موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

الأُفق ولم يتميز عن الخيط الأسود ولم يتبين النور المنبسط في ناحية المشرق لم يحكم بوجوب الإمساك ولا بجواز الصلاة ، فتحقق البياض في نفسه لا أثر له ، وإنما الموضوع للأثر هو المتبين منه.

نعم ، لا شبهة في أن عدم التبين إذا كان مستنداً إلى مانع خارجي من وجود غيم أو ضباب أو عجاج أو عمى ونحو ذلك من موانع الرؤية لم يقدح ، إذ القصور حينئذ إنما هو في الرائي لا المرئي ، فان الفجر متبيّن في نفسه ومتحقق من غير قصور فيه ، وهذا واضح لا غبار عليه.

وإنما الكلام فيما إذا استند عدم استبانة البياض إلى ضياء القمر القاهر على ضوء الفجر والمانع عن رؤيته وتبينه ، فقد يقال بعدم تحقق الطلوع حينئذ ، لعدم تبين البياض وإن اقتضته الموازين العلمية كالساعة الدقيقة ، وقد عرفت أن للتبين موضوعية في تحقق الطلوع وما هو الموضوع للأثر ، فالعبرة بالتبين الحسي ولا يكفي التقديري.

اختار ذلك المحقق الهمداني في مصباح الفقيه وقال ما لفظه : مقتضى ظاهر الكتاب والسنة وكذا فتاوى الأصحاب اعتبار اعتراض الفجر وتبينه في الأُفق بالفعل ، فلا يكفي التقدير مع القمر لو أثر في تأخر تبين البياض المعترض في الأُفق ، ولا يقاس ذلك بالغيم ونحوه ، فانّ ضوء القمر مانع عن تحقق البياض ما لم يقهره ضوء الفجر ، والغيم مانع عن الرؤية لا عن التحقق. وقد تقدم في مسألة التغير التقديري في مبحث المياه من كتاب الطهارة ما له نفع للمقام فراجع (١).

ولكن الظاهر عدم الفرق بين ضوء القمر وبين غيره من موانع الرؤية فإنه أيضاً مانع عن التبين الذي أُخذ في الموضوع طريقاً لاستعلام الفجر وكاشفاً عن تحققه ، ضرورة عدم الفرق في أصل تكوين البياض بين الليالي المقمرة وبين‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٥ ، السطر ١٨.

٢٠١

[١١٨١] مسألة ٢ : المراد باختصاص أوّل الوقت بالظهر وآخره بالعصر وهكذا في المغرب والعشاء عدم صحة الشريكة في ذلك الوقت مع عدم أداء صاحبته (١) فلا مانع من إتيان غير الشريكة فيه ،

______________________________________________________

غيرها ، والقاهرية المدعاة إنما تمنع عن فعلية الرؤية لا عن تحقق المرئي ، كما يرشدك إليه بوضوح فرض الانخساف في هذه الحالة ، فإن البياض الموجود يستبين وقتئذ بنفسه لا محالة ، فإذا علم به من أيّ سبيل كان ولو من غير طريق الرؤية ترتب عليه الحكم بطبيعة الحال.

وبالجملة : حال ضياء القمر حال الأنوار الكهربائية في الأعصار المتأخرة ولا سيما ذوات الأشعة القوية ، لاشتراك الكل في القاهرية ، غاية الأمر أنّ منطقة الأول أوسع ودائرته أشمل من غير أن يستوجب ذلك فرقاً في مناط القهر كما هو واضح ، فالقصور في جميع هذه الفروض إنما هو في ناحية الرائي دون المرئي.

وأما قياس المقام بالتغيّر التقديري فهو مع الفارق الظاهر ، إذ المستفاد من الأدلة أن الموضوع للنجاسة هو التغير الفعلي الحسي ، فله موضوعية في تعلق الحكم ولا يكاد يترتب ما لم يتحقق التغير ولم يكن فعلياً في الخارج ، ولا يكفي الفرض والتقدير.

وأما في المقام فالأثر مترتب على نفس البياض ، والتبين طريق إلى إحرازه وسبيل إلى عرفانه ، والمفروض تحققه في نفسه ، غير أنّ ضوء القمر مانع عن رؤيته ، فالتقدير في الرؤية لا في المرئي ، فإنه فعلي بشهادة ما عرفت من افتراض الانخساف ، فاذا علم المكلف بتحققه حسب الموازين العلمية المساوق للعلم بطلوع الفجر كيف يسوغ له الأكل في شهر رمضان أو يمنع من الدخول في الصلاة بزعم عدم تحقق الرؤية ، فإن هذه الدعوى غير قابلة للإصغاء كما لا يخفى.

(١) قد تقدّم هذا التفسير في مطاوي المباحث السابقة ، وعرفت أنه ليس‌

٢٠٢

كما إذا أتى بقضاء الصبح أو غيره من الفوائت في أول الزوال أو في آخر الوقت ، وكذا لا مانع من إتيان الشريكة إذا أدّى صاحبة الوقت ، فلو صلى الظهر قبل الزوال بظن دخول الوقت فدخل الوقت في أثنائها ولو قبل السلام حيث إن صلاته صحيحة (*) لا مانع من إتيان العصر أوّل الزوال ، وكذا إذا قدّم العصر على الظهر سهواً أو بقي من الوقت مقدار أربع ركعات ، لا مانع من إتيان الظهر في ذلك الوقت ولا تكون قضاءً ، وإن كان الأحوط عدم التعرض للأداء والقضاء ، بل عدم التعرض لكون ما يأتي به ظهراً أو عصراً ، لاحتمال احتساب العصر المقدّم ظهراً وكون هذه الصلاة عصراً.

