موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٢

الشيخ مرتضى البروجردي

لكن إن علم به في أثناء الصلاة وجبت المبادرة إلى سترها (*) وصحت أيضاً ، وإن كان الأحوط الإعادة بعد الإتمام خصوصاً إذا احتاج سترها إلى زمان معتد به (١).

[١٢٦٤] مسألة ١٢ : إذا نسي ستر العورة ابتداءً أو بعد التكشّف في الأثناء فالأقوى صحة الصلاة (٢) وان كان الأحوط الإعادة ، وكذا لو تركه من أول الصلاة أو في الأثناء غفلة. والجاهل بالحكم كالعامد على الأحوط.

______________________________________________________

(١) أمّا إذا كانت العورة المعلوم كشفها مستورة حال العلم فلا ينبغي الإشكال في الصحة أيضاً ، لما عرفت من حديث لا تعاد والصحيحة المزبورة التي لا قصور في شمول إطلاقها لهذه الصورة كما سبق (١).

وأمّا إذا كانت مكشوفة في هذه الحالة فالظاهر البطلان ، سواء احتاج الستر إلى زمان طويل أم قصير ، مع فعل المنافي أم بدونه ، إذ الحديث لا يشمل صورة العلم والعمد ، كما أنّ الصحيح منصرف عنها أو قاصر الشمول لها على ما تقدّم ومعه لا مناص من البطلان ، للإخلال بالستر المعتبر حتّى في الأكوان المتخلّلة بمقتضى إطلاق الأدلّة. ومن ثم يحكم بلزوم المبادرة لو التزمنا بالصحة ، نعم يحكم بها عند ضيق الوقت لأهميته الموجبة لسقوط اعتبار الستر حينئذ ، وقد تقدّم في الأمة المعتقة في الأثناء ما ينفع المقام فلاحظ (٢).

(٢) يظهر الحال في هذه المسألة مما قدمناه في المسألة السابقة ، ففي صورة النسيان أو الغفلة إذا كان حال الالتفات ساتراً للعورة صحت صلاته ، لحديث لا تعاد ولصحيح ابن جعفر ، لكونها المتيقّن منهما كما لا يخفى ، دون ما إذا كان كاشفاً لها ولو آناً ما ، إذ الحديث لا يشمل الإخلال العمدي ، كما أنّ الصحيح‌

__________________

(*) الظاهر بطلان الصلاة مع العلم به في الأثناء ، والأحوط الإتمام ثم الإعادة ، ومنه يظهر الحال في المسألة الآتية.

(١) في ص ١١٣.

(٢) ص ١١١ فما بعدها.

١٢١

[١٢٦٥] مسألة ١٣ : يجب الستر من جميع الجوانب بحيث لو كان هناك ناظر لم يرها إلا من جهة التحت فلا يجب (١). نعم إذا كان واقفاً على طرف سطح أو على شباك بحيث ترى عورته لو كان هناك ناظر فالأقوى والأحوط وجوب الستر من تحت أيضاً (٢).

بخلاف ما إذا كان واقفاً على طرف بئر ، والفرق من حيث عدم تعارف وجود الناظر في البئر فيصدق الستر عرفاً وأما الواقف على طرف السطح لا يصدق عليه الستر إذا كان بحيث يرى ، فلو لم يستر من جهة التحت بطلت صلاته وإن لم يكن هناك ناظر ، فالمدار على الصدق العرفي ومقتضاه ما ذكرنا.

______________________________________________________

منصرف عن ذلك على ما تقدم.

وأمّا في صورة الجهل بالحكم فان كان عن قصور فكذلك ، بناءً على ما هو الصواب من شمول الحديث له ، وأمّا إن كان عن تقصير وهو الغالب فحيث إنّه غير مشمول للحديث كما أنّه خارج عن مورد الصحيح فهو في حكم العامد ، ولا مناص له من الإعادة.

(١) كما يقتضيه الاقتصار في لسان الأخبار على لبس القميص والدرع ونحوهما مما لا يكاد يستر من جانب التحت ، وعدم الإشارة في شي‌ء منها إلى لبس السروال ونحوه ، فإنّه خير دليل على عدم لزوم الستر مما عدا الجوانب الأربعة ، مضافاً إلى أنّ الحكم مورد للاتفاق والإجماع لولا الضرورة.

(٢) فإنّ قصر النظر على ما احتوته الأدلّة اللفظية وإن كان مقتضاه الاكتفاء بالجوانب الأربعة على سبيل الإطلاق إلا أنّ إمعان النظر في العلة الباعثة على إيجاب الستر من التجنب عن انتهاك الحرمة وعدم كون المصلي على حالة سيئة ذميمة لعلّه يشرف الفقيه ولو بمناسبة الحكم والموضوع على القطع بعدم الفرق بينها وبين التحت فيما إذا كان معرضاً للنظر ، كما لو وقف على سطح مخرم أو شباك أو على طرف السطح ، للاشتراك وقتئذ في مناط الحكم ، فلا بدّ من رعاية الستر حينئذ حتى من جانب التحت.

١٢٢

[١٢٦٦] مسألة ١٤ : هل يجب الستر عن نفسه بمعنى أن يكون بحيث لا يرى نفسه أيضاً أم المدار على الغير؟ قولان الأحوط الأول ، وإن كان الثاني لا يخلو عن قوة (١)

______________________________________________________

ولا ينافيه الاكتفاء في النصوص على القميص ، لكونها ناظرة إلى ما هو الغالب المتعارف من وقوف المصلّي على أرض غير مثقوبة وسليمة عن المعرضية للنظر من جانب التحت. أمّا غير السليمة فحالها حال سائر الجوانب في لزوم مراعاة الستر وإن لم يكن ناظر بالفعل ، للوجه الذي عرفته وإن لم يكن النصّ شاملاً لها.

نعم ، إذا كانت الأرض مع ثقبها سليمة عن المعرضية كالصلاة على شفير البئر حيث إنّ خصوصية البئر مانعة في حدّ طبعها عن وجود الناظر لم يجب الستر حينئذ (١).

