موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

حول تحققه بمجرد فعل النافلة وعدمه كما ستعرف ، إلا أنّ الأظهر أن الشهرة المدعاة مما لا أساس لها ، لضعف مستندها من الأخبار المستدل بها لذلك ، إما سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو ، وإليك عرض النصوص :

فمنها : ما رواه الشهيد في الذكرى عن كتاب عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في السفر يجمع بين المغرب والعشاء والظهر والعصر ، إنما يفعل ذلك إذا كان مستعجلاً ، قال : وقال عليه‌السلام وتفريقهما أفضل » (١).

وهي بقرينة ذكر الظهرين ظاهرة في استحباب التفرقة من حيث الاتصال الخارجي ، نظراً إلى سقوط النافلة في السفر ودخول وقت فضيلة العصر بمجرد الفراغ من الظهر ، فلا يحتمل أن يكون المراد مرجوحية الجمع من حيث الوقت ، وإن تطرق احتماله لولا هذه القرينة كما لا يخفى. إذن فالدلالة تامة.

لكن السند ضعيف ، لجهالة طريق الشهيد إلى كتاب ابن سنان. مضافاً إلى الاطمئنان بأن الكتاب المشتمل على تلك الرواية لا وجود له وإلا لنقلها عنه المتقدمون عليه كالكليني والشيخ والصدوق وغيرهم ، فكيف لم ينقلها عنه غير الشهيد (٢).

ومنها : موثقة زرارة قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصوم فلا أُقيل حتى تزول الشمس ، فاذا زالت الشمس صليت نوافلي ثم صليت الظهر ، ثم صليت نوافلي ثم صليت العصر ، ثم نمت وذلك قبل أن يصلي الناس ، فقال : يا زرارة إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت ولكني أكره لك أن تتخذه وقتاً دائماً » (٣).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٢٠ / أبواب المواقيت ب ٣١ ح ٧ ، الذكرى ٢ : ٣٣٤.

(٢) يمكن النقض بكتاب مسائل علي بن جعفر ، حيث ينقل عنها صاحب الوسائل والبحار عشرات الروايات ويعتمد عليها الأُستاذ ( طاب ثراه ) مع أنها غير موجودة في الكتب المعروفة.

(٣) الوسائل ٤ : ١٣٤ / أبواب المواقيت ب ٥ ح ١٠.

٢٢١

وهي من حيث السند خالية عن الخدش فان الكاهلي ممدوح ، وباعتبار وقوعه في أسناد كامل الزيارات موثوق ، كما أنها من حيث الدلالة ظاهرة ، بل لعلها أحسن رواية دلت على التفريق ، بل وعدم كفاية الفصل بالنافلة.

بيد أنها معارضة بنصوص معتبرة تضمنت نفي البأس عن الجمع وأنه لا تمنعك إلا سبحتك ، فاذا تنفّل للعصر كما هو مفروض الرواية لم تكن ثمة أيّ مرجوحية ، وقد تقدم (١) أن التحديد بالقدم أو القدمين أو الذراع والذراعين إنما هو لأجل النافلة ، ولولاها لكان الإتيان بصلاة العصر بعد الظهر مباشرة هو الأفضل كما في يوم الجمعة أو حال السفر ، وقد ورد أنّ وقت صلاة العصر يوم الجمعة هو وقت الظهر في سائر الأيام (٢).

هذا مع إمكان الخدش في دلالة الروايَة على استحباب الفصل أو كراهة الجمع ، لابتنائها على ورودها لبيان الحكم الشرعي الكلي وليس كذلك ، فان ظاهر قوله : « ولكن أكره لك ... » إلخ اختصاص الكراهة بشخص زرارة ، ولعله من أجل شدة اختصاصه بالإمام وكونه من أكابر أصحابه ، بل من خواصه وبطانته ، فإنه لو اتخذ ذلك وقتاً لنفسه المستلزم طبعاً لغيابه عن حضور جماعة القوم لعرفوا تخلفه عنهم وربما استتبع اللوم والعتاب ، بل وإساءة الأدب حتى إلى ساحة الإمام عليه‌السلام فرعاية للتقية نهاه عن الإدامة ، فلا تدل على الكراهة إلا على سبيل الدوام فضلاً عن الكراهة لجميع الأنام. والعمدة ما عرفت من المعارضة.

ومنها : رواية معاوية ( معبد ) بن ميسرة قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إذا زالت الشمس في طول النهار للرجل أن يصلي الظهر والعصر ، قال : نعم ، وما أُحب أن يفعل ذلك كل يوم » (٣).

__________________

(١) في ص ١٥٦.

(٢) الوسائل ٧ : ٣١٦ / أبواب صلاة الجمعة ب ٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ٤ : ١٢٨ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٥.

٢٢٢

وفيه : أنها ضعيفة السند ، إذ لا توثيق لأحمد بن أبي بشير ولا لمعاوية بن ميسرة ، وأما معبد بن ميسرة كما في بعض النسخ فهو مهمل.

على أنها قاصرة الدلالة ، لظهورها في الإتيان بالظهرين متعاقبين من دون تنفل بينهما ، ولا ريب أن المواظبة على ترك النافلة والالتزام به أمر مرجوح ، فلا تدل على استناد الكراهة إلى مجرد الجمع ولو من دون التزام به كما يدعيه القائل بها.