______________________________________________________

معنى الاختصاص عدم صلاحية الوقت في حدّ ذاته للشريكة أو لصلاة أُخرى ، بل المراد أن ذات الوقت لا تزاحمها صلاة أُخرى لدى الدوران ، فاذا لم تكن ثمة مزاحمة كما لو صلى العصر قبل الظهر سهواً أو باعتقاد الإتيان وتذكر في وقت الاختصاص بالعصر ، أو صلى الظهر قبل الوقت معتقداً دخوله ودخل الوقت في الأثناء ولو قبل التسليم وقلنا بصحة الصلاة حينئذ ، على كلام فيه سيوافيك في محله إن شاء الله تعالى ساغ الإتيان بالظهر في الأول وبالعصر في الثاني فتصح الشريكة وكذا غيرها ، كقضاء الفوائت في ذينك الوقتين ، وإن كانا اختصاصيين ، لفرض سلامة صاحبة الوقت عن المزاحم ، وإنما لا تصح في صورة التزاحم لا غير حسبما عرفت.

__________________

(*) في الصحة إشكال كما يأتي.

٢٠٣

[١١٨٢] مسألة ٣ : يجب تأخير العصر عن الظهر والعشاء عن المغرب ، فلو قدّم إحداهما على سابقتها عمداً بطلت (١) سواء كان في الوقت المختص أو المشترك ، ولو قدّم سهوا فالمشهور على أنه إن كان في الوقت المختص بطلت ، وإن كان في الوقت المشترك ، فان كان التذكر بعد الفراغ صحّت ، وإن كان في الأثناء عدل بنيته إلى السابقة إذا بقي محل العدول ، وإلا كما إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة من العشاء بطلت ، وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة بعد الإتيان بالمغرب ، وعندي فيما ذكروه إشكال ، بل الأظهر في العصر المقدّم على الظهر سهواً صحتها واحتسابها ظهراً إن كان التذكر بعد الفراغ ، لقوله (ع) : « إنما هي أربع مكان أربع » في النص الصحيح ، لكن الأحوط الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمة من دون تعيين أنها ظهر أو عصر ، وإن كان في الأثناء عدل ، من غير فرق في الصورتين بين كونه في الوقت المشترك أو المختص ، وكذا في العشاء إن كان بعد الفراغ صحّت ، وإن كان في الأثناء عدل مع بقاء محل العدول على ما ذكروه لكن من غير فرق بين الوقت المختص والمشترك أيضاً (٢).

______________________________________________________

(١) لأنّ ذلك هو مقتضى الترتيب المعتبر بينهما المستفاد من قوله : « إلا أنّ هذه قبل هذه » (١) كما تقدم البحث عنه مستوفى (٢).

(٢) تفصيل الكلام في المقام أنّ تقديم اللاحقة سهواً قد يكون في الوقت المشترك ، وأُخرى في الوقت المختص ، وعلى التقديرين فقد يكون التذكر بعد الفراغ من الصلاة ، وقد يكون في الأثناء ، وعلى الثاني فقد يكون محل التدارك باقياً ، وقد لا يكون ، فصور المسألة ستة :

الأُولى : ما إذا كان في الوقت المشترك وكان التذكر بعد الفراغ ، ولا إشكال‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ ، ٢٠ ، ٢١.

(٢) في ص ١٠٤ ١١٠.

٢٠٤

حينئذ في صحة اللاحقة ، فيأتي بعدها بالسابقة ، إذ لا خلل حينئذ إلا من ناحية الترتيب الذي هو شرط ذكرى بمقتضى الأخبار الخاصة. مضافاً إلى حديث لا تعاد ، فلو تذكر بعد العشاء عدم الإتيان بصلاة المغرب أتى بها ولا شي‌ء عليه ، وكذا لو تذكر بعد العصر عدم الإتيان بالظهر فانّ ما أتى به يحسب عصراً كما نوى ويأتي بالظهر بعد ذلك على المشهور.

نعم ، هناك قول آخر اختاره في المتن ، وهو أن يعدل بنيته إلى السابقة فيجعلها ظهراً ويأتي بالعصر بعد ذلك. وهذا القول وإن كان شاذاً إلا أنه تدل عليه صحيحتان :

إحداهما : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « ... وقال : إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ، ثم صل العصر ، فإنما هي أربع مكان أربع » (١).

ثانيتهما : صحيحة الحلبي قال : « سألته عن رجل نسي أن يصلي الاولى حتى صلى العصر ، قال : فليجعل صلاته التي صلى الاولى ثم ليستأنف العصر » (٢).

فإنهما كما ترى صريحتان في هذا القول ، بيد أنّ المشهور أعرضوا عنهما حيث لم يعملوا بهما ، وهما بمرأى منهم ومسمع ، فان بنينا على سقوط الصحيح بالاعراض عن درجة الاعتبار فالمتجه حينئذ هو القول المشهور ، وإن أنكرنا ذلك كما هو الأصح ، لعدم كون الاعراض موهناً ولا العمل جابراً على ما حققناه في الأصول (٣) لم يكن بُدّ من العمل بهما. ومنه تعرف أنّ ما اختاره في المتن هو الصحيح ، غير أنّ سبيل الاحتياط الذي هو طريق النجاة يقتضي الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمة من دون تعيين أنها ظهر أو عصر.

الصورة الثانية : أن يكون ذلك في الوقت المشترك أيضاً ويكون التذكر في‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٩٢ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٤. [ لكنه ناقش في السند في ص ١١١ ].

(٣) مصباح الأصول ٢ : ٢٠١ ، ٢٠٣.

