موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٢١١] مسألة ٣ : إذا تيقن دخول الوقت فصلى أو عمل بالظن المعتبر كشهادة العدلين وأذان العدل العارف ، فان تبين وقوع الصلاة بتمامها قبل الوقت بطلت ووجب الإعادة ، وإن تبين دخول الوقت في أثنائها ولو قبل السلام صحت (*) (١)

______________________________________________________

عن الغافل أو الشاك ببيان سيأتي.

وأما في الثاني فيبتني جريان القاعدة على القول بشمولها حتى لصورة العلم بالغفلة واستناد الصحة المحتملة إلى مجرد الصدفة ، ولكنه خلاف التحقيق ، بل الصواب اختصاصها بمقتضى التعليل بالأذكرية والأقربية في نصوص الباب بصورة احتمال الالتفات حين العمل ، وحيث إنه مفقود في المقام لفرض كونه غافلاً عن وجوب تحصيل اليقين فلا مناص من الحكم بالبطلان.

(١) إذا صلى عن يقين وجداني أو تعبدي بدخول الوقت فان لم ينكشف الخلاف فلا إشكال ، وإن تبدل بالشك الساري فسيأتي حكمه. وأما لو انكشف فقد عرفت البطلان فيما لو تبين وقوع المجموع قبل الوقت ، فإنه مضافاً إلى أنّ ذلك هو مقتضى القاعدة ، بل وحديث لا تعاد ، قد دلت عليه نصوص خاصة منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « في رجل صلى الغداة بليل غرّه من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر أنه صلى بليل ، قال : يعيد صلاته » (١) ونحوها صحيحته الأُخرى (٢).

وأما لو تبيّن وقوع البعض قبل الوقت فحلّ أثناء الصلاة فقد حكم الماتن تبعاً للمشهور بالصحة ، استناداً إلى رواية إسماعيل بن رياح المتقدمة عن‌

__________________

(*) في الصحة إشكال ، والأحوط لزوماً إعادتها.

(١) الوسائل ٤ : ٢٨١ / أبواب المواقيت ب ٥٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ١٧٨ / أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٧.

٣٨١

أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك » (١) ولكنك عرفت المناقشة في سندها ، حيث إن إسماعيل لم يرد فيه توثيق.

والمحاولة للتصحيح تارة بأنه من أصحاب الصادق عليه‌السلام وكلهم ثقات كما شهد به الشيخ المفيد. وأُخرى بأن الراوي عنه ابن أبي عمير وهو لا يروي إلا عن الثقة. وثالثة بأن عمل المشهور جابر للضعف ، ورابعة بأن الخبر مروي في الكتب الثلاثة ، وفي بعض الأسانيد من هو معروف بكثرة التثبت ، مضافاً إلى اشتمال جميع الأسناد على الأعيان والأجلاء ، كلها كما ترى ، فإن الأخير فيه ما لا يخفى ، ولا نقول بالجبر ، وحديث ابن أبي عمير لا أساس له ، وما عن المفيد قد تقدم (٢) ما فيه ، ومن ثم ذهب جمع من الأعاظم كالعماني (٣) والسيد المرتضى (٤) والعلامة (٥) والأردبيلي (٦) وغيرهم إلى البطلان ، إما لضعف النص أو للتوقف فيه المتحد معه بحسب النتيجة بمقتضى قاعدة الاشتغال.

نعم ، على تقدير صحة السند فلا ينبغي التأمل في عدم اختصاص الرؤية الواردة في الرواية بالظن المعتبر ، كيف ولازمه أن يكون القطع أسوأ حالاً منه ، بل المراد مطلق الاعتقاد الأعم من الوجداني والتعبدي كما لا يخفى.

فما عن غير واحد منهم صاحب الحدائق (٧) من تفسيرها بالظن بظاهره‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٠٦ / أبواب المواقيت ب ٢٥ ح ١.

(٢) في ص ٣٧٠.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٦٨ مسألة ١٨.

(٤) المسائل الرسيات ( رسائل الشريف المرتضى ٢ ) : ٣٥٠.

(٥) المختلف ٢ : ٦٨ مسألة ١٨.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٥٣.

(٧) الحدائق ٦ : ٢٩٦.

٣٨٢

غير مستقيم كما مرت الإشارة إليه سابقاً (١).

كما أن ما عن المحقق الهمداني قدس‌سره (٢) من شمولها للظن الذي يكون معتبراً بنظره وإن لم يكن معتبراً في الواقع غير واضح وإن ادعى وضوحه ، فان الموضوع للإجزاء في الخبر رؤية دخول الوقت وجداناً أو تعبّداً ، وكلاهما منفي ، غاية الأمر أنه يرى اعتبار ظنه ، لا أنه يرى دخول الوقت بظن معتبر ، وكم فرق بينهما.

وبعبارة اخرى لو كان موضوع الحكم من يعتقد أنه يرى دخول الوقت لصح ما أُفيد ، وليس كذلك ، بل الموضوع نفس رؤية الدخول ولو تعبداً ، وهو منفي في مورد الفرض فتأمل جيداً.

ثم إن صاحب الجواهر (٣) استدل للصحة في من عوّل على الظن المعتبر فبان الخلاف في الأثناء تارة بأصالة البراءة عن الاستئناف ، للشك في تعلق الأمر به بعد ما كان موظفاً بالعمل بالظن ، وأُخرى بقاعدة الإجزاء المستفادة من الأمر بالعمل بالظن هنا نصاً وفتوى خرج منها ما لو انكشف وقوع الصلاة بتمامها قبل الوقت بالإجماع وبقي الباقي.

