العقائد الاسلامية - ج ٤

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الاسلامية - ج ٤

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-121-4 /
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٥٢٥

ورواه كذلك في الإصابة : ١ / ٢٢١ :

وقد تقدمت روايته عند الحاكم عن أبي مكين.

ورواه أبو نعيم أيضاً بذلك في ص ٢٢٢ ، ثم قال :

ومن طريق الأصبغ بن نباتة قال : شهدت علياً يوم صفين يقول من يبايعني على الموت ، فبايعه تسعة وتسعون رجلاً فقال : أين التمام ؟

فجاءه رجل عليه أطمار صوف ، محلوق الرأس فبايعه على القتل ، فقيل : هذا أويس القرني ، فما زال يحارب حتى قتل.

ورواه الحاكم في : ٣ / ٤٠٢ ، فقال :

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا أبو نعيم ، ثنا شريك ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي : أفيكم أويس القرني ؟

قالوا : نعم.

فضرب دابته حتى دخل معهم ، ثم قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : خير التابعين أويس القرني. انتهى.

ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام : ٣ / ٥٥٦ ، بنحو رواية أحمد ، قال :

عن ابن أبي ليلى قال : إن أويساً شهد صفين مع علي ، ثم روى عن رجل أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أويس خير التابعين بإحسان.

ورواه في سير أعلام النبلاء : ٤ / ٣١ ، بنحو رواية الحاكم ، قال :

شريك ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال : نادى رجل من أهل الشام يوم صفين : أفيكم أويس القرني ؟ قلنا نعم وما تريد منه ؟

قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أويس القرني خير التابعين بإحسان ، وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي رضي الله عنه. رواه عبد الله بن

٢١

أحمد ، عن علي بن حكيم الأودي ، أنبأنا شريك. وزاد بعض الثقات فيه عن يزيد ، عن ابن أبي ليلى ، قال : فوجد في قتلى صفين.

وكذا رواه في اُسد الغابة : ٥ / ٣٨٠ وروته مصادرنا بنحوه في اختيار معرفة الرجال : ٣١٤١ ، وشرح الأخبار : ٢ / ٣ ، ومعجم رجال الحديث : ٤ / ١٥٤ ، وجامع الرواة : ١ / ١١٠ ، وغيرها.

صاحب البصيرة الزاهد ، شجاعٌ مجاهد

في ميزان الاعتدال : ١ / ٢٨١ :

وقال فضيل بن عياض : أخبرنا أبوقرة السدوسي ، عن سعيد بن المسيب قال : نادى عمر بمنى على المنبر : يا أهل قرن ، فقام مشايخ ، فقال : أفيكم من اسمه أويس ؟

فقال شيخ : يا أمير المؤمنين ذاك مجنون يسكن القفار والرمال.

قال : ذاك الذي أعنيه ، إذا عدتم فاطلبوه وبلغوه سلامي.

فعادوا الى قرن ، فوجدوه في الرمال ، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : عرفني أمير المؤمنين ، وشهر اسمي ، ثم هام على وجهه ، فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهرا ، ثم عاد في أيام علي فقاتل بين يديه فاستشهد بصفين ، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة. انتهى.

راجع أيضاً : لسان الميزان : ١ / ٤٧٤ ، وتاريخ الإسلام للذهبي : ٣ / ٥٥٨ ، وسير أعلام النبلاء : ٤ / ٣٢

وفي مستدرك الحاكم : ٢ / ٣٦٥ :

قال ثم قال أويس : إن هذا المجلس يغشاه ثلاثة نفر : مؤمن فقيه ، ومؤمن لم يتفقه ، ومنافق ... لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان ، فقضاء الله الذي قضى شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا.

٢٢

اللهم ارزقني شهادة تسبق كسرتها أذاها ، وأمنها فزعها ، تؤوب الحياة والرزق. ثم سكت.

قال أسير فقال لي صاحبي : كيف رأيت الرجل ؟

قلت ما ازددت فيه إلا رغبة ، وما أنا بالذي أفارقه ، فلزمناه فلم نلبث إلا يسيرا حتى ضرب على الناس بعث أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، فخرج صاحب القطيفة أويس فيه ، وخرجنا معه فيه ، وكنا نسير معه وننزل معه ، حتى نزلنا بحضرة العدو.

قال ابن المبارك : فأخبرني حماد بن سلمة ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أسير بن جابر قال : فنادى علي رضي الله عنه : يا خيل الله اركبي وأبشري.

قال فصف الثلثين لهم ، فانتضى صاحب القطيفة أويس سيفه حتى كسر جفنه فألقاه ، ثم جعل يقول :

يا أيها الناس : تموا تموا ، ليتمن وجوه ثم لا تنصرف حتى ترى الجنة.

يا أيها الناس تموا تموا ، جعل يقول ذلك ويمشي وهو يقول ذلك ويمشي إذ جاءته رمية فأصابت فؤاده فبرد مكانه ، كأنما مات منذ دهر.