٢٠٥

الأثناء مع بقاء محل العدول ، كما لو تذكر قبل التسليم من صلاة العصر عدم الإتيان بالظهر ، أو قبل الدخول في ركوع الركعة الرابعة من صلاة العشاء عدم الإتيان بالمغرب ، وحكمه لزوم العدول إلى السابقة فيتم ما بيده ظهراً أو مغرباً ثم يأتي باللاحقة من عصر أو عشاء.

وتشهد له صحيحة زرارة المتقدمة حيث جاء فيها : « ... وقال : إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثم صل العصر ... إلى أن قال ـ : وإن ذكرت أنك لم تصل الاولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فانوها الاولى ثم صل الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر إلى أن قال ـ : وإن كنت ذكرتها أي المغرب وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين ، أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم سلّم ثم قم فصلّ العشاء الآخرة ... » إلخ (١) وهي كما ترى صريحة في عدم الفرق في ذلك بين الظهرين والعشاءين.

ولكنه يظهر من رواية الصيقل التفصيل بينهما قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي الأُولى حتى صلى ركعتين من العصر ، قال : فليجعلها الاولى وليستأنف العصر ، قلت : فإنه نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء ثم ذكر ، قال : فليتم صلاته ، ثم ليقض بعد المغرب ، قال : قلت له جعلت فداك قلتَ حين نسي الظهر ثم ذكر وهو في العصر يجعلها الاولى ثم يستأنف ، وقلتَ لهذا يتمّ صلاته بعد المغرب فقال : ليس هذا مثل هذا ، إن العصر ليس بعدها صلاة والعشاء بعدها صلاة » (٢).

حيث دلت على اختصاص العدول بالظهرين ، نظراً إلى أنه لو لم يعدل لزمه الإتيان بالظهر بعد العصر ، والمفروض أنه لا صلاة بعدها ، بخلاف العشاء فان‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٩٣ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٥.

٢٠٦

بعدها صلاة وهي الوتيرة وصلاة الليل ، فلا مانع من أن لا يعدل ويأتي بالمغرب بعدها ، هذا.

ولكن الرواية لأجل ضعف سندها بالصيقل غير ناهضة للمقاومة مع صحيحة زرارة وغيرها مما دل على لزوم العدول إلى السابقة مطلقاً.

وأما ما صنعه في الوسائل من الحمل على وقت الاختصاص للعشاء دون العصر فهو وإن أمكن الاستشهاد له بالتعبير بالقضاء في قوله : « ثم ليقض بعد المغرب » بناءً على إرادة المعنى الاصطلاحي من خروج وقت المغرب وصيرورته قضاءً ، الملازم لكون العشاء مأتياً بها في وقتها الاختصاصي ، إلا أنه مع ذلك بعيد جدّاً ، إذ لو أُريد ذلك لكان الأحرى تعليل التفكيك بافتراض الضيق في إحداهما دون الأُخرى ، وأن العصر أيضاً لو كانت مضيقة لكانت كذلك ، لا بما ذكره من التعليل الذي فيه ما فيه. والعمدة ما عرفت من ضعف السند.

الصورة الثالثة : عين السابقة مع التجاوز عن محل العدول ، كما لو كان التذكر بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة من صلاة العشاء فهل يتمها عشاءً ثم يأتي بالمغرب ، أو أنها محكومة بالفساد ولا بد من إعادتها بعد الإتيان بصلاة المغرب؟.

المشهور هو الثاني ، ونسب الأول إلى كاشف اللثام (١) واختاره شيخنا الأُستاذ وتبعه بعض من تأخر عنه استناداً إلى حديث لا تعاد ، بدعوى أنه كما يجري بعد العمل يجري أثناءه أيضاً ، وحيث لا خلل في المقام إلا من ناحية الترتيب الذي هو من غير الخمسة المستثناة فهو مشمول للحديث.

ولكن الصحيح ما عليه المشهور ، فان الحديث وإن لم يكن قاصر الشمول للأثناء ، ومن ثم لو تذكّر فقد ما يعتبر فيما تقدم من الأجزاء كستر العورة مع كونه متستراً حال الذكر شمله الحديث ، لوضوح صدق الإعادة مع رفع اليد عن‌

__________________

(١) كشف اللثام ٣ : ٨٦.

٢٠٧

العمل واستئنافه ، ولا يختص ذلك بما بعد الفراغ منه ، وقد ورد في الأخبار أن من تكلم في صلاته متعمداً فعليه الإعادة (١) ، فالحديث متكفل لتصحيح كل نقص في العمل المتقدم مما عدا الخمس سواء أكان في تمام العمل أم في بعضه ، إلا أن في المقام خصوصية من أجلها يمنع من الجريان ، وهي أن المستفاد من أدلة الترتيب لزوم رعايته في تمام أجزاء اللاحقة ، فالعشاء بتمام أجزائها مترتبة على المغرب ، وكذلك العصر على الظهر ، كما هو ظاهر قوله عليه‌السلام : « إلا أن هذه قبل هذه » (٢) لا أنه مقصور على الشروع وملحوظ في المجموع (٣) فحسب.

وعليه ، فكما أن الأجزاء الصادرة قبل التذكر يعتبر فيها الترتيب فكذلك الأجزاء اللاحقة ، ومن البيّن أن الحديث إنما يتكفل لتصحيح الأجزاء السابقة فإنها التي خلت عن الترتيب سهواً دون اللاحقة للإخلال به فيها عامداً فكيف يشملها الحديث ، فإن شأنه تصحيح ما أتى به من العمل الناقص لا تجويز الإتيان بالعمل الناقص وكم بينهما من فرق.

ونظير المقام : ما لو التفت في الأثناء إلى عدم كونه متستراً للعورة في الأجزاء السابقة مع عدم كونه متستراً لها بالفعل أيضاً ، فإن الأجزاء المتقدمة هب إنا صححناها بالحديث ، أما اللاحقة التي يخل به فيها عامداً فلا مبرر لها ، إذن فلا مناص من رفع اليد واستئناف الصلاة.

