موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

ويجوز دسّها (*) في صلاة الليل قبل الفجر ولو عند النصف بل ولو قبله إذا قدّم صلاة الليل عليه (١).

______________________________________________________

الأدلة الشرعية ونميل حيث تميل ، وقد عرفت دلالة الصحيحة عليه ، مضافاً إلى مطابقته لفتوى المشهور.

(١) أشرنا في صدر المسألة إلى جواز تقديم النافلة على سبيل الدسّ في صلاة الليل والحشو فيها ، لصحيحتي علي بن يقطين وزرارة وغيرهما.

ومقتضى الإطلاق فيها جوازه حتى فيما لو أتى بصلاة الليل في أول وقتها ، أعني عند الانتصاف ، بل قد صرّح بذلك في موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : إنما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلي صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة ، ثم إن شاء جلس فدعا وإن شاء نام وإن شاء ذهب حيث شاء » (١).

وهل يجوز ذلك فيما لو قدّمها على منتصفه لعذر من الأعذار المسوّغة للتقديم من مرض أو سفر أو شباب مانع عن الانتباه؟

مقتضى إطلاق النصوص هو الجواز ولا سيما ما كان منها بلسان الحكومة ، كصحيحة زرارة المتقدمة الناطقة بأنها ثلاث عشرة ركعة ، فإن مقتضى ذلك مشاركتها معها في جميع الأحكام التي منها جواز التقديم على الانتصاف.

وربما يستدل له برواية أبي جرير بن إدريس عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : « قال : صلّ صلاة الليل في السفر من أول الليل في المحمل والوتر وركعتي الفجر » (٢).

فإنها صريحة في المدعى ، غير أنها ضعيفة السند ولا تصلح إلا للتأييد ، لأنّ‌

__________________

(*) لا يبعد جوازها في السدس الأخير من الليل بلا دسّ أيضاً.

(١) الوسائل ٦ : ٤٩٥ / أبواب التعقيب ب ٣٥ ح ٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٥١ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ٦.

٢٦١

إلا أنّ الأفضل (*) إعادتها في وقتها (١).

[١١٩٧] مسألة ٧ : إذا صلى نافلة الفجر في وقتها أو قبله ونام بعدها يستحب إعادتها (٢).

______________________________________________________

أبا جرير لا توثيق له (١) مضافاً إلى أن في طريق الصدوق إليه شيخه محمد بن علي ماجيلويه ولا توثيق له أيضاً ، ومجرد الشيخوخة لا يكفي في الوثاقة.

وأما ما في الوسائل وتبعه غيره من ضبط الكلمة بالحاء المهملة والزاء المعجمة أي بصورة أبي حريز فهو تصحيف يقيناً ، إذ ليس للصدوق طريق إليه ، وإنما ذكر في المشيخة طريقه إلى أبي جرير بن إدريس الذي هو لقب زكريا ابن إدريس القمي (٢) وقد عرفت حاله ، فالصواب ما ذكرناه.

وكيف ما كان ففي الإطلاقات غنى وكفاية.

(١) هذا على إطلاقه لا دليل عليه ما عدا فتوى المشهور باستحباب الإعادة مطلقاً ، لاختصاص ما سيأتي من النص بما إذا نام ثم انتبه قبل الطلوع أو عنده ، ولا دليل على التعدي سوى فهم الأصحاب وهو كما ترى.

(٢) لصحيحة حماد بن عثمان قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام ربما صليتهما وعليّ ليل فان قمت ولم يطلع الفجر أعدتهما » (٣).

وموثقة زرارة قال : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إني لأُصلّي صلاة الليل وأفرغ من صلاتي وأُصلي الركعتين فأنام ما شاء الله قبل أن يطلع الفجر فان استيقظت عند الفجر أعدتهما » (٤).

__________________

(*) تختصّ الأفضلية بما إذا نام المصلي بعدها واستيقظ قبل الفجر أو عنده.

(١) ولكنه قدس‌سره ذكر في المعجم ٢٢ : ٨٦ / ١٤٠٣٩ أنه ثقة.

(٢) الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ٧٠.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٦٧ / أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٨.

(٤) الوسائل ٤ : ٢٦٧ / أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٩.

٢٦٢

[١١٩٨] مسألة ٨ : وقت نافلة الليل ما بين نصفه والفجر الثاني (١).

______________________________________________________

ويظهر منهما كما أشرنا إليه آنفاً اختصاص الاستحباب بالمنام أوّلاً ، وبالانتباه قبل الطلوع أو عنده ثانياً ، فلا دليل على المشروعية لدى فقد أحد القيدين عدا إطلاق فتوى الأصحاب بالاستحباب ، وقد عرفت ما فيه ، إلا بناءً على قاعدة التسامح وشمولها لفتوى المشهور.

(١) يقع الكلام تارة من حيث المبدأ واخرى من ناحية المنتهي ، فهنا مقامان :

أما المقام الأوّل : فالمعروف أنه انتصاف الليل ، وقيل أوّله ، ويستدل للمشهور بوجوه :

أحدها : الإجماع.

وفيه : أنه إن أُريد به الإجماع على جواز الإتيان بها لدى الانتصاف ، فهذا مسلّم لا غبار عليه.

