العقائد الاسلامية - ج ٤

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الاسلامية - ج ٤

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-121-4 /
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٥٢٥

في بحار الأنوار : ٩٨ / ١٦٨ :

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا أتيت القبر بدأت فأثنيت على الله عز وجل ، وصليت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واجتهدت في ذلك إن شاء الله ، ثم تقول : سلامُ الله وسلام ملائكته فيما تروح وتغدو...

* *

المسألة السادسة : من هم المتوسل بهم عند المسلمين

يكاد يكون التوسل والاستشفاع في مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، محصوراً روايةً وعملاً بمحمد وآله المعصومين ، صلى الله عليه وعليهم.

ولم أجد في سيرة أئمتنا عليهم‌السلام ، ولا في سلوك المتشرعين من أصحابهم وشيعتهم ذكراً للتوسل بأحد غير المعصومين عليهم‌السلام ! وإن وجد فهو توسلٌ بهم تبعاً للمعصومين أو في موارد خاصة.

نعم ورد في عدد من الأدعية عن أهل البيت عليهم‌السلام تعليم التوسل بالملائكة المقربين والأنبياء السابقين ، وكتب الله المنزلة ، وعباده الصالحين ، والأعمال الصالحة..

ففي مصباح المتهجد / ٣٥٨ :

اللهم إني أتقرب اليك بجودك وكرمك ، وأتشفع اليك بمحمد عبدك ورسولك ، وأتوسل اليك بملائكتك المقربين ، وأنبيائك المرسلين ، أن تقيلني عثرتي ، وتستر علي ذنوبي ، وتغفرها لي ، وتقبلني بقضاء حاجتي ، ولا تعذبني بقبيح كان مني.

يا أهل التقوى وأهل المغفرة ، يا بر ياكريم ، أنت أبر بي من أبي وأمي ، ومن نفسي ، ومن الناس أجمعين ، بي اليك فاقة وفقر ، وأنت غني عني ...

وفي مصباح المتهجد / ٣٠٢ :

روى ابراهيم بن عمر الصنعاني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : للأمر المخوف العظيم

٢٨١

تصلي ركعتين ، وهي التي كانت الزهراء عليها‌السلام تصليها ، تقرأ في الأولى الحمد ، وقل هو الله أحد خمسين مرة ، وفي الثانية مثل ذلك ، فإذا سلمت صليت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم ترفع يديك وتقول :

اللهم إني أتوجه بهم اليك وأتوسل اليك بحقهم العظيم الذي لا يعلم كنهه سواك وبحق من حقه عندك عظيم ، وبأسمائك الحسنى وكلماتك التامات ، التي أمرتني أن أدعوك بها.

وأسألك باسمك العظيم الذي أمرت ابراهيم عليه‌السلام أن يدعو به الطير فأجابته.

وباسمك العظيم الذي قلت للنار كوني برداً وسلاماً على ابراهيم فكانت.

وبأحب أسمائك اليك ، وأشرفها عندك ، وأعظمها لديك ، وأسرعها إجابة ، وأنجحها طلبة ، وبما أنت أهله ومستحقه ومستوجبه...

وأسألك بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم أجمعين من التوراة والانجيل والقرآن العظيم ، من أولها الى آخرها ، فإن فيها اسمك الأعظم. وبما فيها من أسمائك العظمى أتقرب اليك.

التوسل بغير المعصومين عند السنيين

سيرة أئمة المذاهب السنية وسلوك أتباعهم حافلةٌ بالتوسل بمن يعتقدون صلاحه من شيوخ العلم والتصوف.

وحتى الحنابلة الذين يدعي ابن تيمية الانتساب اليهم ويشن باسمهم حملة ضد التوسل والاستشفاع ويكفر بهم المسلمين .. يعتقدون بالتوسل !!

فقد ثبت عن إمامهم أحمد وكبار متقدميهم ومتأخريهم ، أنهم كانوا يزورون القبور ويتوسلون الى الله تعالى بأصحابها !!

وقد بنوا على قبر أحمد بن حنبل مسجداً وقبة ! وجعلوه مزاراً يصلون عنده ويتمسحون به ويتوسلون به !!

٢٨٢

ففي وفيات الأعيان لابن خلكان : ١ / ٦٤ :

أحمد بن حنبل ... توفي ضحوة الجمعه لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول .. ودفن بمقبرة باب حرب ، وباب حرب منسوب الى حرب بن عبد الله أحد أصحاب أبي جعفر المنصور ، والى حرب هذا تنسب المحلة المعروفة بالحربية ، وقبر أحمد بن حنبل مشهور بها يزار.

وفي مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي / ٤٥٤ :

حدثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي وكان شيخاً صالحاً قال : كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثير جداً قبل دخول رمضان بأيام ، فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت على عادتي الى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزور ، فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف أو سافين ، فقلت : إنما تم هذا علي قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث !

فسمعته من القبر وهو يقول : لا ، بل هذا من هيبة الحق عز وجل ، لأنه عز وجل قد زارني !! فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل : يا أحمد ، لأنك نصر ت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب. فأقبلت على لحده أقبله ثم قلت : يا سيدي ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك ؟ فقال لي : يا بني ، ليس هذا كرامة لي ، ولكن هذا كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ! لأن معي شعرات من شعره !!

ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان ! قال ذلك مرتين !!

وفي طبقات الحنابلة لأبي يعلى : ٢ / ١٨٦ :

سمعت رزق الله يقول : زرت قبر الإمام أحمد صحبة القاضي الشريف أبو علي فرأيته يقبل رجل القبر ! فقلت له : في هذا أثر ؟

قال لي : أحمد في نفسي شيء عظيم ، وما أظن أن الله تعالى يؤاخذني بهذا !!

وفي تاريخ بغداد للخطيب : ٤ / ٤٢٣ :

عن أبي الفرج الهندباني يقول : كنت أزور قبر أحمد بن حنبل فتركته مدة ، فرأيت

٢٨٣

في المنام قائلاً يقول لي : لم تركت زيارة إمام السنة !!

ورواه ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد / ٤٨١

وفي رحلة ابن بطوطة : ١ / ٢٢٠ :

قبور الخلفاء ببغداد وقبور بعض العلماء والصالحين بها ... وبقرب الرصافة قبر الإمام أبي حنيفة ، وعليه قبة عظيمة وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر ، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الطعام فيها ماعدا هذه الزاوية.

وبالقرب منها قبر الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، ولا قبة عليه .. ويذكر أنها بنيت على قبره مراراً فتهدمت بقدرة الله تعالى.

وقبره عند أهل بغداد معظم ، وأكثرهم على مذهبه ، وبالقرب منه قبر أبي بكر الشبلي من أئمة المتصوفة.

وفي تاريخ الإسلام للذهبي : ٣٨ / ٢٣ :

في عام ٥٥٤ غرقت مقبرة الإمام أحمد وخرجت الموتى على وجه الماء وكانت آية عجيبة.

وفي عمدة القاري للعيني : ٥ جزء ٩ / ٢٤١ :

سعيد العلائي قال : رأيت في كلام أحمد بن حنبل .. أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي ( ص ) وتقبيل منبره ، فقال : لا بأس بذلك.

قال فأريناه للشيخ تقي الدين بن تيمية ، فصار يتعجب من ذلك ويقول : عجبت ! أحمد عندي جليل ، يقول هذا الكلام !

وأي عجب .. وقد روينا عن الإمام أحمد أنه غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسله به !!

وفي تاريخ الإسلام للذهبي : ١٤ / ٣٣٥ :

وقال ابن خزيمة : هل كان ابن حنبل إلا غلاماً من غلمان الشافعي ؟

٢٨٤

وفي الاعتصام للشاطبي : ١ / ٢٢٦ :

والجواب عن هذا ( قول أحمد بن حنبل ) أنه كلام مجتهد يحتمل اجتهاده الخطأ والصواب .. وقد كان ( ابن حنبل ) يميل الى نفي القياس ، ولذلك قال : مازلنا نلعن أهل الرأي ويلعنوننا ، حتى جاء الشافعي فخرج بيننا..

وفي الغدير للأميني : ٥ / ١٩٤ :

قال ابن حجر في ( الخيرات الحسان ) في مناقب الإمام أبي حنيفة في الفصل الخامس والعشرين : إن الإمام الشافعي أيام كان هو ببغداد كان يتوسل بالامام أبي حنيفة ويجيء الى ضريحه يزوره فيسلم عليه ، ثم يتوسل الى الله تعالى به في قضاء حاجاته ، وقال : قد ثبت أن الإمام أحمد توسل بالامام الشافعي حتى تعجب ابنه عبد الله بن الإمام أحمد ، فقال له أبوه : إن الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن. ولما بلغ الإمام الشافعي : أن أهل المغرب يتوسلون بالامام مالك لم ينكر عليهم.

وفي الغدير : ٥ / ١٩٨ :

قال ابن الجوزي في المنتظم : ١٠ / ٢٨٣ :

وفي أوائل جمادي الآخرة سنة ٥٧٤ تقدم أمير المؤمنين بعمل لوح ينصب علي قبر الإمام أحمد بن حنبل ، فعمل ونقضت السترة جميعها وبنيت بآجر مقطوع جديدة ، وبني له جانبان ، ووقع اللوح الجديد وفي رأسه مكتوب : هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين.