وفي كليهما ما لا يخفى :

أما الأول فلوضوح عدم كون الشك في التكليف فإنه مقطوع به ، بل في حصول الامتثال بما صنع والاكتفاء بما وقع ، ولا شبهة في لزوم إحراز الامتثال ، فالمورد من موارد الاشتغال دون البراءة.

وأما الثاني فلتعلق التكليف الواقعي بإيقاع الصلاة لدى الزوال ، والظن المزبور بمقتضى دليل اعتباره طريق إلى إحرازه وتطبيق الواقع على مؤداه ،

__________________

(١) في ص ٣٦٩.

(٢) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٧٤ ، السطر ٩.

(٣) الجواهر ٧ : ٢٧٦.

٣٨٣

وأما لو عمل بالظن غير المعتبر فلا تصح وإن دخل الوقت في أثنائها (١). وكذا إذا كان غافلاً على الأحوط كما مر (*) (٢) ولا فرق في الصحة في الصورة الأُولى بين أن يتبين دخول الوقت في الأثناء بعد الفراغ أو في الأثناء (٣). لكن بشرط أن يكون الوقت داخلاً حين التبين وأما إذا تبين أن الوقت سيدخل قبل تمام الصلاة فلا ينفع شيئاً (٤).

______________________________________________________

فلا جرم كان حكماً ظاهرياً مغيا بعدم انكشاف الخلاف على ما هو الشأن في جميع الأحكام الظاهرية ، بناءً على ما هو الصواب من حجية الأمارات من باب الطريقية. نعم على القول بالسببية كان بنفسه موضوعاً للحكم ومناطاً للامتثال ، إذ لا واقع سواه ، ولكنه خلاف التحقيق حسبما هو موضح في محله (١).

(١) فإنه ملحق بالشك بعد فقد ما يدل على تنزيله منزلة العلم ، سواء علم بعدم اعتبار ظنه أم اعتقد اشتباهاً اعتباره ، خلافاً للمحقق الهمداني قدس‌سره كما سبق آنفاً ، حيث عرفت أن الاعتقاد المزبور لا يدرجه في من يرى دخول الوقت ليشمله النص ، بل هو ممن يرى اعتبار ظنه ، وكم فرق بينهما ، وقد عرفت أن العبرة بالأول دون الثاني.

(٢) في المسألة السابقة ، وقد عرفت أنه الأقوى.

(٣) فإن جملة « وأنت في الصلاة » الواردة في رواية ابن رياح في موضع الحال لدخول الوقت لا لتبين الدخول. إذن فلا فرق بين حصول التبين في هذه الحالة أيضاً أو بعد الفراغ بمقتضى الإطلاق.

(٤) إذ لا يصدق معه في حالة التبين ما أُخذ في موضوع النص من قوله : « وأنت ترى أنك في وقت » فإنه لا يرى وقتئذ ذلك ، نعم يرى أن الوقت‌

__________________

(*) بل الأقوى كما مر.

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٩٧.

٣٨٤

[١٢١٢] مسألة ٤ : إذا لم يتمكن من تحصيل العلم أو ما بحكمه ، لمانع في السماء من غيم أو غبار أو لمانع في نفسه (*) من عمى أو حبس أو نحو ذلك فلا يبعد كفاية الظن (١) لكن الأحوط التأخير حتى يحصل اليقين بل لا يترك هذا الاحتياط.

______________________________________________________

سيدخل بعد ذلك وقبل الفراغ من الصلاة ، لكنه لم يؤخذ موضوعاً للحكم ، فما هو الموضوع لم يتحقق ، وما تحقق لم يكن موضوعاً للأثر ، ولكن هذا كله على تقدير صحة الرواية والعمل بها وقد عرفت ضعفها. فالأقوى بطلان الصلاة في جميع الصور المذكورة في هذه المسألة.

(١) مطلقاً كما عليه المشهور ، بل ادعي عليه الإجماع في غير واحد من الكلمات ، وقيل بعدم حجيته مطلقاً ، نسب ذلك إلى ابن الجنيد (١) ، ومال إليه صاحب المدارك (٢) ، وقيل بالتفصيل بين الموانع النوعية من الغيم والغبار ونحوهما وبين الموانع الشخصية كالعمى والحبس ونحوهما فيكون حجة في الأول دون الثاني. فالأقوال في المسألة ثلاثة وأقواها أخيرها.

ويستدل للمشهور بوجوه :

أحدها : موثقة سماعة قال : « سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس ولا القمر ولا النجوم ، قال : اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك » (٣).

وقد رواها في الوسائل عن المشايخ الثلاثة (٤) ، غير أنه في طريق الصدوق‌

__________________

(*) الأظهر أنّ جواز الاكتفاء بالظن يختصّ بالموانع النوعيّة ، ولا بأس بترك الاحتياط بالتأخير في مواردها.

(١) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٦٦ مسألة ١٨.

(٢) المدارك ٣ : ٩٩.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٠٨ / أبواب القبلة ب ٦ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٤ / ١ ، التهذيب ٢ : ٤٦ / ١٤٧ ، الفقيه ١ : ١٤٣ / ٦٦٧.

٣٨٥

أسندها إلى سماعة عن مهران ( حديث ٣ من الباب المزبور ) وهو سهو من قلمه الشريف أو من النساخ ، فان الموجود في الفقيه ج ١ ص ١٤٣ هكذا : ( سماعة بن مهران ) لا ( سماعة عن مهران ).

وكيف ما كان ، فقد نوقش في الرواية سنداً تارة ودلالة اخرى.

أما السند فلأجل اشتماله على عثمان بن عيسى وهو واقفي لم يرد فيه توثيق ، بل قد كان شيخ الواقفة ووجهها.