ومنها : رواية عبد الله بن سنان قال : « شهدت صلاة المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحين كان قريباً من الشفق نادوا وأقاموا الصلاة فصلوا المغرب ، ثم أمهلوا الناس حتى صلوا ركعتين ، ثم قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلوا العشاء ، ثم انصرف الناس إلى منازلهم ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك؟ فقال : نعم ، قد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عمل بهذا » (١).

دلت على مركوزية استبشاع الجمع في أذهان أصحاب الأئمة ومرجوحيته بحيث استغرب منه ابن سنان ، وربما احتمل عدم الجواز ومن ثم راجع الامام وسأله عما شاهده ، وقد أقره عليه‌السلام على هذا الارتكاز ولم يردعه عنه ، غايته أنه نبّه على جوازه وعدم حرمته ، فالجمع بين هذا التجويز وذاك الارتكاز ينتج الكراهة لا محالة.

وفيه : مضافاً إلى ضعف الرواية بسهل بن زياد ، أنها قاصرة الدلالة على ما هو محل البحث من مجرد الجمع والاتصال الخارجي ، إذ الظاهر أنّ منشأ الاستغراب إنما هو الجمع بحسب الوقت بتأخير المغرب وتقديم العشاء على ذهاب الشفق ، أعني الجمع بينهما في منتهى وقت فضيلة المغرب ، وهذا مما لا شبهة في مرجوحيته كما سبق ، وهو خارج عن محل الكلام.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢١٨ / أبواب المواقيت ب ٣١ ح ١.

٢٢٣

ومنها : رواية صفوان الجمال قال : « صلى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام الظهر والعصر عند ما زالت الشمس بأذان وإقامتين ، وقال : إني على حاجة فتنفلوا » (١).

دلت على مرجوحية الجمع في حال الاختيار ، وإنما فعله عليه‌السلام لحاجة دعته إليه.

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند بالوليد بن أبان وغيره ممن وقع فيه ، أنها أيضاً قاصرة الدلالة ، لجواز أن يكون الوجه في المرجوحية هو ترك التنفل الذي أمرهم به بعد الصلاتين لا مجرد الجمع والاتصال الخارجي.

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان في سفر أو عجّلت به حاجة يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء الآخرة ، قال : وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا بأس أن يعجّل العشاء الآخرة في السفر قبل أن يغيب الشفق » (٢).

دلت على اختصاص الجمع بصورة العجلة والحاجة فلا جمع في حال الاختيار.

وفيه : أنها ناظرة إلى الجمع بحسب الوقت بتأخير إحداهما وتقديم الأُخرى عن وقت الفضيلة كالاتيان بالعشاء قبل غيبوبة الشفق ، ولا شبهة في مرجوحيته في غير حال السفر والحاجة ، ولا نظر فيها إلى الجمع الاتصالي الذي هو محل الكلام.

ثم إنه ربما يستدل لهذا القول بجملة أُخرى من النصوص وفيها الصحاح وأكثرها حاكية عن فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه جمع بين الصلاتين من غير علة ولا سبب ، معللاً في بعضها بإرادة التوسعة على الأُمة ، أوردها في الوسائل في باب مستقل عنونه بباب جواز الجمع بين الصلاتين لغير عذر ، وهو‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٤ : ٢١٩ / أبواب المواقيت ب ٣١ ح ٢ ، ٣.

٢٢٤

وفي الاكتفاء به بمجرد فعل النافلة وجه إلا أنه لا يخلو عن إشكال (١).

______________________________________________________

الباب الثاني والثلاثين من أبواب المواقيت (١) فان التعليل بالتوسيع يدل على المرجوحية وأنه لولا هذه العلة لم يجمع فيكون التفريق طبعاً هو الأفضل.

ولكن الظاهر أنها بأجمعها ناظرة إلى الجمع بين الصلاتين بحسب الوقت بتقديم إحداهما وتأخير الأُخرى عن وقت الفضيلة كما تشهد به صريحاً موثقة زرارة الواردة في هذا الباب (٢) وأجنبية عن الجمع الاتصالي الذي هو محل الكلام فالاستدلال بها في غير محله.

والمتحصل من جميع ما ذكرناه لحدّ الآن : أنه لم ينهض لدينا أيّ دليل يمكن الركون إليه يدل على مرجوحية الجمع بين الصلاتين ، بمعنى مجرد الاتصال بينهما خارجاً ، وإن كان استحباب التفرقة هو المشهور بين الأصحاب ، فإنه مما لا أساس له ، وإنما الثابت كراهة الجمع بينهما في وقت الفضيلة للأُخرى كما مرّ وهو أمر آخر.

(١) لو بنينا على كراهة الجمع الاتصالي أو استحباب التفرقة كما عليه المشهور ، فهل ترتفع الكراهة وتحصل التفرقة بمجرد فعل النافلة والتطوع بين الصلاتين بركعتين مثلاً؟.

قد يقال بالكفاية ويستدل له بروايتين :

إحداهما : ما رواه محمد بن حكيم عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « سمعته يقول : إذا جمعت بين صلاتين فلا تطوع بينهما » (٣).

وثانيتهما : روايته الأُخرى قال : « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع ، فاذا كان بينهما تطوع فلا جمع » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٢٠ / أبواب المواقيت ب ٣٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٢٢ / أبواب المواقيت ب ٣٢ ح ٨.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٢٤ / أبواب المواقيت ب ٣٣ ح ٢ ، ٣.

