موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

ومنها : ما رواه العياشي في تفسيره عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام « قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) قال : الجدي ، لأنه نجم لا يزول ، وعليه بناء القبلة ، وبه يهتدي أهل البر والبحر » (١).

ومنها : ما رواه أيضاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في قوله ( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) قال : ظاهر وباطن ، الجدي عليه تبنى القبلة ، وبه يهتدي أهل البر والبحر ، لأنه نجم لا يزول » (٢).

وهذه الروايات الثلاث كلها ضعيفة السند بالإرسال ، ولا تصلح للاستدلال. أما الأُولى فواضح ، وكذا الأخيرتان ، لجهالة طريق العياشي بعد أن حذف المستنسخ سامحه الله إسناد الأخبار روماً للاختصار ، زعماً منه أنه خدمة للعلم وأهله ، فأخرجها عن المسانيد إلى المراسيل ، وليته لم يفعل.

والعمدة هي الرواية الرابعة ، وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن الطاطري عن جعفر بن سماعة عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته عن القبلة ، فقال : ضع الجدي في قفاك وصلّ » (٣).

والكلام فيها يقع تارة من حيث الدلالة ، وأُخرى من ناحية السند فهنا جهتان :

أما الجهة الأُولى : فقد نوقش في دلالتها من وجوه :

أحدها : أنها مجملة ، للقطع بعدم إرادة الإطلاق لجميع الأصقاع ، فإن هذه الأمارة تختص بالبلاد الواقعة شمالي مكة بحيث تكون قبلتها نقطة الجنوب كبعض مناطق العراق ، وأما في غيرها فربما تستوجب استدبار القبلة تماماً كالبلاد الواقعة جنوبها مثل عدن ، وربما تستوجب الانحراف الشاسع كالواقعة‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٠٧ / أبواب القبلة ب ٥ ح ٣ ، تفسير العياشي ٢ : ٢٥٦ / ١٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٠٧ / أبواب القبلة ب ٥ ح ٤ ، تفسير العياشي ٢ : ٢٥٦ / ١٣.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٠٦ / أبواب القبلة ب ٥ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٤٥ / ١٤٣.

٤٤١

شرقيها أو غربيها كما يتضح ذلك جلياً لمن يصلي في المسجد الحرام ، فإنه لو اتجه عند استقبال الكعبة نحو الجنوب فالجدي على قفاه ، أو الشمال فقبال وجهه ، أو المشرق فعلى يساره ، أو المغرب فعلى يمينه ، وهكذا الحال بالإضافة إلى جميع البلدان الواقعة خلفه المنتشرة في أصقاع العالم في تمام الجوانب الأربعة.

وبالجملة : فارادة الإطلاق ممتنعة ، ولا قرينة على الاختصاص بصقع معيّن ، ومجرد كون السائل كوفياً لا يستوجبه. ونتيجة ذلك ما عرفت من إجمال الرواية.

ويندفع : بأن كون السائل وهو محمد بن مسلم كوفياً وإن لم يستوجبه كما ذكر إلا أنّه لا مناص من أن يكون بلده هو القدر المتيقن من مورد العلامة ، لعدم احتمال اختصاصها بغيره لاستلزامه تخصيص المورد المستهجن كما لا يخفى. واحتمال إرادة بلد السؤال وإن كان مخالفاً لبلد السائل كما ترى ، وإذا كانت الرواية مشتملة على القدر المتيقن فقد خرجت بذلك عن الإجمال.

ثانيها : أن هذه العلامة لا تنطبق حتى على الكوفة نفسها ، لما ذكره المحققون من مهرة الفن من انحراف قبلتها عن نقطة الجنوب إلى المغرب على اختلاف الأقوال أقلها اثنتا عشرة درجة وأكثرها إحدى وعشرون درجة ، فهي إذن باقية على إجمالها.

ويندفع بما تقدم (١) من تحقق الاتجاه الحقيقي نحو الكعبة فيما إذا كانت واقعة خلال سبع الدائرة ، نظراً إلى أن عرض الجبهة التي هي المناط في المواجهة تعادل أربع أصابع تقريباً التي نسبتها إلى مجموع دائرة الرأس وهي ثمان وعشرون إصبعاً تقريباً هي السبع ، وبما أن تمام الدائرة ثلاثمائة وستون درجة فسبعها يكون اثنتين وخمسين درجة. وعليه فعند الاتجاه إن كانت‌

__________________

(١) في ص ٤٣١.

٤٤٢

الكعبة موازية لوسط الجبهة فهو ، وكذا لو كانت منحرفة إلى أحد الجانبين ، أي بمقدار ست وعشرين درجة من كل جانب ، فان الانحراف بهذا المقدار غير قادح في صدق الاستقبال الحقيقي كما تقدم ، وإنما القادح هو الأكثر من ذلك ، والمفروض أنّ انحراف الكوفة لا يبلغ هذا الحد فلا يقدح.

ثالثها : أن قبلة الكوفة وهي من أعظم الأمصار الإسلامية الحاوية على مساجد عديدة ، ومنها المسجد الأعظم الذي صلى فيه جملة من الأنبياء والمعصومين عليهم‌السلام معروفة مشهورة ومعلومة لدى العوام فضلاً عن الخواص فكيف يمكن افتراض الجهل بها ولا سيما من مثل محمد بن مسلم على ما هو عليه من جلالة القدر ، فلا يحتمل اختصاص العلامة بها ، وقد عرفت امتناع الأخذ بالإطلاق ، فلا محالة تصبح الرواية مجملة.

ويندفع : بأنّ ذلك لا يمنع عن تعلق السؤال بالكوفة بلحاظ خارج البلدة وضواحيها ، حيث لا مسجد ولا محراب ولا علامة يهتدي بها من شمس أو قمر ونحوهما لوجود الظلام وحلول الليل كما قد يرشد إليه الجواب من الإحالة إلى الجدي.