ويندفع : مضافاً إلى وقوعه في أسناد كامل الزيارات (١) وتفسير القمي بما حكاه الكشي (٢) عن جماعة من أنهم عدّوه من أصحاب الإجماع الكاشف عن المفروغية عن وثاقته وجلالته ، وإلا لم يكن مجال لتوهم إلحاقه بهؤلاء الأعاظم ، ولو كان الكشي بنفسه متردداً في الوثاقة فضلاً عن اعتقاده العدم لزمه التعليق على تلك الحكاية أو رفضها ، فسكوته خير شاهد على المفروغية المزبورة ، ولا يضرها القول بالوقف أو إنكار إمامة الرضا عليه‌السلام فضلاً عن غصب مقدار من أمواله عليه‌السلام فإن شيئاً من ذلك لا يقدح في الوثاقة كما لا يخفى.

على أنه قد صرح الشيخ في كتاب العدة بعمل الطائفة برواياته لأجل كونه موثوقاً به ومتحرجاً عن الكذب.

أضف إلى ذلك أن الشيخ رواها بسند آخر معتبر خال عن هذا الرجل ، وهو ما رواه عن الحسين بن سعيد عن الحسن عن زرعة عن سماعة كما أُشير إليه في الوسائل (٣) إذن فلا ينبغي التشكيك في صحة السند.

وأما الدلالة فقد ناقش فيها في الحدائق (٤) بأنها ناظرة إلى الاجتهاد في‌

__________________

(١) ولكنه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

(٢) رجال الكشي : ٥٥٦ / ١٠٥٠.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٠٨ ، الاستبصار ١ : ٢٩٥ / ١٠٨٩.

(٤) الحدائق ٦ : ٣٠١.

٣٨٦

القبلة بشهادة الذيل ، فيكون العطف تفسيرياً ، ولا تكون الرواية من مسألتنا في شي‌ء.

أقول : لا ينبغي التأمّل في أن الرواية ناظرة إلى الوقت ، إما وحده أو مع القبلة ، دون الثاني خاصة.

وتوضيحه : أنه لا صلة بين السؤال عن الصلاة بالليل والنهار وبين عدم رؤية الشمس وسائر الكواكب إلا من أجل دخالة هذه الأُمور في معرفة الأوقات المشروطة بها الصلوات من الزوال والاستتار ونحوهما ، فيسأل عما هي الوظيفة في تشخيص الأوقات لدى استتارها بالغيوم فأمره عليه‌السلام باعمال الجهد في تحصيل الطرق الظنية المؤدية إلى استعلامها التي منها الوقوف إلى جانب القبلة المشار إليه بقوله : « وتعمد القبلة » نظراً إلى أن الشمس تكون غالباً في طرف الجنوب عند الشتاء والخريف اللذين تكثر فيهما الغيوم ، فلعله يجد الشمس ولو جرمها أو شيئاً من نورها من تحتها فيستبين منها الوقت.

ويمكن أن يكون السؤال ناظراً زيادة على ذلك إلى القبلة أيضاً وأنه لدى الاستتار والاحتجاب بالغيوم ماذا يصنع المصلي بالوقت والقبلة ، ويكون الجواب هو العمل بالظن في كلا الموردين ، بجعل قوله عليه‌السلام : « اجتهد رأيك » جواباً عن الأول ، وقوله : « وتعمد القبلة جهدك » جواباً عن الثاني.

وأما احتمال الاختصاص بالثاني فبعيد غايته ، للزوم الحمل على الفرد النادر ، إذ الغالب في البلاد بل القرى معرفة القبلة من طرق أُخر كمحاريب المساجد ونحوها وعدم الاقتصار في استعلامها من الشمس ونحوها ، ولو كان فمرة واحدة بخلاف الوقت المحتاج إليه في كل يوم ، نعم تمس الحاجة لمن كان في الصحراء والبيداء الذي هو فرض نادر يبعد جدّاً حمل الرواية عليه.

إذن فلا قصور في الرواية لا من حيث السند ولا الدلالة.

٣٨٧

ثم إن صاحب الوسائل روى في الباب الرابع عشر من أبواب المواقيت عن الشيخ بإسناده عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال : « سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ، فقال : تعرف هذه الطيور التي عندكم بالعراق يقال لها الديكة ، قال : نعم ، قال : إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس ، أو قال : فصله ، وهي لمكان اتحادها سؤالاً مع الرواية السابقة تؤيد ما استظهرناه من كونها ناظرة إلى الوقت.

إلا أنه لا وجود لها لا في التهذيب ولا الاستبصار ، ولا الوافي ، بل ولا في أي مصدر آخر ، ومن الجائز أن تكون النسخة الموجودة عنده كانت مشتملة عليها ولا يبعد أن تكون ملفقة من رواية سماعة المتقدمة (١) وحديث الفرّاء (٢) فزاغ بصره عند النقل فأخذ قطعة من تلك وقطعة من هذه كما أشار إليه معلق الوسائل.

وكيف ما كان ، فقد عرفت أن موثقة سماعة المتقدمة غير قاصرة الدلالة على حجية الظن في باب الأوقات ، ولكنه لا إطلاق لها من حيث الموانع النوعية والشخصية وإن ادعاه المشهور ، بل المتيقن هو الأول الذي هو موردها ، فلا بد من الاقتصار عليه والرجوع في الثاني إلى الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال.

ثانيها : النصوص الواردة في جواز تعويل الصائم لدى عدم تمكنه من معرفة استتار القرص لغيم ونحوه على الظن والإفطار معه كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث « أنه قال لرجل ظن أن الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك ، قال : ليس عليه قضاء » (٣) ونحوها غيرها.