(٤) الوسائل ٤ : ٢٢٤ / أبواب المواقيت ب ٣٣ ح ٢ ، ٣.

٢٢٥

ولا يبعد أنهما رواية واحدة وردت بطريقين ، لاتحاد الراوي ومن يروي عنه والمروي عنه والمضمون.

وكيف ما كان ، فهي ضعيفة السند ، فان محمد بن حكيم لا توثيق له ، أجل روى الكشي (١) انه كان جيّد المناظرة ومن أرباب علم الكلام ومن أصحاب الكاظم عليه‌السلام وقد أظهر الرضا عنه إلا أن ذلك لا يدل على التوثيق بوجه » (٢) كما هو ظاهر.

على أنّ في أحد السندين محمد بن موسى وهو ضعيف وعلي بن عيسى وهو مجهول. نعم في بعض النسخ محمد بن عيسى بدل علي بن عيسى وهو ابن عبيد الثقة.

كما أن في السند الآخر سلمة بن الخطاب وقد ضعفه النجاشي (٣) فلا ينفع وقوعه في أسناد الكامل ، وبالجملة فلا شك في ضعف السند.

مضافاً الى إمكان تطرق النقاش في الدلالة أيضاً ، نظراً إلى أنها ناظرة إلى مقام التشريع ، وأن المورد الذي يشرع فيه الجمع ولو استحباباً هو المورد الذي لم يشرع فيه النافلة كالمسافر وكالحاج ليلة المزدلفة ، إذ لو كانت مشروعة كما في غير السفر وغير المفيض من عرفة لما أمر بالجمع ، بل كان الأفضل الإتيان بكل صلاة في وقت فضيلتها نظير ما ورد من أنه « لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة » (٤) لا أنه لو تركت النافلة تحقق الجمع المرجوح ، ولو أتى بها ارتفعت المرجوحية وتحققت التفرقة ، فإن هذا أمر آخر لا تدل الرواية عليه ، وما ذكرناه إما هو الظاهر منها ، أو لا أقل من احتماله ، فتصبح مجملة وتسقط عن صلاحية الاستدلال بها.

__________________

(١) رجال الكشي : ٤٤٩ / ٨٤٤.

(٢) ولكنه ممدوح كما اعترف قدس‌سره به في المعجم ١٧ : ٣٦ / ١٠٦٤٧.

(٣) رجال النجاشي : ١٨٧ / ٤٩٨.

(٤) الوسائل ٤ : ٨٢ / أبواب أعداد الفرائض ب ٢١ ح ٤.

٢٢٦

[١١٨٧] مسألة ٨ : قد عرفت أن للعشاء وقت فضيلة وهو من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل ، ووقتا إجزاء من الطرفين (١) ، وذكروا أن العصر أيضاً كذلك ، فله وقت فضيلة وهو من المِثل إلى المِثلين ، ووقتا إجزاء من الطرفين (٢) ، لكن عرفت نفي البعد في كون ابتداء وقت فضيلته هو الزوال ، نعم الأحوط (*) في إدراك الفضيلة الصبر إلى المِثل (٣).

______________________________________________________

(١) أحدهما : قبل ذهاب الشفق ، والآخر : بعد ثلث الليل إلى نصفه.

(٢) أحدهما : قبل المثل والآخر : بعد المثلين إلى الغروب.

(٣) هذا في حيّز المنع ، بل مقتضى النصوص الآمرة بالتخفيف في النافلة والاستعجال في الإتيان بالفريضة وأنّ أول الوقت أفضل كما ستعرفها في المسألة الآتية ، هو المبادرة إلى صلاة العصر بعد الفراغ من صلاة الظهر ونافلتها وإن كان ذلك قبل بلوغ المثل ، فإنه من التعجيل في الخير والاستباق إلى المغفرة ، وقد تقدم (١) أن التحديد بالقدم أو القدمين أو الذراع أو المثل إنما هو لمراعاة النافلة ، ومن ثم ورد أنّ « وقت العصر يوم الجمعة هو وقت الظهر في سائر الأيام » (٢).

وبعد هذه الأخبار كيف يكون الاحتياط في درك الفضيلة الصبر إلى المثل ، بل في موثقة سليمان بن خالد : « العصر على ذراعين ، فمن تركها حتى تصير على ستة أقدام فذلك المضيّع » (٣) فإن الستة أقدام تقرب من المثل ، ومقتضى ما ذكره أن يكون الاحتياط في التضييع ، وهو كما ترى ، فالصحيح ما عرفت من أنّ الأفضل المبادرة إليها بعد النافلة من غير حالة منتظرة.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

(١) في ص ١٥٦.

(٢) الوسائل ٧ : ٣١٦ / أبواب صلاة الجمعة ب ٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ٤ : ١٥٢ / أبواب المواقيت ب ٩ ح ٢.

٢٢٧

[١١٨٨] مسألة ٩ : يستحب التعجيل في الصلاة في وقت الفضيلة وفي وقت الإجزاء (١) بل كلما هو أقرب إلى الأوّل يكون أفضل. إلا إذا كان هناك معارض كانتظار الجماعة أو نحوه (٢).

