موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

والموجب لأحد الأمرين المزبورين من خوف الفوت أو صعوبة النهوض. إذن فالتقديم بقول مطلق مشكل جدّاً ، هذا.

وظاهر الصحيحة أن التقديم إنما هو من باب التوسعة في الوقت ، إذ المستفاد من قوله عليه‌السلام : « نِعم ما رأيت ونِعم ما صنعت » أن التقديم أفضل من القضاء ، ومن ثمّ استوجب المدح والترغيب ، وهذا يكشف عن أن الصلاة أداء وواقعة في محلها كما لا يخفى.

ومنها : خائف الجنابة ، وقد دلت عليه ذيل صحيحة ليث المرادي المتقدمة حيث قال : « وسألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد فيعجّل صلاة الليل والوتر في أول الليل ، فقال : نعم » (١).

وصحيحة يعقوب بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو البرد أيعجّل صلاة الليل والوتر في أول الليل؟ قال : نعم » (٢).

وقد عرفت صحة سند الاولى ، وهكذا الثانية ، فإن المراد من علي بن رباط الواقع في السند هو علي بن الحسن بن رباط الثقة الذي هو من أصحاب الرضا عليه‌السلام فإنه المعروف دون علي بن رباط الضعيف الذي هو من أصحاب الباقر عليه‌السلام وعم علي بن الحسن المزبور ، ولا مانع من إسناد الرجل إلى جدّه بعد أن كان هو المعروف والمشهور عند الإطلاق.

ويعضده : أن الشيخ لما عنونه في الفهرست (٣) بعنوان علي بن الحسن بن رباط وعدّ كتبه وذكر طريقه إليه عبّر عنه في منتهى الطريق بعلي بن رباط ، وهذا خير شاهد على أن المراد به عند الإطلاق هو ذاك ، فلا خلل في سند‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٠ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٥٢ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٠.

(٣) الفهرست : ٩٠ / ٣٧٧ [ ورد علي بن رباط في بعض نسخ الفهرست كنسخة الأردبيلي في جامع الرواة ].

٢٨١

الروايتين ، كما لا تأمل في الدلالة ، فلا إشكال في المسألة.

وهل التقديم هنا على سبيل التعجيل كما عبّر به في الصحيحتين أو أنه أداء ومن باب التوسعة في الوقت؟ الظاهر هو الثاني ، إذ المقام من مصاديق الدوران بين مراعاة الوقت وبين مراعاة الطهارة المائية ، ولا شبهة في لزوم تقديم الأول والانتقال في الثاني إلى البدل ، بل إن العلم بالإخلال بالثاني لا يسوَّغ الإخلال بالأول فضلاً عن خوفه.

وبالجملة : لا يجوز تفويت الوقت الذي هو من الأركان لأجل درك الطهارة المائية مع التمكن من بدلها وهو الطهارة الترابية ، فبهذه القرينة القاطعة يعلم أن التقديم لخائف الجنابة إنما هو من باب التوسعة فتقع الصلاة في وقتها ، لا أنها تعجيل وإيقاع لها قبل الوقت ليتنافى مع ما عرفت.

والمتحصل : أن التقديم في الموارد الثلاثة المتقدمة إنما هو من باب التوسعة في الوقت ، كما أنه مقيد بخوف الفوات أو صعوبة القيام بعد الانتصاف.

ومنها : المريض ، ولا مستند له عدا ما رواه الصدوق قدس‌سره عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام في حديث قال : « إنما جاز للمسافر والمريض أن يصليا صلاة الليل في أول الليل لاشتغاله وضعفه ، وليحرز صلاته فيستريح المريض في وقت راحته ، وليشتغل المسافر باشتغاله وارتحاله وسفره » (١) ولكنها لضعف سندها من أجل ضعف طريق الصدوق إلى ابن شاذان لا يمكن الاعتماد عليها.

ومنها : الشيخ ، وقد ورد ذلك فيما رواه الكليني عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى ، عن منصور بن حازم ، عن أبان بن تغلب قال : « خرجت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فيما بين مكة والمدينة فكان‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٠ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ٣. الفقيه ١ : ٢٩٠ / ١٣٢٠.

٢٨٢

يقول : أما أنتم فشباب تؤخرون ، وأما أنا فشيخ اعجّل ، فكان يصلي صلاة الليل أول الليل » (١).

أما من حيث السند فليس فيه من يغمز فيه ما عدا محمد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني ، وهو يروي عن الفضل بن شاذان حيث إنه مردد بين النيسابوري الخالي عن التوثيق والتضعيف ، وبين البرمكي الذي وثقه النجاشي (٢) وإن ضعّفه ابن الغضائري (٣) أيضاً ، إذ لا عبرة بتضعيفه كما مرّ غير مرّة ، وأما احتمال كونه ابن بزيع فضعيف جدّاً ، لبعد العهد بينه وبين الكليني.

وكيف ما كان ، فقد ذكروا وجوهاً للتمييز والترجيح ولكنا في غنى عنه والبحث حوله قليل الجدوى ، لوقوع الرجل بعين هذا السند أعني : محمد بن يعقوب عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان في أسناد كامل الزيارات ، فهو أيّاً من كان موثق بتوثيق ابن قولويه (٤).

