المرشد الوجيز

الميرزا محسن آل عصفور

المرشد الوجيز

المؤلف:

الميرزا محسن آل عصفور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٣

وجب عليه السجود فورا بلا خلاف.

ولو اخل بها حين فات محلها ووقتها فانه يوقعها من غير قصدية الوجه بالاقتصار على القربة.

ولو تعددت قراءته او سماعه او استماعه مع الاخلال به اجزأه سجود واحد عنها ولو تخلل السجود وجب التعدد.

ويكفى فى تحقق السجدة وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه وفى اشتراط الاعضاء السبعة خلاف ذهب المحقق البحرانى فى الحدائق الى العدم والشهيد فى الذكرى مال الى الاشتراط.

ويكبر عند الرفع منه دون الهوى اليه ويستحب له الذكر فيه بما يتيسر وأفضله المأثور وصورته :

« لا اله الا الله حقا حقا لا اله الا الله ايمانا وتصديقا لا اله الا الله عبودية ورقا سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستنكفا ولا مستكبرا بل انا عبد ذليل خائف مستجير ».

وفى رواية اخرى : اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك واعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك.

ويبلغ تعداد السجدات الواجبة والمندوبة خمس عشرة منها الأربع العزائم المتقدم ذكرها واما البقية فانه يستحب السجود فيها لانعقاد الوجوب فى الأولى وعدم تعينه فى كمال الخمس عشرة بالاجماع ايضا.

فأما ترتيبها فهو كالآتى :

١ ـ فى آخر الأعراف : ( إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ) ( الآية رقم ـ ٢٠٦ )

٢ ـ وفى سورة الرعد : ( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) ( الآية رقم ـ ١٥ ).

٢١

٣ ـ وفى سورة النحل : ( يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) ( لآية رقم ـ ٥٠ ).

٤ ـ وفى سورة الاسراء ـ بنى اسرائيل ـ ( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) ( الآية رقم ـ ١٠٩ ).

٥ ـ وفى سورة مريم ـ كهيعص ـ : ( أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا ) ( لآية رقم ـ ٥٨ ).

٦ ـ وفى سورة الحج : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) ( الآية رقم ـ ١٨ ).

٧ ـ فى نفس السورة المتقدمة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( الآية رقم ـ ٧٦ ).

٨ ـ وفى سورة الفرقان : ( وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً ) ( الآية رقم ـ ٦١ ).

٩ ـ وفى سورة النمل : ( أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ ) ( الآية رقم ـ ٢٦ ).

١٠ ـ وفى سورة ص ( وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ ) ( الآية رقم ـ ٢٤ ).

وربما زيد قوله : ( وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ ).

ونقل المحقق البحرانى عن الصدوق (رض) قولا جاء فيه : انه يستحب ان يسجد فى كل سورة فيها سجدة ثم عقبه بقوله : وعلى هذا فيدخل فيها آل عمران

٢٢

لقوله تعالى ( يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي ) وغيرها ثم استحسنه بقوله : ولا بأس بالعمل به احتياطا.

أقول : وقد ورد به النص على ما رواه الطبرسى فى مجمعه عن الامام الصادق عليه‌السلام حيث قال : فى ذيل خبر له فى المقام : وما عداها فى جميع القرآن مسنون وليس بمفروض (١) واما وجه الاحتياط فى المسألة فيمكن الاستئناس له بخبر العلل عن الباقر عليه‌السلام قال : ان أبى على بن الحسين عليهما‌السلام ما ذكر لله نعمة الا سجد ولا قرأ آية من كتاب الله فيها سجدة الا سجد ( الى أن قال : ) فسمى السجاد (٢) وكذا بخبر مستطرفات السرائر المتضمن لقوله عليه‌السلام : وكان على بن الحسين عليهما‌السلام يعجبه ان يسجد فى كل سورة فيها سجدة (٣).

( فروع )

روى ابن ادريس فى مستطرفاته بسنده عن الامام الباقر عليه‌السلام انه قال : فى الرجل يقرأ بالسورة فيها السجدة فينسى فيركع ويسجد سجدتين ثم يذكر بعد ذلك قال : يسجد اذا كانت من العزائم والعزائم اربع : الم تنزيل وحم السجدة واقرأ باسم ربك والنجم.

وفيه ايضا عن عمار الساباطى قال : سئل ابو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل اذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال : ليس فيها تكبير اذا سجدت ولا اذا قمت ولكن اذا سجدت قلت ما تقول فى السجود (٤).

__________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٥١٦.

(٢) علل الشرائع ص ٨٨.

(٣) السرائر ص ٤٩٦.

(٤) نفس المصدر السابق ص ٩٩ ح ٢٢.

٢٣

وفى الكافى روى عن الصادق عليه‌السلام قال عن الرجل يصلى مع قوم لا يقتدى بهم فيصلى لنفسه وربما قرءوا آية من العزائم فلا يسجدون فيها فكيف يصنع؟ قال لا يسجد.