وفي وسطه : هذا قبر تاج السنة وحيد الأمة العالي الهمة العالم العابد الفقيه الزاهد الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه‌الله. وقد كتب تاريخ وفاته وآية الكرسي حول ذلك.

ووعدت بالجلوس في جامع المنصور ، فتكلمت يوم الاثنين سادس عشر جمادي الأولى ، فبات في الجامع خلق كثير وختمت ختمات ، واجتمع للمجلس

٢٨٥

بكرة ما حزر بمائة ألف ، وتاب خلق كثير وقطعت شعور ، ثم نزلت فمضيت الى زيارة قبر أحمد ، فتبعني من حزر بخمسة آلاف.

وفي الغدير للأميني : ٥ / ١٩٩ :

الحافظ ابن عساكر في تاريخه : ٢ / ٤٦ :

عن أبي بكر بن أنزويه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ومعه أحمد بن حنبل ، فقلت : يا رسول الله من هذا ؟

فقال : هذا أحمد ولي الله وولي رسول الله على الحقيقة ، وأنفق على الحديث ألف دينار.

ثم قال : من يزوره غفر الله له ، ومن يبغض أحمد فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله.

وفي النهاية لابن كثير : ١٢ / ٣٢٣ :

وفي صفر سنة ٥٤٢ رأى رجل في المنام قائلاً يقول له : من زار أحمد بن حنبل غفر له. قال : فلم يبق خاصٌ ولا عامٌ إلا زاره وعقدت يومئذٍ ثم مجلساً ، فاجتمع فيه ألوفٌ من الناس !!

التوسل الواسع في صلاة الاستسقاء

ورد عندنا وعندهم الحث على التوسل في صلاة الاستسقاء بالأخيار والضعفاء والمرضى ، ومن ذلك : ما قاله النووي في المجموع : ٥ / ٦٦ :

قال في الأم : ولا آمر باخراج البهائم. وقال أبو اسحق : استحب اخراج البهائم ، لعل الله تعالى يرحمها ، لما روي أن سليمان صلى الله عليه وسلم خرج ليستسقي فرأى نملة تستسقي ، فقال ارجعوا فإن الله تعالى سقاكم بغيركم.

ويكره إخراج الكفار للاستسقاء لأنهم أعداء الله فلا يجوز أن يتوسل بهم اليه ، فإن حضروا وتميزوا لم يمنعوا ، لأنهم جاؤوا في طلب الرزق.

٢٨٦

وقال في : ٥ / ٧٠ :

يستحب أن يستسقى بالخيار من أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبأهل الصلاح من غيرهم ، وبالشيوخ والضعفاء والصبيان والعجائز وغير ذوات الهيئات من النساء ، ودليله ما ذكره المصنف.

وأيضاً ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ؟.

قال القاضي حسين والروياني والرافعي وآخرون من أصحابنا : ويستحب أن يذكر كل واحد من القوم في نفسه ما فعله من الطاعة الجليلة ، ويتشفع به ويتوسل.

واستدلوا بحديث ابن عمر في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين أووا الى غار فأطبقت عليهم صخرة ، فتوسل كل واحد بصالح عمله ، فأزال الله عنهم بسؤال كل واحد ثلثاً من الصخرة وخرجوا يمشون. انتهى.

فهذه فتاوى من فقهاء المذاهب الأربعة ، تنص على التوسل بالصالحين والضعفاء والمرضى والأعمال والحيوانات ، وتنص على أنه توسل واستشفاع ، وهو أوسع من التوسل المتبادر الى أذهاننا بالنبي وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم.

المسألة السابعة : التوسل العملي بالأعمال الصالحة

في بحار الأنوار : ٧٤ / ٣٩٨ :

عن أمالي المفيد ، عن أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

أفضل ما توسل به المتوسلون الايمان بالله ، ورسوله ، والجهاد في سبيل الله ، وكلمة الاخلاص فإنها الفطرة ، وإقام الصلاة فانها الملة ، وإيتاء الزكاة فإنها من فرائض

٢٨٧

الله ، وصيام شهر رمضان فإنه جنة من عذاب الله ، وحج البيت فإنه ميقات للدين ومدحضة للذنب ، وصلة الرحم فإنها مثراة للمال ومنسأة للاجل ، والصدقة في السر فإنها تذهب الخطيئة وتطفيء غضب الرب ، وصنايع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء ، وتقي مصارع الهوان. ومثله في : ٩٣ / ١٧٧

ونحوه في : ٧٤ / ٢٨٩ ، عن تحف العقول ، قال : خطبته عليه‌السلام المعروفة بالديباج :

الحمد لله فاطر الخلق ، وخالق الاصباح ، ومنشر الموتى ، وباعث من في القبور ، وأشهد أن لا الَه إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله عباد الله ، إن أفضل ماتوسل به المتوسلون الى الله جل ذكره : الايمان بالله وبرسله وما جاءت به من عند الله ... الحديث ، كما تقدم بتفاوت.