وإن أُريد به قيامه على اتصافه بالأوّلية كي يترتب عليه لازمه وهو عدم جواز الإتيان بها قبل ذلك ، فهذا أوّل الكلام ، بل لا نظن كونه مقصوداً ومنظوراً لهم لو لم يظن بالعدم ، ولا أقل من الشك ، فهذا الاستدلال ساقط.

ثانيها : مرسلة الصدوق قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره » (١).

وهي كما ترى صريحة في المدعى ، غير أنّ إرسالها مانع عن الاستدلال بها.

ثالثها : الأخبار الناطقة بأنّ النبي والوصي عليهما‌السلام كانا ملتزمين بالإتيان بها بعد النصف ، فلو ساغ قبله لصدر منهما ولو مرّة.

ويدفعه : أنّ حكاية الفعل لا تدل على التوقيت ، ولعله كان من أجل اختيار الفرد الأفضل ، ألا ترى أنه لم يحك عن أحدٍ من المعصومين ( عليهم‌السلام )

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٤٨ / أبواب المواقيت ب ٤٣ ح ٢. الفقيه ١ : ٣٠٢ / ١٣٧٩.

٢٦٣

الإتيان بالظهرين قبل الغروب بساعة ، بل كانوا ملتزمين بوقت الفضيلة ، مع ضرورة امتداد الوقت إلى الغروب ، فلا مجال للاستدلال بعملهم الخارجي على التوقيت الشرعي بوجه.

رابعها : الروايات الكثيرة الدالة على جواز التقديم على النصف للمعذور كالمريض والمسافر والشاب وخائف الجنابة وغيرهم ، فإنه لو كان التقديم سائغاً في طبعه والوقت واسعاً في نفسه فما هو الموجب لهذا التخصيص وذكر هؤلاء بالتنصيص ، بل هو سائغ لهم ولغيرهم بمناط واحد.

والجواب : أنّه يمكن أن يكون امتيازهم عن غيرهم مع فرض سعة الوقت في نفسه مرجوحية التقديم في حال الاختيار وارتفاعها عن المعذور فيكون الأفضل التأخير عن النصف إلا لهؤلاء المعذورين.

خامسها : ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن مسلم قال : « سألته عن الرجل لا يستيقظ من آخر الليل حتى يمضي لذلك العشر والخمس عشرة ، فيصلي أوّل الليل أحب إليك أم يقضي؟ قال : بل يقضي أحبّ إليّ ، إني أكره أن يتخذ ذلك خُلقا ، وكان زرارة يقول : كيف تقضى صلاة لم يدخل وقتها ، إنما وقتها بعد نصف الليل » (١).

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند بمحمد بن سنان ، أنّ محل الاستشهاد وهو الذيل وإن كان صريحاً في المطلوب ، لكنه قول زرارة نفسه دون الامام عليه‌السلام ، ولعله رأيه وفتواه ، ولا اعتداد به ما لم ينسبه إليه عليه‌السلام.

والمتحصل لحدّ الآن : أنّ هذه الوجوه لا يتم الاستدلال بشي‌ء منها للقول المشهور. والصواب أن يستدل له بوجهين آخرين :

أحدهما : موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إنما على أحدكم‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٦ / أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٧. التهذيب ٢ : ١١٩ / ٤٤٨.

٢٦٤

إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلّي صلاته جملة واحدة ثلاث عشر ركعة .. » إلخ (١).

دلت بمقتضى المفهوم على أنه ليس لأحد أن يقوم قبل انتصاف الليل ولم أرَ من استدل بها في المقام وبذلك تقيد المطلقات. ومن المعلوم أنه لا مجال لحمل التقييد على أفضل الأفراد حتى في باب المستحبات بعد أن كانا متخالفين في النفي والإثبات كما نبهنا عليه في الأُصول (٢).

ثانيهما : الروايات الدالة على تقديم القضاء لدى الدوران بينه وبين الإتيان بها في أول الليل التي منها صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « قلت له : إن رجلاً من مواليك من صلحائهم شكى إليّ ما يلقى من النوم إلى أن قال ـ : ولم يرخص في النوافل ( الصلاة ) أول الليل ، وقال القضاء بالنهار أفضل » (٣) ونحوها غيرها.

فإنها خير دليل على أنّ مبدأ الوقت إنما هو الانتصاف ، إذ لو كان هو أول الليل كان التقديم إتياناً لها في وقتها وتتصف حينئذ بالأداء بطبيعة الحال فكيف يفضّل عليه التأخير والإتيان في خارج الوقت ، فانّ مرجعه إلى تفضيل القضاء على الأداء وترجيحه عليه ، وهو كما ترى منافٍ لحكمة التوقيت وتشريع الأجل ، هذا.

ويستدل للقول الآخر أعني امتداد الوقت منذ أوّل الليل بوجوه :

أحدها : المطلقات المتضمّنة لاستحباب صلاة الليل على اختلاف ألسنتها ، من أنها ثمان ركعات ، أو إحدى عشرة ، أو ثلاث عشرة ركعة في الليل ، ولعل منها : قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٩٥ / أبواب التعقيب ب ٣٥ ح ٢.

