرة » (١).

ومنها : رواية حنّان بن سدير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سمعته يقول : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : إياك أن تتختّم بالذهب فإنّه حليتك في الجنة ... » إلخ (٢).

دلّت هذه الأخبار على أنّ علّة المنع من التختّم بالذهب كونه من الزينة المختصة بالآخرة ، فيظهر منها أنّ مطلق التزيّن بالذهب حرام في الدنيا على الرجال ، صدق عليه اللبس أم لا.

ولا يخفى أنّ الخبرين الأخيرين وإن لم يتم سندهما إلا أنّ الخبر الأوّل موثّق ، فانّ روح بن عبد الرحيم وثّقه النجاشي ، وكذا غالب بن عثمان (٣) الذي هو المنقري ، وإن قيل بكونه واقفياً ، فانّ الوقف لا ينافي الوثاقة. وأحمد بن محمد ثقة ، سواء أُريد به ابن خالد أم ابن عيسى كما لا يخفى. واعتبار باقي رجال السند غني عن التوضيح. فلا وجه لتعبير بعض عنه بالخبر المشعر بالضعف كما لا وجه لدعوى انجبار ضعفها بعمل الأصحاب كي يتطرّق إليها الإشكال بمنع الانجبار كما تكرر منّا غير مرة ، وذلك لصحة سند الخبر الأوّل ، وفيه غنى وكفاية فلا حاجة إلى الجابر.

إنما الإشكال من حيث الدلالة ، فإنّه يتوجّه عليها :

أوّلاً : احتمال أن يكون الحكم من مختصّات أمير المؤمنين عليه‌السلام كما لا يأباه سياقها من توجيه الخطاب إليه عليه‌السلام خاصة ، سيما قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في خبر أبي الجارود : « انّي أُحبّ لك ما أُحبّ لنفسي وأكره لك‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤١٤ / أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ٦.

(٢) الوسائل ٤ : ٤١٦ / أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ١١.

(٣) رجال النجاشي : ١٦٨ / ٤٤٤ ، ٣٠٥ / ٨٣٥.

٣١٣

ما أكره لنفسي » الكاشف عن مزيد عناية واهتمام بشأنه عليه‌السلام فخصّه بحكم دون غيره.

ويؤيّده : قول علي عليه‌السلام في رواية عبيد الله بن علي الحلبي المتقدمة سابقاً (١) : « نهاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أقول نهاكم عن التختّم بالذهب ... » إلخ ، غايته أنّه ثبت من الخارج شمول هذا الحكم اعني التختّم بل مطلق لبس الذهب لغيره أيضاً ، فيرفع اليد عن ظهوره في الاختصاص بمقتضى الروايات الأُخر بتقريب تقدّم سابقاً (٢) ، وأمّا في المقام فلم يثبت التعدّي ، فلا بد من التحفظ على الظهور ، ولا أقلّ من الاقتصار على المتيقّن وهو علي عليه‌السلام إذ لا إطلاق فيها يعمّ غيره كما هو ظاهر.

وثانياً : أنّ الاستدلال بهذه الأخبار مبني على أن تكون الزينة فيها بمعناها الحدثي والعنوان المصدري أعني التزيّن ولا شاهد عليه ، بل هو بعيد عن سياقها ، فانّ مرجع الضمير في قوله عليه‌السلام : « فإنّه زينتك في الآخرة » نفس الخاتم الذهبي لا التختّم به كما لا يخفى. فلو أُريد بالزينة المعنى المصدري والمفهوم الحدثي فكيف يمكن حمله على الذات.

فالظاهر أنّ المراد بالزينة فيها ما يتزيّن به ، أعني نفس الذوات والأعيان الخارجية المعدّة للتزيّن بها كالخاتم والسوار والقرط والخلخال ونحوها ، فإنّها بأنفسها هي الزينة ، نظير ما تقدّم سابقاً في تفسير قوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) إلخ (٣) وكلّ ذلك من الملبوس ، إذ ليس غيره معدّاً للتزيين بحسب المتعارف الخارجي.

وحاصل المعنى حينئذ : أنّ الخاتم الذهبي الذي هو مورد هذه الأخبار شي‌ء‌

__________________

(١) في ص ٣٠٦.

(٢) في ص ٣٠٦.

(٣) النور ٢٤ : ٣١.

٣١٤

بل الأقوى اجتناب الملحّم والمذهّب بالتمويه والطلي إذا صدق عليه لبس الذهب (*) (١).

______________________________________________________

يتزيّن به في الآخرة ، وحلية مختصة بها ، فلا يشرع لبسه والتمتع به في الدنيا فلا دلالة فيها على المنع عن مطلق التزيّن بالذهب كما لا يخفى فتدبر جيداً.

