المرشد الوجيز

الميرزا محسن آل عصفور

المرشد الوجيز

المؤلف:

الميرزا محسن آل عصفور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٣

اسرارا تجعل للرسم العثمانى دلالة على معان خفيّة دقيقة كزيادة ( الياء ) فى كتابة كلمة ( أيد ) من قوله تعالى : « وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ » اذ كتبت هكذا ( بأييد ) وذلك للايماء الى تعظيم قوة الله التى بنى بها السماء وانها لا تشبهها قوة على حد القاعدة المشهورة وهى زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى انتهى (١).

أقول : والكلام فيه بنحو ما تقدم ذكره اذ لا معنى يعقل لهذه الزيادة ولا شاهد لها من اللغة وما تكلفوه فاقد لكل الاعتبارات الدلالية والقيمة العلمية مضافا الى انه خلاف ما ثبت من امتناع اجتماع ساكنين كما افاده الخليل فى مقدمة كتابه العين وكفى به حجة ثم ان هذه الياء اذا كانت لا تلفظ فأى معنى لهذا الزعم وهذه الفرية بحيث يمكن تصوره وخطوره فى ذهن القارئ.

وأضاف الخليل بن احمد الفراهيدى فى كتاب العين بقوله : وتزيد العرب فى ( الآن ) و ( حين ) تاءا فنقول : تالان وتحين مثل ( لات حين مناص ) وانما هى :

( لا حين مناص ) ... وكذلك زادوا فى قوله : ( أولى الايدى والابصار ) « ص ـ ٤٥ » فالأيد القوة وبلا رياء والبصر العقل وكذلك كتبوا فى موضع آخر ( داود ذا الأيد ) « ص ـ ١٧ » انتهى (٢).

٣ ـ ( زيادة الواو ) وتزاد الواو فى نحو ( أولو ) و ( أولئك ) و ( أولاء ) ( اولات ).

__________________

(١) راجع مناهل العرفان للزرقانى ج ١ ص ٣٧٠ ـ حجة القراءات لابن زنجلة ص ٦٧٩ ـ ٦٨١ مشكل اعراب القرآن للقيسى ج ٢ ص ٣٢٢ ـ ٣٢٦ ـ تفسير جوامع الجامع للطبرسى ج ٢ ص ٦٠٧ ط بيروت املاء ما من به الرحمن للعكبرى ج ٢ ص ٢٤٣ ٢٤٥ ـ النشر فى القراءات العشر ج ٢ ص ٣٧٧. معانى القرآن للفراء ج ٣ ص ٨٩ ط بيروت ـ قاموس القرآن للدامغانى ص ٥٠٢.

(٢) كتاب العين ج ٨ ص ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ط قم دار الهجرة.

٢٠١

٣ ـ ( قاعدة الهمزة )

وتعنى ان الهمزة اذا كانت ساكنة تكتب بحرف حركة ما قبلها نحو :

( ائذن ) ، ( اؤتمن ) ، ( البأساء ) الا ما استثنى.

اما الهمزة المتحركة فان كانت أول الكلمة واتصل بها حرف زائد كتبت بالألف مطلقا سواء أكانت مفتوحة أم مكسورة نحو : ( أيوب ) و ( أولو ) و ( اذا ) و ( سأصرف ) و ( سأنزل ) و ( فبأى ) الا ما استثنى.

وان كانت متطرفة كتبت بحرف من جنس حركة ما قبلها نحو : ( سبأ ) ( شاطئ ) ( لؤلؤ ) الا ما استثنى.

وان سكن ما قبلها حذفت نحو ( ملأ الارض ) ، ( يخرج الخبأ ) الا ما استثنى.

٤ ـ ( قاعدة التفخيم )

وتعنى ان الألف تكتب واوا للتفخيم فى مثل ( الصلاة ) و ( الزكاة ) و ( الحياة ) فتكتب بهذا النحو : ( الصلاة ) و ( الزكوة ) و ( الحيوة ) الا ما استثنى.

وترسم الألف ياءً اذا كانت منقلبة عن ياء نحو : ( يتوفيكم ) و ( يا حسرتى ) و ( يا أسفى ) وكذلك ترسم الألف ( ياءً ) فى هذه الكلمات : ( الى ، على ، أنّى ـ بمعنى كيف ـ متى ، بلى ، حتى ، لدى ـ ما عدا لدى الألباب فى سورة يوسف فانها ترسم الفا ـ ).

وترسم النون الفا فى نون التوكيد الخفيفة وفى كلمة ( اذن ) وترسم هاء التأنيث تاءً مفتوحة فى كلمة ( رحمة ) بهذا النحو ( رحمت ) فى سورة البقرة والاعراف وهود ومريم والروم والزخرف وكذلك كلمة ( نعمة ) فى سورة البقرة وآل عمران والمائدة وإبراهيم والنمل ولقمان وفاطر والطور وكذلك كلمة ( لعنة الله ) وكلمة ( معصية ) فى سورة ( قد سمع ) وكذلك فى مثل هذه الكلمات :

١ ـ ( ان شجرة الزقوم ) فتكتب ( ان شجرت الزقوم ).

٢٠٢

٢ ـ ( قرة عين ) فتكتب ( قرت عين ). ٣ ـ ( جنة نعيم ) فتكتب ( جنت نعيم ).

٤ ـ ( بقية الله ) فتكتب ( بقيت الله ). ٥ ـ ( امرأة عمران ) فتكتب ( امرأت عمران ).

