موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

صلاة النهار يجوز قضاؤها أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار » (١). وهي إما ظاهرة في النوافل أو أنها مطلقة شاملة لها ولغيرها.

والمتحصل من جميع ما تقدم : أن الكراهة غير ثابتة في هذا القسم لقصور المقتضي ، ومع التسليم فهي غير شاملة لقضاء النوافل ، لوجود المانع وهي الأخبار المجوّزة الموجبة لتقييد الإطلاقات الناهية بغير قضاء النوافل المرتبة وبالطريق الأولى أدائها كما لا يخفى ، بل يستفاد التعميم من موثقة سماعة المتقدمة (٢) حسبما عرفت.

وأما المقام الثاني : أعني الكراهة في الأوقات الثلاثة الأخيرة ، فيستدل لها أيضاً بجملة من الروايات :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة » (٣).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : يصلى على الجنازة في كل ساعة ، إنها ليست بصلاة ركوع وسجود ، وإنما يكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود ، لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان » (٤).

فان المستفاد من هاتين الصحيحتين بعد ضم إحداهما إلى الأُخرى ، كراهة الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة لصراحة الثانية فيها ، وحمل نفي المشروعية في الأُولى عليها بقرينة الروايات المجوّزة ، ومقتضى الإطلاق فيهما عدم الفرق بين الفريضة والنافلة أدائية كانت أم قضائية.

ولكن الظاهر عدم تمامية الاستدلال بهما.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٤٣ / أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٢.

(٢) في ص ٣٥٩.

(٣) الوسائل ٧ : ٣١٧ / أبواب صلاة الجمعة ب ٨ ح ٦.

(٤) الوسائل ٣ : ١٠٨ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ٢.

٣٦١

أما الصحيحة الأُولى : فالظاهر أنها ناظرة إلى الفريضة خاصة وبصدد التفرقة في صلاة الظهر بين يوم الجمعة وغيره ، وأنها تؤخر عن نصف النهار وأول الزوال في غير يوم الجمعة رعاية للنافلة ، كما تنبئ عنه نصوص القدم والقدمين والذراع والذراعين ، معللاً بأنها إنما جعلت للنافلة ، وأما في يوم الجمعة فبما أنّ النافلة تقدّم على الزوال فلا مانع من تقديم الفريضة والإتيان بها أول دلوك الشمس.

ويعضده ما في جملة من النصوص (١) من أن الفريضة يوم الجمعة ساعة تزول الشمس. إذن فهذه الصحيحة أجنبية عن محل الكلام بالمرّة.

ويؤيد ما ذكرناه : ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي بصير قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن فاتك شي‌ء من تطوع الليل والنهار فاقضه عند زوال الشمس وبعد الظهر عند العصر وبعد المغرب وبعد العتمة ومن آخر السحر » (٢).

فإنها كما ترى صريحة في جواز قضاء النافلة عند الزوال ، فتكون خير شاهد على ما استظهرناه من صحيحة ابن سنان من كونها ناظرة إلى الفريضة خاصة ، إلا أن يقال إن الجواز المستفاد من هذه الرواية لا ينافي الكراهة المدعى استفادتها من الصحيحة ، ومن هنا ذكرناها بعنوان التأييد.

وكيف ما كان ، فالرواية المزبورة معتبرة ، إذ المراد بالحسن الواقع في السند إما أنه الحسن بن سعيد الأهوازي المذكور في الوسائل قبيل هذه الرواية ، وهو أخو الحسين بن سعيد ، أو أنه الحسن بن فضال ، وهو موثق على التقديرين.

وأما الصحيحة الثانية : فيمكن النقاش فيها من وجوه :

أوّلاً : أنها في نفسها غير قابلة للتصديق ، لما فيها من التعليل بأن الشمس تطلع وتغرب بين قرني الشيطان ، فان هذا مما لا تساعده الأذهان ولا يصدّقه الوجدان ولا البرهان ، فلا سبيل إلى الإذعان به ، ضرورة أنه إنما يكون معقولاً‌

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٣١٧ / أبواب صلاة الجمعة ب ٨ ح ٧ ، ١٤ ، ١٥.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٧٧ / أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ١٦٣ / ٦٤٢.

٣٦٢

فيما إذا كان للشمس طلوع وغروب معيّن ، وليس كذلك قطعاً ، بل هي لا تزال في طلوع وغروب وزوال في مختلف الأقطار ونقاط الأرض بمقتضى كرؤيتها ، ومقتضى ذلك الالتزام بكراهة النافلة في جميع الأوقات والساعات ، وهو كما ترى. فهذا التعليل أشبه بمجعولات المخالفين ومفتعلاتهم المستنكرين للصلاة في هذه الأوقات ، فعلّلوا ما يرتأونه من الكراهة بهذا التعليل العليل. ولأجله لم يكن بدّ من حمل الصحيحة وما بمعناها على التقية ، فلا موقع للاستدلال بها بوجه.