وبالجملة : فالعبرة بالمعرضية ، والمدار على الصدق العرفي ، ومقتضاه ما عرفت. وهو المحكي عن غير واحد منهم العلامة في التذكرة (٢) والنهاية (٣). فما عن الشهيد في الذكرى من الترديد في الصحة في الواقف على طرف السطح والجزم بها في القائم على مخرم (٤) غير واضح ، لما عرفت من أنّ العبرة بالمعرضية المشتركة بين الموردين والمنفيّة عن مثل البئر فلاحظ.

(١) لانصراف النص والفتوى إلى التستر بلحاظ الغير ، وقصورهما عن‌

__________________

(١) والإشكال عليه كما في المستمسك [ ٥ : ٢٧٢ ] بأنّ لازمه جواز الصلاة عارياً في الحفيرة التي يساوي فراغها بدن المصلي ، مدفوع بمنع الملازمة ، لمانعية العراء في نفسه بعد دلالة النصوص على لزوم لبس الساتر سواء أكان بالفعل ناظر أم لا ، ولا عراء في محل الكلام ، غايته عدم الحاجة إلى الستر في بعض الصور دون بعض لفارق ظاهر حسبما عرفت.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٦٢.

(٣) نهاية الاحكام ١ : ٣٧٢.

(٤) الذكرى ٣ : ٢٠.

١٢٣

فلو صلى في ثوب واسع الجيب بحيث يرى عورة نفسه عند الركوع لم تبطل (١) على ما ذكرنا (*) والأحوط البطلان ، هذا إذا لم يكن بحيث قد يراها غيره أيضاً وإلا فلا إشكال في البطلان.

[١٢٦٧] مسألة ١٥ : هل اللازم أن تكون ساتريته في جميع الأحوال حاصلاً من أول الصلاة إلى آخرها أو يكفي الستر بالنسبة إلى كل حالة عند تحققها؟ مثلاً إذا كان ثوبه مما يستر حال القيام لا حال الركوع فهل تبطل الصلاة فيه وإن كان في حال الركوع يجعله على وجه يكون ساتراً أو يتستر عنده بساتر آخر ، أو لا تبطل؟ وجهان ، أقواهما الثاني (٢) وأحوطهما الأول ، وعلى ما ذكرنا فلو كان ثوبه مخرقاً بحيث تنكشف عورته في بعض الأحوال لم يضر إذا سدّ ذلك الخرق في تلك الحالة بجمعة أو بنحو آخر ،

______________________________________________________

الشمول لنفسه ، فلا مانع من الصلاة في كيس ساتر لجميع بدنه عن الناظر المحترم وإن رأى بنفسه عورته فيه ، إذ لا دليل على اعتبار التستر بلحاظ نفسه كما عرفت ، فالكبرى مما لا ينبغي الإشكال فيها ، وإنّما الكلام في الصغرى أعني المثال الذي فرّعه عليها وستعرف الحال فيها.

(١) هذا التفريع غير واضح ، إذ العبرة في المعرضية الممنوعة بإمكان النظر لا بفعليته ، وفي مفروض المثال تكون العورة في معرض نظر الغير أيضاً فيما لو أنزل رأسه ليتكلّم مع المصلّي ، فإنّه يراها حينئذ من طرف الجيب الواسع كما يراها المصلي نفسه ، لاتحاد النسبة ومساواتهما في مناط المعرضية كما لعله ظاهر.

فالصحيح : أنّ هذا المثال مندرج في الفرض الأخير أعني ما إذا كان بحيث يراها الغير أيضاً الذي جزم فيه بالبطلان.

(٢) إذ لا يستفاد من الأدلّة أكثر من رعاية الستر في حالات الصلاة‌

__________________

(*) الظاهر البطلان في المثال ، ولعل الوجه فيه ظاهر.

١٢٤

ولو بيده على إشكال في الستر بها (*) (١).

[١٢٦٨] مسألة ١٦ : الستر الواجب في نفسه من حيث حرمة النظر يحصل بكل ما يمنع عن النظر (٢) ولو كان بيده أو يد زوجته أو أمته ، كما أنّه يكفي ستر الدبر بالأليتين (٣) وأما الستر الصلاتي فلا يكفي فيه ذلك ولو حال الاضطرار ، بل لا يجزئ الستر بالطلي بالطين أيضاً حال الاختيار ، نعم يجزئ حال الاضطرار على الأقوى ، وإن كان الأحوط خلافه ، وأمّا الستر بالورق والحشيش فالأقوى جوازه حتى حال الاختيار (٤)

______________________________________________________

الفعلية. وعدم التستر على تقدير غير واقع غير قادح بعد فرض حصول الستر في جميع تلك الحالات.

وعلى الجملة : الذي اقتضته الأدلّة لزوم عدم وقوع شي‌ء من أجزاء الصلاة في حالة كونه مكشوف العورة ، وهو حاصل في مفروض المسألة ، ولا تكاد تدلّ على شي‌ء أكثر من ذلك.

(١) أظهره عدم الكفاية ، إذ المستفاد من الأدلّة اعتبار كون الساتر الصلاتي من اللباس ، ولا يكفي غيره. فالستر باليد ولو في بعض الأحوال غير مسقط للتكليف.

(٢) بلا خلاف فيه ولا إشكال. ويقتضيه إطلاق الأدلّة ، من غير خصوصية لساتر خاص بعد وضوح أنّ الغاية من التستر المنع عن وقوع النظر ، فيحصل بكلّ ما منع وكيف ما تحقق ، وهذا واضح.

(٣) لاختصاص العورة به وعدم كونهما منها فيصلحان للستر ، وقد عرفت آنفاً الاكتفاء بكلّ ساتر ، مع أنّه مورد للنصّ وإن كان ضعيفاً (١).

(٤) يقع الكلام تارة فيما يقتضيه الأصل العملي عند الشك في اعتبار‌

__________________

(*) الظاهر عدم كفاية الستر باليد.

