المرشد الوجيز

الميرزا محسن آل عصفور

المرشد الوجيز

المؤلف:

الميرزا محسن آل عصفور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٣

اللازم فى مادة الحرف انتهى كلامه.

وقال ابن سيده فى كتاب المحكم فى مادة ( ح. ق. ر ) والحروف المحقورة وهى ... القلقلة. فسماها باسم مخالف لما هو المصطلح به لها.

( وثالثها اللين ) وهو عبارة عن مدّ حرفى المد الواو والياء الساكنتين بعد فتح فى حالة الوقف مع لين وسهولة وعدم كلفة على اللسان نحو « خوف » و « ثوب » و « سيف » و « بيت ».

سمّيا بذلك لقلة الكلفة بخروجهما.

وقال سيبويه لأن مخرجهما يتّسع لهواء الصوت أشد من اتساع غيرهما.

( ورابعها الانحراف ) وهو عبارة عن ميل مخرج الرّاء واللام عن مكانهما الى طرف اللسان وحروفه اثنان الرّاء واللام وقيل مجرد اللام من دون الرّاء واطلق عليها الحرف المنحرف لأن اللسان ينحرف فيه مع الصوت ويتجافى ناحيتا مستدق اللسان عن اعتراضهما على الصوت فيخرج الصوت من تينك الناحيتين ومما فويقها.

( وخامسها التكرير ) وهو عبارة عن ارتعاد طرف اللسان عند النطق بحرف الرّاء القابل للتكرير (١) وترديدها خصوصا اذا كان مشددا وهذه الصفة تعرف لتجتنب ليعمل بها.

( وسادسها التفشّى ) وهو عبارة عن كثرة انتشار النفس اى الريح فى الفم عند النطق بالشين بين اللسان والحنك وانبساطه فى الخروج عند النطق بحرفه وحرفه الشين لا غير.

وسمّى بذلك لأنه تفشّى فى مخرجه عند النطق به حتى اتصل بمخرج الطاء المهملة.

__________________

(١) وذلك انك اذا وقفت عليه رأيت طرف اللسان يتعثر بما فيه من التكرير وذلك احتسب فى الامالة بحرفين.

١٤١

( وسابعها الاستطالة ) وهى عبارة عن امتداد الضاد المعجمة فى مخرجها حتى تتصل بمخرج اللام وسمّيت بذلك لاستطالة اللسان عند النطق به بما فيه من القوة بسبب الجهر والاطباق والاستعلاء حتى اتصل بمخرج اللام.

( الطرف الثالث )

وفيه موضعان :

أ ـ ( فى تعيين قدر اتصاف الحرف بالصفات المتضادة وغير المتضادة ).

ان كل حرف من حروف اللغة العربية يتصف بخمس من الصفات المتضادة وصفة او صفتين من غير المتضادة وقد لا يتصف بشيء من غير المتضادة وعلى ما ذكرنا فان اكثر ما يجتمع فى الحرف الواحد سبع صفات خمس فى المتضادة وصفتان أخريتان من غير المتضادّة وقد تقدم بيان معانى تلكم الصفات وتوزيعها على الحروف كل بحسبه.

ب ـ ( فى اشتراك الحروف فى المخارج والصفات )

كل حرف شارك غيره فى المخرج يمتاز عن شريكه بالصفات وكل حرف شارك غيره فى الصفات يمتاز عنه بالمخرج كالهمزة والهاء حيث اشتركا فى المخرج الذى هو الحلق فى الانفتاح والاستفال وانفردت الهمزة بالجهر والشدة دون الهاء.

واشترك العين والحاء فى المخرج الذى هو الحلق وفى الرخاوة والاستعلاء وانفردت العين بالجهر واشتركت الجيم والشين والياء فى المخرج الذى هو اللسان وفى الانفتاح والاستفال وانفردت الجيم بالشدّة.

واشتركت الجيم مع الياء فى الجهر وانفردت الشين فى الهمس والتفشى واشتركت مع الياء فى الرّخاوة.

واشترك الضاد والطاء فى صفات الجهر والرّخاوة والاستعلاء والاطباق

١٤٢

وافترقا فى الم خرج فمخرج الضاد هو الواقع من اول حافة اللسان وما يليه من الاضراس من الجانب الأيمن او الأيسر كما تقدم ذكره فى محله ومخرج الطاء من طرف اللسان واصول الثنايا العليا مصعدا الى جهة الحنك الأعلى.

وانفردت الضاد بالاستطالة واشتركت الطاء والدّال والتاء مخرجا وشدّة وانفردت الطاء بالاطباق والاستعلاء واشتركت مع الدّال فى الجهر وانفردت التاء بالهمس واشتركت مع الدال فى الانفتاح والاستفال واشتركت الظاء والذال والثاء مخرجا ورخاوة وانفردت الظاء بالاستعلاء والاطباق واشتركت مع الذال فى الجهر وانفردت الثاء بالهمس واشتركت مع الذال استفالا وانفتاحا واشترك الصاد والزاى والسين مخرجا ورخاوة وصفيرا وانفردت الصاد بالاطباق والاستعلاء واشتركت مع السين فى الهمس وانفردت الزاى بالجهر واشتركت مع السين فى الانفتاح والاستفال.