وفى كتاب على بن جعفر عن اخيه الكاظم عليه‌السلام قال سألته عن الرجل يكون فى صلاة جماعة فيقرأ انسان السجدة كيف يصنع؟ قال يومئ برأسه.

[ القسم الثالث ]

فى الذكر الخاص

(١) البدأة بقراءة الادعية المأثورة للشروع فى تلاوته :

ومنها ما روى عن الامام الصادق عليه‌السلام تقول :

( بسم الله الرحمن الرحيم ) ( اللهم انى أشهدك ان هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمد ابن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكلامك الناطق على لسان نبيك جعلته هاديا منك الى خلقك وحبلا متصلا فيما بينك وبين عبادك ، اللهم انى نشرت عهدك وكتابك اللهم فاجعل نظرى فيه عبادة وقراءتى فيه ذكرا وفكرى فيه اعتبارا واجعلنى ممن اتعظ ببيان مواعظك فيه واجتنب معاصيك ولا تطبع عند قراءتى على قلبى ولا على سمعى ولا تجعل على بصرى غشاوة ولا تجعل قراءتى قراءة لا تدبر فيها بل اجعلنى أتدبر آياته واحكامه آخذا بشرائع دينك ولا تجعل نظرى فيه غفلة ولا قراءتى هذرا انك انت الرءوف الرحيم ) (١).

ب ـ وفى الكافى بسنده عنه عليه‌السلام قال : كان ابو عبد الله عليه‌السلام يدعو عند قراءة كتاب الله تعالى : ( اللهم ربنا لك الحمد انت المتوحد بالقدرة والسلطان المبين ولك الحمد انت المتعالى بالعز والكبرياء وفوق السموات والعرش العظيم ربنا

__________________

(١) مكارم الاخلاق ص ٣٤٣ الاختصاص ص ١٤١.

٢٤

ولك الحمد أنت المكتفى بعلمك والمحتاج اليك كل ذى علم عليم ربنا ولك الحمد يا منزل الآيات والذكر الحكيم ربنا ولك الحمد بما علمتنا من الحكمة والقرآن العظيم المبين.

اللهم انت علمتناه قبل رغبتنا فى تعلمه واختصصتنا به قبل رغبتنا بنفعه اللهم فاذا كان ذلك منا منك وفضلا وجودا ولطفا بنا ورحمة لنا وامتنانا علينا من غير حولنا ولا حيلتنا ولا قوتنا.

اللهم فهبنا حس تلاوته وحفظ آياته وايمانا بمتشابهه وعملا بمحكمه وسببا فى تأويله وهدى فى تدبير وبصيرة بنوره.

اللهم وكما انزلته شفاء لاوليائك وشفاء على اعدائك وحمى على أهل معصيتك ونورا لأهل طاعتك اللهم فاجعله لنا حصنا من عذابك وحرزا من غضبك وحاجزا عن معصيتك وعصمة من سخطك ودليلا على طاعتك ونورا يوم نلقاك نستضىء به فى خلقك ونجوز به صراطك ونهتدى به الى جنتك اللهم انا نعوذ بك من الشقاوة فى حمله والعمى عن علمه والجور فى حكمه والغلو عن قصده والتقصير دون حقه اللهم احمل عنا ثقله وأوجب لنا أجره واوزعنا شكره واجعلنا نعيه ونحفظه.

اللهم اجعلنا نتبع حلاله ونجتنب حرامه ونقيم حدوده ونؤدى فرائضه اللهم ارزقنا حلاوة فى تلاوته ونشاطا فى قيامه ووجلا فى ترتيله وقوة فى استعماله فى آناء الليل والنهار.

اللهم واسقنا من النوم باليسير وايقظنا فى ساعة الليل من رقاد الراقدين وانبهنا عند الاحايين التى يستجاب فيها الدعاء من سنة الوسنانين اللهم اجعل لقلوبنا ذكاء عند عجائبه التى لا تنقضى ولذاذة عند ترديده وعبرة عند ترجيعه ونفعا بينا عند استفهامه اللهم انا نعوذ بك من تخلفه فى قلوبنا وتوسده عند رقادنا ونبذه وراء ظهورنا ونعوذ بك من قساوة قلوبنا لما به وعظتنا.

٢٥

اللهم انفعنا بما صرفت فيه من الآيات وذكرنا بما ضربت فيه من المثلات وكفر عنا بتأويله السيئات وضاعف لنا به جزاء فى الحسنات وارفعنا به ثوابا فى الدرجات ولقنا به البشرى بعد الممات.

اللهم اجعله لنا زادا تقوينا به فى الموقف بين يديك وطريقا واضحا نسلك به اليك وعلما نافعا نشكر به نعماءك وتخشعا صادقا نسبح به اسماءك اللهم فانك اتخذت به علينا حجة قطعت به عذرنا واصطنعت به عندنا نعمة قصر عنها شكرنا.

