المرشد الوجيز

الميرزا محسن آل عصفور

المرشد الوجيز

المؤلف:

الميرزا محسن آل عصفور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٣

عندك فقد وجب عليك الاستماع والانصات.

قال الفيض الكاشانى فى قرة العيون بعد نقله لخبرى العياشى : بل لا يبعد وجوب الانصات والاستماع فى غير الصلاة انتهى ومال اليه جمع واستظهر المقدس الاردبيلى فى زبدة البيان عدم وجوب الاستماع والانصات على غير المأموم فى الصلاة عند قراءة الامام فى الاوليتين وما سواه محمول على الندب وكراهة فعل الضد المنافى ومراعاة الاحتياط قدر المستطاع طريق السلامة.

صوت المرأة

قال عز وجل :

« يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ » ( الاحزاب ـ ٣٢ ) قال شيخ الطائفة فى تبيانه :

« فلا تخضعن بالقول » اى لا تلينّ كلامكن للرجال بل يكون جزلا قويا لئلا يطمع من فى قلبه مرض قال قتادة : ومعناه من فى قلبه نفاق وقال عكرمة : من فى قلبه شهوة ثم قال لهن « وقلن قولا معروفا » مستقيما جميلا بريئا من التهمة بعيدا من الريبة موافقا للدين والاسلام انتهى (١).

وفى المجمع زاد بقوله : وقيل : ان المرأة مندوبة اذا خاطبت الاجانب الى الغلظة فى المقالة لان ذلك أبعد من الطمع فى الريبة (٢).

وفى البصائر للجويبارى قيل : أى فى قلبه ضعف من الايمان وبه يشتهى اتيان الفواحش ( ثم اضاف بقوله ) وفى قوله تعالى : ( قَوْلاً مَعْرُوفاً ) اقوال :

١ ـ عن ابن زيد : اى قولا جميلا حسنا معروفا فى الخير.

__________________

(١) التبيان ج ٨ ص ٣٣٩.

(٢) مجمع البيان ج ٤ ص ٣٥٦.

١٦١

٢ ـ .. أى قولا قد أذن الله تعالى لكنّ به وأباحه عند الحاجة والضرورة.

٣ ـ عن ابن عباس : أى امرهن بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والمرأة تندب اذا خاطبت الاجانب وكذا المحرمات عليهما بالمصاهرة الى الغلظة فى القول من غير رفع الصوت فان المرأة مأمورة بخفض الكلام ٤ ـ .. حديثا واضحا صريحا غير داع الى الريبة ولا مثير الى الشهوة مستقيما جميلا بريئا من التهمة بعيدا عن الغمز مجانبا عن الاشارة وموافقا للدين والاسلام.

ثم قال : وعلى الأخير جمهور المفسرين انتهى كلامه.

أقول : ولا يتوهم اختصاص الحكم بنساء النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة فيسوغ لغيرهن ارتكاب ما صرحت الآية بالنهى عنه اذ خصوص المورد لا يخصص الوارد والآية مضافا الى ذلك فى معرض التهويل والانذار والتشديد بالمؤاخذة لهن مضافا لغيرهن ممن خالف بالاتيان بها وورد النص عليه فيما تقدم وتأخر على سياق النص الذى ذكرناه والذى فيه موضع الاستشهاد على ما نحن بصدد التعرض له والى ذلك الاشارة فى قول الطباطبائى فى تفسيره المعروف بالميزان حيث يقول :

فتصدير الكلام بقوله : ( لستن كأحد من النساء ان اتقيتن ) ثم تفريع هذه التكاليف المشتركة عليه يفيد تأكد هذه التكاليف عليهن كأنه قيل : لستن كغير كن فيجب عليكن ان تبالغن فى امتثال هذه التكاليف وتحتطن فى دين الله اكثر من سائر النساء وتؤيد بل تدل على تأكد تكاليفهن مضاعفة جزائهن خيرا وشرا كما دلت عليها الآية السابقة فان مضاعفة الجزاء لا تنفك عن تأكد التكليف انتهى (١).

وهو فيما اذا عرض على جوهر صوتها ما يسلب عنه حكم الجواز كاللغو مع الاجانب فيما لا حاجة اليه ولا ضرورة تقتضيه أو عند اقتضاء الحاجة لكن بتعذيب وترقق واثارة وغمز ومزاح ونحو ذلك من وجوه الاثارة وبذلك صرح جمع منهم (٢)

__________________

(١) تفسير البصائر ج ٣٢ ص ٢١٦ ـ ٢١٧.

(٢) الميزان فى تفسير القرآن ج ١٦ ص ٣٠٨.