ودعوى معارضته بتضعيف ابن الغضائري لو أُريد به البرمكي قد عرفت الجواب عنها آنفاً ، وأن الرجل أعني ابن الغضائري وإن كان من الأجلاء وقد اعتمد عليه الشيخ والنجاشي وغيرهما إلا أن الكتاب المنسوب إليه الحاوي لتوثيقاته وتضعيفاته لم تثبت صحة نسبته إليه ، فلا يصح التعويل عليه ، إذن فتوثيق ابن قولويه سليم عن المعارض.

على أن الأظهر أنّ الرجل هو النيسابوري ، لأنه تلميذ الفضل بن شاذان الذي يروي عنه ، وقد تصدى لترجمته وبيان حالاته ، ولأن الكليني لا يروي عن البرمكي بلا واسطة ، فلا مجال للنقاش في السند بوجه.

غير أن الدلالة قاصرة ، نظراً إلى أنّ موردها السفر ، وقد عرفت فيما سبق‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٤ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٨. الكافي ٣ : ٤٤٠ / ٦.

(٢) رجال النجاشي : ٣٤١ / ٩١٥.

(٣) الخلاصة : ٢٥٨ / ٨٨٧.

(٤) حسب الرأي السابق المعدول عنه.

٢٨٣

تقييد هذا العنوان بخوف الفوات أو صعوبة القيام ، فمن الجائز أن تكون الشيخوخة من أحد أسباب الصعوبة أو خوف الفوت ، فلا تدل الصحيحة على أن الشيخوخة بعنوانها ولو في غير حال السفر من مسوّغات التقديم.

ومنها : الجارية التي يغلبها النوم وتضعف عن القضاء ، وتدل عليه ذيل صحيحة معاوية بن وهب على رواية الكليني والشيخ « ... قلت : فانّ من نسائنا أبكاراً ، الجارية تحب الخير وأهله وتحرص على الصلاة فيغلبها النوم حتى ربما قضت وربما ضعفت عن قضائه وهي تقوى عليه أول الليل ، فرخص لهنّ في الصلاة أول الليل إذا ضعفن وضيّعن القضاء » (١) والظاهر أنّ الجواز في حقها من باب التعجيل لا التوسعة ، لأن تعليق الترخيص على الضعف عن القضاء يكشف عن أفضليته ، ومع اتساع الوقت لا محصّل لها ، إذ مرجعه إلى أفضلية القضاء من الأداء وهو كما ترى ، فلا جرم يكون التقديم من باب التعجيل.

ومنها : خشية فوات النافلة في وقتها لمطلق العذر وإن لم يكن مما سبق ، ويستدل له بصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا خشيت أن لا تقوم آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصلّ صلاتك وأوتر من أول الليل » (٢) دلت على جواز التقديم لمطلق الخشية وعن أيّ عذر ، وذكر العلة والبرد من باب المثال ومن قبيل عطف الخاص على العام من دون خصوصية فيهما.

ولكن الظاهر عدم صحة الاستدلال بها :

أما أوّلاً : فلأجل أنّ هذه الرواية قد رواها الصدوق عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام بعين ألفاظها مع اختلاف يسير غير مخلّ بالمعنى‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٥ / أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٤٤٧ / ٢٠ ، التهذيب ٢ : ١١٩ / ٤٤٧.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٥٢ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٢.

٢٨٤

بزيادة التقييد بالسفر وإليك نصّها : « قال : إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصلّ وأوتر في أول الليل في السفر » (١) ومن المستبعد جدّاً صدور الرواية عن الصادق عليه‌السلام مرتين : مطلقة تارةً ومقيدة اخرى ، بل الظاهر أنهما رواية واحدة رواها الحلبي مقيّدة بالسفر ، وأبو بصير مطلقة ، وحيث لم يعلم الصادر منهما فلم تثبت الرواية المطلقة ليستدل بها.

وأما ثانياً : سلّمنا أنهما روايتان وقد صدرتا مرتين ، إلا أنه لا بد حينئذ من ارتكاب صناعة التقييد بحمل المطلق منهما على المقيد ، لما ذكرناه في الأُصول (٢) من أن الوصف وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح فلا يدل على العلية المنحصرة على حذو القضية الشرطية ، ومن ثم لا مانع من ثبوت الحكم في مورد قيد آخر أيضاً إذا ساعده الدليل ، إلا أنه لم يكن بدّ من الالتزام بكشفه عن عدم كون موضوع الحكم هي الطبيعة المجردة على إطلاقها وسريانها ، وإلا لأصبح ذكر القيد في نفس الرواية أو في رواية أُخرى منفصلة من اللغو الواضح الذي يصان عنه كلام الحكيم ، فلا جرم يحمل المطلق منهما على المقيد.

ودعوى عدم جريان هذا الحمل في باب المستحبات مدفوعة باختصاصه بما إذا ورد التقييد على متعلق الحكم كالأمر بقراءة القرآن في دليل والأمر بقراءته مع الطهارة أو إلى القبلة في دليل آخر ، فإنه حيث لا إلزام في البين ولم يكونا متنافيين يحمل على أفضل الأفراد على خلاف باب الواجبات لحصول التنافي فيها كما لا يخفى.

وأما إذا ورد التقييد على الحكم نفسه فتعلق بالهيئة لا بالمادة كما في المقام حيث إن نفس الترخيص في التقديم مقيّد بالسفر فلا مناص حينئذ من‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٠ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ٢. الفقيه ١ : ٢٨٩ / ١٣١٥.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٣٣.

