العقائد الاسلامية - ج ٤

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الاسلامية - ج ٤

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-121-4 /
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٥٢٥

وروى النسائي في : ٨ / ١١٥ :

عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحب علياً منافق ، ولا يبغضه مؤمن. وقال : هذا حديث حسن.

ورواه النسائي أيضاً في خصائص علي ٥ / ١٣٧

وابن ماجة : ١ / ٤٢

والترمذي : ٤ / ٣٢٧ وج ٥ / ٥٩٤

وأحمد في مسنده : ٢ / ٥٧٩ و٦٣٩ وفي فضائل الصحابة : ٢ / ٢٦٤

وعبد الرزاق في مصنفه : ١١ / ٥٥

وابن أبي شيبة في مصنفه : ١٢ / ٥٦

والحاكم في المستدرك : ٣ ص ١٢٩ ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ! ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك.

ورواه الطبراني في الاوسط : ٣ / ٨٩

والهيثمي في مجمع الزوائد : ١٢٩٩ ، وقال : رجال أبي يعلى رجال الصحيح.

ورواه الخطيب في تاريخ بغداد عن صحابة متعددين في : ٢ / ٧٢ و٤ / ٤١ و١٣ / ٣٢ / ١٥٣ و١٤ / ٤٢٦ و٢ / ٢٥٥

والبيهقي في سننه : ٥ / ٤٧

وابن عبد البر في الاستيعاب : ٣ / ٣٧

وفي الترمذي : ٥ / ٦٠١ :

عن الأعمش : إنه لا يحبك إلا مؤمن. وقال : هذا حديثٌ حسنٌ صحيح.

وفي الطبراني الكبير : ١ / ٣١٩ و٢٣ / ٣٨٠ :

عن أبي الطفيل قال : سمعت أم سلمة تقول : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أحب علياً فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله. ورواه الهيثمي في الزوائد : ٩ / ١٣٢

٨١

وفي فردوس الأخبار : ٣ / ٦٤ :

عن ابن عباس أن النبي ( ص ) قال : علي باب حطة ، من دخل منه كان مؤمناً ، ومن خرج منه كان كافراً.

عن أبي ذر أن النبي ( ص ) قال : علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي. حبه إيمانٌ ، وبغضه نفاق ، والنظر اليه رأفة ومودة وعبادة.

* *

وفي صحيح مسلم : ١ / ٦٠ ، تحت عنوان : باب حب علي من الايمان.

عن زر بن حبيش قال قال علي عليه‌السلام : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إليّ ، أن لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق.

ورواه ابن ماجة : ١ / ٤٢

والنسائي في سننه : ٨ / ١١٥ و١١٧ وفي خصائص علي : ١٣٧٥

وأحمد في مسنده : ١ / ٨٤ و٩٥ و١٢٨ وفي فضائل الصحابة : ٢ / ٢٦٤

وابن أبي شيبة في المصنف : ١٢ / ٥٦

وعبد الرزاق في المصنف : ١١ / ٥٥

وابن أبي عاصم في السنة : ٥٨٤٢

وابن حبان في صحيحه : ٩ / ٤٠

والخطيب في تاريخ بغداد : ٢ / ٢٥٥ و١٤ / ٤٢٦

وابن عبد البر في الاستيعاب : ٣ / ٣٧

وأبو نعيم في حلية الأولياء : ٨ / ١٨٥

وابن حجر في الاصابة : ٢ / ٥٠٣

والحاكم في المستدرك : ٣ / ١٣٩

والبيهقي في سننه : ٥ / ٤٧

وابن حجر في فتح الباري : ٧ / ٥٧

٨٢

وفي مسند أبي يعلى : ١/٢٣٧ :

عن الحارث الهمداني قال : رأيت علياً جاء حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : قضاء قضاه الله على لسان نبيكم النبي الأمي صلى الله عليه و( آله ) وسلم إليّ : إنه لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق ، وقد خاب من افترى.

وفي فتح الباري : ٧ / ٧٢ :

وفي كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه يقول : لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجمانها على المنافق على أن يحبني ما أحبني ! وذلك أنه قضي فانقضى على لسان النبي الأمي صلى الله عليه و ( آله ) وسلم أنه قال : يا علي لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبك منافق.

وهو في نهج البلاغة : ٢ / ١٥٤ ، شرح محمد عبده ، وقال ابن أبي الحديد في شرحه ٢ / ٤٨٥ : في الخبر الصحيح المتفق عليه أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ، وحسبك بهذا الخبر ، ففيه وحده كفاية :

وقال ابن أبي الحديد في موضع آخر كما في هامش بحار الأنوار : ٣٩ / ٢٩٤ :

قال شيخنا أبو القاسم البلخي : قد اتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب عند المحدثين فيها أن النبي قال له : لا يبغضك إلا منافق ولا يحبك إلا مؤمن.

