المرشد الوجيز

الميرزا محسن آل عصفور

المرشد الوجيز

المؤلف:

الميرزا محسن آل عصفور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٣
١
٢

( تنبيه فيه ايقاظ )

قال الامام الكاظم عليه‌السلام :

( من مات من اوليائنا وشيعتنا ولم يحسن القرآن علم فى قبره ليرفع الله به من درجته فان درجات الجنة على قدر آيات القرآن يقال له : اقرأ وارق فيقرأ ثم يرقى ).

( أصول الكافى ) وقال الامام الباقر عليه‌السلام :

( ما شيعتنا الا من اتقى الله واطاعه وما كانوا يعرفون الا بالتواضع والتخشع واداء الامانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين وتعهد الجيران من الفقراء وذوى المسكنة والغارمين والايتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس الامن خير وكانوا أمناء عشائرهم فى الاشياء ).

( تحف العقول )

وقال الامام الصادق عليه‌السلام :.

( كأنى بشيعة على فى ايديهم المثانى يعلمون القرآن ).

( بحار الانوار )

٣

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذى هدانا لواضح طريقه بالقرآن ، وانار لنا سبل رشاده بالفرقان ، واكحل احداق بصائرنا بجميل الاعتقاد به والايقان ، والصلاة والسلام على المبعوث بخاتمة الأديان ، محمد وآله اشرف الخلائق بالبرهان ، واصحابه المنتجبين السابقين الى الايمان به والاذعان ، وبعد : فيقول اقل العباد عملا واكثرهم زللا الفقير الى ربه الغنى المجازى محسن بن حسين العصفورى البحرانى هذه مجموعة من الفوائد ، شرعة للوارد ، كثيرة العوائد ، خالية من الحشو والزوائد ، لمسترشد هدى القرآن موائد ، وللراغب فى اقتناص أفنان غرر معانيه بلغة المقاصد ، وللغواص فى لجج أعماقه لئالى خرائد ، وسمتها ب ( المرشد الوجيز لقراء كتاب الله العزيز ) بعد أن نظمتها فى مقدمة وخمسة فصول وخاتمة سائلا من جناب العزيز الوهاب التسديد والتأييد انه نعم من رجى فأجاب واسبغ فأطاب.

٤

المقدمة

والكلام فيها يقع فى موضعين :

( الموضع الاول ) فى الاشارة الى فضل القرآن :

روى الثقة الكلينى فى الكافى عن سماعة بن مهران قال قال ابو عبد الله عليه‌السلام : ان العزيز الجبار انزل عليكم كتابه وهو الصادق البار فيكم فيه خبركم وخبر من قبلكم وخبر من بعدكم وخبر السماء والأرض ولو اتاكم من يخبركم عن ذلك لتعجبتم.

وعن طلحة بن يزيد عنه عليه‌السلام قال : ان هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدجى فليجل جال بصره ويفتح للضياء نظره فان التفكر حياة قلب البصير كما يمشى المستنير فى ظلمات بالنور.

وروى العياشى باسناده عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : عليكم بالقرآن فما وجدتم آية نجى بها من كان قبلكم فاعملوا بها وما وجدتموها مما هلك بها من كان قبلكم فاجتنبوها.

وفى تفسير الامام العسكرى عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان هذا القرآن هو النور المبين والحبل المتين والعروة الوثقى والدرجة العليا والشفاء الاشفى والفضيلة الكبرى والسعادة العظمى من استضاء به نوره الله ومن عقد به اموره عصمه الله ومن تمسك به انقذه الله ومن لم يفارق احكامه رفعه الله ومن استشفى

٥

به شفاه الله ومن آثره على ما سواه هداه الله ومن طلب الهدى فى غيره أضله الله ومن جعله شعاره ودثاره اسعده الله ومن جعله امامه الذى يقتدى به ومعوله الذى ينتهى اليه اداه الله الى جنات النعيم والعيش السليم.

وروى الثقة الكلينى فى الكافى والعياشى فى تفسيره بسنديهما عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ايها الناس انكم فى دار هدنة وانتم على سفر والسير بكم سريع وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد يأتيان بكل موعود فاعدوا الجهاز لبعد المجاز قال : فقام المقداد بن الاسود فقال : يا رسول الله وما دار الهدنة؟

فقال : دار بلاغ وانقطاع فاذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فانه شافع مشفع وماحل مصدق ومن جعله امامه قاده الى الجنة ومن جعله خلفه ساقه الى النار وهو الدليل يدل على خير سبيل وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه عميق له تخوم وعلى تخومه تخوم لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه منه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ودليل على المعرفة لمن عرض الصفة.