فالحرمة النفسية غير ثابتة. وعلى تقدير التسليم فلا دليل على الحرمة الوضعيّة وبطلان الصلاة بذلك ، إذ النهي في الأخبار منوط بعنوان اللبس المفقود في الفرض. وليس التزيّن بنفسه متحداً مع الصلاة لا جزءاً ولا شرطاً كي يسري النهي إليها فتفسد العبادة ، بل هو من المقارنات والملابسات واللوازم الاتفاقية فيه نظير النظر إلى الأجنبية أثناء الصلاة التي لا توجب تعلّق النهي بالعبادة نفسها كما هو ظاهر جدّاً.

والمتحصّل من جميع ما مرّ : أنّ الثابت بحسب الأدلة حرمة لبس الذهب وبطلان الصلاة فيه ، وأمّا التزيّن فهو بنفسه غير محرم ، وعلى تقديره لا دليل على بطلان الصلاة معه.

(١) أمّا الملحّم أي ما كانت لحمته من الذهب ، واللحمة هي الخيوط العرضية عند النسج التي يلتحم بها السدي وهي الخيوط الطوليّة ويعبّر عنهما بالفارسية بـ ( تار وپود ) فبناءً على اختصاص الحرمة باللباس يجوز لبسه والصلاة فيه ، لعدم صدق لبس الذهب كما مرّ ، وبناءً على التعميم لمطلق التزين يحرم لبسه دون الصلاة فيه كما عرفت آنفاً.

وأمّا المموّه أي ما صبغ بماء الذهب بحيث يخيّل أنّه الذهب ، فيوجب التمويه والتلبيس فلا إشكال في الجواز والصحة حتى بناءً على حرمة التزين ، إذ الحرام إنّما هو التزين بالذهب لا بمائه من دون أن يشتمل على العين كما هو‌

__________________

(*) نعم ، إلا أنّ في صدقه في كثير من أقسام المموّه والمطلي والممزوج وفي بعض أقسام الملحم إشكالاً بل منعاً.

٣١٥

ولا فرق بين ما تتم فيه الصلاة وما لا تتم كالخاتم والزر (*) ونحوهما (١).

______________________________________________________

الفرض ، فإنّه لون محض ، نظير الثوب المصبوغ بالدم الذي تجوز الصلاة فيه بعد التطهير وزوال العين. نعم ، تبقى هناك لا محالة أجزاء دقيقة وذرات صغيرة بحسب الدقة العقلية ، لاستحالة انتقال العرض من دون محلّه ، لكن العبرة بالنظر العرفي دون التدقيق الفلسفي.

وأمّا المطلي : فإن أُريد به المموّه فقد عرفت حكمه ، وإن أُريد به ما طلي بالذهب مع بقاء العين كورقة خفيفة بحيث يكون هناك جسم على جسم ، فبناءً على اختصاص التحريم باللباس لا ريب في الجواز والصحة ، إذ ليس هذا لبساً للذهب ، فهو كالملحّم والمطرّز في أنّ الذهب غير ملبوس والملبوس غير الذهب ، بل شي‌ء عليه الذهب ، وبناءً على التعميم للزينة يحرم لبسه والتزيّن به دون الصلاة معه كما علم مما مرّ.

ثم إنّه قيّد في المتن المنع عن هذه الأُمور بما إذا صدق عليه لبس الذهب. والأولى بناءً على مسلكه من تعميم الحرمة لمطلق التزين كما سيصرّح به في ذيل مسألة ٢٣ الآتية أن يضيف عليه قوله : أو صدق عليه التزين بالذهب. إذ لا وجه للتخصيص بالأوّل بعد عدم دوران الحكم مدار اللبس كما يرتئيه قدس‌سره.

(١) أمّا ما كان من الملبوس كالخاتم فلا ينبغي الإشكال في حرمة لبسه لإطلاق النصوص التي عمدتها موثقة عمار وصحيحة علي بن جعفر كما مرّ ، بل في الأخير قد صرّح بذلك فلاحظ (١) ، بل إنّ النهي عن لبس الذهب منصرف في حدّ نفسه إلى مثل الخاتم ونحوه مما لا تتم الصلاة فيه ، إذ لم يعهد صنع ثوب أو سروال منسوج بأجمعه من الذهب ، وإن كان على تقدير الصنع مشمولاً‌

__________________

(*) لا يبعد الجواز فيه وفي أمثاله مما لا يصدق عليه عنوان اللبس.

(١) ص ٣٠٤.

