العقائد الاسلامية - ج ٤

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الاسلامية - ج ٤

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-121-4 /
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٥٢٥

والأمر الثاني ، ماكتبه في رسالة له من سجنه ، حيث قال في ص ١٦ :

وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم شخصاً أن يقول : اللهم إني أسألك وأتوسل اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله ، إني أتوسل بك الى ربي في حاجتي ليقضيها. اللهم فشفعه في.

فهذا التوسل به حسن ، وأما دعاؤه والاستغاثة به فحرام !

والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين. المتوسل إنما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لا يدعو غيره إلا على سبيل استحضاره لا على سبيل الطلب منه. وأما الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه. انتهى.

والذي وصلت اليه هو : أن ابن تيمية لم يغير رأيه في التوسل ، ولكنه استعمل عبارات مبهمة ليرضي بها قضاة الدولة والناقمين عليه من الناس !

ومهما يكن ، فقد أخطأ في تحريمه الاستغاثة أيضاً ، لأن معناها طلب الغوث أي العون من شخص ، وهو لا يعني أن المستغيث به يعبده ، فحكمها حكم الاستعانة والنداء والتوسل ، بدون فرق !

قال ابن السكيت في إصلاح المنطق / ٢٩ :

يقال : قد استغاثني فلان فأغثته ، وقد غاث الله البلاد يغيثها غيثاً ، إذا أنزل بها الغيث وقد غيثت الأرض تغاث ، وهي أرض مغيثة ومغيوثة.

وقال الراغب في المفردات / ٣٧٩ :

ويقال فزع اليه إذا استغاث به عند الفزع ، وفزع له أغاثه. انتهى.

فزعم ابن تيمية أنك عندما تقول ( يا رسول الله أغثني ) فإنك تعبده من دون الله تعالى ! تصورٌ باطل ، لأن معنى الاستعانة والاستغاثة لا يعطي ذلك ، ولا المستعين والمستغيث ينويه ، ولا يعتقده ! بل المستغيث كالمتوسل ينويان طلب توسط الرسول الى الله تعالى ، فلا فرق بينهما حتى يحل أحدهما ويحرم الآخر !

٣٦١

علماء المذاهب الاسلامية يردون على شذوذ ابن تيمية !

رد علماء المذاهب على آراء ابن تيمية في التجسيم ، وفي تحريم السفر الى زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتحريم التوسل والاستشفاع به ، وألفوا فيها كتباً عديدة ، من عصر ابن تيمية الى عصر ابن عبد الوهاب .. والى يومنا.

ولا يتسع المجال هنا إلا لعرض نماذج مختصرة منها.

نماذج من ردهم على مذهب ابن تيمية

قال ابن عابدين في حاشية رد المحتار : ٦ / ٧١٦ :

نعم ذكر العلامة المناوي في حديث : اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة ، عن العز بن عبد السلام أنه ينبغي كونه مقصوراً على النبي ( ص ) وأن لا يقسم على الله بغيره ، وأن يكون من خصائصه.

قال : وقال السبكي يحسن التوسل بالنبي الى ربه ، ولم ينكره أحدٌ من السلف ، ولا الخلف إلا ابن تيمية ، فابتدع ما لم يقله عالمٌ قبله. اهـ.

ونازع العلامة ابن أمير حاج في دعوى الخصوصية ، وأطال الكلام على ذلك في الفصل الثالث عشر ، آخر شرحه على المنية ، فراجعه.

وقال الشربيني في مغني المحتاج : ١ / ١٨٤ :

خاتمة : سئل الشيخ عز الدين هل يكره أن يسأل الله بعظيم من خلقه كالنبي والملك والولي ؟ فأجاب بأنه جاء عن النبي ( ص ) أنه علم بعض الناس : اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة..الخ. فإن صح فينبغي أن يكون مقصوراً عليه عليه الصلاة والسلام ، لأنه سيد ولد آدم ، ولا يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة ، لأنهم ليسوا في درجته ، ويكون هذا من خواصه. اهـ. والمشهور أنه لا يكره شيء من ذلك.

٣٦٢

وأضاف الشرواني في حواشيه : ٢ /١٠٨ :

وفي ع ش بعد ذكر كلام الشيخ عز الدين ما نصه : فإن قلت : هذا قد يعارض ما في البهجة وشرحها لشيخ الإسلام ، والأفضل استسقاؤهم بالأتقياء لأن دعاءهم أرجى للاجابة. الخ.

قلت : لا تعارض لجواز أن ما ذكره العز مفروض فيما لو سأل بذلك على صورة الازلام ، كما يؤخذ من قوله : اللهم إني أقسم عليك .. الخ.

وما في البهجة وشرحها محصور بما إذا ورد على صورة الإستشفاع والسؤال ، مثل أسألك ببركة فلان ، أو بحرمته أو نحو ذلك. انتهى.

٣٦٣

مقتطفات من أهم كتب علماء المذاهب في الرد على ابن تيمية :

كتاب : إرغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي

للحافظ ابن الصديق الغماري الحسني .. الطبعة الثانية ـ ١٤١٢ ـ دار الإمام النووي ـ الأردن ، وقد حققه وقدم له السيد حسن السقاف ، ومقدمته وتحقيقه لا تقل فائدتهما عن أصل الكتاب.