وفي بشارة المصطفى للطبري الشيعي / ١٠٧ :

أخبرنا الشيخ الفقيه المفيد أبو علي الطوسي رحمه‌الله بقراءتي عليه في شعبان سنة إحدى عشرة وخمسمائة بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : أخبرنا السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسين الطوسي رحمه‌الله قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي رحمه‌الله قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي قال : حدثنا علي بن العباس بن الوليد قال : حدثنا ابراهيم بن بشير بن خالد قال : حدثنا منصور بن يعقوب قال : حدثنا عمرو بن ميمون ، عن ابراهيم بن عبدالأعلى ،

٨٣

عن سويد بن غفلة قال : سمعت علياً عليه‌السلام يقول : والله لو صببت الدنيا على المنافق صباً ما أحبني ، ولو ضربت بسيفي هذا خيشوم المؤمن لأحبني ، وذلك أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يا علي لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق ! انتهى.

ورواه محمد بن سليمان في مناقب أمير المؤمنين ( ع ) : ٢ / ٤٨٤ ، والفتال النيسابوري في روضة الواعظين / ٢٩٥

* *

وفي فردوس الأخبار : ٥ / ٣١٦ :

قال النبي ( ص ) : يا علي محبك محبي ، ومبغضك مبغضي.

ونحوه في الطبراني في الأوسط : ٣ / ٨٩ ، عن عمران بن حصين.

وأحمد في فضائل الصحابة : ٢ / ٦٣٩ ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

والحاكم في : ٣ / ١٣٠ ، عن سلمان الفارسي. وفي : ٣ / ١٢٩ ، عن أبي ذر الغفاري

والهيثمي في مجمع الزوائد : ٩ / ١٢٩ ، عن أبي يعلى ، عن أبي رافع.

وفي تاريخ بغداد : ٩ / ٧٢ ، وفي : ٤ / ٤١ ، وفي : ١٣ / ٢٣ ، عن ابن مسعود ، وفي ص١٥٣ ، عن ابن عباس.

ورواه أيضاً في : ٩ / ٧٢ ، وروى فيها : عن عمار بن ياسر قال سمعت رسول الله يقول لعلي : يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب فيك.

وروى الحاكم في المستدرك : ٣ / ١٢٨ :

عن ابن عباس قال : نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي فقال : يا علي أنت سيدٌ في الدنيا وسيدٌ في الآخرة ، حبيبك حبيبي ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله ، والويل لمن أبغضك بعدي !! صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ورواه في تاريخ بغداد : ٤ / ٤١ ، وفي فردوس الأخبار : ٥ / ٣٢٤

٨٤

وفي الطبراني الأوسط : ٣ / ٨٩ :

عن عمار بن ياسر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : إن الله تبارك وتعالى زينك بزينة لم يزين العباد بزينة مثلها ! إن الله تعالى حبب اليك المساكين والدنو منهم ، وجعلك لهم إماما ترضى بهم ، وجعلهم لك أتباعاً يرضون بك ، فطوبى لمن أحبك وصدق عليك ، وويلٌ لمن أبغضك وكذب عليك.

فأما من أحبك وصدق عليك فهم جيرانك في دارك ، ورفقاؤك من جنتك.

وأما من أبغضك وكذب عليك ، فإنه حق على الله عز وجل أن يوقفهم مواقف الكذابين.

* *

وفي مستدرك الحاكم ص ١٣٨ :

عن علي بن أبي طلحة قال : حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة ، ومعنا معاوية بن حديج ، فقيل للحسن : إن هذا معاوية بن خديج الساب لعلي ، فقال علي به ، فأتي به فقال : أنت الساب لعلي ؟!

فقال : ما فعلت !

فقال : والله إن لقيته ، وما أحسبك تلقاه يوم القيامة ، لتجده قائماً على حوض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يذود عنه رايات المنافقين ، بيده عصاً من عوسج .. حدثنيها الصادق المصدوق ، وقد خاب من افترى. هذا حديث صحيح الاسناد ، ولم يخرجاه. انتهى.

وفي مسند أبي يعلى : ٦ / ١٧٤ :

عن علي بن أبي طلحة مولى بني أمية قال : حج معاوية بن أبي سفيان وحج معه معاوية بن خديج ، وكان من أسب الناس لعلي ، قال : فمر في المدينة وحسن بن علي ونفرٌ من أصحابه جالسٌ فقيل له : هذا معاوية بن خديج الساب لعلي ! قال : عليّ بالرجل ، قال : فأتاه رسول فقال : أجب.

٨٥

قال من ؟

قال : الحسن بن علي يدعوك ، فأتاه فسلم عليه.

فقال له الحسن : أنت معاوية بن خديج ؟

قال : نعم.

فرد ذلك عليه ، قال : فأنت الساب لعلي بن أبي طالب ؟!