٢٨٥

ارتكاب التقييد بعد البناء على ثبوت المفهوم بالمعنى المزبور ، من غير فرق بين الأحكام الإلزامية وغيرها ، لوحدة المناط وهو ما عرفت من لزوم اللغوية وحصول التنافي بينهما بالنفي والإثبات ، وتمام الكلام في محله.

ثم إنا لو تنازلنا وسلمنا عدم التقييد وبنينا على ثبوت الحكم لمطلق المعذور وإن لم يكن مسافراً فهل ذاك من باب التوسعة أو من باب التعجيل؟

لا دلالة في صحيحة أبي بصير المتقدمة على شي‌ء من الأمرين ، ولكن المستفاد من النصوص الدالة على أفضلية القضاء من التقديم بنطاق عام كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام قال : « قلت : الرجل من أمره القيام بالليل تمضي عليه الليلة والليلتان والثلاث لا يقوم ، فيقضي أحبّ إليك أم يعجّل الوتر أول الليل؟ قال : لا ، بل يقضي وإن كان ثلاثين ليلة » (١).

وصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام حيث ورد في ذيلها « ... وقال : القضاء بالنهار أفضل » (٢) ، أنه في المقام من باب التعجيل ، ضرورة أنه لو كان من باب التوسعة لكان مقتضاها أنّ القضاء أفضل من الأداء ، وهو كما ترى.

بل يمكن الاستدلال بنفس هذه الروايات على جواز التقديم في المقام أيضاً ، إذ الأفضلية لدى الدوران بين القضاء والتقديم بنفسها تقتضي ذلك ، وإلا لكان القضاء هو المتعيّن لا أنه أفضل.

ودعوى : أنّ هذه الروايات ناظرة إلى الموارد الخاصة التي قام الدليل فيها على جواز التقديم كالمسافر وخائف الجنابة والجارية والليالي القصار فلا يمكن الاستدلال بها على جواز التقديم لمطلق المعذور.

مدفوعة : بأن التقديم في تلك الموارد ما عدا الجارية إنما هو من باب‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٦ / أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٥.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٥٥ / أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ١.

٢٨٦

التوسعة كما سبق ، فلو كانت ناظرة إليها لكان مفادها أفضلية القضاء من الأداء التي عرفت ما فيها.

والمتحصل مما تقدّم : أنّ التقديم في الموارد المذكورة لم يكن على نهج واحد ، بل في بعضها من باب التوسعة وفي بعضها الآخر من باب التعجيل حسبما عرفت.

بقي شي‌ء : وهو أن مبدأ التقديم سواء كان على سبيل التوسعة أم التعجيل هل هو من أوّل الليل أو بعد الإتيان بفريضة العشاء؟ ظاهر الروايات المتضمنة للتعبير بأوّل الليل كصحاح الحلبي والمرادي وابن ابي نجران ومحمد بن حمران وغيرها هو الأوّل ، هذا مع الغض عن المزاحمة لوقت الفريضة والجمود على ظواهر النصوص.

وأما بملاحظتها ، فان بنينا على حرمة التطوع في وقت الفريضة فلا مناص من ارتكاب التقييد والالتزام بعدم جواز الإتيان بالنافلة قبل الفراغ من العشاءين جمعاً بين الدليلين ، وإن كان الوقت في حد ذاته صالحاً لها.

وإن بنينا على الجواز مع الكراهة ساغ الإتيان بها قبل ذلك وإن كان التأخير أرجح ، هذا.

ولكن المحقق الهمداني قدس‌سره ذهب إلى أنّ الوقت إنما هو بعد العتمة على التقديرين ، استناداً إلى موثقة سماعة بن مهران « أنه سأل أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام عن وقت صلاة الليل في السفر ، فقال : من حين تصلي العتمة إلى أن ينفجر الصبح » (١) وقد ادعى قدس‌سره أن ذلك هو المنساق من سائر الأخبار أيضاً كالفتاوى ، وعلى تقدير الإطلاق فلتحمل على الموثقة جمعاً (٢).

وفيه : أنّ وقت العتمة لا انضباط له ، بل يختلف باختلاف حالات المكلفين ، بل اختلاف الأحوال في شخص واحد ، فربما يقدّم كما في الجماعات وربما يؤخّر‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥١ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ٥.

(٢) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٥١ السطر ١٢.

٢٨٧

قليلاً أو كثيراً ، وربما لا يأتي بها أصلاً نسياناً أو عصياناً ، ومقتضى التحديد المزبور اختلاف الوقت وعدم انضباطه ، بل عدم دخوله لدى تركها العمدي أو السهوي ، وهذا شي‌ء لا يمكن الالتزام به كما لا يخفى ، فلا جرم تحمل الموثقة على الأفضلية حذراً عن التطوع في وقت الفريضة.

وإن شئت قلت : إن الموثقة تشير إلى ما تقتضيه طبيعة المصلي من تقديم الفريضة على النافلة لا إلى تحديد الوقت كي تدل على عدم الجواز قبل العتمة ، لما عرفته من عدم الانضباط.

هذا بناء على قراءة قوله : « من حين تُصلّي العتمة » بصيغة المبني للمعلوم ليكون خطاباً لسماعة.