اللهم اجعله لنا وليا يثبتنا من الزلل ودليلا يهدينا لصالح العمل وعونا وهاديا يقومنا من الميل وعونا يقوينا من الملل حتى يبلغ بنا أفضل الأمل.

اللهم اجعله لنا شافعا يوم اللقاء وسلاحا يوم الارتقاء وحجيجا يوم القضاء ونورا يوم الظلماء وريا يوم الظمأ يوم لا أرض ولا سماء يوم يجزى كل ساع بما سعى.

اللهم اجعله لنا ريا يوم الظمأ ونورا يوم الجزاء من نار حامية قليلة البقيا على من بها اصطلى وبحرها تلظى.

اللهم اجعله لنا برهانا على رءوس الملأ يوم يجمع فيه أهل الأرض وأهل السماء.

اللهم ارزقنا منازل الشهداء وعيش السعداء ومرافقة الأنبياء انك سميع الدعاء (١).

(٢) الاستعاذة وذلك بعد الاستفتاح بقراءة الدعاء المتقدم لقوله عز وجل « فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ » ( النحل ـ ٩٨ ) ولا فرق فى الحكم المزبور بين القراءة على ظهر قلب ام فى المصحف.

ومعناها فى اللغة الاستجارة ومصدرها العوذ أو العياذ أى الالتجاء ومعناه التجأ الى الله من شرّ الشيطان الرجيم والمراد بالشيطان كل متمرد من الجن والانس كما جاء فى قوله تعالى ( شياطين الانس والجن ).

__________________

(١) الوافى ج ٢ ص ٢٦٤ ابواب القرآن وفضائله

٢٦

والمراد بالرجيم المطرود من السماء المرمى بالشهب الثاقبة وقيل المرجوم باللعنة المطرود من مواضع الخير لا يذكره مؤمن الا لعنه وفى علم الله السابق كما نص عليه الخبر عنهم عليهم‌السلام انه اذا خرج القائم عليه‌السلام لا يبقى مؤمن فى زمانه الاّ رجمه بالحجارة كما كان مرجوما قبل باللعن.

وصيغته فى المشهور عند الامامية : « أعوذ بالله من الشيطان الرجيم » وقد ورد فى اخبارهم عليهم أفضل الصلاة والسلام صيغ اخرى لها نسردها لك كما يلى :

( الأولى ) ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله أن يحضرون ) ( الثانية ) ( استعيذ بالله من الشيطان الرجيم ان الله هو السميع العليم ).

( الثالثة ) ( استعيذ بالله السميع العليم ان الله هو السميع العليم ).

( الرابعة ) ( اعوذ بالله السميع العليم أن الله هو السميع العليم ).

( الخامسة ) ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ).

وهذه الصيغة الأخيرة هى أفضل مما تقدمها وان كان المكلف بالخيار بين أن يأتى بأيها شاء.

ويستحب الجهر بها فى الصلاة لخبر قرب الاسناد والمشهور خلافه. اما فى غير الصلاة فالوجه التخيير.

(٣) البسملة : والكلام عنها ينتظم فى أمور :

( الأول ) فى جزئية البسملة فى القرآن : البسملة فى مذهبنا آية من الفاتحة ومن كل سورة ويجب قراءتها معها ما عدا سورة براءة وتبطل الصلاة بتعمد تركها نعم اختلف فقهاؤنا فى التسمية بين الايلاف والفيل وبين الضحى وأ لم نشرح لاختلافهم فى الاتحاد والتعدد.

( الثانى ) فى معنى البسملة روى الصدوق فى معانى الاخبار عن عبد الله ابن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن بسم الله الرحمن الرحيم فقال عليه‌السلام :

٢٧

الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم مجد الله والله اله كل شىء والرحمن لجميع العالم والرحيم بالمؤمنين خاصة.

( الثالث ) فى حكم الجهر والاخفات بها : يستحب الجهر بها بل فى بعض الاخبار انه لا تقية فى الجهر بالبسملة بل عد فى المشهور شعارا للشيعة.

وروى شيخ الطائفة فى المصباح عن الامام الهادى عليه‌السلام انه قال : علامات المؤمن خمس صلاة الاحدى وخمسين وزيارة الاربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

وقد نظم مفاد هذا الحديث الشريف شاعر بقوله :

و انها سمة الايمان فاه بها

نصّ الامام شعار الشيعة الخير

عفر الجبين وتختيم اليمين

مع الاحدى وخمسين والعشرين من صفر

( الرابع ) فى كيفية نزولها :

قال الفيض الكاشانى فى حاشية له على تفسيره الصافى :

روى ان قريشا كانت تكتب فى الجاهلية ( باسمك اللهم ) حتى نزلت سورة هود فيها ( بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ) فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يكتب ( بسم الله ) ثم نزل عليه بعد ذلك ( قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايّا ما تدعو فله الاسماء الحسنى ) فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يكتب ( بسم الله الرحمن ) فلما نزلت سورة النمل [ وفيها ]( إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يكتب ذلك فى صدور الكتب واوائل الرسائل اه.