وفى الكافى عن الزهرى قال قال على بن الحسين عليهما‌السلام : لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد ان يكون القرآن معى.

( الموضع الثانى ) فى الاشارة الى اقسام القراء وحملة القرآن منهم :

وجسامة خطر مقامهم وما ينبغى لهم التحلى به من محاسن الأعراق وفضائل ومكارم الأخلاق لانهم المعلنون لندائه والمجاهرون بتلاوة آياته والموصلون ذكره الى الاسماع فى قاطبة الأصقاع وعلى رءوس الاشهاد فى عامة المحافل والنواحى والبلاد.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله الملبوسون بنور الله عز وجل. ( ثم قال ) : يا حملة القرآن تحببوا الى الله بتوقير كتابه يزدكم

٦

حبا ويحببكم الى خلقه يدفع عن مستمع القرآن شر الدنيا والآخرة ويدفع عن تالى القرآن بلوى الآخرة.

ولمستمع آية من كتاب الله خير من بثير (١) ذهب ولتالى آية من كتاب الله خير من تحت العرش الى تخوم الارض السفلى (٢).

وفى الكافى بسنده عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ان أهل القرآن فى أعلى درجة من الآدميين ما خلا النبيين والمرسلين فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم فان لهم من الله العزيز الجبار لمكانا عليا (٣).

وروى الثقة الكلينى ايضا بسنده عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ان احق الناس بالتخشع فى السر والعلانية لحامل القرآن وان احق الناس فى السر والعلانية بالصلاة والصوم لحامل القرآن ثم نادى باعلى صوته : يا حامل القرآن تواضع به يرفعك الله ولا تعزز به فيذلك الله يا حامل القرآن تزين به لله يزينك الله به ولا تزين به للناس فيشينك الله به من ختم القرآن فكأنما ادرجت النبوة بين جنبيه ولكنه لا يوحى اليه ومن جمع القرآن فنوله الا يجهل مع من يجهل عليه ولا يغضب فيمن يغضب عليه ولا يحد فيمن يحد ولكنه يعفو ويصفح ويغفر ويحلم لتعظيم القرآن ومن أوتى القرآن فظن ان أحدا من الناس أوتى أفضل مما أوتى فقد عظم ما حقر الله وحقّر ما عظم الله (٤).

وفيه ايضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا معشر قراء القرآن اتقوا الله عز وجل فيما حملكم من كتابه فانى مسئول وانكم مسئولون انى مسئول عن

__________________

(١) بالباء الموحدة ثم المثلثة ثم المثناة من تحت ثم الراء المهملة اسم جبل بمكة أو باليمن.

(٢) جامع الاخبار ص ٤٨ ط قم.

(٣) الكافى ج ٢ ص ٦٠٣ ط طهران.

(٤) الكافى ج ٢ ص ٦٠٤.

٧

تبليغ الرسالة واما انتم فتسألون عما حملتم من كتاب الله وسنتى (١).

وروى ايضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : حملة القرآن عرفاء أهل الجنة والمجتهدون قواد أهل الجنة والرسل سادة أهل الجنة (٢).

وروى الصدوق فى عقاب الأعمال بسنده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : من قرأ القرآن يريد به سمعة والتماس الدنيا لقى الله يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم وزجّ القرآن فى قفاه حتى يدخله النار ويهوى فيها مع من هوى ومن قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة اعمى فيقول : يا رب لم حشرتنى اعمى وقد كنت بصيرا قال : كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى فيؤمر به الى النار ومن قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وتفقها فى الدين كان له من الثواب مثل جميع ما اعطى الملائكة والانبياء والمرسلون (٣).

وفى الأمالي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : صنفان من امتى اذا صلحا صلحت امتى واذا فسدا فسدت : الامراء والقراء (٤).

وروى الثقة الكلينى فى الكافى بسنده عن الامام الباقر عليه‌السلام انه قال : قراء القرآن ثلاثة : رجل قرأ القرآن فاتخذه بضاعة واستدر به الملوك واستطال به على الناس ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيع حدوده واقامه اقامة القدح فلا كثر الله هؤلاء من حملة القرآن ورجل قرأ القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه فأسهر به ليله واظمأ به نهاره وقام به فى مساجده وتجافى به عن فراشه فبأولئك يدفع الله العزيز الجبار البلاء وباولئك يديل الله عز وجل من الاعداء وباولئك ينزل الله عز وجل الغيث من السماء فو الله لهؤلاء فى قراء القرآن اعز من الكبريت الأحمر (٥)

__________________

(١) نفس المصدر السابق ج ٢ ص ٦٠٦.