وأما بناءً على أن تكون بصيغة المبني للمجهول ، فالأمر أوضح ، لدلالتها حينئذ على دخول وقت النافلة من حين دخول الوقت المقرر للعتمة في الشريعة المقدسة لا الوقت الذي يؤتى بها خارجاً المنطبق طبعاً على أوّل الليل ، فيتحد مفادها حينئذ مع سائر النصوص ، ولا يكون ثمة أيّ تناف لنحتاج إلى ارتكاب التقييد كما أُفيد.

نعم ، في رواية علي بن جعفر قال : « سألته عن الرجل يتخوّف أن لا يقوم من الليل ، أيصلي صلاة الليل إذا انصرف من العشاء الآخرة ، وهل يجزيه ذلك أم عليه قضاء؟ قال : لا صلاة حتى يذهب الثلث الأول من الليل ، والقضاء بالنهار أفضل من تلك الساعة » (١) ، حيث إن ظاهرها عدم مشروعية التقديم قبل الثلث ، بل ظاهر « لا » النافية للجنس في قوله : « لا صلاة » نفي الحقيقة المساوق للفساد.

وفيه : مضافاً إلى ضعف سندها بعبد الله بن الحسن ، أنّ الاستدلال مبني على أن تكون الإشارة في قوله : « تلك الساعة » ناظرة إلى ما بعد الثلث ، ليكون ظهور الجملة الاولى في نفي الحقيقة قبل الثلث باقياً على حاله.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٧ / أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٨.

٢٨٨

وأما إذا كانت ناظرة إلى ما قبله فهذا الظهور ملغى بطبيعة الحال ، وتكون تلك الجملة محمولة على نفي الكمال ، ضرورة أنّ ذلك هو مقتضى التعبير بأفضلية القضاء بالنهار الكاشف عن اشتراكهما في أصل الفضيلة ، غير أنّ القضاء أفضل ، وحيث إنّ الاحتمالين من المتكافئين ولا ترجيح في البين فلا جرم يعرضها الإجمال ولا تصلح للاستدلال. إذن فيكون ظهور النصوص المتقدمة في كون المبدإ أوّل الليل سليماً عن المعارض.

ثم إنك قد عرفت فيما سبق عند التكلم حول منتهى الوقت أنّ آخره طلوع الفجر الثاني ، لنصوص دلت عليه وقد تقدمت ، ومقتضى ذلك أنّ الإتيان بنافلة الليل بعد الطلوع قضاء ، كما وأنه قبل البدأة بالفريضة مرجوح أو ممنوع حسب الخلاف في حكم التطوع في وقت الفريضة من الحرمة أو الكراهة كما سيأتي.

وعليه ، فالأفضل البدأة بالفريضة والتصدي لصاحبة الوقت ، حذراً عن التطوع المزبور الذي هو مرجوح على أقل تقدير.

غير أنه قد وردت في المقام نصوص تضمنت البدأة بالنافلة قبل فريضة الفجر إلى أن يتضيق وقتها :

منها : صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن صلاة الليل والوتر بعد طلوع الفجر ، فقال : صلها بعد الفجر حتى يكون في وقت تصلي الغداة في آخر وقتها ، ولا تعمّد ذلك في كل ليلة ، وقال : أوتر أيضاً بعد فراغك منها » (١).

ومنها : صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري في حديث قال : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الوتر بعد الصبح ، قال : نعم قد كان أبي ربما أوتر بعد ما انفجر الصبح » (٢).

ومنها : صحيحة جميل بن دراج قال : « سألت أبا الحسن الأول ( عليه‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٤ : ٢٦١ / أبواب المواقيت ب ٤٨ ح ١ ، ٢.

٢٨٩

السلام ) عن قضاء (١) صلاة الليل بعد الفجر إلى طلوع الشمس ، فقال : نعم وبعد العصر إلى الليل فهو من سرّ آل محمد المخزون » (٢).

إلا أنها معارضة بطائفة أُخرى دلت على عدم الجواز :

منها : صحيحة إسماعيل بن جابر قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال : لا » (٣).

ومنها : صحيحة سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يكون في بيته وهو يصلي وهو يرى أن عليه ليلاً ثم يدخل عليه الآخر من الباب فقال : قد أصبحت ، هل يصلي الوتر أم لا ، أو يعيد شيئاً من صلاته؟ قال : يعيد إن صلاها مصبحاً » (٤).

وهاتان الطائفتان كما ترى متعارضتان بالإطلاق ، إلا أن هناك طائفة ثالثة وردت في من انتبه من النوم وقد طلع الفجر ، وتضمنت البدأة بالنافلة في هذه الصورة.

كصحيحة سليمان بن خالد قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : ربما قمت وقد طلع الفجر فأُصلي صلاة الليل والوتر والركعتين قبل الفجر ثم أُصلي الفجر ، قال : قلت أفعل أنا ذا؟ قال : نعم ، ولا يكون منك عادة » (٥).

وصحيحة عمر بن يزيد قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقوم وقد طلع الفجر ، فإن أنا بدأت بالفجر صليتها في أول وقتها وإن بدأت بصلاة الليل والوتر صليت الفجر في وقت هؤلاء ، فقال : ابدأ بصلاة الليل والوتر ولا تجعل ذلك عادة » (٦) ، ونحوها غيرها.

__________________

(١) هذه الرواية ظاهرة في حكم القضاء ولا سيما مع تذييلها بقوله عليه‌السلام « وبعد العصر إلى الليل ». ولا دلالة لها على البدأة بها قبل الفريضة التي هي محل الكلام.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٧٣ / أبواب المواقيت ب ٥٦ ح ١.