قال حماد في حديثه فواريناه في التراب. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة.

نسب أويس القرني ونسبته

قال الطبري في تاريخه : ١٠ / ١٤٥ :

وأويس القرني من مراد ، وهو يحابر بن مالك بن مذحج ، وهو أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد ، وهو يحابر بن مالك.

وقال الجوهري : ٦ / ٢١٨١ :

والقرن : موضع ، وهو ميقات أهل نجد ، ومنه أويس القرني.

٢٣

وقال في هامشه : القرن هنا بتسكين الراء ، وأما أويس القرني فليس منسوباً الى ميقات أهل نجد ، وإنما نسبته الى بني قرن ، بطن من مراد من اليمن.

وقال الخليل في كتاب العين : ٥ / ١٤٢ :

وقرن : حي من اليمن ، منهم أويس القرني.

وقال السمعاني في الأنساب : ٤ / ٤٨١ :

القرني : بفتح القاف والراء وكسر النون .. هذه النسبة الى قرن ، وهو بطن من مراد ، يقال له قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد ، نزل اليمن ، والمشهور بهذه النسبة المعروف في الأقطار : أويس بن عامر القرني ، وقصته في الزهد معروفة ، وقال الدار قطني : قرن ، بفتحتين ، فهو فيما ذكر ابن حبيب ، قال : في مراد ، قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد ، قوم أويس بن عامر القرني الزاهد.

والموضع الذي يحرم منه أهل نجد يقال له : قرن المنازل ، بسكون الراء. وأويس سكن الكوفة ، وكان عبداً زاهداً.

وفي اُسد الغابة : ١ / ١٥١ :

أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن مسعدة بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد المرادي ثم القرني ، الزاهد المشهور ، هكذا نسبه ابن الكلبي ، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يره ، وسكن الكوفة وهو من كبار تابعيها.

وفي إكمال الكمال : ٧ / ١١٣ :

أما قرن بفتح القاف والراء ففي مراد ، قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد. منهم أويس بن عمرو القرني الزاهد وغيره.

وفي ص ١٤٢ : أويس بن عمرو القرني ، ويقال ابن عامر.

وفي تهذيب التهذيب : ١ / ٣٣٧ :

( مسلم ) أويس بن عامر القرني المرادي سيد التابعين.

٢٤

وفي هامشه : قال في التقريب المغني : القرني بفتح القاف والراء بعدها نون ، نسبة الى قرن بن رومان ، والمرادي بمضمومة وخفة راء ودال مهملة ، نسبة الى مراد. اسمه يحابر بن مالك. اهـ.

وفي سير أعلام النبلاء : ٤ / ١٩ :

أويس القرني ، هو القدوة الزاهد ، سيد التابعين في زمانه ، أبوعمرو ، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني. وقرن بطن من مراد. انتهى.

وبذلك يتضح أن نسبته ( القرني ) بفتح الراء الى قبيلة يمانية ، وليس الى قرن المنازل بسكون الراء ، وقد اشتبه ذلك على الجوهري وغيره ، كما نص عليه ابن الأثير وغيره.

راجع أيضاً : اختيار معرفة الرجال / ٣١٤ ، والتحرير الطاووسي / ٧٤ ، وطرائف المقال : ٢ / ١٩٢ ، ومجمع البحرين : ١ / ١٣١ ، والأعلام : ١ / ٣٧٥ ، والبداية والنهاية : ٦ / ٢٢٥

وبهذا يتضح أن أويساً عربي يماني ، ومن الطبيعي أن يكون أسمر اللون ، ولكن بعض الروايات تذكر أنه كان آدم شديد الأدمة ، وكأنها تريد القول إنه كان أفريقيا أسود ! في محاولة لذم أويس في ذلك المجتمع الأموي المتعصب ضد الأفارقة.

عشيرة الأويسات أو اللويسات السورية

في معجم قبائل العرب : ٣ / ١٠١٩ :

اللويسات : من عشائر سهل الغاب بجسر الشغور ، أحد أقضية محافظة حلب. ينتسبون الى أويس القرني ، وقد قطنوا الغاب في القرن الحادي عشر ، وقريتهم الحويجة ، ويعدون ٣٢ بيتاً.

روايات لقائه بعمر واستغفاره له

قال مسلم في صحيحه : ٧ / ١٨٨ :

عن عمر بن الخطاب قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن

٢٥

خير التابعين رجل يقال له أويس ، وله والدة هو بها بر ، لو أقسم على الله لأبره ، وكان به بياض فبريء ، فمروه فليستغفر لكم ...

كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم : أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال : أنت أويس بن عامر ؟

قال نعم.

قال : من مراد ، ثم من قرن ؟

قال نعم.

قال : فكان بك برص فبرئت منه ، إلا موضع درهم ؟

قال نعم.

قال : لك والدة ؟

قال نعم.

قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن ، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم. له والدة هو بها بر ، لو أقسم على الله لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ، فاستغفر لي ، فاستغفر له ...

عن أسير بن جابر أن أهل الكوفة وفدوا الى عمر وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس ، فقال عمر : هل ها هنا أحد من القرنيين ؟

فجاء ذلك الرجل فقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال : إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس ، لا يدع باليمن غير أم له ، قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدينار أو الدرهم ، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم.

وروى أحمد : ١ / ٣٨ ، رواية مسلم المطولة ، وفيها :

قال له عمر رضي الله عنه : استغفر لي.

قال : أنت أحق أن تستغفر لي ، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال عمر رضي الله عنه : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن خير

٢٦

التابعين رجل يقال له أويس وله والدة وكان به بياض فدعا الله عز وجل فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته ، فاستغفر له ثم دخل في غمار الناس ، فلم يدر أين وقع ! قال : فقدم الكوفة قال وكنا نجتمع في حلقة فنذكر الله ، وكان يجلس معنا ، فكان إذا ذكر هو وقع حديثه من قلوبنا موقعاً لا يقع حديث غيره. انتهى.

ورواه الحاكم في : ٣ / ٤٠٤ ، والبيهقي في الدلائل : ٦ / ٣٧٦ والذهبي في سير أعلام النبلاء : ٤ / ٢٠

وقال الحاكم في : ٣ / ٤٠٣ :

وقد صحت الرواية بذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله. أخبرناه أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني ... فلما كان في العام المقبل حج رجل من أشرافهم فسأل عمر عن أويس كيف تركته ؟ فقال : تركته رث البيت قليل المتاع ، قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن ، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم ، له والدة هو بها بر ، لو أقسم على الله لابره ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل.

فلما قدم الرجل أتى أويساً فقال استغفر لي فقال : أنت أحدث الناس بسفر صالح فاستغفر لي.

فقال : لقيت عمر بن الخطاب ؟

فقال : نعم.

قال : فاستغفر له ، قال ففطن له الناس ، فانطلق على وجهه.

قال أسير : فكسوته برداً ، فكان إذا رآه عليه إنسان قال من أين لأويس هذا ؟!

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه بهذه السياقة.

وروى نحوه في : ٣ / ٤٠٤ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء : ٤ / ٢٠

وفي طبقات ابن سعد : ٦ / ١١٣ :

عن أسير بن جابر قال : كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد اليمن سألهم

٢٧

أفيكم أويس بن عامر ؟ فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس القرني ، قال : سمعت رسول الله يقول يأتي عليك أويس بن عامر من أمداد أهل اليمن من مراد .. بر لو أقسم على الله لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل .. ورواه في سير أعلام النبلاء : ٤ / ٢٠ والبيهقي في شعب الايمان : ٥ / ٣١٩ ، وابن كثير في البداية والنهاية : ٦ / ٢٢٥

وفي المجروحين لابن حبان : ٣ / ١٥١ :

وكان عمر بن الخطاب يسأل الوفود إذا قدموا من الكوفة : هل تعرفون أويس بن عامر القرني ؟ فيقولون : لا ، فقدم وفد من أهل الكوفة فيهم ابن عمه فقال عمر : هل تعرفون أويس بن عامر القرني ؟

فقال ابن عمه : يا أمير المؤمنين هو ابن عمي وهو رجل فاسد ، لم يبلغ ما أن تعرفه أنت يا أمير المؤمنين !!

فقال له عمر : ويلك هلكت ويلك هلكت ، إذا أتيته فاقرئه مني السلام ، ومره فليقدم إلي ، فقدم الكوفة فلم يضع ثياب سفره عنه حتى أتى المسجد قال : فرأى أويساً فسلم به وقال : استغفر لي يا ابن عمي !

قال : غفر الله لك يا ابن عمي !

قال : وأنت يا أويس يغفر الله لك ، أمير المؤمنين يقرئك السلام.

قال : ومن ذكرني لأمير المؤمنين ؟

قال : هو ذكرك وأمرني أن أبلغك أن تفد اليه.

فقال : سمعاً وطاعةً لأمير المؤمنين ! فوفد اليه حتى دخل على عمر.

فقال : أنت أويس بن عامر ؟

قال : نعم.

قال : أنت الذي خرج بك وضح فدعوت الله أن يذهب عنك فأذهبه فقلت : اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك ؟

٢٨

قال : نعم.

قال : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر ، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه ، فيقول : اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك عليّ ، فيدع الله له ما يذكره نعمته عليه ، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له. استغفر لي يا أويس بن عامر ، فقال : غفر الله لك يا أمير المؤمنين.

قال آخر : استغفر لي يا أويس ، وقال آخر : استغفر لي يا أويس ، فلما أكثروا عليه انساب فذهب ! فما رؤي حتى الساعة.