(١) الوسائل ٢ : ٣٤ / أبواب آداب الحمام ب ٤ ح ٢ ، ٣.

١٢٥

خصوصية في الساتر الصلاتي ، وأُخرى فيما يقتضيه الدليل الاجتهادي ، فهنا مقامان :

أمّا المقام الأوّل : فلا ينبغي التأمل في أنّ مقتضى الأصل هو البراءة عن اعتبار الخصوصيات المشكوكة في الساتر زائداً على اعتبار أصل الستر المعلوم رعايته في الصلاة ، بناءً على ما هو الصواب من الرجوع إليها عند الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين.

ولكنّه ربما يفصّل في المقام بين ما إذا كان الشك في اعتبار هيئة خاصة في الساتر بعد الفراغ عن كفاية الستر بمادته كاحتمال اعتبار النسج في الصوف أو القطن أو الوبر وما شاكلها مما له قابلية النسج واللبس فالمرجع حينئذ أصالة البراءة ،

للشك في الشرطية ، فتدفع الخصوصية الزائدة المشكوكة بها. وبين ما إذا كان الشك في كفاية أصل المادة في تحقق الستر المأمور به ، كالشك في الاجتزاء بالتستر بالطين أو النورة أو الحناء ونحوها من المواد التي يحتمل اعتبار خصوصية في المأمور به وهي القابلية للبس غير منطبقة عليها ، فانّ المقام حينئذ من مصاديق الدوران بين التعيين والتخيير ، للشك في أنّ الساتر المزبور هل هو مقيّد بذلك تعييناً ، أو أنّ المكلّف مخيّر بينه وبين الفاقد لتلك القابلية. والمرجع في مثل ذلك قاعدة الاشتغال.

ويندفع : بأنّ المرجع في الصورة الثانية أيضاً هو البراءة كالأُولى ، إذ الخصوصية التي يحتمل معها التعيين مشكوكة تدفع بالأصل ، على ما هو الشأن في كل مسألة فرعية دار الأمر فيها بينه وبين التخيير ، فانّ المتيقّن من التكليف إنّما هو الطبيعي الجامع المردد بينهما ، والخصوصية المشكوكة مدفوعة بأصالة البراءة. ونتيجة ذلك هو البناء على التخيير ، كما هو الحال في الأقل والأكثر الارتباطيين ، بل إنّ أحدهما عين الآخر ، ولا فرق إلا في مجرد التعبير كما أشرنا إليه في مطاوي هذا الشرح غير مرة.

وأمّا المقام الثاني : فالكلام فيه تارة في حال الاختيار ، وأُخرى عند‌

١٢٦

الاضطرار ، فهنا موضعان :

أمّا الموضع الأوّل : فقد دلّت جملة من النصوص على اعتبار كون الساتر لباساً من ثوب أو قميص ونحوهما.

منها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم ، يصلّي فيه أو يصلّي عرياناً؟ قال : إن وجد ماءً غسله ، وإن لم يجد ماء صلى فيه ، ولم يصلّ عرياناً » (١) دلّت على حكمين :

أحدهما : لزوم الصلاة في الثوب الطاهر لدى التمكن منه.

ثانيهما : إن لم يجده صلى في الثوب النجس ولا يصلي عرياناً.

والحكم الثاني وإن كان معارضاً بنصوص أُخر دلت على أنّه يصلي حينئذ عارياً ، بل هو المشهور ، لكن الحكم الأوّل الذي هو محلّ الاستشهاد لا معارض له كما لا خلاف فيه ولا إشكال. ومن الواضح أنّ ستر العورة بغير المنسوج من الصوف أو القطن أو الحشيش لا يصدق عليه لبس الثوب ، بل هو بعد عارٍ وإن كانت عورته مستورة ، فانّ العاري في مقابل اللابس ، وحيث لم يكن لابساً بالوجدان فهو طبعاً مصداق للعاري ، وقد منع في الصحيحة عن الصلاة كذلك مع التمكّن من الثوب الطاهر.

ومنها : النصوص التي دلّت على أنّ أدنى ما يصلي فيه الرجل قميص أو المرأة درع وملحفة أو خمار ومقنعة وما شاكل ذلك (٢) ، فانّ المستفاد من مجموعها لزوم لبس ما يصدق عليه اللباس في الصلاة.

نعم ، لا خصوصية لهذه العناوين ، فلو صلّت المرأة في ثوب واحد طويل ساتر لجميع بدنها عدا ما استثني ، أو الرجل في مئزر ونحوه ممّا يستر به سوءته صحت صلاتهما. إلا أنّ الساتر مهما كان يلزم أن يكون من سنخ اللباس‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٨٤ / أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٥.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٨٩ / أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ١ ، ٢ ، ٤٠٥ / ب ٢٨.

١٢٧

ضرورة أنّ إلغاء هذه الخصوصية وعدم رعاية الملبوسية لكي يكتفى بالحشيش أو الصوف والقطن غير المنسوجين مخالف لظواهر هذه النصوص جدّاً ، فلا يمكن رفع اليد عنها بوجه.

ومما يؤكّد ذلك صحيحة أُخرى لعلي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال : إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم » (١).

حيث يظهر منها بوضوح أنّ المرتكز في ذهن السائل أنّه لو كان متاعه عنده والمتيقّن منه لباسه الذي بفقده أصبح عرياناً لزمته الصلاة لابساً ، بحيث كأنّه أمر مفروغ عنه ، ولذا سأل عن حكم صورة الاضطرار والعجز عن اللباس ، وقد أقرّه الإمام عليه‌السلام على ذلك ، ومن ثم لم يتعرض في الجواب إلا لحكم هذه الصورة. فيكون ذاك الارتكاز بضميمة التقرير كاشفاً عن اعتبار اللباس في حال الاختيار.