ورواه في : ٧١ / ٤١٠ ، عن علل الشرائع عن أبي ، عن سعد ، عن ابراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي ، عن حماد عن ابراهيم بن عمر ، رفعه الى أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : إن أفضل ما توسل به المتوسلون ...

ورواه في : ٦٢ / ٣٨٦ ، عن أمالي المفيد ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، بتفاوت وزيادة في آخره ، قال ( ألا فاصدقوا فإن الله مع من صدق ، وجانبوا الكذب فإن الكذب مجانب الايمان ، ألا وإن الصادق على شفا منجاة وكرامة ، ألا وإن الكاذب على شفا مخزاة وهلكة ، ألا وقولوا خيراً تعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله ، وأدوا الأمانة الى من ائتمنكم ، وصلوا من قطعكم ، وعودوا بالفضل عليهم. انتهى.

ولكن التوسل بالأعمال الصالحة لا ينفي التوسل بالنبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد ثبت أنه لا يقبل عملٌ لمسلم إلا بولايتهم ، وأنه لا يرفع دعاء إلا بالصلاة عليهم ، وهو التوسل بهم ! وقد روي ذلك عندنا في مصادر الجميع !

* *

٢٨٨

الفصل الثاني

التوسل الى الله في مصادر السنيين

١ ـ تعليم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التوسل به الى الله تعالى

روى الترمذي : ٥ / ٢٢٩ برقم ٣٦٤٩ :

حدثنا محمود بن غيلان ، أخبرنا عثمان بن عمر ، أخبرنا شعبة ، عن أبي جعفر ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، عن عثمان بن حنيف : أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أدع الله أن يعافيني.

قال : إن شئت دعوت ، وإن شئت صبرت فهو خير لك.

قال : فادعه.

قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد إني توجهت بك الى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي ، اللهم فشفعه في.

هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر ، وهو غير الخطمي. انتهى.

٢٨٩

ورواه ابن ماجة في : ١ / ٤٤١ ، وقال : قال أبو اسحاق هذا حديث صحيح. انتهى.

ورواه أحمد : ٤ / ١٣٨ ، بروايتين.

ورواه الحاكم في المستدرك : ١ / ٣١٣ ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى.

ورواه في : ١ / ٥١٩ ، بسندين آخرين ، وقال بعدهما : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.

ورواه في : ١ / ٥٢٦ ، وقال : تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والاسناد والقول ...

وقال أيضاً : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ، وإنما قدمت حديث عون بن عمارة لأن من رسمنا أن نقدم العالي من الأسانيد.

ورواه الطبراني في كتاب الدعاء / ٣٢٠ ، وما بعدها بعدة طرق ، وكذا في المعجم الكبير : ٩/ ٣١ ، والصغير : ١ / ١٨٣ ، وصححه.

ورواه في مجمع الزوائد : ٢ / ٢٧٩ ، وقال :

قلت : روى الترمذي وابن ماجة طرفاً من آخره خالياً عن القصة ، وقد قال الطبراني عقبه : والحديث صحيح ، بعد ذكر طرقه التي روى بها.

ورواه في كنز العمال : ٢ / ١٨١ ، و٦ / ٥٢١ ( ت ، هـ ، ك ، عن عثمان بن حنيف ). ( حم ت : حسن صحيح غريب هك وابن السني عن عثمان بن حنيف ) ورواه ابن خزيمة في صحيحه : ٢ / ٢٢٥ وروى الطبراني تطبيق عثمان بن حنيف للحديث بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما سيأتي.

وفي السنن الكبرى للنسائي : ٦ / ١٦٨ :

أخبرنا محمد بن معمر قال ، حدثنا حبان قال ، حدثنا حماد قال ، أخبرنا جعفر عن عمارة بن خزيمة ، عن عثمان بن حنيف أن رجلاً أعمي أتى النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رجل أعمى ، فادع الله أن يشفيني ، قال بل أدعك ، قال : أدع الله لي مرتين أو ثلاثاً.

٢٩٠

قال : توضأ ثم صل ركعتين ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك الى الله أن يقضي حاجتي ، أو حاجتي الى فلان ، أو حاجتي في كذا وكذا. اللهم شفع في نبيي وشفعني في نفسي. انتهى.

ثم رواه النسائي بروايتين أخريتين.

