موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

الرابع : لمدافعة الأخبثين ونحوهما فيؤخر لدفعهما (١).

______________________________________________________

(١) هذا من الاستثناء الحقيقي ، فلو صلى مع المدافعة أتى بها في الوقت غير الأفضل ، ويستدل له بروايتين :

إحداهما : صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة ، وهو بمنزلة من هو في ثوبه » (١).

فان الحاقن هو حابس البول في مقابل الحاقب الذي هو حابس الغائط ، وطاهرها بمقتضى « لا » النافية للجنس نفي الحقيقة المساوق لنفي الصحة لولا القطع بها من الأدلة الأُخر ، فلا جرم تحمل على نفي الكمال ، فتدل على أنّ الأفضل هو التأخير.

نعم ، يختص موردها بالحاقن لورودها في المصادر من التهذيب (٢) والوسائل والمحاسن (٣) كذلك ، وإن لم تتكرر أداة النفي في الأخير ، فيحتاج التعدي إلى الحاقب إلى دعوى عدم الفصل والقطع باتحاد الملاك كما لا يبعد.

بيد أن المحدث الكاشاني احتمل التصحيف بتبديل الحاقب بالحاقنة وأنها كانت هكذا : « لا صلاة لحاقن ولا لحاقب » (٤) ولكنه كما ترى مجرد احتمال لا يركن إليه بعد نقل الرواية في جميع المصادر بالصورة التي عرفتها ، وقد اعترف بذلك صاحب الحدائق أيضاً (٥) وإن نقلها في موضع آخر بالصورة الأُخرى (٦).

نعم ، ورد الحاقب في روايات أُخر إما بهذه اللفظة أو ما يؤديها ، ولكنها‌

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٥١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٣ / ١٣٧٢.

(٣) المحاسن ١ : ١٦٣ / ٢٣٦.

(٤) الوافي ٨ : ٨٦٤ / ٧٢٦١.

(٥) الحدائق ٩ : ٦١.

(٦) الحدائق ٦ : ٣٢٨.

٣٠١

بأجمعها ضعاف السند (١) لا يعوّل على شي‌ء منها. فلا مناص في التعدي إلى ما عرفت من دعوى القطع بعدم الفرق.

ثم إن مرجع الضمير المنفصل في قوله : « من هو في ثوبه » هو النجس المستفاد من كلمة الحاقن ، أعني البول إيعازاً إلى شدة الكراهة وكأنّه يصلي في النجس ، ولكن المحكي عن [ بعض نسخ ] المحاسن هكذا : « وهو بمنزلة من هو في نومه » (٢) والمرجع حينئذ هو المصلي ، ولعل هذه النسخة أنسب بالمعنى وأوفق بالاعتبار ، حيث إنّ المتشاغل بمدافعة الأخبثين فاقد للتوجه وفارغ عن الإقبال فلا يدري ما يقول ، فهو بمثابة النائم المسلوب عنه الشعور. وكيف ما كان فلا دخل لهذه الفقرة بمحل الاستشهاد.

ثانيتهما : ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي بكر الحضرمي عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تصلّ وأنت تجد شيئاً من الأخبثين » (٣).

والدلالة ظاهرة غير أن السند ضعيف من جهة تردد والد أبي بكر بين الثقة والمهمل ، فان أبا بكر الحضرمي إن كان هو محمد بن شريح فأبوه مهمل ، وإن كان هو عبد الله بن محمد فهو أي محمد ثقة إن أُريد به محمد بن شريح أبو عبد الله ، وإن أُريد به غيره فهو أيضاً مهمل ، وأما غيره ممن وقع في السند فلا بأس بهم ، فان علي بن الحكم موثق ، وكذلك الحضرمي نفسه لوقوعه في أسناد كامل الزيارات (٤).

__________________

(١) لا يخفى أنّ موثقة إسحاق بن عمار [ المروية في الوسائل ٧ : ٢٥٢ / أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ٥ ] مشتملة على الحاقب ولا غمز في سندها بوجه.

(٢) المحاسن ١ : ١٦٣ / ٢٣٦.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٥٢ / أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ٣. التهذيب ٢ : ٣٢٦ / ١٣٣٣.

(٤) حسب الرأي السابق المعدول عنه ، والعمدة أنه ممدوح بعنوانه مضافاً إلى وقوعه في تفسير القمي كما أُشير إليه في المعجم ٢٢ : ٧٢ / ١٤٠٠٨.

٣٠٢

الخامس : إذا لم يكن له إقبال فيؤخّر إلى حصوله (١).

السادس : لانتظار الجماعة (*) إذا لم يفض إلى الإفراط في التأخير (٢).

______________________________________________________

(١) لصحيحة عمر بن يزيد قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أكون في جانب المصر فتحضر المغرب وأنا أُريد المنزل فإن أخّرت الصلاة حتى أُصلي في المنزل كان أمكن لي وأدركني المساء أفأُصلي في بعض المساجد؟ ففال : صلّ في منزلك » (١) دلت على أنّ تأخير الصلاة مع التمكين والإقبال أفضل من تقديمها مع تشويش البال.

(٢) تقدم شطر من الكلام حول هذا الاستثناء الذي هو من باب المزاحمة لا التخصيص الحقيقي في المسألة التاسعة من الفصل السابق (٢) ونعيده هنا إجمالاً تبعاً للماتن مع الإيعاز إلى ما لم تسبق الإشارة إليه فنقول :

المستند في المسألة ما رواه جميل بن صالح « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام أيهما أفضل يصلي الرجل لنفسه في أول الوقت أو يؤخرها قليلاً ويصلي بأهل مسجده إذا كان إمامهم؟ قال : يؤخر ويصلّي بأهل مسجده إذا كان الإمام » (٣).