ويؤيّده ما رواه الحميري بسنده عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام أنه قال : « من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتى يخاف ذهاب الوقت ، يبتغي ثياباً ، فان لم يجد صلّى عرياناً جالساً » (٢) فإنّ الستر بالحشيش ونحوه مما لا يلبس لو كان كافياً وكان في عرض الستر باللباس لما كان وجه للأمر بتأخير الصلاة إلى آخر الوقت وأنّه بعد اليأس من الثوب يصليها عارياً ، بل له ذلك من أوّل الوقت مع ستر عورته بالحشيش ونحوه. لكن السند ضعيف (٣) بأبي البختري فلا تصلح إلا للتأييد.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٤٨ / أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٤٥١ / أبواب لباس المصلي ب ٥٢ ح ١ ، قرب الإسناد : ١٤٢ / ٥١١.

(٣) وكذلك الدلالة عند المشهور ، حيث يحملون كلمة « لا ينبغي » على الكراهة.

١٢٨

لكن الأحوط الاقتصار على حال الاضطرار (*) (١) وكذا يجزئ مثل القطن والصوف غير المنسوجين وإن كان الأولى المنسوج منهما أو من غيرهما مما يكون من الألبسة المتعارفة.

______________________________________________________

والمتحصّل : أنّ المستفاد من الأدلّة أنّه في حال الاختيار لا يكفي التستر إلا بالثوب ونحوه مما كان من سنخ الملبوس ، ولا يجزئ غير اللباس من صوف أو قطن غير منسوجين فضلاً عن مثل الحشيش.

وأمّا الموضع الثاني : فالظاهر جواز التستر بتلك الأُمور من القطن والصوف والحشيش ونحوها في حالة الاضطرار وعدم التمكن من اللباس ، وذلك لصحيحة علي بن جعفر الثانية المتقدّمة (١) ، حيث رخص عليه‌السلام الستر بالحشيش لمن كان عاجزاً عن اللباس ، فيظهر أنّه في طوله لا عرضه ، وأنّه مع التمكن منه يتستر به ولا يصلي عارياً.

كما يظهر من قوله عليه‌السلام : « وإن لم يصب شيئاً يستر به ... » إلخ أنّ الحشيش لا خصوصية له ، بل العبرة بمطلق الساتر للعورة من قطن أو صوف أو طين ونحو ذلك ، وأنّه مع التمكن منه يتعين ولا تنتقل الوظيفة إلى الصلاة عارياً إلا لدى العجز عن ذلك أيضاً. فهناك مراحل ثلاث طوليّة : التستر باللباس أولاً ، ثم بمطلق الساتر ، ثم الصلاة عارياً.

(١) بل قد عرفت أنّ الأظهر ذلك في الحشيش وشبهه من الصوف ونحوه ، وأمّا الطين فتحقق الستر به مشكل ، ولكنّه على تقدير التحقق يكفي أيضاً ، لإطلاق الصحيحة المزبورة.

__________________

(*) بل الأظهر ذلك في الحشيش وما أشبهه من الصوف والقطن ونحوهما.

(١) في ص ١٢٨.

١٢٩

فصل

في شرائط لباس المصلي وهي أمور :

الأوّل : الطهارة في جميع لباسه عدا ما لا تتم فيه الصلاة منفرداً ، بل وكذا في محمولة ، على ما عرفت تفصيله في باب الطهارة (١).

الثاني : الإباحة [١] (٢) وهي أيضاً شرط في جميع لباسه (٣).

______________________________________________________

(١) قد عرفت ما يصحّ الاستدلال به فلاحظ (١).

(٢) أي إباحة التصرف في اللباس مقابل حرمته ، سواء أكان منشأ الحرمة هو الغصب أم غيره ، كما لو اشترى الثوب بمعاملة فاسدة ، أو وصل إليه بقمار ونحوه ، أو كان متعلقاً لحق الغير كما ستعرف (٢).

(٣) ويستدلّ له بوجوه :

أحدها : الإجماع ، الذي ادّعاه غير واحد.

وفيه : أنّه لا عبرة به ، ولا سيما بعد استناد أكثر المجمعين إلى الوجوه الآتية. فلم يكن إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

ثانيها : قاعدة الاشتغال ، بعد أن لم يكن دليل على الصحة بدونها.

وفيه : أن المرجع في أمثال المقام من موارد الدوران بين الأقلّ والأكثر‌

__________________

(*) على الأحوط في غير الساتر وفي المحمول ، ولا يبعد عدم الاشتراط فيهما.

(١) شرح العروة ٣ : ٢٣٥ ، ٤٢٨ ، ٤٣٦.

(٢) يأتي في ص ١٣٧.

١٣٠

الارتباطي هو البراءة كما حقّق في محلّه (١).

ثالثها : رواية تحف العقول عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصيته لكميل قال : « يا كميل انظر فيما تصلي وعلى ما تصلي ، إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول » (٢).

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند ، أنّ عدم القبول أعم من الفساد.

رابعها : مرسلة الصدوق التي أسندها في الكافي عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لو أنّ الناس أخذوا ما أمرهم الله فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم ، ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم » (٣).

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند في الطريقين ، وإلى ما سمعت من الأعمية ، أنّ الإنفاق الوارد فيها ظاهر في غير ما نحن فيه كما لا يخفى.

خامسها : أنّ الحركات الصلاتية من القيام والقعود والركوع والسجود مصداق للتصرف في المغصوب ومتحدة معه فتحرم ، وبما أنّ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب ومحقّقاً للعبادة ، لامتناع التقرب بالمبغوض فتفسد أيضاً بطبيعة الحال.

وفيه أوّلاً : أنّ مصداق العبادة هو نفس الهيئات الخاصة ، وأمّا الحركات فهي من سنخ المبادئ والمقدمات. فالهيئة الركوعية المتحصّلة من الانحناء الكذائي هي حقيقة الركوع بالذات ، فهي المأمور به دون الانحناء نفسه ، وهكذا السجود ونحوه فلا اتحاد بين المتعلّقين بعد كونهما من مقولتين مختلفتين إحداهما الوضع والأُخرى مقولة الفعل.