٢ ـ توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي صلى الله عليه وآله

روى الحاكم في المستدرك : ٣ / ٣٣٤ :

أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ، ثنا الحسن بن علي بن نصر ، ثنا الزبير بن بكار ، حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني ، عن داود بن عطاء المدني ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر أنه قال : استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فقال : اللهم هذا عم نبيك العباس نتوجه اليك به فاسقنا ، فما برحوا حتى سقاهم الله. قال فخطب عمر الناس فقال :

أيها الناس إن رسول الله كان يرى للعباس مايرى الولد لوالده ، يعظمه ويفخمه ويبر قسمه ، فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس ، واتخذوه وسيلة الى الله عز وجل فيما نزل بكم ! انتهى. وروته عامة مصادرهم.

٣ ـ توسل الناس في المحشر واستشفاعهم بالنبي صلى الله عليه وآله

روى ذلك البخاري في عدة مواضع ، في صحيحه : ٥ / ١٤٧ :

عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا الى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء ، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول : لست هناكم ، ويذكر ذنبه فيستحي ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله الى أهل الأرض ، فيأتونه فيقول لست هناكم ...

٢٩١

ائتوا ابراهيم ... ائتوا موسى ... ائتوا عيسى ... ائتوا محمداً عبداً غفر الله له ماتقدم من ذنبه وما تأخر ، فيأتوني فأنطلق حتى أستأذن ... الخ.

ونحوه بتفاوت في : ٧ /٢٠٣ ، و : ٨ / ١٧٢ و١٨٣ ، وروته عامة مصادرهم.

٤ ـ ما ورد عندهم من الدعاء للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالوسيلة

قال البخاري في صحيحه : ١ / ١٥٢ :

عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته .. حلَّت له شفاعتي يوم القيامة.

ورواه البخاري في : ٥ / ٢٢٨ ، وابن ماجة : ١ / ٢٣٩ ، وأبو داود : ١/ ١٢٩ ، والنسائي : ٢ / ٢٧ ، والترمذي : ١/ ١٣٦ ، والبيهقي في السنن : ١ / ٤١٠ ، والهيثمي في الزوائد : ١ / ٣٣٣ و : ١٠ / ١١٢ ، وفي كنز العمال : ٢ / ٨٠ و : ٧ / ٦٩٨ و٧٠٣ ... وغيرها.

هذه هي صيغة البخاري ، التي لم يرو في صحيحه غيرها ، وهي تريد الايحاء بأن الدعاء بالوسيلة دعاءٌ مستقل يستحب أن يدعو به المسلمون عند سماع الأذان ، ولا علاقة لها بصيغة الصلاة على النبي ، ولا علاقة لها بآله !!

وقد تبع البخاري محدثون آخرون كما رأيت ، ثم تبعهم الفقهاء فأفتوا بهذا الدعاء فصار سنةً للسنيين في عملهم ومساجدهم !

ولكن وردت لهذا الدعاء صيغةٌ أخرى صحيحةٌ عندهم أيضاً ، تقول إن هذا الدعاء جزءٌ من صيغة الصلاة على النبي التي علمها للمسلمين ، وأمرهم أن يصلوا على آله معه ، وأن يختموها بالدعاء له بالوسيلة !!

وفي بعضها أن الدعاء بالوسيلة مقدمةٌ للصلاة عليه وآله !

فلماذا صار دعاء الوسيلة عندهم دعاءً مستقلاً للرسول وحده ، بدون آله !!

السبب عندهم : أن الصلاة على آل النبي معه والدعاء لهم معه ، أمرٌ ثقيلٌ على

٢٩٢

الخلافة القرشية ، التي فرضت عليهم العزل السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، لذلك اختار الرواة بدله الدعاء للنبي بالوسيلة ، وجعلوه أمراً مستقلاً خاصاً بالنبي دون آله ، مماشاةً للخلافة القرشية !!

والطريف أنهم رووه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه‌الله ، المعروف بأحاديثه القوية في وجوب ولاية أهل البيت عليهم‌السلام ، حتى أنهم رووا عنه أنه كان في زمن معاوية يتوكأ على عصاه ويدور في سكك المدينة ويبلغ المسلمين ما قاله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في من أبغض عليا وأهل البيت النبوي الطاهرين !

ويلاحظ أن الذي رواه عن جابر عند البخاري هو محمد بن المنكدر ، المبغض لأهل البيت عليهم‌السلام !!

ولك أن تقارن بين رواية البخاري ، وبين رواية مسلم وغيره لهذا الدعاء !!

قال مسلم في صحيحه : ٢ / ٤ :

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاةً صلى الله عليه بها عشراً ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة !

ورواه النسائي : ٢ / ٢٥ ، وأبو داود : ١ / ١٢٨ ، والترمذي : ٥ / ٢٤٧ ، والبيهقي سننه : ١ / ٤٠٩ ، والهيثمي في مجمع الزوائد : ١ / ٣٣٢.

ورواه أحمد : ٢ / ١٦٧ ، ونحوه في : ٢ / ٢٦٥ ، وقال ( من صلى عليَّ ليس في البخاري ) !!