٦ ـ ( امراة نوح ) فتكتب ( امرأت نوح ) وفى غير ذلك.

وروى الذهبى فى سير اعلام النبلاء عن ابى عبد الرحمن قال : لم اخالف عليا فى شىء من قراءته وكنت أجمع حروف علىّ فألقى بها زيدا فى المواسم بالمدينة فما اختلفا الا فى ( التابوت ) كان زيد يقرأ بالهاء وعلىّ بالتاء انتهى (١).

٥ ـ ( قاعدة الوصل والفصل )

وتعنى : ١ ـ ان كلمة ( ان ) بفتح الهمزة توصل بكلمة ( لا ) اذا وقعت بعدها الا ما استثنى.

٢ ـ ان كلمة ( من ) توصل بكلمة ( ما ) اذا وقعت بعدها ويستثنى منه :

أ ـ ( فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) فى سورتى النساء والروم.

ب ـ ( مِمَّا رَزَقْناكُمْ ) فى سورة المنافقين.

٣ ـ ان كلمة ( من ) بكسر الميم حرف الجر توصل بكلمة ( من ) بفتح الميم الاسم الموصول مطلقا.

٤ ـ ان كلمة ( عن ) توصل بكلمة ( ما ) الا قوله سبحانه وتعالى : ( عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ ).

٥ ـ ان كلمة ( ان ) بكسر الهمزة توصل بالاسم الموصول ( ما ) التى تقع بعدها الا فى قوله سبحانه ( وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ ).

٦ ـ ان كلمة ( أن ) بالفتح توصل بكلمة ( ما ) مطلقا اذا وقعت بعدها الا فى قوله تعالى : أ ـ ( كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ ).

ب ـ ( مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ ).

__________________

(١) سير اعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٤١.

٢٠٣

وكذلك توصل كلمة ( ( نعم ) بكلمة ( ما ) فيقال ( نعمّا ) ( رب ) بكلمة ( ما ) فيقال ( ربّما ) ( كأن ) بكلمة ( ما ) فيقال ( كأنما ) ( و ى ) بكلمة ( كأن ) فيقال ( ويكأن ).

وقال الخليل بن أحمد الفراهيدى فى كتاب العين :

و ... قد كتبوا ـ اى العرب ـ اللام منفصلة فيما لا ينبغى ان يفصل كقوله تعالى : ( ما لِهذَا الْكِتابِ ) فاللام فى ( لهذا ) منفصلة من ( هذا ) وقد وصلوا فى غير موضع وصل فكتبوا : ( ويكأنه ) (١).

٦ ـ ( قاعدة ما فيه قراءتان )

خلاصتها ان الكلمة اذا قرئت على وجهين تكتب برسم أحدهما كلما رسمت كما هو الحال فى هذه الكلمات حيث رسمت بلا ألف فى المصحف وهى :

١ ـ ( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) ٢ ـ ( يُخادِعُونَ اللهَ ) ٣ ـ ( وَواعَدْنا مُوسى ) ٤ ـ ( تُفادُوهُمْ ) ونحوها وكلها مقروءة باثبات الألف وحذفها وكذلك رسمت هذه الكلمات بالتاء المفتوحة وهى :

١ ـ ( غَيابَتِ الْجُبِ ) ٢ ـ ( أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ ) ٣ ـ ( ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها ) ٤ ـ ( وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ ) وذلك لانها جمعاء مقروءة بالجمع والافراد وغير هذا كثير وما ذكر انما كان لقصد التمثيل لا الحصر.

__________________

(١) كتاب العين ج ٨ ص ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

٢٠٤

( الفصل الخامس )

فى البناء القرآنى التجزيئى :

ونعنى به البناء المجزأ بالاجزاء المؤتلفة والقضايا المسورة الملتئمة التى يكثر دورها فى البناء القرآنى ويصح صدق القاعدة الكلية عليها وتفصيل الكلام فيه بالنحو التالى :

احكام الهمزة

سبب تسمية الهمزة بالهمزة : قال ابن شهرآشوب فى كتاب متشابه القرآن :

جاء فى الحديث مرفوعا ( أعوذ بالله من همزه ونفثه ) فالهمزات دفعهم بالاغواء الى المعاصى والهمز شدة الدفع ومنه سميت الهمزة للالف لأنه يخرج من أقصى الحلق باعتماد شديد انتهى.

ويوجد فى القرآن من الهمزات ثلاث آلاف ومائتان وثلاث وسبعون همزة (٣٢٧٣).

ومن الألفات ثمانية وأربعين ألفا وثمان مائة واثنان وسبعون ألفا (٤٨٨٧٢)

والكلام عن أحكامها يقع فى مواضع :

