موسوعة الإمام الخوئي - ج ١٢

الشيخ مرتضى البروجردي

إلا الوجه (١)

______________________________________________________

لكون كلّ منهما من أصحاب الصادقين عليهما‌السلام ولا ترجيح لاحتمال أحدهما على الآخر. وكيف كان ، فالسند تام.

إنّما الكلام في الدلالة ، وهي قاصرة ، لانحلال الرواية إلى دلالتين : عقد سلبي وهو عدم سترها ( سلام الله عليها ) وجهها عند الصلاة ، وعقد إيجابي وهو سترها الشعر والأُذنين.

أمّا الأوّل فهو لا محالة يدلّ على عدم الوجوب ، لأنّها ( روحي فداها ) معصومة وفعلها حجة. فعدم سترها الوجه يدلّ على عدم وجوبه قطعاً ، لعدم احتمال ترك الواجب من المعصوم عليه‌السلام كما هو ظاهر.

وأمّا الثاني الذي هو مبنى الاستدلال فلا دلالة فيه على الوجوب ، بل غايته الرجحان ، فإنّه فعل لا لسان له ، فيحتمل الندب كالفرض ، والجامع المقطوع به هو الفضل ، فلا يدلّ على أحدهما بالخصوص. ولعلّ الباقر عليه‌السلام الحاكي لفعلها كان في مقام بيان العقد السلبي.

ومنها : العنق ، ولا ينبغي الإشكال في وجوب ستره وإن استشكل فيه بعضهم ، فانّ الخمار والقناع المأخوذين في الأخبار يقتضي تستره كما هو ظاهر جدّاً.

(١) ومنها : الوجه ، والمشهور عدم وجوب ستره ، وهو الصحيح. وما يحكى عن بعضهم من عدم استثنائه ليس بشي‌ء فإن السيرة قائمة على عدم وجوب الستر ، مضافاً إلى دلالة صحيحة الفضيل المتقدمة آنفاً عليه ، وكذا موثقة سماعة قال : « سألته عن المرأة تصلّي متنقبة ، قال : إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به ، وإن أسفرت فهو أفضل » (١). بل يستفاد من هذه أنّ السفور أفضل ، ولعلّه لذلك كانت تكشف فاطمة عليها‌السلام عن وجهها كما في صحيح فضيل المتقدم ، هذا.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٢١ / أبواب لباس المصلي ب ٣٣ ح ١.

١٠١

المقدار الذي يغسل في الوضوء (١). وإلا اليدين إلى الزندين والقدمين إلى الساقين (٢)

______________________________________________________

ويدلّ عليه أيضاً الأخبار المتضمنة أنّها تصلّي في درع ومقنعة وخمار (١) فإنّ شيئاً من ذلك بحسب طبعه لا يقتضي ستر الوجه كما هو واضح.

(١) وأمّا تحديد الوجه ، فلا ريب في عدم وجوب سترها الوجه الوضوئي أعني ما دارت عليه الوسطى والإبهام فإنّه المتيقّن من دليل الجواز ، بل إنّ الوجه في المقام أوسع من ذلك. أمّا من ناحية العرض فلما تضمنه صحيح فضيل من أنّها عليها‌السلام إنّما سترت رأسها إلى حدّ الاذن ، فما بين الاذن إلى جانب الخدّ الذي تدور عليه الإبهام كان مكشوفاً. وكذا من ناحية الطول فانّ ما تحت الذقن ليس من الوجه الوضوئي ، ومع ذلك لم تستره الزهراء عليها‌السلام مع أنّ الخمار والمقنعة أيضاً لا يقتضي ستره.

(٢) على المشهور ، بل إجماعاً كما أفاده غير واحد. ولكن صاحب الحدائق استشكل فيه ، نظراً إلى أنّ الدليل على الاستثناء إنّما هو خصوص الاكتفاء بالدرع والخمار والمقنعة ونحوها ، بدعوى أنّها لا تستر اليدين والقدمين ، مع أنّ من الجائز أن تكون دروعهن في تلك الأزمنة واسعة الأكمام طويلة الذيل كما هو المشاهد الآن في نساء أهل الحجاز ، بل أكثر بلدان العرب ، فإنّهم يجعلون الأقمصة واسعة الأكمام مع طول زائد بحيث يجرّ على الأرض (٢). ففي مثله يحصل ستر الكفين والقدمين.

وفيه أولاً : أنّ هذه المناقشة إنّما تتّجه لو كان لدينا دليل يدل على لزوم ستر جميع البدن وحاولنا تخصيصه بهذه النصوص ، فيورد عليه بعدم إحراز كون الدروع في تلك القرون بمثابة ينافي الإطلاق ليستوجب الخروج عنه ، وليس‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٠٥ / أبواب لباس المصلي ب ٢٨.

(٢) الحدائق ٧ : ٨.

١٠٢

الأمر كذلك ، فانّ الدليل على لزوم الستر لم يكن إلا نفس هذه النصوص ، وحينئذ فيمكن قلب الدعوى فيقال إنّ مقتضى الإطلاق في هذه الأخبار الاكتفاء بكلّ ما صدق عليه الدرع والخمار سواء أستر اليدين والقدمين أم لا.

ومع الغض فتكفينا أصالة البراءة عن وجوب ستر الزائد على المقدار المتيقن مما يسترانه ، وهو ما عدا اليدين والقدمين.

وثانياً : أنّ ما ادّعاه قدس‌سره من توسعة الأكمام وطول الذيول إنّما ينفع لو كانت كذلك من جميع الأطراف كي يتحقق به ستر باطن اليدين والقدمين وظاهرهما ، وهذا من البعد بمكان ، إذ مقتضاه أن لا تتمكن المرأة من العمل في بيتها ولا الخروج منه ، لتعسر المشي عليها كما لا يخفى.