وأفتى به النووي في المجموع : ٣ / ١١٦ :

وقدمه في تلخيص الحبير : ٣ /٢٠٣ ، على رواية البخاري فقال :

( قوله ) من المحبوبات أن يصلي المؤذن وسامعه على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان ويقول : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً

٢٩٣

الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته. أخرجه مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا عليَّ ، الحديث.

وأخرج البخاري وأصحاب السنن من حديث جابر مرفوعاً من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة .. الحديث ، لكن ليس فيه والدرجة الرفيعة. انتهى.

وقال السيوطي في الدر المنثور : ٥ / ٢١٩ :

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله قد عرفنا كيف السلام عليك ، فكيف نصلي عليك ؟

قال قولوا : اللهم صل على محمد ، وأبلغه درجة الوسيلة من الجنة. اللهم اجعل في المصطفين محبته ، وفي المقربين مودته ، وفي عليين ذكره وداره ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد. انتهى.

فقد نصت هذه الأحاديث الصحيحة عندهم على أن الدعاء له صلى‌الله‌عليه‌وآله بالوسيلة إنما هو جزءٌ من صيغة الصلاة الشرعية عليه ، صلى الله عليه وعليهم ، فهل يعقل أن يكون أمر باضافة آله معه في الصلاة عليه ، ثم أفرد نفسه عنهم في الدعاء !!

وبذلك يترحج أن يكون أصل النص النبوي لهذا الدعاء ما روته مصادرنا ، وفيه ذكر أهل بيته معه ، كما سيأتي.

ماهي الوسيلة التي ورد الدعاء بها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ذكرت بعض المصادر السنية أنها درجةٌ ومنزلةٌ في الجنة ، تكون لشخص واحد من الخلق ، ولذا طلب من المسلمين أن يدعوا له ليكون هو ذلك الشخص.

٢٩٤

ولكن ذلك يشبه كلام التوراة ، فكأن درجة الوسيلة موضوع قرعة أو مسابقة بين الأنبياء ولم يعلم صاحبها بعد ! فالرسول لله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرجو أمته أن يدعوا له أن تكون له !

قال مسلم في صحيحه : ٢ / ٤ :

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا عليَّ فانه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرآ ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لاتنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ! انتهى.

ورواه أبو داود : ١/ ١٢٨ ، والترمذي : ٥ /٢٤٧ ، والبيهقي في السنن : ١ / ٤٠٩ وأحمد : ٢ / ١٦٧ و١٦٨ ، وفي : ٢ / ٢٦٥ و٣٦٥ ، عن أبي هريرة ، والترمذي : ٥ / ٤٦ ٢ ، عن كعب عن أبي هريرة. وفي مجمع الزوائد : ١ / ٣٣٢ ، عن أبي سعيد الخدري ، وأبى هريرة ، وفي كنز العمال : ٢/ ٧٩ و١٣٤ و : ٧ / ٦٩٨ و٧٠٠ و : ١٤/ ٤٠٠ و : ١/٤٨٩ و٤٩٤ و٤٩٧ ، وفردوس الأخبار : ٥ / ١٤٧

بينما روت أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام أن أمر الوسيلة مفروغٌ عنه ، وهي أعلى مساكن الفردوس ، وأنها للنبي وآله ، الى جانب مساكن ابراهيم وآله صلى الله عليهم.

ووافقتها بعض مصادر السنيين :

فقد روى ابن مردويه كما في كنز العمال : ١٢/ ١٠٣ و : ١٣ / ٦٣٩ :

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : في الجنة درجة تدعى الوسيلة ، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة.

قالوا : يا رسول الله ، من يسكن معك فيها ؟

قال : علي وفاطمة والحسن والحسين. انتهى.

وهذه هي الصيغة المعقولة لحديث الوسيلة والدعاء بها للنبي صلى الله عليه وآله .. ولكن ذلك ليس في مصلحة الخلافة القرشية !! ولذا تركوا هذه الصيغة ورووا غيرها !!

٢٩٥

أحاديث تفسر الوسيلة في مصادرنا

قال الصدوق في معاني الأخبار / ١١٦ :

١١٦ ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبدالله قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال : حدثنا العباس بن معروف ، عن عبدالله بن المغيرة قال : حدثنا أبوحفص العبدي قال : حدثنا أبو هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا سألتم الله لي فسلوه الوسيلة.

فسألنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الوسيلة ؟

فقال : هي درجتي في الجنة ، وهي ألف مرقاة ، ما بين المرقاة الى المرقاة حضر الفرس الجواد شهراً ، وهي ما بين مرقاة جوهر الى مرقاة زبرجد ، الى مرقاة ياقوت ، الى مرقاة ذهب ، الى مرقاة فضة.