٣١٦

نعم ، لا بأس بالمحمول منه مسكوكاً أو غيره (١)

______________________________________________________

للأخبار كما عرفت لكنه غير متعارف خارجاً.

كما لا ينبغي الإشكال في بطلان الصلاة فيه ، لا لخبر موسى بن أكيل النمري المتقدّم (١) كي يناقش فيه بضعف السند كما عن المحقّق في المعتبر (٢) ولأجله تردّد فيه ، بل لإطلاق موثّقة عمار ، المؤيّد بهذا الخبر وبرواية الخصال قال عليه‌السلام : « ويجوز أن تتختّم بالذهب وتصلّي فيه ، وحرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد » (٣).

وأمّا ما كان من غيره كالأزرار التي تعدّ جزءاً من اللباس دون أن تكون ملبوسة بأنفسها فحالها حال الملحّم والمطرّز ، بل الأمر فيها أهون منهما كما لا يخفى ، وقد عرفت عدم صدق لبس الذهب حينئذ. فإن بنينا على حرمة مطلق التزين حرم لبس الثوب المشتمل على تلك الأزرار ، وإلا كما هو الأقوى فلا. وأمّا الصلاة معها فهي صحيحة على كل حال.

(١) أمّا جواز حمله تكليفاً فلا إشكال فيه ، كما لا خلاف ، لعدم صدق عنوان اللبس ولا التزين ، مضافاً إلى استقرار السيرة على ذلك سيما في المسكوك ، فانّ المعاملات كانت معه غالباً ، ولم تكن الأوراق النقدية متداولة إلا في الأزمنة المتأخرة ، فكانت تحمل سيما في الأسفار ، وقد ورد الأمر بشدّ الحاج نفقته على بطنه ، وهذا ظاهر.

وأمّا الصلاة معه فربما يحتمل بل يقال بعدم الجواز ، استناداً إلى قوله عليه‌السلام في موثّقة عمار المتقدّمة (٤) : « لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه » ‌

__________________

(١) ذكر مصدره في ص ٣٠٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٩٢.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٨٠ / أبواب لباس المصلي ب ١٦ ح ٦ ، الخصال : ٥٨٨ / ١٢.

(٤) في ص ٣٠٤.

٣١٧

فانّ مرجع الضمير نفس الذهب ، لا الذهب الملبوس ، فقد جعل الذهب موضوعاً لحكمين : أحدهما حرمة لبسه ، والآخر عدم جواز الصلاة فيه.

وعليه فالمراد من كلمة « في » مطلق المصاحبة لا خصوص الظرفية كي تختص بالملبوس ، فحال المقام حال ما تقدّم فيما لا يؤكل من إرادة مطلق المصاحبة.

ويندفع أوّلاً : بأنّ مرجع الضمير وإن كان هو الذهب نفسه لا لبسه كما ذكر لكنّا نستفيد الاختصاص به من كلمة « في » الظاهرة في الظرفية ، فيختص الحكم بما كان له نوع اشتمال على المصلّي ولو على بعضه ، تحقيقاً للظرفية المستندة إلى الصلاة باعتبار المصلّي ، وإلا فالذهب لا يكون ظرفاً للصلاة نفسها كما لا يخفى.

وبالجملة : الحمل على مطلق المصاحبة خلاف ظاهر الظرفية لا يصار إليه بدون القرينة المفقودة في المقام. نعم ، هي موجودة بالنسبة إلى ما لا يؤكل وهي ذكر البول والروث والألبان في موثق ابن بكير (١) ، إذ لا معنى للاشتمال والظرفية بالنسبة إليها ، فتحمل على الظرفية الموسّعة أو مطلق المصاحبة كما تقدّم سابقاً (٢).

وثانياً : مع الغض عمّا ذكر فالسيرة مانعة عن التعدّي إلى المحمول ضرورة أنّ المعاملات كانت في الزمن السابق وقد أدركناه بالجنسين غالباً سيما المسكوك ، وإنّما تداولت الأوراق النقدية في الأزمنة المتأخّرة كما مرّ ، ولا ريب أنّ السيرة كانت قائمة على حملها حال الصلاة ، إذ لم يعهد النزع ولم ينقل عن أحد ، فلو كانت الصلاة معها باطلة لاشتهر وبان وكان من الشائعات الواضحات.

__________________

(١) المتقدم في ص ١٦٨.

(٢) في ص ١٧٠.

٣١٨

كما لا بأس بشد الأسنان (*) به (١). بل الأقوى أنّه لا بأس بالصلاة فيما جاز فعله فيه من السلاح كالسيف والخنجر ونحوهما (**) ، وإن أُطلق عليهما اسم اللبس لكن الأحوط اجتنابه (٢).