الموضع الاول

فى حال الهمزتين المتلاصقتين فى كلمة واحدة ، فان كانتا مفتوحتين جاز

٢٠٥

تسهيل الثانية وابدالها ألفا ، وادخال ألف بين همزتين أو ابقائهما على حالهما وهو ـ أى الأخير ـ مذهب الأكثرين نحو « ء أنتم أعلم » ، « أءتخذ » وان كانت الأولى مفتوحة والثانية مكسورة نحو قوله تعالى : « أءذا كنا » ، « أألد » ، « أءن لنا أجرا » جاز تسهيل الثانية وادخال ألف بينهما والتحقيق وهو مذهب الأكثر وهذه الوجوه الثلاثة جارية فيهما اذا كانت الأولى مفتوحة والثانية مضمومة نحو قوله جل شأنه : « أَأُنَبِّئُكُمْ » ، « أأنزل » ، « أألقى » وأما اذا تلاصقا فى كلمتين فان اتفقتا بالكسر نحو قوله تعالى : « هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ » ، « مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ » فالأكثرون يحققون (١) وبعض يجعل الثانية ياءً مكسورة وبعض يجعلها كالياء المكسورة وبعض يجعلها كالياء الساكنة فان اتفقتا بالفتح فالأكثرون يحققون وبعضهم يسهلون الأولى وآخرون يسهلون الثانية نحو قوله جل شأنه : « جاءَ أَجَلُهُمْ » « إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ » واذا اتفقتا فى الضم وذلك فى موضع واحد هو فى الأحقاف ، وهو قوله :

« لَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » فالاكثرون يحققون وجماعة يجعلون الثانية كالواو المضمومة والآخرون كالواو الساكنة وأبو عمرو يسهلهما معا وان اختلفا وعلى أى حال فهو خمسة أقسام :

( الأول ) قوله تعالى : « السُّفَهاءُ أَلا ».

( الثانى ) قوله جل شأنه : « مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا ».

( الثالث ) قوله تبارك وتعالى : « شُهَداءَ إِذْ ».

( الرابع ) قوله : « مَنْ يَشاءُ إِلى ».

( الخامس ) قوله : « جاءَ أُمَّةً ».

فالحرميّان وأبو عمر ويسهلون الثانية فى الجميع والباقى يحققون وجماعة

__________________

(١) المراد بالتحقيق هاهنا اظهار الهمزتين بصورتهما الهجائية على نحو يمكن عدهما وملاحظتهما للسامع بوضوح والتسهيل خلافه ، وذلك بأن تجعلهما بين الهمزة والحرف الذى معه حركتها.

٢٠٦

يقولون فيما اذا انفتح أو انكسر ما قبلها أو انضمّ فانها تبدّل مع الكسرة « ياءً » أو مع الضمّة « واوا » متحركان بالفتح نحو : « من الماء أو مما » فانهم يقولون : « من الماء يومما » ، « من يشاء ولى صراط مستقيم » ، « وجاء ومّة ».

الموضع الثانى

اذا كانت الهمزة فاء كلمة فبعضهم على تسهيلها سواء كانت ساكنة أو متحركة نحو « يأخذ » و « يأكل » و « يألم » و « يؤمنون » فى الساكنة و « يؤدّه » و « مؤجلا » و « مؤلّفة » و « مؤذّن » فى المتحركة واستثنوا من غير المتحركة باب الإيواء كله نحو « تأوى » و « المأوى » و « مأواهم » و « فاءو الى الكهف ».

ومن المتحركة « ولا يؤدّه » و « مآرب » و « ما تأخّر » والباقون يحقّقون الهمزة فى ذلك كله.

الموضع الثالث

فى تخفيف الهمزة

اعلم ان الهمزة لما كانت أثقل الحروف مطلقا وأبعدها مخرجا تتنوّع العرب فى تخفيفه بأنواع ، وكانت قريش وأهل الحجاز أكثرهم له تخفيفا ففي معانى الأخبار عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تعلّموا القرآن بعربيته واياكم والنبر فيه يعنى الهمزة ، وقال الصّادق عليه‌السلام : الهمزة زيادة فى القرآن الاّ الهمز الأصلى مثل قوله عزّ وجلّ : « أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » ومثل قوله عز وجل : « وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها ».

وروى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال : نزل القرآن بلسان قريش وليسوا بأهل نبر ـ أى : همز ـ ولو لا ان جبرئيل نزل بالهمز على النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما همزنا.

٢٠٧

وكيف كان فتخفيف الهمزة يقع على أربع صور :

( الصورة الأولى ) النقل ، وهو : أن تلقى حركة الهمزة على الساكن الواقع قبلها فيتحرك بحركتها وتسقط هى من اللفظ ، وذلك اذا كان الساكن غير حرف مدّ ولين ، وكان آخر كلمة والهمزة أول كلمة أخرى.

وتفصيل الكلام فى هذه الصّورة يقع فى ايضاح حالات الساكن الواقع قبلها ، وقد اتضح فيما حصر انّ له ثلاث حالات :

( الحالة الأولى ) أن يكون الساكن تنوينا ، نحو : « من شىء الا » ونحوه.

( الحالة الثانية ) أن يكون الساكن لام المعرّف ، نحو « الأرض » ونحوه.

( الحالة الثالثة ) أن يكون الساكن غير حرف مدّ ولين وكان كلمة من سائر حروف المعجم نحو قوله : « من استبرق » و « من آمن » و « تعالوا أتل » و « اذكر اسماعيل » و « قالت أوّلهم ».

( الصورة الثانية ) الابدال ، وهو : أن تبدل الهمزة الساكنة حرف مدّ من جنس حركة ما قبلها فتبدّل ألفا بعد الفتح ، نحو : « وأمر أهلك » وواوا بعد الضمّ ، نحو : « يؤمنون » وياءً بعد الكسر ، نحو : « جئت » وبه يقرأ أبو عمرو.