فيؤتى بها يوم القيامة حتى تنصب مع درجة النبيين ، فهي في درجة النبيين كالقمر بين الكواكب ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال طوبى لمن كانت هذه الدرجة درجته. فيأتي النداء من عند الله عز وجل يسمع النبيين وجميع الخلق : هذه درجة محمد.

فأقبل أنا يومئذ متزراً بريطة من نور ، عليّ تاج الملك ، واكليل الكرامة ، وعلي بن أبي طالب أمامي ، وبيده لوائي وهو لواء الحمد ، مكتوب عليه ( لا الَه إلا الله ، المفلحون هم الفائزون بالله ). فإذا مررنا بالنبيين قالوا : هذان ملكان مقربان لم نعرفهما ولم نرهما. وإذا مررنا بالملائكة قالوا : نبيين مرسلين ، حتى أعلو الدرجة وعلي يتبعني ، حتى إذا صرت في أعلى درجة منها وعلي أسفل مني بدرجة ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال : طوبى لهذين العبدين ما أكرمهما على الله تعالى !

فيأتي النداء من قبل الله عز وجل يسمع النبيين والصديقين والشهداء والمؤمنين : هذا حبيبي محمد وهذا وليي علي ، طوبى لمن أحبه ، وويل لمن أبغضه وكذب عليه. فلا يبقى يومئذ أحدٌ أحبك يا علي إلا استروح الى هذا الكلام ، وابياضَّ وجهه

٢٩٦

وفرح قلبه ، ولا يبقى أحدٌ ممن عاداك أو نصب لك حرباً أوجحد لك حقاً ، إلا اسود وجهه واضطربت قدماه.

فبينا أنا كذلك إذا ملكان قد أقبلا إليّ ، أما أحدهما فرضوان خازن الجنة ، وأما الآخر فمالك خازن النار ، فيدنو رضوان فيقول : السلام عليك يا أحمد.

فأقول : السلام عليك أيها الملك ، من أنت ؟ فما أحسن وجهك الطيب وأطيب ريحك !

فيقول : أنا رضوان خازن الجنة ، وهذه مفاتيح الجنة بعث بها اليك رب العزة فخذها يا أحمد.

فأقول : قد قبلت ذلك من ربي ، فله الحمد على ما فضلني به ، ادفعها الى أخي علي بن أبي طالب ، فيدفع الى علي.

ثم يرجع رضوان فيدنو مالك فيقول : السلام عليك يا أحمد.

فأقول : عليك السلام أيها الملك ، فما أقبح وجهك وأنكر رؤيتك ، من أنت ؟!

فيقول : أنا مالك خازن النار ، وهذه مقاليد النار بعث بها اليك رب العزة فخذها يا أحمد.

فأقول : قد قبلت ذلك من ربي ، فله الحمد على ما فضلني به ، ادفعها الى أخي علي بن أبي طالب ، فيدفعها اليه ثم يرجع مالك.

فيقبل علي ومعه مفاتيح الجنة ومقاليد النار ، حتى يقف بحجزة جهنم وقد تطاير شررها وعلا زفيرها واشتد حرها ، وعلي آخذٌ بزمامها فيقول له جهنم : جزني يا علي فقد أطفأ نورك لهبي ، فيقول لها علي : قري يا جهنم : خذي هذا واتركي هذا ! خذي عدوي واتركي وليي.

فَلَجهنم يومئذٍ أشد مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه ، فإن شاء يذهبها يمنة ، وإن شاء يذهبها يسرة ، ولجهنم يومئذٍ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من جميع الخلائق. انتهى.

٢٩٧

ورواه في روضة الواعظين / ١١٣ ، وبشارة المصطفى / ٢١ ، وتفسير القمي : ٢ / ٣٢٤ ، وفي آخره ( وذلك أن علياً يومئذٍ قسيم الجنة والنار ) وفي بصائر الدرجات / ٤١٦ :

خطبة الوسيلة من كتاب الكافي

روى الكليني رحمه‌الله خطبة عظيمة خطبها أمير المؤمنين عليه‌السلام ، تسمى خطبة الوسيلة ، تتضمن تفصيلات عن درجة الوسيلة في الجنة لمحمد وآله صلى الله عليه وعليهم.

ونظراً لأهميتها وفوائدها أوردنا منها أكثر من محل الشاهد.

قال رحمه‌الله في الكافي : ٨ / ١٨ :

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهي خطبة الوسيلة :

محمد بن علي بن معمر ، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي ، عن الحسين بن النضر الفهري ، عن أبي عمرو الأوزاعي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد قال : دخلت على أبي جعفر فقلت : يا بن رسول الله قد أرمضني اختلاف الشيعة في مذاهبها !