(٣) ، (٤) الوسائل ٤ : ٢٥٩ / أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٦ ، ٧.

(٥) الوسائل ٤ : ٢٦١ / أبواب المواقيت ب ٤٨ ح ٣.

(٦) الوسائل ٤ : ٢٦٢ / أبواب المواقيت ب ٤٨ ح ٥.

٢٩٠

فيمكن الجمع بين الطائفتين الأولتين بحمل المجوّزة على صورة الانتباه بعد طلوع الفجر ، والمانعة على من انتبه قبله ، وتجعل الطائفة الثالثة شاهدة لهذا الجمع.

وإن شئت قلت : إن الطائفة الثالثة تخصص الثانية المانعة ويكون مفادها بعد التخصيص عدم جواز البدأة بالنافلة فيما لو انتبه قبل الفجر ، وحينئذ تنقلب النسبة بينها وبين الطائفة الأُولى المجوّزة من التباين إلى العموم والخصوص المطلق ، فتخصصها وتحمل الاولى على من انتبه بعد طلوع الفجر ، ويكون المقام من صغريات انقلاب النسبة من التباين إلى العموم المطلق ، وبذلك يجمع بين الأخبار ويلتزم بتقديم النافلة في خصوص من انتبه بعد طلوع الفجر. وهذا التقرير يجري بعينه في صلاة الوتر ، فإنها أيضاً مورد لطوائف ثلاث من الأخبار ، لاحظ صحيحة إسماعيل بن سعد (١) ، وصحيحة إسماعيل بن جابر (٢) ، وصحيحة سليمان بن خالد المتقدمة فيجري فيها ما مرّ حرفاً بحرف ، هذا.

وقد يقال : إنّ الطائفة الثالثة الشاهدة للجمع بنفسها مبتلاة بالمعارض في موردها وهو روايتان :

إحداهما : ما رواه الشيخ بإسناده عن المفضل بن عمر قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقوم وأنا أشك إلى أن قال وإذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة ولا تصل غيرها ... » إلخ (٣) حيث تضمنت النهي عن النافلة في من انتبه من النوم بعد طلوع الفجر.

وفيه أوّلاً : أنها ضعيفة السند ، لا لأجل علي بن الحكم الواقع فيه بدعوى تردده بين الموثق وغيره ، لما ذكرناه في محله (٤) من اتحاد المسمّين بهذا الاسم من‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٦١ / أبواب المواقيت ب ٤٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٥٩ / أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٦.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٦٢ / أبواب المواقيت ب ٤٨ ح ٤.

(٤) معجم رجال الحديث ١٢ : ٤٢٥.

٢٩١

المعروفين وأنه شخص واحد موثّق.

بل لأجل المفضل بن عمر ، فإنه وإن وثقه الشيخ المفيد (١) وعدّه من شيوخ أصحاب الصادق عليه‌السلام وخاصته وبطانته وثقاته ، ولكنه معارض بتضعيف النجاشي (٢) وابن الغضائري (٣) فلا وثوق بوثاقته (٤) بل يمكن ترجيح تضعيف النجاشي لكونه أضبط من المفيد حيث يوجد في بعض كلماته نوع تضاد لا يشاهد مثله في كلام النجاشي ، فقد وثق محمد بن سنان في مورد قائلاً إنه من خاصة الامام عليه‌السلام وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه ، ثم عارضه في مورد آخر بقوله : مطعون فيه ، لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه.

وكيف ما كان ، فالرواية لأجل ضعف سندها غير صالحة للاستدلال بها لتنهض للمعارضة.

وثانياً : بإمكان النقاش في دلالتها أيضاً ، نظراً إلى عدم كونها صريحة في القيام من النوم ، ومن الجائز إرادة القيام من الجلوس ، إذ القيام أعم ، ولا تدل الرواية على إرادته إلا بالإطلاق ، فتندرج في الطائفة الدالة على المنع بقول مطلق ، وتقيّد بما دلّ على الجواز في من انتبه وقام من النوم.

لكن الإنصاف أن المناقشة ضعيفة ، وهذا التعبير على حدّ التعبير في سائر الروايات الواردة في جواز الإتيان بصلاة الليل إذا قام بعد طلوع الفجر التي لا ينبغي الشك في ظهورها في إرادة القيام من النوم كما في قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) (٥) المفسّر بذلك ، والعمدة ما عرفت من ضعف السند.

ثانيتهما : صحيحة عبد الله بن سنان قال : « سمعت أبا عبد الله ( عليه‌السلام )

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢١٦.

(٢) رجال النجاشي : ٤١٦ / ١١١٢.

(٣) مجمع الرجال ٦ : ١٣١.

(٤) ولكنه قدس‌سره اختار في المعجم ١٩ : ٣٣٠ / ١٢٦١٥ أنه جليل ثقة.

(٥) المائدة ٥ : ٦.

٢٩٢

[١٢٠٠] مسألة ١٠ : إذا دار الأمر بين تقديم صلاة الليل على وقتها أو قضائها فالأرجح القضاء (١).

______________________________________________________

يقول : إذا قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالوتر ثم صل الركعتين ثم صلّ الرّكعات إذا أصبحت » (١).

حيث دلت على الإتيان بالركعتين ، أعني فريضة الفجر قبل ركعات صلاة الليل ، ومن الواضح أنّ المراد من الإصباح هو تنوّر السماء واستضاءتها ، أي الإصباح العرفي ، لا طلوع الفجر ، كيف وقد فرض تحققه وأنه قام وقد طلع الفجر.