__________________

(١) في ص ٣٨٦.

(٢) الوسائل ٤ : ١٧١ / أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٥.

(٣) الوسائل ١٠ : ١٢٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٢.

٣٨٨

بتقريب أن هذه الأخبار إما أنها مخصصة لدليل وجوب الإمساك إلى الليل فيجوز الإفطار قبل الاستتار حتى واقعاً فيما إذا ظن به ، وإما أنه لا تخصيص بل مفادها حجية الظن وكونه طريقاً إلى الواقع لدى العجز عن تحصيل العلم وما بحكمه من بينة ونحوها.

لكن لا سبيل إلى الأول ، فإن لسان هذه النصوص تفرغ عن محض الطريقية من غير تصرف في الواقع ، كما أنّ لسان ما دل على وجوب الإمساك إلى الليل كقوله تعالى ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (١) في قوة الاستمرار بحيث يكاد يأبى عن التخصيص ، فلا يحتمل جواز الإفطار قبل الغروب في مورد ما ليستوجب ارتكابه كما لا يخفى ، إذن فيتعين الثاني ، ومقتضاه حجية الظن وإحراز الواقع به شرعاً وثبوت الوقت تعبداً ، فاذا ثبت ترتبت عليه جميع آثاره الشرعية من الإفطار وجواز الدخول في الصلاة وغيرهما من غير خصوصية للأول وإن كان هو مورد النص ، فلا ندعي التعدي عنه قياساً للصلاة على الصوم ، ولا من باب عدم القول بالفصل ليورد على الأول بأنه ليس من مذهبنا ، وعلى الثاني بأن المسألة متفق عليها في الصوم مختلف فيها في الصلاة ، فالفصل موجود ومعه لا موقع لدعوى عدم القول به ، بل ندعي استظهار حجية الظن من هاتيك النصوص بمناط الطريقية والكشف التعبدي عن الواقع في باب الأوقات ، فإذا ثبت الوقت شرعاً ترتبت عليه الآثار برمتها.

نعم يختص موردها بالموانع النوعية من غيم ونحوه ، فلا يكون حجة في الموانع الشخصية لعدم الدليل ، والمرجع حينئذ أصالة عدم الحجية. فينبغي التفصيل بينهما حسبما عرفت.

ثالثها : ما رواه السيد المرتضى نقلاً عن تفسير النعماني بإسناده عن‌

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٧.

٣٨٩

إسماعيل بن جابر عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث طويل : « إن الله تعالى إذا حجب عن عباده عين الشمس التي جعلها دليلاً على أوقات الصلاة فموسع عليهم تأخير الصلوات ليتبين لهم الوقت بظهورها ويستيقنوا أنها قد زالت » (١).

فان تجويز التأخير لتحصيل اليقين يكشف عن جواز التقديم تعويلاً على الظن وإلا لكان التأخير لازماً لا جائزاً وموسعاً عليهم فالدلالة واضحة ، غير أن السند ضعيف بأحمد بن محمد بن يونس الجعفي ومن يروي عنه الواقعين في الطريق فلا تصلح إلا للتأييد.

رابعها : النصوص الواردة في صياح الديك وجواز التعويل عليه مع أنه لا يفيد إلا الظن بدخول الوقت ، فإن إسناد بعضها معتبر.

مثل ما رواه الصدوق بإسناده عن الحسين بن المختار قال : « قلت للصادق عليه‌السلام إني مؤذن فإذا كان يوم غيم لم أعرف الوقت ، فقال : إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاءً فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة » (٢) فان الطريق صحيح ، وهو بنفسه قد وثقه الشيخ المفيد في الإرشاد (٣) ، مع أنه من رجال كامل الزيارات. فلا نقاش في السند ، غير أن الدلالة غير واضحة لجواز أن يكون للظن الحاصل من صياح الديك خصوصية في جواز التعويل ، فلا يمكن التعدي إلى مطلق الظن بدخول الوقت ولا تصلح إلا للتأييد.

خامسها : موثقة بكير بن أعين عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال « قلت له : إني صليت الظهر في يوم غيم فانجلت فوجدتني صليت حين زال النهار ، قال فقال : لا تُعد ولا تَعد » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٧٩ / أبواب المواقيت ب ٥٨ ح ٢ ، رسالة المحكم والمتشابه : ٢١.

(٢) الوسائل ٤ : ١٧٠ / أبواب المواقيت ب ١٤ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٤٤ / ٦٦٩.

(٣) الإرشاد ٢ : ٢٤٨.

(٤) الوسائل ٤ : ١٢٩ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٦.

٣٩٠

فإن النهي عن الإعادة خير شاهد على الصحة وعلى جواز ما صنعه من التعويل على الظن ، وأما النهي عن العود إلى مثله فمحمول على ضرب من التنزه ، وأن الأولى الاستناد في معرفة الأوقات إلى اليقين أو ما بحكمه.

وقد يقال بأنها على خلاف المطلوب أدل ، فيستدل بها على عدم جواز التعويل على الظن لمكان النهي عن العود ، وأما عدم الإعادة فهو من أجل انكشاف وقوعها بتمامها في الوقت فلا مقتضي لها لا من أجل الاعتماد على الظن.

ولكن الظاهر فساد الاستدلال من الطرفين وعدم جواز الاستناد إليها لشي‌ء من القولين ، إذ لم يفرض في الرواية تعويل الراوي على الظن غير المعتبر حينما دخل في الصلاة لتكون مرتبطة بما نحن فيه نفياً أو إثباتاً. إذن فالمحتمل فيها بدواً أمران :

أحدهما : التعويل في يوم غيم على العلم الوجداني أو حجة شرعية من البينة أو أذان العارف ونحوهما.