راجع أيضاً : الطبقات الكبرى ١١١ / ٦ ، الميزان ٤٩٢ / ٤ ، سير أعلام النبلاء : ٤ / ٢٥ ، كنز العمال : ١٤ / ١٠ ، الموضوعات لابن الجوزي ٤٣ / ٢. انتهى.

فهذه الروايات تدل على أن أويساً جاء من اليمن الى الكوفة وسكن بها ، قبل أن يعرفه عمر ، مع أن طريقه تمر على الحجاز.

وتدل على أن ايذاء السلطة له في الكوفة كان قبل مجيئه الى المدينة ، الى عمر.

ومن البعيد أن حاكم الكوفة كان يجرؤ على مضايقة شخصية مثل أويس بدون رأي عمر ، وإذا صحت رواية استدعائه له ، فقد يكون الغرض محاولة كسبه ، وأنها فشلت ، لأنه انسل من المدينة وهرب راجعاً الى الكوفة بدون رضا عمر !

ولابد أن مشكلته مع حاكم الكوفة ورجاله قد زادت أو بقيت على حالها !

وفي كنز العمال : ١٢ / ١٠ :

عن صعصعة بن معاوية قال : كان عمر بن الخطاب يسأل وفد أهل الكوفة إذا قدموا عليه : تعرفون أويس بن عامر القرني ؟ فيقولون : لا.

وكان أويس رجلاً يلزم المسجد بالكوفة فلا يكاد يفارقه ، وله ابن عم يغشى السلطان ويؤذي أويساً ، فوفد ابن عمه الى عمر فيمن وفد من أهل الكوفة ، فقال عمر : أتعرفون أويس بن عامر القرني ؟

٢٩

فقال ابن عمه : يا أمير المؤمنين إن أويساً لم يبلغ أن تعرفه أنت ، إنما هو إنسان دون ، وهو ابن عمي !

فقال له عمر : ويلك هلكت ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني ، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليفعل ، فإذا رأيته فأقرئه مني السلام ، ومره أن يفد إلي ، فوفد اليه ، فلما دخل عليه قال :

أنت أويس بن عامر القرني ؟ أنت الذي خرج بك وضح من برص فدعوت الله أن يذهبه عنك فأذهبه ، فقلت اللهم أبق لي منه في جسدي ما أذكر به نعمتك ؟ قال : وأنى دريت يا أمير المؤمنين)

شراً !

قال : أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني ، يخرج به وضح من برص فيدعو الله أن يذهبه عنه فيفعل ، فيقول : اللهم اترك في جسدي ما أذكر به نعمتك ، فيفعل ، فيقول اللهم أترك في جسدي ما أذكر به نعمتك ، فيفعل ، فمن أدركه فاستطاع أن يستغفر له فليفعل ، فاستغفر لي يا أويس. قال : غفر الله لك يا أمير المؤمنين ! قال : ولك يغفر الله يا أويس. قال : غفر الله لك يا أمير المؤمنين ! قال : ولك يغفر الله يا أويس بن عامر. فقال الناس : استغفر لنا يا أويس ، فراغ ، فما رئي حتى الساعة ( ع ، وابن منده ، كر ). وفي هامشه : راغ الى كذا : مال اليه سرا وحاد. انتهى.

وقد روى قوله ( فراغ فما رئي حتى الساعة ) ابن حبان في المجروحين : ٣ / ١٥١ ، وفي لسان الميزان : ١ / ٤٧١.

روايات توجب الشك في استغفاره لعمر

الأمر الثابت في الروايات ، والمنطقي أيضاً ، أن عمر كان يبحث عن أويس لكي يستغفر له ، كما تقدم.

بل في بعضها أنه كان يبحث عنه الى آخر سنة من خلافته ..

٣٠

ففي طبقات ابن سعد : ٦ / ١١٣ :

قال ابن عون عن محمد قال : أمر عمر أن نرى رجلا من التابعين أن يستغفر له ، قال محمد : فأنبئت أن عمر كان ينشده في الموسم ، يعني أويساً .. انتهى.

وتدل الرواية التالية على أن أويساً لم ير عمر أبداً ، وأنه بقي في اليمن الى خلافة علي عليه‌السلام ، ولم يقبل دعوة عمر للمجيء الى المدينة !! وعندما وجدوه في اليمن وبلغوه سلام عمر وسلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، رد على السلام الرسول وآله ، ولم يرد سلام عمر !!

وفي كنز العمال : ١٤ / ١٠ :

عن سعيد بن المسيب قال : نادى عمر بن الخطاب وهو على المنبر بمنى :

يا أهل قرن ! فقام مشايخ فقالوا : نحن يا أمير المؤمنين !

قال : أفي قرن من اسمه أويس ؟

فقال شيخ : يا أمير المؤمنين ليس فينا من اسمه أويس إلا مجنون يسكن القفار والرمال ولا يألف ولا يؤلف !

فقال : ذاك الذي أعنيه ، إذا عدتم الى قرن فاطلبوه وبلغوه سلامي وقولوا له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرني بك ، وأمرني أن أقرأ عليك سلامه.