الصورة الرابعة : ما إذا كان في الوقت المختص وكان التذكر بعد الفراغ ، كما لو صلى العصر في الآن الأول من الزوال غافلاً عن الظهر أو معتقداً أنه أتى بها أو شرع في العشاء قبل دخول وقت المغرب وبعد الإتيان بركعة منها دخل الوقت بحيث وقع ثلاث ركعات منها في الوقت المختص بالمغرب ، فعلى المسلك المشهور في تفسير وقت الاختصاص من عدم صلاحيته لغير صاحبة الوقت ،

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٨١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥.

(٢) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ ، ٢٠ ، ٢١.

(٣) [ هذا عطف تفسيري لا يخلو عن مسامحة ، والصحيح هو التعبير الأوّل ، راجع تعليقنا في الصفحة ٤٠٠ ].

٢٠٨

لا مناص من الحكم بالبطلان ، لا لأجل الإخلال بالترتيب فإنه كما عرفت شرط ذُكري ، بل للإخلال بالوقت الذي هو من الخمسة المستثناة في حديث لا تعاد.

وأما على المختار من تفسيره بعدم مزاحمة الشريكة لصاحبة الوقت رعاية للترتيب المختص طبعاً بحال العمد والالتفات مع صلاحية كل جزء مما بين الحدين لكل واحدة من الصلاتين فلا مقتضي للبطلان ، بل حال الوقت المختص حينئذ حال الوقت المشترك في الحكم بالصحة ، إذ لا خلل إلا من ناحية الترتيب المنفي بحديث لا تعاد كما سبق.

الصورة الخامسة : ما إذا كان في الوقت المختص أيضاً وكان التذكر في الأثناء مع بقاء محل العدول ، كما لو كان في العصر مطلقاً أو في العشاء ولم يركع الرابعة ، والمشهور هو البطلان أيضاً ، إذ بعد تفسيرهم لوقت الاختصاص بما عرفت فهذه الصلاة لكونها فاقدة للوقت فاسدة في نفسها ولا عدول إلا في الصلاة الصحيحة من غير ناحية الترتيب ، ومنه تعرف أنه على المختار في تفسيره لا مانع من التصحيح بالعدول.

غير أن المحقق في الشرائع (١) مع موافقته مع المشهور في التفسير المزبور التزم بالصحة في محل الكلام ، حيث إنه خصّ التفصيل بين الوقت المختص والوقت المشترك بالبطلان في الأول دون الثاني بما إذا كان التذكر بعد الفراغ ، وأما لو كان في الأثناء فقد حكم بالصحة وأطلق ، الظاهر في عدم الفرق.

وهذا هو الصحيح ، لأن ما دل على العدول غير قاصر الشمول للمقام ، إذ هو مطلق يعم ما إذا كان التذكر أثناء الصلاة الواقعة في الوقت المشترك أو المختص.

ودعوى عدم صحة العدول إلا في الصلاة الصحيحة في نفسها ، مدفوعة باختصاص هذه الدعوى بالصلاة الفاسدة من غير ناحية الوقت ، كما لو كانت‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٧٦.

٢٠٩

وعلى ما ذكرنا يظهر فائدة الاختصاص فيما إذا مضى من أوّل الوقت مقدار أربع ركعات فحاضت المرأة ، فإن اللازم حينئذ قضاء خصوص الظهر (١).

______________________________________________________

فاقدة لجزء أو شرط من طهور أو ركوع ونحوهما ، فإنها التي لا تقبل للتصحيح عدل أم لم يعدل.

أما المستند فسادها إلى الوقت فحسب كما في المقام فيمكن تصحيحها بنفس أدلة العدول ، إذ بعد أن أمكن قلب عنوان العصر إلى الظهر بتعبد من الشرع فهذا النقص بنفسه يرتفع وكأنه أتى بها ابتداءً بعنوان الظهر ، فانّ هذا هو مقتضى نصوص العدول ومفادها.

ومن هنا يظهر الفرق بين هذا الفرض وبين ما إذا كان التذكر بعد الفراغ ، حيث إن دليل العدول هناك لما كان معرضاً عنه عند الأصحاب كما سبق وساقطاً لديهم عن درجة الاعتبار ، فلأجله حكموا بالفساد ، وإلا لحكموا بالصحة في الموردين بمناط واحد.

الصورة السادسة : نفس الفرض مع كون التذكر بعد التجاوز عن محل العدول ، وحكمها هو البطلان كما يظهر مما قدمناه في الصورة الثالثة ، لاشتراك الصورتين في مناط البحث من غير فارق فلاحظ ولا نعيد.

(١) أما بناءً على تفسير وقت الاختصاص بالمعنى المشهور ، فلوضوح عروض الحيض قبل دخول وقت الصلاة للعصر ، فلا مقتضي لقضائها بعد عدم تعلق الأمر بأدائها ، وإنما يجب عليها قضاء ما كانت مأمورة به وهو الظهر فقط.

وأما على تفسيره بالمعنى المختار ، فلأن الوقت وإن كان في حدّ ذاته صالحاً لكل منهما ، إلا أن صلاة العصر لما كانت مقيدة بخصوصية تعجز عن تحصيلها وهي الترتب على الظهر ، ولم تكن الظهر كذلك حيث لم تتقيد بوقوع العصر بعدها ، إذن فهي لم تكن مأمورة إلا بما يمكنها إتيانه وهو صلاة الظهر ، فلا جرم لا يجب إلا قضاؤها فحسب.

٢١٠

وكذا إذا طهرت من الحيض ولم يبق من الوقت إلا مقدار أربع ركعات فان اللازم حينئذ إتيان العصر فقط (١).