(٢) لاحظ محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٣٨٣.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٥٥ / أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ١.

٢٦٥

نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ ... ) إلخ (١) فان مقتضى إطلاقها عدم الفرق في الاستحباب وقيام الليل المأمور به بين الانتصاف وما قبله وما بعده.

وفيه : أنّ مقتضى الجمع بين هذه المطلقات وبين مثل موثقة زرارة ونحوها مما دل على التحديد بالنصف ارتكاب التقييد ، عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد المطّردة في أبواب الفقه ، هذا إذا كانت واردة في مقام البيان من ناحية التوقيت وإلا فلا إطلاق من أصله.

وثانيها : موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوّله إلى آخره ، إلا أن أفضل ذلك بعد انتصاف الليل » (٢).

ثالثها : معتبرة محمد بن عيسى قال : « كتبت إليه أسأله : يا سيدي روي عن جدّك أنه قال : لا بأس بأن يصلي الرجل صلاة الليل في أول الليل ، فكتب في أيّ وقت صلى فهو جائز إن شاء الله » (٣).

وهي كسابقتها صريحة في التعميم ، كما أنها إما صحيحة السند باعتبار وقوع محمد بن عيسى والد أحمد بن محمد بن عيسى في أسناد كامل الزيارات ، أو لا أقل من أنها حسنة لما قيل في حقه من أنه شيخ القميين ووجه الأشاعرة.

والظاهر أن المروي عنه هو الرضا عليه‌السلام لأن أكثر رواياته عنه ، وإن كان يروي عن الجواد عليه‌السلام أيضاً. ولعل نظره في قوله : « روي عن جدك إلى موثقة سماعة المتقدمة آنفاً المروية عن الصادق عليه‌السلام الذي هو جدّ الرضا عليه‌السلام.

وكيف ما كان ، فهي معتبرة وصريحة في التوسعة كالموثقة ، غايته أن النصف أفضل.

ويندفع : بأنّ الأمر وإن كان كذلك ، لكنهما مطلقتان بالنسبة إلى ذوي‌

__________________

(١) المزّمل ٧٣ : ١ ٤.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٥٢ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ٩.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٥٣ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٤.

٢٦٦

الأعذار وغيرهم ، ومقتضى الجمع بينهما وبين موثقة زرارة ونحوها مما دلّ على التحديد بالنصف ، حملهما على صورة العذر بشهادة النصوص المصرحة بالتقديم لخصوص المعذورين.

رابعها : رواية الحسين بن علي بن بلال قال : « كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب عند زوال الليل وهو نصفه أفضل ، فإن فات فأوّله وآخره جائز » (١).

وهي صريحة في أفضلية النصف دون التوقيت به ، بل الوقت واسع من أول الليل.

وفيه : أنها ضعيفة السند ، فان ابن بلال لم يوثّق في كتب الرجال. نعم الراوي عنه وهو إبراهيم بن مهزيار من رجال كامل الزيارات فلا نقاش من ناحيته (٢).

خامسها : ما ذكره المحقق الهمداني قدس‌سره من الاستدلال بما دلّ على جواز التقديم لخائف الجنابة كصحيحة يعقوب بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو البرد أيعجّل صلاة الليل والوتر في أول الليل؟ قال : نعم » (٣) بتقريب أن خوف الجنابة لا يسوّغ التقديم على الوقت ، بل غايته الانتقال إلى التيمم ، ألا ترى أن من يخافها لا يجوز له تقديم الظهرين على الزوال ، بل يكتفي بالطهارة الترابية بلا إشكال ، لوضوح ترجيح الوقت على الطهارة المائية لدى الدوران ، ولا يكون العجز عنها مسوّغاً للصلاة قبل الوقت بالضرورة.

وعليه فتسويغ التقديم في محل الكلام خير دليل على توسعة الوقت في حد‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٣ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٣.

(٢) حسب الرأي السابق المعدول عنه.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٥٢ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٠.

٢٦٧

ذاته ، فيجوز الإتيان بها من أوّل الليل حتى اختياراً ، لا أن التوسعة ناشئة من الضرورة فإنها لا تقتضيها كما سمعت (١).

ويندفع : بأنّ ما دل على التحديد بالنصف ممّا تقدم قابل للتخصيص بغير خائف الجنابة ، وليس مما يأبى ويمتنع عنه إذا ساعده الدليل ، وقد دل الدليل على ثبوت التوسعة له ولغيره من المعذورين ، ومقتضى الصناعة ارتكاب التقييد الذي ليس هو بعزيز في الفقه فيلتزم به ولا ضير فيه.

ولا يقاس ذلك بالظهرين وغيرهما من الفرائض ، لعدم نهوض أيّ دليل ثمة على التقديم لأيّ أحد ، ولو قام لالتزمنا به أيضاً كالمقام وارتكبنا التقييد بمناط واحد.

وعلى الجملة : لا يثبت بالدليل المزبور إلا التوسعة لخائف الجنابة لا لعامة المكلفين ليدل على جواز التقديم حتى في حال الاختيار كما لعله واضح.

فتحصل : أنّ الأصح ما عليه المشهور من التوقيت بمنتصف الليل للمختار وإن كان واسعاً منذ أوّل الليل بالنسبة إلى المعذور.