١٤٣

( جدول بيانى لتوزيع الصفات على الحروف )

الحروف

الصفات الخمس المشتركة

الصفات العارضة والناشئة

الهمزة

مجهورة

شديدة

مستفلة

منفتحة

مصمتة

نبر وسكون

الالف

مجهورة

رخوة

مستفلة

منفتحة

هوائية

سكون

الباء

مجهورة

شديدة

مستفلة

منفتحة

مذلقة

قلقلة

التاء

مهموسة

شديدة

مستفلة

منفتحة

مصمتة

سكون

الثاء

مهموسة

رخوة

مستفلة

منفتحة

مصمتة

سكون

الجيم

مجهورة

شديدة

مستفلة

منفتحة

مصمتة

قلقلة

الحاء

مهموسة

رخوة

مستفلة

منفتحة

مصمتة

سكون

الخاء

مهموسة

رخوة

مستعلية

منفتحة

مصمتة

سكون

الدال

مجهورة

شديدة

مستفلة

منفتحة

مصمتة

قلقلة

الذال

مجهورة

رخوة

مستفلة

منفتحة

مصمتة

سكون

الراء

مجهورة

مستفلة

منفتحة

مصمتة

بينية

تكرار وانحراف وسكون

الزاى

مجهورة

رخوة

مستفلة

منفتحة

مصمتة

صفير وسكون

الشين

مهموسة

رخوة

مستفلة

منفتحة

مصمتة

تفشى وسكون

الصاد

مهموسة

رخوة

مستعلية

مطبقة

مصمتة

صفير وسكون

الضاد

مجهورة

رخوة

مستعلية

مطبقة

مصمتة

استطالة وسكون

الطاء

مجهورة

شديدة

مستعلية

مطبقة

مصمتة

قلقلة

الظاء

مجهورة

رخوة

مستعلية

مطبقة

مصمتة

سكون

العين

مجهورة

بينية

مستفلة

منفتحة

مصمتة

سكون

الغين

مجهورة

رخوة

مستعلية

منفتحة

مصمتة

سكون

الفاء

مهموسة

رخوة

مستفلة

منفتحة

مذلقة

سكون

القاف

مجهورة

شديدة

مستعلية

منفتحة

مصمتة

قلقلة

الكاف

مهموسة

شديدة

مستفلة

منفتحة

مذلقة

سكون

اللام

مجهورة

بينية

مستفلة

منفتحة

مذلقة

انحراف وسكون

الميم

مجهورة

بينية

مستفلة

منفتحة

مذلقة

غنة وسكون

النون

مجهورة

بينية

مستفلة

مصمتة

مذلقة

غنة وسكون

الهاء

مجهورة

رخوة

مستفلة

منفتحة

مصمتة

خفاء وسكون

الواو

مجهورة

رخوة

مستفلة

منفتحة

مصمتة

مد ولين وسكون

الياء

مجهورة

رخوة

مستفلة

منفتحة

مصمتة

يدولين وسكون

١٤٤

( الطرف الرابع )

فيما الحق من الاصوات بحروف الهجاء مما هو مستحسن أو مستقبح

١ ـ ( أصوات الحروف الفرعية المستحسنة )

قال سيبويه : وتكون خمسة وثلاثين حرفا ـ بحروف هن فروع ـ وأصلها من التسعة والعشرين وهى كثيرة يؤخذ بها وتستحسن فى قراءة القرآن والأشعار والفصيح من الكلام وهى :

١ ـ النون الخفيفة ويقال الخفيّة التى تخرج من الخيشوم.

٢ ـ الهمزة التى بين بين اى بين تحقيقها والغائها وقيل المخففة بين الهمزة وبين الحرف الذى منه حركتها.

٣ ـ الألف التى تمال امالة شديدة.

٤ ـ الشين التى كالجيم نحو قولهم فى ( أشدق ) ( أجدق ).

٥ ـ الصاد التى تكون كالزاى كقولهم فى مصدر مزدر.

٦ ـ الف التفخيم وهى التى بها ينحى نحو الواو يعنى بلغة اهل الحجاز فى قولهم فى الصلاة الصلاوة وفى الزكاة الزكاوة وفى الحياة الحياوة.

٢ ـ ( اصوات الحروف الفرعية المستقبحة )

وتكون اثنين وأربعين حرفا بحروف غير مستحسنة ولا كثيرة فى لغة من ترتضى عربيّته ولا تستحسن فى قراءة القرآن ولا فى الشعر ولا تكاد توجد الا

١٤٥

فى لغة ضعيفة مرذولة وغير متقبّلة وهى :

١ ـ الكاف التى بين الجيم والكاف نحو ( كلّهم عندك ).