وثانياً : مع التسليم فالتعليل المزبور لا يكون مانعاً عن الصلاة في ذينك الوقتين ، بل هو مؤكد ومؤيد ، لأنها أحسن شي‌ء يوجب إرغام أنف الشيطان في هذه الحالة كما يشير إلى هذا المعنى ما رواه الصدوق في إكمال الدين وإتمام النعمة عن مشايخه الأربعة وهم : محمد بن أحمد السناني ، وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق ، والحسين بن إبراهيم المؤدب ، وعلي بن عبد الله الوراق ، عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي أنه ورد عليه فيما ورد عليه من جواب مسائله عن محمد بن عثمان العمري ( قدس الله روحه ) : « وأما ما سألت عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان ، فما أرغم أنف الشيطان بشي‌ء أفضل من الصلاة فصلّها وأرغم أنف الشيطان » (١).

وهذه الرواية وإن لم تعد من الصحاح حسب الاصطلاح ، إذ لم يوثق أيّ أحد من المشايخ الأربعة المذكورين ، الا أن رواية كل واحد منهم ما يرويه الآخر بعد عدم احتمال المواطاة على الجعل يورث الاطمئنان القوي بصحة النقل ، فيتعاضد بعضها ببعض ، وهي كالصريح في أن الصحيحة السابقة المشتملة على التعليل وكذا غيرها مما يجري مجراها قد صدرت تقية ، وأنه لا أساس لتلك الدعوى الكاذبة ، ومن ثم رجّحها الصدوق عليها.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٣٦ / أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٨ ، إكمال الدين ٢ : ٥٢٠ / ٤٩.

٣٦٣

وثالثاً : أنها معارضة بجملة من الأخبار الناطقة بالتوسعة في قضاء النافلة وأنه يجوز الإتيان بها في أيّ ساعة شاءها المكلف من ليل أو نهار ، وبعد التساقط لم يبق دليل على الكراهة في ذينك الوقتين.

لا يقال : إن تلك الأخبار وردت في خصوص القضاء ومورد الصحيحة الأعم منها ومن الأداء ، ومقتضى الصناعة ارتكاب التقييد ، ونتيجة ذلك اختصاص الكراهة بالنافلة الأدائية.

فإنه يقال : مضافاً إلى أن لسان التعليل آب عن التخصيص ، لأنه بمثابة التنصيص على شمول الحكم لجميع أفراد الصلوات التي تشتمل على الركوع والسجود من غير فرق بين الأداء والقضاء لاتحاد المناط ، أن النسبة عموم من وجه لا المطلق ، إذ تلك الأخبار أيضاً لها جهة عموم من حيث شمولها لجميع ساعات الليل والنهار ، لا خصوص الوقتين المذكورين في صحيحة ابن مسلم فيتعارضان في مادة الاجتماع ، وهي القضاء في الوقتين.

ورابعاً : أنها معارضة في موردها بصحيحة حماد بن عثمان « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل فاته شي‌ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس أو عند غروبها ، قال : فليصلّ حين يذكر » (١) ونحوها رواية نعمان الرازي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل فاته شي‌ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها ، قال : فليصلّ حين ذكره » (٢) حيث تضمّنت الأمر بالقضاء متى تذكّر وإن كان عند الوقتين.

نعم ، الرواية ضعيفة السند ، لعدم توثيق الرازي مضافاً إلى ضعف طريق الشيخ إلى الطاطري ، والعمدة هي الصحيحة.

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام في حديث المناهي « قال : ونهى‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٤٠ / أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٤٤ / أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٦.

٣٦٤

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند استوائها » (١).

وفيه : أنها ضعيفة السند بشعيب بن واقد ، حيث إنه لم يوثق بل لم نعثر له على رواية غير هذه.

قال في الحدائق عند نقل الرواية ما لفظه : وروى الصدوق في الفقيه عن الحسين بن زيد في حديث المناهي .. إلخ (٢).

وظاهره أنه روى عنه من دون توسيط شعيب بن واقد ، وبما أن طريقه إليه معتمد عليه عند بعضهم فيتوهم من العبارة صحة الرواية عند ذلك البعض ، مع أن الأمر ليس كذلك ، وإنما رواها عنه مع التوسيط المزبور ولم يوثّق الرجل حسبما عرفت.

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : « سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : لا ينبغي لأحد أن يصلي إذا طلعت الشمس ، لأنها تطلع بقرني شيطان ، فاذا ارتفعت وضفت فارقها ، فتستحب الصلاة ذلك الوقت والقضاء وغير ذلك ، فاذا انتصف النهار قارنها ، فلا ينبغي لأحد أن يصلي في ذلك الوقت ، لأن أبواب السماء قد غلقت فاذا زالت الشمس وهبت الريح فارقها » (٣).

وفيه أوّلاً : أنها ضعيفة السند ، لاشتماله على محمد بن علي ماجيلويه شيخ الصدوق ولم يوثق ، فما في الحدائق (٤) من توصيف السند بالقوي ليس على ما ينبغي.

وثانياً : أنها قاصرة الدلالة ، إذ يرد عليها جميع ما أوردناه على صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (٥) فلاحظ ولا نعيد.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٣٦ / أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٦ ، الفقيه ٤ : ٥ / ١.

(٢) ، (٥) في ص ٣٦١.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٣٧ / أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٩ ، علل الشرائع : ٣٤٣.