١٦٢

المحقق الحدائقي بقوله : لم يقم عندنا ما يدل على ما يدل على ما ادعوه من كون صوتها عورة وانها منهية من اسماعه الاجنبى بل ظاهر الاخبار الدالة على تكلم فاطمة (ع) مع الصحابة فى مواضع عديدة ولا سيما فى المخاصمة فى طلب ميراثها والاتيان بتلك الخطبة الطويلة المشهورة كما نقلناها بطولها فى كتابنا سلاسل الحديد فى تقييد ابن ابى الحديد وتكلم النساء فى مجلس الائمة (ع) هو خلاف ما ذكروه ثم انه مع تسليم صحة ما ذكروه فالنهى هنا انما توجه الى امر خارج عن الصلاة وان كان مقارنا « انتهى كلامه » (١)

أقول : ولا يعنى ذلك جواز قراءة المرأة للقرآن فى محافل الرجال كما ذاع فى بعض البلاد فى مراسم مسابقات التلاوة والحفظ وان تجرد عما ألمحنا اليه فيما سلف لأنه ليس من الموارد التى يصح وصفها باقتضاء الحاجة ان لم نقل بمنافاته لحيائها وعفتها وتأديته الى الوقوع فى متهات الاثم والتخبط فى أودية المعاصى.

التغنى بالقرآن

اتفق قاطبة الامامية على انعقاد حرمة الغناء بل ربما ادعى الاجماع واستدلوا على ما ذهبوا اليه بنصوص من القرآن وبجملة من الاخبار المتظافرة فى الباب كما هو مذكور فى مظانه بما لا يدع مجالا للشك ومتسعا للريبة فى أصل ثبوت الحكم خلافا للعامة الذين ذهب كثير منهم الى إباحته مطلقا بينما خالف بعض منهم على تفصيل فى المقام.

وكيف كان فهو عبارة عن مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب كما صرحت به اكثر عبائرهم بما يسمى فى عرف اللغة العربية غناء بتقدير صدق تحقق شمول مفهومه اللغوى له بحسب اقتضاء مناسبة الاطلاق أو بما يسمى فى عرف الناس غناء وان لم يطرب سواء كان فى شعر ام قرآن أو غير ذلك.

__________________

(١) الحدائق ج ٨ ص ١٤١.

١٦٣

وما ورد من الجواز به فهو اما منصوص بغناء المرأة التى تزف الاعراس بشرط خلوه من آلات اللهو والباطل ومخالطة الرجال أو بحداء المكارين واما غير المنصوص فهو مؤول به ومحمول عليه.

واما ما ورد فى طرقنا فيحسن ان نجمل التعرض له فى ثلاث طوائف :

( الطائفة الاولى )

فيما ورد من الحث على تحسين الصوت عند التلاوة زيادة على ما قدمنا ذكره :

روى الثقة الكلينى فى الكافى بسنده عن على بن محمد النوفلى عن ابى الحسن عليه‌السلام قال : ذكرت الصوت عنده فقال : ان على بن الحسين عليه‌السلام كان يقرأ فربما مر به المار فصعق من حسن صوته (١)

وروى الطبرسى فى الاحتجاج عن الامام موسى بن جعفر (ع) انه قال يوما من الايام : ان على بن الحسين (ع) كان يقرأ القرآن فربّما مرّ به المار فصعق من حسن صوته وان الامام لو اظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس قيل له : ألم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلى بالناس ويرفع صوته بالقرآن؟ فقال عليه‌السلام : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحمل من خلفه ما يطيقون » (٢).

وفى الكافى بسنده عن ابى عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : كان على بن الحسين عليه‌السلام أحسن الناس صوتا بالقرآن وكان السقاءون يمرّون فيقفون ببابه يستمعون قراءته (٣).

وفى مستطرفات السرائر عن كتاب (٤) محمد بن على بن محبوب عمن حدثه بسنده عن معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل لا يرى انه صنع

__________________

(١) أصول الكافى ص ٥٩٩.

(٢) الاحتجاج ص ٣٩٥.

(٣) اصول الكافى ص ٥٩٩.

(٤) عيون اخبار الرضا (ع) ج ٢ ص ٦٩.

١٦٤

شيئا فى الدعاء وفى القراءة حتى يرفع صوته فقال : لا بأس ان على بن الحسين عليه‌السلام كان احسن الناس صوتا بالقرآن وكان يرفع صوته حتى يسمعه أهل الدار وانّ أبا جعفر عليه‌السلام كان أحسن الناس صوتا بالقرآن وكان اذا قام من الليل وقرأ رفع صوته فيمرّ به مار الطريق من السقائين وغيرهم فيقومون فيستمعون الى قراءته.

وروى الصدوق فى العيون بسنده عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه (ع) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حسّنوا القرآن بأصواتكم فان الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا وقرأ عليه‌السلام : ( يزيد فى الخلق ما يشاء ) (١)

( الطائفة الثانية )

فيما ورد من جواز بل وجوب التغنى والطرب عند تلاوة القرآن وتوجيه ما تضمنه :

روى القمى فى تفسيره بسنده عن ابى بصير قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام اذا قرأت والقرآن فرفعت به صوتى جاءنى الشيطان فقال : انما ترائي بهذا اهلك والناس فقال : يا أبا محمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع اهلك ورجع بالقرآن صوتك فان الله عز وجل يحب الصوت الحسن يرجّع فيه ترجيعا (٢).

وفى جامع الاخبار عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ان القرآن نزل بالحزن الى ان قال : ـ وتغنوا به فمن لم يتغن بالقرآن فليس منا » (٣).