______________________________________________________

(١) للنصوص الآمرة بالتعجيل التي مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الوقتين ، فإنه من التعجيل والاستباق الممدوحين في الكتاب والسنة ، وقد عقد لذلك باباً في الوسائل أورد فيها جملة من الأخبار.

فمنها : صحيحة زرارة قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : اعلم أن أول الوقت أبداً أفضل فعجّل الخير ما استطعت ... » (١).

ومنها : صحيحته الأُخرى قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلحك الله وقت كل صلاة أول الوقت أفضل أو وسطه أو آخره؟ قال : أوّله ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ الله عز وجل يحبّ من الخير ما يعجّل » (٢).

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار أو ابن وهب قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام لكل صلاة وقتان ، وأوّل الوقت أفضلهما » (٣) ونحوها غيرها.

(٢) سيتعرض الماتن لهذا الاستثناء مرة أُخرى في المسألة الثالثة عشرة من الفصل الآتي المنعقدة لموارد الاستثناء من استحباب التعجيل ، ونذكر في المقام شطراً من الكلام ونحيل الباقي إلى ما سيأتي فنقول :

المستند في المسألة ما رواه الصدوق بإسناده عن جميل بن صالح « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام أيّهما أفضل يصلي الرجل لنفسه في أول الوقت أو يؤخّرها قليلاً ويصلّي بأهل مسجده إذا كان إمامهم؟ قال : يؤخّر ويصلي بأهل مسجده إذا كان الإمام » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢١ / أبواب المواقيت ب ٣ ح ١٠.

(٢) ، (٣) الوسائل ٤ : ١٢٢ / أبواب المواقيت ب ٣ ح ١٢ ، ١١.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٠٨ / أبواب صلاة الجماعة ب ٩ ح ١.

٢٢٨

ولكنها مخدوشة سنداً لجهالة طريق الصدوق إلى جميل المزبور (١) ، فإنه غير مذكور في المشيخة ، ودلالة لأنها أخص من المدعى لاختصاص موردها بالإمام ، بل مقتضى مفهوم القضية الشرطية المذكورة في كلام الامام عليه‌السلام نفي الاستحباب عن المأموم ، وبذلك يرتكب التقييد لو صح السند فيما لو دل دليل بإطلاقه على استحباب التأخير لانتظار الجماعة بالرغم من عدم جريان صناعة الإطلاق والتقييد في باب المستحبات كما لا يخفى.

فالأحرى الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة ، ومقتضاها التفصيل بين التأخير عن أول وقت الفضيلة ، وبين التأخير عن أصل وقتها بانتظار خروجه ودخول وقت الإجزاء.

ففي الصورة الأُولى : ينبغي الصبر والانتظار ، فان فيه جمعاً بين درك فضيلتي الوقت والجماعة ، بل قد جرت عليه السيرة القطعية المستمرة من زمن المعصومين عليهم‌السلام ، فإنها قائمة على التأخير شيئاً ما عن أول وقت الفضيلة لحضور الامام واجتماع المأمومين ، فإن طبيعة الحال تستوجب هذا المقدار من الانتظار رعاية لحال العموم.

ولا ينافيه الاهتمام البليغ والحث الأكيد الوارد في التعجيل والتسريع في إقامة الصلاة أول وقتها ، إذ ليس هو بأكثر مما ورد من الاهتمام بإقامة الجماعة ولا سيما مع التعبير في بعضها عن تاركها بالفاسق ، ولعل السيرة المزبورة خير شاهد على ترجيح الثاني لدى المزاحمة.

ومنه تعرف ترجيح الجماعة ولو استلزم نوعاً من التأخير على المبادرة إلى الفرادى أول وقت الإجزاء لاتحاد المناط.

وأما في الصورة الثانية : فالأمر بالعكس ، فترجح فضيلة الوقت على فضيلة الجماعة ، لما ورد من الاهتمام الكثير في رعايتها ، بل التعبير بالتضييع عن‌

__________________

(١) ولكن يمكن استكشافه باعتبار أن الشيخ روى كتابه بطريق صحيح وفي الطريق ابن الوليد. والصدوق يروي جميع مرويات ابن الوليد عنه كما يظهر من ترجمة ابن الوليد في الفهرست [ راجع معجم رجال الحديث ١٦ : ٢١٩ / ١٠٤٩٠ ].

٢٢٩

[١١٨٩] مسألة ١٠ : يستحب الغلس بصلاة الصبح أي الإتيان بها قبل الإسفار في حال الظلمة (١).

______________________________________________________

التأخير عن وقت الفضيلة في جملة من الأخبار ، حتى أنّ من أجلها ذهب جمع من أصحابنا الأبرار إلى عدم الجواز إلا للمضطر كما مرّ.

على أن السيرة القطعية قائمة على عدم الانتظار ، فإن المتشرعة لا يؤخرون الفريضة عن تمام وقت الفضيلة حتى لإدراك الجماعة ، بل لا يزالون يقيمونها أول هذا الوقت أو أثناءه إن جماعة أو فرادى ، عملاً بالنصوص الآمرة بالتعجيل وعدم التأخير.

وعلى الجملة : فالصورتان متعاكستان في الرجحان ، فان الاهتمام البليغ الوارد في لسان الأخبار على الإتيان بالفريضة في وقتها ينافي التأخير عن وقت الفضيلة بحيث لا يقاومها الحث والترغيب إلى صلاة الجماعة في صورة المزاحمة لما ذكر ، بخلاف التأخير عن أوله إلى وسطه أو آخره كما في الصورة الأُولى حسبما عرفت.