وثانياً : مع التسليم والبناء على أنّ الحركات بأنفسها هي الأجزاء دون‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٤٢٦.

(٢) الوسائل ٥ : ١١٩ / أبواب مكان المصلي ب ٢ ح ٢ ، تحف العقول : ١٧٤.

(٣) الوسائل ٥ : ١١٩ / أبواب مكان المصلي ب ٢ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٣١ / ١٢١ ، الكافي ٤ : ٣٢ / ٤.

١٣١

الهيئات فلا ينبغي الشك في تغايرها مع الحركات الغصبية ، لقيام هذه بالبدن وتلك بالمغصوب. ومن الضروري أنّ تباينها يستوجب تباين الحركات القائمة بهما ، غاية الأمر أنّ إحدى الحركتين علّة لحصول الأُخرى ، نظير حركة اليد بالإضافة إلى حركة المفتاح. إذن فلم تكن إحداهما عين الأُخرى ليكون المقام من صغريات مسألة الاجتماع.

سادسها : أنّ اللباس المغصوب محكوم بوجوب الإبانة والنزع وردّه إلى مالكه ، ومن البيّن انّ الأمر بالنزع أمر بالإبطال ، فكيف يجتمع مع الأمر بضدّه وهو الصلاة المشروطة باللبس ، فإنّه لا يصححه حتى الترتب ، إذ لا معنى للأمر بالإبطال وبعدمه على نحو الترتب كما لا يخفى ، وهذا الوجه يختص بالساتر.

وفيه أوّلاً : أنّ الأمر بالنزع أمر بإيجاد ذات المبطل لا بنفس الإبطال وبينهما فرق واضح ، فلا مانع من الأمر بالصلاة مترتباً على عدم الإتيان بالمبطل.

وثانياً : مع التسليم فالمأمور به هو الإبطال الخاص لا مطلق الإبطال كي لا يمكن الأمر بضده على سبيل الترتب ، فيقال له : أبطل صلاتك بنزع ثوبك وإلا فأتمها.

سابعها : أنّ النهي عن الغصب وإن لم يكن بنفسه موجباً لفساد العبادة نظراً إلى أنّ الشرط بعد أن لم يكن بنفسه عبادة ، وإنّما العبادي تقيّد الصلاة به ، حيث إنّه جزء منها لا ذات القيد لخروجه عنها ، فلا جرم كان الأمر به توصلياً مقدمة لحصول التقيّد المزبور ، فلا مانع من اتصافه بالحرمة ، من غير فرق في ذلك بين الشرائط المتقدمة والمقارنة. إلا أنّه في خصوص الشرط المقارن يفهم العرف من ضم دليل النهي إلى [ دليل ] الشرط اختصاصه بغير الفرد المنهي عنه ، فاذا ورد الأمر بالصلاة المشروطة باللباس وورد النهي عن التصرف في لباس خاص كان المتفاهم العرفي بعد ضم أحد الدليلين إلى الآخر تقيّد إطلاق الأمر بغير مورد النهي. ونتيجة ذلك اختصاص المأمور به باللباس المباح ، فالمقرون بغيره لم يكن مصداقاً للمأمور به.

١٣٢

من غير فرق بين الساتر وغيره وكذا في محمولة (١).

______________________________________________________

وفيه : أنّ هذا إنّما يتجه فيما إذا كان الشرط هو اللباس في نفسه ، وليس كذلك ، بل الشرط حسبما يستفاد من النصوص هو التستر الحاصل من اللباس كي لا يكون عارياً ، فيكون اللبس مقدّمة لتحصيل ما هو الشرط ، فلم يكن النهي متعلقاً ببعض ما اعتبر شرطاً كي يكون ضمه إلى دليل الأمر موجباً لتقييد الإطلاق حسبما أُفيد.

على أنّ هذا الوجه لو تمّ لاختص بالساتر ، ولا يشمل مطلق الملبوس.

والمتحصّل من جميع ما تقدّم : أنّ الوجوه المستدل بها للإباحة كلّها مخدوشة وغير ناهضة للركون إليها ، ومقتضى الصناعة عدم اعتبارها في اللباس ، من غير فرق بين الساتر وغيره ، والملبوس والمحمول والمتحرك بحركة المصلّي وغير المتحرّك ، وإن كان الاحتياط مما لا ينبغي تركه ، لمكان الإجماعات المتكررة دعواها في كلمات الأصحاب ولا سيما في الساتر ، حيث إن جمّا غفيراً منهم خصوا الاعتبار به ، وقد عرفت اختصاص بعض الوجوه المتقدمة (١) به ، بل يظهر منهم التسالم عليه ، حيث لم يعلم مخالف صريح من قدماء الأصحاب عدا ما نسبه الكليني إلى الفضل بن شاذان (٢). وهذا هو الذي يمنعنا عن الجزم بالصحة في الساتر. ومن ثم كان الاحتياط فيه أشدّ وآكد.

فالنتيجة : هو التفصيل بين الساتر فالأحوط وجوباً (٣) إباحته ، وبين غيره من الملبوس والمحمول فالأقوى عدم الاعتبار وإن كان رعاية الاحتياط أولى.

(١) لاشتراك مناط البحث في الجميع ، وقد عرفت أنّ الأظهر عدم الاعتبار فيما عدا الساتر بالفعل فلاحظ.

__________________

(١) [ وهو الوجه السادس والسابع ].

(٢) الكافي ٦ : ٩٤.

(٣) ولكن يظهر من تعليقته الشريفة ( دام ظلّه ) الفتوى بذلك ، ولم يتّضح وجهه.

١٣٣

فلو صلّى في المغصوب ولو كان خيطاً منه (١) عالماً بالحرمة عامداً بطلت وإن كان جاهلاً بكونه مفسداً (٢) ، بل الأحوط البطلان مع الجهل بالحرمة أيضاً وإن كان الحكم بالصحة لا يخلو عن قوة (*) (٣). وأمّا مع النسيان أو الجهل بالغصبية فصحيحة (٤).