(٤) الحدائق ٦ : ٣٠٦.

٣٦٥

ومنه يظهر الحال في مرسلة الصدوق قال : « وقد روي ونهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ، لأن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان » (١). إذ فيها مضافاً إلى الإرسال ما عرفته آنفاً.

والمتحصل من جميع ما تقدم : أنه لم تثبت كراهة التنفل بشتى أنواعه من المبتدأة والمرتّبة وذات السبب أداءً أو قضاءً في شي‌ء من الأوقات الخمسة ، وإن نسب ذلك إلى المشهور ، لقصور المقتضي وضعف ما استدل به لها. مضافاً إلى وجود المانع في بعضها ، ولا عبرة بالإجماع المدعى في المقام ولا بالشهرة الفتوائية ، فما ذكره في المتن من قوله : وعندي في ثبوت الكراهة في المذكورات إشكال ، هو الصحيح.

نعم ، قد يتخيل كراهة الإتيان بقضاء الفريضة لدى طلوع الشمس استناداً إلى صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إن نام رجل ولم يصلّ صلاة المغرب والعشاء أو نسي ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما ، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ، وإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس ، فان خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ثم ليصلها » (٢).

ولكنها معارضة بصحيحة حماد بن عثمان المؤيدة برواية نعمان المتقدمتين قريباً والصريحتين في الأمر بقضاء الفائتة متى تذكر حتى إذا كان عند طلوع الشمس ، وحيث إنها موافقة لمذهب العامة (٣) فلا جرم تكون محمولة على التقية.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٣٦ / أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٧ ، الفقيه ١ : ٣١٥ / ١٤٣٠.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٨٨ / أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٣.

(٣) المغني ١ : ٧٨٩ ، الفقه على المذاهب الأربعة ١ : ١٨٥.

٣٦٦

وأما إذا شرع فيها قبل ذلك فدخل أحد هذه الأوقات وهو فيها فلا يكره إتمامها ، وعندي في ثبوت الكراهة في المذكورات إشكال (١).

______________________________________________________

(١) قد عرفت أن الكراهة غير ثابتة من أصلها لا حدوثاً ولا بقاءً ، فلا كراهة لا في الشروع ولا في الإتمام.

وأما بناءً على الالتزام بثبوتها ، فهل تختص بحالة الشروع فلا كراهة في الإتمام فيما لو دخل أحد هذه الأوقات في الأثناء؟

يظهر من الماتن ذلك وليس له وجه ظاهر ، بل مقتضى التعليل الوارد في صحيح ابن مسلم المتقدم (١) هو التعميم ، لاتحاد المناط وهو مرجوحية الخشوع والخضوع والركوع والسجود عند ما تكون الشمس بين قرني الشيطان ، فانّ هذه العلة مشتركة ، فإن عملنا بالصحيحة لم يكن بدّ من الالتزام بالكراهة في كلتا الصورتين ، وإن حملناها على التقية لا موجب للالتزام بها في شي‌ء منهما ، فالتفكيك بينهما بلا موجب.

وهكذا الحال في صحيحة عبد الله بن سنان النافية للصلاة عند انتصاف النهار وحلول الزوال فيما عدا يوم الجمعة المحمولة على نفي الكمال كما سبق (٢) ، فان مقتضى إطلاقها أيضاً عدم الفرق بين الاحداث والإتمام ، فان عملنا بها عمّمناها لهما ، وإلا فلا يستفاد منها الكراهة في شي‌ء منهما ، فما صنعه في المتن تبعاً لبعض من تقدمه من التفكيك بينهما غير ظاهر الوجه ، والله سبحانه أعلم.

هذا آخر ما أردنا إيراده في هذا القسم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين ، ويليه القسم الثاني مبتدءاً بـ ( فصل في أحكام الأوقات ) إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) ، (٢) في ص ٣٦١.

٣٦٧

فصل في أحكام الأوقات‌

[١٢٠٩] مسألة ١ : لا يجوز الصلاة قبل دخول الوقت فلو صلى بطلت (١) ،

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، ويدلُّ عليه مضافاً إلى أنه مقتضى أدلة التحديد والتوقيت بالأوقات الخاصة من الكتاب والسنة الكاشفة طبعاً عن الشرطية ، وإلى حديث لا تعاد بعد كون الوقت من أحد الخمسة المستثناة نصوص خاصة.

منها : موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : من صلى في غير وقت فلا صلاة له » (١).

وصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « قال : إنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها ، وكذلك الزكاة إلى أن قال ـ : وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت » (٢).

نعم ، ربما يظهر من صحيحة الحلبي جواز الصلاة لغير وقتها في السفر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا صليت في السفر شيئاً من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك » (٣).

__________________

(١) ، (٣) الوسائل ٤ : ١٦٨ / أبواب المواقيت ب ١٣ ح ٧ ، ٩.

(٢) الوسائل ٤ : ١٦٦ / أبواب المواقيت ب ١٣ ح ١.

٣٦٨

وإن كان جزء منها قبل الوقت (١) ويجب العلم بدخوله حين الشروع فيها (٢) ولا يكفي الظن لغير ذوي الأعذار (٣).

______________________________________________________

وقد حملها الشيخ على صلاة القضاء (١).