بل الظاهر أنّها كانت واسعة الأكمام من طرف واحد وهو الذي يلي باطن الكف ، كما أنّ طول الذيل كان من الخلف فقط كما هو المشاهد في نساء أهل الحجاز وغيرهن ، ومن الواضح أنّ مثل ذلك لا يكون ساتراً لظاهر اليدين ولا القدمين ، بل يكونان مكشوفين.

وثالثاً : سلّمنا التوسعة والطول من جميع الجوانب إلا أنّا لا نسلّم أن جميعها كانت كذلك ، بل إنّ بعضها كانت كما ذكرناه ، ولا سيما التي كانت تستعمل في البيوت لا عند الخروج ، ولا ريب أنّ إطلاق كفاية الدرع الوارد في النص يشمل الجميع. إذن فما عليه المشهور هو الصحيح ، هذا.

وربما يفصّل بين اليدين والقدمين ويدّعى اختصاص الاستثناء بالأول ويقتضيه ظاهر عبارة المحقق في الشرائع حيث قال قدس‌سره : عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين ، على تردّد في القدمين (١).

ويستدلّ له بأنّ مقتضى نصوص الاكتفاء بالدرع والخمار وإن كان هو عموم الاستثناء كما سبق إلا أنّ صحيحة علي بن جعفر تدلّ بالمفهوم على لزوم ستر القدمين : « عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي؟ قال : تلتف فيها‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٨٣.

١٠٣

ظاهرهما وباطنهما (١).

______________________________________________________

وتغطي رأسها وتصلي ، فان خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس » (١) فانّ مفهومها وجوب ستر الرجل مع القدرة.

ويندفع : بعدم كونه بصدد التحديد وبيان ما يجب ستره ممّا لا يجب ، وإلا لما عبّر بالرجل الشامل للساق الواجب ستره بلا إشكال. على أنّ إناطة الوجوب بالقدرة لم يكن مختصاً به ، بل يعم جميع أجزاء البدن ، حتى أنّها تصلّي عارية إذا لم تجد ساتراً رأساً.

بل الظاهر أنّ السائل لما فرض أنّها لم تكن عندها إلا ملحفة واحدة وبطبيعة الحال لا تكفي لستر تمام البدن بحيث دار الأمر بين أن تصلي مكشوفة الرأس أو مكشوفة الرجل حكم عليه‌السلام حينئذ بتقديم الثاني ، فلا ربط لها إذن بمحل الكلام لتدلّ على التفصيل المزبور.

(١) لشمول الدليل لهما. ويقتضيه إطلاق كلمات الأصحاب ، بل وتنصيص بعضهم بالتعميم.

نعم ، خصه جماعة بظهر القدمين ، ويستدل له بقصور الدليل أعني نصوص الاكتفاء بالدرع والخمار عن الشمول لباطن القدم ، نظراً إلى أنّه مستور دائماً وفي جميع حالات الصلاة ، إمّا بالأرض كما في حالتي القيام والركوع ، أو بالثوب كما في حالتي الجلوس والسجود ، ومن الواضح أنّ مورد الاستثناء عن وجوب الستر ما من شأنه التستر ويكون صالحاً له كظاهر الكف وباطنه وظاهر القدم لا ما هو غني عنه ومستور بنفسه ، فانّ الدليل منصرف عن مثله كما لا يخفى.

ويندفع أوّلاً : بأنّ التستر بالأرض لا يغني عن الستر الصلاتي ، فإنّه يعتبر فيه ساتر خاص وهو ما يصدق عليه اللباس ، ومن ثمّ لا تكفي الصلاة في حفيرة عارياً وإن كان مستوراً عن الناظر المحترم ، وحيث لا يجب ستره‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٠٥ / أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٢.

١٠٤

ويجب ستر شي‌ء من أطراف هذه المستثنيات من باب المقدمة (١).

______________________________________________________

بالثوب قطعاً فلا يجب ستره رأساً.

وأجاب المحقق الهمداني قدس‌سره (١) عن ذلك بأنّ الأرض إنّما لا تكون ساتراً صلاتياً فيما إذا كانت مستقلة في الساترية ، كما في مثال الحفيرة ، وأمّا مع الانضمام بالثوب فلا مانع من الاكتفاء بهما. ألا ترى أنّ من صلّى في قميص من دون سروال صحت صلاته بلا إشكال مع أنّ عورته من طرف التحت لم تكن مستورة إلا بالأرض ، وكذا فيما لو باشر بعض جسد المرأة للأرض حال جلوسها عليها للتشهد ، فكما أنّ ذلك لا يمنع عن صدق مستورية المجموع بالثوب فكذا في المقام.

وفيه : أن هذا إنّما يتجه فيما إذا كان الثوب طويلاً من جميع الجوانب بحيث يستر ظاهر القدم ليكون مجموعة مستوراً بالثوب وبالأرض كما في مورد التنظير ، لكن المفروض أنّ ظاهر القدم غير لازم الستر ، لعدم كون الدروع المتعارفة التي دل النص على كفايتها طويلة الذيل. إذن فيكون الباطن مستوراً بالأرض فقط ، وقد عرفت أنّ مثل هذا الستر غير كافٍ في الصلاة.

وثانياً : أنّ المستورية بالأرض مع التسليم إنّما تنفع ما دام القدم ثابتاً عليها وأمّا لو رفعته لحاجة فلا ستر وقتئذ. ولا شبهة أنّ الإطلاق في نصوص الاكتفاء بالدرع والملحفة ونحوهما يشمل هذه الصورة أيضاً.

وثالثاً : أنّ باطن القدمين قد لا يكون مستوراً حالتي الجلوس والسجود ولا سيما لدى الجلوس متوركاً ، فلم يكن مستوراً في جميع حالات الصلاة.