______________________________________________________

(١) لإطلاق دليل حرمة التصرف في الغصب.

(٢) بعد البناء على اعتبار الإباحة إمّا مطلقاً أو في خصوص اللباس أو في خصوص الساتر على سبيل الفتوى أو الاحتياط الوجوبي تأتي التفريعات المذكورة في المتن ، التي منها الحكم بالبطلان في صورة العلم والعمد وإن كان جاهلاً بالمفسدية ، إذ المناط في البطلان هو المبغوضية الناشئة من العلم بموضوع الغصب وبحرمته الثابتة على تقديري العلم بالمفسدية والجهل بها ، ضرورة عدم ارتفاعها بالجهل المزبور ، ولأجله لا يكون البطلان منوطاً بالعلم بالفساد.

(٣) ولكن الأظهر هو الجري على ما تقتضيه القاعدة من التفصيل بين القاصر والمقصّر ، فيلحق الثاني بالعالم ، لاشتراكه معه في صدور الفعل عنه على صفة المبغوضية المقتضية لاستحقاق العقوبة والمسقطة له عن صلاحية المقربية والمانعة عن صيرورته مصداقاً للواجب. ومن البيّن أنّ حديث لا تعاد على القول بشموله للجاهل كما هو الصواب خاص بالقاصر ، ولا يكاد يشمل المقصّر حسبما هو موضّح في محلّه (١).

وهذا بخلاف الأوّل ، إذ بعد كونه معذوراً في جهله لا يجري فيه شي‌ء مما ذكر ، وقد عرفت أنّه مشمول للحديث.

(٤) أمّا الجاهل بموضوع الغصب سواء تسبب عن الجهل بحكم آخر كما لو اعتقد أنّ الكتاب من الحبوة ، أو أنّ العقد الكذائي مملّك فاشترى به ثوباً وصلّى فيه ، أو عن شبهة موضوعية ، فلا ينبغي الشك في الصحة ، لعدم صدور الفعل‌

__________________

(*) الأقوى جريان حكم العالم على الجاهل عن تقصير.

(١) شرح العروة ١ : ٢٧١ فما بعد.

١٣٤

منه على صفة المبغوضية بوجه لتمنع عن انطباق الواجب عليه ، وهذا ظاهر.

وأمّا الناسي فقد تقدّم في كتاب الطهارة عند التكلم حول اعتبار الإباحة في ماء الوضوء (١) والغسل (٢) أنّ المتجه هو التفصيل بين الغاصب وغيره ، فيبطل في الأوّل نظراً إلى أنّه في حال النسيان وإن لم يكن مكلفاً بشي‌ء ، لامتناع توجيه الخطاب إليه ، إلا أنّه لما كان منتهياً إلى سوء اختياره وكان التكليف متنجزاً في حقه قبل نسيانه كان ذلك مصححاً لاستحقاق العقوبة ، لأنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً وإن نافاه خطاباً ، فحيث إنّه كان مسبّباً عن تقصيره وسوء تصرّفه فلا جرم لم يكن معذوراً في عمله ، بل كان صادراً منه على صفة المبغوضية ، ومثله لا يكون مقرباً ، فلا يقع مصداقاً للواجب.

وهذا بخلاف غير الغاصب ، فانّ مقتضى حديث الرفع الذي هو رفع واقعي في غير « ما لا يعلمون » تخصيص حرمة الغصب بغير الناسي فلا حرمة فيه ، كما لا مبغوضية حتى واقعاً لتكون مانعاً عن صلاحية التقرب وصيرورته مصداقاً للواجب ، فلا مانع من صحته.

ومنه تعرف أنّه لا مجال للتمسّك بالحديث في القسم الأوّل أعني الناسي الغاصب إذ هو بمناط المنّة على نوع الأُمة ، ولا امتنان على النوع في الرفع عن الغاصب كما هو ظاهر.

وبالجملة : فالتفصيل المزبور متّجه في ذاك المورد ونحوه مما يكون يتحد فيه الغصب مع العبادة وينطبق أحدهما على الآخر ، ولا يكاد ينسحب إلى المقام بعد ما عرفت من عدم الاتحاد ، وتغاير متعلّق النهي مع ما تعلّق به الأمر.

نعم ، ينسحب على مبنى من يرى اعتبار الإباحة في اللباس استناداً إلى اتحاد الحركات الصلاتية مع الحركات الغصبية كما هو أحد الوجوه في المسألة (٣)

__________________

(١) شرح العروة ٥ : ٣٢١.

(٢) شرح العروة ٦ : ٤١٢ ، وأيضاً ذكره في ٩ : ٥٧.

(٣) [ وهو الوجه الخامس ].

١٣٥

والظاهر عدم الفرق بين كون المصلي الناسي هو الغاصب أو غيره (١) لكن الأحوط الإعادة بالنسبة إلى الغاصب ، خصوصاً إذا كان بحيث لا يبالي على فرض تذكره أيضاً.

______________________________________________________

حسبما تقدم. وقد عرفت ما فيه.

وعليه فالناسي للغصب إن لم يكن هو الغاصب فلم يصدر منه أيّ محرم حتى واقعاً بمقتضى حديث الرفع ، فلا خلل في صلاته بوجه ، وإن كان هو الغاصب فالفعل وإن صدر منه مبغوضاً ومستحقاً للعقاب إلا أنّ غاية ما في الباب الإخلال بالشرط أعني الستر فكأنّه صلّى عارياً ناسياً ، إذ لا يزيد عليه بشي‌ء ، ومثله محكوم بالصحة بمقتضى حديث لا تعاد. فالأقوى وفاقاً للمتن هو الحكم بالصحة في كلتا الصورتين (١) بمناطين حسبما عرفت.

(١) كما عرفت الحال في ذلك.