فقال : يا جابر ألم أقفك على معنى اختلافهم من أين اختلفوا ، ومن أي جهة تفرقوا؟ قلت : بلى يا ابن رسول الله.

قال : فلا تختلف إذا اختلفوا يا جابر ، إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أيامه ، يا جابر إسمع وع.

قلت : إذا شئت.

قال : اسمع وع وبلغ حيث انتهت بك راحلتك : إن أمير المؤمنين خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك حين فرغ من جمع القرآن ، وتأليفه فقال :

الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده ، وحجب العقول أن تتخيل ذاته ، لامتناعها من الشبه والتشاكل ، بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته ، ولا يتبعض بتجزئة

٢٩٨

العدد في كماله ، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن ، ويكون فيها لا على وجه الممازجة ، وعلمها لا بأداة ، لا يكون العلم إلا بها ، وليس بينه وبين معلومه علمٌ غيره به كان عالماً بمعلومه.

إن قيل كانَ ، فعلى تأويل أزلية الوجود ، وإن قيل لم يزل ، فعلى تأويل نفي العدم.

فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه ، واتخذ إلَها غيره علواً كبيرا.

نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه ، وأوجب قبوله على نفسه ، وأشهد أن لا الَه إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل ، خف ميزان ترفعان منه ، وثقل ميزان توضعان فيه ، وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار ، والجواز على الصراط ، وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة.

أكثروا من الصلاة على نبيكم : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.

أيها الناس : إنه لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا كرم أعز من التقوى ، ولا معقل أحرز من الورع ، ولا شفيع أنجع من التوبة ، ولا لباس أجمل من العافية ، ولا وقاية أمنع من السلامة ، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضى بالقناعة ، ولا كنز أغنى من القنوع ومن أقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة ، وتبوء خفض الدعة.

والرغبة مفتاح التعب ، والاحتكار مطية النصب ، والحسد آفة الدين ، والحرص داع الى التقحم في الذنوب ، وهو داع للحرمان ، والبغي سائق الى الحين ، والشره جامع لمساوي العيوب.

رب طمع خائب وأمل كاذب ، ورجاء يؤدي الى الحرمان ، وتجارة تؤول الى الخسران.

ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب ، فقد تعرض لمفضحات النوائب ، وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن.

٢٩٩

أيها الناس : إنه لا كنز أنفع من العلم ، ولا عز أرفع من الحلم ، ولا حسب أبلغ من الأدب ، ولا نصب أوضع من الغضب ، ولا جمال أزين من العقل ، ولا سوءة أسوأ من الكذ ب ، ولا حافظ أحفظ من الصمت ، ولا غائب أقرب من الموت.

أيها الناس : إنه من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ، ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره ، ومن سل سيف البغي قتل به ، ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيها ، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته ، ومن نسي زلته استعظم زلل غيره ، ومن أعجب برأيه ضل ، ومن استغنى بعقله زل ، ومن تكبر على الناس ذل ، ومن سفه على الناس شتم ، ومن خالط الأنذال حقر ، ومن حمل ما لا يطيق عجز.

أيها الناس : إنه لا مال أعود من العقل ، ولا فقر أشد من الجهل ، ولا واعظ أبلغ من النصح ، ولا عقل كالتدبير ، ولا عبادة كالتفكر ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ، ولا وحشة أشد من العجب ، ولا ورع كالكف عن المحارم ، ولا حلم كالصبر والصمت.

أيها الناس : في الانسان عشر خصال يظهرها لسانه : شاهدٌ يخبر عن الضمير ، حاكمٌ يفصل بين الخطاب ، وناطقٌ يرد به الجواب ، وشافعٌ يدرك به الحاجة ، وواصفٌ يعرف به الأشياء ، وأميرٌ يأمر بالحسن ، وواعظٌ ينهى عن القبيح ، ومعزٌ تسكن به الأحزان ، وحاضرٌ تجلى به الضغائن ، ومونقٌ تلتذ به الأسماع.

أيها الناس : إنه لا خير في الصمت عن الحكم ، كما أنه لا خير في القول بالجهل. واعلموا أيها الناس إنه من لم يملك لسانه يندم ، ومن لا يعلم يجهل ، ومن لا يتحلم لا يحلم ، ومن لا يرتدع لا يعقل ، ومن لا يعقل يهن ، ومن يهن لا يوقر ، ومن لا يوقر يتوبخ ، ومن يكتسب مالاً من غير حقه يصرفه في غير أجره ، ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم ، ومن لم يعط قاعداً منع قائماً ، ومن يطلب العز بغير حق يذل ، ومن يغلب بالجور يغلب ، ومن عاند الحق لزمه الوهن ، ومن تفقه وقر ، ومن تكبر حقر ، ومن لا يحسن لا يحمد.

٣٠٠