قال السقاف في مقدمته :

أما بعد : فالتوسل والاستغاثة والتشفع بسيد الأنام ، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مصباح الظلام ، من الأمور المندوبات المؤكدات ، وخصوصاً عند المدلهمات وعلى ذلك سار العلماء العاملون ، والأولياء العابدون ، والسادة المحدثون ، والأئمة السالفون ، كما قال السبكي فيما نقل عند صاحب فيض القدير ٢ / ١٣٥ : ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي الى ربه ولم ينكر ذلك أحد من السلف ولا من الخلف .. انتهى.

حتى نص السادة الحنابلة في مصنفاتهم الفقهية على استحباب التوسل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونقلوا ذلك عن الإمام أحمد أنه استحبه كما في كتاب الانصاف فيما ترجح من الخلاف ٢ / ٤٥٦ وغيره.

ونقل ابن كثير في البداية ١٤ / ٤٥ أن ابن تيمية أقر أخيراً في المجلس الذي عقده له العلماء العاملون الربانيون المجاهدون بالتوسل وأصر على إنكار الاستغاثة. مع أنه يقول في رسالة خاصة له في الاستغاثة بجوازها بالنبي فيما يقدر عليه المخلوق.

واعتمد الإمام الحافظ النووي استحباب التوسل والاستغاثة في مصنفاته ، كما في حاشية الإيضاح على المناسك له ص ٤٥٠ و٤٩٨ من طبعة أخرى وفي شرح المهذب المجموع ٨ / ٢٧٤ وفي الأذكار ص ٣٠٧ من طبعة دار الفكر ، في كتاب أذكار الحج ، وص ١٨٤ من طبعة المكتبة العلمية.

وهو مذهب الشافعية ، وغيرهم من الأئمة المرضيين ، المجمع على جلالتهم وثقتهم.

٣٦٤

وإني أود أن أسرد بعض الأدلة من الأحاديث الصحيحة الثابتة عند علماء المسلمين وأئمة الحفاظ والمحدثين ، والتي لم تضرها محاولة تلاعب المتلاعبين في الطعن في أسانيدها ، وغير ذلك من طرق التلاعب والتدليس التي بينتها ، ومثلت عليها في بهجة الناظر في الفصل الرابع.

ولا يعرف الحق كا هو معلوم بالجعجعة وكثرة الكلام ، ونفخ الكتب بتكثير عدد الصفحات ، وإنما يعرف الحق بالبراهين العلمية ، والأدلة الواضحة الجلية ، وإن كانت قليلة العبارات ، فهي كثيرة التعبيرات والاشارات.

وقد أرشد الى ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله ( أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا ).

وإني أبدأ بعرض بعض أدلة التوسل ثم أردفها بأدلة الاستغاثة المندوبة التي أرشدت اليها السنة الغراء فأقول :

أدلة التوسل :

١ ـ حديث الشفاعة المتواتر والمروي في الصحيحين وغيرهما ، من أن الناس يتوسلون بسيد الأنام عند اشتداد الأمر عليهم يوم القيامة ويستغيثون به. ولو كان التوسل والاستغاثة من الكفر والشرك لم يشفع النبي للناس يؤمئذ ، ولا يأذن الله له بالشفاعة للمشركين والكفار ، على زعم من يكفر عباد الله بالآلاف ، ويحاول تهييج العامة والسذج على من أظهر كفر من قال بقدم العالم ، المجمع على كفر قائله ومعتقده.

وأيضاً لو كان التوسل شركاً أو كفراً لبينه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أخبر أصحابه بحديث الشفاعة. فلما لم يكن كفراً بنص الأحاديث المتواترة كان أمراً مندوباً اليه في الدنيا والآخرة ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ومن قال إن التوسل والاستغاثة كفرٌ في الدنيا ليس كفراً في الآخرة ، قلنا له : إن الكفر كفرٌ سواء كان في الدنيا أو في الآخرة ، والتوسل به قبل موته صلى الله عليه وسلم وبعد موته لا فرق. وإن ادعيت الفرق فأت لنا بدليل شرعي مخصص مقبول معتبر.

٣٦٥

٢ ـ حديث سيدنا عثمان بن حنيف رضي الله عنه قال : ( إن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أدع الله أن يعافيني فقال : إن شئت دعوت وإن شئت صبرت ، وهو خير ، قال : فادعه. فأمره أن يتوضأ ويحسن الوضوء ويدعو بهذا الدعاء :

اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة.

يا محمد إني أتوجه بك الى ربي في حاجتي لتقضى. اللهم شغعه فيّ.

قال سيدنا عثمان : فعاد وقد أبصر.

رواه الترمذي والنسائي والطبراني والحاكم وأقره الذهبي والبيهقي بالأسانيد الصحيحة. وللحديث تتمة صحيحة تأتي في ( إرغام المبتدع الغبي ).