وفيه : أنّ مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة وبين ما جعلناه شاهداً للجمع هو الالتزام بالتخيير والمصير إلى أنّ المكلف متى قام بعد طلوع الفجر يتخير بين الإتيان بصلاة الليل بتمام ركعاتها قبل الفريضة ما لم يتضيق وقتها وبين الاكتفاء بتقديم الوتر ثم يصلي فريضة الفجر ، ثم يأتي بركعات الليل بعدها ، فيرفع اليد عن ظهور كل منهما بصريح الآخر من دون أيّ تعارض في البين.

وملخص الكلام في المقام : أنّ مقتضى الصناعة حمل النصوص المانعة على من قام قبل طلوع الفجر ، والمجوّزة على من انتبه بعده بشهادة الطائفة الثالثة السليمة عن المعارضة ، ولم أرَ من تعرّض للجمع بهذه الكيفية. أجل قد يبدو ذلك من صاحب الوسائل حيث عنون الباب الثامن والأربعين بقوله : باب استحباب صلاة الليل والوتر مخففة قبل صلاة الصبح لمن انتبه بعد الفجر ما لم يتضيق الوقت ، وكراهة اعتياد ذلك (٢) ، ولعله التفت إلى المعارضة بين الأخبار وجعل ذلك وجهاً للجمع بينها حسبما ذكرناه.

(١) قد اتضح مما مرّ أنّ هذا على إطلاقه لا يستقيم ، بل ينبغي التفصيل بين ما كان التقديم فيه من باب التعجيل وبين ما كان من باب التوسعة في الوقت ،

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٩ / أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٩.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٦١.

٢٩٣

[١٢٠١] مسألة ١١ : إذا قدّمها ثم انتبه في وقتها ليس عليه الإعادة (١).

[١٢٠٢] مسألة ١٢ : إذا طلع الفجر وقد صلى من صلاة الليل أربع ركعات أو أزيد أتمها (٢)

______________________________________________________

حيث قد عرفت اختلاف الموارد في ذلك ، وما في المتن إنما يتجه في القسم الأوّل دون الثاني ، لوضوح رجوعه حينئذ إلى أفضلية القضاء من الأداء ، ولا محصّل له.

(١) لظهور الأخبار في حصول الامتثال المستلزم لسقوط الأمر ، سواء أكان من باب التوسعة في الوقت أم الاستعجال الراجع إلى التوسعة أيضاً ، غايته في مرحلة الامتثال بالترخيص في التقديم على الوقت المقرر له ، ومن المعلوم أنه لا معنى للامتثال عقيب الامتثال.

(٢) هذا وإن كان مشهوراً ، بل ادعي عليه الإجماع في غير واحد من الكلمات ، لكن شيئاً منهما لا حجية له ، بل حتى لو كان الإجماع محصلاً فضلاً عن المنقول ، للاطمئنان ولا أقل من احتمال استناد المجمعين كلا أو بعضاً إلى روايات المقام على ما هي عليه من الضعف ، لاستقرار بناء الأصحاب غالباً على التسامح في أدلة السنن.

وكيف ما كان ، فالمستند في المقام روايتان :

إحداهما : ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي جعفر الأحول محمد بن النعمان قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا كنت أنت صليت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع أو لم يطلع » (١).

ثانيتهما : الفقه الرضوي فقد ورد فيه : « وإن كنت صليت من صلاة الليل أربع ركعات قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع الفجر أو لم يطلع » (٢).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٦٠ / أبواب المواقيت ب ٤٧ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٢٥ / ٤٧٥.

(٢) المستدرك ٣ : ١٥٤ / أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ١ ، فقه الرضا : ١٣٩.

٢٩٤

مخففة (١)

______________________________________________________

لكن ضعف الثانية ظاهر ، بل لم يثبت كونها رواية فضلاً عن اعتبارها ، وكذلك الاولى لجهالة النحوي الراوي عن الأحول.

على أنها معارضة بما هي مثلها في الضعف ، وهي رواية يعقوب البزاز قال : « قلت له : أقوم قبل طلوع الفجر بقليل فأُصلي أربع ركعات ثم أتخوف أن ينفجر الفجر أبدأ بالوتر أو أتم الركعات؟ قال : لا ، بل أوتر وأخّر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار » (١). فإنها ضعيفة بالبزاز وبمحمد بن سنان.

إذن فلا مستند في المسألة عدا قاعدة التسامح على القول بها ، وحيث إنها لا تتم عندنا فلا يسعنا الحكم باستحباب الإتمام في المقام إلا من باب الانقياد ، بل لا سبيل إلى ذلك أيضاً بعد ورود النصوص الناهية عن التطوع في وقت الفريضة إما تحريماً أو لا أقل تنزيهاً ، إذ لم يثبت الاستحباب بدليل شرعي ليلتزم بالتخصيص في تلك النصوص ، وقاعدة التسامح لا أثر لها في رفع المرجوحية كما لا يخفى.

والمتحصل : عدم الدليل على التفصيل بين المتلبس بالأربع ركعات وبين غير المتلبس ، وأنه محكوم بالبدأة بالفريضة على التقديرين بعد كونه قائماً قبل طلوع الفجر كما هو المفروض ، وإنما تقدم النافلة فيما لو انتبه بعد طلوع الفجر حسب التفصيل الذي عرفته فيما سبق.