ثانيهما : أنه اقتحم في الصلاة لمجرد احتمال دخول الوقت ورجائه من غير استناد إلى أي حجة بتاتاً ، ثم استبان الدخول منذ الشروع فيسأل عن صحة مثل هذه الصلاة وفسادها.

لكن الاحتمال الأول بعيد غايته ، إذ بعد الاستناد إلى الحجة الشرعية واستبانة إصابتها مع الواقع فما هو الموجب لتوهم الفساد والباعث لتطرق احتماله ليحتاج إلى السؤال ، فإن صدور مثله بعيد عن الأشخاص العاديين فضلاً عن مثل بكير بن أعين الذي هو من الفقهاء الأجلاء ، بل فضّله بعضهم على أخيه زرارة ، فلا جرم يتعين الاحتمال الثاني ، ويكون محصل الجواب صحة الصلاة المنكشف وقوعها بتمامها في الوقت فلا يعيدها إلا أنه لا يعود إلى مثل هذا العمل ، بل اللازم على المصلي إحراز دخول الوقت بعلم وجداني أو تعبدي. وكيف ما كان ، فهي أجنبية عما نحن بصدده.

٣٩١

[١٢١٣] مسألة ٥ : إذا اعتقد دخول الوقت فشرع وفي أثناء الصلاة تبدل يقينه بالشك (١) لا يكفي في الحكم بالصحة إلا إذا كان حين الشك عالماً بدخول الوقت ، إذ لا أقل (*) من أنه يدخل تحت المسألة المتقدمة من الصحة مع دخول الوقت في الأثناء.

______________________________________________________

وبالجملة : غاية ما تدل عليه الموثقة المنع عن الدخول في الصلاة من دون حجة عليه ، وأما تعيين تلك الحجة والتعرض للصغرى وأن الظن المطلق لدى العجز عن العلم حجة أو لا فلا نظر إليه فيها بوجه.

ومع التنزل وتسليم دلالتها بالإطلاق على عدم حجيته فيقيد بما دل على اعتبار الظن في خصوص المقام مما تقدم شريطة استناد العجز إلى الموانع النوعية دون الشخصية حسبما عرفت.

والمتحصل من جميع ما تقدم : أن المستفاد من نصوص الباب اعتبار الظن بالوقت للعاجز عن تحصيل العلم مع رعاية التفصيل المزبور.

(١) فتارة لا يعلم بدخول الوقت حالة عروض الشك الساري ، وأُخرى يعلم به حينئذ.

أما في الصورة الاولى : فلا ينبغي الشك في البطلان حتى بناء على العمل برواية إسماعيل بن رياح المتقدمة (١) كما عليه المشهور ، إذ الموضوع فيها من صلى وهو يرى دخول الوقت ، الظاهر في استمرار الاعتقاد إلى زمان الفراغ ، فلا يشمل من تبدل يقينه في الأثناء بالشك بحيث لم يكن محرزاً لدخول الوقت حتى في الأجزاء اللاحقة فضلاً عن السابقة. ولا سبيل للتصحيح بقاعدة التجاوز ، لعدم جريانها في أمثال المقام كما ستعرف ، على أنها لو جرت فلا تكاد تنفع بالإضافة إلى الأجزاء اللاحقة كما هو ظاهر.

__________________

(*) لا لأجل ذلك ، بل لجريان قاعدة الفراغ بالإضافة إلى ما مضى.

(١) في ص ٣٧٠.

٣٩٢

[١٢١٤] مسألة ٦ : إذا شك بعد الدخول في الصلاة في أنه راعى الوقت وأحرز دخوله أم لا ، فان كان حين شكه عالماً بالدخول فلا يبعد الحكم بالصحة (١) ، وإلا وجبت الإعادة بعد الإحراز (٢).

[١٢١٥] مسألة ٧ : إذا شك بعد الفراغ من الصلاة في أنها وقعت في الوقت أو لا ، فان علم عدم الالتفات إلى الوقت حين الشروع وجبت الإعادة (٣) ،

______________________________________________________

وأما في الصورة الثانية : فإن عملنا برواية ابن رياح في موردها عملنا بها في المقام بطريق أولى ، إذ مقتضاها الحكم بالصحة حتى مع العلم بعدم وقوع الأجزاء السابقة في الوقت ، فما ظنك بما إذا احتمل ذلك كما فيما نحن فيه. وإن لم نعمل لضعف سندها وهو الصحيح كما تقدم (١) فالأجزاء السابقة محكومة بالصحة بقاعدة التجاوز ، واللاحقة بالقطع الوجداني ، فبضم التعبد إلى الوجدان يحرز وقوع مجموع الصلاة في الوقت. فما في المتن من الحكم بالصحة في هذه الصورة صحيح لكن لا لما ذكره من الدرج في المسألة المتقدمة ، بل لقاعدة التجاوز حسبما عرفت.

(١) لقاعدة الفراغ الجارية في أبعاض العمل كتمامه بمقتضى إطلاق الدليل.

(٢) فإن القاعدة لا تجري حينئذ كما ستعرف ، مضافاً إلى أنها لو جرت فغايتها تصحيح الأجزاء السابقة دون اللاحقة ، فلا مناص من الإعادة بعد الإحراز عملاً بقاعدة الاشتغال ، بل الاستصحاب.

(٣) لقاعدة الاشتغال بناء على ما هو الصواب من عدم جريان قاعدة الفراغ في موارد العلم بعدم الالتفات وإحراز الغفلة وعدم استناد احتمال الصحة إلا إلى مجرد الصدفة وإصابة الواقع من باب الاتفاق ، دون التصدي‌

__________________

(١) في ص ٣٧٠.