وقد ذكر صاحب الوسائل هذه الرواية في بابين (٤) بعد أن كرّر عنوان الباب ساهياً.

وكيف ما كان ، فالظاهر أنها غير صالحة للاستدلال ، إذ مضافاً إلى ضعف سندها من أجل جهالة طريق الصدوق إلى جميل بن صالح وإن كان هو في نفسه ثقة لوقوعه في أسناد كامل الزيارات (٥) فلا يمكن الاستدلال بها حتى في‌

__________________

(*) هذا إذا لم يؤدّ التأخير إلى فوات وقت الفضيلة ، وكذا التأخير لأجل تحصيل كمالٍ آخر.

(١) الوسائل ٤ : ١٩٧ / أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١٤.

(٢) في ص ٢٢٨.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٠٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٩ ح ١.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٠٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٩ و ٤٢٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ٧٤.

(٥) حسب الرأي السابق المعدول عنه ، والعمدة أنه موثق بتوثيق النجاشي [ رجال النجاشي : ١٢٧ / ٣٢٩ ] كما في المعجم ٥ : ١٣٢ / ٢٣٧٤. ومعه لا حاجة إلى التشبث بالكامل.

٣٠٣

موردها ، أنها أخص من المدعى حيث تضمنت قيدين :

أحدهما : أن تكون الصلاة في المسجد.

ثانيهما : اختصاص الحكم بالإمام ، فلا دلالة لها على ثبوته للمأموم ولا في غير المسجد. إذن فلا بد من التكلم على مقتضى القواعد بعد كون المقام من صغريات المزاحمة بين فضيلة أول الوقت وبين فضيلة الجماعة.

ولا ينبغي التأمل في أنّ مقتضاها التفصيل بين التأخير عن أول وقت الفضيلة إلى وسطه أو منتهاه ، وبين التأخير إلى وقت الإجزاء ، فيكون الأفضل هو التأخير في الصورة الأُولى ، لما فيه من الجمع بين الفضيلتين ، فان البدار إلى أول وقتها وإن كان أفضل بل يستحب الإتيان بها فوراً ففوراً ، إلا أن ذلك لا يقاوم فضيلة الجماعة كما لا يخفى. وتدل عليه السيرة القطعية المتصلة بزمن المعصومين عليهم‌السلام حيث إنها استقرت على انتظار حضور الامام واجتماع المأمومين ، ولعل هذا هو مراد الماتن حيث قيّده بما إذا لم يفض إلى الإفراط في التأخير.

وأما في الصورة الثانية ، فالأفضل التعجيل والإتيان بها فرادى ، وعدم انتظار الجماعة ، لما في التأخير إلى وقت الاجزاء من التخفيف والاستهانة بأمر الصلاة بمثابةٍ أُطلق عليه التضييع في لسان الأخبار ، ففي موثقة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : العصر على ذراعين ، فمن تركها حتى تصير على ستة أقدام فذلك المضيّع » (١) ونحوها غيرها.

ومن البيّن أنّ فضيلة الجماعة مهما بلغت لا تكاد تكون جابرة للتضييع الذي هو بمثابة الترك ، وهل يمكن القول بأنّ تضييع الصلاة أفضل لمكان درك الجماعة.

وبعبارة اخرى : يدور الأمر بين إدراك فضيلة الجماعة مع فوات فضيلة الوقت بحيث يعدّ مضيّعاً للصلاة ، وبين درك ما لا تضييع معه وإن فاتته فضيلة‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٥٢ / أبواب المواقيت ب ٩ ح ٢.

٣٠٤

وكذا لتحصيل كمال آخر كحضور المسجد (١).

______________________________________________________

الجماعة ، ولا شبهة في تقديم الثاني ، ضرورة أنّ ثواب الجماعة وإن بلغ من الكثرة ما بلغ لا يكاد يقاوم فضيلة الوقت ، تلك الفضيلة التي يكون فواتها مساوقاً للتضييع وفي حكم العدم وإن سقط معه التكليف في مقام الامتثال ، فلا جرم تتقدم فضيلة الوقت على فضيلة الجماعة في هذه الصورة فلاحظ.

(١) ويستدل له بما رواه الشيخ في المجالس بإسناده عن زريق كما في الوسائل والفهرست (١) أو رزيق كما عن النجاشي والشيخ في رجالهما (٢) قال : « سمعت أبا عبد الله يقول : من صلى في بيته جماعة رغبة عن المسجد فلا صلاة له ولا لمن صلى معه إلا من علّة تمنع من المسجد » (٣) حيث دلت على أن الصلاة في المسجد منفرداً أفضل منها في غيره جماعة ، وبعد ضمها إلى ما سبق من أفضلية انتظار الجماعة عن المبادرة إلى وقت الفضيلة ، يستفاد منها أفضلية الصلاة في المسجد من درك أول الوقت لدى الدوران بينهما بطريق أولى كما لا يخفى.

وفيه أوّلاً : أنّ السند ضعيف لعدم ثبوت وثاقة الراوي على كل من التقديرين المزبورين ، وأما اشتمال طريق صاحب الوسائل إلى كتاب المجالس على محمد بن خالد الطيالسي وخلوّه عن التوثيق الصريح فلا ضير فيه بعد وقوعه في أسناد كامل الزيارات (٤).

وثانياً : أنّ الدلالة قاصرة ، فإنها ناظرة إلى مَن صلى في بيته إعراضاً ورغبة‌

__________________

(١) الفهرست : ٧٤.