قال : فكأنه استحيا.

فقال له الحسن : أما والله لئن وردت عليه الحوض ، وما أراك ترده ، لتجدنه مشمر الازار على ساق ، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل. قول الصادق المصدوق ، وقد خاب من افترى.

ورواه أبو يعلى في مسنده : ١٢ / ١٣٩ ، والطبراني في الأوسط : ٣ / ٢٢ ، وفي الكبير : ٩١٣ ، وفي مجمع الزوائد : ٩ / ١٣٠ ، و٢٧٢

وفيه : قال يا معاوية بن خديج إياك وبغضنا ، فإن رسول الله قال : لا يبغضنا ولا يحسدنا أحدٌ إلا ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار.

ورواه في مختصر تاريخ دمشق : ١٢ جزء ٢٤ / ٣٩٣ ، وفي كفاية الطالب / ٨٩ ، عن أبي كثير ، ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ٨ جزء ١٥ / ١٨ ، عن المدائني.

* *

وفي شواهد التنزيل للحسكاني : ١ / ٥٥١ ح ٥٨٥ :

بسنده عن جابر وأنس قالا قال رسول الله ( ص ) : يا علي ، لو أن أمتي أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار.

وفي شواهد التنزيل : ١ / ٥٥٠ ح ٥٨٣ :

بسنده عن جابر قال : قال رسول الله ( ص ) يا علي ، لو أن أمتي صاموا حتى صاروا كالأوتاد ، وصلوا حتى صاروا كالحنايا ، ثم أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار !!

٨٦

وفي شواهد التنزيل : ١ / ٤٩٦ ح ٥٢٤ :

بسنده عن جابر قال : خطبنا رسول الله ( ص ) فسمعته يقول : من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً.

وفي شواهد التنزيل : ١ / ٥٥٠ ح ٥٨٤ :

بسنده عن أبي سعيد قال : قتل قتيل بالمدينة على عهد النبي ( ص ) ... فقال : والذي نفس محمد بيده لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلا أكبه الله عز وجل في النار على وجهه.

وفي بشارة المصطفى للطبري الشيعي / ٢٠٤ :

قال حدثنا الهيثم بن حماد ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : رجعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قافلين من تبوك فقال في بعض الطريق : ألقوا إلى الأحلاس والأقتاب ففعلوا ، فصعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخطب فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : معاشر الناس مالي أراكم إذا ذكر آل ابراهيم تهللت وجوهكم ، فإذا ذكر آل محمد كأنما يفقأ في وجوهكم حب الرمان !!

والذي بعثني نبياً لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال ، ولم يجيء بولاية علي بن أبي طالب لأكبه الله عز وجل في النار !!

* *

محاولة ابن حجر تجريد علي من هذه الفضيلة !!

قال في فتح الباري : ١ / ٦٣ :

وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي ( ص ) قال له : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة لتحقق مشترك الاكرام ، لما لهم من حسن الغناء في الدين !

قال صاحب المفهم : وأما الحروب الواقعة بينهم ، فإن وقع من بعضهم بغض فذاك من غير هذه الجهة ، بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة ! ولذلك لم يحكم

٨٧

بعضهم على بعض بالنفاق ، وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام ، للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد !! والله أعلم.

وقال في فتح الباري : ٧ / ٧٢ ، في شرح رواية البخاري : ١ / ٥٢٥ ) : لأعطين الراية غدا رجلاً يحب الله ورسوله : وقوله في الحديثين إن علياً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله : أراد بذلك وجود حقيقة المحبة ، وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة.

وفي الحديث تلميح بقوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ، فكأنه أشار الى أن علياً تام الاتباع لرسول الله ( ص ) حتى اتصف بصفة محبة الله له ، ولهذا كانت محبته علامة الايمان وبغضه علامة النفاق ، كما أخرجه مسلم من حديث علي نفسه ، قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي ( ص ) أن لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق. وله شاهد من حديث أم سلمة عند أحمد. انتهى.

فقد حاول ابن حجر أن يميع شهادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام في خيبر ، وشهادته له بأن حبه وبغضه ميزان الايمان .. ويجعلهما شهادتين عامتين لكل الصحابة !!

أما في خيبر فقد حاصر المسلمون خيبر وفتحوا عددا من حصونها ، ولكنهم عجزوا عن فتح أهم حصن فيها ( حصن السلالم ) !

وكانت آخر محاولتين لفتحه حملتان ، قاد المسلمين في الأولى منهما أبو بكر ، وما أن اقتربوا من الحصن حتى واجهتهم دفاعات اليهود من أعلى الحصن بوابل السهام والأحجار .. فانهزموا راجعين الى مقر قيادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله !!