وفيه : مضافاً إلى بُعده في نفسه كما لا يخفى ، أنّ ذلك لا يختص بالسفر فلا وجه للتقييد به في كلام الإمام عليه‌السلام.

فالصواب أنها ناظرة إلى وقت الفضيلة دون الإجزاء ، وأنه يتسع في السفر فلا مانع من الإتيان في غير وقت فضيلة الحضر ، فيكون في سياق النصوص الدالة على امتداد وقت فضيلة المغرب في السفر إلى ربع الليل أو ثلثه ، وأنّ مبدأ الظهرين هو الزوال ، مع أن الأفضل في الحضر التأخير إلى ما بعد القدم أو القدمين ، وهكذا ، فهي إذن أجنبية عما نحن فيه.

(١) فان مقتضى إطلاق النصوص المتقدمة عدم الفرق بين الكل والجزء.

(٢) فلا يجوز الشروع مع الشك ، وتدل عليه مضافاً إلى قاعدة الاشتغال القاضية بلزوم تحصيل الجزم بالفراغ عن التكليف المقطوع ، بل الاستصحاب الموجب للعلم التعبدي بعدم دخول الوقت نصوص خاصة نطقت بلزوم تحصيل اليقين وستعرفها بعد حين.

(٣) على المشهور شهرة عظيمة ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، وهو المطابق لأصالة عدم حجية الظن الثابتة بالأدلة الأربعة كما هو موضّح في محله.

أجل ، استظهر صاحب الحدائق (٢) جواز التعويل عليه من عبارة الشيخين في المقنعة والنهاية ، ونسبه إلى الفاضل الخراساني في الذخيرة ، واستدل له بعد أن اختاره بوجهين.

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٢٤٤ / ٨٦٩.

(٢) الحدائق ٦ : ٢٩٥.

٣٦٩

أحدهما : ما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن إسماعيل بن رياح عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا صلّيت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك » (١) بعد تفسير الرؤية بالظن وإطلاقها من حيث التمكن من تحصيل العلم وعدمه.

ولكنه مخدوش بضعف السند أوّلاً ، وذلك بجهالة ابن رياح.

وربما يتصدى للتوثيق تارة : بأنه من أصحاب الصادق عليه‌السلام وقد صرح الشيخ المفيد قدس‌سره في الإرشاد (٢) بوثاقتهم بأجمعهم بعد أن أنهى عددهم إلى أربعة آلاف رجل ، وتبعه على ذلك الشيخ الحر في أمل الآمل (٣) والمحدث النوري (٤) ، فكان هذا منه نظير توثيق العامة لجميع الصحابة.

ولكنه غير قابل للتصديق ، فان الشيخ الطوسي (٥) قد أتعب نفسه الزكية في إحصائهم دون أن يقتصر على الثقات ، بل ذكر حتى المنصور الدوانيقي وأبا حنيفة ونحوهما ممن أدرك الإمام وصحبه أيّاً من كان فلم يبلغ ذاك العدد ، بل لا يزيد على ثلاثة آلاف إلاّ بقليل ، ومن البين أن مجرد الصحبة لا تستلزم الوثاقة وإن ادعي ذلك في حق الصحابة ، فإذا كان المجموع بمن فيهم غير الثقة دون ذاك الحد الذي ادعاه المفيد فكيف يمكن تصديق مقالته.

على أنا لو سلمنا هذه الدعوى بحملها على خلاف ظاهرها ، وأنّ المراد أنّ أصحاب الصادق عليه‌السلام جماعة كثيرون غير أن أربعة آلاف منهم‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٠٦ / أبواب المواقيت ب ٢٥ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٥ / ١١٠ ، الكافي ٣ : ٢٨٦ / ١١ ، الفقيه ١ : ١٤٣ / ٦٦٦.

(٢) الإرشاد ٢ : ١٧٩.

(٣) أمل الآمل ١ : ٨٣.

(٤) خاتمة مستدرك الوسائل ٧ : ٧١.

(٥) رجال الشيخ الطوسي : ١٥٥.

٣٧٠

ثقاة ، فهذه الدعوى وإن كانت في نفسها قابلة للتصديق إلا أنها غير نافعة إلا إذا ثبت أنّ الرجل أعني إسماعيل بن رياح من قسم الموثوقين ، وأنّى لنا بذلك.

وأُخرى : بأن الراوي عنه ابن أبي عمير ، وهو لا يروي إلا عن ثقة ، لكنا أشرنا مراراً في مطاوي هذا الشرح إلى ضعف هذه الدعوى التي هي اجتهاد من الشيخ ذكرها في العدة (١) مستندة إلى الحدس دون الحس ، فلا يكون حجة علينا سيما بعد ما عثرنا على روايته عن غير الثقة في غير مورد.

وقصور الدلالة ثانياً ، فإن إطلاق الرؤية على الظن غير مأنوس ، بل لم يعهد استعمالها فيه في المضارع إلا بصيغة المجهول غير المربوط بما نحن فيه ، ولو تحقق أحياناً فإنما هو بمعونة قرينة مفقودة في المقام ، بل المراد منها بعد تعذر إرادة المعنى الحقيقي أعني المشاهدة والرؤية بالعين هو العلم واليقين ، غاية الأمر الأعم من الوجداني والتعبدي. فالتفسير المزبور من المحدّث المذكور مع تضلعه في اللغة لا يخلو عن غرابة.