فعادوا الى قرن فطلبوه فوجدوه في الرمال ، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أعرفني أمير المؤمنين وشهر بإسمي ؟! السلام على رسول الله ، اللهم صل عليه وعلى آله ، وهام على وجهه فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهراً ، ثم عاد في أيام علي فقاتل بين يديه ، فاستشهد في صفين ( كر ).

وكذا في سير أعلام النبلاء : ٤ / ٣٢

فهذه الروايات تدل على أنه بقي في اليمن ، ولم ير عمر أصلاً !!

بينما تقول رواية أخرى إنه قدم من اليمن على عمر في المدينة ، ولكنه لم يستغفر له ، وهرب منه !

٣١

ففي سير أعلام النبلاء : ٤ / ٢٤ :

قال عمر : فقدم علينا ها هنا فقلت : ما أنت ؟ قال : أنا أويس.

قلت : من تركت باليمن ؟

قال : أما لي.

قلت : هل كان بك بياض فدعوت الله فأذهبه عنك ؟

قال : نعم.

قلت : استغفر لي.

قال : يا أمير المؤمنين يستغفر مثلي لمثلك ؟!

قلت : أنت أخي لا تفارقني. فانملس مني ، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة. انتهى.

وقال في ص ٢٧ : وفي لفظ : أو يستغفر لمثلك ؟!

وروى نحواً من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه !! انتهى.

وفي دلائل النبوة للبيهقي : ٦ / ٣٧٦ :

لما أقبل أهل اليمن جعل عمر ( رض ) يستقرئ فيقول هل فيكم أحد من قرن ؟ ... فوقع زمام عمر أو زمام أويس ... فناوله عمر فقال له : ما اسمك ؟

قال : أويس.

فقال له عمر : استغفر لي.

قال : أنت أحق أن تستغفر لي.

ونحوه في مسند أحمد : ١ / ٣٨ ، وسير أعلام النبلاء : ٤ / ٢٠

وفي مستدرك الحاكم : ٣ / ٤٠٤ :

عن أسير بن جابر قال لما أقبل أهل اليمن جعل عمر رضي الله عنه يستقري الرفاق فيقول : هل فيكم أحد من قرن ؟ حتى أتى عليه قرن فقال : من أنتم ؟

قالوا : قرن.

فرفع عمر بزمامه أو زمام أويس فناوله عمر فعرفه بالنعت ، فقال له عمر :

٣٢

ما اسمك ؟

قال أنا أويس.

قال : هل كان لك والدة ؟

قال : نعم.

قال : هل بك من البياض ؟

قال : نعم ، دعوت الله تعالى فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لأذكر به ربي.

فقال له عمر : إستغفر لي.

قال : أنت أحق أن تستغفر لي ، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله. انتهى.

وروى الذهبي في سير أعلام النبلاء : ٤ / ٢٧ ، نصاً طريفاً عن أبي هريرة ، ورده ، وقد جاء فيه :

فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر ، قام على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته:

يا أهل الحجيج من أهل اليمن ، أفيكم أويس من مراد ؟

فقام شيخ كبير فقال : إنا لا ندري من أويس ، ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً من أن نرفعه اليك ، وإنه ليرعى إبلنا بأراك عرفات فذكر اجتماع عمر به وهو يرعى فسأله الاستغفار ، وعرض عليه مالاً ، فأبى. انتهى.

ثم قال الذهبي : وهذا سياق منكر لعله موضوع. انتهى.

وسبب حكمه عليه بالوضع أنه ينص على امتناع أويس من الاستغفار لعمر ، وأنه لم يلقه إلا في آخر سنة من عمره !

ولكن لو صح إشكال الذهبي على هذا النص ، فإن تعارض الروايات الصحيحة عندهم في القول بأنه استغفر لعمر أو لم يستغفر له ، ورفضه أن يأخذ منه شيئاً مادياً أو معنوياً ، وهروبه منه .. كل ذلك يؤيد مانص منها على أنه رفض الإستغفار له !

٣٣

ويؤيد ذلك : أن التاريخ لم يذكر أن أويساً بايع أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ، ولا شارك في حروب الفتح تحت إمرة أمرائهم ، بل لم تذكر عنه شيئاً طيلة خلافتهم التي امتدت ربع قرن ، حتى ظهر مع علي عليه‌السلام ، وبايعه ، وشارك في حروبه.

ويؤيده : أن روايات ذكرت أن عمر طلب منه أن يبقى عنده وقال له ( أنت أخي لا تفارقني ) فلم يقبل أويس وهرب منه ، ولا تفسير لهروبه إلا أنه خاف أن يحرجه عمر في كلام ، أو يصر عليه أن يوليه عملاً في دولته !