وفي اليوم التالي قاد الحملة عمر بن الخطاب فتكرر نفس المشهد وأشد ، فانهزم المسلمون ورجعوا ، وهم يجبنون عمر وهو يجبنهم !!

عندها غضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال كلمته الخالدة ( لأعطين الراية غدا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ) وكان علي مريضاً برمد العينين ، فأحضره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومسح بريقه على عينيه فشفاه الله

٨٨

تعالى ، وأعطاه الراية ، فتقدم علي أمام المسلمين وصعد في جبل الحصن قبلهم ، وهو يدفع السهام والأحجار حتى تكسر ترسه ، وتمكن من الصعود الى باب الحصن وبه جراحات ، فاستعان بالله تعالى ودحا الباب الحديدي الضخم فانفتح ، فدخل عليهم وحده وقتل فارسهم مرحباً ، ورفع صوته بالتكبير ، ففهم المسلمون أنه النصر ، فدخلوا الحصن على أثره وأكملوا تحريره !!

فانظر كيف حاول ابن حجر توسيع هذه الشهادة النبوية لتشمل كل الصحابة ، ويغمض عينيه عن خصوصياتها المتعددة ، التي لا تنطبق إلا على علي ؟!

والأعجب من ذلك أنه عمد الى الميزان الالَهي لإيمان الأمة ، والذي هو ميزان منصوص ، لشخص مخصوص ، فجعله ميزاناً واسعاً ضائعاً مائعاً متناقضاً ! فقال :

وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة ، لتحقق مشترك الاكرام ، لما لهم من حسن الغناء في الدين !

يعني بذلك أن حب كل واحد من الصحابة علامة على الايمان ، وبغض أي واحد منهم علامة على النفاق ، لأنهم جميعاً شاركوا في نصرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله !

يفعل ابن حجر ذلك وهو يعلم أن غرض الإسلام من التأكيد على حب علي عليه‌السلام أن يضع للأمة خطاً ومقياساً ليعرف به هدى المهتدين به ، وكذب المنافقين في ادعائهم الإسلام.

وكيف يعقل ابن حجر أن يكون الصحابة جميعاً مقياساً لذلك ، وعددهم عنده أكثر من مئة ألف ، وقد كانوا في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مختلفي المشارب والاتجاهات والمستويات ، وصاروا بعده أكثر اختلافاً وعداوة وبغضاء .. حتى انقسمت الأمة بسببهم الى محب لهم ومبغض ، وقامت بينهم الحروب !!

فلو جعلنا بغضهم مقياساً للنفاق ، فقد نفينا وجود منافقين في الأمة !

لأن المنافقين في زمنه وبعده ، إما صحابة أو يحبون أحداً من الصحابة !

وذلك تكذيب للقرآن حيث أخبرا بوجود منافقين في حياة النبي صلى الله عليه وآله.

٨٩

كما أن مقياس ابن حجر يسبب مشكلة عقيدية على الصحابة أنفسهم .. لأنه لا يكاد يوجد صحابي إلا وأبغض صحابياً آخر ، فيكونون جميعاً بهذا المقياس ( الحجري ) منافقين !!

* *

وقد حاول ابن حجر أن يخلص من هذه الورطة فنقل عن صاحب المفهم كلاماً غير مفهم ، مفاده أن الصحابة قد أبغضوا بعضهم ، وقد اشتهر بغض معاوية لعلي ، ولكن هذا البغض بزعمه ليس نفاقاً ! لأن قصد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن علامة النفاق هو بغض علي بسبب نصرته للنبي فقط .. وأما بغضه لسبب آخر فهو حلالٌ زلال ، لا يوجب نفاقاً ولا هم يحزنون !!

وهي حيلةٌ وجدها علماء الخلافة القرشية قبل ابن حجر ، فحللوا بها بغض علي ، وزعموا أن التأكيد النبوي المطلق مخصوص بمن أبغضه لنصرته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقط ! فلا يشمل الذين يبغضونه لأسباب أخرى غير النصرة !!

وقد تشبثوا بتلك الحيلة لرفع حكم النفاق عن معاوية ، وتبرير أمره بلعن علي عليه‌السلام على منابر الإسلام في خطب الجمعة عشرات السنين ، وتشريد أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومطاردتهم في كل صقع ، وتقتيل شيعتهم وهدم بيوتهم ، وتقريب مبغضيهم ولاعنيهم ، وإعطائهم مناصب الدولة !!

وقد تمسك بهذه الحيلة بعض فقهاء النواصب في عصر ابن حجر ، ودافعوا بها أمام القضاة السنيين ، الذين أصدروا حكمهم على ابن تيمية ، بأنه ناصبي منافق مبغض لعلي عليه‌السلام ! فقال المدافعون : إن بغضه لعلي الذي ليس بسبب نصرته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو مثل معاوية يبغض علياً لأسباب أخرى ، فبغضه له حلالٌ لا يصير بسببه من المنافقين ، كما أن معاوية لم يصر من المنافقين !!