وأما المقام الثاني : فالمشهور بل لعله المتسالم عليه امتداد الوقت إلى طلوع الفجر الصادق ، ونسب إلى السيد المرتضى قدس‌سره انتهاؤه بطلوع الفجر الكاذب (٢).

ولكنه لا دليل عليه ، بل إن الأدلة الناطقة بالتعجيل في صلاة الليل لمن خاف مفاجاة الصبح وطلوعه ، وأنه يكتفي حينئذ بقراءة الحمد ، أو أنه يبدأ بالوتر كما في الروايات الآتية ، حجة عليه ، ضرورة أنّ الخوف المزبور إنما يكون بعد الفجر الأول الكاذب إذ لو كان قبله لم يكن وجه للبدأة بالوتر ، فإن الأفضل إيقاعها ما بين الفجرين.

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٥٠ السطر ١٦.

(٢) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٥٦.

٢٦٨

إلا أن يريد قدس‌سره بذلك انتهاء وقت فضيلة صلاة الليل أو هي مع الشفع بانتهاء الفجر الأول حتى يكون ما بين الفجرين مختصاً بصلاة الوتر ، لما في غير واحد من الأخبار من استحباب الإتيان في هذا الوقت ، فما عليه المشهور هو المتعيّن.

وكيف ما كان ، فالتحديد المزبور بناءً على ما هو المشهور من انتهاء الليل بطلوع الفجر وأنه اسم لما بينه وبين غروب الشمس ، وأنّ ما بين الطلوعين ملحق بالنهار أو أنّه لا من الليل ولا من النهار ، واضح لا غبار عليه ، ولا يحتاج إلى تجشم الاستدلال ، ضرورة انتفاء الموضوع بانتهاء الليل ، فلا مجال لتوهم أنّ ما بعده وقت لصلاة الليل.

وأما بناءً على ما هو الصواب من إلحاقه بالليل وأنه اسم لما بين غروب الشمس وطلوعها على ما سبق في محله فالحكم بانتهاء الوقت بطلوع الفجر يحتاج إلى إقامة الدليل ، لفرض بقاء الليل إلى طلوع الشمس.

ويدلنا عليه مضافاً إلى التسالم ، والإجماع القطعي حيث لم ينقل عن أحد امتداد الوقت إلى طلوع الشمس : جملة من الروايات التي نطقت بانتهاء الوقت وصيرورتها قضاء بعد طلوع الفجر ، عمدتها صحيحة جميل بن دراج قال : « سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر إلى طلوع الشمس ، فقال : نعم وبعد العصر إلى الليل فهو من سرّ آل محمد المخزون » (١).

حيث قرّر عليه‌السلام ما كان مركوزاً في ذهن السائل من القضاء بعد طلوع الفجر ، وبما أنّ المخالفين لا يرون ذلك ، وَصّفَه بأنّه من سرّ آل محمد المخزون ، فالدلالة تامة كالسند ، إذ المراد بإبراهيم الواقع فيه هو إبراهيم بن هاشم ، بقرينة الراوي والمروي عنه ، وهو ثقة على الأظهر لوقوعه في أسناد‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٧٣ / أبواب المواقيت ب ٥٦ ح ١.

٢٦٩

كامل الزيارات (١) ، بل ادعى ابن طاوس (٢) الاتفاق على وثاقة جماعة هو أحدهم ، ولا أقل من أنه ممدوح ، كما أنّ محمد بن عمرو الزيات الذي يروي عنه إبراهيم قد وثقه النجاشي (٣) ، وما في نسخة الوسائل من ذكر ( عمر ) بدل ( عمرو ) غلط ، فان محمد بن عمر الزيات لا وجود له في الروايات والصواب ما عرفت.

وتؤكدها جملة من الروايات :

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل وهو يخشى أن يفاجأه الصبح يبدأ بالوتر أو يصلي الصلاة على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال : بل يبدأ بالوتر ، وقال : أنا كنت فاعلاً ذلك » (٤).

فإن أمره عليه‌السلام بالاقتصار على الوتر وترك صلاة الليل خوفاً من مفاجاة الصبح خير دليل على انتهاء الوقت بطلوع الفجر.

ومنها : صحيحة معاوية بن وهب قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل » (٥) فان الوقت لو كان ممتداً إلى طلوع الشمس لم يكن وجه للاقتصار على الوتر ، وترك صلاة الليل.

ومنها : ما تضمن التعجيل في صلاة الليل بالاكتفاء بقراءة الحمد لدى خوف مفاجاة الصبح ، وهو ما رواه إسماعيل بن جابر أو عبد الله بن سنان قال : « قلت‌

__________________

(١) حسب الرأي السابق.

(٢) فلاح السائل : ٢٨٤.

(٣) رجال النجاشي : ٣٦٩ / ١٠٠١.

(٤) الوسائل ٤ : ٢٥٧ / أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٢.

(٥) الوسائل ٤ : ٢٥٨ / أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٣.

٢٧٠

والأفضل إتيانها في وقت السحر وهو الثلث الأخير من الليل ، وأفضله القريب من الفجر (١).