٣٩٣

وإن علم أنه كان ملتفتاً ومراعياً له ومع ذلك شك في أنه كان داخلاً أم لا بنى على الصحة (١). وكذا إن كان شاكّاً في أنّه كان ملتفتاً أم لا ، هذا كلّه إذا كان حين الشك عالماً بالدخول وإلا لا يحكم بالصحة مطلقاً ولا تجري قاعدة الفراغ لأنه لا يجوز (*) له حين الشك الشروع في الصلاة فكيف يحكم بصحة ما مضى مع هذه الحالة (٢).

______________________________________________________

للامتثال المنوط باحتمال الالتفات على ما بيناه في الأُصول (١).

(١) لقاعدة الفراغ الجارية هنا وفي الصورة الآتية بمناط واحد ، وهو احتمال الالتفات الموجب لعموم الدليل لهما.

(٢) هذا التعليل بظاهره عليل ، لعدم التنافي بين الحكم بصحة ما مضى لو تمت القاعدة في نفسها وبين عدم جواز الشروع في الصلاة كمن شك في الطهارة بعد الفراغ فإنه يبني على صحة ما صلى ومع ذلك لا يجوز له الشروع في صلاة أُخرى ، لعدم إحراز الطهارة لها.

ولكن الظاهر أنه قدس‌سره يريد بذلك معنى آخر وإن كانت العبارة قاصرة ، وهو عدم جريان قاعدة الفراغ أو التجاوز في أمثال المقام في حد نفسها ، نظراً إلى أن موردها الشك في الانطباق بعد الفراغ عن وجود الأمر وتحققه ، لأن شأنها تصحيح العمل وتطبيق المأمور به عليه ، ولا يكون ذلك إلا بعد إحراز الأمر ، وهو غير محرز في المقام من أجل الشك فعلاً في دخول الوقت ، ومن ثم لا يجوز له الشروع في الصلاة مع هذه الحالة ، فإذا لم يجز الشروع لم يجز تصحيح ما مضى منها أيضاً بمناط واحد ، وهو عدم إحراز الأمر المانع هنا من إجراء القاعدة.

ومنه تعرف أنه لا مانع من جريانها في الصورة السابقة ، أعني ما إذا كان حين الشك عالماً بدخول الوقت ، لأنه محرز فعلاً للأمر ، فشكه فيما مضى‌

__________________

(*) في البيان قصور يظهر وجهه بالتأمل.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠٦.

٣٩٤

[١٢١٦] مسألة ٨ : يجب الترتيب بين الظهرين بتقديم الظهر وبين العشاءين بتقديم المغرب فلو عكس عمداً بطل ، وكذا لو كان جاهلاً (*) بالحكم ، وأما لو شرع في الثانية قبل الاولى غافلاً أو معتقداً لاتيانها عدل بعد التذكر ان كان محل العدول باقياً وإن كان في الوقت المختص بالأُولى على الأقوى كما مر لكن الأحوط الإعادة في هذه الصورة ، وإن تذكر بعد الفراغ صح وبنى على أنها الاولى في متساوي العدد كالظهرين تماماً أو قصراً وإن كان في الوقت المختص على الأقوى ، وقد مرّ أن الأحوط أن يأتي بأربع ركعات أو ركعتين بقصد ما في الذمة ، وأما في غير المتساوي كما إذا أتى بالعشاء قبل المغرب وتذكر بعد الفراغ فيحكم بالصحة ويأتي بالأولى ، وإن وقع العشاء في الوقت المختص بالمغرب لكن الأحوط في هذه الصورة الإعادة (١).

______________________________________________________

شك في انطباق المأمور به على المأتي به ، بخلاف هذه الصورة ، إذ مع الشك في الدخول لا علم بالأمر فلا تجري القاعدة ، فالفرق بينهما واضح ولا موقع لقياس إحداهما على الأُخرى كما توهم.

ومما ذكرنا تعرف الوجه في عدم جريان القاعدة في عدة فروع تقدمت في مطاوي المسائل السابقة وأوكلنا بيانه إلى ما سيأتي ، فلاحظ ولا نعيد.

(١) تقدم (١) شطر من الكلام حول هذه المسألة المنعقدة لبيان صور الإخلال بالترتيب المعتبر بين الظهرين والعشاءين في مبحث الأوقات.

وتفصيله : أنّ الإخلال تارة يكون عن علم وعمد ، وأُخرى عن جهل بالحكم أو بالموضوع ، وثالثة عن غفلة أو نسيان أو اعتقاد الإتيان.

أما مع العمد فهو المتيقن من البطلان ، لمخالفة دليل اشتراط الترتيب ، فينتفي المشروط بانتفاء شرطه ، وهذا ظاهر.

__________________

(*) هذا إذا كان مقصّراً ، وإلا فالأظهر هو الحكم بالصحة.

(١) في ص ٢٠٤.

٣٩٥

وأما مع الجهل فالغالب فيه ما أشار إليه في المتن من الجهل بالحكم ، وأما بالنسبة إلى الموضوع فهو نادر التحقق ، وعلى فرض وقوعه كما لو استيقظ من النوم مثلاً فتخيل أن الوقت لم يسع أكثر من أربع ركعات فصلى العصر ، ثم انكشف سعة الوقت للظهر أيضاً فأخل بالترتيب لمكان جهله بالموضوع وهو الوقت ، فلا ريب في صحة الصلاة حينئذ ، لعموم حديث لا تعاد المسقط لشرطية الترتيب في هذا الظرف.