وسواء كانت الهمزة فاء أم عينا أم لاما الا أن يكون سكونها جزما نحو « ننسأها » أو بناءً نحو « أرجئه » أو يكون ترك الهمزة فيه أثقل ، ونحو « تؤوى اليك » أو يوقع فى الالتباس وهو « رءيا » فى سورة مريم ، فان تحركت فلا خلاف عنه فى التحقيق ، نحو : « يؤدّه » وغير ذلك ، ويلحق بذلك فى الابدال الهمزة اذا تحرّكت فان كانت مفتوحة وما قبلها مكسورا أبدلتها ياءً نحو « انّ شانئك » والتحقيق أشهر وان كان ما قبلها مضموما ، وهى مفتوحة أبدلتها واوا نحو « لؤلؤ » وان كانت هى مضمومة وما قبلها مفتوح جعلتها ما بين الهمزة والواو نحو « رءوف » و « برءوسكم » الا أن تكون صورتها ياءً نحو « سنقرئك » و « أأنبئكم » فانك تبدلها ياءً مضمومة ، وان كانت هى مكسورة وما قبلها مفتوح جعلتها بين الهمزة والياء

٢٠٨

نحو « جبرائيل » و « بئس » (١) و « يومئذ » و « حينئذ » وان انفتحت وانفتح ما قبلها جعلتها بين الهمزة والألف ، نحو : « ولئن سئلتم » و « كأن » و « ملجأ » و « متكأ ».

( الصّورة الثالثة ) التّسهيل ، ويقع بينها وبين حرف حركتها ، فان اتفق الهمزتان فى الفتح سهل الثّانية الحرميان وأبو عمرو وهشام وأبدلها ورش ألفا ، والقياس أن يكون بين بين أى بين الهمزة والألف وابن كثير لا يدخل قبلها ألفا وقالون وأبو عمرو وهشام يدخلونها والباقون من السبعة يحقّقون وان اختلفت بالفتح والكسر سهّل الحرميان وأبو عمرو الثانية وأدخل قالون وأبو عمرو قبلها ألفا والباقون يحققون أو بالفتح والضم وذلك فى « قل أؤنبئكم » و « أءنزل عليه الذكر » و « أءلقى » فقط ، فالثلاثة يسهلون وقالون يدخل ألفا والباقون يحققون.

( الصورة الرابعة ) الاسقاط بلا نقل ، وبه قرأ أبو عمرو واذا اتفقتا فى الحركة وكانتا فى كلمتين فان اتفقتا كسرا نحو « هؤلاء ان كنتم » جعل ورش وقنبل الثانية كياء ساكنة وقالون والبزى الاولى كياء مكسورة وأسقطها (٢) أبو عمرو والباقون يحققون وان اتفقت فتحا نحو « جاء أجلهم » جعل ورش وقنبل الثانية همزة وأسقط الثلاثة الأولى والباقون يحققون وفى كلمتى « أولياء » و « أولئك » فقط أسقطها أبو عمرو وجعلها قالون والبزى كواو مضمومة والآخران يجعلان الثانية كواو ساكنة والباقون يحققون ثم اختلفوا فى الساقط هل هو الأولى أو الثانية الأول مروى عن أبى عمرو والثانى الخليل بن أحمد من النحاة.

وتظهر فائدة الخلاف فى المد فان كان الساقط الأولى فهو مدّ منفصل أو الثانية فهو مدّ متصل.

__________________

(١) بئس موضوع للذم وقد يقال فيه بيس بسكون الياء وفتح السين وهو فعل ولضعفه لم يتصرف تصرف الافعال فلا يأتى فيه المضارع ولا الامر لانه أزيل عنه موضوعه وذلك لان بئس منقول من قولك بئس الرجل اذا أصاب بؤسا.

(٢) اى الهمزة.

٢٠٩

الموضع الرابع

قد نصّ علماء العامة على استحباب ترقيق الهمزة من « أعوذ » و « اهدنا » و « الحمد » ولفظ الجلالة « الله » اذا ابتدأ بها لما فى التفخيم من كمال الشدة لمجاورتها العين والهاء فى المثالين الأولين ولمجاورتها اللام التى هى من المتوسطة المجاورة للحاء فى المثال الثالث ولمجاورتها اللام المفخمة من لفظ الجلالة.

والحاصل : انهم نصوا على انّ الهمزة ترقّق ، سواء جاورها حرف مفخم أو مرقق أم متوسط فلا يختص ذلك بمجاورتها الأحرف المذكورة ويستحب تنعيم العين من أعوذ وتعطيش الجيم فى كل موضع بمعنى المحافظة على الجهر والشدّة التى فيها لئلا تشتبه بالشّين بل أوجبه القراء فى ظاهرهم وكذلك المحافظة على الشدة والجهر الذى فى الباء لئلا تشتبه بالفاء والألف الساكنة اذا وقعت بعد حرف مستفل كالباء والتاء والجيم والحاء رققت وان وقعت بعد حرف الاستعلاء فخّمت وكذلك اذا وقعت بعد الرّاء تفخم ، لأنه يشبه حرف الاستعلاء وذلك لأنها تخرج من طرف اللسان وما يليه من الحنك الأعلى الذى هو محل حرف الاستعلاء.

الموضع الخامس

فى الألفات السبع والكلام يقع هاهنا عنها فى موارد حذفها واثباتها :

تثبت الالف الواقعة فى هذه الكلمات فى الوقف وتحذف لفظا فى الوصل وعلى فرض تعدّد صور ذلك فههنا وجوه :

( الأول ) ألف « أنا » ضمير المتكلم فى جميع القرآن نحو « أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً » الكهف ـ ٣٤ ـ.