______________________________________________________

لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي أقوم آخر الليل وأخاف الصبح ، قال : اقرأ الحمد واعجل واعجل » (١) فإنه لولا الانتهاء لم يكن أيّ مقتض للتعجيل.

ومنها : ما دل على أنّ من قام من النوم ، فان كان شاكاً في طلوع الفجر صلى صلاة الليل وإلا بدأ بالفريضة ، كمعتبرة المفضل بن عمر قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقوم وأنا أشك في الفجر ، فقال : صلّ على شكك ، فاذا طلع الفجر فأوتر وصلّ الركعتين ، وإذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة ولا تصلّ غيرها ، فاذا فرغت فاقض ما فاتك » (٢) وهي صريحة في المطلوب.

(١) فالقريب أفضل الأفضل ، ومن ثم قيل إنها كلما كانت أقرب إلى الفجر كانت أفضل ، إلا أنّ هذا لا دليل عليه ، لخلوّه عن النص كما اعترف به غير واحد ، وإنما الوارد في لسان الروايات أفضلية الإتيان بها في الثلث الأخير أو في السحر أو في آخر الليل.

فمن الأول : صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري قال : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن ساعات الوتر ، قال : أحبّها إليّ الفجر الأول ، وسألته عن أفضل ساعات الليل ، قال : الثلث الباقي ... » الحديث (٣) فإنها وإن لم تصرح بأفضلية الإتيان بصلاة الليل في الثلث الباقي إلا أنه يستفاد منها ذلك بقرينة سبق السؤال عن ساعة الوتر كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٧ / أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٦٢ / أبواب المواقيت ب ٤٨ ح ٤.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٧٢ / أبواب المواقيت ب ٥٤ ، ح ٤.

٢٧١

ومن الثاني : صحيحة أبي بصير قال : « سالت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التطوع بالليل والنهار ، فقال : الذي يستحب ... إلى أن قال ـ : ومن ( في ) السحر ثمان ركعات ... » إلخ (١) والسند صحيح ، فان المراد من شعيب الواقع في الطريق هو العقرقوفي الثقة بقرينة رواية حماد بن عيسى عنه ، ولعله إليه يشير قوله تعالى ( وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (٢) وقوله تعالى ( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ) (٣). وتؤيد الصحيحة نصوص أُخر ضعيفة السند.

ومن الثالث : ذيل الصحيحة المزبورة ، وموثقة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « صلاة النافلة إلى أن قال : ... وثمان ركعات من آخر الليل ... » إلخ (٤).

فان عثمان بن عيسى الواقع في السند وإن كان شيخ الواقفية وورد فيه من الطعن ما ورد ، إلا أنّ الكشي (٥) حكى عن بعضهم أنّه عدّه من أصحاب الإجماع مكان فضالة بن أيوب. مضافاً إلى وقوعه في أسناد كامل الزيارات (٦).

وموثقة ابن بكير عن زرارة قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما جرت به السنة في الصلاة؟ فقال : ثمان ركعات الزوال إلى أن قال ـ : وثلاث عشرة ركعة من آخر الليل ... » إلخ (٧).

وموثقته الأُخرى قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما كان يحمد ( يجهد )

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٥٩ / أبواب أعداد الفرائض ب ١٤ ح ٢.

(٢) الذاريات ٥١ : ١٨.

(٣) آل عمران ٣ : ١٧.

(٤) الوسائل ٤ : ٥١ / أبواب أعداد الفرائض ب ١٣ ح ١٦.

(٥) رجال الكشي : ٥٥٦ / ١٠٥٠.

(٦) حسب الرأي السابق المعدول عنه.

(٧) الوسائل ٤ : ٥٩ / أبواب أعداد الفرائض ب ١٤ ح ٣.

٢٧٢

الرجل أن يقوم من آخر الليل فيصلي صلاته ضربة واحدة ثم ينام ويذهب » (١).

وموثقة مرازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : متى أُصلّي صلاة الليل؟ قال : صلّها في آخر الليل » (٢) فانّ علي بن الحكم الواقع في السند ثقة على الأظهر ، وكذلك هارون ، فإنه ابن خارجة الثقة على ما تقتضيه رعاية الطبقة وملاحظة الراوي والمروي عنه ، ونحوها غيرها.

وعلى الجملة : فمورد النصوص إنما هو هذه العناوين الثلاثة ، هذا.

ولا تنافي بين الأولين ، بل يمكن إرجاعهما إلى أمر واحد ، نظراً إلى أنّ السحر وإن فسّر في كلمات بعض الفقهاء واللغويين (٣) بالسدس الأخير أو قبيل الصبح ، أو آخر الليل ، إلا أنّ المراد من الثلث الباقي هو السدس الأخير ، بضميمة ما بين الطلوعين المعادل لهذا المقدار تقريباً ، بناءً على المختار من كونه من الليل ، فيكون مجموع السدسين متحداً مع الثلث ومنطبقاً عليه مع اختلاف يسير لا يعبأ به.

وبعبارة اخرى : مبدأ السدس الأخير من الليل الذي ينتهي بطلوع الفجر هو مبدأ الثلث الباقي منه إلى طلوع الشمس ، فالتعبير الأول مبني على الغض عما بين الطلوعين باعتبار انتهاء وقت صلاة الليل بذلك ، والتعبير الثاني مبني على رعايته ، فلا اختلاف إلا بمقدار لا يعتنى به كما سمعت ، فيكون المراد به ما قبل طلوع الفجر بمقدار ساعة ونصف إلى ساعتين تقريباً حسب اختلاف فصول السنة من حيث قصر الليل وطوله.