٣ ـ حديث سيدنا علي رضي الله عنه وكرم وجهه : أن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن فاطمة بنت أسد أم سيدنا علي رضي الله عنهما قال : اللهم بحقي وحق الأنبياء من قبلي اغفر لأمي بعد أمي. رواه الطبراني ، والحاكم مختصراً ، وابن حبان وغيرهم ، وفي إسناده روح بن صلاح قال الحاكم : ثقة ، وضعفه بعضهم ، والحديث صحيح.

٤ ـ وروى الإمام البخاري في صحيحه : أن سيدنا عمر رضي الله عنه استسقى عام الرمادة بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ومن قوله توسلاً به : اللهم إنا كنا نتوسل اليك بنبينا صلى الله عليه وسلم ، وإنا نتوسل اليك بعم نبينا. قال فيسقون. وفي الحديث إثبات التوسل به صلى الله عليه وسلم وبيان جواز التوسل بغيره ، كالصالحين من آل البيت ومن غيرهم. كما قال الحافظ في فتح الباري ٢ / ٤٩٧

وأما أدلة الاستغاثة :

١ ـ فما روى البخاري في صحيحه وغيره من حديث سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في حديث الشفاعة بلفظ ( إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبيناهم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم

٣٦٦

فيشفع ليقضي بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب ، فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده اًهل الجمع كلهم ).

وهذا صريحٌ في الاستغاثة ، وهي عامة في جميع الأحوال ، مع لفت النظر أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره يبلغه سلام من يسلم عليه وكلام من يستغيث به لأن الأعمال تعرض عليه ، كما صح ، فيدعو الله لأصحاب الحاجات.

٢ ـ روى الإمام أحمد بسند حسن كما قال الإمام الحافظ ابن حجر في الفتح ٨ / ٥٧٩ عن الحارث بن حسان البكري رضي الله عنه قال : خرجت أنا والعلاء بن الحضرمي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث ، وفيه : فقلت أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد.

قال ـ أي سيدنا رسول الله ـ وما وافد عاد ؟ وهو أعلم بالحديث ولكنه يستطعمه ... الحديث.

وقد استغاث الرجل بالله وبرسوله ولم يكفره سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد خالف الألباني ذلك فكفر كل مستغيث به صلى الله عليه وسلم ، كما في توسله ص ٧ الطبعة الثانية ، وقلده في هذه البدعة أصحابه والمتعصبون له ، وأنكروا على من كفر من العلماء مثبت قدم العالم نوعاً ، ومن قال بالحد والجهة والاستقرار وغير ذلك من طامات ! نسأل الله لهم الهداية ، وأن يردهم الى دينه والى الحق رداً جميلا ، وأن يخلصهم من أهوائهم وعنادهم الذي بنوه على سوء فهم كبيرهم الذي علمهم السحر ، أو فساد قصده وقد يجتمعان.

٣ ـ قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأعمى الصحيح عندما علم الرجل أن يقول : ( يا محمد إني أتوجه بك الى الله ). وهذه استغاثة صريحة ، وقد اعتمدها العلماء المحدثون والحفاظ في كتب السنة في صلاة الحاجة ، حاثين الأمة عليها.

٤ ـ جاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قص على أصحابه قصة السيدة هاجر هي وابنها في مكة قبل أن تبنى الكعبة ، بعد أن تركهما سيدنا ابراهيم

٣٦٧

عليه الصلاة والسلام ، وفي ما قصه : أنها لما سمعت صوتاً عند الطفل قالت : إن كنت ذا غوث فأغث ، فاستغاثت فإذا بجبريل عليه‌السلام فغمز الأرض بعقبه فخرجت زمزم. ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم أنها كفرت ، كما يزعم الألباني ، ولم ينبه أن تلك الاستغاثة منها كفر البتة. وهي تعلم أن صاحب الصوت لن يكون رب العالمين المنزه عن الزمان والمكان.

وهناك أدلة كثيرة بجواز التوسل والاستغاثة وندبهما أفردتها برسالة خاصة أسميتها ( الاغاثة بأدلة الاستغاثة ) وقد اقتصرت هنا على بعضها ، وفيها بيان لمن ألقى السمع وهو شهيد ، هذا إذا كان قلبه نظيفاً لا يحب رمي عباد الله بالشرك بمجرد مخالفتهم لمزاجه ، وأراد اقتفاء النبي صلى الله عليه وسلم.

وأختم الاستدلال ببيان مسألة هامة جداً وهي استدلال أخير على التوسل والاستغاثة من أحد الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإقرار الباقين من الصحابة له وعلى رأسهم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٢ / ٤٩٥ حيث قال :

روى ابن أبي شيبة باسناد صحيح ( وصححه أيضاً ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٩٢ من طريق البيهقي ) عن أبي صالح السمان عن مالك الدار ، وكان خازن عمر قال : أصاب الناس قحطٌ شديدٌ في زمن عمر فجاء رجل الى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا ، فأتي الرجل في المنام فقيل له ائت عمر وأقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون. إسناده صحيح.