ولكنه منطق متهافت :

أولاً ، لأن كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صريح في الاطلاق والعموم .. فأين دليلهم على التخصيص ، وأين المخصص والمقيد من عقل أو نقل ؟

٩٠

وثانياً ، أنهم بذلك جوزوا للمسلمين أن يصيروا كلهم رافضة ، وأن يبغضوا الصحابة ويلعنوهم لأسباب أخرى غير نصرتهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله !!

فما دام بغض معاوية والنواصب ولعنهم علياً حلالٌ ، وهم مصدقون في ادعائهم أن بغضهم له لسبب آخر غير النصرة ! فكل مسلم يجوز له أن يبغض من شاء من الصحابة ويلعنهم ، ويكفي لتبرئته أن يزعم أن ذلك لسبب آخر غير النصرة !!

والواقع أن ابن حجر وأمثاله يعرفون أن علياً هو المقياس النبوي الالَهي للايمان في الأمة في حياة النبي وبعده ، ويروون في الصحاح قصة بغض بريدة وخالد وغيرهما لعلي وغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم لذلك !

ولكن علماء الخلافة يجادلون نبيهم ، ويحتالون على أحاديثه تخصيصاً وتوسيعاً وتمييعاً ، لمصلحة مبغضي أهل بيت نبيهم من قبائل قريش الأخرى ، التي أشربوا حبها على حساب أهل بيت نبيهم !! ولله في خلقه شؤون.

* *

قصة بريدة وحدها حجة بالغة

روت الصحاح السنية قصة بريدة ، ولكنها اختصرتها وحذفت منها !!

وما بقي منها عظيم ! وخلاصتها :

أن الصحابي بريدة الأسلمي اعترف بأنه كان مع عدد من الصحابة القرشيين في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يبغضون علياً عليه‌السلام ويعملون ضده !

وذات يوم أرسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جيشين الى اليمن ، أحدهما بقيادة علي ، والآخر بقيادة خالد بن الوليد ، فاختار بريدة أن يذهب مع جيش خالد ، لأن خالداً على خطه في بغض علي عليه‌السلام.

وتوغل جيش علي داخل اليمن ، وأنجز الجيشان مهماتهما العسكرية ، كل في جبهته ، وانتصرا وغنما ثم التقيا ، فصار القائد عليهما علياً كما أمر النبي صلى الله عليه وآله.

٩١

وكان خالد ومبغضو علي يراقبون حركات علي وسكناته ، لعلهم يجدون عليه مأخذاً ينتقدونه به ، ويضعفون شخصيته عند المسلمين ، أو عند النبي صلى الله عليه وآله!

وعندما وزع على الغنائم وعزل منها الخمس للرسول وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اختار منه جارية فقوم قيمتها وحسبها من سهمه من الخمس ، ولعله تزوجها.

فرأى خالد في ذلك نصراً عظيما على علي وكتب رسالة الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأرسلها مع وفد من ثلاثة أشخاص ، وأرسل معهم بريدة شاهداً مصدقاً للرسالة !

ومفاد الرسالة أن علياً خان غنائم المسلمين وأخذ جارية لنفسه ، وتزوج على بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله !

ووصل بريدة الى المدينة ، واتصل بمبغضي علي وبشرهم برسالة خالد ضد علي ففرحوا بها ، وأوصوه أن يقدم معها تقريراً شفهياً قوياً ضد علي ، حتى تسقط مكانته عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويرتاحوا من شره في المستقبل !!

وقام بريدة بالمهمة كما أرادوا ، ولكن النتيجة كانت معكوسة عليهم تماماً !

فقد غضب النبي غضباً شديداً من رسالة خالد وتقرير بريدة ، ومن حركة الصحابة الذين يقفون وراءهما ضد علي .. وكشف لهم حقائق تتعلق بعلي ، تضمنتها أحاديث بريدة الصحيحة في مصادر السنة والشيعة ، ومن أهم نقاطها ما يلي :

أولاً : أن علياً بأمر الله تعالى خليفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وولي المسلمين من بعده.

ثانياً : أنه لا يتصرف من عنده أبداً ، حتى عندما يكون في اليمن بعيداً عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بل كل تصرفات إما أن تكون بأمر الرسول ، أو بإلهام الله تعالى !!

ثالثاً : أن علياً مع النبي وآله ، هم أصحاب الخمس الشرعيون في الغنائم وغيرها ، فحق علي في الخمس أكثر من جارية.

رابعاً : أن خبر زواج علي أو تسريه على زوجته فاطمة الزهراء عليهما‌السلام ، خاصة عندما يكون في سفر ، لايؤذيها ولا يؤذي أباها ، لأنهما لايخالفان شرع الله ، ولأنهما على ثقة منه ، ومن مقامه الذي خصه به الله تعالى.