على أنا لو سلّمنا هذا التفسير بل فرضنا التصريح بالظن بدلاً عن الرؤية لم يتم الاستدلال بالرواية للمطلوب أعني كفاية مطلق الظن ، لعدم كونها بصدد البيان من هذه الجهة ، وإنما وردت لبيان حكم آخر وهو الصحة لو صلى مع الظن ثم انكشف الخلاف وقد دخل الوقت في الأثناء ، ولعل المراد به الظن المعتبر في بعض فروضه ككون السماء غيماً ونحو ذلك ، لما عرفت من عدم كونه عليه‌السلام بصدد البيان من هذه الجهة لينعقد الإطلاق.

ومع التسليم وفرض انعقاده لم يكن بدّ من تقييده بالظن المعتبر أو بصورة العجز عن تحصيل العلم ، جمعاً بينها وبين النصوص المتقدمة الدالة على لزوم تحصيله والتعويل عليه.

__________________

(١) عدة الأُصول ١ : ٥٨ السطر ٨.

٣٧١

ثانيهما : النصوص المستفيضة الناطقة بجواز التعويل على أذان المؤذنين وإن كانوا من المخالفين ، فان من الواضح الجلي أن غاية ما يفيده الأذان هو الظن ، وإن اختلفت مراتبه شدة وضعفاً من أجل اختلاف المؤذنين من حيث الضبط والتدقيق في معرفة الوقت وعدمه.

وفيه : أوّلاً : ما ستعرف من أنّ الاعتماد على الأذان إنّما هو من جهة إخبار الثقة ، والنصوص ناظرة إلى ذلك ، فليست العبرة بحصول العلم أو الظن ، بل من أجل حجية خبر الثقة وإن لم يفد شيئاً منهما.

وثانياً : مع التسليم فغايته حجية الظن الناشئ من الأذان بالدليل الخاص ، فالتعدي إلى الناشئ من غيره قياس لا نقول به.

والمتحصل : أنه لا دليل على كفاية الظن لضعف الوجهين المزبورين ، بل الدليل قد قام على العدم ، وهو ما عرفت من أصالة عدم الحجية المعتضدة بالآيات والروايات الناهية عن اتباع الظن ، مضافاً إلى نصوص معتبرة قد وردت في خصوص المقام.

فمنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام : « في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر ولا يدري طلع أم لا ، غير أنه يظن لمكان الأذان أنه طلع ، قال : لا يجزيه حتى يعلم أنه قد طلع » (١) ودلالتها على عدم اعتبار الظن في باب الأوقات ظاهرة ، غير أن صاحب الحدائق (٢) زعم معارضتها بالنصوص الناطقة باعتبار الأذان ، وحيث إنها أكثر عدداً وأوضح سنداً فيتعين ارتكاب التأويل في هذه الرواية.

ولكنك خبير بعدم المعارضة ، لما ستعرف من اختصاص تلك النصوص باعتبار أذان الثقة العارف بالوقت ، وهذه مطلقة من حيث حصول الوثوق‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٨٠ / أبواب المواقيت ب ٥٨ ح ٤.

(٢) الحدائق ٦ : ٢٩٨.

٣٧٢

وعدمه (١) ، ومقتضى صناعة الإطلاق والتقييد حملها على أذان غير الثقة ، فالظن بمجرده لا عبرة به.

بل الاعتبار بالعلم الوجداني أو التعبدي الذي من أفراده أذان الثقة العارف إذن فالصحيحة تامة الدلالة على المدعى من غير معارض.

ومنها : رواية عبد الله بن عجلان قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : إذا كنت شاكاً في الزوال فصل ركعتين ، فاذا استيقنت أنها قد زالت بدأت بالفريضة » (٢).

وقد ناقش صاحب الحدائق (٣) أيضاً في دلالتها بأنها ناظرة إلى حكم الشك واليقين وأنه يعتبر الثاني دون الأول ، من غير تعرض لحكم الظن بوجه.

وهذه المناقشة مبنية على أمرين : أحدهما إنكار مفهوم الشرط ، والآخر دعوى اختصاص الشك بما تساوى طرفاه ، وكلاهما في حيّز المنع ، فان المفهوم المزبور قد ثبت اعتباره في الأُصول (٤) ، ومقتضاه أنه إذا لم يستيقن بالزوال لم يبدأ بالفريضة سواء حصل له الظن أم لا. كما أن الشك لغة خلاف اليقين (٥) فيشمل الظن ، وجعله قسيماً لهما اصطلاح مستحدث. إذن فالرواية بصدرها وذيلها تدل على المطلوب ، غير أن السند ضعيف ، لجهالة طريق ابن إدريس إلى نوادر البزنطي ، ومن المعلوم أن صحته عنده لا تجدي بالإضافة إلينا.

ومنها : ما رواه الكليني بإسناده عن علي بن مهزيار قال : « كتب أبو الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام معي : جعلت فداك ـ

__________________

(١) [ المناسب أن يقال : وهذه مطلقة من حيث وثاقة الراوي وعدمها ].