وقد ضعف هذا الأثر الصحيح الألباني بحجج أوهى من بيت العنكبوت في توسله ص ١١٩ ـ ١٢١ وزعم أن مالك الدار مجهول ! ونقل ترجمته من كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم فقط ، ليوهم قراءه أنه لم يرو عنه إلا رجل واحد وهو أبو صالح السمان ، وقد تقرر عند الألباني بما ينقله عن بعض العلماء من غير المتفق عليه أن الرجل يبقى مجهولاً حتى يروى عنه اثنان فأكثر.

٣٦٨

ثم قال لينصر هواه إن المنذري والهيثمي لم يعرفا مالك الدار ، فهو مجهول ، ولا يصح السند لوجود مجهول فيه. ثم تبجح قائلاً : وهذا علمٌ دقيقٌ لا يعرفه إلا من مارس هذه الصناعة.

ونحن نقول له : بل هذا تدليسٌ وغشٌ وخيانةٌ لا يدريه إلا من امتلأ قلبه حقداً وعداء على السنة والتوحيد وأهلهما.

وقد تبعه على هذا الغش والتدليس وزاد عليه أحد الأغبياء المتعصبين اللاهثين وراء بريق الدراهم في كتاب له ملأه من هذه البضاعة ، تخيل فيه أنه رد التوسل وهيهات ، وهو لم يقرأ العلوم وخاصة ملحه الاعراب على أحد ، ولم يكن له في حياته أستاذ يهذب أو شيخ يدرب ، إلا التلقي من صفحات دفاتر هذا الألباني.

ونقول في بيان نسف ما قاله الألباني من جهالة مالك الدار :

إذا صرح المنذري والهيثمي بأنهما لا يعرفانه فنقول للباحث عن الحق إذن لم يصرحا بتوثيق له أو تجريح ، لأنهما لا يعرفانه.

لكن هناك من يعرفه وهم ابن سعد والبخاري وعلي ابن المديني وابن حبان والحافظ ابن حجر العسقلاني وغيرهم. فهل يا ألباني ينقل كلام من عرفه أم كلام من جهله ؟!

العجيب أن الألباني يحبذ كلام من جهل حاله ، ويختاره ويفضله على كلام من علم حاله الذي يستره الألباني ولا يحب أن يطلع عليه أحد !!

وما سأنقله من أقوال الأئمة الحفاظ الذين عرفوه في توثيقه كاف في إثبات ما يقوله السيد عبد الله الغماري وغيره من المحدثين والمشتغلين في علم الحديث من أن الألباني يعرف الصواب في كثير من الأمور ، لكنه غاشٌ مدلس خائن مضلل لا يؤتمن على حديث واحد.

وقد صرح بذلك كثير من أهل العلم كالسيد أحمد الغماري والسيد عبد الله والسيد عبد العزيز المحدثون ، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة ، والمحدث حبيب الرحمن الأعظمي محدث الهند والباكستان ، والشيخ اسماعيل الأنصاري ، والشيخ

٣٦٩

محمد عوامة ، والشيخ محمود سعيد ، والشيخ شعيب الأرناؤوط ، وغيرهم عشرات من أهل هذا الفن والمشتغلين به.

فأهل الحديث شهدوا بأن هذا الرجل لا يعتمد كلامه في التصحيح والتضعيف ، لأنه يصحح ويضعف حسب الهوى والمزاج ، وليس حسب القواعد العلمية !! ومن تتبع أقواله وما يكتبه تحقق ذلك.

ويكفيني أن أقول في مالك الدار إن ابن سعد قال في الطبقات ٥ / ١٢ : مالك الدار مولى عمر بن الخطاب ، روى عن أبي بكر وعمر ، ثم قال وكان معروفاً.

وقال الحافظ ابن حجر في الاصابة في ترجمته ترجمة رقم ٨٣٥٦ :

له إدراك ، أي أنه معدود من الصحابة. ويكفيه في ذلك توثيقاً ، ثم ذكر أنه روى عنه أربعة رجال وهم أبو صالح السمان ، وابناه عون وعبد الله ابنا مالك ، وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي.

ثم قال : قال علي بن المديني : كان مالك الدار خازناً لعمر. اهـ ، بمعناه ملخصاً.

وبذلك نعلم أن سيدنا عمر وسيدنا عثمان قد وثقاه إذ قد ولياه بيت مال المسلمين وفي ذلك أقوى توثيق له أيضاً.

وقد نقل الحافظ الخليلي في كتابه الارشاد الاتفاق عل توثيق مالك الدار فقال هناك : متفق عليه أثنى عليه التابعون !! فقد ذهب كلام الألباني هباء.

وللموضوع توسعٌ في رسالة لنا خاصة أسميناها بالباهر. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. انتهى.

وقال الصديق المغربي في كتابه المذكور ص ١١ :

وبعد ، فإن الشيخ الألباني سامحه الله تعالى صاحب غرض وهوى ، إذا رأى حديثاً أو أثراً لا يوافق هواه فإنه يسعى في تضعيفه بأسلوب فيه تدليس وغش ، ليوهم قراءه أنه مصيب ، مع أنه مخطيء بل خاطيء غاش ، وبأسلوبه هذا ضلل كثيراً من أصحابه الذين يثقون به ويظنون أنه على صواب ، والواقع خلاف ذلك.