٩٢

خامساً : أن مبغضي علي إما منافقون أو كفار .. وعلى مبغضيه من الصحابة أن يتوبوا من ذلك ويجددوا إسلامهم ، ويستغفروا الله تعالى ويستغفر لهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عسى أن يغفر نفاقهم أو ارتدادهم ، ويقبل توبتهم وإسلامهم !!

وبالفعل فقد جدد بريدة إسلامه ، وتاب من بغض علي وأخذ يحبه ، وطلب من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستغفر له !

أما الباقون فلم نسمع بتوبتهم !

وفيما يلي نستعرض عدداً من نصوص القضية ، التي تحتاج من الباحث والقارئ الى تأمل لكي يفهم مداليلها ، ويعرف هدف الرواة من صياغاتهم لها بأشكال مخففة ، ويفهم معنى تعليقات الحاكم في مستدركه على رواياتها الصحيحة على شرط البخاري ومسلم ، اللذين تجاهلاها أو بتراها !!

ولنبدأ بإحدى روايات مسند أحمد المتعددة ، قال في : ٥ / ٣٥٦ :

عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين الى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد فقال : إذا التقيتم فعلي على الناس ، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده ، فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين ، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى على امرأة من السبي لنفسه.

قال بريدة : فكتب معي خالد بن الوليد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يخبره بذلك !

فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقريء عليه ، فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يارسول الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ، ففعلت ما أرسلت به.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقع في علي ، فإنه مني وأنا منه ، وهو وليكم بعدي ، وإنه مني وأنا منه ، وهو وليكم بعدي !!

٩٣

وقال الحاكم في المستدرك : ٢ / ١٢٩ :

عن عبد الله بن بريدة الأسلمي قال إني لأمشي مع أبي إذ مر بقوم ينقصون علياً رضي الله عنه يقولون فيه ! فقام فقال : إني كنت أنال من علي وفي نفسي عليه شيء ، وكنت مع خالد بن الوليد في جيش ، فأصابوا غنائم ، فعمد علي الى جارية من الخمس فأخذها لنفسه ، وكان بين علي وبين خالد شيء ، فقال خالد هذه فرصتك ! وقد عرف خالد الذي في نفسي على علي ، قال فانطلق الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاذكر ذلك له ، فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فحدثته ، وكنت رجلاً مكباً وكنت إذا حدثت الحديث أكببت ، ثم رفعت رأسي فذكرت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر الجيش ، ثم ذكرت له أمر علي ، فرفعت رأسي وأوداج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد احمرت ! قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت وليه فإن علياً وليه. وذهب الذي في نفسي عليه.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة ، إنما أخرجه البخاري من حديث علي بن سويد بن منجوف ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه مختصراً ، وليس في هذا الباب أصح من حديث أبي عوانة هذا ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة.

وهذا رواه وكيع بن الجراح ، عن الأعمش ، أخبرناه أبو بكر بن اسحاق الفقيه ، أنبأ موسى بن اسحاق القاضي ، ثنا عبد الله بن أبي شيبة ، ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، أنه مر على مجلس ... ثم ذكر الحديث بطوله. انتهى.

وقال عنه في مجمع الزوائد : ٩ / ١٠٨ : ورجاله رجال الصحيح. وورد فيه ( فقلت لا أسوؤك فيه أبداً ).

وروى الحاكم القصة أيضاً : ٣ / ١١٠ :

وفيها أن مبغضي علي كانوا أربعة ، وأنهم تعاقدوا فيما بينهم على شكايته الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال الحاكم :

٩٤

عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سرية ، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فمضى علي في السرية فأصاب جارية ، فأنكروا ذلك عليه ، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لقينا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرناه بما صنع علي !

قال عمران : وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنظروا اليه وسلموا عليه ثم انصرفوا الى رحالهم ، فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أحد الأربعة فقال :

يا رسول الله ، ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا !!

فأعرض عنه !

ثم قام الثاني فقال مثل ذلك ، فأعرض عنه !

ثم قام الثالث فقال مثل ذلك ، فأعرض عنه !

ثم قام الرابع فقال : يا رسول الله ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا !

فأقبل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والغضب في وجهه فقال :

ما تريدون من علي ! إن علياً مني وأنا منه ، وولي كل مؤمن. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. انتهى.

وروى نحوه آخر ، وصححه على شرط مسلم أيضاً.

* *

أما البخاري فهو على عادته في أمثال هذا الحديث ، إما أن يحذفه كلياً ، أو يحذف منه ولاية علي عليه‌السلام ويرويه مبتوراً !

قال في صحيحه : ٥ / ١١٠ :

عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً الى خالد ليقبض الخمس ، وكنت أبغض علياً ، وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى الى هذا ؟

٩٥

فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له ، فقال : يا بريدة أتبغض علياً ؟

قلت : نعم.