(٤) التأمين : والمراد به التلفظ بكلمة ( آمين ) بالاشباع وكسر الميم واسكان الياء وهو الاكثر الأشهر بمعنى ان المد ليس لغة فيه بل هو اشباع لفتح الهمزة اوجب حدث الألف بعدها بدليل انه لا يوجد فى لغة العرب كلمة على وزن فاعيل وقيل ( أمين ) بفتح الهمزة وكسر الميم واسكان الياء وبالقصر من دون مد وهى لغة الحجاز وهناك لغة ثالثة ( آمين ) بالمد وتشديد الميم مع كسرها واسكان

٢٨

الياء وعن بعضهم ان تشديد الميم فيها خطأ.

وكيف كان فهى كلمة تقال فى اثر الدعاء قال عمر بن ابى ربيعة فى لغة المد :

يا رب لا تسلبنى حبّها ابدا

و يرحم الله عبدا قال آمينا

وانشد ابن برى فى القصر :

أمين وردّ الله ركبا اليهم

بخير ووقاهم حمام المقادر

واعرابها : اسم فعل أمر أو دعاء بمعنى استجب وكان حقها من الاعراب الوقف وهو السكون لانها بمنزلة الاصوات وانما بنيت على الفتح لالتقاء الساكنين.

ولها عدة معان كما صرح بذلك أهل اللغة فى كتبهم المعتبرة ففي محكى القاموس عن الواحدى فى البسيط انه قال : هو اسم من اسماء الله ومعناه اللهم استجب او كذلك فليكن أو كذلك فافعل انتهى.

وقال ابن الاثير : هو اسم مبنى على الفتح ومعناه اللهم استجب لى وقيل معناه ( كذلك فليكن ) يعنى الدعاء.

وقال المطرزى فى المغرب : معناه استجب وقال الزمخشرى فى الكشاف :

انه صوت سمى به الفعل الذى هو استجب كما ان رويدا وحيهل وهلم أصوات سميت بها الأفعال التى هى : امهل واسرع واقبل انتهى وقال الفاضل الفيومى فى المصباح المنير : معناه اللهم استجب وقال ابو حاتم معناه ( كذلك يكون ) وعن الحسن البصرى انه اسم من اسماء الله تعالى.

واما الاخبار الواردة من طرقنا فى المقام فمنها :

ما رواه الثقة الكلينى والشيخ عن جميل عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : اذا كنت خلف امام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقل انت الحمد لله رب العالمين ولا تقل آمين (١).

__________________

(١) قال العلامة فى المنتهى : ولا يعارض ذلك ما رواه الشيخ فى الصحيح عن جميل قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الناس فى الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب

٢٩

وعن معاوية بن وهب قال : قلت لأبى عبد الله عليه‌السلام أقول امين اذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟ قال : هم اليهود والنصارى ولم يجب فى هذا (٢)

وعن محمد الحلبى قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : أقول اذا فرغت من فاتحة الكتاب آمين؟ قال : لا.

وفى الدعائم قال : روينا عنهم عليهم‌السلام انهم قالوا : يبتدأ بعد بسم الله الرحمن الرحيم فى كل ركعة بفاتحة الكتاب الى ان قال : وكرهوا عليهم‌السلام ان يقال بعد فراغ فاتحة الكتاب آمين كما تقول العامة.

أقول : كذا ورد نص الحديث فى النسخة المطبوعة بالطبعة الحديثة فى مصر الا ان المحقق البحرانى فى حدائقه قد أورد هذا الخبر بألفاظ مغايرة بعض الشيء لما نقلناه من تلك الطبعة حيث جاء بهذا النحو من السياق :

وحرموا بدل كرهوا ان يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب ( آمين ) كما يقول العامة.

واشار المحشى للحدائق المطبوع الى هذا الحديث وذكر انه يوجد فى المستدرك للنورى الباب الثالث عشر من كتاب القراءة ولم يشير الى خلاف يذكر وفيه قال : قال جعفر بن محمد عليه‌السلام : انما كانت النصارى تقولها.

وعنه عن آبائه عليهم‌السلام : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تزال امتى بخير وعلى

__________________

آمين فقال : ما احسنها واخفض الصوت لان هذا الراوى قد روى ضد ذلك فيحمل هذه الرواية على التقية لانه فى موضعها انتهى.

(٢) قال الشيخ البهائى فى الحبل المتين بعد الاشارة لهذا الحديث : تضمن الحديث عدم مشروعية قول آمين فى الصلاة فان عدوله عليه‌السلام عن جواب السؤال عن قولها الى تفسير المغضوب عليهم ولا الضالين يعطى التقية وان بعض المخالفين كان حاضرا فى المجلس فأوهمه عليه‌السلام هم اليهود والنصارى على التشنيع على المخالفين والمراد ان الذين يقولون ( آمين ) فى الصلاة هم يهود ونصارى اى مندرجون فى عدادهم ومنخرطون فى الحقيقة فى سلكهم. اه.