٣٧٠

ومن المخدوعين به من يدعى حمدي السلفي الذي يحقق المعجم الكبير ، فقد أقدم بجرأة على تضعيف أثر صحيح لم يوافق هواه كما لم يوافق هوى شيخه ، وكان كلامه في تضعيفه هو كلام شيخه نفسه.

فأردت أن أرد الحق الى نصابه ، ببيان بطلان كلام الخادع والمخدوع به ، وعلى الله اعتمادي ، واليه تفويضي واستنادي.

روى الطبراني في المعجم الكبير ٩ / ١٧ من طريق ابن وهب عن شبيب عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف رضي الله عنه : أن رجلاً كان يختلف الى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت اليه ، ولا ينظر في حاجته ، فلقي عثمان بن حنيف فشكا اليه ذلك ، فقال له عثمان بن حنيف : ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد ، فصل فيه ركعتين ، ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك الى ربي فتقضي لي حاجتي ، وتذكر حاجتك ، ورح اليه حتى أروح معك.

فانطلق الرجل فصنع ما قال له ، ثم أتى باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيده ، فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة ، وقال له ما حاجتك فذكر حاجته ، فقضاها له ، ثم قال : ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة ، وقال : ما كانت لك من حاجة فائتنا.

ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف ، فقال له : جزاك الله خيراً ، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلمته فيّ.

فقال عثمان بن حنيف : والله ما كلمته ، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا اليه ذهاب بصره ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أو تصبر ؟ فقال : يا رسول الله انه ليس لي قائد وقد شق عليَّ.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ، ثم ادع

٣٧١

بهذه الدعوات ! قال عثمان بن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث ، حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر ، قط.

صححه الطبراني ، وتعقبه حمدي السلفي بقوله : لا شك في صحة الحديث المرفوع ، وإنما الشك في هذه القصة التي يستدل بها على التوسل المبتدع ، وهي انفرد بها شبيب كما قال الطبراني ، وشبيب لا بأس بحديثه بشرطين : أن يكون من رواية ابنه أحمد عنه ، وأن يكون من رواية شبيب عن يونس بن يزيد.

والحديث رواه عن شبيب بن وهب وولداه اسماعيل وأحمد ، وقد تكلم الثقات في رواية ابن وهب عن شبيب ، في شبيب ، وابنه اسماعيل لا يعرف ، وأحمد وإن روى القصة عن أبيه إلا أنها ليست من طريق يونس بن يزيد ، ثم اختلف فيها على أحمد ، ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، والحاكم من ثلاثة طرق بدون ذكر القصة ، ورواه الحاكم من طريق عون بن عمارة البصري عن روح بن القاسم به ، قال شيخنا محمد ناصر الدين الألباني : وعون هذا وإن كان ضعيفاً فروايته أولى من رواية شبيب لموافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي. اهـ.

وفي هذا الكلام تدليسٌ وتحريفٌ نبينه فيما يلي :

أولاً : هذه القصة رواها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد ، ثنا أبي عن روح بن القاسم ، عن أبي جعفر الخطمي ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن عمه عثمان بن حنيف ، أن رجلاً كان يختلف الى عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فذكر القصة بتمامها.

ويعقوب بن سفيان هو الفسوي الحافظ الإمام الثقة ، بل هو فوق الثقة ، وهذا إسناد صحيح البخاري ، ومعنى ذلك أنها صحيحة ، وهذا الذي يوافق كلام الحافظ ، ويبطل ما استنبطه الألباني من كلام الحافظ في مقدمة فتح الباري فليتأمل.

إن الحفاظ أيضاً صححوا هذه القصة ، كالمنذري في الترغيب والترهيب ( ١ / ٤٧٦ ) بإقراره للطبراني ، والهيثمي في مجمع الزوائد ( ٢ / ٢٧٩ ) أيضاً ، وقبلهما الإمام الحافظ

٣٧٢

الطبراني في معجمه الصغير ( ١ / ٣٠٧ الروض الداني ) وغيرهم.

ثانياً : أحمد بن شبيب من رجال البخاري ، روى عنه في الصحيح ، وفي الأدب المفرد ، ووثقه أبو حاتم الرازي وكتب عنه هو وأبو زرعة ، وقال ابن عدي : وثقه أهل البصرة وكتب عنه علي ابن المديني. وأبوه شبيب بن سعيد التميمي الحبطي البصري أبو سعيد من رجال البخاري أيضاً ، روى عنه في الصحيح وفي الأدب المفرد. ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والذهلي والدارقطني والطبراني في الأوسط.

قال أبو حاتم : كان عنده كتب يونس بن زيد ، وهو صالح الحديث لا بأس به.

وقال ابن عدي : ولشبيب نسخة الزهري عنده عن يونس عن الزهري أحاديث مستقيمة.

وقال ابن المديني : ثقة كان يختلف في تجارة الى مصر وكتابه كتاب صحيح.

هذا ما يتعلق بتوثيق شبيب ، وليس فيه اشتراط صحة روايته بأن تكون عن يونس بن يزيد ، بل صرح ابن المديني بأنه كتابه صحيح. وابن عدي إنما تكلم على نسخة الزهري عن شبيب فقط ، ولم يقصد جميع رواياته !!