وأما الثالث : أعني آخر الليل ، فإن أُريد به الثلث الباقي فلا منافاة ، وإن أُريد به الأقل من ذلك كما لعله الأظهر فيمكن الجمع تارة : بحمل ما دل‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٧١ / أبواب المواقيت ب ٥٣ ح ٥.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٧٢ / أبواب المواقيت ب ٥٤ ح ٣.

(٣) تهذيب اللغة ٤ : ٢٩٣ ، لسان العرب ٤ : ٣٥٠.

٢٧٣

على الثلث على إرادة من يراعي جميع السنن والآداب ، فإنه لا مناص له من التقديم ليتسع الوقت للجميع ، وما دل على آخر الليل على من يقتصر على النافلة ، فيختلف ذلك باختلاف المصلّين من حيث التطويل والتقصير.

واخرى : بالحمل على اختلاف مراتب الفضل ، فوقت النافلة يدخل عند الانتصاف ، والأفضل التأخير إلى الثلث الباقي ، وأفضل منه التأخير إلى آخر الليل ، وبذلك يرتفع التنافي المراءى بين الأخبار.

ويعضده الجمع بين السحر الذي عرفت اتحاده مع الثلث الباقي وبين آخر الليل في صحيحة أبي بصير المتقدمة (١) ، والتصريح بأن الثاني أحب ، الكاشف طبعاً عن المغايرة وعن الأفضلية حسبما ذكرناه ، وأما أنه كلما كان أقرب إلى الفجر كان أفضل فلا دليل على هذه الكلية كما أسلفناك.

بقي شي‌ء : وهو أنه يستفاد من جملة من الروايات أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقوم إلى صلاة الليل بعد ثلثه أو نصفه ، ويأتي بها متفرقة ، ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا صلى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه فوضع عند رأسه مخمراً فيرقد ما شاء الله ، ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات ، ثم يرقد ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات ، ثم يرقد حتى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثم صلى الركعتين ، ثم قال : لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة ، قلت : متى كان يقوم؟ قال : بعد ثلث الليل » (٢) ، قال الكليني وقال في حديث آخر : « بعد نصف الليل » (٣).

فكيف ينسجم ذلك مع أفضلية التأخير إلى الثلث الباقي أو إلى آخر الليل وكيف جرت عادته صلى‌الله‌عليه‌وآله على ترك ما هو الأفضل.

__________________

(١) في ص ٢٧٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٧٠ / أبواب المواقيت ب ٥٣ ح ٢.

(٣) المصدر المتقدم ح ٣ ، الكافي ٣ : ٤٤٥ / ١٣.

٢٧٤

[١١٩٩] مسألة ٩ : يجوز للمسافر والشاب الذي يصعب عليه نافلة الليل في وقتها تقديمها على النصف ، وكذا كل ذي عذر كالشيخ وخائف البرد أو الاحتلام والمريض (١) وينبغي لهم نية التعجيل لا الأداء.

______________________________________________________

ودعوى جواز كون ذلك من خصائصه كأصل وجوب صلاة الليل ، مدفوعة بعدم ذكر ذلك في ضمن ما ضبطوه من خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

على أنه مناف للتصريح في ذيل الصحيحة بقوله ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ).

والأولى في وجه الجمع ما قيل من الالتزام بالتفصيل بين الجمع والتفريق ، فمن شاء التفريق بين ركعات النافلة فالأفضل له الشروع بعد الثلث الأول أو النصف أُسوة به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن شاء الإتيان بها جملة واحدة كان الأفضل له التأخير إلى الثلث الأخير ، أو إلى آخر الليل كما تشير إليه موثقة ابن بكير المتقدمة (١) حيث ورد فيها « .. أن يقوم من آخر الليل فيصلي صلاته ضربة واحدة ... » (٢) فليتأمل.

(١) على المعروف والمشهور ، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه ، وتشهد به جملة وافرة من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة المشار إليها في المتن كما ستقف عليها.

ونسب الخلاف إلى ابن إدريس فمنع عن التقديم مطلقاً (٣) ولم يعرف له وجه صحيح عدا ما يرتأيه من عدم الاعتماد على أخبار الآحاد ، ولكن المبنى كما ترى ، لا سيما وأن الأخبار الواردة في المقام مستفيضة ومتظافرة لا سبيل‌

__________________

(١) في ص ٢٧٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٧١ / أبواب المواقيت ب ٥٣ ح ٥.

(٣) السرائر ١ : ٢٠٣.

٢٧٥

لرفضها وعدم العمل بها كما لا يخفى.

كما نسب الخلاف أيضاً إلى زرارة لما في رواية محمد بن مسلم قال : « سألته عن الرجل لا يستيقظ من آخر الليل حتى يمضي لذلك العشر والخمس عشرة فيصلي أول الليل أحب إليك أم يقضي؟ قال : لا ، بل يقضي أحبّ إليّ ، إنّي أكره أن يتخذ ذلك خُلقاً ، وكان زرارة يقول : كيف تقضى صلاة لم يدخل وقتها ، إنما وقتها بعد نصف الليل » (١).