وفى امالى الشريف المرتضى (ره) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ليس منا من لم يتغن بالقرآن (٤).

وقد اسهب المحدث المحقق العاملى فى فوائده الطوسية فى نقض دلالة هذه

__________________

(١) السرائر ص ٤٧٦ ط حجرى.

(٢) اصول الكافى ص ٥٩٩

(٣) جامع الاخبار ص ٥٧.

(٤) ونفس المصدر السابق ص ٥٧

١٦٥

الروايات وتضعيفها بما محصله :

انها ضعيفة لمعارضتها للقرآن فى عدة آيات ومخالفتها للسنة المطهرة المنقولة عن النبى والائمة عليهم‌السلام فى احاديث كثيرة متواترة معنى صريحة فى تحريم الغناء ولضعف سندها فلا تعارض الاحاديث الصحيحة السند ولمخالفتها لاجماع الشيعة على تحريم الغناء بل ولاجماع الائمة (ع) ولمخالفتها لعمل الطائفة المحقة كما اشرنا اليه وموافقتها لمذهب العامة فيجب حملها على التقية.

واما حديث : ( فمن لم يتغن بالقرآن فليس منا ) فقد ذيله بقوله : أصله من أحاديث العامة وكل من نقله منهم أو من الخاصة أوّله فلم يحمله أحد منهم على ظاهره فذلك اجماع منهم على صرفه عن ظاهره لمخالفته للمعهود المقرر من عدم جواز الغناء فى القرآن ولا فى غيره ولانه يدل بظاهره على وجوب الغناء فى القرآن مع زيادة التأكيد والتهديد ولان قوله ( فليس منا ) لا يجامع الاستحباب فضلا عن الجواز ولا قائل بالوجوب ولا بالاستحباب بل هو مخالف للاجماع فى ذلك من من الخاصة والعامة وقد أوّلوه تارة بتزيين الصوت وتحسينه بحيث لا يصدق عليه الغنا كما ذكرناه سابقا وتارة بحمل تغنوا على معنى استغنوا كما ورد فى حديث آخر ( من قرأ القرآن فهو غنى لا غنى بعده ) وغير ذلك انتهى كلامه علت فى فى الخلا اعلامه وللمزيد من التوسّع راجع الفوائد الطوسية.

( الطائفة الثالثة )

ما ورد من النهى عن التغنى بالقرآن وتوضيح ما اشتمل عليه :

روى الثقة الكلينى فى الكافى بسنده عن ابى عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقرءوا القرآن بألحان العرب واصواتها واياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر فانه سيجىء من بعدى أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة وقلوب من يعجبه

١٦٦

شأنهم (١).

ورواه القطب الراوندى فى دعواته بخلاف فى ( قلوبهم مفتونة ) عوض ( قلوبهم مقلوبة ) (٢).

وفى جامع الاخبار ما يقرب منه عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقرءوا القرآن بلحون العرب واصواتهم واياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين وسيجىء قوم من بعدى يرجّعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم (٣).

وقال المحقق البحرانى فى حدائقه فى معناه : حاصل معنى الخبر اقرءوا القرآن بلغات العرب وأصواتها واياكم ولحون أهل الفسق والكبائر والمراد به هنا الغناء كما يفسره قوله فانه سيجىء بعدى أقوام ... هذا هو المعنى الظاهر من الخبر انتهى.

وقال المحقق الفاضل الشيخ على الجبعى العاملى فى الدر المنثور :

هذا الحديث يدل صريحا على ان الغناء يحصل بترجيع القرآن على النحو المتعارف فى هذا الزمان ويدل على تفسير الغناء بالترجيع المطرب والطرب صفة تصيب الانسان لشدة حزن او سرور كما ذكره أهل اللغة وفى كون فعلهم كفعل أهل الفسوق والكبائر وعدم جوازه التراقى وقلب قلوبهم وقلوب من يعجبه ذلك ما هو ظاهر لمن عقله كيف وهو كلام سيد البشر صلوات الله عليه وآله ...

وقوله عليه‌السلام ( لا يجوز تراقيهم ) جمع ترقوة وهى معلومة ومعناه والله أعلم ـ انهم لاشتغالهم بالترجيع المطرب لا يتعدى التراقى فضلا عن ان يصل الى قلوبهم

__________________

(١) أصول الكافى ص ٥٩٨.

(٢) دعوات الراوندى ص ٤.

(٣) جامع الاخبار ص ٥٧.

١٦٧

ليتدبروا معانيه ويتأملوا ما فيه مما ينفعهم عاجلا وآجلا بل يكونون مشتغلين باخراج الألفاظ وترتيبها وملاحظة المقامات وتحسين الصوت والترجيع بحيث لا يسعهم مع ذلك ما هو المقصود من تلاوة القرآن ومن كان كذلك فقلبه مقلوب لا يصلح لان يكون وعاء لذلك كما اذا كان الاناء او نحوه مقلوبا فانه لا يقبل ان يحفظ فيه شىء ويكون وعاء له وكذلك من يعجبه امرهم وطريقتهم فان همّه يكون مقصورا على الطرب واللذة الحاصلين من السماع ونحوه وربما دل على تناول ذلك لمن يعجبه شأنهم وان لم يحصل او يتفق له سماع بل بمجرد كون ذلك يعجبه.