فما ادعاه الألباني تدليس وخيانة ، يؤكد ذلك أن حديث الضرير صححه الحفاظ ولم يروه شبيب عن يونس عن الزهري ! وإنما رواه عن روح بن القاسم !!

ودعواه ضعف القصة بالاختلاف فيها ، حيث لم يذكرها بعض الرواة عند ابن السني والحاكم ، لون آخر من التدليس ! لأن من المعلوم عند أهل العلم أن بعض الرواة يروي الحديث وما يتصل به كاملاً ، وبعضهم يختصر منه بحسب الحاجة ، والبخاري يفعل هذا أيضاً فكثيراً ما يذكر الحديث مختصراً أو يوجد عند غيره تاماً.

والذي ذكر القصة في رواية البهيقي إمامٌ فذٌ يقول عنه أبو زرعة الدمشقي : قدم علينا رجلان من نبلاء الناس ، أحدهما وأرحلهما يعقوب بن سفيان يعجز أهل العراق أن يرو مثله رجلاً.

وتقديمه رواية عون الضعيف على من زاد القصة لون ثالث من التدليس والغش.

٣٧٣

فإن الحاكم روى حديث الضرير من طريق عون مختصراً ثم قال : تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والاسناد ، والقول فيه قول شبيب فإنه ثقة مأمون ، هذا كلام الحاكم ، وهو يؤكد ما تقرر عند علماء الحديث والأصول أن زيادة الثقة مقبولة ، وأن من حفظ حجة على من لم يحفظ !

والألباني رأى كلام الحاكم لكن لم يعجبه لذلك ضرب عنه صفحاً ، وتمسك بأولوية رواية عون الضعيف عناداً وخيانة.

ثالثاً : تبين مما أوردناه وحققناه في كشف تدليس الألباني وغشه ، أن القصة صحيحة جداً ، رغم محاولاته وتدليساته ، وهي تفيد جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله ، لأن الصحابي راوي الحديث فهم ذلك ، وفهم الراوي له قيمته العلمية ، وله وزنه في مجال الاستنباط.

وإنما قلنا إن القصة من فهم الصحابي على سبيل التنزل ، والحقيقة أن ما فعله عثمان بن حنيف من إرشاده الرجل الى التوسل ، كان تنفيذاً لما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت في حديث الضرير.

قال ابن أبي خيثمة في تاريخه : حدثنا مسلم بن ابراهيم ، ثنا حماد بن سلمة ، أنا أبو جعفر الخطمي ، عن عمارة بن خزيمة ، عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه : أن رجلاً أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني أصبت في بصري فادع الله لي. قال :

اذهب فتوضأ وصل ركعتين ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد نبي الرحمة. يا محمد إني أستشفع بك الى ربي في رد بصري. اللهم فشفعني في نفسي وشفع نبيي في رد بصري. وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك. إسناده صحيح.

والجملة الأخيرة من الحديث تصرح بإذن النبي صلى الله عليه وسلم في التوسل به عند عروض حاجة تقتضيه.

وقد أعل ابن تيمية هذه الجملة بعلل واهية ، بينت بطلانها في غير هذا المحل. وابن تيمية جريء في رد الحديث الذي لا يوافق غرضه ، ولو كان في الصحيح !!

٣٧٤

مثال ذلك : روى البخاري في صحيحه حديث ( كان الله ولم يكن شيء غيره ) وهو موافقٌ لدلائل النقل والعقل والاجماع المتيقن ، لكنه خالف رأيه في اعتقاده قدم العالم ، فعمد الى رواية للبخاري أيضاً في هذا الحديث بلفظ ( كان الله ولم يكن شيء قبله ) فرجحها على الرواية المذكورة ، بدعوى أنها توافق الحديث الآخر ( أنت الأول فليس قبلك شيء ).

قال الحافظ ابن حجر : مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه الرواية على الأولى لا العكس ، والجمع مقدم عل الترجيح بالاتفاق.

قلت : تعصبه لرأيه أعماه عن فهم الروايتين اللتين لم يكن بينهما تعارض ...

مثالٌ ثانٍ : حديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد ، وترك باب علي عليه‌السلام ، حديث صحيح ، أخطأ ابن الجوزي بذكره في الموضوعات. ورد عليه الحافظ في القول المسدد.

وابن تيمية لانحرافه عن علي عليه‌السلام كما هو معلوم ، لم يكفه حكم ابن الجوزي بوضعه ، فزاد من كيسه حكاية اتفاق المحدثين على وضعه !!

وأمثلة رده للأحاديث التي يردها لمخالفة رأيه كثيرة ، يعسر تتبعها.

رابعاً : ونقول على سبيل التنزل : لو فرضنا أن القصة ضعيفة تطييباً لخاطر الألباني ، وأن رواية ابن أبي خيثمة معلولة كما في محاولة ابن تيمية ، قلنا : في حديث توسل الضرير كفاية وغناء ، لأن النبي حين علم الضرير ذلك التوسل ، دل على مشروعيته في جميع الحالات.