٣٠

شريعة دينها حسنة جميلة ما لم يتخطوا القبلة بأقدامهم ولم ينصرفوا قياما كفعل أهل الكتاب ولم تكن لهم ضجة بآمين.

وروى امين الاسلام الفضل بن الحسن الطبرسى فى كتاب مجمع البيان عن الفضيل بن يسار عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : اذا قرأت الفاتحة وقد فرغت من قراءتها وانت فى الصلاة فقل الحمد لله رب العالمين.

واما حكمه فى الصلاة ففيه أقول ثلاثة :

( الأول ) يكره قولها بعد الفاتحة فى آخرها لغير تقيّة :

وهو ظاهر المقدس الاردبيلى فى شرحه على الإرشاد حيث قال : وأصل البراءة والأوامر المطلقة تقتضى الصحة وعدم التحريم وكذا صحيحة جميل المتقدمة الا انه قال بعد ذلك : ولكن الاحتياط والشهرة يقتضى الترك وعدم الفتوى بالتحريم ايضا وعلى تقدير التحريم لا يثبت البطلان لأنه لا يتم دليل ان النهى مفسد. انتهى ومال اليه المحقق فى المعتبر.

( الثانى ) يحرم فعلها وان كانت لا توجب بطلانا. بمعنى انها توجب التأثيم والوزر.

جنح اليه ابن زهرة فى الغنية والعلامة فى التحرير كما فى محكى كشف اللثام للفاضل الهندى وكذا الشهيد الأول فى الألفية.

( الثالث ) يحرم الاتيان بها وفعلها يستوجب بطلان الصلاة وهذا هو المشهور بل نقل الاجماع عليه فى غير موضع.

قال ابن شهرآشوب فى المحكى عنه : انه ليس قرآنا ولا دعاء او تسبيحا مستقلا ولو ادعوا انه من اسماء الله لوجدناه فى اسمائه ولقلنا يا آمين اه.

أقول : روى الصدوق فى المعانى مرسلا عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : ان تفسير قولك آمين رب افعل.

ثم قال : وروى فى حديث آخر امين اسم من اسماء الله عز وجل.

٣١

وحمله على التقية اظهر ظهور فى المقام حيث لم يثبت تلك الدعوى الا من طرقهم ولا يخفى ما فى قول الفاضل الهندى فى كشف اللثام حيث قال :

انما هو ( أى التأمين ) كلمة تقال وتكتب للختم كما روى انها خاتم رب العالمين وقيل انها يختتم بها براءة أهل الجنة وبراءة اهل النار وان كان من اسماء الله تعالى كما ارشد فى معانى الاخبار عن الصادق عليه‌السلام. اه من الضعف وقال الشافعى يستحب للامام والمأموم وهو يروى عن ابن عمر وابن الزبير وبه قال عطا وأحمد واصحاب الرأى وقال مالك لا يسن للامام.

وقال المرتضى رضوان الله تعالى عليه فى الانتصار :

دليلنا على ما ذهبنا اليه اجماع الطائفة على ان هذه اللفظة بدعة وقاطعة للصلاة وطريقة الاحتياط ايضا لأنه لا خلاف فى انه من ترك هذه اللفظة لا يكون عاصيا ولا مفسدا لصلاته وقد اختلفوا فيمن فعلها ( اى العامة ) فذهبت الامامية الى انه قاطع لصلاته.

والاحوط تركها ايضا وايضا فلا خلاف فى ان هذه اللفظة ليست من جملة القران ولا مستقلة بنفسها فى كونها دعاء او تسبيحا فجرى التلفظ بها مجرى كل كلام خارج عن القرآن والتسبيح.

فاذا قيل هى تأمين على كل دعاء سابق لها وهو قوله عز وجل : ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قلنا الدعاء انما يكون دعاء بالقصد ومن يقرأ الفاتحة انما قصده التلاوة دون الدعاء وقد يجوز ان يقرأ من قصد الدعاء ومخالفنا يذهب الى انها مسنونة لكل فصل من غير اعتبار من قصده الى الدعاء واذا ثبت بطلان استعمالها فيمن لم يقصد الى الدعاء ثبت ذلك فى الجمع لأن أحدا لم يفرق بين الامرين اه (١).

__________________

(١) الانتصار ص ٤٢ ـ ٤٣ ط النجف سنة ١٣٩١ ه

٣٢

٤ ـ قراء المأثور من الادعية عند اختمام القرآن.

م ـ فمنه ما رواه الشيخ المفيد فى الاختصاص وغيره فى غير موضع عن مولانا الصادق سلام الله عليه تقول :

( اللهم انى قد قرأت ما قضيت من كتابك الذى أنزلته على نبيك الصادق صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلك الحمد ربنا اللهم اجعلنى ممن يحل حلاله ويحرم حرامه ويؤمن بمحكمه ومتشابهه واجعله أنسا فى قبرى وأنسا فى حشرى واجعلنى ممن ترقيه بكل آية درجة فى أعلى عليين آمين رب العالمين ).