(١) ويستدل له مضافاً إلى المطلقات المتقدمة الناطقة بأنّ أوّل الوقت أفضل وأنه تعجيل إلى الخير ، بأخبار أكثرها ضعيفة ، مثل رواية يحيى بن أكثم القاضي « أنه سأل أبا الحسن الأول عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلوات النهار وإنما يجهر في صلاة الليل؟ فقال : لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يغلس بها فقرّبها من الليل » (١) لجهالة طريق الصدوق إلى يحيى كنفسه.

والعمدة في المقام : موثقة إسحاق بن عمار قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر ، قال : مع طلوع الفجر ، إنّ الله تعالى يقول ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) يعني صلاة الفجر تشهده‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٨٤ / أبواب القراءة ب ٢٥ ح ٣.

٢٣٠

ملائكة الليل وملائكة النهار ، فاذا صلى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أُثبتت له مرتين ، تثبته ملائكة الليل وملائكة النهار » (١).

وهي كما ترى صريحة الدلالة قوية السند ، إذ لا نقاش فيه عدا ما يتخيل من أن إسحاق بن عمار فطحي المذهب ، فبناءً على اعتبار عدالة الراوي كما يراه صاحب المدارك (٢) لا يمكن التعويل عليها ، ولكن المبنى غير تام ، ويكفي في الحجية مجرد وثاقة الراوي وإن لم يكن عدلاً إمامياً كما هو موضح في محله.

وربما يقال : إن الفطحي هو إسحاق بن عمار الساباطي دون الصيرفي فإنه من الثقات الأجلاء ولم يكن فطحياً.

ولكن الصحيح أنهما شخص واحد ينسب تارة إلى بلده وأُخرى إلى شغله ، كما يفصح عنه أن النجاشي (٣) تعرّض للصيرفي ووثقه ولم يتعرض للساباطي على العكس من الشيخ حيث إنه تعرض في فهرسته للساباطي وقال : له أصل يعتمد عليه وكان فطحياً (٤) ، ولم يتعرض للصيرفي ، وتعرض له في رجاله تارة في أصحاب الصادق مقيّداً بالصيرفي ، وأُخرى في أصحاب الكاظم وأطلق ولم يقيده بشي‌ء ، فقال : إسحاق بن عمار ثقة له كتاب (٥).

إذن فلو كانا شخصين لم يكن وجه لعدم تعرض النجاشي للساباطي مع أنه متأخر عن الشيخ في التأليف ، وهو ناظر إليه ، ولا لعدم تعرض الشيخ للصيرفي في فهرسته مع تصريحه في رجاله كما سمعت بأن له كتاباً وقد أعد فهرسته لذكر أرباب الكتب والمصنّفين ، فمن إهمال أحدهما لمن تعرّض له الآخر يستكشف طبعاً أنهما رجل واحد ينسب تارة إلى شغله فيعبّر عنه بالصيرفي ،

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢١٢ / أبواب المواقيت ب ٢٨ ح ١.

(٢) [ لم نعثر عليه ].

(٣) رجال النجاشي : ٧١ / ١٦٩.

(٤) الفهرست : ١٥ / ٥٢.

(٥) رجال الطوسي : ١٦٢ / ١٨٣١ ، ٣٣١ / ٤٩٢٤.

٢٣١

[١١٩٠] مسألة ١١ : كل صلاة أُدرك من وقتها في آخره مقدار ركعة فهو أداء ويجب الإتيان به ، فانّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت لكن لا يجوز التعمد في التأخير إلى ذلك (١).

______________________________________________________

وأُخرى إلى بلده فيوصف بالساباطي ، وقد عرفت أنه ثقة وإن كان فطحي المذهب. إذن فالرواية موثقة ، ولكن على طريق الصدوق في ثواب الأعمال (١) لا في العلل (٢) ، ولا على طريق الكليني والشيخ (٣) ، لضعف الجميع بعبد الرحمن ابن سالم ، مضافاً إلى سهل بن زياد في طريق الكليني.

(١) لا ريب في وجوب الإتيان بالصلاة في هذه الحالة وليس للمكلف تركها بتوهم أنها قضاء والقضاء موسع ، فإنهم وإن اختلفوا في أنها أداء أو قضاء أو ملفقة منهما ، إلا أنها حتى على القول بالقضاء يجب البدار إليها في خصوص المقام بلا كلام ، استناداً إلى ما اشتهر بينهم بقاعدة من أدرك.

ويستدل لها بروايات خمس كلها ضعيفة ما عدا رواية واحدة.

أولاها : مرسلة الذكرى قال : « روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة » (٤).

ثانيتها : مرسلته الأُخرى قال : « وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله من أدرك ركعة من العصر قبل أن يغرب الشمس فقد أدرك الشمس » (٥).

ثالثتها : رواية الأصبغ بن نباتة قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة » (٦).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٥٧.

(٢) علل الشرائع : ٣٣٦ / الباب ٣٤ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٢ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٧ / ١١٦.

(٤) ، (٥) الوسائل ٤ : ٢١٨ / أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ٤ ، ٥ ، لاحظ الذكرى ٢ : ٣٥٢.