وربما يستظهر أن ذلك رأي تلقاه زرارة من المعصوم عليه‌السلام لا أنه من تلقاء نفسه لاستبعاد استبداده بالرأي تجاههم.

لكن الرواية ضعيفة السند بمحمد بن سنان على أن موردها لم يكن هو المعذور الذي هو محل الكلام لعدم ورودها فيه ، ومن المعلوم أن التقديم لغيره غير سائغ كما يرتأيه زرارة وغيره ، فهي أجنبية عن المقام.

ونسب إلى ابن أبي عقيل عدم جواز التقديم لغير المسافر (٢) ، وربما يظهر من الصدوق موافقته له حيث قال : كلما روي من الإطلاق في صلاة الليل من أول الليل فإنما هو في السفر ، لأن المفسر من الأخبار يحكم على المجمل (٣).

فكأنه قدس‌سره حمل نصوص الباب بأسرها على المسافر زعماً منه أنها مطلقة أو مجملة ، وما ورد في المسافر مبيّن ومفصّل ، فيحمل المطلق على المفصل والمجمل على المبيّن.

ولكن الأمر ليس كذلك ، بل مورد النصوص عناوين مستقلة وموضوعات متباينة لا إجمال فيها ولا موقع لحمل بعضها على بعض ، فلا بد إذن من النظر حول كل واحد منها بحياله.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٦ / أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٧.

(٢) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٧٠.

(٣) الفقيه ١ : ٣٠٣ ذيل ح ١٣٨٤.

٢٧٦

فمنها : عنوان المسافر وقد دلت على جواز التقديم فيه جملة من الروايات :

كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصلّ وأوتر في أول الليل في السفر » (١).

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران في حديث قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة بالليل في السفر في أول الليل ، فقال : إذا خفت الفوت في آخره » (٢).

وصحيحة محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن صلاة الليل أُصليها أول الليل؟ قال : نعم ، إنّي لأفعل ذلك ، فإذا أعجلني الجمّال صليتها في المحمل » (٣) ، فان السفر وإن لم يذكر في هذه الصحيحة صريحاً لكنه يستفاد من الذيل.

وموثقة سماعة بن مهران « أنه سأل أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن وقت صلاة الليل في السفر ، فقال : من حين تصلي العتمة إلى أن ينفجر الصبح » (٤).

المؤيدة بجملة من الروايات الضعاف التي منها ما رواه الشهيد في الذكرى نقلاً من كتاب محمد بن أبي قرّة بإسناده عن إبراهيم بن سيابة قال : « كتب بعض أهل بيتي إلى أبي محمد عليه‌السلام في صلاة المسافر أول الليل صلاة الليل ، فكتب فضل صلاة المسافر من أول الليل كفضل صلاة المقيم في الحضر من آخر الليل » (٥). فإنها وإن كانت صريحة الدلالة ، لكنها ضعيفة السند من جهات شتى ،

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٠ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٥١ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ٧.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٥٢ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١١.

(٤) الوسائل ٤ : ٢٥١ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ٥.

(٥) الوسائل ٤ : ٢٥٤ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٩. الذكرى ٢ : ٣٧١.

٢٧٧

لجهالة طريق الشهيد إلى كتاب ابن أبي قرّة كجهالة طريق الرجل إلى ابن سيابة ، مضافاً إلى ضعف كل من الرجلين في نفسه.

وكيف ما كان ، فلا ريب في جواز التقديم للمسافر في الجملة ، وإنما الكلام في أمرين :

أحدهما : في أنّ الترخيص في التقديم المزبور هل هو ثابت على سبيل الإطلاق ، أو أنه مقيّد بخوف الفوات في آخر الليل؟

ثانيهما : في أنه هل هو على سبيل الاتساع في الوقت فتقع الصلاة في وقتها وتتصف بالأداء ، أو أنها من باب التعجيل فيؤتى بها في غير وقتها المقرر لها بترخيص من الشارع كالقضاء ، غاية الأمر أن القضاء صلاة بعد الوقت ، والتقديم صلاة قبله ، نظير تقديم نافلتي الظهرين على الزوال يوم الجمعة ، فلا بد وأن يؤتى بها بنية التعجيل والتقديم دون الأداء.

أما الأمر الأول : فالروايات المزبورة وإن كان بعضها مطلقة ، ولكن صحيحتي الحلبي وابن أبي نجران مقيدتان بالخوف على سبيل القضية الشرطية التي مقتضى مفهومها نفي التشريع مع فقد الخوف ، فهما مع المطلقات متخالفان من حيث النفي والإثبات ولو بمعونة الدلالة الالتزامية المفهومية ، ومعه لم يكن بدّ من إعمال صناعة الإطلاق والتقييد ، فإنها وإن لم تكن جارية في باب المستحبات ، بل يحمل المقيد فيها على أفضل الأفراد ، إلا أن ذلك مختص بالمثبتين كالأمر بقراءة القرآن والأمر بقراءته متطهراً ، ولا يشمل المتخالفين كالمقام على ما هو محرّر في محله ، إذن فلا يسوغ التقديم إلا مع خوف الفوات أو صعوبة النهوض بعد الانتصاف لعلة أو برد ونحوهما.