(٢) نفس المصدر السابق ج ٢ ص ٦٠٦.

(٣) عقاب الاعمال ص ٤٧.

(٤) الأمالي ص ٢٢٠.

(٥) الكافى ج ٢ ص ٦٢٧ ( باب النوادر ) من كتاب فضل القرآن.

٨

وفى الخصال روى الصدوق ما يقرب منه بسنده عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : القراء ثلاثة قارئ قرأ القرآن ليستدر به الملوك ويستطيل به على الناس فذلك من اهل النار وقارئ قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيع حدوده فذلك من اهل النار وقارئ قرأ القرآن فاستتر به تحت برنسه فهو يعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه ويقيم فرائضه ويحل حلاله ويحرم حرامه فهذا ممن ينقذه الله من مضلات الفتن وهو من اهل الجنة ويشفع فيمن يشاء (١).

وفى الكافى بسنده عن أبان بن تغلب عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : الناس أربعة فقلت : جعلت فداك وما هم؟ فقال : رجل أوقى الايمان ولم يؤت القرآن ورجل أوتى القرآن ولم يؤت الايمان ورجل اوتى القرآن وأوتى الايمان ورجل لم يؤت القرآن ولا الايمان.

قال : قلت : جعلت فداك فسر لي حالهم؟ فقال : اما الذى أوتى الايمان ولم يؤت القرآن فمثله كمثل الثمرة طعمها حلو لا ريح لها واما الذى اوتى القرآن ولم يؤت الايمان فمثله كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب وطعمها طيب واما الذى لم يؤت الايمان ولا القرآن فمثله كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها (٢).

وفيه عنه عليه‌السلام انه قال : ان من الناس من يقرأ القرآن ليقال فلان قارئ ومنهم من يقرأ القرآن ليطلب به الدنيا ولا خير فى ذلك ومنهم من يقرأ القرآن لينتفع به فى صلاته وليله ونهاره (٣) وفى حديث ثالث قال عليه‌السلام : عليكم بالقرآن فتعلموه فان من الناس من يتعلم القرآن ليقال فلان قارئ ومنهم من يتعلمه فيطلب به الصوت فيقال فلان حسن الصوت وليس فى ذلك خير ومنهم من من يتعلمه فيقوم به فى ليله ونهاره لا يبالى من علم ذلك ومن لم يعلمه (٤).

__________________

(١) الخصال ج ١ ص ٧٠.

(٢) الكافى ج ٢ ص ٦٠٤

(٣) نفس المصدر المصدر السابق ص ٦٠٧

(٤) نفس المصدر السابق ص ٦٠٩

٩

( الفصل الاول )

فى البناء السلوكى الخلقى القرآنى :

القرآن بناء سلوكى أصيل يسلك بمسترشدى هديه طريق الاستقامة بكل ما لهذه الكلمة من مدلول ويضيء بمشكاة هديه سبل الصلاح والفلاح والسعادة.

فالبناء السلوكى الخلقى القرآنى هو الغاية المستبطنة فى كيانه الصلبى والتى تستهدف ايجاد نقلة كبرى فى انماط السلوك الانسانى والصعود به من حضيض التخلف الفكرى والاجتماعى والحضارى الى اوج مراحل التكامل النسبى البشرى وفق موازينه الخاصة ومقاييسه الثابتة الازلية وفى خلال الأسطر التالية سنحاول القاء الضوء على ما ينبغى للمكلف التلبس به من انماط وصور التعامل العبودى تجاه ذلك البناء المثالى والوظيفة الملزم بالقيام بها بدرجاتها المختلفة تجاهه.

( البناء الخلقى الباطنى )

وبعبارة اخرى اساليب المعايشة الفكرية والروحية للنص القرآنى التى من شأنها ايجاد مرآة مصقولة فى صفحة العقل قابلة لانطباع المبادئ والمثل وتسلطها على مركز الانبعاثات الارادية بما فيه خير وصلاح نشأتيه :

( الأسلوب الأول ) ارجاع الفطرة الى اصالتها وتخليتها من شوائب الضلال والانحراف وتغليب معالمها الانسانية وطبائعها السامية على الكيان الوجودى والبناء الروحى والفكرى ليكون أهلا للمثول امام النص القرآنى وتلقى بلاغه ورسالته واهدافه ومبادئه.