ب ـ ومنه ما فى المكارم عن امير المؤمنين عليه‌السلام انه قال : حبيبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرنى ان أدعوا بهن عند ختم القرآن : « اللهم انى أسألك اخبات المخبتين واخلاص الموقنين ومرافقة الابرار واستحقاق حقائق الايمان والغنيمة من كل بر والسلامة من كل اثم ووجوب رحمتك وعزائم مغفرتك والفوز بالجنة والنجاة من النار (١).

ج ـ ومنه ما هو مأثور عن الامام زين العابدين وفخر الساجدين على ابن الحسين عليهما‌السلام انه كان من دعائه عند ختم القرآن :

( اللهم انك اعنتنى على ختم كتابك الذى انزلته نورا وجعلته مهيمنا على كل كتاب انزلته وفضلته على كل حديث قصصته وفرقانا فرقت به بين حلالك وحرامك وقرآنا اعربت به عن شرائع احكامك وكتابا فصلته لعبادك تفصيلا ووحيا أنزلته على نبيك محمد صلواتك عليه وآله تنزيلا وجعلته نورا نهتدى من ظلم الضلالة والجهالة باتباعه وشفاء لمن انصت بفهم التصديق الى استماعه وميزان قسط لا يحيف عن الحق لسانه ونور هدى لا يطفأ عن الشاهدين برهانه وعلم نجاة لا يضل من أم قصد سنته ولا تنال ايدى الهلكات من تعلق بعروة عصمته.

اللهم فإذ أفدتنا المعونة على تلاوته وسهلت جواسى ألسنتنا بحسن عبارته

__________________

(١) مكارم الاخلاق ص ٣٤٢ ط بيروت.

٣٣

فاجعلنا ممن يرعاه حق رعايته ويدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته ويفزع الى الاقرار بمتشابهه وموضحات بيناته.

اللهم انك انزلته على نبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله مجملا والهمته علم عجائبه مكملا وورثتنا علمه مفسرا وفضلتنا على من جهل علمه وقويتنا عليه لترفعنا فوق من لم يطق حمله.

اللهم فكما جعلت قلوبنا له حملة وعرفتنا برحمتك شرفه وفضله فصل على محمد الخطيب به وعلى آله واجعلنا ممن يعترف بأنه من عندك حتى لا يعارضنا الشك فى تصديقه ولا يختلجنا الزيغ عن قصد طريقه.

اللهم صل على محمد وآله واجعلنا ممن يعتصم بحبله ويأوى من المتشابهات الى حرز معلقه ويسكن فى ظل جناحه ويهتدى بضوء صاحبه ويقتدى بتبلج اسفاره ويستصبح بمصباحه ولا يلتمس الهدى فى غيره

اللهم وكما نصبت به محمدا علما للدلالة عليك وانهجت بآله سبل الرضا اليك فصل على محمد وآله واجعل القرآن وسيلة لنا الى اشرف منازل الكرامة وسلما نعرج فيه الى محل السلامة وسببا نجزى به النجاة فى عرصة القيامة وذريعة نقدم بها على نعيم دار المقامة.

اللهم وصل على محمد وآله واحطط بالقرآن عنا ثقل الاوزار وهب لنا حسن شمائل الابرار واقف بنا آثار الذين قاموا لك به آناء الليل واطراف النهار حتى تطهرنا من كل دنس بتطهيره وتقفو بنا آثار الذين استضاءوا بنوره ولم يلههم الامل عن العمل فيقطعهم بخدع غروره.

اللهم صل على محمد وآله واجعل القرآن لنا فى ظلم الليالى مؤنسا ومن نزغات الشيطان وخطرات الوساوس حارسا ولا قدامنا عن نقلها الى المعاصى حابسا ولألسنتنا عن الخوض فى الباطل من غير مآفة مخرسا ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجرا ولما طوت الغفلة عنا من تصفح الاعتبار ناشرا حتى توصل

٣٤

الى قلوبنا فهم عجائبه وزواجر امثاله التى ضعفت الجبال الرواسى على صلابتها عن احتماله.

اللهم صل على محمد وآله وأدم بالقرآن صلاح ظاهرنا واحجب به خطرات الوساوس عن صحة ضمائرنا واغسل به درن قلوبنا وعلائق أوزارنا واجمع به منتشر امورنا وارو به فى موقف العرض عليك ظمأ هواجرنا واكسنا به حلل الامان يوم الفزع الاكبر فى نشورنا.