______________________________________________________

ويمكن تقرير هذا بوجه آخر وهو : أن المرأة في مفروض المسألة إما أن تكون مأمورة بكلتا الصلاتين أو بإحداهما معيناً أو مخيراً ، أو لم تكن مأمورة بشي‌ء أصلاً.

أما الأول ، فواضح البطلان ، لامتناع التكليف بما لا يطاق كالأخير فإنه خلاف الإجماع بل الضرورة ، وحيث إن كلا من التخيير وتعيين العصر مخالف لدليل الترتيب فلا جرم يتعين الظهر خاصة.

(١) أما على المشهور في تفسير وقت الاختصاص فظاهر ، لانقضاء وقت صلاة الظهر قبل الطهر فلا تكليف إلا بصلاة العصر.

وأما على التفسير المختار ، فلأن ما بين الحدين وإن كان صالحاً لكل من الصلاتين إلا أن مقتضى الترتيب الملحوظ بينهما أنه وقت لثمان ركعات على سبيل الانبساط والتقسيط (١) فاذا لم يبق إلا مقدار أربع ركعات فقد انقضى وقت أربع منها وبقي وقت الأربع الثانية ، إذن فلم يجب عليها إلا الأربع اللاحقة دون السابقة.

ويمكن تقريره على ضوء ما سبق بأن كونها مكلفة بالصلاتين معاً تكليف بما لا يطاق فلا يحتمل ، كما لا يحتمل عدم تكليفها بشي‌ء ، والتخيير كتعيين الظهر مناف لحديث الترتيب ، فلا جرم يتعين العصر.

أضف إلى ذلك : ورود نصوص خاصة دلت على تعين الظهر في الصورة‌

__________________

(١) يمكن أن يقال : إن الانبساط والتقسيط من شؤون اعتبار الترتيب ومقتضياته ، وهو إنما يتم فيما إذا بقي الوقت لثمان ركعات ، أما إذا لم يبق فلا انبساط ولا ترتيب لانتفاء موضوعه ، وحيث إن المفروض صلوح الوقت لكل منهما في حد ذاته ولا ترجيح للعصر بعد سقوط الترتيب فمقتضى القاعدة هو التخيير كما هو الشأن في كافة موارد المزاحمة الفاقدة للترجيح فلاحظ.

٢١١

وأما إذا فرضنا عدم زيادة الوقت المشترك عن أربع ركعات فلا يختص بإحداهما (*) بل يمكن أن يقال بالتخيير بينهما ، كما إذا أفاق المجنون الأدواري في الوقت المشترك مقدار أربع ركعات ، أو بلغ الصبي في الوقت المشترك ثم جنّ أو مات بعد مضي مقدار أربع ركعات ونحو ذلك (١).

______________________________________________________

السابقة كتعيين العصر في هذه الصورة فلاحظ (١).

ومما ذكرناه يظهر الحال في جملة من الفروع المشاركة مع الحيض في مناط البحث ، كما لو بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو أسلم الكافر ولم يبق من الوقت إلا مقدار أربع ركعات ، فان المتعين صرف الوقت في صلاة العصر.

وهل يجب قضاء الظهر في هذه الفروض ، أو العصر في الصورة السابقة؟.

الظاهر لا ، بل لا ينبغي التأمل فيه ، لتبعية القضاء لفوت الواجب أو ملاكه على سبيل منع الخلو ولم يفت شي‌ء منهما في المقام.

أما الأول : فلفرض سقوط التكليف لأجل الحيض أو الجنون أو الصغر ونحوها.

وأما الثاني : لعدم كشفه إلا من ناحية الأمر المفروض سقوطه ، بل إن دليل عدم القضاء على هؤلاء خير كاشف عن عدم الملاك كما لا يخفى.

هذا كله فيما لو فرض مقدار الأربع ركعات في الوقت المختص ، وأما لو فرض في الوقت المشترك ، كما لو طهرت أثناء الوقت بمقدار أربع ركعات ثم ماتت أو بلغت الصبية أو أفاقت المجنونة ثم حاضت ، أو بلغ الصبي ثم مات فستعرف حكمه في التعليق الآتي.

(١) محتملات المسألة ثلاثة : تعين الظهر خاصة ، تعين العصر كذلك ، التخيير بينهما.

__________________

(*) بل يختص بالأُولى.

(١) الوسائل ٢ : ٣٥٩ ، ٣٦١ / أبواب الحيض ب ٤٨ ، ٤٩.

٢١٢

أما الأخير : فمستنده دعوى المزاحمة بين الصلاتين بعد اشتراكهما في الوقت وصلاحيته لكل منهما ، وحيث لا ترجيح في البين فلا جرم يستقل العقل بالتخيير بينهما ، وإليه ذهب السيد الماتن قدس‌سره.

وأما الثاني : فيستدل له باندراج المقام في الوقت الاختصاصي لصلاة العصر ، إذ هو آخر وقت يتمكن المكلف فيه من الصلاة ، وقد مرّ أن آخر الوقت يختص بالعصر ، فكما أن في الضيق الحقيقي يتعيّن العصر فكذا في الضيق لأجل العجز ، لاشتراكهما في عدم التمكن من الصلاة بعد ذلك.

لكن الثاني مردود ببطلان القياس ، لأنا إنما التزمنا بالاختصاص لدى الضيق الحقيقي من أجل أنّ ما بين الحدين وقت لثمان ركعات ، فاذا ضاق ولم يبق إلا مقدار الأربع اختص بالأخير ، لذهاب وقت الأربع الأُولى حسبما تقدم.

وهذا كما ترى لا يجري في المقام لعدم ذهاب وقت الأربع الأُولى ، غاية الأمر أنّ المكلف لا يتمكن إلا من الأربع في الوقت المشترك ، وهذا لا يستوجب التعيين في العصر بوجه.