٢ ـ الجيم التى كالكاف نحو قولهم للرجل ( ركل ).

٣ ـ الجيم التى كالشين نحو قولهم ( خرشت ) عوض ( خرجت ).

٤ ـ الضاد الضعيفة كقولهم فى ( اثرد ) ( أضرد ).

٥ ـ الصاد التى كالسين فى قولهم ( سدق ) عوض ( صدق ).

٦ ـ الطاء التى كالتاء نحو قولهم ( ثلب ) عوض ( طلب ).

٧ ـ الظاء التى كالثاء كقولهم ( ثلم ) عوض ( ظلم )

٨ ـ الفاء التى كالباء. كقولهم ( فرند ) عوض ( برند )

وهذه الحروف التى تممتها اثنين واربعين جيدها ورديئها أصلها التسعة والعشرون.

( مخارج الحروف الفرعية المستحسنة )

١ ـ مخرج النون الخفيّة من الخياشيم ومعنى خفتها سكونها.

٢ ـ مخرج الهمزة المخففة التى تسمى همزة بين بين عما سمّاها به سيبويه اى هى بين الهمزة وبين الحرف الذى منه حركتها.

أ ـ فان كانت مفتوحة فهى بين الهمزة والالف.

ب ـ وان كانت مكسورة فهى بين الهمزة والياء.

ج ـ وان كانت مضمومة فهى بين الهمزة والواو الا انها ليس لها تمكن الهمزة المحققة.

وهى مع ما ذكرنا من امرها فى ضعفها وقلة تمكنها بزنة المحققة.

٣ ـ اما مخرج الف الامالة فهى التى تجدها بين الالف والياء.

٤ ـ اما مخرج الف التفخيم فهى التى تجدها بين الالف والواو.

١٤٦

٥ ـ اما مخرج الشين التى كالجيم فهى الشين التى يقل تفشيها واستطالتها وتتراجع قليلا متصعدة نحو الجيم.

٦ ـ واما الصاد التى كالزاى فهى التى يقلّ همسها قليلا ويحدث فيها ضرب من الجهر لمضارعتها الزاى.

واما الثمانية غير المستحسنة فالاستغناء عن ذكر مخارجها احرى واجدر لعدم وقوعها فى فصيح الكلام.

مراتب الصوت فى اللغة نذكرها مرتبة على حسب أسبقية الذكر :

١ ـ « الكنّ » قولك كننته واكتننت الشّيء فى نفسى اذا صنته عن الاداء قال تعالى ( ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ).

٢ ـ « الكتمان » وهو السّكون عن المعنى وهو قوله عزّ وجلّ ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ ) أى يسكتون عن ذكره.

٣ ـ « الهمهمة » وهى ترديد الصّوت فى الصّدر قبل وصوله الى حد المخارج.

٤ ـ « النّحيح » وهو صوت يردّده الانسان فى جوفه.

٥ ـ « الهينمة » وهى الصّوت الخفى وقيل كلّ كلام لا يفهم.

٦ ـ « الهمس » وهو الصّوت الخفى حتّى كأنّه لم يخرج من الفم وذكر انّ الهمس والهينمة مترادفان.

٧ ـ « الاعلان » وهو خلاف الكتمان وهو اظهار المعنى للنّفس ولا يقتضى رفع الصّوت به.

٨ ـ « النّجوى » وهى الكلام السّرى بين اثنين يقال نجوته أى : ساررته وكذا ناجيته وانتجى القوم وتناجوا ، أى : تسارّوا.

٩ ـ « التّخاطب » وهو توجيه الكلام نحو الغير للافهام وهو المتعارف.

١٤٧

١٠ ـ « الجهر » نقيض الهمس لأنّ المعنى يظهر لنفس السّامع بظهور الصّوت وأصله رفع الصّوت يقال جهر بالقراءة اذا رفع صوته بها قال تعالى : ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) أى : بقراءتك فى صلاتك وصوت جهير رفيع ومنه يقال رجل جهير وجهورى اذا كان رفيع الصّوت.

١١ ـ « النداء » وهو رفع الصوت وظهوره.

١٢ ـ « الهتف » وهو الصوت الشديد من باب ضرب وهتف به صاح به ودعاه ويقال سمعت هاتفا يهتف اذا كنت تسمع الصوت ولا تبصر أحدا.

١٣ ـ « النحيب » وهو رفع الصوت بالبكاء او هو بكاؤه مع صوت واعوال ومنه النحاب سعال الابل.

مراتب الصوت على لسان الشارع « الجهر ـ الاخفات »

قال عز وجل : ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) ( الاسراء ـ ١١٠ )

( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) ( الاعراف ـ ٢٠٥ )

المشهور بين فقهاء الشيعة الامامية متقدميهم ومتأخريهم وجوب الجهر فى صلاة الصبح واوليى المغرب والعشاء والاخفات فى الباقى فان عكس عامدا عالما وجبت عليه اعادة الصلاة.