( الثانى ) ألف « لكنا » من قوله تعالى « لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي » الكهف.

٢١٠

( الثالث ) ألف « الظنونا » من « وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا » الأحزاب ـ ١٠ ـ.

( الرابع ) ألف « الرسولا » من « أَطَعْنَا الرَّسُولَا ».

( الخامس ) ألف « السبيلا » من « فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا » الأحزاب ـ ٧ ـ.

( السادس ) ألف « قواريرا » من « كانَتْ قَوارِيرَا » الدهر ـ ١٥ ـ.

( السابع ) ألف « سلاسلا » من « إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ » الانسان.

ويجوز فى « سلاسلا » فقط الوجهان فى الوقف الحذف والاثبات « سلاسلا » و « سلاسل ».

تنبيه

قال اللويمى فى بدايته : وهمزة حرف التعريف وحدها اذا وقعت بعد همزة الاستفهام لم تحذف وقلبت ألفا لأداء حذفها الى الالتباس نحو « الله أذن لكم » ، « ءالذكرين حرم » أو جعلت بين بين.

احكام تاء التأنيث

أو هاء التأنيث على الأصح وهى الحرف الذى اختص بالاسم يأتى فارقا بين مذكر الأسماء ومؤنثها بحسب اللفظ.

وتحرك وانفتح ما قبله حقيقة أو تقديرا نحو « فاطمة » « امرأة » « فاضلة » ، « قناة » ، « مجاراة » : « مداراة » ، « قضاة » ، « سعاة » ومن علاماتها أن تبدّل فى اللفظ عند الوقف هاء وترسم مربوطة ما لم تضف لضمير فانها تلفظ تاءً مفتوحة نحو « امرأته » « مجاراته » ، « سعاتهم » ، وكذا يجب نقطها ولفظها تاء فى الوصل أما فى موضع الوقف فانها لا تنقط وتلفظ هاء كقول الشاعر :

وموجب الصداقة الماعدة

و مقتضى المودة المعاضدة

ومما ورد من ذلك فى النثر حديث أعوذ بكلمات الله التامّة ، من كل

٢١١

شيطان وهامه ، ومن كل عين لامه ، فمن الخطأ أن تنقط هذه الهاء فى حال الوقف عليها.

ومما يستفاد بهذا التمهيد تطبيقه على ما جاء فى الذكر الحكيم فى قوله عز وجل فى غير محل. كقوله : « إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ، لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ رافِعَةٌ » وقوله : « لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ » وغير ذلك.

احكام الراء

الأصل فى الراء التفخيم والترقيق يحتاج الى سبب عكس اللام ولها ثلاثة أحوال :

الحال الاول التفخيم

: وقد حكى الاجماع فى التيسير وسراج القارى على تفخيم كل راء وقعت بعد فتحة أو ضمّة سواء حال بينها وبين هاتين ساكن أم لم يحل وتحركت هى أى الراء بالفتح أو الضم أو أسكنت نحو « حذر الموت » و « يردون » و « العسر » و « اليسر » ولا تضر الكسرة العارضة أى : الغير لازمة قبل الراء بالتفخيم نحو قوله جل شأنه :

« أَمِ ارْتابُوا » و « بِرَبِّهِمْ » و « لرسول » وهو مذهب ورش كما لا تضر الكسرة اللازمة اذا وقع بعد الراء الساكنة حرف الاستعلاء نحو « ارصاد » و « مرصاد » و « قرطاس » لأنّ التفخيم (١) أليق بحرف الاستعلاء من الترقيق لما يلزم المرقق من الصعود بعد النزول وذلك شاق مستثقل وفخم ورش الراء المكسور ما قبلها اذا كانت فى اسم أعجمى نحو « إبراهيم » و « اسرائيل » و « عمران » أو وقعت فى لفظ « إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ » المختلف فى كونه عربيا فيرقق أو أعجميا فيفخم أو وقعت الراء فى لفظ تكرر

__________________

(١) وعلة التفخيم ان الترقيق تخفيف يشعر لخفة ما هو فى أصله ثقيل والاعجمى ثقيل فلهذا منع من الصرف فكان فى التفخيم اشعارا بأصله وثقله فى نفسه.

٢١٢

الراء فيه وكان ما بعد الراء ألف مفتوحة وبين الرائين المتكررتين ألف أيضا نحو « فرارا » و « مدرارا » و « اسرارا » ونحوها (١).

واختلف عنه (٢) فيما كان وزنا « فعل » بكسر الفاء فسكون العين منونا منصوبا غير مشدد ففخمه قوم ورققه آخرون والأكثر على تفخيمه نحو « اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً » و « نسبا وصهرا » ونحو « سترا » و « حجرا » وما كان من هذا القبيل.

وقد ذكر لتفخيم الراء سبعة مواضع على التعيين :

( الاول ) اذا كانت مضمومة من دون فرق فى اختلاف مواضعها فى الكلمة نحو « عشرون » و « هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ ».

( الثانى ) اذا كانت مفتوحة نحو « سراجا » ، « رَبَّنا آتِنا ».

( الثّالث ) اذا كانت ساكنة وكان ما قبلها مضموما نحو « غرفة ».

( الرابع ) اذا كانت ساكنة وكان ما قبلها مفتوحا ، نحو « قرية ».

( الخامس ) اذا كانت ساكنة وكان الحرف الذى قبلها مكسورا وكسرته عارضة نحو « أَمِ ارْتابُوا » و « ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ ».