(٢) رجال النجاشي : ١٦٨ ، رجال الطوسي : ٢٠٥.

(٣) الوسائل ٥ : ١٩٦ / أبواب أحكام المساجد ب ٢ ح ١٠ ، أمالي الطوسي : ٦٩٦ / ١٤٨٦.

(٤) حسب الرأي السابق المعدول عنه.

٣٠٥

أو كثرة المقتدين (١) أو نحو ذلك.

السابع : تأخير الفجر عند مزاحمة صلاة الليل إذا صلّى منها أربع ركعات (٢).

______________________________________________________

عن المسجد ، كما يحكى ذلك عن بعض فرق المتصوفة معللين بأنه محل استشهاد أمير المؤمنين ، وأنّ فرط علاقتهم به عليه‌السلام تمنعهم عن مشاهدة محل شهادته ، فلا تشمل من صلى في بيته لا لمكان الاعراض ، بل لغاية صحيحة وعذر مقبول. وعلى أيّ حال فالرواية غير صالحة للاستدلال.

فالأحرى أن يقال على حذو ما تقدم (١) في انتظار الجماعة : من أن المقام من باب المزاحمة فيجري التفصيل المتقدم بين وقتي الفضيلة والإجزاء ، وأن التأخير لدرك فضيلة المسجد إن كان مع المحافظة على وقت الفضيلة فتؤخر عن أولها إلى آخرها مثلاً ، فهو الأفضل لما فيه من الجمع بين الفضيلتين.

وأما إن كان بدونها فاستلزم التأخير عن وقت الفضيلة إلى وقت الاجزاء فحيث إنه مستلزم للتضييع فالأفضل حينئذ هو التعجيل ، لعدم انجبار فضيلة الوقت بفضيلة المسجد ، بل لا فضيلة مع التضييع حسبما عرفت.

(١) هذا وجيه لو أثّرت الكثرة في تضاعف الثواب ، وهو وإن ساعده الذوق إلا أن الأخبار خالية عن التعرض لذلك فيما لو زاد العدد على العشر بحيث يكون ثواب العشرين مثلاً أكثر من العشر.

نعم لو ثبت ذلك جرى فيه التفصيل المتقدم بمناط واحد ، وإلا فلا يستحب التأخير حتى مع المحافظة على وقت الفضيلة.

(٢) بناءً على استحباب إتمام صلاة الليل حينئذ ، فيلتزم بالتخصيص في دليل استحباب المبادرة إلى الفريضة أوّل وقتها كدليل المنع عن التطوع في وقت‌

__________________

(١) في ص ٢٢٨.

٣٠٦

الثامن : المسافر المستعجل (١).

التاسع : المربيّة للصبي تؤخّر الظهرين لتجمعهما مع العشاءين بغسل واحد لثوبها (٢).

______________________________________________________

الفريضة ، ولكنك عرفت فيما سبق (١) عدم ثبوته لضعف مستنده ، وإنما الثابت استحباب تأخير صلاة الفجر عن صلاة الليل فيما إذا قعد عن النوم بعد طلوع الفجر فينبغي تبديل ما في المتن بهذا النحو.

(١) ويستدل له بالروايات الكثيرة الناطقة بأنّ للمسافر أن يؤخّر المغرب إلى ربع الليل أو ثلثه ، أو خمسة أميال أو ستة بعد غروب الشمس حسب اختلاف لسان الروايات (٢) ، ولأجل ذلك يلتزم بالتخصيص فيما دل على أفضلية الإتيان بالصلاة في أوّل الوقت.

ولكنك خبير بأنّ مورد هذه الروايات برمّتها هو صلاة المغرب ولا دليل على التعدي إلى غيرها ، فهي أخص من المدعى ، هذا أوّلاً.

وثانياً : أنّ موردها مطلق المسافر من غير اختصاص بالمستعجل ، فالتقييد به لا وجه له.

وثالثاً : أنّ مفادها إنما هو التوسعة في وقت الفضيلة للمسافر في مقابل الحاضر لا التأخير عن وقتها ليستوجب التخصيص والاستثناء كما هو المدعى.

وإن شئت قلت : إن مرجعها إلى التخصيص فيما دل على التضييق في وقت فضيلة المغرب وأنه لا ضيق في حق المسافر ، لا إلى التخصيص فيما دل على أفضلية المبادرة إلى وقت الفضيلة الذي هو محل الكلام. فهذا الاستثناء لا موقع له.

(٢) تقدّم البحث حول هذا الموضوع عند التكلم في أحكام النجاسات من‌

__________________

(١) في ص ٢٩٤.

(٢) الوسائل ٤ : ١٩٣ / أبواب المواقيت ب ١٩.

٣٠٧

كتاب الطهارة (١) وذكرنا أنّ المشهور استثنوا ثوب المربية مما دل على اعتبار الطهارة في لباس المصلي استناداً إلى رواية أبي حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل عن امرأة ليس لها إلا قميص واحد ، ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ قال : تغسل القميص في اليوم مرّة » (٢) حيث دلت على كفاية الغسل في كل يوم مرّة واحدة ، فيكتفى بإيقاع صلاة واحدة من الصلوات الخمس مع الطهارة ، ولا تقدح النجاسة فيما عدا ذلك ، وإن كان الأفضل لها أن تغسله بعد الزوال فتصلي به الظهرين ، وأفضل من ذلك أن تغسله في آخر النهار لتجمع بين الظهرين والعشاءين.