وعلى الجملة : فالظاهر أنّ دلالة الرواية تامة ولا مجال للخدش فيها بشي‌ء مما ذكر.

وأما الجهة الثانية : فالظاهر أنّ السند ضعيف بالرغم من التعبير عنها بالموثقة في كثير من الكلمات وكون رجال السند بأجمعهم ثقات ، وذلك لضعف طريق الشيخ إلى علي بن الحسن الطاطري بعلي بن محمد بن الزبير القرشي (١) فإنه لم يوثق ، وكأن التعبير المزبور مبني على الغفلة عن إمعان النظر في الطريق. وكيف ما كان فينبغي النقاش في الرواية من حيث السند لا الدلالة.

__________________

(١) التهذيب ١٠ ( المشيخة ) : ٧٦.

٤٤٣

فتحصل : أنه لم ينهض أي دليل شرعي على أمارية الجدي ولو في الجملة ، لضعف اسناد الروايات بأجمعها ، ولكنه مع ذلك لا ينبغي التأمل في أماريتها إجمالاً كما أسلفناك من ملاحظة الواقف في المسجد الحرام متجهاً نحو الكعبة من الجوانب الأربعة ، حيث يكون الجدي بالنسبة إليه وإلى البلدان الواقعة خلفه على قفاه تارة وقبال وجهه اخرى ، وعن يمينه أو شماله حسبما تقدم (١) ، كما أن البلدان الواقعة فيما بين هذه الجهات تنحرف قبلتها نحو الجهة الأُخرى بدرجات حسب اختلاف طول البلد وعرضه. فلا بد إذن من الرجوع إلى القواعد المقررة لمعرفة ذلك.

ولا بأس بالإشارة إليه إجمالاً ، وقبل التعرض لها ينبغي التعرّف على بعض المصطلحات مما ذكره أهل الفن.

فمنها : خطّ الاستواء ، وهو الخط الموهوم المرسوم بين نقطتي المشرق والمغرب الاعتداليين ، والموجب لتقسيم الكرة الأرضية إلى نصف شمالي ونصف جنوبي.

ومنها : خط نصف النهار ، وهو المرسوم بين نقطتي الشمال والجنوب القاسم للأُفق إلى نصف شرقي ونصف غربي والقاطع لخط الاستواء المزبور ويسمى بخط الطول أيضاً.

ومنها : عرض البلد ، ويعنون به مقدار بعده عن خط الاستواء الذي هو أكبر دائرة وهمية حول الأرض قاسمة لها إلى ما عرفت من نصفي الشمال والجنوب على بعدين متساويين من القطبين ، لا يزيد أحدهما على الآخر ، فالدوائر الوهمية المنتشرة على سطح الأرض الموازية لهذه الدائرة التي عددها تسعون درجة شمالاً وتسعون درجة جنوباً ولا تزال تصغر إلى أن تتلاشى عند القطبين هي المسماة بخطوط العرض.

__________________

(١) في ص ٤٤١.

٤٤٤

وبالجملة : فاختلاف البلدان في العرض ينشأ من اختلاف مقدار بعدها عن الخط المزبور ، كما أن اتحادها فيه عبارة عن عدم تفاوتها في كمية البعد عنه وكونها في مقدار الابتعاد على حد سواء بحيث كان خط المشرق والمغرب المار بأحدهما ماراً بالآخر.

ومنها : طول البلد ويراد به مقدار بعده عن جزيرة ( فرّو ) ويقال لها ( هرّو ) أيضاً ، التي هي من الجزائر الخالدات الواقعة في جانب المغرب على ساحل البحر ، التي كانت تعتبر عند القدماء آخر الربع المسكون من الأرض ، فالمقياس في الاختلاف في الطول هو مقدار القرب والبعد من الجزائر المزبورة. أما في زماننا فيعتبر مبدأ الطول من قرية يقال لها ( گرينويچ ) واقعة في الجنوب الشرقي من لندن عاصمة بريطانيا ، هذا.

وقد صرح أرباب هذا الفن كما في الحدائق (١) بأن الأقاليم السبعة المسكونة وما فيها من البلدان كلها في النصف الشمالي من الأرض ، أما النصف الجنوبي فغير مسكون ، لاستيلاء الحرارة والماء عليه ، كما أن المعمور من النصف الشمالي إنما هو نصفه المتصل بخط الاستواء ، وهو الذي فيه الأقاليم السبعة ، والنصف الآخر خراب لشدة البرد ، ومن ثم كان المسكون من الكرة الأرضية هو ربعها لا غير.

هذا ولكن العلوم الحديثة والاكتشافات الأخيرة لا تساعد على هذه الدعوى كما لا يخفى.

إذا عرفت هذا فنقول : تنحرف مكة المكرمة عن خط الاستواء إلى طرف الشمال بمقدار إحدى وعشرين درجة وبضع دقائق فهذا هو عرضها ، كما أن طولها أي بعدها عن نقطة گرينويچ ٣٩ درجة وخمسون دقيقة ، وعليه :

فان كانت البلدة متحدة مع مكة طولاً فكان خط نصف النهار المار على‌

__________________

(١) الحدائق ٦ : ٣٩٠.

٤٤٥

إحداهما ماراً على الأُخرى مختلفة معها عرضا ، فان كان بعدها من خط الاستواء أكثر من بعد مكة أي زادت عليها عرضاً فكانت طبعاً شماليها فقبلتها نقطة الجنوب ، وإن كان أقل فنقصت عرضا أو كانت البلدة واقعة في طرف الجنوب من خط الاستواء فكانت طبعاً بالإضافة إلى مكة جنوبية فقبلتها نقطة الشمال ، هذا فيما إذا اتفقت البلدة مع مكة طولاً واختلفتا عرضاً.