( السادس ) اذا كانت ساكنة وكانت كسرة الحرف الّذى قبلها أصليّة وأتى بعدها حرف استعلاء (٣) نحو « مرصاد » و « قرطاس » و « فرقة » و « أنذر قومك »

( السابع ) اذا كانت بعد سكون غير الياء وكان قبل الساكن فتح أو ضمّ نحو « القدر » و « الأمور ».

__________________

(١) وعلة التفخيم ان الراء الثانية مفخمة ، اذ لا موجب لترقيقها فلم يرقق الاولى أيضا ليعتدل اللفظ بتفخيم الرائين ، وهذا مخالف لاصل ورش.

(٢) أى عن ورش.

(٣) المجموعة فى قولك : « خص ضغط قظ ».

٢١٣

الحال الثانى

الترقيق

اذا وقعت كسرة لازمة قبل الراء وكانت هى ساكنة ولم يقع بعدها حرف استعلاء فلا بد من ترقيقها عند الكلّ من أهل الأداء نحو قوله عز وجل : « شرعة » « اربه » ، « الآخرة » ، « فرعون » ، « ناظرة » ، « اصبر » ، « انذر » ، « مرّية » « اغفر » (١) وكذا كل راء مكسورة ترقق سواء كانت كسرتها لازمة أو عارضة (٢) بلا خلاف فى حال الوصل أى : اذا لم تسكن للوقف حكاه فى التيسير وشرح الشاطبية ؛

ولا فرق فى ذلك بين أن تقع اولا أو آخرا أو وسطا نحو « ربّيون » و « قادرين » و « الصابرين » و « من أمر الله » و « أنذر النات » و « اذكر اسم ربك ».

ورقّق ورش الراء المفتوحة والمضمومة اذا كان قبلها أو متّصل بها ياءً ساكنة نحو « غير » و « افعلوا الخير » و « لا ضير » و « لله ميراث » و « الله قدير » و « الله بصير » أو كسرة.

ولو وقف على الراء فانها ترقق بشروط ثلاثة :

( اولها ) أن تكون الراء بعد ياء ساكنة نحو « خبير » و « بصير ».

( ثانيها ) أن تكون متصلة بحرف مكسور بكسرة لازمة نحو « مقتدر » ، « ليغفر » « الآخرة » ، « ناضرة » ، « فاقرة » ، « تبصرة » ، « المدبّرات » ، « ساحران » ، « تسرّون » ، « مندورون » ، « تفرّون » ، « أنذرتكم ».

وزاد بعض انه لو فصل بين الراء الموقوف عليها والكسرة ساكن لم يمنع

__________________

(١) ونحو « شرذمة » و « تغفر » لانهم قد روا الحركة بعد الحرف المتحرك فكانت الكسرة من « فرعون » بين الفاء والراء فلغاية القرب وجب الترقيق ولهذا لم يرققوا اذا وقع الكسر بعدها نحو « يرجع » لان الكسر كان قد وقع بعد الجيم فكان بعيدا.

(٢) فى أول الكلمة أو فى آخرها وسواء كانت فى الاسم أو فى الفعل نحو « رزقا قالوا » ، « رجال يحبون » ، « أرنا مناسكنا » ، « انذر الناس » ، « اذكر اسم ربك ».

٢١٤

الترقيق بل يجب نحو « الذّكر » و « السّحر » وما شاكل ذلك.

( ثالثها ) أن تكون الراء طرفا بعد حرف ممال نحو « الحمار » و « الكفّار » وضابطه كل راء وقعت بعد ألف وكانت الراء مكسورة وهى طرف الكلمة فان حركتها رققتها كالوصل وان وقفت عليها بالسكون مثل « ليلة القدر » فانك تقف بالتفخيم الا اذا كان قبلها كسرة أو ياء ساكنة أو فتحة ممالة فانك ترققها بالوقف ك « منهمر » فى الأول و « نذير » فى الثانى و « شرر » فى الثالث.

الحال الثالث

جواز الوجهين التفخيم والترقيق

وتفصيله يقع فى مواضع :

( الموضع الأول ) اذا كانت الراء ساكنة وكان الحرف الذى قبلها مكسورا وكسرته أصلية وجاء بعدها أى : الراء حرف من حروف الاستعلاء وكان هو الآخر مكسورا أيضا نحو « كل فرق ».

فمن فخّمها نظر الى مجرد وقوع حرف الاستعلاء بعدها وقوته ومن رققها نظر الى كونه مكسورا والكسر اضعف تفخيمه ، والترقيق اشهر بل نقل بعضهم الاتفاق عليه.

( الموضع الثانى ) اذا سكنت الراء فى آخر الكلمة وكان الحرف الذى يقع قبلها حرف استعلاء ساكن ووقع قبل حرف الاستعلاء حرف مكسور نحو « مصر » و « القطر ».

( الموضع الثالث ) اذا كان قبل الراء الساكنة فتحة وبعدها ياء مفتوحة نحو « قرية » و « مريم ».

( الموضع الرابع ) اذا كان قبل الراء الساكنة فتحة وبعدها همزة مكسورة نحو « بين المرء وزوجته » و « بين المرء وقلبه ».

والتفخيم فى الموضعين الأخيرين أشهر.