ويحتمل ان يكون قوله عليه‌السلام ( قلوبهم مقلوبة ) الخ دعاء عليهم بذلك فيكون انشاء والاول اخبار والانشاء ابلغ والله تعالى اعلم انتهى كلامه أعلى الله مقامه (١)

__________________

(١) الدر المنثور ج ١ ص ٢٥ ـ ٤٧ نقلنا فى المتن ما تقتضيه الحاجة وللمزيد من التوسع راجع المصدر وكذا الفوائد الطوسية من ص ٨٣ ـ الى ٩٦ ط قم.

١٦٨

( الفصل الرابع ) فى البناء القرآنى العنصرى الصورى :

وهو عبارة عن الهيئة الوضعية الصورية المفهمة بتوسط الدلالة الخطيّة المصوّرة بالمادة المنبثقة عن اللغة العربية فى أصل الوضع والى ذلك الاشارة فى قوله عزّ من قائل :

« وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ » ( النحل ـ ١٠٣ ).

« نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ » ( الشعراء ـ ١٩٥ ).

« إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » ( يوسف ـ ٢ ).

« وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا » ( الرعد ـ ٣٧ ).

« وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ » ( طه ـ ١١٣ ).

« كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » ( فصلت ـ ٣ ).

« وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا » ( الشورى ـ ٧ ).

« وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا » ( الاحقاف ـ ١٢ ).

ثم اعلم ان الوجود الدلالى الخطى انما هو من مسببات الوجود الدلالى اللفظى ونائب عنه فى بيان مقاصد واغراض المتكلم ولذا فانه يجمل بنا ان نتناول ذكر اللفظ واقسامه كمقدمة فى الشروع فى هذا الفصل : اعلم أن اللفظ عبارة عن

١٦٩

الصوت الملفوظ من الفم المتسبب عن الهواء الخارج من الرئتين والمار بجهاز النطق فى الفم وهو من باب تسمية المسبب باسم السبب وهو على قسمين :

( الأول منهما ) ما كان مفارقا لمعنى ويسمى بالمهمل وهو ما لم يوضع بازاء معنى معين ولا يفهم منه شىء.

( وثانيهما ) ما كان مقارنا لمعنى ويسمى بالمستعمل وهو ما تم التواضع عليه فى أصل وضع اللغة بازاء معنى معين مراد ومفهم لمطلوب وينقسم الى طبيعى ووضعى :

( الأول ) ما كان صادرا بمقتضى طبع الانسان وفطرته وهو خارج عن مباحث العلوم اللغوية والقرآنية لعدم افتقاره الى ضبط واطباق الجبلة عليه وعدم تعلق غرض من مسائلهما به البتة.

( الثانى ) ما كان صادرا بمقتضى الحاجة للبيان وهو المقصود بالبحث عنه فيهما ويكون تارة منطوقا بالفعل وهو المسموع صريحا واخرى بالقوة وهو المفهوم ضمنا بقرينة المسموع.

ومنه عرّفت الكلمة فى الاصطلاح بأنها لفظ بالقوة أو بالفعل مستقل دال بجملته على معنى مفرد على أجود التعاريف.

وقد وقع الخلاف فى عدد كلمات القرآن الكريم والمستقرب انه (٧٧٤٣٦) كلمة.

ومما قيل انه (٧٧٤٣٧) كلمة ذكره السيد حيدر الآملى فى تفسيره ، ونسب الى البصريين كما فى تفسير البروجردى.

وقيل انه (٧٧٤٦٤) كلمة ونسب الى البصريين.

وقيل انه (٧٧٤٣٠) كلمة ونسب الى الكوفيين والشاميين.

وقيل انه (٧٧٤٨٩) كلمة ونسب الى أهل الحرمين.

وقيل انه (٧٧٤٣٤) كلمة ولم أعثر على قائله.

وقيل انه (٧٧٤٥٠) كلمة ونسب الى الكوفيين.

١٧٠

وقيل انه (٧٧٤٢٠) كلمة عند حميد بن الأعرج.

وقيل انه (٧٧٤٩٩) كلمة ونسب الى إبراهيم التميمى.

وقيل انه (٧٧٤٣٩) كلمة والقائل به عطا.

وقيل انه (٧٧٤٣٦) كلمة والقائل به عبد العزيز.

وغيرها من الأقوال التى لا طائل من ذكرها ، وكان منشأ الاختلاف فى تعيين الكلمات ، حيث ان أقصرها حرفان كمن وما ولا وان وان جاء كثير من حروف المعانى على حرف واحد كواو العطف ، وهمزة الاستفهام والباء الجارة لكنها لما لم ينتطق بها مفردة فلم يعتبروها رأسا وأطولها عشرة أحرف مثل ليستخلفنّهم وأما قوله أفأسقيناكموه فهو وان كان فى اللفظ أحد عشر حرفا لكنه فى الرسم عشرة.