وأمّا حديث المزاحمة المبني عليه التخيير فمرفوض ، بأنّ مورد التزاحم ما إذا كان هناك عملان صحيحان كل منهما مقدور للمكلف في نفسه غير أنه عاجز عن الجمع ، وليس المقام كذلك ، بداهة أنّ صلاة العصر مقيدة بالوقوع عقيب الظهر رعاية للترتيب (١) ولا عكس ، إذ لا يشترط في صحة الظهر التعقيب بالعصر ، فإحداهما مطلقة والأُخرى مقيدة ، والمكلف عاجز عن الثانية قادر على الاولى ، فلا جرم يتعين صرف الوقت في صلاة الظهر.

ومنه تعرف أن المتعين إنما هو الاحتمال الأول.

ثم لا يخفى أنّ ما في المتن من افتراض كون الوقت المشترك بمقدار أربع ركعات مبني على التمثيل ، وإلا فالتخيير على مبناه وتعين الظهر على ما نراه‌

__________________

(١) قد عرفت سقوط اعتبار الترتيب في مثل المقام لانتفاء موضوعه.

٢١٣

[١١٨٣] مسألة ٤ : إذا بقي مقدار خمس ركعات إلى الغروب قدّم الظهر (١) وإذا بقي أربع ركعات أو أقل قدّم العصر (٢).

وفي السفر إذا بقي ثلاث ركعات قدّم الظهر ، وإذا بقي ركعتان قدّم العصر ، وإذا بقي إلى نصف الليل خمس ركعات قدّم المغرب ، وإذا بقي أربع أو أقلّ قدّم العشاء (٣).

______________________________________________________

يجري حتى لو وسع الوقت بمقدار سبع ركعات ، فلو أفاقت المجنونة في الوقت المشترك وعلمت أنها تحيض بعد مضي مقدار السبع لا تجب عليها إلا صلاة واحدة.

وهذا بخلاف ما لو طهرت في آخر الوقت ولم يبق إلا مقدار خمس ركعات أو أكثر ، فإنها مأمورة حينئذ بالصلاتين معاً ، وذلك لقاعدة من أدرك ، غير الجارية في المقام كما هو واضح.

(١) فان مقدار ثلاث ركعات منها وإن وقعت في الوقت المختص بصلاة العصر وبهذا المقدار من هذه الصلاة في خارج الوقت ، إلا أن اتساع الوقت المستفاد من حديث من أدرك يوجب افتراض المصلي كالمدرك لتمام الثمان ، وعليه (١) يتعين تقديم الظهر ، وتؤيده رواية (٢) الحلبي (٣).

(٢) أما مع بقاء مقدار الأربع فلاختصاصه بصلاة العصر ، وأما مع الأقل فلحديث من أدرك ، ثم تقضي الظهر بعد ذلك. ومنه تعرف حكم السفر المذكور بعده.

(٣) لما عرفته في الظهرين فلاحظ ولا نعيد.

ودعوى أنه مع بقاء الأربع يمكن تقديم المغرب وتصحيح العشاء بحديث من‌

__________________

(١) [ في الأصل : ومنعه ، والصحيح ما أثبتناه ].

(٢) [ عبّر عنها بالصحيحة في ص ٢٠٥ ].

(٣) الوسائل ٤ : ١٢٩ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٨.

٢١٤

وفي السفر إذا بقي أربع ركعات قدّم المغرب (١) وإذا بقي أقل قدّم العشاء (٢).

______________________________________________________

أدرك ، بناءً على المختار في تفسير معنى الاختصاص حسبما مرّ ، مدفوعة بقصور الحديث عن الشمول لصورة التعجيز الاختياري.

(١) فان ركعتين من صلاة المغرب وإن وقعت حينئذ في الوقت المختص بصلاة العشاء ولا سيما بالمعنى المشهور ، كما أن ركعة منها تقع خارج الوقت ، إلا أنه يمكن تصحيحها بقاعدة من أدرك كما عرفت.

(٢) لأن تقديم المغرب فيما بقي من الوقت مقدار ثلاث ركعات مثلا مفوّت للعشاء من غير مسوّغ ، بخلاف العكس لصرف الركعة الباقية حينئذ في صلاة المغرب وتتميمها في خارج الوقت بحديث من أدرك.

فإن قلت : تقديم العشاء أيضاً مفوّت للمغرب ، لوقوع الركعة المدركة في وقت الاختصاص للعشاء ، فمشكلة التفويت مشتركة بين الصورتين ، فما هو الوجه في تقديم العشاء؟.

قلت : يمكن الجواب تارة : على المختار في تفسير وقت الاختصاص من صلاحية الوقت في حدّ ذاته لكل من المترتبتين ، غاية الأمر أنّ المتأخرة لا تزاحم بالمتقدمة رعاية للترتيب المعتبر بينهما.

وأُخرى : على المسلك المشهور من خروج الوقت وعدم صلاحيته إلا للأخيرة وصيرورته قضاءً للمتقدمة.

أما على الأول : فلا شبهة أن المغرب في مفروض المسألة أداء ، غاية الأمر أنّ الأمر يدور بين تقديمها وإيقاع العشاء بتمامها خارج الوقت رعاية للترتيب ، وبين تقديم العشاء ودرك ركعة من المغرب حقيقة والباقي تنزيلاً بقاعدة من أدرك ، ولا ينبغي التأمل في ترجيح الثاني ، لوضوح حكومة دليل الوقت على أدلة بقية الأجزاء والشرائط التي منها الترتيب. فحيث إن التحفظ عليه يستلزم‌

٢١٥

وتجب المبادرة إلى المغرب بعد تقديم العشاء إذا بقي بعدها ركعة أو أزيد (١)

______________________________________________________

تجويز ترك العشاء في الوقت المساوق لسقوطها وهي لا تسقط بحال فلا جرم يتعين تقديمها.