______________________________________________________

(١) أمّا إذا لم يكن ظاهراً بأن كان الشدّ في أحد طرفي الفم أو من ناحية الباطن فلا إشكال في الجواز حتّى إذا لُبس السن بالذهب ، فضلاً عن الشدّ ، إذ لا يصدق عليه أنّه لبس الذهب ، كما لا يصدق التزين به.

وأمّا إذا كان ظاهراً كما في الثنايا فعلى المختار من عدم حرمة التزين لا إشكال في الجواز ، وعلى القول الآخر يحرم نفساً لا وضعاً كما مرّ غير مرة.

وربما يستدلّ للجواز بصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث : « أنّ أسنانه عليه‌السلام استرخت فشدّها بالذهب » (١).

وفيه أوّلاً : أنّه حكاية فعل لا لسان له ، ولعلّ الأسنان كانت مخفيّة ، فلا تدلّ على الجواز في الأسنان الظاهرة المتضمّنة للتزين.

وثانياً : أنّ شدّه عليه‌السلام كان لمكان الاسترخاء كما نصّ عليه ، فيظهر أنّ ذلك كان من جهة الاحتياج والاضطرار الذي يبيح كلّ محظور فلا يدلّ على الجواز حال الاختيار الذي هو محلّ الكلام.

فالأولى في الاستدلال ما عرفت من منع المقتضي وعدم الدليل على التحريم على التفصيل الذي سبق.

(٢) أمّا أصل التحلية فلا ريب في جوازها كما في سائر موارد التحلي ، فلا‌

__________________

(*) بل لا بأس بتلبيس السن بالذهب.

(**) الموجود في النصّ جواز تحلية السيف بالذهب أو جعل نعله منه ولا يصدق لبس الذهب في شي‌ء منهما ، وأما فيما صدق ذلك كما إذا جعل نفس السيف أو قرابة من الذهب فعدم جواز لبسه والصلاة فيه لا يخلو من قوة.

(١) الوسائل ٤ : ٤١٦ / أبواب لباس المصلّي ب ٣١ ح ١.

٣١٩

وأمّا النساء فلا إشكال في جواز لبسهنّ وصلاتهنّ فيه (١).

______________________________________________________

ينبغي التكلّم فيه.

وأمّا لبس السلاح المحلّى بالذهب فلا بأس به بناءً على اختصاص التحريم بلبس الذهب ، لعدم صدقه على المقام ، إذ هو لبس شي‌ء محلّى بالذهب ، لا أنّه لبس للذهب نفسه ، فهو نظير لبس المطرّز ونحوه مما مرّ.

بل إنّ الأخبار الواردة في جواز تحلية السيوف بنفسها دالة على ذلك بالملازمة العرفيّة ، إذ لا يراد تحليتها ووضعها في الرفّ مثلاً دون أن ينتفع بها بل يحلّى للانتفاع المتوقّف غالباً على اللبس.

نعم ، بناءً على تعميم التحريم لمطلق التزين حرم اللبس حينئذ ، لأنّه تزين. وأما الصلاة فجائزة على كل تقدير كما مرّ مراراً.

هذا كلّه فيما إذا كان السيف محلّى ، وأمّا إذا كان بتمامه ذهباً فلا ينبغي الإشكال في حرمة لبسه وبطلان الصلاة فيه ، ويعلم وجهه مما مرّ فتذكر.

(١) أمّا جواز اللبس فلا ريب فيه ولا خلاف ، لقصور المقتضي ، فإنّ الأخبار المانعة خاصة بالرجال ، مضافاً إلى الأخبار الدالّة على الجواز صريحاً كصحيح أبي الصباح قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذهب يحلّى به الصبيان؟ قال : كان علي عليه‌السلام يحلّي ولده ونساءه بالذهب والفضة » (١).

وصحيح داود بن سرحان قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذهب يحلّى به الصبيان ، فقال : إنّه كان أبي ليحلّي ولده ونساءه الذهب والفضة ، فلا بأس به » ونحوهما غيرهما (٢).

وأمّا جواز الصلاة فكذلك ، لاختصاص المنع بالرجل ، فيرجع في غيره إلى الأصل بناءً على ما هو الصحيح من جريانه في دوران الأمر بين الأقل والأكثر‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٠٣ / أبواب أحكام الملابس ب ٦٣ ح ١ ، ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ١٠٣ / أبواب أحكام الملابس ب ٦٣ ح ١ ، ٢.

٣٢٠