وأما لو انعكس الأمر فاتفقتا عرضاً ، أي في مقدار البعد عن الاستواء فكان خط المشرق والمغرب المار بإحداهما ماراً بالأُخرى ولكن اختلفتا طولاً ، فان كانت شرقي مكة فقبلتها نقطة المغرب ، وإن كانت غربيها فنقطة المشرق. وإن شئت فقل : إن زادت طولا فكانت أبعد من مكة إلى الجزائر الخالدات فقبلتها نقطة المغرب ، وإن نقصت فنقطة المشرق.

وأما إذا اختلفتا في الطول والعرض معاً فان كانت البلدة واقعة ما بين المغرب والجنوب فنقصت عن مكة طولاً وعرضاً فقبلتها ما بين المشرق والشمال ، وإن كانت واقعة ما بين الشمال والمشرق فزادت عليها طولا وعرضاً فقبلتها ما بين الجنوب والمغرب فكان انحراف البلدة عن نقطة الشمال إلى المشرق موجباً لانحراف القبلة عن الجنوب إلى المغرب ، وإن زاد طول مكة ونقص عرضها فالقبلة ما بين الجنوب والمشرق ، وإن انعكس فما بين المغرب والشمال.

والحاصل : أن قبلة البلاد تعيّن على هذا الأساس. ويتضح ذلك برسم دائرة بعد تسوية الأرض وتقسيمها أقواساً أربعة متساوية ذات أربع زوايا حادة كل زاوية تسعون درجة ليكون مجموع الدائرة ثلاثمائة وستين درجة ، ثم وضع البلدة في موضعها من الدائرة بنسبة الطول والعرض ، ثم رسم خط منها إلى مكة بعد افتراضها في مركز الدائرة ومنها إلى المحيط ، ثم ملاحظة مقدار التفاوت بين موضع التقاطع وبين أحد الجوانب الأربعة فذلك المقدار هو مقدار الانحراف ، وبذلك تعرف قبلة البلدة على سبيل التحقيق.

٤٤٦

والمتحصل مما تقدم : أن للقبلة ثمان جهات :

١ نقطة الشمال إن كان طول البلد متحداً مع مكة وعرضه أقل.

٢ نقطة الجنوب إن اتحدا طولاً وعرض البلد أكثر.

٣ نقطة المشرق إن اتحدا عرضاً وطول البلد أقل كجدة.

٤ نقطة المغرب إن اتحدا عرضاً وطول البلد أكثر.

٥ بين الجنوب والمغرب إذا زاد البلد طولاً وعرضاً.

٦ بين الشمال والمشرق إذا نقص البلد طولاً وعرضاً.

٧ بين الشمال والمغرب إذا كان طول البلد أكثر وعرضه أقل.

٨ بين الجنوب والمشرق إذا كان طوله أقل وعرضه أكثر.

ثم إنه يمكن استعلام القبلة من النيرين الأعظمين الشمس والقمر.

أما الشمس فباستقبال قرصها عند زوالها في مكة في اليوم الذي ينعدم ظلها لأجل إشراقها على رؤوس أهلها عمودياً ، وهو يومان في مجموع السنة.

وتوضيحه : أنك قد عرفت أن مكة المشرفة تقع في عرض إحدى وعشرين درجة من خط الاستواء ، وقد ذكروا أن غاية ميل الشمس عن هذا الخط إنما هو ثلاث وعشرون درجة تقريباً ، ويسمى ذلك عندهم بالميل الأعظم ، مبدؤه أول يوم من برج الحمل حيث تكون الشمس شمالية فإنها تدور خلال سنة واحدة في فلك يسمى عند أهل الهيئة بمنطقة البروج ، وهي دائرة محيطة بالأرض كالمنطقة مشتملة على اثني عشر برجاً تحدث من هذا الدوران الفصول الأربعة وهي في مدارها في ستة من هذه البروج ، وهي برج الحمل والثور والجوزاء وهي أشهر الربيع والسرطان والأسد والسنبلة وهي أشهر الصيف شمالية ، وفي الستة الأُخرى وهي الميزان والعقرب والقوس وهي أشهر الخريف والجدي‌

٤٤٧

والدلو والحوت وهي أشهر الشتاء جنوبية ، فهي تسير من خط الاستواء إلى الميل الأعظم في تسعين يوماً ، وترجع في تسعين شمالاً ، وهكذا من ناحية الجنوب.

إذن فكل بلدة واقعة بين الخط والميل المزبورين ومنها مكة المكرمة ، لأنها دون ثلاث وعشرين درجة كما عرفت تسامت الشمس على رؤوس أهلها وينعدم ظلها مرتين في طول السنة ، مرة صاعدة وهي في الثامن من الجوزاء المطابق للسابع من خرداد من أشهر الفرس ، ومرة اخرى هابطة وهي في الثالث والعشرين من السرطان الموافق للثالث والعشرين من ( تير ماه ). وأما البلاد الواقعة على نفس الميل الأعظم فلا ينعدم الظل فيها في السنة إلاّ مرة واحدة ، كما أن الواقعة في الخارج عن هذا الحد لا ينعدم الظل فيها أصلاً.

وعليه فاذا استقبلنا قرص الشمس في أحد هذين اليومين ساعة زوالها في مكة المتيسر ضبطها جدّاً في هذه الأعصار من طريق الإذاعة فقد استقبلنا مكة واستكشفنا القبلة على سبيل الدقة.