فتحصّل : أنّ ما ذهب إليه المشهور من التعميم للباطن والظاهر هو الصحيح.

(١) كما هو الشأن في نظائر المقام من التحديدات الشرعية للأحكام الإلزامية ، حيث إنّ الاشتغال اليقيني يستدعي براءة يقينية.

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١٥٢ السطر ٧.

١٠٥

[١٢٥٦] مسألة ٤ : لا يجب على المرأة حال الصلاة ستر ما في باطن الفم من الأسنان واللسان ، ولا ما على الوجه من الزينة كالكحل والحمرة والسواد والحلي ولا الشعر الموصول بشعرها والقرامل ، وغير ذلك (١). وإن قلنا بوجوب سترها عن الناظر (٢).

[١٢٥٧] مسألة ٥ : إذا كان هناك ناظر ينظر بريبة إلى وجهها أو كفّيها أو قدميها يجب عليها سترها (٣) لكن لا من حيث الصلاة (٤) فإن أثمت ولم تسترها لم تبطل الصلاة (٥) وكذا بالنسبة إلى حليّها وما على وجهها من الزينة ، وكذا بالنسبة إلى الشعر الموصول والقرامل في صورة حرمة النظر إليها.

[١٢٥٨] مسألة ٦ : يجب على المرأة ستر رقبتها حال الصلاة (٦) ، وكذا تحت ذقنها حتى المقدار الذي يرى منه عند اختمارها (٧) على الأحوط (*).

______________________________________________________

(١) لخلوّ النصوص عن التعرّض لشي‌ء من ذلك ، ومقتضى الأصل عدمه.

(٢) لعدم الملازمة بين الحكم النفسي والحكم الشرطي كما هو ظاهر.

(٣) لإطلاق ما دلّ على وجوب الستر عن الناظر المحترم ، الشامل لحال الصلاة.

(٤) فإنّ الوجوب المزبور نفسي لا شرطي ، وقد عرفت آنفاً عدم الملازمة بينهما.

(٥) لعدم اقتضاء الأمر بالشي‌ء للنهي عن ضده. ومنه يظهر الحال فيما بعده.

(٦) فانّ التستر بالمقنعة والخمار والملحفة التي دلّت النصوص على الاكتفاء بها يستلزم ستر الرقبة بطبيعة الحال.

(٧) هذا لا دليل عليه ، فانّ الذي يظهر من الأخبار وجوب ستر جميع ما‌

__________________

(*) الظاهر وجوب ستر جميع ما تحت الذقن لاستتاره بالخمار عادة ، وأما الزائد على ما يستره الخمار في العادة فلا يجب ستره.

١٠٦

[١٢٥٩] مسألة ٧ : الأمة كالحرة في جميع ما ذكر من المستثنى والمستثنى منه (١) ولكن لا يجب عليها ستر رأسها ولا شعرها (٢) ولا عنقها (٣) ،

______________________________________________________

تحت الذقن مما يستتر عند الاختمار عادة ، وأمّا الزائد عليه مما لم تجر العادة على ستره فلا دليل على وجوبه ، ومقتضى الأصل عدمه ، وإن كان الاحتياط مما لا ينبغي تركه.

(١) لإطلاق الأدلّة الشامل للحرة والأمة في كل من الطرفين.

(٢) ويدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع نقلاً وتحصيلاً منّا ومن غيرنا من علماء الإسلام كما في الجواهر (١) جملة من الأخبار كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث قال « قلت : الأمة تغطي رأسها إذا صلّت؟ فقال : ليس على الأمة قناع » (٢).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه‌السلام في حديث « قال : ليس على الإماء أن يتقنّعن في الصلاة » (٣) ونحوهما غيرهما.

(٣) فانّ وجوب ستر العنق إنّما استفيد مما دل على وجوب تقنّع المرأة أو اختمارها في الصلاة كما تقدم (٤) والمفروض سقوط ذلك عن الأمة بمقتضى النصوص المتقدمة آنفاً.

وتؤيدها رواية قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : « سألته عن الأمة هل يصلح لها أن تصلّي في قميص واحد؟ قال : لا بأس » (٥) وإن كانت ضعيفة السند بعبد الله بن الحسن ، فإنّ الصلاة في قميص واحد يلازم كشف العنق بطبيعة الحال.

__________________

(١) الجواهر ٨ : ٢٢١.

(٢) ، (٣) الوسائل ٤ : ٤٠٩ / أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ١ ، ٢.

(٤) في ص ١٠١.

(٥) الوسائل ٤ : ٤١٢ / أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ١٠ ، قرب الإسناد : ٢٢٤ / ٨٧٦.

١٠٧

من غير فرق بين أقسامها من القنّة والمدبّرة والمكاتبة والمستولدة (*) (١).

______________________________________________________

(١) لإطلاق النص والفتوى ، مضافاً إلى التصريح بالتعميم في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : ليس على الأمة قناع في الصلاة ، ولا على المدبّرة قناع في الصلاة ، ولا على المكاتبة إذا اشترط عليها مولاها قناع في الصلاة ، وهي مملوكة حتى تؤدي جميع مكاتبتها إلى أن قال : وسألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار؟ فقال عليه‌السلام : لو كان عليها لكان عليها إذا هي حاضت ، وليس عليها التقنع في الصلاة » (١) هذا.

ولا إشكال كما لا خلاف في شي‌ء من هذه الأقسام ما عدا المستولدة ، فإنّ مقتضى ذيل صحيحة ابن مسلم المزبورة عدم وجوب التغطية عليها.