لكنك عرفت في محله أن الرواية ضعيفة السند من أجل محمد بن يحيى المعاذي ، حيث إنّ ابن الوليد استثناه من رجال النوادر وتبعه الصدوق وابن نوح ، ويظهر من الشيخ والنجاشي تقريره. أضف إلى ذلك : أن محمد بن خالد الواقع في السند مردد بين الثقة والضعيف ، وكذلك أبو حفص فلا ينبغي الشك في ضعف السند ، إلا أن يدعى انجبار الضعف بعمل المشهور ولا نقول به. إذن فلا يمكن التعويل عليها في الخروج عما دل على اشتراط الطهارة في لباس المصلي ، ومعه لا مناص من العمل على ما تقتضيه القواعد.

ولا ريب أنّ مقتضى قاعدة نفي الحرج الاقتصار على غسل قميصها في اليوم مرّة واحدة فيما إذا كان الزائد حرجاً عليها ، ولكن يجب عليها حينئذ الجمع بين الصلاتين ، إذ لا موجب لرفع اليد عن دليل شرطية الطهارة مع التمكن من مراعاتها في هذه الصورة من دون حرج والضرورات تقدّر بقدرها ، والأفضل لها حينئذ تأخير الظهر إلى منتهى وقت الفضيلة وتقديم العصر لتجمع بين وقت الفضيلتين.

ومنه تعرف أنها لو تمكّنت من مراعاة الطهارة في الصلوات الأربع بتأخير‌

__________________

(١) شرح العروة ٣ : ٤٤٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٩٩ / أبواب النجاسات ب ٤ ح ١.

٣٠٨

العاشر : المستحاضة الكبرى تؤخّر الظهر والمغرب إلى آخر وقت فضيلتهما لتجمع بين الاولى والعصر ، وبين الثانية والعشاء بغسل واحد (١).

______________________________________________________

الظهرين للجمع بينهما وبين العشاءين تعيّن ذلك بعين الملاك المزبور. فالتأخير إذن هو المتعيّن لا أنه أفضل.

نعم ، لو كان الغسل حتى مرّة واحدة حرجاً عليها سقط وجوبه وكان الأفضل الإتيان بكل من الصلوات في أوقات فضيلتها ، كما أنها لو تحمّلت العسر وغسلت ثوبها مرّة للظهرين ومرّة اخرى للعشاءين أتت بجميعها في وقت فضيلتها أيضاً.

ثم إنا لو بنينا على صحة الرواية ولو لأجل اختيار مسلك الانجبار ، لم يكن حينئذ وجه لاستثناء المربية عن أفضلية التعجيل ، إذ مقتضى إطلاقها أنّ المربية بغسل قميصها مرّة واحدة تستطيع من الإتيان بالصلوات الخمس في أوقات فضيلتها على حذو ما يأتي به غيرها من سائر المكلفين ، فلا يكون الجمع لها بين الظهرين أفضل فضلاً عن الجمع بينهما وبين العشاءين ، وإن كان هذا هو الأولى ولو لأجل فتوى المشهور بذلك.

(١) لا يخفى أنّ هذا لم يكن من الاستثناء المبحوث عنه في المقام ، فإن المستحاضة الكبرى لو شاءت الإتيان بكل فريضة

في وقت فضيلتها ساغ لها ذلك ، غاية الأمر أنّ عليها حينئذ تكرار الغسل لكل صلاة فتقع في ضيق وكلفة ، لا أنها لو تحمّلته وقعت صلاتها في غير الوقت الأفضل كما هو قضية الاستثناء ، والنصوص الواردة في المقام لم تكن بهذا الصدد ، وإنما هي بصدد التخفيف وبيان طريقة سهلة تتمكن معها من رعاية وقت الفضيلة في كل من الظهرين والعشاءين بالاكتفاء بغسلين فقط ، فإن عمدة ما يستدل به على أفضلية التأخير روايتان :

الأُولى : صحيحة معاوية بن عمار « ... اغتسلت للظهر والعصر تؤخر هذه‌

٣٠٩

وتعجّل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلاً تؤخر هذه وتعجّل هذه ... » إلخ (١).

فإنها معتبرة وإن اشتمل السند على محمد بن إسماعيل فإنه ثقة على الأظهر ، وقد تضمنت الأمر بالتأخير ، لكنك عرفت عدم ظهوره في الأفضلية ، وجواز كونها مسوقة للإرشاد إلى الطريق الأسهل ، وهذا واضح بالإضافة إلى العشاءين فإنها تؤخر المغرب إلى قرب سقوط الشفق الذي هو منتهى وقت فضيلتها ثم تصلي العشاء بعد ذلك ، فتكون قد جمعت بذلك بين فضيلتي العشاءين بغسل واحد.

وأما بالنسبة إلى الظهرين ففيها احتمالان :

أحدهما : أن يراد من تأخير الظهر الإتيان بها بعد نافلتها ، ومن تعجيل العصر الإتيان بها بغير الفصل بالنافلة وإلا لوجب عليها غسل آخر فتغتسل ثم تتنفل للظهر وتجمع بين الصلاتين.

وربما يعضده ما تقدّم في محلّه (٢) من أن العبرة في دخول وقت الفضيلة بالإتيان بالنافلة ولا عبرة بالذراع ولا بالمثل ، وأنه ليس في البين إلا سبحتك كما جاء في النص (٣).

ثانيهما : أن يكون الواو في قوله : « وتعجّل هذه » بمعنى أو ، والمراد أنها إما أن تؤخر الظهر إلى آخر وقت الفضيلة ، أو تقدم العصر على وقت فضيلتها لكي تجمع بينهما.