كما أن الغالب في الجهل بالحكم هو الجهل المستند إلى التقصير ، وأما الجهل عن قصور الموجب للعذر فهو أيضاً قليل الاتفاق ، لملازمة العلم بالترتيب بين الفرائض مع العلم بأصل وجوب الصلاة ، فالتفكيك بأن يعلم الثاني ولم يقرع سمعه الأول لعله لا يكاد يتحقق خارجاً ، وليست مسألة الترتيب من نظريات مسائل الفقه كي يفرض تأدي الاجتهاد إلى عدم وجوبه حتى يكون المجتهد معذوراً في تركه فيكون جاهلاً قاصراً.

نعم ، قد يكون الجهل عن التقصير موجباً للغفلة حين العمل عن وجوب الترتيب فيكون معذوراً عن توجه التكليف إليه (١) لامتناع خطاب الغافل ، إلا أن هذا الامتناع حيث إنه مستند إلى الاختيار ، والممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار فهو غير معذور واقعاً في هذا الإخلال ، فيكون طبعاً في حكم الجاهل المقصر.

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في أن مراد الماتن من الجاهل بالحكم ما هو الغالب منه في المقام وهو الجاهل المقصر كما عرفت ، ولا ريب في إلحاقه بالعامد في عدم شمول حديث لا تعاد ، لمكان تنجز التكليف عليه بمقتضى العلم الإجمالي الباعث له على الفحص عن الشرط وهو الترتيب.

نعم ، لو فرض الجهل القصوري في مثل المقام أحياناً كما لو كان أول يوم‌

__________________

(١) [ الصحيح : فلا يتوجه التكليف إليه ].

٣٩٦

من بلوغه فعلم بأصل وجوب الصلاة ولم يعلم بالترتيب فإنه يحكم حينئذ بصحة صلاته لحديث لا تعاد ، لكنه خارج عن محط كلام الماتن.

وأما لو كان الإخلال عن غفلة أو نسيان ، فان كان التذكر في الأثناء فسيأتي حكمه في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى. وإن كان بعد الفراغ فلا إشكال في الصحة إن كان في الوقت المشترك سواء أكانا متساويين في العدد كالظهرين تماماً أو قصراً أم مختلفين كالعشاءين ، لحديث لا تعاد الحاكم على دليل شرطية الترتيب والموجب لاختصاصها بحال الذكر.

نعم ، في صورة التساوي هل يكون المأتي به عصراً مقدّماً فيجب عليه الإتيان بالظهر بعد ذلك كما عليه المشهور ، أو أنه يحسب ظهراً فيعدل بنيته إليها ثم يأتي بالعصر بعد ذلك كما اختاره الماتن في مبحث الأوقات (١) وورد به النص الصحيح؟ فيه خلاف قد تقدم (٢) مبني على سقوط الرواية الصحيحة بإعراض الأصحاب عن الحجية وعدمه ، وقد عرفت أن الأقوى عدم السقوط كعدم الجبر بالعمل.

وكيف ما كان ، فطريقة الاحتياط غير خفية ، فيعدل بنيته إلى الظهر ثم يأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذمة كما أشار إليه السيد الأُستاذ في تعليقته الشريفة.

وأما إن كان في الوقت المختص بالأُولى فتبتني الصحة وعدمها على ثبوت وقت الاختصاص بالمعنى المعروف ، أعني عدم صلاحية الوقت في حد ذاته لإيقاع الشريكة فيه وعدمه.

فعلى الأول يحكم بالبطلان ، للإخلال بالوقت الذي هو من مستثنيات حديث لا تعاد ، فهو كما لو أوقع الظهر بتمامها قبل الزوال نسياناً الذي لا إشكال في بطلانه.

__________________

(١) العروة الوثقى ١ : ٣٧٥ / ١١٨٢.

(٢) في ص ٢٠٤.

٣٩٧

[١٢١٧] مسألة ٩ : إذا ترك المغرب ودخل في العشاء غفلة أو نسياناً أو معتقداً لاتيانها فتذكر في الأثناء عدل إلا إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة فإن الأحوط حينئذ إتمامها (*) عشاءً ثم إعادتها بعد الإتيان بالمغرب (١).

______________________________________________________

وعلى الثاني كما هو الصحيح فحيث إن الوقت في حد ذاته صالح لكل من الظهر والعصر كما يفصح عنه قوله عليه‌السلام : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه قبل هذه » (١) غير أن مقدار أربع ركعات من أول الوقت يختص بالظهر ، بمعنى عدم جواز مزاحمة الشريكة معها اختياراً رعاية للترتيب ، فلو أخل به نسياناً فحيث لا مزاحمة حينئذ فالصلاة محكومة بالصحة ، لوقوعها في وقتها الصالح لها ، فلا نقص فيها من ناحية الوقت ، وإنما النقص من حيث فقد شرط الترتيب الساقط بحديث لا تعاد.

هذا كله فيما إذا وقعت الثانية بتمامها في وقت الاختصاص ، وأما إذا وقع مقدار منها في وقت الاشتراك ، كما لو وقع العشاء في الوقت المختص بالمغرب حيث إن الركعة الأخيرة تقع في الوقت المشترك لا محالة ، فينبغي الجزم حينئذ بالصحة حتى على القول بثبوت وقت الاختصاص ، بناءً على العمل برواية إسماعيل بن رياح المتقدمة (٢) كما يراه الماتن تبعاً للمشهور ، إذ لا يزيد الفرض على ما لو شرع في الظهر قبل الزوال باعتقاد دخول الوقت فدخل في الأثناء بحيث وقع جزء منها بعد الزوال ، المحكومة بالصحة بمقتضى الرواية المزبورة فما ذكره في المتن من الاحتياط بالإعادة في هذه الصورة غير ظاهر الوجه.