٢١٥

احكام السين والصاد

جاء فى كتاب مقامات الحريرى فى ضبط ما يكتب بالسين والصاد :

اذا شئت فاكتب ما أبيّنه

وان تشأ فهو بالصادات يكتتب

مغس وفقس ومصطار ومملس

وسالغ وصراط الحق والسقب

وسابغان وسقر والسويق ومسلاق

وعن كل هذا تفصح الكتب

ومن الكتاب المذكور المغس الرجع المتعرض فى الجوف وهو مسكّن الغين والفقس البيضة والمسطار الخمرة المرّة ، ويقال لها السطارة أيضا والمملس الذى يسقط من يديك ولا تدرى والسالغ آخر أسنان ذوات الظلف والسقب القرب والسابغان جانب الفم ، والمسلاق الشديد الصوت ومنه قوله تعالى : « سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ ».

وفى كشكول البحرانى قال : يحكى ان النضر مرض فدخل عليه قوم يعودونه منهم أبو صالح فقال له مسح الله ما بك فقال : قل بالصاد مصح الله أى ذهب وتفرق فقال له الرجل ان السين تبدل من الصاد؟ فقال له النضر : اذا أنت أبو صالح ثم قال ويشبه هذه النادرة ان بعض الأدباء جوّز بحضرة الوزير ابن فرات أن تقام السين مقام الصاد فى كل موضع فقال الوزير تقرأ « جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم » أو من سلح؟ فخجل الرجل ثم قال : والذى ذكره أرباب اللغة فى جواز بدل الصاد من السين ان كل كلمة كان فيها سين وجاء بعدها فى آخر الكلمة الحروف الأربعة وهى : الطاء ، والخاء ، والعين ، والقاف ، فيقول السّراط والصراط ، وسخّر وصخّر لكم ، ومسبغة ومصبغة ، وفى صيقل سيقل وقس على هذا انتهى كلامه زيد فى اكرامه.

وقال العكبرى فى الاملاء والبيان السراط بالسين هو الأصل ، لأنه من سرط الشيء اذا بلعه وسمى الطريق سراطا لجريان الناس فيه كجريان الشيء المبتلع.

٢١٦

وقال الطبرسى فى المجمع فى تعليل التسمية : لأنه مشتق من السرط ومسرط الطعام ممرّه ، ومنه قولهم سرطراط والأصل سريط.

وقال المطرزى فى مغربه : سرط الشيء واسترطه ابتلعه.

وفى مفردات الراغب قال : السراط الطريق المستسهل ، أصله من سرطت الطعام وزردته ابتلعته فقيل سراط تصورا أنه يبتلعه سالكه أو يبتلع سالكه ألا ترى انه قيل : قتل أرضا عالمها وقتلت أرض جاهلها ، وعلى النظرين قال أبو تمام :

رعته الفيافي بعد ما كان حقبة

رعاها اذا مالمزن ينهلّ سالكه

ثم قال : وكذا سمى الطريق اللقم والملتقم اعتبارا بأن سالكه يلتقمه ـ انتهى.

وقال الطريحى فى المجمع : السراط لغة فى الصراط بالصاد ، وهى اللغة الفصيحة ، وقال الرازى فى المختار : سرط الشيء بلعه وبابه فهم واسترطه ابتلعه وفى المثل : لا تكن حلوا فتسترط ولا مرا فتعقى ، أى : ترمى من الفم للمرارة وقولهم الأخذ سرّيطى والقضاء ضرّيطى أى يسترط ما يأخذ من الدين فاذا تقاضاه صاحبه أضرط به وحكى الأخذ سرتط والقضاء ضريط والسرطراط الفالوذ.

وقال شيخنا بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثى العاملى رضوان الله تعالى عليه فى كتاب العروة الوثقى : الصراط الجادة من سرط الطعام بالكسر والفتح اذا ابتلعه فكأنه تسترط السائلة أوهم يسترطونه ، ولذلك سمى لقما بفتحتين كأنه يلتقمهم أو كأنه يلتقمونه وجمعه سرط ككتاب وكتب وهو كالطريق فى جواز التذكير والتأنيث وأصله السين ، انتهى.

وقال الكرمانى فى وجيزته : يرسم الصراط فى جميع القرآن منكرا كان أو معرفا بالصاد وان كان الأصل فيه السين ثم قال : ومن بعض المصاحف القديمة بكتب الصراط بحذف الألف.

أقول : وليس ذلك بحجة اذا لم ينقل أو يذكر فيما سمعت حول ذلك القول من أئمة اللغة وذكر ذلك من غير مستند يعول عليه ظاهر فى طرحه اذ لعله تصحيف قد

٢١٧

وقع فيه بعض النسّاخ وكيف كان فاذا علمت ذلك وتهيّأ لك فهمه وعلمه نقول :

قلبت السين صادا لتطابق وتجانس الطاء فى الاطباق « كمصيطر » فى « مسيطر » والسين تشارك الصاد فى الصفير والهمس كما تقدم.

فلما شاركت الصاد فى ذلك قربت منها وكانت مقاربتها لها مجوزة قلبها لتجانس الطاء فى الاطباق.

ومنهم من أبدل السين زاء واحتج بقوله : لأن الزاى والسين من حروف الصفير والزاى أشبه بالطاء لأنهما مجهورتان أى لتوافق الزاى معها فى الجهر فانها مهموسة فقالوا الزّراط.