(٦) الوسائل ٤ : ٢١٧ / أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ٢.

٢٣٢

وهي أيضاً ضعيفة بأبي جميلة المفضل بن صالح ، وقيل إن له رواية أُخرى في المقام ولا أساس له.

رابعتها : رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « قال : فان صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم الصلاة وقد جازت صلاته ، وإن طلعت الشمس قبل أن يصلي ركعة فليقطع الصلاة ولا يصلي حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها » (١).

وهي أيضاً ضعيفة السند بعلي بن خالد.

والعمدة هي الرواية الخامسة ، وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « قال : فان صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته » (٢).

وهي من حيث السند موثقة ومن ناحية الدلالة واضحة ، غير أنه نوقش في الاستدلال بها من وجهين.

أحدهما : أن موردها صلاة الغداة ، ولا دليل على التعدي إلى سائر الصلوات ، نعم ورد في العصر أيضاً ولكنه ضعيف السند كما تقدم.

وفيه : أن الدليل عليه إما هو عدم القول بالفصل والقطع بعدم الفرق ، إذ لا خصوصية لصلاة الغداة في هذا الحكم يقيناً.

أو أنه الأولوية العرفية ، نظراً إلى أنّ ما بعد طلوع الشمس من الأوقات التي يكره فيها الصلاة ، بل قد ورد فيه النهي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث المناهي (٣) وغيره ، فاذا ساغ الإتيان بجزء منها فيه وثبت الحكم في هذا الوقت وهو معرض للكراهة بل لتوهم الحرمة ، ففي غيره مما لا حزازة فيه أصلاً بطريق أولى كما لا يخفى. ولعل تخصيص صلاة الغداة بالذكر في الرواية‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢١٧ / أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ٤ : ٢١٧ / أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٨ / ١٢٠.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٣٦ / أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٦.

٢٣٣

للتنبيه على هذه النكتة ورفع ما يتوهم من الحزازة من دون خصوصية لها في الحكم المزبور بوجه.

ثانيهما : أن المذكور في كلمات الفقهاء هو عنوان من أدرك ركعة من الوقت ، وهو بإطلاقه يشمل ما لو علم منذ الشروع في الصلاة بعدم درك ما عدا الركعة ، وهكذا بقية الأخبار مما تضمن كلمة « أدرك » غير أنها ضعيفة السند ، وأما الموثقة فهي خالية عن هذه اللفظة ، وظاهرها الاختصاص بما إذا كان جاهلاً أو معتقداً لدرك التمام فاتفق عدم درك ما عدا الركعة ، ولا تشمل صورة العلم من الأول بعدم درك الأكثر فلا تنطبق الموثقة على مورد فتوى الأصحاب.

ويندفع : بأن ظاهر القضية الشرطية ضرب الحكم بنحو الكبرى الكلية والقضية الحقيقية الشاملة بإطلاقها لكلتا الصورتين ، إذ لم ترد لبيان قضية شخصية خارجية في واقعة خاصة كما لو كان ثمة من يصلي وقد طلعت الشمس في الأثناء وسئل عليه‌السلام عن حكمه ليتوهم فيه الاختصاص المزبور.

وبالجملة : لا فرق بين الموثقة وغيرها في أن مفادها بحسب النتيجة أنّ العبرة بدرك الركعة كيف ما اتفق ، وأن المدرك لها بمثابة المدرك لتمامها ، فكأنّ الصلاة وقعت بكاملها في الوقت.

ومنه تعرف أنها بتمامها أداء كما يفصح عنه التعبير بقوله « وقد جازت صلاته » لظهوره في أنّ تلك الصلاة الأدائية المأمور بها في ظرفها قد تحققت وجازت بما صنع وارتكب. إذن فالقول بأنها قضاء أو تلفيق عارٍ عن الدليل ولا سبيل للمصير إليه بوجه ، ولا ثمرة عملية لهذا البحث إلا على القول بلزوم قصد الأداء والقضاء في صحة العبادة ، ولا نقول به إلا فيما إذا توقف التمييز عليه كما تقدم في محله (١).

__________________

(١) العروة الوثقى ١ : ٤٤٩ / ١٤١٥.

٢٣٤

بقي شي‌ء : وهو أنه لا ريب في أن المكلف إذا كان متطهراً بالطهارة المائية ولم يبق من الوقت إلا مقدار ركعة صلى وأجزأه إدراكها حسبما عرفت.

كما لا ريب أيضاً في أن من كانت وظيفته التيمم لفقد الماء أو العجز عن استعماله فأخّر إلى أن بقي مقدار الركعة تيمم وصلى لإطلاق قوله عليه‌السلام « وقد جازت صلاته » في الموثقة ، وشموله للصلاة الواجبة بالطهارة المائية أو الترابية.

كما لا ريب أيضاً في أن الوظيفة هي التيمم فيما لو لم يبق من الوقت إلا مقدار أربع ركعات مع التيمم بحيث لو توضأ لم يدرك أكثر من الركعة ، ولا سبيل لإجراء القاعدة لعدم شمولها لموارد التعجيز الاختياري.