ويؤيده : أن عمر كان مركزياً شديد المركزية في إدارته ، وكان أويس معروفاً في الكوفة ، فلا يمكن القول بأن اضطهاد حاكم الكوفة لأويس كان بدون أمر من عمر ! وبذلك يكون إحضاره الى المدينة إن صح ، محاولة من عمر لاستمالته ، وقد فشلت !

ويؤيد أيضاً : تعارض الروايات في وقت لقائه بعمر !

فبعضها يقول إنه كان يبحث عنه في موسم الحج ، كما في كنز العمال : ١٤ / ٧ ، عن محمد بن سيرين قال : أمر عمر بن الخطاب إن لقي رجلاً من التابعين أن يستغفر له قال محمد : قال فأنبئت أن عمر كان ينشده في الموسم يعني أويساً ( ابن سعد ، كر ).

وبعضها : يقول إنه وفد عليه من اليمن ، كما في اُسد الغابة : ١ / ١٥١ :

قال فقال عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس ، لا يدع باليمن غير أم ... فقال له عمر أين تريد ؟ قال : الكوفة ، قال ألا أكتب لك الى عاملها ؟ قال : أكون في غبراء الناس أحب إلي ... ونحوه في كنز العمال : ١٤ / ٥ ، وتاريخ الإسلام : ٣ / ٥٥٦

وبعضها : ينص على أنه كان في آخر سنة من خلافته يبحث عنه ! كالتي تقدمت من كنز العمال ، وسير أعلام النبلاء : ٤ / ٢٧ ، عن أبي هريرة ...

ويؤيد ذلك أيضاً : تناقضات أسير بن جابر راوي لقاء أويس بعمر ، ففي رواية الحاكم المتقدمة عنه ( ٢ / ٣٦٥ ) أن أسيراً لم يعرف أويساً إلا في الكوفة في خلافة علي عليه‌السلام ، وأن أويساً لم يلبث بعد معرفته به إلا قليلاً حتى ذهب الى صفين !

٣٤

ورواياته الأخرى تقول إنه عرفه من عهد عمر ، أي قبل بضع عشرة سنة من خلافة علي عليه‌السلام.

هذا ، مضافاً الى تناقض الأحداث والمضامين التي رواها أسير ، والصورة الساذجة التي أعطاها لهذا الولي الواعي ، والدور الذي أعطاه لنفسه في حياة أويس ، كأنه ولي نعمته !

والمتأمل في روايات أسير يلاحظ أن همه أن يبرز دوره ودور عمر في حياة أويس !

وقد قال عنه الحاكم في المستدرك : ٢ / ٣٦٥ ( وأسير بن جابر من المخضرمين ، ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله. وهو من كبار أصحاب عمر رضي الله عنه ). انتهى.

وقد جرح صعصعة بن معاوية في أسير هذا ، وصعصعة هو عم الأحنف بن قيس وقد وثقه النسائي وابن حبان ، وشهد صعصعة بأن أسيراً كان من شرطة دار الامارة بالكوفة وكان عمله إيذاء أويس ( يغشى السلطان ويؤذي أويساً ) !

وقد اعترف أسير بذلك ولكنه ادعى أنه تاب ، وأن أويساً استغفر له !!

وإقراره على نفسه حجة ، وادعاؤه التوبة دعوى تحتاج الى دليل.

أما رواية صعصعة بن معاوية عن لقائه بعمر ، التي رواها كنز العمال : ١٢ / ١٠ ، ورواها أبو يعلي في مسنده : ١ / ١٨٧ ح ٢١٢ ، فهي مقطوعة ، لأن صعصعة لم يدرك عمر ، ولم يذكر ممن سمعها ، وقد ذكروا أن صعصعة أدرك أبا ذر ورآه ، وأنه كان حياً في زمن الحجاج ، ولا يعلم متى قال هذا الكلام ، ولعله بعد زمن علي عليه‌السلام.

من هم الذين خاطبهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في البشارة بأويس ؟

تتعارض الروايات في تعيين المخاطبين في البشارة بأويس .. فبعضها تقول إن المخاطب بذلك هم المسلمون ، بدون تحديد شخص أو أشخاص.

وروايات أسير بن جابر تقول إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خاطب بذلك عمر بن الخطاب ، فهو

٣٥

يزعم أن ذلك إخبار غيبي بخلافة عمر ، أو نوع من الوصية له ، مع أن خلافة أبي بكر وعمر قامتا على أساس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يوص لأحد ، وأن عشائر قريش الثلاث والعشرين كلها ترث ملكه صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه ابن قريش !

وبعض الرويات ، كما في سير الذهبي : ٤ / ٢٤ ، تقول إن المخاطب هما عمر وعلي ( يا عمر ويا علي إذا رأيتماه ، فاطلبا اليه يستغفر لكما ، يغفر الله لكما. فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه ). انتهى.

ومن الطبيعي أن هذه الرواية تريد تلطيف رواية أن المخاطب بذلك عمر وحده ، لأن أويساً كان من شيعة علي ولم يكن من شيعة عمر ، فجعلت الخطاب لهما معاً !