وعلى التقديرين فلا دلالة لها على أن هذا النحو من الجمع والتأخير أفضل من التفريق والإتيان بكل فريضة في أول وقت فضيلتها ليتجه الاستثناء.

الثانية : صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المستحاضة كيف تصنع؟ قال : إذا مضى وقت طهرها الذي كانت‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١.

(٢) ص ١٥٥ ، ٢٢٨.

(٣) الوسائل ٤ : ١٣١ / أبواب المواقيت ب ٥.

٣١٠

الحادي عشر : العشاء تؤخّر إلى وقت فضيلتها وهو بعد ذهاب الشفق (١) بل الأولى تأخير العصر إلى المِثل (*) (٢) وإن كان ابتداء وقت فضيلتها من الزوال.

______________________________________________________

تطهر فيه فلتؤخر الظهر إلى آخر وقتها ثم تغتسل ثم تصلي الظهر والعصر .. » إلخ (١) ولا يقدح (٢) اشتمال السند على محمد بن خالد الطيالسي العاري عن التوثيق الصريح بعد وقوعه في أسناد كامل الزيارات ، والتقريب كما سبق فلاحظ ولا نعيد.

والمتحصّل : أنه لم ينهض دليل على أفضلية التأخير للمستحاضة عن أول وقت الفضيلة بالإضافة إلى الظهر أو المغرب ، بل التقديم هو الأفضل فيما لو تحمّلت المشقة وأتت بالأغسال الأربعة للصلوات الأربع ، فإن النصوص الواردة غير ناهضة لتخصيص ما دل على أفضلية الإتيان بالصلوات في أول وقت فضيلتها ، بحيث لو صنعت كذلك لأتت بها في غير الوقت الأفضل ، وإنما هي بصدد التسهيل وبيان الطريق الأخف حسبما سمعت.

(١) لجملة من النصوص المعتبرة الناطقة بذلك ، وقد تقدمت عند التكلم حول وقت العشاء ، وبها يثبت التخصيص فيما دل على أفضلية الإتيان بالفريضة في أول وقتها.

(٢) تقدّم في محله أن نصوص المثل والمثلين والذراع والذراعين محمولة على اختلاف مراتب وقت الفضيلة بعد أن كان مبدؤه هو الزوال ، وعرفت أيضاً أنه لا خصوصية لهذه التحديدات ، وإنما العبرة بالفراغ من النافلة ، وأنه لا شي‌ء إلا سبحتك كما في الخبر ، أذن فالأفضل المبادرة إلى صلاة العصر بمجرد الفراغ من نافلتها من دون انتظار لحلول المثل ، فلو كان آتياً بها قبل ذلك كما في يوم‌

__________________

(*) بل إلى الفراغ من النافلة من دون تحديد بوقت.

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٧ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٥.

(٢) بل يقدح ، لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

٣١١

الثاني عشر : المغرب والعشاء لمن أفاض من عرفات إلى المشعر فإنه يؤخّرهما ولو إلى ربع الليل بل ولو إلى ثلثه (١).

______________________________________________________

الجمعة أو كانت ساقطة كما في السفر أو لم يكن بانياً على الإتيان بها ، كان الأفضل المبادرة إليها بمجرد الفراغ من صلاة الظهر ، وتقدم أيضاً أن ما دل على أفضلية التأخير إلى المثل كموثقة معاوية بن وهب مطروحة أو محمولة على التقية ، لعدم مقاومتها مع النصوص الكثيرة الناطقة بخلاف ذلك ، فما أفاده في المتن غير واضح.

(١) فان هذه الأفضلية وهي من موارد التخصيص نتيجة الجمع بين طائفتين من الأخبار تضمنت إحداهما جواز الإتيان بالعشاءين أول الوقت في عرفات.

كصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا بأس بأن يصلي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة » (١).

وموثقة محمد بن سماعة بن مهران قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يصلي المغرب والعتمة في الموقف ، فقال : قد فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاهما في الشعب » (٢).

وتضمنت الطائفة الأُخرى النهي عنه ولزوم التأخير إلى المشعر ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام « قال : لا تصل المغرب حتى تأتي جمعاً وإن ذهب ثلث الليل » (٣).

وموثقة سماعة قال : « سألته عن الجمع بين المغرب والعشاء بجمع ، فقال : لا تصلهما حتى تنتهي إلى جمع وإن مضى من الليل ما مضى ... » الحديث (٤).

فترفع اليد عن ظهور الثانية بصراحة الاولى في جواز التقديم وتكون‌

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٢ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ٣ ، ١ ، ٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٣ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ٥.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٢ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ٣ ، ١ ، ٢.

(٤) الوسائل ١٤ : ١٢ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ٣ ، ١ ، ٢.

٣١٢

الثالث عشر : من خشي الحر يؤخّر الظهر إلى المثل ليبرد بها (١).

______________________________________________________

النتيجة هي أفضلية التأخير كما سمعت. هذا ومقتضى إطلاق الثانية ولا سيما الموثقة وإن كان هو التأخير بلغ ما بلغ ، لكنه يقيد بما دل على انتهاء الوقت بانتصاف الليل كما هو ظاهر.

(١) يستدل له تارة بصحيحة معاوية بن وهب المروية في الفقيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه « قال : كان المؤذن يأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحرّ في صلاة الظهر فيقول له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أبرد أبرد » (١) بدعوى ظهورها في التأخير إلى أن يبرد الهواء.

وفيه : مضافاً إلى أنّ مقتضاها التأخير إلى أن يحصل الإبراد ، فلا وجه للتحديد بالمثل كما في المتن أن الصدوق فسّر الإبراد بالإسراع أخذاً له من البريد الحاوي لنوع من التعجيل للنيل إلى المقصد دون التبريد ، ومع تطرّق هذا الاحتمال تسقط الرواية عن صلاحية الاستدلال.