قال : لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك. انتهى.

بل نلاحظ أن البخاري زهد في بريدة بسبب أحاديثه في فضل علي ، وطبق عليه مذهبه في الاقلال من الرواية عن الصحابة والرواة الذين يحبون علياً ، ومنهم بريدة الاسلمي!! فقد رووا عنه في الصحاح وغيرها أكثر من مئتي حديث ، ولكن البخاري لم يرو منها في صحيحه بعدد أصابع اليد الواحدة !!

كما أنه في تاريخه ، ترجم لعشرات النواصب ومدحهم بمدائح كبيرة ، ولكنه اختصر في ترجمة بريدة جداً ، لأنه لا يحبه ولا يحب الاطالة في ترجمته !

والحديث الوحيد الذي ذكره في ترجمته حديث عام سيأتي !

قال البخاري في تاريخه : ٢ / ١٤١ :

بريدة بن حصيب الأسلمي له صحبة ، نزل البصرة ، قال لي عياش : حدثنا عبد الأعلى قال : ثنا الجريري عن أبي نضرة قال : كنت بسجستان فإذا بريدة الأسلمي فجلست اليه ، قال لي محمد بن مقاتل : أخبرنا معاذ ، حدثنا عبد الله بن مسلم السلمي من أهل مرو ، سمعت عبد الله بن بريدة يقول : مات والدي بمرو وقبره بجصين. وقال : هو قائد أهل المشرق يوم القيامة ونورهم.

وقال ابن بريدة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما رجل من أصحابي مات ببلدة فهو قائدهم ونورهم يوم القيامة ، فقال : مات في خلافة يزيد بن معاوية ، ومات بعده الحكم بن عمرو الغفاري ، ودفن الى جنبه. انتهى.

وهذه الترجمة المختصرة من البخاري ، لا تناسب شخصية بريدة ، وكثرة أحاديثه في المصنفات والصحاح.

بل نلاحظ أن البخاري يروي عن عبد الله بن بريدة ، ولكن عن غير أبيه .. مع أن

٩٦

روايات عبد الله عن أبيه كثيرة ، ومنتشرة في المصادر !!

والسبب في ذلك : أن عبد الله مقبولٌ عند الخلافة القرشية أكثر من أبيه ، وكان قاضياً عندهم على مرو ، وكثيراً ما نراه يحذف من أحاديث أبيه بريدة ما يتعلق بولاية علي عليه‌السلام وفضائله ! وهذا ما يريده البخاري !

وقد وجدت للبخاري رواية واحدة من روايات بريدة في حق علي عليه‌السلام ، وهي ( فلتةٌ ) ، ذكرها تاريخه في ترجمة أبي ربيعة الأيادي !

ولكن البخاري ألف تاريخه في شبابه قبل صحيحه ، ولعله كان أحسن حالاً على علي يومذاك ، قال في : ٩ / ٣١ :

حدثنا محمد بن الطفيل قال : نا شريك ، عن أبي ربيعة الأيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أمرني بحب أربعة من أصحابي ، وأخبرني أنه يحبهم.

فقلنا يا رسول الله من هم ، فكلنا نحب أن نكون منهم ؟

فقال : إن علياً منهم ، ثم سكت ساعة ، ثم قال : إن علياً منهم ، وسلمان الفارسي ، وأبا ذر ، والمقداد بن الأسود الكندي. انتهى.

وهذا الحديث يدل على أن هؤلاء الأربعة هم صفوة الله تعالى من الصحابة ، وهو بالحقيقة اصطفاء لعلي وحده عليه‌السلام ، لأن هؤلاء الثلاثة هم كبار شيعة علي وأتباعه في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده ! خاصة مع ملاحظة تأكيد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على علي من بينهم.

ويدل حديث بريدة الذي فلت به قلم البخاري ، على أن بقية الصحابة لم يبلغوا مستوى أن يأمر الله تعالى رسوله والمسلمين بحبهم !

وقد روى هذا الحديث الحاكم في : ٣ / ١٣٠ ، وصححه على شرط مسلم ، وفي نصه تأكيد أكثر على علي ، ورواه الترمذي : ٥ / ٢٩٩

ولا يبعد أن يكون هذا الحديث جزءاً مما قاله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لبريدة عندما جاء بالرسالة من اليمن ، أو جواباً نبوياً آخر لخطط مبغضي علي التي تواصلت ضده !

٩٧

كما روى الترمذي حديثاً آخر عن بريدة في : ٥ / ٣٦٠ ، جاء فيه أن علياً وفاطمة أحب الناس الى النبي على الإطلاق.

على أن هناك سبباً آخر لاقلال البخاري من أحاديث بريدة ، قد لا يقل عند محبي قبائل قريش عن أحاديث بريدة في فضائل علي عليه‌السلام.