(١) هذا لا دليل عليه لخلوّ النص عن التقييد بذلك ، وظاهر الأمر هو الإتمام على النهج المتعارف ، إلا أن يستأنس لذلك بمناسبة الحكم والموضوع ، حيث إنّ التطوع في وقت الفريضة مرجوح على الأقل ، فإذا ساغت النافلة تخصيصاً في تلك الأدلة فالمناسب رعاية التخفيف ، حذراً عن المزاحمة أكثر من المقدار اللازم.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٦٠ / أبواب المواقيت ب ٤٧ ح ٢.

٢٩٥

وإن لم يتلبس بها قدّم ركعتي الفجر ثم فريضته (١) وقضاها.

ولو اشتغل بها أتم ما في يده (٢) ثم أتى بركعتي الفجر وفريضته وقضى البقية بعد ذلك.

[١٢٠٣] مسألة ١٣ : قد مرّ أن الأفضل في كل صلاة تعجيلها (٣) فنقول يستثني من ذلك موارد (٤).

______________________________________________________

(١) على ما سبق.

(٢) لا لحديث من أدرك ليفصّل حينئذ بين ما إذا طلع الفجر قبل إتمام الركعة أو بعده ، ويخصص الاستحباب بالفرض الثاني ، وذلك لاختصاص مستند الحديث من الروايات المعتبرة بصلاة الغداة ، وقد ألحقنا بها سائر الفرائض اليومية لمكان القطع بعدم الفرق ، وأما التعدي إلى غيرها فضلاً عن النوافل فيحتاج إلى دليل وهو مفقود.

بل لأجل انصراف دليل المنع عن التنفل بعد الفجر إلى الشروع والإقدام ، ولا يعمّ صورة الإتمام كما في المقام. ففي صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال : لا » (١) فإنها كالصريح في البدأة كما لا يخفى ، فاذا كان هذا شأن الوتر وهي أهم إجزاء صلاة الليل ففي غيرها بطريق أولى ، وبعد أن لم يكن الإتمام مشمولاً لدليل المنع شملته إطلاقات استحباب صلاة الليل لسلامتها وقتئذ عن المزاحم.

(٣) وقد مرّ مستنده في محله (٢).

(٤) لا يخفى أن الاستثناء في هذه الموارد لم يكن على نسق واحد بل هو على قسمين ، ففي بعضها يكون الاستثناء حقيقياً ومن باب التخصيص في دليل استحباب التعجيل ، فهو بوصفه العنواني مرجوح ومفضول ، وهذا كالمتيمم‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٩ / أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٦.

(٢) في ص ٢٢٨.

٢٩٦

الأوّل : الظهر والعصر لمن أراد الإتيان بنافلتهما (١) وكذا الفجر إذا لم يقدّم نافلتها قبل دخول الوقت.

______________________________________________________

المحتمل لارتفاع العذر قبل انتهاء الوقت ، فإن التأخير له أفضل بناءً على جواز البدار وإلا تعين فلو قدّم فقد أتى بها في غير الوقت الأفضل.

وفي بعضها يكون الاستثناء بمناط المزاحمة مع مستحب آخر أهم ، فلو خالف وقدّم فقد أتى بالفريضة في الوقت الأفضل بالذات غير أنّه فوّت على نفسه ما هو أهم منه ، وهذا كما ترى ليس من الاستثناء الحقيقي في شي‌ء ، وإنما هو لمراعاة درك ما هو أفضل من التعجيل ، وهذا كصلاة الظهرين لمن أراد نافلتهما ، كما يكشف عنه قوله عليه‌السلام في بعض نصوص الباب : « أو تدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لم جعل ذلك؟ قال عليه‌السلام : لمكان النافلة » (١).

(١) تحكيماً للنصوص الناطقة باستحباب النافلة الكاشفة طبعاً عن أهمية فضليتها عن فضيلة أول الوقت ، إلا إذا لم تكن مشروعة كما في السفر ، أو كان المكلف آتياً بها قبل الزوال كما في يوم الجمعة ، أو لم يكن مريداً للإتيان بها.

ومنه تعرف أن التأخير إنما هو لمكان المزاحمة ، فحيث إن التقديم يستوجب تفويت النافلة وهي أهم التزم بالاستثناء ، فلو غضّ النظر عنها لشي‌ء مما عرفت كان الإتيان أول الوقت هو الأفضل.

وقد تقدم التصريح في بعض النصوص بأن تحديد الوقت بالذراع والذراعين أو المثل والمثلين إنما هو لمكان النافلة من دون خصوصية في ذلك ، بل في بعضها الأمر بتخفيف النافلة لدرك فضيلة الوقت مهما أمكن.

وعلى الجملة : فالاستثناء مبني على أساس المزاحمة ورعاية الأهم ، ويمكن‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٤١ / أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣.

٢٩٧

الثاني : مطلق الحاضرة لمن عليه فائتة وأراد إتيانها (١).

______________________________________________________

أن يتعدى إلى كل أهم زاحم فضيلة الوقت كقضاء حاجة المؤمن أو إعانته ونحوهما لاتحاد المناط.

(١) هذا مبني على القول بالمواسعة في قضاء الفوائت ، وأما على المضائقة فيتعيّن تقديم الفائتة ، ولا مجال للبحث عن الأفضلية ، وسيوافيك تحقيق ذلك في مبحث القضاء إن شاء الله تعالى.