اللهم صل على محمد وآله واجبر بالقرآن خلتنا من عدم الاملاق وسق الينا به رغد العيش وخصب سعة الارزاق وجنبنا به الضرائب المذمومة ومدانى الاخلاق واعصمنا به من هوة الكفر ودواعى النفاق حتى يكون لنافى القيامة الى رضوانك وجنانك قائدا ولنا فى الدنيا عن سخطك وتعدى حدودك ذائدا ولما عندك بتحليل حلاله وتحريم حرامه شاهدا.

اللهم صل على محمد وآله وهون بالقرآن عند الموت على انفسنا كرب السياق وجهد الانين وترادف الحشارج اذا بلغت النفوس التراقى وقيل من راق وتجلى ملك الموت لقبضها من حجب الغيوب ورماها ورماها عن قوس المنايا بأسهم وحشة الفراق وداف لها من زعاف الموت كأسا مسمومة المذاق ودنا منا الى الآخرة رحيل وانطلاق وصارت الاعمال قلائد فى الاعناق وكانت القبور هى المأوى الى ميقات يوم التلاق.

اللهم صل على محمد وآله وبارك لنا فى حلول دار البلى وطول المقامة بين اطباق الثرى واجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا وافسح لنا برحمتك فى ضيق ملاحدنا ولا تفضحنا فى حاضر القيامة بموبقات آثامنا وارحم بالقرآن فى موقف العرض عليك ذل مقامنا وثبت به عند اضطراب حسر جهنم يوم المجاز عليها زلل اقدامنا ونجنا به من كل كرب يوم القيامة وشدائد اهوال يوم الطامة وبيض وجوهنا يوم تسود وجوه الظلمة فى يوم الحسرة والندامة واجعل لنا فى صدور

٣٥

المؤمنين ودا ولا تجعل الحياة علينا نكدا.

اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما بلغ رسالتك وصدع بأمرك ونصح لعبادك.

اللهم اجعل نبينا صلواتك عليه وعلى آله يوم القيامة اقرب النبيين منك مجلسا وامكنهم منك شفاعة واجلهم عندك قدرا واوجههم عندك جاها.

اللهم صل على محمد وآل محمد وشرف بنيانه وعظم برهانه وثقل ميزانه وتقبل شفاعته وقرب وسيلته وبيض وجهه واتم نوره وارفع درجته واحينا على سنته وتوفنا على ملته وخذ بنا منهاجه وأسلك بنا سبيله واجعلنا من أهل طاعته واحشرنا فى زمرته واوردنا حوضه واسقنا بكأسه.

اللهم وصل على محمد وآله صلاة تبلغه بها أفضل ما يأمل من خيرك وفضلك وكرامتك انك ذو رحمة واسعة وفضل كريم.

اللهم اجزه بما بلغ من رسالاتك وادى من آياتك ونصح لعبادك وجاهد فى سبيلك افضل ما جزيت أحدا من ملائكتك المقربين وانبيائك المرسلين المصطفين والسلام عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ورحمة الله وبركاته ).

٣٦

( الفصل الثانى )

فى البناء القرآنى الذاتى والكيانى :

لقد مضى على انزال القرآن الكريم المعجزة الخالدة للرسالة النبوية الخاتمة اكثر من اربعة عشر قرنا ولا زال غضا طريا كيوم انزاله وبعثته على الرغم من تمادى الاحقاب وطول الشقة الزمنية وبعد العهد.

وعلى الرغم من تطور العقلية البشرية واسهامها فى انماء الحياة المادية بشتى صورها وانشائها مدنية عصرية تحكمها العقول الالكترونية وتدير مرافقها بشكل يخلب الانظار ويبهر العقول والأفكار فاننا لا زلنا نجد القرآن الكريم يتحدى الذهنية البشرية بكل ما أوتيت من امكانات فنية وتقنية على الاتيان بمثله ومضارعته ويخاطبها بنفس صورة التحدى التى خاطب بها أعتى اعدائه واشدهم قساوة فى وهلته الاولى.

وقد كان فيهم من كان من أسود الفصاحة وفرسان البلاغة والنباهة ممن لا ينكر فضله ولا يشق غباره بقوله :

« قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً » ( الاسراء ـ ٨٨ ).

« أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » ( هود ـ ١٣ ).

٣٧

« أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » ( يونس ـ ٣٨ ).

« إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ » ( البقرة ـ ٢٣ ـ ٢٤ )

قال امين الاسلام الطبرسى فى ذيل الآية الأخيرة : ( ولن ) فى قوله ( لن تفعلوا ) تنفى على التأبيد فى المستقبل وفيه دلالة على صحة نبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله لانه يتضمن الاخبار عن حالهم فى مستقبل الأوقات بأنهم لا يأتون بمثله فوافق المخبر عنه الخبر.