وأما القمر فهو يسير في الفلك المزبور ويقطعه في شهر واحد في كل برج يومين وثلث اليوم بخلاف الشمس التي كانت تقطعه في سنة كاملة حسبما عرفت. وعليه فهو يكون مسامتاً لمكة في منتصف الليل في الشهر مرتين ، كما كانت الشمس مسامتة لها في السنة كذلك ، فاذا شخّص زمان المسامتة بالدقة وشخص منتصف الليل لمكة كان استقبال القمر في بلادنا ونحوها في الوقت المذكور استقبالاً لمكة ولخط القبلة تحقيقاً.

ثم إن السيد الأُستاذ ( دام ظله ) طوى البحث عن جملة مما ذكر في المتن ولم يتعرض إليها إيكالاً إلى وضوحها مما سبق أو قلة الجدوى فلاحظ.

٤٤٨

ومنها : جعل المشرق على اليمين (*) والمغرب على الشمال (١) لأهل العراق أيضاً في مواضع يوضع الجدي بين الكتفين كالموصل (٢).

ومنها : الثريا والعيوق لأهل المغرب يضعون الأول عند طلوعه على الأيمن والثاني على الأيسر.

ومنها : محراب صلى فيه معصوم فان علم أنه صلى فيه من غير تيامن ولا تياسر كان مفيداً للعلم (٣) ، وإلاّ فيفيد الظن.

ومنها : قبر المعصوم ، فاذا علم عدم تغيره وأن ظاهره مطابق لوضع الجسد أفاد العلم ، وإلاّ فيفيد الظن.

ومنها : قبلة المسلمين في صلاتهم وقبورهم ومحاريبهم إذا لم يعلم بناؤها على الغلط إلى غير ذلك كقواعد الهيئة وقول أهل خبرتها.

______________________________________________________

(١) من الواضح جدّاً أن هذا سهو (١) إما من قلمه الشريف أو من النساخ ، وأن الصحيح عكسه.

(٢) وكذا سنجار ونحوه من البلاد التي قبلتها نقطة الجنوب ، بل هي علامة لأوساط العراق أيضاً كالكوفة وبغداد وحلة وما والاها بناء على ما هو الصواب من اغتفار الانحراف بمقدار ست وعشرين درجة حتى عامداً كما سبق ، ووضوح عدم بلوغ درجات الانحراف في هذه البلاد إلى هذا الحد.

(٣) لا يخفى أن حصول العلم من هذا ونحوه كقبر المعصوم عليه‌السلام المعلوم مطابقة ظاهره مع موضع الجسد ، بل حتى الصلاة خلفه عليه‌السلام مباشرة مشكل.

أما أوّلاً : فلاحتمال الانحراف اليسير منا ولو بمقدار غير محسوس فلا يتلاقى الخط الخارج من وسط جبهتنا مع الخط الخارج من وسط جبهة‌

__________________

(*) هذا من سهو القلم ، والصحيح عكسه.

(١) هذا السهو موجود في بعض النسخ ولا يطّرد في جميعها فلاحظ.

٤٤٩

[١٢٣٠] مسألة ٢ : عند عدم إمكان تحصيل العلم بالقبلة يجب الاجتهاد في تحصيل الظن (*) (١)

______________________________________________________

المعصوم المفروض تلاقيه مع عين الكعبة ، ضرورة أن الانحراف في مبدأ الخطوط المتوازية وإن كان يسيراً جدّاً وقد بلغ من القلة ما بلغ إلا أنه يزداد شيئاً فشيئاً ، ويبدو كثيراً في المنتهي سيما مع بعد المسافة ، فلا يكون خطنا ملاصقاً للكعبة بل ينحرف طبعاً يمنة أو يسرة بعد وضوح اختلاف الجبهات في مقدار السعة ، فإنه كلما بعد يتسع الانحراف بطبيعة الحال.

وثانياً : لم يتضح إعمال المعصوم عليه‌السلام علمه الخاص في أمثال هذه الموارد ، ومن الجائز أن يواسي غيره من سائر المكلفين في الأخذ بظواهر الشرع والعمل بالظنون والأمارات في تشخيص الموضوعات ، فلا يختلف عنا في عدم التجاوز عن حدود الظن في تشخيص القبلة والاستناد إلى الأمارات المعتبرة كما أشار إليه المحقق الهمداني قدس‌سره (١).

نعم ، بناءً على المختار من كفاية الاستقبال بمقدار سبع الدائرة يحصل العلم لا محالة في غالب الأمارات المتقدمة ، لعدم خروج الكعبة عن هذا الحد غالباً ، إذن فيفصّل بين القول المشهور من اعتبار خروج الخط من وسط جبهة المصلي وإصابته للكعبة وبين القول بالاتساع والاكتفاء بسبع الدائرة ، فيتعذر العلم على الأول ، ويتيسر غالباً على الثاني فلاحظ.

(١) لما تقدم (٢) من النصوص الدالة على التحري لدى الجهل بالقبلة التي منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « يجزئ التحري أبداً‌

__________________

(*) أو الاحتياط بتكرار الصلاة إلى الأطراف المحتملة ، بل يجوز التكرار مع إمكان تحصيل العلم أيضاً.

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٩٤ السطر ٢٧.

(٢) في ص ٤٣٤.

٤٥٠

ولا يجوز الاكتفاء بالظن الضعيف مع إمكان القوي (١) كما لا يجوز الاكتفاء به مع إمكان الأقوى ، ولا فرق بين أسباب حصول الظن (٢) فالمدار على الأقوى فالأقوى ، سواء حصل من الأمارات المذكورة أو من غيرها ولو من قول فاسق بل ولو كافر.

فلو أخبر عدل ولم يحصل الظن بقوله وأخبر فاسق أو كافر بخلافه وحصل منه الظن من جهة كونه من أهل الخبرة يعمل به (*) (٣).