فعلى هذا المبنى وقع الكلام في أن الأفضل هل هو تقديم الفائتة على الحاضرة ما لم يتضيق وقتها أو أن الأمر بالعكس؟

مقتضى جملة من النصوص التي منها صحيحة زرارة هو الأول ، فقد روى عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث « قال : إذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت ، وهذه أحق بوقتها فليصلها ، وإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى » (١).

ولكنها قد تعارض بصحيحتين ظاهرتين في الثاني :

إحداهما : صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إن نام رجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما ، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ، وإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة ... » إلخ (٢).

ثانيتهما : صحيحة ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ،

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٨٧ / أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٨٨ / أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٣.

٢٩٨

الثالث : في المتيمم مع احتمال زوال (*) العذر أو رجائه (١).

______________________________________________________

وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس » (١).

ولكن الظاهر أنه لا معارضة بين الطائفتين.

أما أوّلاً : فلأجل أن الاولى مطلقة والثانية واردة في خصوص فريضة الفجر فالنسبة بينهما نسبة العام والخاص ، وغايته ارتكاب التخصيص والالتزام بتقديم الحاضرة في خصوص صلاة الغداة ولا ضير فيه.

وأما ثانياً : فبإمكان الجمع بحمل الطائفة الأُولى على صورة عدم خوف فوات الحاضرة ، والثانية على صورة الخوف (٢) بشهادة صحيحة أُخرى لزرارة مصرحة بهذا التفصيل حيث ورد فيها : « ... وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعاً فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة ، ابدأ بالمغرب ثم العشاء ، فان خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم صلّ الغداة ثم صلّ العشاء ، وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثم صلّ المغرب والعشاء ، ابدأ بأولهما ... » إلخ (٣).

إذن فلا تصل النوبة إلى التخصيص فضلاً عن المعارضة ، وتكون النتيجة أن الأفضل البدأة بالفائتة ما لم يتضيق وقت الحاضرة وإلا قدّمت الحاضرة.

(١) بناءً على جواز البدار في المقام فإن الأفضل حينئذ هو التأخير عسى أن يتمكن من الطهارة الاختيارية.

__________________

(*) مرّ الكلام فيه [ في المسألة ١١٤١ ] وأما غير المتيمم من ذوي الأعذار فالأقوى فيه جواز البدار ، لكنّه إذا ارتفع العذر في الأثناء وجبت الإعادة.

(١) الوسائل ٤ : ٢٨٨ / أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٤.

(٢) لا يخفى أن الموضوع في الثانية الاستيقاظ بعد الفجر ، والحمل على خوف فوت الحاضرة في هذه الحالة كما ترى ، وإنما يتجه لو عبّر بالاستيقاظ قبل طلوع الشمس.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

٢٩٩

وأما في غيره من الأعذار فالأقوى وجوب التأخير وعدم جواز البدار (١).

______________________________________________________

ولكنا قدّمنا في محله أنّ جواز البدار وإن كان مطابقاً لمقتضى القاعدة في كافة الأعذار ولكنه غير سائغ في خصوص هذا المورد ، أعني العاجز عن الماء المحتمل لزوال العذر للنصوص الخاصة الناطقة بلزوم الانتظار ، وقد تقدمت في مبحث التيمم من كتاب الطهارة (١) وعليه فالتأخير هو المتعيّن لا أنه أفضل.

(١) نظراً إلى أن المسوّغ للانتقال إلى الصلاة الاضطرارية إنما هو العذر المستوعب لتمام الوقت ، إذ المأمور به في الصلاة الاختيارية هو الطبيعي الجامع المحدود فيما بين المبدأ والمنتهى ، فمع القدرة على فرد من الأفراد الطولية والعرضية من ذاك الجامع لا ينتقل إلى البدل ، وإنما ينتقل مع إحراز العجز عن الكل ، إذن فمع الشك ورجاء الزوال لم يحرز العجز عن الطبيعي ، فلا جرم يجب الانتظار لاستعلام الحال وإحراز موضوع الانتقال ، فان زال العذر أتى بالصلاة الاختيارية وإلا فبالعذرية ، وإنما ساغ البدار في المتيمم لما يراه قدس‌سره من دلالة النص عليه.

ولكنه يندفع : بأن هذا التقرير إنما يتجه بلحاظ الحكم الواقعي ، وأما في مرحلة الظاهر فلا مانع من إحراز الاستيعاب باستصحاب استمرار العذر إلى آخر الوقت ، بناءً على ما هو الصواب من جريانه في الأُمور الاستقبالية كالحالية فيسوغ له البدار استناداً إلى هذا الأصل ، غاية الأمر أنه لما كان حكماً ظاهرياً والأحكام الظاهرية بأسرها يكون الإجزاء فيها منوطاً بعدم انكشاف الخلاف ، فان استبان له ارتفاع العذر أعاد ، وإلا كان ما أتى به مجزئاً وذاك أمر آخر.

ومنه تعرف أنّ مقتضى القاعدة جواز البدار في كافة الأعذار ما عدا التيمم على العكس مما أفاده قدس‌سره فان النص قد دل فيه على عدمه لا على جوازه كما زعمه ، وتمام الكلام في محله.

__________________

(١) شرح العروة : ١٠ : ٣٢٤.

٣٠٠