وقد يشمّ الصاد صوت الزاى ليكون أقرب الى المبدل عنه بمعنى انّه قصد أن يجعل الصاد بين الجهر والاطباق لأنّه رأى جهر الطاء واطباقه بالسين فأتى بالصّاد مراعاة للاطباق وأشمها شيئا من الزاى مراعاة للجهر ومؤاخاة بين السين والطاء بحرف مجهور من مخرج السّين وهو الزاى من غير ابطال الأصل.

وقرأ ابن كثير وقنبل وورش عن يعقوب بالسّين مراعاة للأصل وقرأ الباقون وهم الأكثر بالصّاد للمضارعة والاقتران بحرف الاستعلاء لما بين الصاد والطاء من المؤاخاة به ، أى : الاستعلاء وكذا الاطباق ، ولكراهة ان يتسفّل بالسّين ثم يتصعّد بالطاء فى السّراط ، واذا كانوا قد ابدلوا من السّين الصّاد مع القاف فى فى صقب وصويق ليجعلوها فى استعلاء القاف مع ما بعد القاف من السّين وقرب الطّاء منها فان يبدلوا منها الصّاد مع الطّاء كان اجدرا من حيث كانت الصّاد الى الطّاء أقرب ألا ترى انهما جميعا من حروف طرف اللسان واصول الثنايا وان الطاء تدغم فى الصّاد والقراءة بالصّاد كما لا يخفى هى لغة قريش والأولى فى النطق.

٢١٨

احكام اللام

والكلام عنها ينتظم فى أطراف :

الطرف الاول

فى ترقيقها وتفخيمها ( تغليظها ) أى : تضعيف حركتها بزيادة عمل فيها الى جهة الارتفاع والأول أصل لانه عدم التغليظ والثانى فرع لأنه عرض بعد ان لم يكن عكس الراء كما سبق ان أشرنا فى مبحثها الى ذلك ، ولكل واحد منهما شروط يأتى الكلام عليها فى موضعين :

الموضع الاول

فى شروط ترقيقها وهى :

( الاول ) أن تكون مضمومة نحو « وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ ».

( الثانى ) أن تكون مكسورة نحو « لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ».

( الثالث ) أن تكون ساكنة نحو « فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ ».

( الرابع ) أن تكون مفتوحة نحو « وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ ».

ويستثنى من ذلك موضعى التفخيم والادغام.

الموضع الثانى

فى شروط تفخيمها :

ولا تكون كذلك الاّ اذا اجتمع فيها شرطان :

( أولهما ) أن تكون اللام مفتوحة لأن التفخيم اشباع فتح.

( وثانيهما ) أن تكون اللام مسبوقة بواحد من حروف الاطباق ، وهى كما تقدم لك « الصاد والضاد والطاء والظاء » المفتوحة أو الساكنة وذلك لان الاطباق

٢١٩

مفخّم فتفخّم اللام بعد حروفه ليعمل اللسان عملا واحدا فى التصويب ، وامثلة ذلك قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه‌السلام « وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ » وقوله : « سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ » وقوله عز وجل : « فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً » وعلل بعض حالة التفخيم الطارئة على اللام هو مشاركتها الراء والنون فى المخرج والراء حرف تفخيم كما ان النون حرف غنّة وشذّ ورش (١) فى احدى مرويّاته بمخالفة أحد الشّرطين المتقدّمين ففخّم اللام فى قوله عز وجل « مِنْ صَلْصالٍ » وجميع القرّاء مطبقون على مخالفته بترقيق هذه اللام لسكونها واختلال الموجب للتفخيم وحكم تفخيم اللام الاستحباب لا الوجوب صرح بذلك المحقق البحرانى فى حدائقه وجملة من اعلام علماء الامامية من متقدّمى المتقدّمين منهم الطبرسى فى مجمعه.

ومتى وردت اللامان فى كلمتين متجاورتين فانها لا تخلو أن تكون أحد هذه الأقسام الأربعة :

( الأول ) أن تكون مرقّقتين نحو « عَلَى الدِّينِ ».

__________________

(١) وكذلك ذهب الى ان اللام اذا تحركت بالفتح أى كانت مفتوحة وكان قبلها صاد أو ظاء أو طاء وتحركت هذه الحروف الثلاثة بالفتح أو سكنت أى كان كل منها مفتوح أو ساكن كالصاد نحو « الصلاة » ، « صلواتهم » ، « فيصلب » ، « مفصلات » ، « اصلحوا » ، « فصل » والظاء نحو « اذا أظلم » « تظلمون » ، « الامن ظلم » ، « ظل وجهه » ، « بظلام للعبيد » ، « يظللن » ونحو ذلك. والطاء نحو « الطلاق » فالحكم فيها انها تشبع وتفخم وحجته فى ذلك ان حرف الاستعلاء اذا فتح أو سكن عظم استعلاؤه.

والباقون لا يشبعون حيث وقعت.

وان حال بين اللام وأحد هذه الحروف ألف نحو « طال » ، « فصالا » أو كانت اللام آخرا ووقف عليه نحو « ظل » ، « لظل » ، « أن يوصل » فأهل الاداء من القراء مختلفون فى النقل.

وأما اذا لم تحرك اللام بالفتح فانها ترقق عند ورش سواء كانت مضمومة ك « ظلوا » أو مكسورة نحو « الامن ظلم » أو ساكنة نحو « فظلتم » وكذلك ترقق عنده أيضا اذا كانت هذه الحروف الثلاثة مضمومة أو مكسورة ، نحو : « ظلال » « عطلت » ، « فصلت ».

٢٢٠