وإنما الكلام في من كانت وظيفته الطهارة المائية فأخّر حتى لم يبق من الوقت إلا مقدار ركعة مع التيمم بحيث لو توضأ لم يدرك حتى الركعة ، فهل يشرع له التيمم وقتئذ أو أنّ عليه القضاء نظراً إلى أنّ المتيقّن مما دل على مشروعية التيمم لضيق الوقت صورة التمكن من الإتيان بتمام الصلاة فيه ، أما الركعة منها فلا دليل على مشروعيته لها ، والموثقة لا تفي بالمشروعية ، إذ هي لا تدل على أكثر من أنّ من صلّى حسب وظيفته الفعلية وأدرك منها ركعة فقد جازت صلاته ، وأما أنّ الوظيفة أيّ شي‌ءٍ فلا نظر فيها إليه بوجه.

وربما يدعى ابتناء المسألة على أنّ التنزيل المستفاد من الموثقة هل هو بلحاظ الوقت أو أنّه بلحاظ الركعة؟

فعلى الأول ، تجب الصلاة مع التيمم ، لأنّ وقت الركعة الواحدة لمّا نزّل منزلة وقت الأربع ، فهو طبعاً يسع للصلاة مع الطهارة الترابية ببركة هذا التنزيل ، فلا جرم يكون التيمم مشروعاً.

وأما على الثاني ، فيشكل مشروعيته ، نظراً إلى أنّ تنزيل الركعة منزلة الأربع موقوف على مشروعية التيمم لها ، إذ الركعة الفاقدة للطهارة غير‌

٢٣٥

صالحة للتنزيل ولا تكاد تقوم مقام الأربع ، أعني الصلاة التامة بوجه ، والمفروض أنّ مشروعية التيمم موقوفة على هذا التنزيل ، بداهة أنّ الركعة المجردة لا يسوغ التيمم لها لوحدها ، لعدم الأمر بها ما لم تكن نازلة منزلة الأربع فيدور.

وإن شئت قلت : إن مشروعية التيمم موقوفة على الأمر بالصلاة ، وهو موقوف على تمامية التنزيل ، إذ لا أمر بالركعة الواحدة ، وتماميته موقوفة على مشروعية التيمم. وهذا كما ترى دور صريح.

ويندفع : بأن التنزيل المزبور وإن كان موقوفاً على مشروعية التيمم كما أُفيد ، لكن مشروعيته لا تتوقف عليه ولا تكون منوطة به ، وإنما استفيدت من آية التيمم حيث دلت على أن من لم يتمكن من الصلاة مع الطهارة المائية إلى أن ضاق الوقت ولم يبق منه إلا مقدار أربع ركعات ، فإن الوظيفة حينئذ تنقلب من الطهارة المائية إلى الترابية على ما عرفت فيما سبق من دلالتها على أنّ ضيق الوقت من مسوّغات التيمم ، فقد كان مأموراً بالتيمم منذ هذا الحين ، وهذه الوظيفة باقية إلى أوان بقاء مقدار الركعة ، إذ لم يطرأ ما يوجب ارتفاعها ، أو انقلابها إلى وظيفة أُخرى ، فلو لم يبق من الوقت إلا مقدار خمس دقائق ، دقيقة للتيمم وأربع دقائق للصلاة ، فهو حالئذ فاقد يشرع في حقه التيمم ، ويبقى هذا العنوان إلى ما لو أخّر وبقي مقدار دقيقتين ، دقيقة للتيمم واخرى للركعة الواحدة ، فإنّ مشروعية التيمم باقية لبقاء العلة وانطباق العنوان من دون توقف على التنزيل المزبور ليدور.

وبالجملة : دعوى أنّ الموثقة غير شاملة لتوقفها على المشروعية ، مدفوعة بأنها قد ثبتت قبل هذا الحين ومنذ تضيق الوقت ، وهو حال تبدل الوظيفة إلى الطهارة الترابية حسبما سمعت ، كما أنها باقية إلى الآن لعدم الموجب لارتفاعها. إذن فلا مانع من شمول الموثقة للمقام حتى بناءً على أنّ التنزيل بلحاظ نفس‌

٢٣٦

الركعة دون الوقت كما لعله الأظهر فإذا كانت المشروعية ثابتة فبدليل التنزيل يتسع الوقت وتصح الصلاة.

هذا مضافاً إلى إمكان الاستدلال بما دل على عدم سقوط الصلاة بحال ، فان هذا حال من الأحوال ، وبما أنها متقوّمة بالطهور بمقتضى حديث التثليث ولا طهور في هذه الحالة غير الترابية ، فلا جرم يستكشف مشروعيتها خروجاً عن عهدة الامتثال. وبذلك يصدق أنه صلى ركعة في الوقت ثم طلعت الشمس ، فتشمله الموثقة ويحكم بالصحة ، وإن كان الأحوط ضمّ القضاء مع الطهارة المائية خارج الوقت.

٢٣٧

فصل

في أوقات الرواتب‌

[١١٩١] مسألة ١ : وقت نافلة الظهر من الزوال إلى الذراع ، والعصر إلى الذراعين (١) أي سُبعي الشاخص وأربعة أسباعه ، بل إلى آخر وقت إجزاء الفريضتين على الأقوى ، وإن كان الأولى بعد الذراع تقديم الظهر ، وبعد الذراعين تقديم العصر والإتيان بالنافلتين بعد الفريضتين ، فالحدّان الأوّلان للأفضلية ، ومع ذلك الأحوط بعد الذراع والذراعين عدم التعرض لنيّة الأداء والقضاء في النافلتين (١).