إلا أنّه قد يقال بمعارضتها مع مفهوم صحيحته الأُخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قلت له : الأمة تغطي رأسها؟ قال : لا ، ولا على أُم الولد أن تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد » (٢) بالعموم من وجه ، نظراً إلى انّ الاولى مطلقة من جهة بقاء الولد وعدمه ، ومن جهة كونه من مولاها أو من غيره ، وخاصة بحال الصلاة ، على العكس من مفهوم الثانية حيث إنّها مطلقة من حيث الصلاة وخاصة من كلتا الجهتين ، فتتعارضان في مادة الاجتماع وهي ما إذا كانت ذات ولد موجود من المولى وهي في حالة الصلاة ، فالأُولى تدلّ بمنطوقها على عدم لزوم التغطية ، والثانية بمفهومها على لزومها ، والمرجع بعد التساقط عموم ما دلّ على أنّ الأمة تصلّي من دون خمار أو قناع ، فتكون النتيجة إلحاق أُم الولد بسائر أنواع الإماء بمقتضى الصناعة ، مضافاً إلى الإجماع على عدم الفرق بين الأقسام كما عرفت.

__________________

(*) الأحوط وجوب الستر عليها حال حياة ولدها.

(١) الوسائل ٤ : ٤١١ / أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٧.

(٢) الوسائل ٤ : ٤١٠ / أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٤.

١٠٨

وفيه أوّلاً : أنّ ذيل الصحيحة الاولى الذي هو مركز الاستدلال لم يذكر لا في الكافي (١) ولا في العلل (٢) وإنما ذكره الصدوق في الفقيه (٣) وحيث إنّ طريقه إلى محمد بن مسلم ضعيف (٤) فهي غير صالحة للاستدلال ، فتبقى الصحيحة الثانية الدالة على لزوم التغطية سليمة عن المعارض.

وثانياً : أنّ النسبة بينهما عموم مطلق لا من وجه إذ الصحيحة الثانية أيضاً خاصة بالصلاة كالأُولى ، فإنّه وإن لم يصرّح بها فيها لكنّه يعلم ذلك من التعبير بتغطية الرأس التي هي من خواص الصلاة ، ضرورة عدم وجوبها في غيرها على الحرة فضلاً عن الأمة ، إذ اللازم على المرأة التستر من الأجنبي كيف ما اتفق ، ولو بالدخول في غرفة أو في مكان مظلم. إذن فمقتضى الصناعة ارتكاب التخصيص بالالتزام بالتغطية في خصوص أُم الولد.

وثالثاً : أنّ الصحيحة الأُولى لم ترد في أُم الولد وإن استظهره المحقق الهمداني قدس‌سره (٥) مستشهداً له بأنّ الباعث على السؤال هو تشبّثها بالحرية الموجب لتوهم إلحاقها بالحرة في لزوم التغطية ، إذ فيه أنّه على هذا لا ينسجم الجواب ولا يرتبط بالسؤال ، إذ ليت شعري أي علاقة وارتباط بين الحيضية وبين الولادة المستتبعة للتشبث بالحرية فضلاً عن أن يكون الحكم في الحيض أقوى كما ربما تشعر به الملازمة في قوله عليه‌السلام : « لو كان عليها لكان عليها ... » إلخ.

بل الظاهر أنّ المفروض في السؤال مجرد ولادة الأمة ولو من غير مولاها فكأنّ السائل تخيّل أنّها بذلك تصبح بالغة تجري عليها أحكام الحرة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٢٥ / ٢.

(٢) علل الشرائع : ٣٤٦ / ب ٥٤ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٤ / ١٠٨٦.

(٤) الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ٦.

(٥) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١٦٠ السطر ٥.

١٠٩

وأمّا المبعّضة فكالحرة (١)

______________________________________________________

التي منها لزوم التغطية ، فأجاب عليه‌السلام بأن الولادة لو أوجبت ذلك لكان التحيض الذي هو من أمارات البلوغ أولى بذلك ، بل الوالدة وغيرها من سائر الإماء اتجاه التغطية شرع سواء.

وبالجملة : فلم ترد الصحيحة الاولى في أُم الولد لينعقد لها الإطلاق وتلاحظ النسبة بينها وبين الثانية ويتعارضان بالعموم من وجه ويتصدّى للعلاج كما أُفيد.

ورابعاً : على تقدير تسليم التعارض فاللازم تقديم المفهوم ، ولا تصل النوبة إلى التساقط فضلاً عن تقديم المنطوق كما قيل وذلك فإنّه لا محذور فيه عدا ارتكاب التقييد في منطوق الاولى ، والالتزام بوجوب التغطية على الأمة في صلاتها إذا كانت ذات ولد. وهذا بخلاف ما لو قدّمنا الأُولى ، فإنّ لازمه تقييد مورد الثانية بغير حال الصلاة ، ومقتضاه أنّه إذا لم يكن الولد باقياً لم يجب عليها تغطية الرأس ، مع أنّه لم يقل أحد بالتفصيل في تغطية الأمة في غير تلك الحالة بين بقاء الولد وعدمه.

والمتحصّل : أنّ مقتضى الصناعة لولا ما ادعي من الإجماع على عدم التفرقة بين أقسام الأمة في عدم وجوب التغطية هو ارتكاب التخصيص والالتزام بوجوب تغطية أُم الولد رأسها مع بقاء ولدها ، عملاً بمفهوم الصحيحة الثانية السليم عمّا يصلح للمعارضة حسبما عرفت ، ومن ثمّ كان مقتضى الاحتياط الوجوبي رعاية الستر حال حياة الولد.

(١) على المشهور ، بل اتفاقاً ، نظراً إلى أنّ موضوع الحكم في لسان الأدلة عنوان الأمة ، المنصرفة عن المبعّضة ، بل المختصة بغيرها في النص والفتوى ، فتبقى هي تحت إطلاق المرأة ، المحكومة بلزوم لبس الخمار أو القناع كما تقدم (١).