أما ابن سلام الأباضي فقد ذكر في كتابه بدء الإسلام / ٧٩ ، أن المخاطب بذلك هما أبو بكر وعمر ...

ولعل بعضهم روى أن المخاطب بذلك عثمان بن عفان ، مع أن اسم عثمان غائب عن أحاديث أويس كلياً ، رغم أن خلافته امتدت بضع عشرة سنة !

فهذا الاضطراب في تسمية الذين خاطبهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أمر أويس ، يقوي ما ورد في مصادرنا من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خاطب المسلمين عامة ، وخاطب علياً عليه‌السلام خاصة ، بأن أويساً سيبايعه ويقتل معه ، فجعل الرواة هذه الفضيلة للخلفاء قبله ، كما هو دأبهم في مصادرة فضائل علي عليه‌السلام وتلبيسها لغيره!

ولا يتسع البحث للافاضة في هذا الموضوع.

قال المفيد في الارشاد : ١ / ٣١٥ :

في حديث عن علي عليه‌السلام أنه قال : الله أكبر أخبرني حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أني أدرك رجلاً من أمته يقال له أويس القرني يكون من حزب الله ورسوله ، يموت على الشهادة ، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. انتهى.

ونحوه في الخرائج والجرائح : ١ / ٢٠٠ ، وإعلام الورى / ١٧٠ ، والثاقب في المناقب / ٢٦٦ ، وبحار الأنوار : ٣٧ / ٢٩٩ و٣٨ / ١٤٧

٣٦

آراء شاذة وأخرى مشبوهة الهدف في أويس :

١ ـ حاولوا إعطاء شخصية أويس لعدوي وأموي

مع كثرة الأحاديث والروايات الصحيحة في مصادر الشيعة والسنة حول أويس ، ومع أن اسمه مميز لا يختلط بغيره .. إلا أن بعضهم حاول أن يجعل الشخص الذي بشر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشفاعته شخصاً آخر غير أويس !!

قال ابن الأثير في اُسد الغابة : ٣ / ٢٩ :

صلة بن أشيم العدوي من عدي بن الرباب وهو عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة ، أورده سعيد القرشي ... صلة هذا قتل بسجستان سنة خمس وثلاثين ، وكان عمره ثلاثين ومائة سنة ، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صلة فقال فيما روى يزيد بن جابر قال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يكون في أمتي رجل يقال له صلة ، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. أخرجه أبو موسى.

روى يزيد عن جابر قال : بلغنا أن النبي قال : يكون في أمتي رجل يقال له صلة ( ابن أشيم ) يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. انتهى. ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام : ٥ / ١٢٧

وترجم الذهبي في سير أعلام النبلاء : ٣ / ٤٩٧ ، لصلة هذا باحترام كبير فقال :

صلة بن أشيم الزاهد العابد القدوة ، أبو الصهباء العدوي البصري زوج العالمة معاذة العدوية ، ما علمته روى سوى حديث واحد عن ابن عباس.

حدث عنه أهله معاذة ، والحسن ، وحميد بن هلال ، وثابت البناني ، وغيرهم.

ابن المبارك في الزهد : عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يكون في أمتي رجل يقال له صلة ، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. هذا حديث معضل. انتهى. ثم ذكر الذهبي أنه استشهد في سجستان سنة اثنين وستين.

٣٧

وقال فى هامشه عن معاذة زوجة صلة : من رجال التهذيب ، وحديثها في الكتب الستة. وقال عن الحديث : إسناده ضعيف لاعضاله كما قال المؤلف ، والحديث المعضل هو الذي سقط من إسناده اثنان على التوالي.

والخبر في حلية الأولياء ٢ / ٢٤١ من طريق ابن المبارك. انتهى.

وكفى الله المؤمنين هذا الحديث حيث ضعفه ناقلوه .. لكن تبقى دلالته على أن وجود أويس كان ثقيلاً على السلطة وخاصة الأموية ، لأنه شهادة نبوية حية على أن الحق مع علي عليه‌السلام ولذلك حاولوا التخلص منه تارة بإنكار وجود أويس من الأساس ! أو بتضعيفه ، أو بإعطاء شخصيته لشخص عدوي قريب من الخليفة عمر.

وبعضهم سلم بوجود أويس لكن ادعى أنه قتل في سجستان أو آذربيجان ، ولم يقتل مع علي في صفين !!

وأخيراً .. حاول بعضهم أن يعطي شفاعة أويس لعثمان بن عفان ! فقال في تذكرة الموضوعات / ٩٤ : في المختصر ( يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر ) قيل هو أويس ، والمشهور أنه عثمان بن عفان. انتهى.

ومعنى قوله ( والمشهور ) أنه يريد أن يجعله مشهوراً ، وإن لم يكن كذلك حتى بين السنيين المحبين لعثمان !!

٢ ـ والبخاري ضعف أويساً ولم يقبل روايته !