______________________________________________________

إذا لم يعلم أين وجه القبلة » (١) ، هذا.

وظاهر كلامه قدس‌سره تعين ذلك ، وليس كذلك ، بل هو مخير بينه وبين الاحتياط بالصلاة إلى سبع جهات أو ثلاث كما تقدم بيانه (٢) ، وقد ذكرنا في الأُصول في مباحث الاجتهاد والتقليد (٣) أن الامتثال الإجمالي في عرض التفصيلي فيمكنه العمل بالاحتياط حتى مع التمكن من إحراز الامتثال التفصيلي بالعلم الوجداني ، فإذا ساغ ذلك ساغ مع العجز عنه بطريق أولى.

(١) لكونه على خلاف التحري المأمور به في النص ، ومنه يظهر الحال فيما بعده.

(٢) لإطلاق النص المتقدم الشامل للحاصل حتى من قول الكافر.

(٣) هذا على إطلاقه ممنوع ، وإنما يتجه فيما إذا كان إخبار العادل مستنداً إلى الحدس بحيث يكون ساقطاً عن الاعتبار في حد نفسه ، وأما إذا استند إلى الحس وبنينا على حجيته في الموضوعات من غير إناطة بإفادة الظن كما هو الأصح على ما سبق فاللازم تقديمه ، لأنه حجة شرعية وعلم تعبدي ، ومعه لا تصل النوبة إلى التحري والتعويل على الظن الحاصل من قول‌

__________________

(*) إذا كان خبر العدل حسيّا فلا يبعد تقدّمه على الظن ، والاحتياط لا ينبغي تركه.

(١) الوسائل ٤ : ٣٠٧ / أبواب القبلة ب ٦ ح ١.

(٢) في ص ٤٣٦.

(٣) شرح العروة ١ : ٥١ ، مصباح الأصول ٢ : ٧٧.

٤٥١

[١٢٣١] مسألة ٣ : لا فرق في وجوب الاجتهاد بين الأعمى والبصير (١) غاية الأمر أن اجتهاد الأعمى هو الرجوع إلى الغير (*) في بيان الأمارات أو في تعيين القبلة.

[١٢٣٢] مسألة ٤ : لا يعتبر إخبار صاحب المنزل إذا لم يفد الظن (٢).

______________________________________________________

الفاسق أو الكافر كما هو ظاهر.

(١) لإطلاق دليل التحري الشامل للأعمى كالبصير ، غاية الأمر أنه لما كان فاقداً لحاسة البصر احتاج إلى الاستهداء من الغير في مقدمات الاجتهاد من بيان الأمارات أو تعيين الجهات ، وبعد اطّلاعه عليها يجتهد بنفسه إن لم يحصل له الظن بالقبلة من قوله وإلا كان بنفسه مصداقاً للتحري ، بل ربما يكون أبصر من البصير لتضلعه في علم الهيئة ومعرفته بطول البلاد وعرضها ومقادير انحرافها ومواقع النجوم وحركاتها ، فاذا ساعده البصير في مقدماتها بذل جهده وأعطى الاجتهاد حقه ، بل ربما لا يحتاج إليه بتاتاً كما لو دخل المسجد واستعلم المحراب مباشرة عن طريق المسّ ، وكذا في مقابر المسلمين.

وبالجملة : لا قصور في إطلاق الدليل للشمول لهما بمناط واحد وإن اختلفا غالباً في سنخ الاجتهاد حسبما عرفت ، وليس ذلك من رجوع الجاهل إلى العالم ليدخل في باب التقليد كي يناقش بعدم مساعدة الدليل عليه في المقام. فما حكي عن بعض من سقوط التحري عنه ولزوم الصلاة إلى أربع جهات في غير محله.

(٢) لعدم الدليل على اعتبار قوله بعد وضوح عدم كونه مصداقاً للتحري ما لم يفد الظن ، نعم قام الدليل على اعتباره من باب إخبار ذي اليد في مواضع خاصة مما يتعلق بأحكام ما في اليد من الطهارة أو النجاسة أو الملكية حسبما‌

__________________

(*) هذا بحسب الغالب وإلا فيمكن اجتهاده بغيره أيضاً.

٤٥٢

ولا يكتفى بالظن الحاصل من قوله إذا أمكن تحصيل الأقوى (١).

[١٢٣٣] مسألة ٥ : إذا كان اجتهاده مخالفاً لقبلة بلد المسلمين في محاريبهم ومذابحهم وقبورهم فالأحوط تكرار الصلاة (*) (٢) إلا إذا علم بكونها مبنية على الغلط.

[١٢٣٤] مسألة ٦ : إذا حصر القبلة في جهتين بأن علم أنها لا تخرج عن إحداهما وجب عليه تكرار الصلاة (٣) إلا إذا كانت إحداهما مظنونة والأُخرى موهومة فيكتفى بالأولى (٤) ، وإذا حصر فيهما ظنا فكذلك يكرر فيهما (٥) لكن الأحوط إجراء حكم المتحير فيه بتكرارها إلى أربع جهات.

______________________________________________________

سبق الكلام حولها في كتاب الطهارة (١) ومن البيّن عدم كون المقام منها.

وعليه فأخبار صاحب الدار وغيره على حد سواء في أنه إن أفاد الظن أُخذ به من باب التحري ما لم يكن ظن أقوى على خلافه ، وإلا فان كان عدلاً بل ثقة واستند إلى الحس كان حجة وإلا فلا.

(١) لوضوح أن الأقوى هو المصداق للتحري حينئذ لا غير.