وكيف كان فتنقسم جملة ما تأتلف الكلمة منه الى ثلاثة أقسام :

( القسم الأول ) الحروف الهجائية وقد تقدم الكلام عليها مفصلا فلا نعيد وتنقسم بجملتها الى ضربين :

( الأول ) ما يكون فى حقيقته مفرد وحدوثه عن حبسة هوائية صوتية تامة ويكون كذلك فى أحد عشر حرفا وهى الباء والتاء والجيم والدال والضاد ايضا من وجه والطاء والقاف والكاف واللام والميم والنون ايضا من وجه.

( الثانى ) ما يكون فى حقيقته مركب وحدوثه عن حبسة هوائية صوتية غير تامة مع اطلاق فى آن واحد ويكون كذلك فى الهمزة والثاء والحاء والخاء والذال والراء والزاى والسين والشين والصاد والعين والغين والفاء والهاء والواو والياء والظاء.

ويرجع سبب حدوث الحروف فيما هو المردد بين نفس التموج فانه يفعل الصوت وقد سبق ايضاحه فى صدر الفصل السابق فراجع.

( القسم الثانى ) الأشكال ويقال لها العلامات وهى على ثلاثة أنواع :

١٧١

( الأول ) الحركات وهى جمع حركة وهى عرض للحرف تحله قال أبو عمرو الدانى اعلم ان الحركات ثلاث : فتحة وكسرة وضمة فموضع الفتحة من الحرف أعلاه لأن الفتح مستعل ، وموضع الكسرة منه أسلفه لأن الكسر مستفل ، وموضع الضمة منه أمامه أو وسطه لأن الفتحة لما حصلت فى أعلاه.

والكسرة فى أسفله لأجل استعلاء الفتح وتسفّل الكسر بقى وسطه فصار موضعا للضمة ، انتهى.

والأصح فى الفتح والضم والكسر والسكون انها حركات للعضو من الشفتين أو اللسان أو الحنك التى يخرج منه الحرف فالفتحة عبارة عن فتح الشفتين عند النطق بالحرف والضمة تحريك الشفتين بالضم والكسرة تنشأ من انجرار اللحى الأسفل الى الأسفل انجرارا قويا.

وهذه الحركات تكون ظاهرة ومقدّرة.

وعدد الضمّات التى توجد فى القرآن أربعون ألفا وثمان مائة وأربع ضمات (٤٠٨٠٤).

وقيل : أربعون ألفا وثمان مائة وأربع عشرة ضمة (٤٠٨١٤).

وعدد الفتحات ثلاث وتسعون ألفا ومائتان وثلاث وأربعون فتحة (٩٣٢٤٣) وعدد الكسرات تسع وثلاثون ألفا وخمسمائة وست وثمانون كسرة (٣٩٥٨٦).

وقيل : تسع وثلاثون ألفا وخمسمائة وثلاث وثمانون كسرة (٣٩٥٨٣).

( النوع الثانى ) التنوين :

وهو نون ساكنة زائدة أصالة متطرفة تلحق آخر الاسم لفظا ووصلا وتسقط خطا ووقفا لغير توكيد وهو عبارة عن تضعيف الحركات الثلاث الى ضمتين وفتحتين وكسرتين كتابة واخراجها عند التلفظ نونا وسيأتى مزيد من الكلام عنه فى بابه.

( النوع الثالث ) السكون :

وهو ضد الحركة أو بعبارة أخرى عدمها.

١٧٢

ويلحق به ( مبحث الوقوف ):

لأنّها من جنسه ، وهى جمع وقف ، وفى اللغة : الوقف على الشيء ترك الاتيان به ولهذا سمى فى الاصطلاح وقفا لأنه وقف على الكلمة أى ترك تحريكها ان كانت متحركة وان لم تكن كذلك فالوقوف عليها وعدم تعديها ويحصل ذلك بقطع الصوت عن الكلمة زمنا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة ويكون فى رءوس لآى وأوساطها ولا يأتى فى وسط الكلمة ولا فيما اتصل خطا ورسما.

وحدّ التوقّف فى مذهبنا ان لا يقف على الحركة اعرابية كانت او بنائية ولا يصل بالسكون بين الكلمات المعربة المتحركة بالحركات الظاهرية اختلاسا لحركتها محافظا على النظم عند الوقوف واما ما هو مرتضى المرتضى من جواز اللحن فى الأعراب فى قراءة القرآن فى الصلاة الذى لا يغير المعنى به وكذا ما ذهب اليه النراقى فى مستند الشيعة من جواز الوقف بالحركة والوصل بالسكون مع بقاء المعنى فقولان شاذان لا يعول عليهما ولا يصغى اليهما.

وكيف كان فلو وقف فى اثناء الكلمة متعمدا بحيث لا يعدّ قارئا لها أو سكت على كل كلمة بحيث يخل بالنظم بطل فعله ومن ثمّ الصلاة.