مضافاً إلى مفهوم صحيحة ابن مسلم المتقدمة حيث ورد فيها : « ولا على‌

__________________

(١) في ص ٩٦ ذكر مصدره.

١١٠

مطلقا (١) ولو اعتقت في أثناء الصلاة وعلمت به ولم يتخلل بين عتقها وستر رأسها زمان صحت صلاتها (٢)

______________________________________________________

المكاتبة إذا اشترط عليها مولاها ... » إلخ (١) فانّ مفهومها أنّ المكاتبة المطلقة عليها القناع وإن أصبحت حرة بمقدار ما أدّت من مال الكتابة وصارت مبعّضة.

نعم ، قد قيّد الحكم فيما رواه الصدوق بإسناده عن يونس بن يعقوب بالحرة قال عليه‌السلام : « ... ولا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار » (٢) ولا يقدح اشتمال الطريق على الحكم بن مسكين ، فإنّه ثقة عندنا لوجوده في أسناد كامل الزيارات (٣).

فقد يقال بأنّها تستوجب تقييد المطلقات وحملها على الحرة فلا دليل إذن في المبعّضة ، ومعه يرجع إلى الأصل.

ويندفع بابتنائه على ثبوت المفهوم للوصف (٤) وهو في حيّز المنع ، إلا بالمعنى الذي ذكرناه في الأُصول من الدلالة على عدم تعلّق الحكم بالطبيعة على إطلاقها وسريانها ، ومن ثم لا يجب القناع على الأمة. وأمّا التخصيص بالحرة كي ينتفي عن المبعّضة فهو مبني على المفهوم الاصطلاحي ، ولا نقول به. إذن فلا مانع من شمول المطلقات لها.

(١) أي من غير فرق في المبعّضة بين كون التحرير بمقدار النصف أو أقل أو أكثر كما هو واضح.

(٢) كما لو اتفق أنّها سترت رأسها آناً ما قبل العتق. ولا شبهة حينئذ في‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤١١ / أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٧ ، تقدمت في ص ١٠٨.

(٢) الوسائل ٤ : ٤٠٥ / أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٤٤ / ١٠٨٢.

(٣) ولكنّه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، فالرواية إذن محكومة بالضعف.

(٤) الوصف في المقام غير معتمد على الموصوف ، ومثله ملحق باللقب كما أفاده ( دام ظله ) في الأُصول [ محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٢٧ ].

١١١

بل وإن تخلل زمان (*) إذا بادرت إلى ستر رأسها للباقي من صلاتها بلا فعل مناف (١).

______________________________________________________

الصحة ، إذ الأجزاء السابقة لم يعتبر فيها الستر ، واللاحقة مشتملة عليه ، فلا خلل في شي‌ء منها ، وهذا واضح.

(١) على المشهور ، بل بلا خلاف ظاهر كما في الجواهر (١). ويستدلّ له بوجوه :

أحدها : قصور الأدلّة عن إثبات اعتبار الستر فيما عدا الأفعال من الأكوان المتخلّلة ، ولو ثبت فهو ساقط ، لمكان العجز بعد فرض عدم تقصيرها في البدار ، فالكشف قبل الستر خارج عن الاختيار ومثله ساقط لا محالة.

ويندفع : بأنّ مقتضى الإطلاق في أدلة اعتبار الاختمار لزوم رعايته من ابتداء الصلاة إلى اختتامها ، والتخصيص بالأفعال عارٍ عن الدليل ومنافٍ للإطلاق المزبور كما لا يخفى.

وحديث العجز لا يوجب سقوط الشرط بعد إمكان الاستئناف وكون الواجب هو الطبيعة المحدودة ما بين المبدأ والمنتهى ، لا خصوص هذا الفرد الذي هو مورد للعجز فما هو المأمور به لا عجز فيه ، وما فيه العجز لم يكن مأموراً به.

ثانيها : حديث لا تعاد ، فانّ من الواضح انّ صدق الإعادة لا يتوقف على الفراغ ، بل يشمل رفع اليد في الأثناء والاستئناف كما يشهد به نحو ما ورد من أنّ من تكلّم في صلاته فعليه الإعادة (٢). وعليه فلو رفعت المعتقة في مفروض المسألة يدها عن صلاتها وأعادتها بعد رعاية الستر فقد أعادت بسبب غير الخمس المستثناة ، والحديث ينفي ذلك.

__________________

(*) صحة الصلاة مع تخلله لا تخلو من إشكال بل منع.

(١) الجواهر ٨ : ٢٢٧.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٣٨ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ٤ وغيره.

١١٢

وأمّا إذا تركت سترها حينئذ بطلت (١).

______________________________________________________

ويندفع : بأنّ الحديث إمّا أنّه خاص بالناسي أو يشمل الجاهل القاصر ـ على القولين في المسألة وعلى التقديرين فلا يكاد يشمل الملتفت إلى الخلل في ظرفه وإن كان عاجزاً عن رفعه كما في المقام ، ومعه لا مناص من الإعادة.

ثالثها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل صلى وفرجه خارج لا يعلم به ، هل عليه إعادة ، أو ما حاله؟ قال : لا إعادة عليه ، وقد تمّت صلاته » (١) فإنّ إطلاقها يشمل صورة الالتفات في الأثناء والتستر بعده المستلزم طبعاً للتكشف من زمان العلم إلى زمان وقوع الستر فاذا لم يكن هذا المقدار قادحاً في كشف العورة فأحرى بعدم القدح في المقام فيتعدّى اليه بالفحوى ، أو لا أقل من اتحاد المناط.