وأما الأمر الثاني : فالسيد الماتن وإن ذكر أنه ينبغي نيّة التعجيل لا الأداء ، لكنه غير واضح ، فان ظاهر موثقة سماعة المتقدمة بل صريحها اتساع الوقت وأنه يبتدئ مما بعد العتمة إلى أن ينفجر الصبح. إذن فالأصح الإتيان بها بنية الأداء.

٢٧٨

ومنها : من يصلّي في الليالي القصار كالصيف.

وقد دلت على جواز التقديم حينئذ صحيحة ليث المرادي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار ، صلاة الليل في أول الليل ، فقال : نَعَم ، نِعم ما رأيت ، ونِعم ما صنعت يعني في السفر .. » إلخ (١).

وهي من حيث الدلالة واضحة كالسند ، لولا تذييلها بقوله : « يعني في السفر » فإنه بعد وضوح عدم كونه من كلام الامام عليه‌السلام نفسه وإلا لعبّر بقوله : أعني بدل « يعني » مردد بين أن يكون من كلام الراوي أعني المرادي فينقل لنا أن مراد الامام عليه‌السلام هو ذلك كما نقل بقية الرواية ، فيكون الحكم حينئذ مقيداً بالسفر لا محالة ، وبين أن يكون من كلام الصدوق نفسه ومن اجتهاده ورائه حيث قد جرت عادته على تفسير بعض ألفاظ الرواية أو التعليق عليها بمثابة يتخيل أنه جزء منها.

ولعلّ الأظهر هو الثاني ولا سيما بملاحظة ما يرتأيه من اختصاص الحكم بالمسافر فقيّد الرواية حسب اجتهاده واستفادته من الروايات الأُخر.

وعليه فالمتبع إطلاق الرواية ، ولا عبرة بتفسير الصدوق واجتهاده.

نعم ، مع التردد وعدم ترجيح أحد الاحتمالين فلا جرم تصبح الرواية مجملة ، لاحتفافها بما يصلح للقرينية فلا يمكن التمسك بها ، إلا أن هذا الإجمال خاص برواية الصدوق ولا يكاد يسري إلى رواية الشيخ الخالية عن هذا الذيل ، فلا مانع من الاستدلال بها.

وقد روى صاحب الوسائل هذه الرواية عنه بإسناده عن صفوان عن ابن مسكان عن ليث (٢) والمراد به هو صفوان بن يحيى الثقة ، فإنه الراوي عن ابن مسكان وطريق الشيخ إليه صحيح دون صفوان بن مهران الجمال ، بل الظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٤٩ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٥٣ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٦. التهذيب ٢ : ١٦٨ / ٦٦٨.

٢٧٩

صحة الرواية حتى لو أُريد به ذلك ، فإنه وإن وقع في طريق الشيخ إليه ابن ابي جيد ولم يوثق صريحاً في كتب الرجال ، إلا أنه موثوق لكونه من مشايخ النجاشي ، وقد وثق كل من روى عنه من مشايخه (١).

أضف إلى ذلك : أن الشيخ رواها بطريق آخر عن ابن مسكان من دون وساطة صفوان (٢) ، وقد أشار إليها في الوسائل في ذيل رواية الصدوق المتقدمة ، وطريقه إليه صحيح.

وما عن الأردبيلي من ضعفه في المشيخة وإن صح في الفهرست (٣) سهو من قلمه الشريف ، فان الشيخ أهمل طريقه إليه في المشيخة ولم يذكره أبداً ليعرف أنه صحيح أو ضعيف.

وكيف ما كان ، فالسند صحيح على كل تقدير ، كما أن الدلالة واضحة بعد الخلو عن ذاك الذيل الموجب لاحتمال الإجمال.

ثم إنه يظهر من صاحب الوسائل أن الصدوق نقل الرواية بكيفيتين : فتارة مع الذيل وهي التي عرفت ، وأُخرى بدونه حيث قال في ذيل الرواية السابقة للشيخ ما لفظه : ورواه الصدوق بإسناده عن عبد الله بن مسكان مثله (٤).

مع أن الصدوق لم ينقل هذه الرواية المطلقة ، وإنما رواها مرّة واحدة مشتملة على الذيل ومقيدة بالسفر حسبما عرفت.

وهل يتقيد الحكم في المقام أيضاً بخوف الفوات أو صعوبة القيام آخر الليل؟

مقتضى إطلاق النص هو العدم لعدم التقييد به ، إلا أنه لا يبعد الاختصاص نظراً إلى أنّ ذلك هو مقتضى مناسبة الحكم والموضوع حيث يفهم عرفاً أن الترخيص في التقديم إنما شرع من أجل قصر الليل المانع عن الانتباه غالباً‌

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ : ٥٠.

(٢) التهذيب ٢ : ١١٨ / ٤٤٦.

(٣) جامع الرواة ٢ : ٥٠٢. [ ولكن فيه أنّه مجهول أي مهمل ].

(٤) الوسائل ٤ : ٢٥٤ / أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٦.

٢٨٠