وخالف فى ذلك جمع من متأخرى متأخريهم فقالوا بجواز العكس واستحباب عدم المخالفة.

قال شيخ الطائفة فى تفسيره التبيان فى ذيل الآية الأولى : اختلفوا فى الصلاة التى عنى بها بالآية فى قوله ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ) فقال الحسن : لا تجهر باشاعتها

١٤٨

عند من يؤذيك ولا تخافت بها عند من يلتمسها منك وقال قوم لا تجهر بدعائك ولا تخافت ولكن بين ذلك قالوا والمراد بالصلاة الدعاء.

ذهبت اليه عائشة وابن عباس وابو عياض وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعبد الله بن شداد والزبير ومكحول وروى عن ابن عباس فى رواية اخرى : ان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله كان اذا صلى يجهر فى صلاته فسمعه المشركون فشتموه وآذوه وآذوا اصحابه فأمر الله بترك الجهر وكان ذلك بمكة فى أول الامر وبه قال سعيد ابن جبير وقال قوم : أراد لا تجهر بتشهدك فى الصلاة ولا تخافت به روى ذلك عن عائشة ـ فى رواية أخرى ـ وبه قال ابن سيرين.

وقال قوم : كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلى بمكة جهرا فأمر باخفائها ذهب اليه عكرمة والحسن البصرى وقال قوم : معناه لا تجهر بصلاتك تحسنها مراءاة فى العلانية ولا تخافت بها تثنى فى القيام بها فى السريرة روى ذلك عن الحسن وقتادة وابن عباس فى رواية وبه قال ابن زيد وابن وهب.

وقال الطبرى : يحتمل ان يكون المراد لا تجهر بصلاتك صلاة النهار العجماء ولا تخافت بها يعنى صلاة الليل التى تجهر فيها بالقراءة قال وهذا محتمل غير انه لم يقل به أحد من اهل التأويل انتهى كلامه (١)

وقال جدى العلامة الشيخ حسين قدس‌سره فى كتابه الفرحة الإنسية :

الجهر والاخفات ... هما حقيقتان متباينتان تباينا كليا قائمتان بكيفية القراءة لعدم انفكاكها عن احدهما واثبات الواسطة بينهما فى الآية محمول على ما سيأتى من الامر الجامع المصحح للقراءة الشامل للجهر والاخفات بها على وجه لا يسمع نفسه فانهما غير مجزيان وبهذا ينحل الاشكال عن الآية الذى اوجب اختلاف المفسرين فى معناها لقوله فيها ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) فانه نهى عن النقيضين مع انتفاء الواسطة وعلى تقدير وجودها

__________________

(١) التبيان ج ٦ ص ٥٣٤

١٤٩

فيجتمع الجهرية والاخفاتية ... لأن الاخبار المفسرة للآية مع تكثرها لم تناف ما قلناه فيها لان كلا من الجهر والاخفات المنهى عنهما لا مراد بهما ما نهى عنهما من الفرطين ففي معتبرة إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام كما فى تفسير القمى فى تلك الآية قال : ( الجهر بها رفع الصوت والتخافت ما لم تسمع بأذنك واقرأ ما بين ذلك ) وفيه بهذا الاسناد عنه عليه‌السلام قال : ( الاجهار رفع الصوت عاليا والاخفات ما لم تسمع نفسك ).

وفيه ايضا عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : ( الاجهار ان ترفع صوتك يسمعه من بعد عنك والاخفات ان لا يسمع من معك الا يسيرا ويمكن حمل هذا الخبر على بيان الاقصى من الجهر الجائز وكذا الاخفات فى خبر سماعة بن مهران على ما فى العياشى عن ابى عبد الله عليه‌السلام فى قوله ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها )

قال : ( المخافتة دون سمعك والجهر ان ترفع صوتك شديدا ) فيكون ما بينهما شاملا للجهر الواجب فى الجهرية وكذا الاخفات الواجب فى الاخفاتية والتفصيل مرجوع الى الدليل ... انتهى كلامه اعلى الله تعالى مقامه (١).

أقول : ويمكن التصريح بعموم هذا الحكم لغير الكون فى الصلاة فيشمل من قرأ فى غير الصلاة على حد سواء وهو المستفاد من الآية الثانية والتى سبق ان ذكرناها وهى قوله تعالى : ( اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ ) ( الاسراء ـ ٢٠٦ ) حيث قوله تبارك وتعالى :

( وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ ) ففيه من الاشعار بذلك صريحا كما لا يخفى على من له أدنى مسكة وبه صريح جمع من المفسرين كما يظهر من عبارة شيخ الطائفة فى التبيان فى قوله : وقوله ( ودون الجهر ) يعنى دعاء باللسان فى خفاء الاجهار (٢).