ولا يجب الوقف المصطلح عليه فى مواضعه لنص أهل التجويد على ذلك بأنفسهم وللأصل الثابت فى الاشياء كلها حتى يثبت الوجود او التحريم وللصحيح الوارد عن على بن جعفر عن اخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يقرأ فى الفريضة فاتحة الكتاب وسورة اخرى فى النفس الواحد؟ قال : ان شاء قرأ وان شاء غيّر هكذا فى التهذيب وفى كتاب المسائل وقرب الأسناد مثله ايضا وزاد : ولا بأس.

واذا حصل لك العلم بذلك نذكر لك رموز الوقف المصطلح عليها بين علماء التجويد والضبط لكى تكون على اطلاع وكان لم يلزمك العمل بها لما

١٧٣

ذكرنا لك وبينّا لكن لا بأس لك أن رمت العمل على وفقها لما صرح به علماؤنا من الأمر بها على جهة الندب وهى كالآتى :

١ ـ ( م ) علامة الوقف الواجب ( اللازم ) نحو : « انما يستجيب الّذين يسمعون م والموتى يبعثهم الله » حيث الميم فوق نون يسمعون.

٢ ـ ( ط ) علامة الوقف المطلق أى الحسن.

٣ ـ ( ق ) علامة الوقف الجائز بقول ضعيف عند البعض.

٤ ـ ( قلا ) علامة الوقف غير الجائز أصلها ( قيل لا ).

٥ ـ ( جه ) علامة الوقف الذى لا وجه له.

٦ ـ ( مع ) أو ( معا ) علامة تعانق الوقف ويعبّر عنها بالمعانقة بحيث اذا وقف على أحدهما ـ أى : أحد الموضعين لا يصح أن يوقف على الآخر نحو « ذلك الكتاب لا ريب ( فيه ) هدى للمتقين » حيث وضعوا هذه العلامة فوق الباء من لا ريب وفوق الهاء من فيه.

٧ ـ ( ج ) علامة الوقف الجائز المستوى الطرفين نحو : « نحن نقص عليك نبأهم بالحق ج انهم فتية آمنوا بربهم » حيث وضعوا الجيم فوق القاف من كلمة حق ٨ ـ (ص) علامة الوقف المرخّص للضرورة.

٩ ـ ( سكتة ) أو ( س ) أو ( وقفة ) علامة لقطع الصوت لا للنفس بمعنى انها سكتة بلا تنفس والفرق بين الوقفة والسكتة ان الوقفة اقرب الى الوقف ولكن السكتة اقرب الى الوصل.

١٠ ـ ( قلى ) علامة الوقف الجائز مع كون الوقف أولى.

١١ ـ ( صلى ) علامة الوقف الجائز مع كون الوصل أولى.

١٢ ـ ( قف ) للوقف المستحب وقيل : عليه الوقف وقيل : سكون مع التنفس

١٣ ـ ( قفه ) قيل عليه سكتة.

١٤ ـ ( لا ) علامه الوقف الممنوع.

١٥ ـ ( ك ) مخفف كذلك يعنى يجرى عليه حكم الوقف السابق.

١٧٤

( القسم الثالث ) الضوابط وهى أربعة :

( أولها ) الشدة

وصورتها ( ـ ) توضع فوق الحرف المشدّد للدلالة على حرفين مدغمين نحو ( عدّ ) فإنّ الشدة فيه قامت مقام الدال الثانية من ( عدد ) وفى القرآن (١٩٢٥٣) تسعة عشر ألفا ومائتان وثلاث وخمسون تشديدة.

ويلحق بالتشديد « مبحث الادغام »

الادغام بسكون الدال وتشديدها والأولى عبارة الكوفيين والثانية عبارة البصريين وبها عبّر سيبويه وهو لغة الخفاء والستر ومنه ادغمت اللجام فى فم الفرس اذا ادخلته فى فيه وفى الاصطلاح هو ادخال حرف فى مثله (١) أو مقاربه (٢) او مجانسه (٣) بحيث يشدّد ذلك الحرف حتى يصير فى قوة حرفين ويكون الأول منهما ساكنا ويسمى مدغما والثانى متحركا ويسمّى مدغما فيه.

وسيأتى الحديث عن بعض صوره وحالاته المحتاج اليها فى الفصل الخامس ان شاء الله تعالى.

الضابطة الثانية

من الضوابط المذكورة للكلمة المد وصورته ( ... ) ، ويدل على همزة بصورة ألف مدغمة فى ألف نحو « آمن » فان المدة فيه قامت مقام الألف من ( أامن ) وهو لغة الزيادة ، واصطلاحا اطالة الصوت بحرف مد من حروف العلة وخلافه القصر

__________________

(١) المراد من الحرفين المتماثلين ما اتفقا مخرجا وصفة.

(٢) المراد من الحرفين المتقاربين ما تقاربا مخرجا أو صفة.

(٣) المراد من الحرفين المتجانسين ما اتفقا مخرجا واختلفا صفة.

١٧٥

وهو لغة الحبس واصطلاحا ترك المد وهو الأصل اذ المد لا بدله من وجود سبب يتفرع عليه.