(٢) الوسائل ٤ : ٢٧٩ / أبواب المواقيت ب ٥٨ ح ١.

(٣) الحدائق ٦ : ٢٩٩.

(٤) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٥٩.

(٥) لسان العرب ١٠ : ٤٥١.

٣٧٣

نعم يجوز الاعتماد على شهادة العدلين على الأقوى (١) وكذا أذان العارف العدل (٢).

______________________________________________________

إلى أن قال ـ : فكتب عليه‌السلام بخطه وقرأته : الفجر يرحمك الله هو الخيط الأبيض المعترض وليس هو الأبيض صعداً ، فلا تصلّ في سفر ولا حضر حتى تبينه ... » إلخ ، ورواها الشيخ بإسناده عن الحصين ( ابن أبي الحصين ) قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام وذكر مثله (١).

وهي واضحة الدلالة ، غير أنها ضعيفة السند بطريقيها. أما الأول فبسهل ابن زياد ، وأما الثاني فبالحصين فإنه لم يوثق (٢) فلا تصلح إلا للتأييد ، والعمدة ما تقدم ، وفيه غنى وكفاية.

(١) لما دل على حجية البينة بنطاق عام ومنه المقام ، فلا يختص بمورد دون مورد إلاّ ما قام الدليل على اعتبار شي‌ء زائد كشهادة الأربعة في الزنا وضم اليمين في الشهادة على الميت ونحو ذلك ، نعم يختص بما استند إلى الحس فلا يشمل الاستناد إلى الحدس والاجتهاد. وقد تقدم البحث حول حجيتها مستوفى في كتاب الطهارة عند البحث عما تثبت به النجاسة فلاحظ (٣).

(٢) لم يظهر وجه للتقييد بالعدل ، فان المستند في حجية الأذان إن كان اندراجه في شهادة العدل الواحد في الموضوعات ، فالمفروض أن السيد الماتن قدس‌سره يستشكل فيه في المقام وفي غيره ، وإن كان المستند الأخبار الخاصة فهي عارية عن التقييد بالعدالة سيما وأن مورد بعضها أذان‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢١٠ / أبواب المواقيت ب ٢٧ ح ٤ ، الكافي ٣ : ٢٨٢ / ١ ، التهذيب ٢ : ٣٦ / ١١٥.

(٢) بل قد وثقه الشيخ كما تقدم [ في هامش ص ١٩٨ ].

(٣) شرح العروة الوثقى ٢ : ٢٦٠.

٣٧٤

العامة ، بل غايتها اعتبار الوثاقة.

اللهم إلا أن يريد قدس‌سره من العدالة معناها اللغوي أعني مجرد الاستقامة في العمل (١) ، بأن يكون مواظباً على الوقت بعد كونه عارفاً به وملتزماً بإيقاع الأذان في وقته التزاماً تاماً ، وإن لم يكن ملتزماً في سائر أحكام الدين ، فالاستقامة في الأذان أوجب إطلاق العدل عليه ، ولكنه بعيد عن ظاهر العبارة كما لا يخفى.

وكيف ما كان ، فقد وقع الخلاف في اعتبار أذان الثقة العارف فأثبته جماعة وأنكره آخرون.

ويستدل للاعتبار بطائفة من الأخبار وهي كثيرة ، والمعتبرة منها روايتان اشتملتا على التقييد بالثقة ، وإن كان غيرهما مطلقة من هذه الجهة بحيث لو صح أسنادها لزم ارتكاب التقييد وحملها على أذان الثقة جمعاً.

إحداهما : صحيحة ذريح المحاربي قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : صلّ الجمعة بأذان هؤلاء فإنهم أشدّ شي‌ء مواظبة على الوقت » (٢) حيث يظهر من التعليل أن الاعتماد على أذانهم إنما هو من أجل حصول الوثوق بدخول الوقت ، لمكان مواظبتهم عليه وإخبارهم عنه بالدلالة الالتزامية كما لو أخبروا عنه بالمطابقة. إذن فيعتمد على أذان كل من كان ثقة مواظباً على الوقت.

والتقييد بالجمعة إنما هو من أجل امتيازها بالشروع في الصلاة بمجرد دخول الوقت بخلاف سائر الأيام ، حيث يستحب التأخير لمكان النوافل ، فلا خصوصية لها ولا فرق بينهما في كاشفية الأذان عن دخول الوقت بالضرورة.

ثانيتهما : صحيحة الحلبي التي رواها الكليني بطريقين معتبرين عن أبي‌

__________________

(١) لسان العرب ١١ : ٤٣٠.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٧٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣ ح ١.

٣٧٥

عبد الله عليه‌السلام قال : « كان بلال يؤذن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن أُم مكتوم وكان أعمى يؤّذن بليل ويؤذن بلال حين يطلع الفجر ».

وقد أوردها في الوسائل بهذا المقدار في أبواب الأذان (١) وأخرجها بتمامها في كتاب الصوم بزيادة هذا الذيل : « فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام والشراب فقد أصبحتم » (٢) وهي واضحة الدلالة على اعتبار أذان العارف الثقة.