__________________

(١) الفرحة الانسية ص ٩٧ ط النجف الاشرف المطبعة المرتضوية سنة ١٣٤٥ ه

(٢) التبيان ج ٥ ص ٦٩

١٥٠

وعبارة امين الاسلام الطبرسى فى مجمع البيان حيث يقول : معناه ارفعوا اصواتكم قليلا ولا تجهروا بها جهارا بليغا حتى لا يكون عدلا بين ذلك كما قال : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ... ( بالغدو والآصال ) اى بالغدوات والعشيات (١).

أقول : وحده ومنتهاه الذى يمكن الركون اليه ما صرح به خبر معاوية بن عمار قال : قلت لأبى عبد الله ( الامام الصادق ) عليه‌السلام : الرجل لا يرى انه صنع شيئا فى الدعاء وفى القراءة حتى يرفع صوته فقال : لا بأس ان على بن الحسين عليهما‌السلام كان احسن الناس صوتا بالقرآن وكان يرفع صوته حتى يسمعه اهل الدار وان أبا جعفر عليه‌السلام كان احسن الناس صوتا بالقرآن وكان اذا قام من الليل وقرأ رفع به صوته فيمرّ به مار الطريق من السقائين وغيرهم فيقومون فيستمعون الى قراءته (٢).

فلو رفع القارئ صوته بالتلاوة الى حد الصراخ والعويل لعدّ مخالفا للمأمور به والمندوب اليه ولما فيه من تفويت الحسن المرغّب اليه فى امثال قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( زيّنو القرآن بأصواتكم فان الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا ) (٣).

( ان حسن الصوت زينة القرآن ) (٤).

( ان لكل شىء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن ) (٥).

( ثلاثة اصوات يحبها الله عز وجل : صوت الديك وصوت الذى يقرأ القرآن وصوت المستغفرين بالاسحار ) (٦).

__________________

(١) مجمع البيان ج ٩ ص ٥١٥

(٢) مستطرفات السرائر ص ٩٧ ـ ٩٨ ح ١٧ ط قم

(٣) مستدرك الوسائل ج ٤ ص ٢٧٣ ـ ط مؤسسة آل البيت (ع)

(٤) مستدرك الوسائل ج ٤ ص ٢٧٣ ـ ط مؤسسة آل البيت (ع)

(٥) مستدرك الوسائل ج ٤ ص ٢٧٣ ـ ط مؤسسة آل البيت (ع)

(٦) مكارم الاخلاق ص ٣١٣ ط بيروت

١٥١

ولما فيه من التنفير وصرف الاسماع خصوصا عند استعمال مكبرات الصوت فان الذى يقطع به حينئذ أن ذلك يتنافى مع صدور الصوت والتلاوة بشكل ترهف له الاسماع وتهش له القلوب وتنقاد اليه النفوس ويحسن الاصغاء اليه ويجمل استماعه والاقبال على تدبر معانيه والالتذاذ بر حيق مشكاة علومه وبلاغه وانذاره يضاف الى ذلك ما ورد فى القرآن الكريم من ذم ذلك فى موضع متعددة والنهى عنه منها قوله تعالى : ( وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) ( لقمان ـ ١٩ )

وقوله : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) ( الحجرات )

بل ما ورد من مدح اعتدال الصوت واتزانه فى قوله تبارك شأنه :

( وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً ) ( طه ـ ١٠٨ )

( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ) ( الحجرات ـ ٢ )

وروى الطبرسى فى الاحتجاج مرسلا عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا يأذن الله لشىء من أهل الأرض الا الأصوات المؤذنين وللصوت الحسن بالقرآن » (١).

كراهة رفع الصوت فى المساجد

روى النعمان فى دعائمه عن على عليه‌السلام قال نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان تقام الحدود فى المساجد وان يرفع فيها الاصوات وان ينشد فيها الضالة او يسلّ فيها السيف ويرمى فيها بالنبل او يباع فيها او يشترى او يعلق فى القبلة منها سلاح او يبرى نبل.

وكذا روى الشيخ فى الموثق عن على بن اسباط عن بعض رجاله قال : قال ابو عبد الله عليه‌السلام جنبوا مساجدكم البيع والشراء والمجانين والصبيان والأحكام

__________________

(١) الاحتجاج ص ٣٩٥.

١٥٢

والضالة والحدود ورفع الصوت.

قال العلامة المجلسى ( قده ) فى ذيل شرحه على هذا الخبر :

المشهور بين الأصحاب رضوان الله وتعالى عليهم كراهة رفع الصوت فى المسجد مطلقا وان كان فى القرآن للأخبار المطلقة واستثنى فى هذا الخبر ذكر الله وكذا فعله ابن الجنيد ولعله المراد فى سائر الأخبار لحسن رفع الصوت بالأذان والتكبير والخطب والمواعظ فيها وان كان الأحوط عدم رفع الصوت فيما لم يتوقف الانتفاع به عليه ومعه يقتصر على ما تتأذى به الضرورة ، اه

المراتب الكمية للصوت فى الاصطلاح

وهى تنقسم عند علماء هذا الفن بحسب ما اصطلحوا عليه الى ثلاث مراتب : ( الأولى ) التحقيق أو الترتيل اما الأول فهو مصدر من حققت الشيء تحقيقا اذا بلغت يقينه ومعناه الاتيان بالشىء على حقه من غير زيادة فيه ولا نقصان فهو بلوغ حقيقة الشيء والوقوف على كهنه.