وفيه : أنّ إطلاق الصحيحة وإن لم يكن قاصر الشمول لصورة الالتفات في الأثناء ، ولا يختص بما بعد الفراغ كما لو علم بعد القيام بالكشف حال السجود إلا أنّه لم يفرض فيها الكشف حين الالتفات الذي هو محلّ الكلام ليتعدّى إلى المقام.

ودعوى الإطلاق حتى من هذه الناحية عهدتها على مدعيها ، بل هي في حيّز المنع كما لا يخفى.

وبالجملة : لا نضايق من شمول الصحيحة لمن التفت حال الجلوس مثلاً إلى وجود ثقب في ثوبه أوجب كشف عورته حال السجود ، إلا أنّ استدامة الكشف إلى حال الالتفات والعلم ليكون نظير المقام يحتاج إلى مزيد عناية لم تفرض في الرواية ، ولأجله لا تصلح للاستدلال بها لما نحن فيه.

والمتحصّل : أنّ الأظهر في هذه الصورة بطلان الصلاة.

(١) للإخلال بالستر المعتبر في بقية الأجزاء لمكان انقلاب الموضوع واندراجها بقاءً في عنوان الحرة المحكومة بلبس الخمرة عالمة عامدة ، وهو‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٠٤ / أبواب لباس المصلي ب ٢٧ ح ١.

١١٣

وكذا إذا لم تتمكن من الستر إلا بفعل المنافي (١) ولكن الأحوط الإتمام ثم الإعادة.

نعم لو لم تعلم بالعتق حتى فرغت صحت صلاتها على الأقوى (٢) ، بل وكذا لو علمت لكن لم يكن عندها ساتر (٣) أو كان الوقت ضيقاً (٤).

______________________________________________________

موجب للفساد ، ومنه تعرف ضعف الاستناد إلى استصحاب الحكم الثابت قبل العتق. وأضعف منه ما عن المدارك من اختصاص الستر الواجب بما إذا توجّه التكليف به قبل الشروع في الصلاة (١) فانّ فيه ما لا يخفى.

(١) بحيث دار الأمر بين الإخلال بالستر الواجب وبين ارتكاب المنافي وبما أنّ كلا منهما موجب للفساد فلا مناص من الاستئناف.

ودعوى سقوط اعتبار الستر حينئذ لمكان العجز ، نظراً إلى توقّفه على فعل المنافي الممنوع شرعاً ، وهو كالممتنع عقلاً ، مدفوعة بما عرفت من أنّ العجز عن إتمام الفرد لا يستوجب العجز عما هو الواجب ، أعني الطبيعة الجامعة المحدودة ما بين المبدأ والمنتهى. فالممنوع مغاير للمأمور به ، ومعه لا موجب لسقوطه بوجه.

(٢) لحديث لا تعاد ، الحاكم على إطلاق دليل اعتبار الستر ، بناءً على ما هو الصحيح من عدم اختصاصه بالناسي وشموله للجاهل القاصر ، مضافاً إلى صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة فلاحظ.

(٣) أي في تمام الوقت بحيث ساغ لها الشروع في الصلاة ابتداءً ، لسقوط الستر حينئذ بالعجز ، بل ربما تصلّي عارية فيما لو كانت فاقدة للستر رأساً فضلاً عن كونها كاشفة. وأمّا لو كان الفقد مختصاً ببعض الوقت بحيث اختص العجز بالفرد دون الطبيعة الواجبة فلا مناص من الإعادة حسبما عرفت آنفاً.

(٤) لوضوح أهمية الوقت الموجبة لسقوط اعتبار الستر لدى المزاحمة.

__________________

(١) المدارك ٣ : ٢٠٠.

١١٤

وأما لو علمت عتقها لكن كانت جاهلة بالحكم وهو وجوب الستر فالأحوط إعادتها (*) (١).

[١٢٦٠] مسألة ٨ : الصبية غير البالغة حكمها حكم الأمة في عدم وجوب ستر رأسها ورقبتها (٢).

______________________________________________________

(١) بل هو الأقوى فيما إذا كان الجهل عن تقصير كما هو الغالب ، لإطلاقات الستر بعد سلامتها عن دليل حاكم.

وأمّا إذا كان الجهل عن قصور فالأظهر هو الصحة ، لحديث لا تعاد الحاكم عليها ، بناءً على ما هو الصواب من شموله للجاهل القاصر وعدم اختصاصه بالناسي.

وبالجملة : لا ينبغي التأمل في عدم شمول الحديث للجاهل المقصّر ، إذ لازمه تخصيص أدلّة الأجزاء والشرائط بالعالم العامد ، ولا سبيل للمصير إليه ، فإنّه من حمل المطلق على الفرد النادر ، فلا جرم كان خاصّاً بالقاصر ، ونتيجته هو ما عرفت من التفصيل المزبور.

(٢) بلا خلاف بل إجماعاً محققاً كما قيل ، بل عن الفاضلين (١) والشهيد (٢) دعوى الإجماع عليه من علماء الإسلام وهو العمدة في المقام ، وأمّا النصوص فلا تخلو عن الخدش.

فمنها : رواية أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه‌السلام قال : « إذا حاضت الجارية فلا تصلّي إلا بخمار » (٣) دلّت بمقتضى المفهوم بعد وضوح أنّ الحيض كناية عن البلوغ على عدم لزوم الاختمار لغير البالغة ، لكن السند ضعيف بأبي البختري ، بل قيل إنّه أكذب البرية.

__________________

(*) الظاهر عدم وجوبها إذا كان جهلها عن قصور.

(١) المعتبر ٢ : ١٠٣ ، المنتهي ٤ : ٢٧٤.

(٢) الذكرى ٣ : ٩.

(٣) الوسائل ٤ : ٤٠٨ / أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ١٣.