أضف إلى ذلك : أن الوقت ركن تعاد من أجله الصلاة ، فلا يقاومه مثل الترتيب.

بل يمكن أن يقال : إن دليل اعتبار الترتيب قاصر الشمول لمثل المقام ، فان قوله عليه‌السلام : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً إلا أن هذه قبل هذه » (١) ناظر إلى اعتبار الترتيب في الوقت ، فلا يشمل ما لو استلزم رعايته فوات الوقت.

وأما على الثاني : فربما يتخيل أن تقديم العشاء أيضاً يستوجب صيرورة المغرب قضاءً كعكسه فيختل الوقت على التقديرين ، ومعه لا موجب للتقديم ، فإنه ترجيح بلا مرجح.

ولكن الأصح أنه مع المرجح ، إذ مع تقديم العشاء تقع الصلاة بتمامها في وقتها الاختياري الأولي ، وأما لو قدّمنا المغرب فلا تقع منها في الوقت إلا ركعة واحدة فيحتاج التتميم الى التنزيل المستفاد من حديث من أدرك.

ولا ينبغي التأمل في أنه كلما دار الأمر بين مراعاة الوقت الاختياري لصلاةٍ أو الاضطراري للأُخرى ، كان الأول أحرى وأولى كما لا يخفى.

وبالجملة : فما في المتن من تقديم العشاء هو المتعين على كلا المسلكين.

نعم يفترقان في وجوب المبادرة إلى المغرب بعد تقديم العشاء ، فإنه إنما يتجه على المسلك المختار الذي يرتضيه السيد الماتن قدس‌سره أيضاً لتقع أداءً ، وأما على المسلك المشهور فهي قضاء حسب الفرض ولا موجب للبدار إلى صلاة القضاء.

(١) قد عرفت آنفاً أن هذا إنما يستقيم على المسلك المختار في تفسير وقت‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥.

٢١٦

والظاهر أنها حينئذ أداء ، وإن كان الأحوط عدم نية الأداء والقضاء (١).

______________________________________________________

الاختصاص لا على المسلك المشهور فلاحظ.

(١) ربما يورد عليه : بأن مقتضى هذا الاحتياط التردد في أن المغرب أداء أو قضاء ، وهو لا يجتمع مع الجزم بوجوب المبادرة إليها.

ولكنه كما ترى ، بل لا يخلو عن الغرابة ، فإنه قدس‌سره قد أفتى صريحاً بأنها أداء بموجب الحكم الظاهري ، ولا تنافي بينه وبين الترديد في الحكم الواقعي المستوجب للاحتياط الاستحبابي لمجرد إدراك الواقع ، وكم له نظائر في عبائر الفقهاء ، فتراهم يفتون ولا تزال فتاواهم مسبوقة أو ملحوقة بالاحتياط لرجاء درك الواقع الذي هو حسن على كل حال.

ثم إنه قد يحتمل في المسألة جواز الإتيان بركعة من المغرب ، ثم تركها والاشتغال بصلاة العشاء ثم تتميم المغرب ، بدعوى أنّ فيه جمعاً بين الحقين من رعاية الترتيب والوقت في كلتا الصلاتين.

وهذا مبني على جواز إقحام الصلاة في الصلاة الذي اختاره جماعة منهم شيخنا الأُستاذ قدس‌سره وورد به النص في صلاة الآيات.

ولكنا ذكرنا في محلّه : أن الإقحام مخالف للقاعدة ، لما فيه من الزيادات القادحة ، ولا سيما التسليم المانع عن التتميم لكونه مخرجاً ، فلا بد من الاقتصار على مورد قيام النص وعدم التعدي عنه (١).

على أن الترتيب المعتبر ملحوظ بين تمام أجزاء المترتبتين على ما هو ظاهر الدليل ، والاقحام المزبور لا يستوجب إلا رعايته في بعضها كما لا يخفى.

فهذا الاحتمال ساقط ، والمتعين ما عرفت من لزوم تقديم العشاء كما ذكره في المتن.

__________________

(١) راجع شرح المسألة [١٧٦٤].

٢١٧

[١١٨٤] مسألة ٥ : لا يجوز العدول من السابقة إلى اللاحقة (١) ، ويجوز العكس ، فلو دخل في الصلاة بنيّة الظهر ثم تبيّن له في الأثناء أنه صلاّها ، لا يجوز له العدول إلى العصر ، بل يقطع ويشرع في العصر ، بخلاف ما إذا تخيّل أنه صلى الظهر فدخل في العصر ثم تذكّر أنه ما صلى الظهر فإنه يعدل إليها (٢).

[١١٨٥] مسألة ٦ : إذا كان مسافراً وقد بقي من الوقت أربع ركعات فدخل في الظهر بنيّة القصر ثم بدا له الإقامة فنوى الإقامة بطلت صلاته (٣) ولا يجوز له العدول إلى العصر فيقطعها ويصلي العصر.

______________________________________________________

(١) فان الصلوات بأسرها حقائق متباينة وطبائع متغايرة وإن اشتركت صورة ، بل في تمام الجهات أحياناً كالظهرين فإنهما تمتازان بالعنوان المقوّم لهما من الظهرية والعصرية ، كما يكشف عنه بوضوح قوله عليه‌السلام : « إلا أنّ هذه قبل هذه » (١) إذ لولا التغاير المزبور لم يكن لذاك معنى معقول. إذن فلا بد في تحقّق الامتثال من تعلق القصد بكل منها على سبيل الاستقلال لتمتاز عن غيرها.