واما الثانى فهو مصدر من رتل زيد كلامه اذا اتبع بعضه بعضا على مكث وتفهم وترسّل فيه من غير عجلة وأحسن تأليفه وسبكه ونظمه وبيان حروفه بحيث يتمكن السامع من عدها مأخوذ من قولهم ( ثغر رتل ومرتل ).

( الثانية ) الحدر بفتح الحاء وسكون الدال المهملتين مصدر من حدر بفتح الدال يحدر بضمها اذا أسرع فهو من الحدور الذى هو الهبوط لأن الاسراع من لازمه بخلاف الصعود ويراد به فى الاصطلاح ادراج القراءة وسرعتها مع ايثار الوصل واقامة الاعراب ومراعاة تقويم وتمكين الحروف وهو ضد التحقيق ومما ينبغى فيه الاحتراز عن بتر حروف المد واختلاس اكثر الحركات وعن التفريط الى غاية لا تصح بها القراءة ولا يوصف بها التلاوة وهذا النوع من القراءة مذهب ابن ابن كثير وابى جعفر وسائر من قصر المد المنفصل كأبى عمر ويعقوب.

١٥٣

( الثالثة ) التدوير وهو التوسط بين التحقيق والحدر وهو الذى ورد عن اكثر أئمة الاقراء ممن مد المنفصل ولم يبلغ الاشباع.

وهذا النوع من القراءة هو المختار عند أهل الأداء وورد النص فى قوله عليه‌السلام : ( اقرأ قراءة ما بين القراءتين ) وفى الجعفريات بسنده عن امير المؤمنين على بن ابى طالب عليه‌السلام قال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن قول الله تعالى :

( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثبّته تثبيتا ولا تنثره نثر الرمل ولا تهذه هذّ الشعر. الخبر (١).

وفى دعائم الاسلام عنه عليه‌السلام قال : بينه تبيينا ولا تنثره نثر الدقل (٢) ولا تهذه هذّ الشعر قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكونن هم أحد كم آخر السورة (٣).

وفى الكافى روى الثقة الكلينى (رض) عن الصادق عليه‌السلام انه قال : اعرب القرآن فانه عربى.

وفيه بسند آخر عنه عليه‌السلام قال : يكره ان يقرأ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) فى نفس واحد (٤).

قال الطبرسى فى مجمعه أى بيّنه بيانا ، واقرأه على هينتك وقيل : معناه ترسل فيه ترسلا وقيل : تثبت فيه تثبيتا وروى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام فى معناه انه قال : بيّنه بيانا ولا تهذه هذّ الشّعر ولا تنثره نثر الرمل ولكن أقرع به القلوب القاسية ولا يكونن همّ أحدكم آخر السورة وعن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : هو أن

__________________

(١) الجعفريات ص ١٨٠.

(٢) الدقل اسم للتمر.

(٣) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٦١ ـ المحجة البيضاء ج ٢ ص ٢٢٤ ص ١٦.

(٤) الاصول ص ٥٩٨ ـ ٥٩٩.

١٥٤

تتمكث فيه وتحسن به صوتك واذا مررت بآية فيها ذكر النار فتعوذ بالله من النار واذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فاسأل الله الجنة (١).

وقال المحقق البحرانى فى حدائقه قد أجمع العلماء كافة على استحبابه فى القراءة فى الصلاة وغيرها لقوله عز وجل ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) انتهى.

أقول : ولعلمائنا الأعلام تفسيرات له قد ذكروها فى كتبهم المبسوطة ننقلها على جهة الاختصار من غير تطويل.

قال المحقق الكركى فى جامع المقاصد : الترتيل هو ما زاد على القدر الواجب من التبيين.

وقال المقدس الأردبيلى فى شرح ارشاد الأذهان : هو تبيين الحروف بغير مبالغة.

وقال العلامة الحلى فى المنتهى : هو تبيينها من غير مبالغة.

وقال الشهيد فى الذكرى :

هو حفظ الوقوف وأداء الحروف وهو المروى عن ابن عباس وعلى عليه‌السلام الاّ انه قال وبيان بدل أدائها.

وقال المحقق الحلى فى المعتبر : الترتيل تبيين الحروف من غير مبالغة وربما كان واجبا اذا أريد به النطق بالحروف من مخارجها بحيث لا يدمج بعضها فى بعض.

وقال شيخ الطائفة فى النهاية هو أن يضع الحروف مواضعها.