__________________

(١) هكذا أفاده ( دام ظله ) في بحثه الشريف ، ولكنّه عدل عنه في الطبعة الأخيرة من تعليقته الأنيقة وحكم بالبطلان في الصورة الثانية [ لاحظ التعليقة فإنها موافقة لما ذكره هنا ] نظراً إلى أنّ الإخلال لو كان من ناحية الشرط فقط لتمّ ما أُفيد ، إلا أنّ هناك جهة أُخرى للفساد وهي الصدور على صفة المبغوضية الموجبة للالتحاق بالعالم العامد كالتحاق الجاهل المقصّر به. ومن البيّن أنّ الحديث لا يتكفّل لرفع هذه النقيصة ، إذ لا يوجب قلب المبغوض إلى المحبوب ، ولا جعل الحرام الواقعي مصداقاً للواجب كما لا يخفى.

وبعبارة اخرى : الحديث ناظر إلى نسيان يكون المصلّي معذوراً فيه فلا يشمل المقام ، ومعه لا مناص من البطلان.

أقول : هكذا أفاده ( دام ظله ) في وجه العدول ، ولقائل أن يقول : إما أنّ المبغوضية مانعة أو أنّ المقربية شرط زائداً على الستر ، ومهما كان الأمر فهذه اعتبارات ملحوظة في الصلاة يكون الإخلال بها كغيرها مما عدا الخمسة مشمولاً لإطلاق الحديث المتكفّل للتصحيح من كل خلل ما عداها ، وأمّا تقييد النسيان بما كان عن عذر فيدفعه إطلاق الحديث أيضاً. وقياسه بالجاهل المقصر مع الفارق ، إذ الحديث غير قاصر الشمول له في حدّ نفسه ، وإنّما خرج عنه لقرينة خارجية مفقودة في المقام ، وهي لزوم حمل الإعادة في جواب أسئلة الرواة على الفرد النادر وهو العالم العامد حسبما أفاده ( دام ظله ) غير مرّة.

١٣٦

[١٢٦٩] مسألة ١ : لا فرق في الغصب بين أن يكون من جهة كون عينه للغير أو كون منفعته له ، بل وكذا لو تعلق به حق الغير بأن يكون مرهوناً (١).

[١٢٧٠] مسألة ٢ : إذا صبغ ثوب بصبغ مغصوب فالظاهر أنّه لا يجري عليه حكم المغصوب (٢) لأنّ الصبغ يعدّ تالفاً ، فلا يكون اللون لمالكه ، لكن لا يخلو عن إشكال أيضاً ، نعم لو كان الصبغ أيضاً مباحاً لكن أجبر شخصاً على عمله ولم يعط أُجرته لا إشكال فيه ، بل وكذا لو أجبر على خياطة ثوب أو استأجر ولم يعط أُجرته إذا كان الخيط له أيضاً ، وأمّا إذا كان للغير فمشكل ، ، وإن كان يمكن أن يقال إنّه يعد تالفاً (*) فيستحق مالكه قيمته ، خصوصاً إذا لم يمكن ردّه بفتقه ، لكن الأحوط ترك الصلاة فيه قبل إرضاء مالك الخيط ، خصوصاً إذا أمكن ردّه بالفتق صحيحاً ، بل لا يترك في هذه الصورة.

______________________________________________________

(١) إذ لا خصوصية للغصب في مناط البحث ، وإنّما العبرة بوقوع الصلاة في لباس يحرم التصرّف فيه وإن كانت عينه مملوكة له ، كما لو كانت مستأجرة فكانت منفعته للغير ، أو مرهونة فكانت متعلّقاً لحق الغير ولم يأذنا له ، أو منذورة فكانت متعلقاً لحقه سبحانه كما لو نذر أن لا يتصرف في لباسه الخاص لغرض شرعي راجح ، أو نذر التصدق به في سبيله بنحو نذر الفعل لو تحقق الأمر الكذائي وقد حصل ، أو كان اللباس مما يحرم التصرّف فيه في نفسه كلبس الرجل ما يختص بالمرأة أو بالعكس ، فانّ ملاك البحث مشترك بين الجميع والكلّ داخل فيه بمناط واحد.

(٢) بعد أن حكم في المسألة السابقة بشمول الحكم للتصرف في متعلق حق الغير ، تعرض في هذه المسألة لبيان صغريات هذه الكبرى. وتفصيل الكلام : أنّ فروض المسألة ثلاثة :

أحدها : ما إذا لم يكن الغير مستحقاً لشي‌ء من عين اللباس وإنّما يستحق‌

__________________

(*) فيه منع إلا أن الحكم بالبطلان معه مبني على الاحتياط المتقدم.

١٣٧

شيئاً في ذمة صاحبه لأجل عمل أوقعه فيه بأمره ، كما لو أجبر على صبغ ثوبه بصبغ مملوك له أو مأذون من قبل مالكه ، أو على خياطة ثوبه بخيط نفسه ، أو استأجره على ذلك من غير دفع الأُجرة إليه ، ولا شبهة في جواز الصلاة في مثل هذا اللباس ، لسلامته عن أي حق متعلّق به بعد وضوح عدم السراية مما اشتغلت به الذمة من اجرة المثل أو المسمّى إليه ، وهذا ظاهر.

ثانيها : ما إذا كان مستحقاً لشي‌ء فيه كما لو أجبر أو استأجر أحداً لخياطة ثوبه ولم يعط أُجرته مع كون الخيط للعامل. وقد فصّل الماتن قدس‌سره بين البناء على عدّ الخيط تالفاً ، ولا سيما مع عدم إمكان فتقه وامتناع ردّه بحيث ينتقل الضمان إلى البدل فتجوز الصلاة فيه ، وبين البناء على بقاء عينه ولا سيما مع إمكان فتقه فيجب ردّه ولا تجوز الصلاة.

ولكن الظاهر عدم الجواز على كلا التقديرين.

أمّا الثاني : فواضح ، لما تقدّم من عدم جواز الصلاة في اللباس المغصوب ولو بخيط واحد.

وأمّا الأوّل : فلأجل أنّ الخيط وإن عدّ تالفاً إلا أنّ التالف هو ماليته لا ملكيته ، فانّ عين الخيط المملوك للغير موجود في الثوب بالوجدان ، ومن ثمّ تزيد به ماليّته ، ولا يجوز التصرف في ملك الغير بغير إذنه.