وربما يستدل بروايات أُخر :

منها : ما عبّر عنه بصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « قال : فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن ابن أُم مكتوم يؤذن بليل ، فاذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال ... » إلخ (٣) بعد وضوح أن موردها أعني الصوم لا خصوصية له ، وأنها تدل على حجية قول الثقة كبلال وكشفه عن دخول الوقت مطلقاً.

وفيه : أن الدلالة وإن كانت ظاهرة لكن السند ضعيف ، فان التعبير المزبور مبنيّ على أن يكون ما في ذيل الرواية أعني قوله : قال ... إلخ من كلام الراوي ليرجع الضمير إلى الصادق عليه‌السلام ويكون من متممات الرواية ، وليس كذلك ، بل هو من كلام صاحب الوسائل ، ومرجع الضمير هو الصدوق ، وهذه رواية أُخرى مستقلة ، ومن مراسيل الصدوق ، ولم تكن جزءاً من رواية معاوية وإلا لاحتاج إلى ذكر العاطف ، بأن يقول : وقال بدل « قال » كما لا يخفى.

وقد تفطّن المتصدي للطبعة الجديدة من الوسائل لذلك فأفرد للذيل رقماً مستقلا في مقابل الصدر ، ويكشف عنه بوضوح أنهما ذكرا في الفقيه في‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٨٩ / أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٣ ، الكافي ٤ : ٩٨ / ٣.

(٢) الوسائل ١٠ : ١١١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٨٩ / أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٢.

٣٧٦

موضعين أحدهما ج ١ ص ١٨٥ والآخر ج ١ ص ١٩٤.

وبالجملة فهما روايتان إحداهما مسندة والأُخرى مرسلة ، وليستا برواية واحدة كما توهم ، ومحل الاستشهاد هي الثانية الساقطة عن صلاحية الاستدلال ، نعم روى الكليني (١) مضمونها بطريق آخر لكن السند ضعيف بموسى بن بكر (٢).

ومنها : ما عبر عنه أيضاً بصحيح حماد بن عثمان عن محمد بن خالد القسري قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخاف أن نصلي يوم الجمعة قبل أن تزول الشمس ، فقال : إنما ذلك على المؤذنين » (٣).

وفيه : أن السند ضعيف بالقسري فإنه مهمل ، وحينئذ فإن أُريد من التعبير المزبور أن السند صحيح إلى حماد فهو حق ولكنه لا ينفع في تصحيح الرواية ، وإن أُريد أنها صحيحة نظراً إلى أن حمّاداً من أصحاب الإجماع ففيه ما مرّ غير مرة ولا نعيد.

ومنها : ما رواه العياشي في تفسيره عن سعيد الأعرج قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وهو مغضب وعنده جماعة من أصحابنا وهو يقول : تصلون قبل أن تزول الشمس ، قال وهم سكوت ، قال فقلت : أصلحك الله ما نصلي حتى يؤذن مؤذن مكة ، قال : فلا بأس أما إنّه إذا أذن فقد زالت الشمس » إلخ (٤).

قال في الحدائق (٥) ما لفظه : الخبر صحيح كما ترى بالاصطلاح القديم ، لكون الكتاب من الأُصول المعتمدة.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٨٩ / أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٤ ، الكافي ٤ : ٩٨ / ١.

(٢) تقدم [ في ص ٢٤٦ ] أنّ الرجل موثق عند السيد الأستاذ ( قده ).

(٣) الوسائل ٥ : ٣٧٩ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣ ح ٣.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٨٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣ ح ٩ ، تفسير العياشي ٢ : ٣٠٩.

(٥) الحدائق ٦ : ٢٩٦.

٣٧٧

وأما كفاية شهادة العدل الواحد فمحل إشكال (*) (١) ، وإذا صلى مع عدم اليقين بدخوله ولا شهادة العدلين أو أذان العدل بطلت (٢) إلا إذا تبين بعد ذلك كونها بتمامها في الوقت مع فرض حصول قصد القربة منه.

______________________________________________________

أقول : لا شبهة أن الكتاب من الأُصول المعتمدة وأن مؤلفه جليل القدر ، لكن المستنسخ سامحه الله أسقط الإسناد ما عدا الراوي الأخير روماً للاختصار ، زعماً منه أنه خدمة في هذا المضمار ، وبذلك ألحقها بالمراسيل وأسقطها عن درجة الاعتبار من حيث لا يشعر ، إذن فالسند ضعيف ولا يمكن التعويل عليه ، فالعمدة من الأخبار ما عرفت ، وفيها غنى وكفاية ، وما عداها مما ذكر ولم يذكر روايات ضعيفة لا تصلح إلا للتأييد.

(١) أظهره الكفاية ، بل كفاية إخبار مطلق الثقة في الموضوعات وإن لم يكن عدلاً ، لقيام السيرة العقلائية على ذلك حسبما باحثنا حوله في محله مستوفى (١) ، بل يمكن استفادته من نصوص المقام أيضاً ، فإن الأذان إخبار عن دخول الوقت بالدلالة الالتزامية ، فإذا كان حجة كان الإخبار عنه بالدلالة المطابقية أولى وأحرى كما لا يخفى فليتأمل.