قال الجعبرى : المد طول زمان صوت الحرف واللين أقله ، والقصر عدمهما ، والمراد بالقصر هو ترك مد تلك الزيادة لا ترك أصل المد لما سيأتى بيانه فى المدّ الأصلى.

أقول : ويوجد فى القرآن ألف وسبعمائة واحدى وسبعون (١٧٧١) مدة.

مدخل فى حروف العلة

حروف العلة هى الألف والواو والياء تقع فى ضمن حروف الهجاء وما عداها صحيحة ، وقد اجتمعت فى كلمتى « نوحيها » و « أوتينا » وسميت بذلك لقبولها الحذف والتغيير فى أبنية الكلم ومتى جاءت ساكنة ووقع قبل الواو ضمة وقبل الياء كسرة وقبل الألف فتحة سميت حروف مد لامتداد الصوت بها.

ومتى كانت الواو والياء ساكنتين وانفتح ما قبلهما كانتا حروف لين واذا تحركتا كانا حرفا علة.

أما الألف فلا تكون الا ساكنة ولا توجد حركة ما قبلها الا من جنسها وهى الفتحة ومن ثم قيل بأنه قد صدق عليها انها حرف لين ومد فى آن واحد.

وكيف كان فالحاصل ان تسميتها بالعلة أعم من المد واللين ، والألف دائما مدّ بخلاف أخويها وقيل بالتباين المفهومى لحرفى المد واللين لكن من المحققين من جعل بينهما عموما وخصوصا مطلقا مع قوله بالفرق السابق قاطعا بصدق حروف المد من غير عكس كما هو الحاصل فى الألف.

قدر المد

فى المد ثلاثة مذاهب : مد الطّول ، والتوسط والقصر.

١٧٦

فأمّا مدّ الطول فقدر طول مدة ثلاث ألفات ، أى : ستّ حركات على أقل تقدير له.

واستكرهه العلامة الحلى (ره) فى المنتهى بقوله : ويكره المضبط وهو المد المفرط لأنه يخرج الحركات الى الحروف.

وأما مد التوسط فقدر طول مدّه ألفان.

وأما مد القصر ويسمى أيضا مد البدل ، فقدر طول مده ألف على ما هى عليه فى الأصل.

واذا قيل بالقصر فى كلمة فلا يخرج بها عن المد الأصلى الذى لا يقوم ذات الحرف الا به.

ولا يتوقف على وجود سبب لمده فالمخرج عنه مخطئ كما مر بيانه.

واكتفى السيد الخوئى فى رسالته بالتعبير عن أقسامه هذه بأنه يكفى فى المد صدق المد العرفى وهو جيّد ، لأن الشارع قد بنى احكامه على السهولة والسمحة ولا يخفى ان تعلم هذه المقادير لا يقدر عليه الا النز القليل من الناس ، لاختلاف الأفهام شدة وضعفا مع عدم وجود المقتضى لما ذكروه وفصلوه والجابر للعمل به كما لا يخفى.

اقسام المد

ينقسم المد الى أصلى وفرعى :

المد الاصلى

وهو اللازم لحروف المد الذى لا ينفك عنها بل ليس لها وجود بعدمه لابتناء بنيتها عليه ويسمى مدا ذاتيا وطبيعيا (١) وامتداده قدر ألف كما ذكرنا لك وهى حركتان والحروف الثلاثة على ذلك شرط لمطلق المد نحو قولك « قال » للألف

__________________

(١) لان صاحب الطبيعة السليمة لا ينقصه على حده ولا يزيده عليه.

١٧٧

و « قيل » للياء ، و « آمنوا » للواو.

ويدل عليه من الأخبار ما عن الصادق عليه‌السلام انه قال : ما نزل كتاب من السماء الا وفاتحته بسم الله الرحمن الرحيم الا والرحمن ممدودة على حذف المضاف واقامة المضاف اليه محله والمعنى الا وألف الرحمن ممدودة ، وفى ذلك إشارة صريحة الى الأمر بالمحافظة عليه. وانما كان تعبيره عليه‌السلام بالرحمن دون الرحيم لعله لعلّة الأبلغيّة حيث ان صيغه فعلان أبلغ من صيغة فعيل وفى الحديث إشارة للالف التى هى حرف مد ويفهم منه بمفهوم الاقتضاء الاشارة الى إرادة المد بما هو مد الشامل لحرفى الواو والياء أيضا بطريق التبع ، والله العالم.

المد الفرعى

ويقال له العرضى أيضا واعلم انه قد تقرر فى علم الصرف انه لا يجمع فى الوصل بين الساكنين ، فاذا أدّى الكلام اليه حرك أو حذف أو زيد فى المد ليقدر محركا ، وهذا موضع الزيادة ، وقيل بتسميته بمدّ العدل لأنه يعدل حركته.

وقيل : مد الحجز لأنه فصل بين الساكنين نحو : « أأنذرتهم » و « أئذا » وكيف كان فهو ما يكون فيه سبب للزيادة على مقدار المد الأصلى ، والسبب لزيادة المد اما همز أو سكون.

والهمز اما أن يوجد مع حروف المد فى كلمة ويسمى واجبا متصلا أو فى كلمتين ويسمى جائزا منفصلا.