وأُخرى : بما رواه في العلل بإسناده عن أبي هريرة قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصلاة ، فإن الحرّ من قيح جهنم ... » الحديث (٢) وضعفها ظاهر.

والأولى أن يستدل له بموثقة زرارة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني فلمّا أن كان بعد ذلك قال لعمر بن سعيد بن هلال : إن زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أُخبره فخرجت ( فحرجت ) من ذلك فاقرأه مني السلام وقل له : إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر ، وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر » (٣).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٤٢ / أبواب المواقيت ب ٨ ح ٥ ، الفقيه ١ : ١٤٤ / ٦٧١.

(٢) الوسائل ٤ : ١٤٢ / أبواب المواقيت ب ٨ ح ٦ ، علل الشرائع : ٢٤٧ / ١.

(٣) الوسائل ٤ : ١٤٤ / أبواب المواقيت ب ٨ ح ١٣.

٣١٣

الرابع عشر : صلاة المغرب في حق من تتوق نفسه إلى الإفطار أو ينتظره أحد (١).

______________________________________________________

والظاهر أنّ هذه الرواية هي مستند الماتن وإن كان التعبير بالإبراد يشعر بإرادة إحدى الأُوليين ، ولعل هذا التعبير للإشعار إلى أنّ التأخير المزبور يستوجب نوع تخفيض في درجة الحرارة فليتأمل. وكيف ما كان ، فلأجل هذه الموثقة يلتزم بالتخصيص فيما دل على أفضلية المبادرة إلى أول الوقت ، وسرّه ظاهر ، فإن شدة القيظ سالبة للخشوع وحضور القلب فتؤخر الصلاة رعاية لحصولهما بعد تلطيف الجو نوعاً ما.

(١) أما أفضلية التأخير في صورة الانتظار فتدل عليه صحيحة الحلبي التي رواها المشايخ الثلاثة عنه عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه سئل عن الإفطار أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال فقال : إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك فليصلّ ثم ليفطر » (١).

وأما التأخير لمجرد التتوق إلى الإفطار من غير الانتظار فلا دليل عليه بالخصوص عدا مرسلة المفيد في المقنعة قال : وروى أيضاً في ذلك « إنك إذا كنت تتمكن من الصلاة وتعقلها وتأتي على جميع حدودها قبل أن تفطر فالأفضل أن تصلي قبل الإفطار ، وإن كنت ممن تنازعك نفسك للإفطار وتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة ، غير أنّ ذلك مشروط بأنه لا يشتغل بالإفطار قبل الصلاة إلى أن يخرج وقت الصلاة » (٢).

والظاهر أنّ الذيل أعني قوله : « غير أنّ ذلك مشروط » إلخ ، من كلام المفيد نفسه.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٤٩ / أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٥١ / أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ٥ ، المقنعة : ٣١٨.

٣١٤

[١٢٠٤] مسألة ١٤ : يستحب التعجيل في قضاء الفرائض (١) وتقديمها على الحواضر (٢) وكذا يستحب التعجيل في قضاء النوافل إذا فاتت في أوقاتها الموظّفة ، والأفضل قضاء الليلية في الليل ، والنهارية في النهار (٣).

______________________________________________________

كما أنّ المراد من الوقت فيه هو وقت الفضيلة دون الإجزاء ، بل هو غير محتمل كما لا يخفى. وكيف ما كان فهي لمكان الإرسال غير صالحة للاستدلال.

نعم ، يمكن عدّ المقام من موارد التأخير لتحصيل الإقبال ، فيندرج بذلك فيما تقدم من المورد الخامس لكونه من مصاديق تلك الكبرى ، ويستدل له حينئذ بما عرفته ثمة من صحيحة عمر بن يزيد ، فلا يكون استثناءً آخر وعنواناً مستقلا برأسه.

(١) لا شبهة في وجوب التعجيل بناء على القول بالمضايقة ، وأما على المواسعة كما هو الصحيح فتدل على استحبابه جملة من النصوص التي منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها فقال : يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ... » الحديث (١) المحمولة على الاستحباب جمعاً بينها وبين طائفة أُخرى من النصوص الدالة على المواسعة ، وسيوافيك البحث عنها عند التكلم حول المواسعة والمضايقة من مباحث قضاء الصلاة إن شاء الله تعالى.

(٢) كما تقدم البحث عن ذلك في المورد الثاني من موارد الاستثناء (٢).

(٣) إن أراد قدس‌سره بذلك استحباب قضاء النوافل الفائتة من الليل في نهاره ومن النهار في الليل المتصل به من غير فاصل زماني ، فهذا وإن نطقت به جملة من النصوص كرواية عنبسة العابد قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٧٤ / أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ١.

(٢) في ص ٢٩٨.

٣١٥

[١٢٠٥] مسألة ١٥ : يجب تأخير الصلاة (*) عن أوّل وقتها لذوي الأعذار مع رجاء زوالها أو احتماله في آخر الوقت ما عدا التيمم كما مرّ هنا وفي بابه (١).

______________________________________________________

أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً ) ‌قال : قضاء صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل » (١) ونحوها مرسلة الصدوق (٢) وغيرها. إلا أنها بأجمعها ضعاف السند.

على أنها معارضة بجملة أُخرى تضمنت قضاء ما فات من الليل في الليل ، وما فات من النهار في النهار كصحيحة معاوية بن عمار قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار وما فاتك من صلاة الليل بالليل ، قلت : أقضي وترين في ليلة ، قال : نعم اقض وتراً أبداً » (٣).