(١) إذا أخل في الترتيب فيما يعتبر فيه كالظهرين والعشاءين غفلة أو‌

__________________

(*) والأظهر جواز قطعها والإتيان بها بعد المغرب.

(١) الوسائل ٤ : ١٣٠ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٢١.

(٢) في ص ٣٧٠.

٣٩٨

نسياناً أو معتقداً للإتيان وتذكر في الأثناء فإمّا أن يكون ذلك قبل التجاوز عن الحد المشترك بين الصلاتين ، بأن لم يأت بعدُ بجزء زائد على الفريضة السابقة أصلاً كما لو كان التذكر في صلاة العصر أو في العشاء قبل القيام إلى الركعة الرابعة أو يكون بعده ، وعلى الثاني فإمّا أن يكون قبل الدخول في الركن أو يكون بعده كما لو تذكر بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة ، فالصور ثلاث :

أما في الصورة الاولى : فلا إشكال في الصحة وأنه يعدل عما بيده إلى الفريضة السابقة ، وقد ورد به النص الصحيح ، قال عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « وإن ذكرت أنك لم تصل الاولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فانوها الاولى ثم صل الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر » (١).

وأما في الصورة الثانية : فالمشهور هو الصحة أيضاً والعدول إلى السابقة ، لكن الشأن في مستنده ، فإن الصحيحة المزبورة قاصرة الشمول لهذه الصورة ، لاختصاص موردها بعدم التجاوز عن الحد المشترك.

ورواية عبد الرحمن : « إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلى حين يذكرها ، فاذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي .. » إلخ (٢) وإن كانت بإطلاقها شاملة للمقام ، فان قوله : « بدأ بالتي نسي » الظاهر في إرادة العدول يشمل صورتي التجاوز القدر المشترك وعدمه ، لكنها ضعيفة السند بـ ( معلى بن محمد ) وقد حاول شيخنا النوري قدس‌سره (٣) توثيقه بذكر أُمور لا يعبأ بشي‌ء منها بعد تصريح النجاشي (٤) بضعفه في حديثه ومذهبه ، ومنه تعرف أنه لا ينفع وجوده في أسناد كامل الزيارات. وكذا تفسير القمي بعد معارضته بالتضعيف المزبور (٥).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٩١ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٢.

(٣) خاتمة المستدرك ٥ : ٣٢٣ / ٣١٨.

(٤) رجال النجاشي : ٤١٨ / ١١١٧.

(٥) لكنه اختار دام ظله في المعجم وثاقته لاحظ المجلد ١٩ : ٢٨٠ / ١٢٥٣٦.

٣٩٩

نعم ، يمكن الاستدلال للصحة بل وتطبيقها على القاعدة بأن محتملات المسألة ثلاثة : إما البطلان أو الإتمام عشاء ، أو العدول بها إلى المغرب ، ولا رابع.

لكن الأول مدفوع بحديث لا تعاد ، إذ لا موجب لتوهم البطلان ما عدا الإخلال بالترتيب ، المنفي بالحديث بعد اندراجه في عقد المستثنى منه.

والثاني يستوجب الإخلال بالترتيب عامداً في الركعة الأخيرة بناءً على ما هو الصواب من أنه شرط في تمام الأجزاء بالأسر لا في خصوص المجموع (١) ، إذ عليه وإن كان الإخلال بالإضافة إلى الأجزاء السابقة مستنداً إلى الغفلة لكنه بالنسبة إلى اللاحقة صادر عن علم وعمد ، فالإتمام عشاء إخلال عمدي للترتيب بقاءً ، فهذا الاحتمال يتلو سابقه في الضعف ، فلا جرم يتعين الاحتمال الثالث. إذن فالعدول وإن كان في حد نفسه مخالفاً للقاعدة ومحتاجاً إلى دليل خاص ، لكنه في خصوص المقام مطابق للقاعدة الثانوية بالبيان المتقدم. فما عليه المشهور هو الصحيح.

وأما في الصورة الثالثة : أعني ما لو كان التذكر بعد الدخول في ركوع الرابعة فقد احتاط في المتن وجوباً بالإتمام عشاءً ثم إعادتها بعد المغرب ، ولكنه مخالف لما اختاره في المسألة الثالثة من مبحث الأوقات (٢) من الفتوى بالبطلان ، وهو الأقوى ، فيجوز قطعها والإتيان بها بعد المغرب ، إذ لا سبيل للتصحيح لا عشاء لما عرفت من استلزامه الإخلال بالترتيب عامداً بالإضافة إلى الأجزاء اللاحقة ، ولا بالعدول إلى المغرب لفوات محله بالدخول بالركن‌

__________________

(١) [ لعل الصحيح التعبير بالشروع بدل المجموع ، لأن اعتبار الترتيب في المجموع المراد به العام المجموعي معناه اعتباره في خصوص ما إذا كان ملتفتاً إليه من أول الصلاة إلى آخرها ، فاذا غفل عنه في جزء منها سقط اعتباره. ولازمه صحة الصلاة فيما إذا دخل فيها مخلاًّ بالترتيب عمداً مع زوال التفاته فيما بعد لحظة ، وهذا لا يمكن الالتزام به. فلعل منشأ التعبير بالمجموع هو الغفلة عن هذا اللازم وتخيل اتحاد التعبيرين في المعنى ].

(٢) العروة الوثقى ١ : ٣٧٤ / مسألة ٣ / ١١٨٢.

٤٠٠