١١٥

بناءً على المختار من صحة صلاتها وشرعيتها (١). وإذا بلغت في أثناء الصلاة فحالها حال الأمة المعتقة (*) في الأثناء (٢) في وجوب المبادرة إلى الستر والبطلان‌

______________________________________________________

ومنها : رواية أبي بصير : « .. على الجارية إذا حاضت الصيام والخمار ... » إلخ (١) بالتقريب المتقدم ، ولكنها أيضاً ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائني.

ومنها : مرسلة الصدوق قال « وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة : منهم المرأة المدركة تصلّي بغير خمار » (٢) ورواها البرقي أيضاً مرسلاً (٣) وضعفها ظاهر.

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن يونس بن يعقوب : « ... ولا يصلح للمرأة إذا حاضت إلا الخمار » (٤) وهي ضعيفة أيضاً عند القوم بالحكم بن مسكين الواقع في الطريق ، وإن كان ثقة عندنا لوجوده في أسناد كامل الزيارات (٥).

فالعمدة في مستند المسألة ما عرفت من الإجماع والتسالم.

(١) وهو الأظهر على ما مرّ مراراً في مطاوي هذا الشرح ، وأمّا على التمرينية فلا أمر شرعاً ولا عبادة حتى يتكلّم حول اعتبار شي‌ء فيها وعدمه ، وإنّما هي صورة العبادة ، فهي سالبة بانتفاء الموضوع ، ولأجله خصّ الماتن عدم الوجوب بذاك المبنى. ولم يكن بصدد التحديد ليورد عليه بأنّ إلحاق الصبية بالأمة لا يتوقف على الشرعية كما لا يخفى.

(٢) وقد عرفت منّا ما هو الحال فيها ، فيجري هنا أيضاً لاتحاد الأدلّة في‌

__________________

(*) مرّ حكمها آنفاً.

(١) الوسائل ٤ : ٤٠٩ / أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ٤ : ٤٠٦ / أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٣٦ / ١٣١.

(٣) المحاسن ١ : ٧٦ / ٣٦ [ وفيه : الجارية بدل المرأة ].

(٤) الوسائل ٤ : ٤٠٥ / أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٤٤ / ١٠٨٢ [ في المصدر : للحرّة بدل « للمرأة » ].

(٥) ولكنّها أيضاً ضعيفة ، لعدم كون الرجل من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

١١٦

مع عدمها إذا كانت عالمة بالبلوغ.

[١٢٦١] مسألة ٩ : لا فرق في وجوب الستر وشرطيته بين أنواع الصلوات الواجبة والمستحبة (١) ويجب أيضاً في توابع الصلاة من قضاء الأجزاء المنسية (٢) بل سجدتي السهو على الأحوط (*) (٣).

نعم ، لا يجب في صلاة الجنازة (٤) وإن كان هو الأحوط فيها أيضاً ، وكذا لا يجب في سجدة التلاوة وسجدة الشكر.

______________________________________________________

البابين ، فالبالغة في الأثناء لا تعتني بما سبق من الأجزاء على التمرينية ، لكونها صورة عبادة لا حقيقتها كما عرفت آنفاً. وعلى الشرعية تصحّ صلاتها لو اتفق سترها حال البلوغ ، لصحّة الأجزاء السابقة واللاحقة كلّ على حسب الوظيفة الفعلية ، وقس على ذلك بقية الصور فلاحظ.

(١) لإطلاق الأدلّة ، مضافاً إلى عدم الخلاف ، بل حكاية الإجماع عليه.

(٢) فإنّها هي نفس الأجزاء الأصلية قد تغيّر ظرفها وتبدّل محلّها ، فلا جرم يعتبر فيها جميع ما يعتبر فيها. والتعبير بالقضاء يراد به معناه اللغوي أعني مطلق الإتيان مع التغيير المزبور دون الاصطلاحي ليدّعى إمكان الفرق وأنّه لا يعتبر في القضاء ما يعتبر في الأداء ، وإن كان ظاهر دليله الاتحاد أيضاً في جميع الخصوصيات ما عدا الوقت.

(٣) وإن كان الأظهر عدم الوجوب ، فإنّهما عمل مستقل شرّع لإرغام الشيطان الموقع للإنسان في السهو والنسيان ، فمن الجائز أن لا يعتبر فيه ما يعتبر في أجزاء الصلاة ، وحيث لا دليل على اعتبار الستر فيهما فيرجع إلى أصالة العدم.

(٤) لأنها دعاء وتهليل وتكبير ، وليست من حقيقة الصلاة في شي‌ء ، فلا يشملها ما دلّ على اعتبار شي‌ء في الصلاة ، وحيث لم ينهض دليل على اعتبار‌

__________________

(*) الأظهر عدم وجوب الستر فيهما.

١١٧

[١٢٦٢] مسألة ١٠ : يشترط (*) ستر العورة في الطواف أيضاً (١).

______________________________________________________

الستر فيها فيرجع إلى أصالة البراءة.

ومنه يظهر الحال في سجدة التلاوة ، كما ويرجع في سجدة الشكر إلى إطلاق الأدلّة.

(١) كما عن جماعة من القدماء والمتأخرين. ويستدل له بجملة من النصوص كلّها ضعيفة السند ، فإنّ ستة منها منقولة عن تفسير العياشي (١) وطريقه إلى المعصوم عليه‌السلام مجهول بعد أن حذف المستنسخ أسناد الكتاب روماً للاختصار ، مضمونها أنّه : ولا يطوفنّ بالبيت عريان.

والسابعة : ما رواه الصدوق في العلل بإسناد يشتمل على عدة من المجاهيل عن ابن عباس في حديث : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث علياً عليه‌السلام ينادي : لا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .. » (٢).

والثامنة : ما رواه القمي في تفسيره عن أبيه عن محمد بن الفضيل ( الفضل ) عن الرضا عليه‌السلام قال « قال أمير المؤمنين : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرني عن الله أن لا يطوف بالبيت عريان .. » إلخ (٣).