ولا يجوز أن يقال عنه : توسل مبتدع ! ولا يجوز تخصيصه بحال حياته صلى الله عليه وسلم ، ومن خصصه فهو المبتدع حقيقة ، لأنه عطل حديثاً صحيحاً وأبطل العمل به ، وهو حرام.

والألباني عفا الله عنه جريَ على دعوى التخصيص والنسخ لمجرد خلاف رأيه وهواه ! فحديث الضرير لو كان خاصاً به ، لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ، كما بين

٣٧٥

لأبي بردة أن الجذعة من المعز تجزيه في الأضحية ، ولا تجزي غيره ، كما في الصحيحين. وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

اعتذار وجوابه :

قد يقال : الداعي الى تخصيصي الحديث بحال حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ما فيه من ندائه ، وهو عذر مقبول.

والجواب : أن هذا اعتذارٌ مردود ، لأنه تواتر عن النبي صلى عليه وسلم تعليم التشهد في الصلاة ، وفيه السلام عليه بالخطاب ونداؤه ( السلام عليك أيها النبي ) وبهذه الصيغة عمله على المنبر النبوي أبو بكر ، وعمر ، وابن الزبير ، ومعاوية ، واستقر عليه الاجماع ، كما يقول ابن حزم ، وابن تيمية !

والألباني لابتداعه خالف هذا كله ، وتمسك بقول ابن مسعود ، فلما مات قلنا السلام على النبي ، ومخالفة التواتر والاجماع ، هي عين الابتداع.

مع أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أعمالنا تعرض عليه ، وكذلك صلاتنا عليه صلى الله عليه وسلم ، تعرض عليه.

وثبت أن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغونه سلام أمته.

وثبت بالتواتر والاجماع أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره ، وأن جسده الشريف لا يبلى ، فكيف يمتنع مع هذا نداؤه في التوسل به ، وهل هو إلا مثل ندائه في التشهد ؟!!

ولكن الألباني عنيد شديد العناد ، والألبانيون عندهم عناد ، وصلابة في الرأي ، أخبرني بذلك عالم ألباني حضر علي في تفسير البيضاوي وشرح التحرير لابن أمير الحاج ، وكان وديعاً هادئ الطبع ، وهو تلميذ لي.

هذا موجز ردنا لدعوى الألباني. أما من يدعى حمدي السلفي فليس هناك ، وإنما هو مجرد مخدوع يردد الصدا.

٣٧٦

إلحاق :

قال الدارمي في سننه :

حدثنا أبو النعمان ، ثنا سعيد بن زيد ، ثنا عمرو بن مالك النكري ، حدثنا ابوالجوزاء أوس بن عبد اللة قال : قحط أهل المدينة قحطاً شديداً ، فشكوا الى عائشة فقالت : أنظروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فافتحوا منه كوى الى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا. فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمى عام الفتق.

ضعف الألباني هذا الأثر بسعيد بن زيد ، وهو مردود لأن سعيداً من رجال مسلم ووثقه يحيى بن معين وضعفه أيضاً باختلاط أبي النعمان ، وهو تضعيف غير صحيح لأن اختلاط أبي النعمان لم يؤثر في روايته ، قال الدارقطني : تغير بأخرة وما ظهر له له بعد اختلاط حديث منكر ، وهو ثقة. وقول ابن حبان : وقع في حديثه المناكير الكثيرة بعد اختلاطه ، رده الذهبي فقال : لم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثاً منكراً والقول فيه ما قال الدارقطني (٤٥).

وابن تيمية كذب أثر عائشة ، ولا عبرة به ، لجرأته على تكذيب ما يخالف هواه.

والحمد لله رب العالمين. انتهى.

٣٧٧

كتاب ( التوسل بالنبي وجهلة الوهابيين )

تأليف أبي حامد المرزوق ـ طبعة مكتبة ايشيق في استانبول

قال في ص ٢٤ :

وإنما جر هذا المبتدع ومن انخدع بأباطيله هذه ، أنه لم يحقق معنى العبادة شرعاً كما يدل عليه استقراء موارد هذه اللفظة في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ، فظن أن التوسل برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وسائر الصالحين والاستغاثة بهم ، مع استقرار القلب على أنهم أسباب لا استقلال لهم بنفع ولا ضر ، وليس لهم من الربوبية شيء ، ولكن الله جعلهم مفاتيح لخيره ومنابع لبره وسحباً يمطر منها على عباده أنواع خيره .. ظن أن ذلك وما اليه من الشرك المخرج عن الملة.

ومن رافقه التوفيق وفارقه الخذلان ونظر في المسألة نظر الباحث المنصف ، علم يقيناً لا تخالطه ريبة أن مسمى العبادة شرعاً لا يدخل فيه شيء مما عده من توسل واستغاثة وغيرهما ، بل لا يشتبه بالعبادة أصلاً فإن كل ما يدل على التعظيم لا يكون من العبادة إلا إذا اقترن به اعتقاد الربوبية لذلك المعظم ، أو صفة من صفاتها الخاصة بها. ألا ترى الجندي يقوم بين يدي رئيسه ساعةً وساعاتٍ احتراماً له وتأدباً معه ، فلا يكون هذا القيام عبادةً للرئيس شرعاً ولا لغة ، ويقوم المصلي بين يدي ربه في صلاة بضع دقائق أو بعضها ، قدر ما يقرأ الفاتحة ، فيكون هذا القيام عبادة شرعاً ؟!