(٢) لا حاجة إليه ، لما أسلفناك من أن هذه الأُمور لم تكن من العلامات القطعية ولا الأمارات الشرعية ، إذ لم ينهض عليها دليل ما عدا السيرة ، والمتيقن منها ما إذا لم يكن ظن على خلافها ، أما مع وجوده وكونه أقوى من الظن الحاصل منها كما هو المفروض فهو المتبع ، عملاً بإطلاق دليل التحري. إذن فالأقوى جواز الاكتفاء بظنه الاجتهادي ولا حاجة إلى التكرار.

(٣) رعاية لتنجيز العلم الإجمالي الموجب لتحصيل الفراغ اليقيني.

(٤) لكونها حينئذ مصداقاً للتحري المأمور به.

(٥) لحصول التحري بذلك. وقد يقال بتوقفه على حجية الظن في هذا‌

__________________

(*) جواز الاكتفاء بظنّه الاجتهادي لا يخلو من قوّة.

(١) شرح العروة ٢ : ٢٦٦.

٤٥٣

[١٢٣٥] مسألة ٧ : إذا اجتهد لصلاة وحصل له الظن لا يجب تجديد الاجتهاد لصلاة أُخرى ما دام الظن باقياً (١).

[١٢٣٦] مسألة ٨ : إذا ظن بعد الاجتهاد أنها في جهة فصلى الظهر مثلاً إليها ثم تبدل ظنه إلى جهة أُخرى ، وجب عليه إتيان العصر الى الجهة الثانية (٢). وهل يجب اعادة الظهر أو لا (٣)؟ الأقوى وجوبها إذا كان مقتضى ظنه الثاني وقوع الاولى مستدبراً أو إلى اليمين أو اليسار ، وإذا كان مقتضاه وقوعها ما بين اليمين واليسار لا تجب الإعادة.

______________________________________________________

الباب مطلقاً ولا دليل عليه ، وإنما الثابت حجية الظن التفصيلي الذي به يحصل التحري دون الإجمالي فبدونه يرجع إلى وظيفة المتحير من الصلاة إلى أربع جهات ، ولأجله احتاط الماتن في ذلك.

ويندفع بعدم الفرق بين الظن الإجمالي والتفصيلي في كون كل منهما مصداقاً للتحري ، أي الأخذ بالاحتمال الأحرى وهو الأرجح ، غاية الأمر أنه يتحقق تارة بعمل واحد ، واخرى بعملين ، ولا يستوجب ذلك فرقاً في البين ، إذ لا شبهة أن احتمال القبلة في ذينك الطرفين المظنونين إجمالاً أرجح من سائر الأطراف فيكونان طبعاً مصداقاً للأحرى. إذن فلا ينبغي الشك في شمول دليل التحري لهما معاً بمناط واحد.

(١) الظاهر أن مراده من العبارة ما إذا لم يتبدل نظره في مقدمات الاجتهاد الأول فلم يحتمل تجدد الاجتهاد المخالف ، فإنه لا موقع حينئذ للتجديد ، إذ المقصود من الاجتهاد تحصيل الظن وقد حصل ، وأما إذا تبدل واحتمل التجدد فلا ينبغي التأمل في لزوم الاجتهاد ثانياً ، لعدم صدق التحري حينئذ على الاجتهاد الأول بقاء كما لا يخفى.

(٢) لأنه مقتضى التحري الفعلي بعد زوال ما تحراه سابقاً فلا بد من العمل على طبقه ، وهذا ظاهر.

(٣) يبتني ذلك على كيفية استفادة الحكم واستظهاره من دليل التحري ،

٤٥٤

أعني صحيح زرارة وموثق سماعة المتقدمين (١) ، فان المحتمل فيه وجوه ثلاثة :

أحدها : استفادة الموضوعية للتحري ، بأن تكون قبلة المتحير حتى في صقع الواقع هو ما تحراه وتعلق به ظنه سواء أصاب أم أخطأ. وعلى هذا الاحتمال لم يكن أي موجب للإعادة ، لأنه قد أتى بما هي وظيفته الواقعية آن ذاك من غير أي خلل فيها.

ولكنه كما ترى خلاف الظاهر جدّاً ، بل بمكان من السقوط ، لعدم احتمال تعدد القبلة باختلاف حالات المكلفين ، بل القبلة الواقعية يشترك فيها الكل من غير تغيير ولا تبديل.

ثانيها : استفادة الطريقية المحضة ، فالعبرة بنفس القبلة لا بمظنونها ، وإنما الظن طريق إليها يترتب عليه جميع آثار الواقع ما دام باقياً من جواز الصلاة ودفن الموتى وتذكية الذبائح وما شاكلها مما يعتبر فيه الاستقبال ، كما هو الحال في سائر الطرق والأمارات كالبينة ونحوها.

ومن جملة تلك الآثار إعادة ما صلاه بمقتضى الاجتهاد الأوّل ، لانكشاف خطئه بمقتضى الاجتهاد الثاني. وقد استظهر الماتن هذا الاحتمال ، ومن ثم حكم بوجوب الإعادة.

ثالثها : لا هذا ولا ذاك ، وإنما هو من باب الاكتفاء بالامتثال الظني من غير نظر إلى اللوازم الأُخر ليقتضي فساد ما صدر بموجب الاجتهاد الأول ، فهو طريق في مقام الامتثال وتطبيق العمل عليه فحسب.

وقد يقال بفساده ولزوم إعادة الاولى على هذا المبنى أيضاً ، نظراً إلى العلم الإجمالي ببطلان إحدى الصلاتين ، بل التفصيلي ببطلان‌

__________________

(١) تقدمت صحيحة زرارة في ص ٤٣٤. وأما موثقة سماعة فمروية في الوسائل ٤ : ٣٠٨ / أبواب القبلة ب ٦ ح ٢.

٤٥٥

وإذا كان مقتضاه وقوعها بين اليمين واليسار لا تجب الإعادة (١).