وهي أيضاً ضعيفة السند ، من أجل تردد الراوي الأخير بين محمد بن القاسم بن الفضيل الثقة وبين محمد بن الفضيل الأزدي ، ولم يوثق. إذن فلا يمكن الاعتماد على شي‌ء من هذه الأخبار. ولعلّه يشير العلامة في المختلف بقوله : والرواية بالاشتراط غير مسندة من طرقنا (٤) يريد به أنّها لم تثبت من‌

__________________

(*) على الأحوط لزوماً.

(١) الوسائل ١٣ : ٤٠٠ / أبواب الطواف ب ٥٣ ح ٣ ٨ ، تفسير العياشي ٢ : ٧٤.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٠٠ / أبواب الطواف ب ٥٣ ح ١ ، علل الشرائع : ١٩٠ / ب ١٥٠ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٠٠ / أبواب الطواف ب ٥٣ ح ٢ ، تفسير القمي ١ : ٢٨٢.

(٤) لاحظ المختلف ٤ : ٢١٥ [ فانّ قوله المذكور ذكره تعليقاً على الاستدلال بالنبوي الآتي « الطواف بالبيت صلاة » ].

١١٨

طريق معتبر.

ومن الغريب ما عن كشف اللثام من أنّ الخبر يقرب من التواتر (١). فإنّه لم يبلغ حدّ الاستفاضة فضلاً عن التواتر ، لما عرفت من أنّ ستة منها رواها شخص واحد وهو العياشي. ولنفرض أنّه رواها بأجمعها عن طريق صحيح فانّ غايتها أنّها معتبرة لا متواترة ، إذ يشترط في التواتر تعدّد الرواة في كلّ طبقة كما لا يخفى.

على أنّها في أنفسها لا تخلو عن غرابة ، حيث لم تذكر ولا واحدة منها في الجوامع الفقهية ، فلم يذكرها المشايخ الثلاثة في شي‌ء من الكتب الأربعة ، هذا بحسب السند.

وقد ناقش صاحب الجواهر (٢) في دلالتها أيضاً بأنّ الطواف عارياً لا يلازم كشف العورة ، فإنّ بينهما عموماً من وجه ، فقد يطوف عارياً ساتراً لخصوص عورته ، وقد يطوف لابساً مع كشفها ، فالمنع الوارد في النص لا يكشف عن لزوم الستر.

ثم أجاب بما هو الصواب من أنّ المراد من العراء في هذه النصوص ستر (٣) العورة للإجماع على صحة الطواف عارياً مع سترها. فلا قصور فيها من ناحية الدلالة ، هذا.

وربما يستدلّ لاعتبار الستر بما ورد من أن « الطواف بالبيت صلاة » (٤) فيعتبر فيه ما يعتبر فيها ومنه الستر.

وفيه : أنّ هذا الحديث نبوي ، ولم يرد من طرقنا ، فلا يمكن الاعتماد عليه.

نعم ، يمكن الاستدلال لذلك بمصحح يونس بن يعقوب قال « قلت‌

__________________

(١) كشف اللثام ٥ : ٤٠٨.

(٢) الجواهر ١٩ : ٢٧٨.

(٣) كذا في الجواهر ، لكن العبارة لا تخلو عن نوع من المسامحة كما لا يخفى.

(٤) سنن البيهقي ٥ : ٨٥ ، ٨٧.

١١٩

[١٢٦٣] مسألة ١١ : إذا بدت العورة كلا أو بعضاً لريح أو غفلة لم تبطل الصلاة (١)

______________________________________________________

لأبي عبد الله عليه‌السلام : رأيت في ثوبي شيئاً من دم وأنا أطوف ، قال : فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله ، ثم عد فابن على طوافك » (١).

فإنّ الأمر بالعود مع فرض إطلاق الرواية بمقتضى ترك الاستفصال من حيث وجوب الطواف أو استحبابه ، وكونه قبل تجاوز النصف أو بعده ووضوح عدم وجوب إتمامه حينئذ إرشاد إلى اشتراط الطواف بساتر طاهر كاشتراط الصلاة به ، وقد ورد نظير هذا المضمون فيها أيضاً. ولا يحتمل أن يكون الأمر مولوياً ، لعدم احتمال حرمة الصلاة أو الطواف مع الثوب النجس وإنّما هو إرشاد إلى الشرطية المزبورة ، ومرجعها إلى اشتراط أمرين فيهما : أحدهما الثوب فلا تجوزان عارياً. والثاني طهارته. فيظهر من ذلك أنّ الستر معتبر في الطواف وإلا لما أمره بالغسل تعييناً ، بل خيّره بينه وبين الإتمام عارياً لإطلاق الرواية من جهة الناظر المحترم ، ومن جهة الليل الأظلم.

وبالجملة : فلا يبعد دلالتها على عدم جواز الطواف عرياناً بعد ان كان السند تاماً ، إذ لا غمز فيه ما عدا اشتمال طريق الصدوق إلى يونس بن يعقوب على الحكم بن مسكين (٢) ولكنّه ثقة على الأظهر لوجوده في أسناد كامل الزيارات (٣). إذن فرعاية الستر أحوط لزوماً ، فتدبر جيداً.

(١) يريد به بقرينة المقابلة ما لو علم بالبدوّ بعد الفراغ ، ولا إشكال حينئذ في الصحة ، لحديث لا تعاد ، ولصحيحة علي بن جعفر المتقدمة (٤) ، فانّ المتيقّن منها هو هذه الصورة.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٩٩ / أبواب الطواف ب ٥٢ ح ١.

(٢) الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ٤٦.

(٣) تقدّم أنّه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

(٤) في ص ١١٣.

١٢٠