(٢) الداخل في الصلاة شاكاً في حصول الوقت من غير استناد إلى حجة معتبرة يتصور على وجوه أربعة : فتارة يستبين له وقوعها بتمامها قبل الوقت ، وأُخرى بتمامها بعده ، وثالثة : بعضها فيه دون بعض ، ورابعة : لا يستبين الحال ، بل لا يزال باقياً على شكه حتى ما بعد الفراغ من الصلاة.

أما في الصورة الاولى : فلا إشكال في فساد الصلاة ، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، ولا سيما الوقت الذي هو من الأركان. وإجزاء الفاقد عن‌

__________________

(*) لا يبعد القول بكفايتها ، بل بشهادة مطلق الثقة.

(١) أشار إلى ذلك في مصباح الأُصول ٢ : ١٧٢.

٣٧٨

الواجد يحتاج إلى الدليل ولا دليل ، بل الدليل قائم على العدم ، وهو اندراجه في عقد الاستثناء من حديث لا تعاد.

وأما في الصورة الثانية : فلا ينبغي الشك في الصحة بعد افتراض حصول قصد القربة أما للإتيان برجاء المطلوبية بناء على كفايته حتى مع التمكن من الامتثال الجزمي كما هو الصحيح أو لاعتقاده الصحة مع الشك في دخول الوقت بحيث تمشّى منه القصد المزبور ، فإنه لا خلل في العبادة في هذه الصورة بوجه.

وأما في الصورة الثالثة : فمقتضى القاعدة بطلان العبادة ، نظراً إلى أن الوقت شرط في تمام الأجزاء بالأسر ، ففساد البعض من أجل فقد الشرط يسري طبعاً إلى الجميع بمقتضى افتراض الارتباطية الملحوظة بينها ، وليس في البين ما يستوجب الخروج عنها بعد وضوح قصور خبر إسماعيل بن رياح المتقدم (١) لو صح سنده عن الشمول للمقام ، لاختصاص موردها بمن يرى دخول الوقت ، فلا ينطبق على الشاك الذي هو محل الكلام.

وأما الصورة الرابعة : فهي على نحوين : إذ تارة يستمر في شكه حتى في هذه الحالة ، وأُخرى يزول الشك فيعلم حينئذ بدخول الوقت ولكنه لا يدري أنه هل كان داخلاً منذ شروعه في الصلاة أيضاً أو لا.

أما في الأول : فلا ينبغي الشك في الفساد ، ولا سبيل للتصحيح بقاعدة الفراغ ، لما سيأتي من أنها لا تجري في من صلى مع اعتقاد الدخول ثم عرضه الشك بعد الفراغ بنحو الشك الساري ، فإنها إذا لم تجر مع الاعتقاد فمع الشك بطريق أولى.

وأما في الثاني : فكذلك ، لاختصاص مورد القاعدة بالشك الحادث بعد الفراغ ، والمفروض في المقام عروضه قبل الدخول في الصلاة ، فكانت هي‌

__________________

(١) في ص ٣٧٠.

٣٧٩

[١٢١٠] مسألة ٢ : إذا كان غافلاً عن وجوب تحصيل اليقين أو ما بحكمه فصلى ثم تبين وقوعها في الوقت بتمامها صحت ، كما أنه لو تبين وقوعها قبل الوقت بتمامها بطلت ، وكذا لو لم يتبين الحال ، وأما لو تبين دخول الوقت في أثنائها ففي الصحة إشكال فلا يترك الاحتياط بالإعادة (*) (١).

______________________________________________________

محكومة بالفساد منذ الشروع فيها إما شرعاً لاستصحاب عدم دخول الوقت أو عقلاً لقاعدة الاشتغال ، وما هذا شأنه غير صالح للتصحيح بقاعدة الفراغ بوجه.

والمتحصل : أن الصلاة محكومة بالفساد في جميع الصور ما عدا صورة واحدة ، وهي الواقعة بتمامها في الوقت شريطة حصول قصد القربة.

(١) الصور المتقدمة في المسألة السابقة تجري هنا أيضاً ، والحكم كما تقدم من البطلان إلا في صورة واحدة ، وهي ما لو وقعت الصلاة بتمامها في الوقت ، بل إن الصحة هنا أوضح ، بداهة تمشّي قصد القربة من الغافل ، وأما الشك فيحتاج إلى عناية كما تقدم.

وقد علم وجه الفساد في سائر الصور ، أعني ما لو استبان وقوع الصلاة بتمامها أو بعضها قبل الوقت وإن استشكل الماتن هنا في الأخير ، ولعله لاحتمال اندراجه في خبر ابن رياح المتقدم (١) ، ولكنه ضعيف لما عرفت من اختصاصه بمن يرى أي يعتقد دخول الوقت ، فلا يشمل الغافل كما لا يشمل الشاك.

وأما لو لم يتبين الحال فقد عرفت أنه قد يفرض مع استمرار الشك وأُخرى مع زواله.

أما في الأول فلا تجري قاعدة الفراغ حتى في المعتقد دخول الوقت فضلاً‌

__________________

(*) بل وجوبها هو الأقوى.

(١) في ص ٣٧٠.

٣٨٠