وموثقة إسماعيل الجعفي قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل وصلاة النهار بالنهار ، قلت : ويكون وتران في ليلة؟ قال : لا ، وقلت : ولم تأمرني أن أُوتر وترين في ليلة؟ فقال : أحدهما قضاء » (٤) وهي المستند للأفضلية المشار إليها في ذيل عبارة الماتن.

وإن أراد به استحباب البدار بالإتيان بما فات من نوافل النهار في النهار الذي بعده ، وكذا فوائت الليل وعدم التأخير والتهاون في ذلك ، فلم يرد فيه أيّ دليل بالخصوص حتى رواية ضعيفة.

نعم ، لا شبهة في رجحانه من باب استحباب المسارعة والاستباق إلى مطلق الخير بنطاق عام ، فإن الصلاة من أبرز أفراده ومصاديقه.

(١) بعد الفراغ عن ذكر الموارد التي تستثني عن أفضلية الصلاة في أول وقتها والمحكومة بالتأخير استحباباً أو جوازاً حسبما تقدم ، تعرض قدس‌سره للموارد المستثناة على سبيل الوجوب ، وذكر أنّ من جملتها أرباب الأعذار مع‌

__________________

(*) مرّ الكلام فيه [ في المسألة ١٢٠٣ ].

(١) الوسائل ٤ : ٢٧٥ / أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٢ ، ٤ ، الفقيه ١ : ٣١٥ / ١٤٢٨.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٧٥ / أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٢ ، ٤ ، الفقيه ١ : ٣١٥ / ١٤٢٨.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٧٦ / أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٦ ، ٧.

(٤) الوسائل ٤ : ٢٧٦ / أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٦ ، ٧.

٣١٦

وكذا يجب (١) التأخير لتحصيل المقدّمات غير الحاصلة كالطهارة والستر وغيرهما ، وكذا لتعلم أجزاء الصلاة وشرائطها (٢).

______________________________________________________

رجاء الزوال فإنه يجب عليهم التأخير ما عدا التيمم.

ولكنا أسلفناك فيما مضى هنا إجمالاً (١) وفي باب التيمم (٢) تفصيلاً أن الأمر بالعكس ، وأنه يجوز البدار لذوي الأعذار على الإطلاق ما عدا المأمور بالتيمم فإنه يجب عليه التأخير ، استناداً إلى الاستصحاب في الأول ، بناءً على ما هو الصواب من جريانه في الأُمور الاستقبالية كالحالية ، وإن وجبت عليه الإعادة لدى انكشاف الخلاف شأن كل حكم ظاهري استبان خلافه ، وإلى الأخبار في الثاني حيث دلت على لزوم تأخير التيمم لدى احتمال زوال العذر السليمة عن المعارضة بما دل على جواز التقديم ، لكون تلك الأخبار ناظرة إلى صورة العلم باستمرار العذر واليأس عن زواله كما تقدم في محله فلاحظ ولا نعيد.

(١) هذا الوجوب عقلي بمناط امتناع تحصيل المشروط بدون شرطه ، وليس حكماً شرعياً مولوياً تستوجب مخالفته العقاب ، ضرورة أنّ توجه مثل هذا التكليف مشروط بالقدرة ، وحيث لا قدرة على التقديم لفرض فقدان الشرط فلا قدرة على التأخير أيضاً ، لأن نسبتها إلى الفعل والترك على حد سواء ، ومعه يمتنع تعلق التكليف الشرعي به.

وبعبارة اخرى : يستقل العقل بلزوم تحصيل المقدمات التي يتوقف الواجب عليها ، وبما أنّ تحصيلها لمن يتصدى للامتثال يحتاج إلى مضي زمان بطبيعة الحال ، فلا جرم يكون التأخير أمراً ضرورياً لا محيص عنه ، فالوجوب عقلي بَحت كما عرفت.

(٢) قد يكون التعلم دخيلاً في القدرة على الواجب وتحقق الامتثال كتعلم‌

__________________

(١) في ص ٣٠٠.

(٢) شرح العروة ١٠ : ٣٢٤ ، ٦ : ٢٠٦.

٣١٧

بل وكذا لتعلّم أحكام الطوارئ من الشك والسهو ونحوهما مع غلبة الاتفاق ، بل قد يقال مطلقاً لكن لا وجه له (١).

______________________________________________________

ذات القراءة والتشهد وغيرهما من الأذكار ، وقد يكون دخيلاً في إحراز الامتثال كما إذا كان جاهلاً باعتبار القراءة في الصلاة مع علمه بذاتها ، أو كان جاهلاً بوجوب القصر أو التمام ونحو ذلك مما يعتبر فيها.

أما الصورة الأُولى : فهي من مصاديق الفرع السابق ، أعني لزوم التأخير لتحصيل المقدمات الوجودية ، وقد عرفت أن الوجوب حينئذ عقلي لا شرعي.

وأما في الصورة الثانية : فإن بنينا على اعتبار الجزم بالنية في تحقق العبادة لزم التأخير أيضاً ، ليتعلم الصلاة حتى يتمكن من الإتيان بها عن نية جزمية.

وإن أنكرنا ذلك وبنينا كما هو الصحيح على كفاية الإتيان بالواجب عن نية قربية وإن لم تكن جزمية ، وتحقق العبادة بمجرد ذلك ، لم يكن أيّ ملزم حينئذ للتأخير ، بل له البدار مع الاحتياط وإن استلزم التكرار أو أن يأخذ بأحد الطرفين المحتملين رجاءً ثم يسأل فإن أصاب وإلا أتى بالطرف الآخر. فما في المتن لا يستقيم إطلاقه.