______________________________________________________

(١) الأقوال في المسألة ثلاثة :

أحدها : ما نسب إلى المشهور تارة وإلى الأشهر أُخرى من أن وقت نافلة الظهر من الزوال إلى الذراع ، ونافلة العصر إلى الذراعين ، فبعدهما يترك النافلة ويبدأ بالفريضة.

ثانيها : امتداد الوقتين إلى المثل والمثلين ، ذهب إليه الشيخ في الخلاف (١) ، والمحقق في المعتبر (٢) ، والعلامة في بعض كتبه (٣) ، والشهيد (٤) وغيرهم.

ثالثها : امتداد وقت النافلتين بامتداد وقت الإجزاء للفريضتين ، أعني إلى‌

__________________

(١) حكاه عنه في المدارك ٣ : ٦٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٨.

(٣) التذكرة ٢ : ٣١٦ مسألة ٣٧.

(٤) البيان : ١٠٩ ، الدروس ١ : ١٤٠.

٢٣٨

الغروب مع مراعاة الترتيب ، ذهب إليه صاحب المستند بعد نسبته إلى جماعة واستظهاره من آخرين (١) ، واختاره السيد في المتن.

والأقوى ما عليه المشهور ، وتدل عليه جملة من الروايات المعتبرة ، بل البالغة حدّ الاستفاضة.

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن وقت الظهر إلى أن قال ثم قال : أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لِمَ جعل ذلك؟ فقال : لمكان النافلة ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع ، فاذا بلغ فيؤك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة » (٢).

ومنها : موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « ... فان مضى قدمان قبل أن يصلي ركعة بدأ بالأُولى ولم يصل الزوال إلا بعد ذلك ، وللرجل أن يصلي من نوافل الاولى ( العصر ) ما بين الاولى إلى أن تمضي أربعة أقدام ، فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصل من النوافل شيئاً فلا يصلي النوافل » (٣).

ومنها : موثقة زرارة بالحسن بن محمد بن سماعة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لِمَ؟ قال : لمكان الفريضة ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن تبلغ ذراعاً ، فاذا بلغت ذراعاً بدأت بالفريضة وتركت النافلة » (٤) ونحوها غيرها ممن وقع الرجل في سندها وغير ذلك ممّا هو صريح في هذا القول.

ويستدل للقول الثاني بأُمور :

أحدها : أن المراد بالذراع والذراعين في النصوص المتقدمة هو المثل‌

__________________

(١) مستند الشيعة ٤ : ٥٥.

(٢) الوسائل ٤ : ١٤١ / أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٤٥ / أبواب المواقيت ب ٤٠ ح ١.

(٤) الوسائل ٤ : ١٤٦ / أبواب المواقيت ب ٨ ح ٢٠.

٢٣٩

والمثلان ، لما ورد في صدر صحيحة زرارة المتقدمة من أن حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قامة ، وكان إذا مضى منه ذراع صلى الظهر ، وإذا مضى منه ذراعان صلى العصر ... إلخ فإن المراد من القامة هو الذراع كما فسرت به في جملة من الروايات ذكرها صاحب الوسائل في الباب الثامن من أبواب المواقيت.

وقد تضمنت الصحيحة أنه عليه‌السلام كان يصلي الظهر بعد مضي الذراع ، وهو كما ترى مساوق لمعنى المثل ، ضرورة أنّ الحائط إذا كان ارتفاعه ذراعاً فعند بلوغ الفي‌ء ذراعاً يبلغ حينئذ في‌ء كل شي‌ء مثله ، فلا جرم كانت العبرة في وقت النافلة بالمثل والمثلين ، هكذا ذكره المحقق في المعتبر (١).

وفيه أولاً : أن حمل الذراع على المثل كحمل القامة على الذراع كل ذلك خلاف الظاهر جدّاً لا يصار إليه ما لم يقم شاهد عليه ، وقد تقدم سابقاً أن النصوص المفسرة للقامة بالذراع ضعيفة السند (٢) وما تم سنده قاصرة الدلالة فلا تصلح للاستشهاد.

وثانياً : أن حمل القامة في الصحيحة على الذراع لعله مقطوع العدم ، وذلك لأجل كلمة من التبعيضية في قوله : « وكان إذا مضى منه ذراع .. » إلخ فإنه كالصريح في أنّ الذراع بعض الحائط لا نفسه ، وأنه مقابل له وجزء من القامة لا جميعه ، وهذا واضح.

وثالثاً : أن المذكور في ذيل الصحيحة هكذا : « فاذا بلغ فيؤك ذراعاً ... » إلخ وهو كما ترى صريح في أن المراد من القامة هو قامة الإنسان ، وقد لوحظ الذراع بالنسبة الى هذا المقدار وقوبل به ، ومعه كيف يمكن حمله على المثل.

ثانيها : ما عن الشهيد الثاني في روض الجنان (٣) من أن المحكي عن فعل‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٨.

(٢) تقدم [ في ص ١٥٢ ] أن فيها ما هو تام السند والدلالة.

(٣) [ لم نعثر عليه والظاهر أنه خطأ ، والصحيح الروضة كما في الجواهر في بحث نافلة الظهرين ، راجع الروضة البهية ١ : ١٨١ ].

٢٤٠