وقال الشهيد الثانى فى المسالك للترتيل تفسيرات :

( أحدهما ) ما ذكره المصنف فى المعتبر من انه تبيين الحروف من غير مبالغة ونقله عن الشيخ أيضا والمراد به الزيادة على الواجب الذى يتحقق به النطق بالحروف من مخارجها ليتم الاستحباب.

__________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٧٨.

١٥٥

( الثانى ) انّه بيان الحروف واظهارها ولا يمدها بحيث يشبه الغناء وهو تفسير الفاضل ( المولى محمد باقر الخراسانى ) فى الكفاية قال : ولو ادرج ولم يرتل وأتى بالحرف بكماله صحت صلاته وهو قريب من الأول وهما معا موافقان لكلام اهل اللغة قال فى الصحاح : الترتيل فى الآية الترسل فيها والتبيين بغير تفنن.

( الثالث ) انه حفظ الوقوف واداء الحروف ذكره فى الذكرى وهو المنقول عن ابن عباس وعلى عليه‌السلام الا انه قال : وبيان الحروف انتهى كلامه طاب ثراه

ثواب ترتيله وتلاوة آياته

روى الصدوق فى اماليه بسنده عن الامام الباقر عليه‌السلام عن ابيه عن جده عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

من قرأ عشر آيات فى ليلة لم يكتب من الغافلين ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتى آية كتب من الخاشعين ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار والقنطار خمسون الف مثقال ذهب والمثقال اربعة وعشرون قيراطا اصغرها مثل جبل أحد واكبرها ما بين السماء والأرض (١).

وقال امير المؤمنين على عليه‌السلام :

من قرأ كل يوم مائة آية فى المصحف بترتيل وخشوع وسكون كتب الله له من الثواب بمقدار ما يعمله جميع أهل الأرض ومن قرأ مائتى آية كتب الله له من الثواب بمقدار ما يعمله أهل السماء واهل الأرض (٢)

__________________

(١) امالى الصدوق ص ٥٨ ط بيروت.

(٢) جامع الاخبار ص ٤٨ ط قم.

١٥٦

وقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسلمان فى جملة ما وصّاه به :

يا سلمان : ان المؤمن اذا قرأ لقرآن فتح الله عليه ابواب الرحمة وخلق الله بكل حرف يخرج من فمه ملكا يسبح له الى يوم القيامة فانه ليس شىء بعد تعلم العلم احب الى الله من قراءة القرآن وان اكرم العباد عند الله بعد الانبياء العلماء ثم حملة القرآن يخرجون من الدنيا كما يخرج الانبياء ويحشرون من القبور مع الانبياء ويمرون على الصراط مع الانبياء ويأخذون ثواب الأنبياء فطوبى لطالب العلم وحامل القرآن ما لهم عند الله من الكرامة والشرف (١)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

القرآن مأدبة الله فتعلموا مأدبته ما استطعتم ان هذا القرآن هو حبل الله وهو النور المبين والشفاء النافع فاقرءوه فان الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات اما انى لا أقول ( الم ) حرف واحد ولكن الف ولام وميم ثلاثون حسنة (٢).

تلاوته حق تلاوته

روى ابن شعبة فى تحفه عن كميل بن زياد قال : سألت امير المؤمنين عليه‌السلام عن قواعد الاسلام ما هى؟

فقال : قواعد الاسلام سبعة ... وعدّ منها تلاوة القرآن على جهته (٣).

وفيه ايضا عن الباقر عليه‌السلام قال :

ما شيعتنا الامن اتقى الله واطاعه وما كانوا يعرفون الا بالتواضع والتخشع واداء الامانة ... وتلاوة القرآن (٤).

__________________

(١) جامع الاخبار ص ٤٧ ط قم.

(٢) جامع الاخبار ص ٤٧ ط قم.

(٣) تحف العقول ص ١٣٨ ط بيروت.

(٤) نفس المصدر السابق ص ٢١٥.

١٥٧

وفى تنبيه الخواطر للامير ورّام روى عن الصادق عليه‌السلام انه قال فى قوله تعالى :

( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ) قال : يرتلون آياته ويتفهمون معانيه ويعملون باحكامه ويرجون وعده ويخشون عذابه ويتمثلون قصصه ويعتبرون امثاله ويأتون اوامره ويجتنبون نواهيه ما هو والله بحفظ آياته وسرد حروفه وتلاوة سوره ودرس اعشاره واخماسه حفظوا حروفه واضاعوا حدوده وانما هو تدبر آياته يقول الله تعالى : ( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ) (١)

وروى الثقة الكلينى فى الكافى بسنده عن الزهرى قال : قلت لعلى ابن الحسين عليهما‌السلام : اىّ الاعمال أفضل؟ قال : الحال المرتحل قلت : وما الحال المرتحل قال : فتح القرآن وختمه كلما جاء بأوله ارتحل الى آخره (٢)

تعلمه للدنيا وزينتها

جاء فى المكارم عن ابن مسعود عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

من تعلم القرآن للدنيا وزينتها حرم الله عليه الجنة (٣).