(١) غير خفي أن مبنى هذه المسألة أعني لزوم تعلم مسائل الشك والسهو حسبما أشرنا إليه في مباحث الاجتهاد والتقليد (١) هو حرمة قطع الفريضة وعدم جواز رفع اليد عنها بعد الشروع فيها ، فإنه عليه يجب التأخير في المقام لتعلّم تلك الأحكام ، إذ لو بادر قبل التعلّم وهو في معرض الابتلاء بها فضلاً عن العلم به فعرضه الشك في الأثناء ، فإن قطع الصلاة ارتكب المحرم ، وإن استرسل بالبناء على أحد طرفي الشك فمن الجائز عدم إصابة الواقع المستلزم‌

__________________

(١) شرح العروة ١ : ٢٥٠.

٣١٨

لكونه مصداقاً للقطع القهري وإن لم يعلم به ، وحيث إن القطع في هذا التقدير يكون مستنداً إلى عدم التعلم فهو غير معذور فيه ومعاقب عليه بمقتضى قوله عليه‌السلام في الصحيح : « ... أفلا تعلّمت حتى تعمل » (١).

وبالجملة فهذا الاحتمال متنجّز عليه بعد الاستناد المزبور من غير دافع فيجب عليه عقلاً التأخير والتعلم دفعاً للضرر المحتمل إلا إذا كان مطمئناً بعدمه ، حيث إنّ الاطمئنان حجة عقلائية ولا يعتنى باحتمال خلافه.

ومنه تعرف أنه لا وجه لما صنعه في المتن من التقييد بغلبة الاتفاق ، بل يكفي مجرد احتمال الابتلاء وإن كان فاقداً للمعرضية ولم يكن مورداً للغلبة كالشك بين الثنتين والست ، لوحدة المناط وهو ما عرفته من الاستناد على تقدير التحقق إلى ترك التعلم وعدم كونه معذوراً فيه.

والتصدي لتوجيه ما في المتن بالتمسك باستصحاب عدم الابتلاء ، مدفوع بأن هذا الاستصحاب محكوم بأدلة وجوب التعلم التي لا قصور في شمول إطلاقها للفرض ، وإلا لجرى الاستصحاب حتى مع غلبة الاتفاق أيضاً وهو كما ترى.

وبالجملة : أدلة التعلم حاكمة على الاستصحاب المزبور مطلقاً ، ولا مجال معها للرجوع إليه كما لا يخفى ، هذا.

ولكنا ذكرنا في محله (٢) أنّ حرمة قطع الفريضة لا دليل عليها ما عدا الإجماع المدعى في كلمات غير واحد من الأعلام ، وحيث إنّ المحصّل منه غير حاصل ومنقوله غير مقبول ، إذن فمقتضى الصناعة جواز القطع والاستئناف ، ومعه لا يجب التأخير في المقام لتعلم الأحكام فلاحظ.

__________________

(١) بحار الأنوار ٢ : ٢٩ ، ١٨٠.

(٢) العروة الوثقى ١ : ٥٤٠ / فصل في حكم قطع الصلاة قبل المسألة [١٧٤٨].

٣١٩

وإذا دخل في الصلاة مع عدم تعلمها بطلت (١) إذا كان متزلزلاً (*) وإن لم يتفق ،

______________________________________________________

(١) لا وجه له إن أراد به البطلان الواقعي ، لوضوح أنّ التزلزل لا ينافي قصد التقرب رجاءً ، وقد بنى قدس‌سره وهو الصحيح على عدم اعتبار الجزم بالنية وكفاية العبادة الرجائية لدى إصابتها للواقع.

وعليه فلو اتي بذات العبادة مع إضافتها إلى المولى ولو بعنوان الرجاء واستبان مطابقتها للواقع من غير أيّ خلل فيها فما هو الموجب وقتئذ للبطلان.

والظاهر أنّ مراده قدس‌سره بذلك هو البطلان الظاهري ، حيث إنه مع احتمال الابتلاء وفرض عدم التعلم لا جزم بالصحة ، لجواز كون المأمور به غير ما أتى به فلا يسوغ الاجتزاء به عقلاً في مرحلة الظاهر ما لم يتبين مطابقته للواقع.

ويعضده أمران :

أحدهما : قوله بعد ذلك : « نعم إذا اتفق شك أو سهو لا يعلم حكمه بطلت صلاته ، لكن له أن يبني على أحد الوجهين ... » إلخ إذ ليت شعري كيف يجتمع البطلان الواقعي مع صحة البناء على أحد الوجهين ، بعد وضوح عدم الفرق في صحة البناء المزبور بين عروض الشك في الأثناء وبين احتمال عروضه قبل الشروع لوحدة المناط ، فان هذا لا يستقيم إلا مع إرادة البطلان الظاهري كما لا يخفى.

ثانيهما : ما ذكره في المسألة السابعة من مسائل التقليد من قوله : « عمل العامي بلا تقليد ولا احتياط باطل » (١) ثم تعقيبه في المسألة السادسة عشرة (٢)

__________________

(*) لا يضرّ التزلزل بصحة الصلاة مع تحقق قصد القربة ولو رجاء وكون العمل واجداً لتمام الأجزاء والشرائط ، كما هو الحال فيما إذا عرض الشك في الأثناء.

(١) العروة الوثقى ١ : ١٨ المسألة [٧].

(٢) العروة الوثقى ١ : ١٩ المسألة [١٦].

٣٢٠