بل الأمر كذلك حتى لو زالت الملكية بزوال المالية ، بداهة ثبوت حق الاختصاص والأولوية كثبوته في الكوز المكسور وميتة الحيوان المملوك ، ومن ثم لا تجوز مزاحمة المالك في ذلك. وقد تقدّم شمول مناط البحث للتصرف في متعلّق حق الغير.

فما ذكره في المتن من إمكان القول بالصحة فيما إذا عدّ تالفاً غير واضح حتى لو عمّمنا التلف لسقوط المالية والملكية معاً.

كما أنّ ما صنعه قدس‌سره من عطف الاستئجار من دون دفع الأُجرة‌

١٣٨

على الإجبار وجعلهما من باب واحد غير واضح أيضاً ، لما هو المقرر في محلّه (١) من أنّ صحة عقد الإجارة لا يتوقف على دفع الأُجرة خارجاً ، بل المالك يملك العمل بمجرد العقد ، غاية الأمر أنّ للأجير حق الفسخ لو لم يتسلم الأجر ، فما لم يفسخ كان اللباس بتمامه لمالكه فتجوز الصلاة فيه بطبيعة الحال.

وبالجملة : الاستئجار قبل تصدّي الأجير للفسخ يختلف عن الإجبار فلا وجه لقياس أحدهما بالآخر.

ثالثها : ما إذا صبغ الثوب بصبغ مغصوب ، وقد حكم في المتن بجواز الصلاة فيه ، نظراً إلى أنّ الصبغ يعد تالفاً عرفاً ويضمن الغاصب بدله ، فلا يكون اللون لمالكه ليشتمل الثوب على جزء مغصوب يمنع عن الصلاة فيه ، ثم عقّبه بقوله : لكن لا يخلو عن إشكال.

أقول : وهو في محلّه ، بل لا ينبغي التأمل في عدم مساعدة الارتكاز العقلائي على التلف في أمثال هذه الموارد.

نعم ، قد تكون العين باقية بصورة أُخرى بحسب النظر العقلي فقط ، ولا يكاد يساعده الفهم العرفي بوجه ، كما في تسخين الماء المباح بالحطب أو النفط المغصوبين أو بقوة كهربائية مختلسة ، فانّ الحرارة وإن كانت مسبّبة عن أجزاء منتشرة في الماء منقلبة عن تلك المواد بحسب التدقيق العقلي إلا أنّه بالنظر العرفي تعدّ تلك المواد تالفة فانية وأنّ الحرارة الموجودة في الماء لم تكن إلا عرضاً مبايناً مع الجوهر المغصوب.

وأمّا في أمثال المقام فقد استقر الارتكاز العقلائي على بقاء عين المال حتى بالنظر العرفي فضلاً عن الدقّي ، غاية الأمر أنّ الأجزاء قد تفرّقت وتشتّت بعد ما كانت مجتمعة.

وبعبارة اخرى : تغيّر الصبغ من شكل إلى آخر ، وتحوّل من كيفية إلى أُخرى لا أنّه انعدم وانصرم بالمرّة.

__________________

(١) العروة الوثقى ٢ : ٣٨٣ فصل : في أحكام العوضين بعد المسألة [٣٢٨٢] ، المسألة [٣٢٩٧].

١٣٩

ويشهد لهذا الارتكاز ملاحظة نظائر المقام وأشباهه ، فلو غصب مقداراً من الشاي فصبّ عليه الماء المغلي المباح حتى اكتسب اللون وبقي الثافل ، أو مقداراً من التمر فألقى عليه الماء وبقي مدة حتى اكتسب حلاوة وصار نقيعاً ، أفهل يمكن القول بجواز شرب الشاي أو النقيع بدعوى أنّ المغصوب تالف والموجود لون أو حلاوة لا يستند إلى المالك فيحل للغاصب ولا يضمن إلا قيمة المغصوب.

وأوضح من ذلك ما لو غصب الدهن وألقاه على الأرز بحيث لا يمكن ردّه أفهل ترى جواز أكله بزعم أنّ الدسومة عرض تالف مع وضوح بقاء عين المغصوب غايته بشكل آخر.

وأوضح من الكلّ ما لو غصب كميّة من السكر وأذابها في الماء أفهل يسمح في شربه استناداً إلى الدعوى المزبورة ، كل ذلك لا يكون إتلافاً ، ولا يكون الاستعمال سائغاً في شي‌ء من هذه الموارد ، والسرّ ما عرفت من بقاء عين المغصوب وإن تغير شكله وتبدّلت هيئته. فدعوى التلف والسقوط ساقطة البتة.

وعليه فلا ينبغي التأمل في عدم جواز الصلاة في الثوب المصبوغ في محل الكلام ، كما لا يجوز في الثوب المخيط بالخيط المغصوب حسبما عرفت ، هذا.

ولكنه ( دام ظله ) جدّد النظر أخيراً حول ما أفاده في المقام وبنى على افتراق الأمثلة المذكورة عن الصبغ الذي هو محلّ الكلام ، نظراً إلى اشتمالها على عين المغصوب ولو بصورة اخرى ومن شكل إلى آخر ، وأمّا الصبغ فإنّما يكون من هذا القبيل لو كان المصبوغ حاملاً لعين الصبغ كما في صبغ اللوح أو الحديد وأمّا الثوب فلا يحمل أي جزء منه ، وإنّما يبقى فيه اللون الخالص الذي هو صفة محضة. ومن المقرر في محلّه (١) أنّ الأوصاف لا تقابل بشي‌ء من المال وإن أوجبت الازدياد في قيمة العين ، فلا يقاس الصبغ المبحوث عنه بتلك الأمثلة ، بل يعدّ تالفاً بنظر العرف بعد افتراض زوال العين ، فلا مانع من الصلاة فيه. وبذلك‌

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٧ : ٢٦٩.

١٤٠