والسكون اما لازم أو عارض.

فالأقسام أربعة : واجب ، وجائز ، ولازم وعارض :

المد الواجب المتصل

ويكون كذلك اذا جاء حرف المد متصلا بها بأن اجتمعا فى كلمة واحدة نحو « جاء » و « جىء » و « شاء » و « سىء » و « سيئت » و « سوء » وما أشبه ذلك ، ولا يفرق

١٧٨

فى حرف المد بين أن يكون مرسوما على نحو ما مر التمثيل له أو غير مرسوم كالواو (١) والياء الناشئتين من اشباع الضم والكسر فى هاء ضمير المذكر اذا تحرك ما قبلها نحو « به » و « له » وجعله مذهب القوم فى شرح الشاطبية ومنتهى هذا المد بحسب اصطلاحهم حيث يجوز أو يجب سبع ألفات كما فى سراج القارئ والى خمس ألفات كما نسبه الى مصطلح القراء فى مجمع البحرين.

ومنه هاء هؤلاء فتنبه لهذا الأمر اللغوى فان العمدة الاعتبار الأصلى لا الاتصال الكتبى ولا الانفصال الرسمى ، ومنه النبيء عند من همز.

ولهذا المد محل اتفاق ومحل اختلاف ( المحل المتفق عليه )

اتفق القراء جميعهم من السبعة والعشرة وغيرهم على اعتبار أثر الهمزة اذا كانت بعد المد بخلافه اذا كان الهمز قبل حرف المد نحو : « آزر » و « آمن » و « آدم » و « اوتمن » و « الآخرة » و « من أوتي » و « لايلاف » و « الايمان » و « يستهزءون » فانه من مختصات رواية ورش.

وقال أبو عمرو فى التيسير وأجمعوا على ترك المد اذا أسكن ما قبل الهمزة وكان الساكن غير حرف مد ولين ، نحو « مسئولا » و « مذءوما » و « القرآن » و « الظمآن »

واحترزوا عما اذا كان الساكن قبلها ـ أى الهمزة ـ حرف مد ولين نحو « جاؤا » و « باؤا » ونحو ذلك ، فان المد منصوص عليه.

وأجمعوا جميعا كما فى التيسير وسراج القارى على ترك المد اذا كانت الهمزة مجتلبة للابتداء نحو « ائت بقرآن غير هذا » أو شبهه والوجه فيها ظاهر.

وسمى هذا المد متصلا لاتصال الهمز والمد فى كلمة واحدة.

__________________

(١) وهذا من باب التمثيل لا التقرير والا فانه سيأتى الحديث عن هاء الكناية فى آخر الكتاب.

١٧٩

وقدر مدّه عند القراءة فى حالة الحدر حركتان ، وفى حالة التدوير أربع حركات وفى حالة الترتيل خمس حركات ، واذا كانت الهمزة فى آخر الكلمة مثل « شاء » و « ساء » ، « سوء » ، « جىء » ووقف عليها فيجوز أربع أو خمس أو ست حركات لأنه قد عرض له السكون وسبب هذا المد ان حرف المد ضعيف خفى والهمز قوى صعب فزيد فى المد تقوية للضعيف عند مجاورة القوى.

المد الجائز المنفصل

وهو أن يكون حرف المد آخر كلمة والهمزة أول كلمة اخرى نحو :

« إِنَّا أَعْطَيْناكَ » و « تُوبُوا إِلَى اللهِ » و « إِنِّي أَخافُ » و « يا أَيُّهَا النَّاسُ » و « قُوا أَنْفُسَكُمْ » وما أشبه ذلك.

وقدر مده عند القراء فى حالة الحدر حركتان وكذلك اذا وقف على حرف المد ولم يوصل بهمزة الكلمة التى بعده ، فانه يكون مدا طبيعيا ـ أى أصليا وفى حاله الترتيل خمس حركات ولا يكون كذلك الاّ عند وصل حرف المد بهمزة الكلمة التى بعده ومع عدم الوصل يكون قدر المد طبيعيا أى : كالأول

وظاهر كلام الحجة الشيخ أبو الحسن الاصفهانى فى وسيلة النجاة القول باستحبابه وكذا السيد الخوئى وفاقا لجملة من المتقدمين منهم السيد السند فى المدارك والشهيد الثانى فى الروض وقد خالف فى ذلك المحقق الكركى فى جامع المقاصد بالوجوب وببطلان الصلاة مع الاخلال به.

وسمى مدا منفصلا لأنه يفصل بين الكلمتين ، أى : لانفصال المد عن الهمزة بوقوع كل فى كلمة. وأما اذا جاء بعد حرف المد فى آخر كلمة وجاءت همزة الوصل فى أول كلمة سقط المد وحذف حرف المد والهمزة فى اللفظ ووصل بين الحرف الواقع قبل حرف المد مع الحرف الواقع بعد همزة الوصل كقوله تعالى « اهْدِنَا الصِّراطَ » فانك تلفظها هكذا « اهدنصراط » فتصل النون فى اهدنا بالصاد

١٨٠