[١٢٣٧] مسألة ٩ : إذا انقلب ظنه في أثنا الصلاة إلى جهة أُخرى انقلب إلى ما ظنه إلا إذا كان الأول إلى الاستدبار أو اليمين واليسار بمقتضى ظنه الثاني فيعيد (٢).

______________________________________________________

الثانية في المترتبتين ، إما لفقد الاستقبال أو لعدم رعاية الترتيب ، فلا مناص من إعادة الاولى فراراً عن مخالفة العلم المذكور ، فإنها مدلول التزامي لما دل على وجوب الاجتهاد وإن لم يكن من لوازم نفس الاجتهاد.

وفيه : أنه لو صح ذلك كان مقتضاه إعادة الثانية أيضاً إلى الجهة التي اجتهد فيها أوّلاً ، لعين المناط الذي من أجله أعاد الاولى ، أعني العلم الإجمالي المزبور الذي مرجعه لدى التحليل إلى العلم إجمالاً ببطلان أحد الاجتهادين ، فلا بد من إيقاع كل من الصلاتين بكل من الطرفين تحصيلا للفراغ اليقيني ، ولا تكفي إعادة الاولى بمجردها كما لا يخفى.

لكن الذي يهوّن الخطب أن الاحتمال الأخير بعيد عن ظاهر الدليل بحسب المتفاهم العرفي جدّاً ، بل المنسبق منه إنما هو الاحتمال الثاني ، أعني الطريقية المحضة كسائر الطرق المعتبرة المستلزمة لترتيب جميع الآثار التي منها إعادة الاولى حسبما عرفت.

(١) لصحتها حينئذ حتى واقعاً ، والاجتزاء بها بمقتضى ما دل على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة كما ستعرف.

(٢) لما عرفت في المسألة المتقدمة من بطلان الأجزاء السابقة بمقتضى الاجتهاد الثاني ، فلا مناص من رفع اليد واستئناف الصلاة إلى الجهة التي انقلب ظنه إليها ما لم يكن الانحراف دون اليمين واليسار ، لثبوت الاغتفار وقتئذ كما سبق.

٤٥٦

[١٢٣٨] مسألة ١٠ : يجوز لأحد المجتهدين المختلفين في الاجتهاد الاقتداء بالآخر إذا كان اختلافهما يسيراً (١) بحيث لا يضر بهيئة الجماعة (٢) ولا يكون بحد الاستدبار (٣) أو اليمين أو اليسار.

[١٢٣٩] مسألة ١١ : إذا لم يقدر على الاجتهاد أو لم يحصل له الظن بكونها في جهة وكانت الجهات متساوية ، صلى إلى أربع جهات (*) إن وسع الوقت وإلا فبقدر ما وسع (٤)

______________________________________________________

(١) لصحة صلاة كل من الإمام والمأموم حتى بنظر الآخر ، ومعه لا مانع من صحة الاقتداء.

(٢) أما إذا أضرّ بالهيئة كما إذا كان الاختلاف بما دون تسعين درجة فصلاة كل منهما وإن كانت صحيحة أيضاً في حد نفسها كما عرفت ، إلا أن الإخلال بالهيئة يمنع عن صدق عنوان الجماعة فتفسد بطبيعة الحال.

(٣) للعلم الإجمالي ببطلان إحدى الصلاتين المانع عن انعقاد الجماعة ، بل لعلم المأموم تفصيلاً ببطلان صلاته ، إما لكونها لغير القبلة أو لبطلان صلاة الإمام ، ومعه لا يصح الائتمام كما هو ظاهر.

(٤) قد عرفت سابقاً (١) أن من لم يتمكن من استعلام القبلة لا بعلم ولا بعلمي ولم يقدر على تحصيل الظن بالاجتهاد والتحري فكان متحيراً بحتاً سقطت عنه شرطية القبلة حينئذ فتجزئة الصلاة إلى جهة واحدة حيث شاء على الأقوى ، لقوله عليه‌السلام في صحيح زرارة ومحمد بن مسلم : « يجزئ المتحير أبداً أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة » (٢) خلافاً للمشهور حيث التزموا حينئذ بوجوب الصلاة إلى جهات أربع كما تقدم (٣).

__________________

(*) على الأحوط كما مرّ آنفاً.

(١) في ص ٤٣٨.

(٢) الوسائل ٤ : ٣١١ / أبواب القبلة ب ٨ ح ٢.

(٣) في ص ٤٣٦.

٤٥٧

فعلى المختار لا إشكال في الاجتزاء بصلاة واحدة لدى العجز عن التكرار إلى الجوانب الأربع إما لضيق الوقت أو لمانع آخر ، فان الاكتفاء بالواحدة مع الاختيار والسعة يستوجب الاكتفاء بها مع الاضطرار والضيق بطريق أولى.

وأما على المسلك المشهور فهل يجب رعاية بقية المحتملات والإتيان بالمقدار المتمكن من الصلوات عند العجز عن الصلاة إلى تمام الجهات الأربع أم يجزئه حينئذ صلاة واحدة حيثما توجه؟ المشهور هو الأول ، وذهب بعضهم إلى الثاني.