وعن ابن شعبة فى تحف العقول ان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

من اشراط الساعة كثرة القراء وقلة الفقهاء وكثرة الامراء وقلة الامناء وكثرة المطر وقلة النبات.

وروى المفيد قدس‌سره فى اماليه عن أبى عبد الله عليه‌السلام ان أباه كان يقول :

« من دخل على امام جائر فقرأ عليه القرآن يريد بذلك عرضا من عرض الدنيا لعن القارى بكل حرف عشر لعنات ولعن المستمع بكل حرف لعنة ».

اقول :

وذلك لأن قراءة القرآن بالصوت الحسن فى قصور البغاة والطواغيت تبعث

__________________

(١) تنبيه الخواطر ج ٢ ص ٢٣٦ ط بيروت.

(٢) أصول الكافى باب فضل حامل القرآن ح ٧.

(٣) مكارم الاخلاق ص ٤٥١ ط بيروت.

١٥٨

على ستر قبح باطنهم وخبث سرائرهم واستمالة قلوب ضعفاء العقول والقلوب اليهم ولهذا ورد التصريح بعموم اللعن وشموله للقارى بالأصل مضاعفا لأنه السبب فى كل ما يترتب على ذلك من الآثار السيئة وللمستمع لكونه عند تضاعف عدده واقباله على الاستماع وولعه ورغبته على الحضور فى تلك المجالس بشغف يبعث فى قلب ذلك الامام الجائر صاحب المجلس على المزيد من اكرام القارى وانعامه ولا يخفى ما فى ذلك فى الجملة من تقوية شوكة الباطل وانكسار راية الحق وأفول بريق الدين وتضعضع كيانه واركانه.

كما ان فى قراءة القرآن بهذا النحو حط لقداسة القرآن ومنزلته وازراء بشأنه وعظمته وتدنيس لما ضمّه بين دفتيه من مبادئ وقيم وأهداف نبيلة سامية وأصول الحكمة الالهية المنزّهة عن كل شائبة ووصمة مشينة.

كراهة هجرانه وترك تعاهده

قال عزّ من قائل : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً* قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى ) ( طه ـ ١٢٤ ـ ١٢٦ ).

روى البرقى فى المحاسن بسنده عن ابى بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من نسى سورة من القرآن مثّلت له فى صورة حسنة ودرجة رفيعة فى الجنة فاذا رآها قال : من انت؟ ما احسنك ليتك لى فتقول : اما تعرفنى؟ انا سورة كذا وكذا لو لم تنسنى لرفعتك الى هذا المكان (١).

وفى المكارم عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

من تعلم القرآن ثم نسيه لقى الله يوم القيامة مغلولا ويسلط الله عز وجل عليه بكل آية حيّة تكون قرينته فى النار الا أن يغفر له » (٢).

__________________

(١) المحاسن ص ٩٢ ح ٥٧.

(٢) مكارم الاخلاق ص ٤٢٨ ط بيروت.

١٥٩

استحباب قراءته بالحزن والوجل

روى الثقة الكلينى فى الكافى بسنده عن ابى عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : ان القرآن نزل بالحزن فاقرءوه بالحزن.

وفيه بسند آخر عن حفص قال : ما رأيت أحدا أشد خوفا على نفسه من موسى ابن جعفر عليهما‌السلام ولا أرجى منه للناس وكانت قراءته حزنا فاذا قرأ فكأنه يخاطب انسانا.

وفيه بسنده عن جابر عن ابى جعفر الباقر عليه‌السلام قال : قلت : انّ قوما اذا ذكروا شيئا من القرآن أو حدّ ثوابه صعق أحدهم حتى ترى ان أحدهم لو قطعت يداه أو رجلاه لم يشعر بذلك فقال : سبحان الله ذلك من الشيطان ما بهذا نعتوا انما هو اللين والرقة والدمعة والوجل.

( الانصات والاصغاء عند استماع القرآن )

روى القمى فى تفسيره عن ابى جعفر عليه‌السلام قال ان الله يقول للمؤمنين ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ) يعنى فى الفريضة خلف الامام ( فَاسْتَمِعُوا ) الآية.

وروى العياشى فى تفسيره عن زرارة قال قال ابو جعفر عليه‌السلام ( واذا قرء القرآن ) فى الفريضة خلف الامام ( فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون ).

وفيه عن زرارة ايضا قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول يجب الانصات للقرآن فى الصلاة وفى غيرها واذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الانصات والاستماع.

وعن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : قرأ ابن الكوّاء خلف امير المؤمنين عليه‌السلام :

( لئن اشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين فأنصت له امير المؤمنين عليه‌السلام.

وفى مستطرفات السرائر عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقرأ القرآن يجب على من يسمعه الانصات له والاستماع له قال : نعم اذا قرئ القرآن

١٦٠