وسر ذلك أن هذ القيام وإن قلت مسافته مقترنٌ باعتقاد القائم ربوبية من قام له ، ولا يقارن ذاك القيام هذا الاعتقاد. ا هـ.

وقد اطلعت على كلام لابن تيمية في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية مفرق في أربعة مواضع من كتبه ، أذكره كله ليراه القراء ، ثم أبطله :

١ ـ قال في الجزء الأول من فتاواه ص ٢١٩ ، في تفسير قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) والمعنى أن صاحب الجد لا ينفعه منك جده ، أي لا ينجيه ويخلصه منك جده ، وإنما ينجيه الايمان والعمل الصالح ، والجد هو

٣٧٨

الغنى وهو العظمة وهو المال ، ( الى أن قال ) : فبين في هذا الحديث أصلين عظيمين أحدهما ، توحيد الربوبية ، وهو أن لا معطي لما منع الله ولا مانع لما أعطاه ولا يتوكل إلا عليه ولا يسأل إلا هو.

والثاني ، توحيد الالَهية ، وهو بيان ما ينفع وما لا ينفع ، وأنه ليس كل من أعطى مالاً أو دنياً أو رئاسة ، كان ذلك نافعاً عند الله منجياً له من عذابه ، فإن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لايحب ، ولا يعطي الايمان إلا من يحب ( الى أن قال ) : وتوحيد الالَهية أن يعبد الله ولا يشرك به شيئاً فيطيعه ويطيع رسله ويفعل ما يحبه ويرضاه.

وأما توحيد الربوبية فيدخل ما قدره وقضاه ، وإن لم يكن مما أمر به وأوجبه رضاه والعبد مأمور بأن يعبد الله ويفعل ما أمر به وهو توحيد الالَهية ويستغفر الله على ذلك وهو توحيد له فيقول : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) اهـ.

٢ ـ وقال في الجزء الثاني من فتاواه ص ٢٧٥ :

فإن المقصود هنا بيان حال العبد المحض لله تعالى الذي يعبده ويستعينه فيعمل له ويستعينه ، ويحقق قوله ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ، توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ، وإن كانت الالَهية تتضمن الربوبية والربوبية تستلزم الالَهية ، فإن أحدهما إذا تضمن الآخر عند الانفراد لم يمنع أن يختص بمعنى عند الاقتران ، كما في قوله : ( قل أعوذ برب الناس. الخ ) فجمع بين الاسمين ، فإن الالَه هو المعبود الذي يستحق أن يعبد ، والرب هو الذي يرب عبده ا هـ.

٣ ـ وقال في الجزء الثاني من منهاج السنة ص ٦٢ ، بعد ثرثرة ذم فيها جميع فرق المسلمين من المتكلمين ، مصرحاً بأنهم عبدوا غير الله لجهلهم توحيد الألوهية وإثبات حقائق أسماء الله ، ما نصه :

فإنهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه فعدلوا عنها الى طرق أخرى مبتدعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم ، ودخلوا في بعض الباطل المبتدع ، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه

٣٧٩

كتوحيد الالَهية ، وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته ، ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية ، وهو الاقرار بأن الله خالق كل شيء وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) ، وقال تعالى : ( قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله ، الآيات ) وقال عنهم : ( وما يؤمن اكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) فالطائفة من السلف تقول لهم من خلق السموات والأرض فيقولون الله ، وهم مع ذلك يعبدون غيره ، وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن توحيد الربوبية ، بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً ، فيكون الدين كله لله. ا هـ.

٤ ـ وقال في رسالة أهل الصفة ص ٣٤ : توحيد الربوبية وحده لا ينفي الكفر ولا يكفي : ا هـ.

أقول : قد لبس ابن تيمية في تآليفه على العامة وأشباههم من المتفقهة كثيراً بالسلف الصالح والكتاب والسنة ، لترويج هواه في سوقهم !

ولكنه في هذا الكلام صرح بهواه ولم يلصقه بهما ولا بالسلف ، وإني بحول الله وتوفيقه أكيل له بصاعه الذي لبس به على البسطاء كيلاً حقيقياً وافياً مبرهناً ، فأقول :

كلامه هذا في الأربعة المواضع باطل باثنين وثلاثين وجهاً :

الوجه الأول : لم يقل الإمام أحمد بن حنبل الذي انتسب اليه كذباً لأصحابه إن التوحيد قسمان : توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، وإن من لم يعرف توحيد الألوهية لا تعتبر معرفته لتوحيد الربوبية ، لأن هذا يعرفه المشركون !!

وهذا عقيدة الإمام أحمد مدونةٌ في مصنفات أتباعه في مناقبه لابن الجوزي وفي غيره ليس فيها هذا الهذيان.

الوجه الثاني : لم يقل أي واحد من أتباع التابعين لأصحابه إن التوحيد قسمان : توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، وإن من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية ! فلو اجتمع معه الثقلان على إثباته عن أي واحد منهم لايستطيعون.

٣٨٠