في ميزان الاعتدال : ١ / ٢٧٨ ولسان الميزان : ١ / ٤٧١ :

أويس بن عامر ، ويقال ابن عمرو القرني اليمني العابد نزيل الكوفة ، قال البخاري يماني مرادي ، في إسناده نظر فيما يرويه ! وقال البخاري أيضاً في الضعفاء : في إسناده نظر : يروي عن أويس في إسناد ذلك.

قلت هذه عبارته ! يريد أن الحديث الذي روى عن أويس في الاسناد الى أويس نظر ، ولولا أن البخاري ذكر أويساً في الضعفاء لما ذكرته أصلاً ، فإنه من أولياء الله الصادقين ، وما روى الرجل شيئاً فيضعف أو يوثق من أجله !

٣٨

وقال أبو داود : حدثنا شعبة قال : قلت لعمرو بن مرة : أخبرني عن أويس ، هل تعرفونه فيكم ؟ قال : لا.

قلت : إنما سألت عمراً عنه لأنه مرادي ، هل تعرف نسبه فيكم ؟ فلم يعرف. ولولا الحديث الذي رواه مسلم في فضل أويس لما عرف ، لأنه عبد لله تقي خفي ، وما روى شيئاً ، فكيف يعرفه عمرو ، وليس من لم يعرف حجة على من عرفه ! انتهى.

وشبيه به في سير أعلام النبلاء : ٤ / ١٩ ، قال :

أويس القرني. هو القدوة الزاهد ، سيد التابعين في زمانه ، أبو عمرو ، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني. وقرن بطن من مراد.

وفد على عمر وروى قليلاً عنه ، وعن علي.

روى عنه يسير بن عمرو ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وأبو عبد رب الدمشقي وغيرهم ، حكايات يسيرة ، ما روى شيئاً مسنداً ولا تهيأ أن يحكم عليه بلين ، وقد كان من أولياء الله المتقين ومن عباده المخلصين. انتهى.

وقال الجرجاني في الكامل : ١ / ١٢ ، بعد أن أورد عدداً من أحاديث أويس : قال الشيخ : وهذا الحديث معروف لأويس يرويه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة ، وليس لأويس من الرواية شيء ، وانما له حكايات ونتف وأخبار في زهده ، وقد شك قوم فيه ، إلا أنه من شهرته في نفسه وشهرة أخباره لا يجوز أن يشك فيه ، وليس له من الأحاديث إلا القليل ، فلا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف ، بل هو صدوق ثقة مقدار ما يروى عنه. انتهى.

والذي يقرأ البخاري في صحيحه وتاريخه وبقية مؤلفاته ، يراه حريصاً على الخط المتشدد لمذهب عمر وآرائه ، ولذا فإن موقفه السلبي من أويس يمثل ما كان في عصره من التهوين من شخصيته .. وهو دليل كاف على أن صلة أويس بعمر لم تكن كما يحبون.

٣٩

٣ ـ ومتشددة الحنابلة قللوا من مقام أويس !

فقد صرح متعصبوا الحنابلة بتفضيل بعض أصحابهم على أويس القرني !

قال أبو يعلى في طبقات الحنابلة : ٢ / ٦٣ :

فقال البربهاري إذا كان أويس القرني يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر ، فكم يدخل في شفاعة أبي الحسن بن بشار ؟!

قال أحمد البرمكي : صدق البربهاري لأن أويساً كان من الأبدال ، وأبا الحسن كان من المستخلفين ، والمستخلف أجل من البدل وأفضل عند الله ، لأن المستخلف في الأرض مقامه مقام النبيين عليهم‌السلام !! لأنه يدعو الخلق الى الله ، فبركته عائدة عليه وعلى كافة الخلق ، وبركة البدل عائدة على نفسه !! انتهى.

لكنا نسأل البرمكي والبربهاري وأبا يعلى الذي ارتضى كلامهما : إن درجات الناس ومقامهم عند الله وتفاضلهم غيب لا سبيل الى العلم به الا من الذي له نافذة على الغيب ! وقد عرفنا مقام أويس من شهادة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن أين عرفتم مقام صاحبكم !! وأن الله تعالى جعله خليفته في أرضه ! وجعله في رتبة الأنبياء صلوات الله عليهم ؟ !

إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً ؟!

أما الذهبي فقد قيد قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المطلق في أويس ! وقال إنه أفضل التابعين في عصره فقط .. ويقصد أنه بعد عصره يوجد كثيرون أفضل منه !!

قال في سير أعلام النبلاء : ٤ / ١٩ :

أويس القرني ، هو القدوة الزاهد ، سيد التابعين في زمانه ، أبو عمرو ، أويس ... انتهى.

وأما ابن تيمية ، فقد تناول أويساً من جهة أخرى قد تكون هي السبب في حساسية بعضهم منه ، فقد أكد على أن أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر أن يطلب من أويس أن يستغفر له ، لا يدل على أن أويساً أفضل من عمر !

٤٠