وهذه المسألة مبنية على كبرى أُصولية والكبرى منقحة في الأُصول (١) وهي أن الاضطرار إلى ترك بعض أطراف الشبهة المحصورة في الشبهة الوجوبية هل يوجب سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز فلا مقتضي لرعاية الاحتياط في بقية الأطراف أم لا؟ بل هو بعدُ باق على التنجيز بالإضافة إلى غير مورد الاضطرار؟

ذهب صاحب الكفاية (٢) قدس‌سره إلى السقوط بدعوى أن الشرط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون المعلوم بالإجمال ذا أثر على كل تقدير بحيث يكون متعلق العلم تكليفاً فعلياً على أي حال ، وبما أن الاضطرار رافع للتكليف واقعاً ، ومن الجائز أن يكون المعلوم بالإجمال بنفسه مورداً للاضطرار المستلزم لسقوط التكليف حينئذ فلم يكن العلم الإجمالي متعلقاً بحكم فعلي على كل تقدير ، إذ لا أثر له على هذا التقدير وإن كان له الأثر على التقدير الآخر. ففي المقام الصلاة إلى الجوانب الأربعة إنما تجب للعلم الإجمالي بوقوع القبلة في أحدها أو بعد فرض الاضطرار إلى ترك إحدى الجهات أو ثنتين منها لمكان الضيق أو لمانع آخر ، واحتمال أن يكون‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٣٨٠.

(٢) كفاية الأُصول : ٣٦٠.

٤٥٨

المضطر إلى تركه هي الصلاة إلى القبلة بنفسها فلا علم بالتكليف الفعلي على كل تقدير ، فلا يكون مثل هذا العلم منجزاً ، ونتيجة ذلك سقوط شرطية القبلة حينئذ وجواز الاجتزاء بصلاة واحدة. ولعل هذا هو وجه القول بكفاية صلاة واحدة المخالف للمشهور الذي أشرنا إليه آنفاً ، هذا.

ولكن الظاهر عدم السقوط وبقاء العلم الإجمالي على صفة التنجيز فتجب رعاية الاحتياط في بقية المحتملات. والوجه في ذلك : أن الاضطرار إنما يوجب ارتفاع الحكم وسقوط التكليف إذا كان الحكم الشرعي بنفسه مورداً للاضطرار لا غيره ، أو الجامع بينه وبين غيره ، فلا بد من اتحاد المتعلقين بحيث يكون الاضطرار متعلقاً بعين ما تعلق به التكليف ، ولا شك أن الصلاة إلى القبلة الواقعية المردّدة بين الجهات الأربع لا اضطرار إلى تركها بخصوصها وفي حدّ ذاتها ، ولذا لو انكشف الحال وارتفع الإجمال وتعينت القبلة في جهة خاصة كان متمكناً من الصلاة إليها على الفرض ، وإنما الاضطرار قائم بالجمع بين المحتملات ، فمتعلقه هو الجامع بين الصلاة إلى القبلة الواقعية وبين غيرها دون الاولى بخصوصها ، ومن الضروري أن مثل هذا الاضطرار لا يرتفع به التكليف.

وعليه فوجوب الصلاة إلى القبلة المعلومة بالإجمال باق على حاله ، وحيث إن كلا من الأطراف يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليه فلا يسوّغ العقل مخالفته ، لاحتمال أن يكون ذلك مخالفة للتكليف الواصل ، فلا مؤمّن من احتمال العقاب فيجب بحكم العقل رعاية الاحتياط فيه دفعاً للضرر المحتمل ، فيأتي بالممكن من الأطراف ويصلي إلى ما يتيسر من الجهات إلى أن ينتهي إلى الطرف غير الممكن المضطر إلى تركه فيقطع حينئذ بالأمن من العقاب في ترك هذه الجهة ، لأن القبلة إن كانت في غيرها فقد صلى إليها ، وإن كانت فيها فهو مضطر في ترك الصلاة إليها فيسقط لمكان العجز ، فهو عالم بسقوط الأمر إما بالامتثال أو بالعجز.

٤٥٩

وبالجملة : ما هو المناط في رعاية الاحتياط لدى التمكن من تمام الجهات وهو احتمال أن يكون تركه مخالفة للتكليف الواصل من دون مؤمّن بعينه هو المناط عند العجز عن بعض تلك الجهات ، غايته أن الاحتياط هناك تام وفي المقام ناقص ، وهذا لا يوجب فرقاً بين المقامين كما هو ظاهر.

ثم إنه لو صلى إلى الجهات الممكنة وترك الجهة الأُخرى المتعذرة فهل يجب قضاء الصلاة إلى الجهة المتروكة؟

أما على المختار من عدم وجوب أكثر من صلاة واحدة حتى في سعة الوقت كما مر فلا موضوع لهذا البحث ، إذ لا تجب رعاية الجهات في الوقت فضلاً عن خارجه ، وهذا واضح.

وأما على المبنى المشهور من وجوب الصلاة إلى الجهات الأربع فالمحتملات في المقام ثلاثة ، ولعلّ لكل منها قائلاً.

الأول : عدم وجوب القضاء ، لأنه قد أتى بوظيفته المقررة له في الوقت ، وعمل بالواجب حسب قدرته وطاقته فلم يفت عنه شي‌ء كي يقضي.

الثاني : وجوب القضاء ، للشك في وقوع الصلاة إلى القبلة الواقعية ، والأصل العدم ، فلا بد من الإتيان بالجهة الأُخرى المكملة للجهات كي يحرز الامتثال.

الثالث : التفصيل بين ما لو انكشف الخلاف وتبين أن الجهات المأتي بها كانت إلى غير القبلة فيجب دون ما إذا لم ينكشف ، وهذا هو الصحيح.

أما الوجوب في فرض الانكشاف فلأن القبلة من الأركان التي تبطل الصلاة بفقدها ، ولأجله كانت أحد المستثنيات في حديث لا تعاد ، وعليه فالصلاة الصحيحة قد فاتته في الوقت فيجب القضاء خارجه.

وأما عدم الوجوب عند عدم الانكشاف فلأن القضاء بأمر جديد ، وموضوعه الفوت ، وهو غير محرز لا بالوجدان كما هو ظاهر ولا بالأصل ،

٤٦٠