وهو موقف بريدة من السقيفة وبيعة أبي بكر ! فقد ذكرت الروايات أنه كان مسافراً الى الشام ، ورجع الى المدينة بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقليل ، وتفاجأ ببيعة أبي بكر ، فأعلن عدم شرعية السقيفة ، وذهب الى قبيلته القريبة من مكة ونصب الراية في وسطهم ، وأعلن الاعتصام والنفير ، حتى يأمرهم علي بأمره !

فاستجابت له قبيلته ، وكانت أول تهديد مسلح ضد أهل السقيفة ! ولذلك صرح عمر أنه بقي متخوفاً من عدم نجاح بيعة السقيفة ( حتى بايعت أسلم فأيقنت بالنصر ! )

وقد استمرت مشكلة بريدة وقبيلته حتى أرسل اليهم علي عليه‌السلام أن الوقت فات ، وأن أكثر قريش والأنصار قد بايعوا أبا بكر .. والاختلاف والحرب بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة ، ليس في مصلحة الإسلام .. الى آخره.

* *

هذا ، وقد عقد الهيثمي في مجمع الزوائد فصلاً كاملاً ، أورد فيه عدداً من روايات قصة بريدة وصحح بعضها ، قال في : ٩ / ١٢٧ :

باب منه جامع فيمن يحبه ومن يبغضه :

عن بريدة يعني ابن الحصيب قال : أبغضت علياً بغضاً لم أبغضه أحداً قط !

قال : وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا على بغضه علياً رضي الله عنه ، قال فبعث ذلك الرجل على جيش فصحبته ، ما صحبته إلا ببغضه علياً رضي الله عنه.

قال : فأصبنا سبايا ، فكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم إبعث الينا من يخمسه ، قال : فبعث علياً رضي الله عنه ، وفي السبي وصيفة هي أفضل السبي ، قال : فخمس وقسم ، فخرج ورأسه يقطر ، فقلنا يا أبا الحسن ما هذا ؟

٩٨

قال : ألم تروا الى الوصيفة التي كانت في السبي فإني قسمت وخمست فصارت في الخمس ، ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم صارت في آل علي ، فوقعت بها.

قال : فكتب الرجل الى نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إبعثني مصدقاً.

قال : فجعلت أقرأ الكتاب وأقول : صدق !

قال : فأمسك يدي والكتاب ، وقال : أتبغض علياً ؟!

قال : قلت نعم.

قال : فلا تبغضه : وإن كنت تحبه فازدد له حباً ، فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة !

قال فما كان أحد من الناس بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من علي.

قال عبد الله يعني ابن بريدة : فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلا أبو بريدة.

قلت : في الصحيح بعضه ، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ، غير عبد الجليل بن عطية وهو ثقة ، وقد صرح بالسماع ، وفيه لين.

وعن بريدة قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين الى اليمن ، على أحدهما علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعلى الآخر خالد بن الوليد ، فقال : إذا التقيتم فعلي على الناس ، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده.

قال فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا ، فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية ، فاصطفى على امرأة من السبي لنفسه.

قال بريدة : فكتب معي خالد بن الوليد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك ، فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقريء عليه ، فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت :

٩٩

يا رسول الله هذا مكان العائذ ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ، ففعلت ما أرسلت به.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقع في علي ، فإنه مني وأنا منه ، وهو وليكم بعدي.

قلت : رواه الترمذي باختصار ، رواه أحمد والبزار باختصار ، وفيه الأجلح الكندي وثقه ابن معين وغيره ، وضعفه جماعة ، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.

وعن بريدة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً أميراً على اليمن ، وبعث خالد بن الوليد على الجبل ، فقال : إن اجتمعتما فعليٌ على الناس ، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله ، وأخذ علي جارية من الخمس ، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال : اغتنمها ، فأخبر النبي ما صنع !

فقدمت المدينة ودخلت المسجد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في منزله ، وناسٌ من أصحابه على بابه ، فقالوا : ما الخبر يا بريدة ؟

فقلت : خيراً فتح الله على المسلمين.

فقالوا : ما أقدمك ؟

قلت : جارية أخذها علي من الخمس ، فجئت لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

فقالوا : فأخبر النبي ، فإنه يسقط من عين النبي !! ورسول الله يسمع الكلام ، فخرج مغضباً فقال :

ما بال أقوام ينتقصون علياً ؟!!

من تنقص علياً فقد تنقصني ، ومن فارق علياً فقد فارقني.

إن علياً مني وأنا منه ، خلق من طينتي ، وخلقت من طينة ابراهيم ، وأنا أفضل من ابراهيم ، ذريةٌ بعضها من بعض ، والله سميع عليم.

يا بريدة : أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ ، وأنه وليكم بعدي ؟

فقلت : يا رسول الله بالصحبة إلا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديداً !!

١٠٠