أقول : لا يخفى على ذوى النباهة والفطنة ان الاعجاز اللفظى والبيانى يكون من اهم دواعى واسس الاعجاز التشريعى والعلمى وذلك لان الحفاظ على الاهداف والمثل والمبادئ السامية بشكل ثابت ورصين ومحكم ودائم يعتمد فى جوهره ضرورة الحفاظ على الأصل اللفظى وصيانته بقالبه الدلالى والبيانى كهيئته الاولى إذ أن كل كشطة او تصحيف أو تغيير ولو في هيئة لفظية مفردة تسبب قلب الكثير من المفاهيم وايجاد حالة من انعدام التوازن الاشارى والبيانى التى تم قصد التدليل عليها بالمادة اللفظية والعبارة الصورية فى أصل الانشاء وهو أمر بديهى لا غبار عليه.

ثم ان الباعث على خوار القدرة البشرية وامتناعها عن مجاراة القرآن بصورة تماثله او هيئة تشاكله او قالب يماكسه هو كون الفاظه ومادته الصورية منعكسة عن مرآة القدرة والعلم المطلقين الالهيين والاحاطة التامة باسرار التكوين والخلق والابداع والايجاد وأنى للانسان هذه القدرة؟!!

ومما يقطع به ان الالفاظ وضعت فى الاصل والغرض للتدليل عما يختمر فى الفكر ويدور فى الخلد والبال وكلما تشارفت وتسامت تلك العقلية والمخيلة

٣٨

تشارفت الالفاظ وتفاضلت وكلما ارتقى الفكر الى أوج الكمال ساوقته الالفاظ الصادرة عنه بنفس النسبة وهنا يكمن السر في عظمة ذلك الاعجاز القرآنى لا أنه كل من تمكن من التسلط على اسرار اللغة ومسائلها قدر على انشاء مثل القرآن ولو كان الامر كذلك لكان فصحاء قريش من الكفار وبلغائهم أولى بتلك الاستطاعة والاقتدار على مضارعته وتحديه ومجاراته.

قال شيخ الطائفة فى تصديره لتفسيره الموسوم بالتبيان :

اما الكلام فى زيادته ونقصانه فمما لا يليق به ايضا لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها والنقصان منه فالظاهر ايضا من مذهب المسلمين خلافه

وهو الاليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذى نصره المرتضى (ره) وهو الظاهر فى الروايات غير انه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من أى القرآن ونقل شىء منه من موضع الى موضع طريقها الآحاد التى لا توجب علما ولا عملا والاولى الاعراض عنها وترك التشاغل بها لانه يمكن تأويلها ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين فان ذلك معلوم صحته لا يعترضه أحد من الامة ولا يدفعه.

ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسك بما فيه ورد ما يرد من اختلاف الاخبار فى الفروع اليه.

وقد روى عن النبى (ص) رواية لا يدفعها أحد انه قال : ( اني مخلف فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض ) وهذا يدل على انه موجود فى كل عصر لانه لا يجوز ان يأمر بالتمسك بما لا نقدر على التمسك به كما ان اهل البيت ومن يجب اتباع قوله حاصل فى كل وقت واذا كان الموجود بيننا مجمعا على صحته فينبغي ان نتشاغل بتفسيره وبيان معانيه ونترك ما سواه. اه (١)

__________________

(١) التبيان فى تفسير القرآن ج ١ ص ٣ ـ ٤

٣٩

واضاف رئيس المحدثين الصدوق بقوله فى رسالة الاعتقادات تحت عنوان الاعتقاد فى مبلغ القرآن : اعتقادنا ان القرآن الذى انزله الله تعالى على نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله هو ما بين الدفتين وما فى ايدى الناس ليس بأكثر من ذلك ومبلغ سوره عند الناس مائة واربعة عشر سورة عندنا و ( الضُّحى ) و ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) سورة واحدة و ( لِإِيلافِ ) و ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ) سورة واحدة ومن نسب الينا انا نقول انه اكثر من ذلك فهو كاذب (١).

وقال تحت عنوان آخر ( باب الاعتقاد فى القرآن ) :

اعتقادنا فى القرآن انه كلام الله ووحيه وتنزيله وكتابه وانه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم وانه القصص الحق وانه لقول فصل وما هو بالهزل وان الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربه وحافظه والمتكلم به (٢).

أقول : وتفصيل الكلام فى هذا الموضع قد أودعناه فى كتابنا ( كنز القراء ) والتعرض لذكره هاهنا لا يليق بوجازة المقام.

( بناؤه العربى )

قال شيخ الطائفة فى المبسوط : ولا يجوز أن يقرأ القرآن بغير لغة العرب بأى لغة كان ومتى قرأ بغير العربية على ما انزله الله لم يكن ذلك قرآنا ولا يجزيه صلاته (٣).

واضاف ايضا فى الخلاف بقوله : ولا يقرأ معنى القرآن بغير العربية بأى لغة كان فان فعل ذلك لم يكن قرآنا وكانت صلاته باطلة .. فمن قال ان معنى

__________________

(١) كتاب الاعتقادات ص ٩٢ ط قم مركز نشر كتاب.

(٢) نفس المصدر السابق ص ٩٣

(٣) المبسوط ج ١ ص ١٠٧ ط قم.

٤٠