وعليه فالعدول من صلاةٍ إلى أُخرى والاجتزاء بنية الثانية عن الاولى حكم مخالف للقاعدة يحتاج الى نهوض دليل عليه بالخصوص وقد نهض في العدول من اللاحقة إلى السابقة ، ولم ينهض في عكسه ، فلا جرم يبقى تحت القاعدة المقتضية لعدم الجواز حسبما عرفت.

(٢) وكذلك في العشاء مع بقاء محل العدول ، وقد نطقت بذلك جملة من النصوص كصحيحة زرارة وغيرها (٢).

(٣) إذ الوظيفة بعد البناء على الإقامة تبدلت من القصر إلى التمام ، وحيث‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ ، ٢٠ ، ٢١.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

٢١٨

وإذا كان في الفرض ناوياً للإقامة فشرع بنية العصر لوجوب تقديمها حينئذ ثم بدا له فعزم على عدم الإقامة فالظاهر أنه يعدل بها (*) إلى الظهر قصراً (١).

[١١٨٦] مسألة ٧ : يستحب التفريق (**) بين الصلاتين المشتركتين في الوقت كالظهرين والعشاءين ويكفي مسمّاه (٢).

______________________________________________________

إن الوقت حينئذ مختص بالعصر ولا يمكن تصحيح ما بيده ، لما تقدم من امتناع العدول من السابقة إلى اللاحقة ، فلا جرم يبطل فيرفع اليد ويصلي العصر.

(١) نظراً إلى أنه بعد أن عدل عن نية الإقامة تبدلت الوظيفة إلى الإتيان بالظهرين قصراً ، والمفروض سعة الوقت لهما وجواز العدول إلى السابقة فيعدل إلى الظهر رعاية للترتيب ثم يصلي العصر.

ولكنه محل تأمل بل منع كما أشرنا إليه في التعليقة فإنّ مورد العدول ما إذا كان المصلي مأموراً بالسابقة واقعاً غير أنه لأجل النسيان أو اعتقاد الإتيان شرع في اللاحقة بحيث لو كان ملتفتاً لم يشرع ، وليس المقام كذلك ، ضرورة أنه حينما أتى باللاحقة كان مأموراً بها حتى واقعاً ، بحيث لو أتى وقتئذ بالسابقة كان باطلاً ، وإنما تغير الحكم لأجل تبدل الموضوع الموجب لانقلاب الوظيفة ، ومثله غير مشمول لأدلة العدول.

وعليه فلا مناص من الحكم ببطلان ما بيده ، فيرفع اليد ويأتي بالظهر ثم بالعصر إن وسع الوقت لهما كما هو المفروض ولو ببركة حديث من أدرك.

(٢) ينبغي التكلم تارة : في الجمع بين الصلاتين وقتاً ، بأن يؤتى بإحداهما في وقت فضيلة الأُخرى ، وأُخرى : في الجمع بينهما خارجاً وتكويناً وإن تغايرا من حيث الوقت ، فانّ بينهما عموماً من وجه.

__________________

(*) بل الظاهر أنه يقطعها ويأتي بالصلاتين قصراً إذا أدرك صلاة العصر أيضاً ولو بركعة ، وإلا أتمّ ما بيده قصرا ، وليس هذا من موارد العدول كما يظهر وجهه بالتأمل.

(**) في استحبابه إشكال.

٢١٩

فقد يتحقق الأول دون الثاني ، كما لو أخّر المغرب عن الشفق ، أو قدّم العشاء عليه فأتى بإحداهما في وقت فضيلة الأُخرى مع فاصل زماني بينهما.

وقد ينعكس كما لو أتى بالمغرب قبيل سقوط الشفق ، وبالعشاء بعده من غير فاصل زماني ، وربما يجتمعان كما لو كان بلا فاصل في الفرض الأوّل (١) فهنا مقامان :

أما المقام الأوّل : فلا إشكال في مرجوحية الجمع المذكور ، ضرورة أنّ الأفضل لكل صلاة الإتيان بها في وقت فضيلتها ، فالتقديم أو التأخير خلاف ما هو الأفضل ، وهذا في المغرب والعشاء واضح ، وكذا في الظهر ، إذ الأفضل الإتيان بها قبل القدم أو القدمين ، أو صيرورة الظل مثل الشاخص حسب اختلاف الأخبار المحمول على اختلاف مراتب الفضل كما تقدم في محله ، فالتأخير عن هذا الحدّ مرجوح.

وأما العصر فقد سبق (٢) أن الأفضل الإتيان بها بعد الفراغ عن فريضة الظهر ونافلتها ، إذ ليس بعد صلاة الظهر إلا سبحتك كما جاء في النص (٣) ولا يتوقف الرجحان على التأخير عن القدم أو القدمين أو الذراع والذراعين ، وإنما الاعتبار بالفراغ المزبور ، فلو لم يكن مأموراً بالنافلة كما في يوم الجمعة أو حال السفر ، أو لم يرد الإتيان بها ، كان الأفضل الإتيان بالعصر بعد صلاة الظهر مباشرة ، لاستحباب المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير. ومعه لا موجب للتفريق. إذن فالمرجوح هو الجمع بين الظهرين في وقت فضيلة العصر دون العكس.

وأما المقام الثاني : فالمشهور وإن كان هو استحباب التفريق وباحثوا‌

__________________

(١) [ في الأصل : كما لو كان مع الفاصل في الفرض المزبور ، والصحيح ما أثبتناه ، لأنّ الغرض بيان مادّة الاجتماع لا انتفاء كليهما ].

(٢) في ص ١٥٦.

(٣) الوسائل ٤ : ١٣٤ / أبواب المواقيت ب ٥ ح ١٣.

٢٢٠