( الأسلوب الثانى ) تقوية وتدعيم قوى الاستشعار المعنوى ومقدمات فهم النص القرآنى عن طريق الاحاطة بمعانى كلماته واساليبه اللفظية والبيانية ودراسة العلوم الباحثة عن غرائبه واشاراته وضوابطه اللفظية والايقاعية والصورية.

١٠

( الأسلوب الثالث ) حث القلب على استشعار عظم نصه وشرافة بيانه وقداسة لفظه والالتفات الى ان المتلو انما هو كلام واجب الوجود وانه لطف تفضل به على خلقه بانزال كلامه جل شأنه عن عرش جلاله الى درجة أفهام خلقه.

( الأسلوب الرابع ) الانصهار فى مقام العبودية وارهاف الاحساس الباطنى للوقوف امام النص البيانى الربانى موقف رهبة ووجل وخضوع وخنوع.

( الأسلوب الخامس ) تخلية المدارك الباطنية ووسائل الادراك الظاهرى عن التشاغل بغير الاهتمام فى تبجيل ومعايشة النص القرآنى معايشة روحية وفكرية وخلقية.

( الأسلوب السادس ) توجيه وتركيز كل القوى الدائرة فى فلك العقل للالتفات الى اشاراته ورموزه ولطائفه قال عز شأنه : « أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ».

( الأسلوب السابع ) استنطاق النص واستيضاح مبهمه ومتشابهه وعامه ومطلقه ومنسوخه ومجمله عن طريق الرجوع الى حملته وأعلام وعايته من اهل العصمة صلوات الله وسلامه عليهم ومن سار على هديهم واستنار بمشكاة علومهم.

( الأسلوب الثامن ) الازراء بالنفس وتحقيرها بالاقلال والحط من شأنها واستصغار ما بلغته من مراتب الكمال للطمع فى نيل المزيد منها والبلوغ الى أوج مدارج مراتبها وتكميل كمالاتها النسبية بحسب طاقاتها البشرية للحيلولة دون سيطرة العجب والكبر والغرور على القلب والنفس والتأدية به الى الهلكة والخسران المبين فى الدنيا والآخرة.

فاذا تلا آيات الوعد والمدح للصالحين فلا يشهد نفسه عند ذلك بل يشهد الموقنين والصديقين فيها ويتشوق ان يلحقه الله بهم واذا تلا آيات المقت وذم العصاة والمصرين شهد نفسه هناك وقدر انه المخاطب خوفا واشفاقا.

١١

البناء الخلقى الظاهرى :

وينقسم الى ثلاثة أقسام :

١ ـ الكيفية الخاصة.

٢ ـ الادب الخاص.

٣ ـ الذكر الخاص.

[ القسم الاول ]

فى الكيفية الخاصة

١ ـ ان يكون على هيئة الأدب والسكون.

٢ ـ ان يكون مطرقا مستقبل القبلة.

٣ ـ ان يكون جالسا غير متربع لما رواه الشيخ البهائى عطر الله مرقده فى مفتاح الفلاح عن امير المؤمنين عليه‌السلام انه قال : انها جلسة يبغضها الله ويمقت صاحبها (١).

٤ ـ ان يكون فارغا منقطعا غير مبتلى بما يشاغله من أمور المعاش وبعبارة أوضح وأجلى ان يكون فارغ المكان ممن يشغله وفارغ البدن مما يهتم به وفارغ الزمن من أمر كلف به ولزم ذمته.

٥ ـ ان يكون جلوسه جلوس من يكالم ربه قد حقر مقامه وضعفت حيلته وانقطع رجاؤه عمن سواه.

[ القسم الثانى ]

فى الادب الخاص

وينقسم الى مستحب ومكروه وواجب.

( الادب المستحب )

( الأول ) ـ ان يكون متطهرا من الحدث الأصغر فضلا عن الاكبر.

__________________

(١) مفتاح الفلاح ص ١٣٣ ط قم منشورات الرضى.

١٢

قال امير المؤمنين عليه‌السلام : لا يقرأ العاقل القرآن اذا كان على غير طهر حتى يتطهر له. (١).

وقال : لا يقرأ العبد القرآن اذا كان على غير طهور حتى يتطهر (٢)

وقال عليه‌السلام ايضا : لقارئ القرآن بكل حرف يقرأه فى الصلاة قائما مائة حسنة وقاعدا خمسون حسنة ومتطهرا فى غير صلاة خمس وعشرون حسنة وغير متطهر عشر حسنات اما انى لا أقول ( المر ) بل بالألف عشر وباللام عشر وبالراء عشر (٣).

( الثاني ) القراءة فى المصحف وتعاهده بالتلاوة ولو كان حافظا له على ظهر قلب : ومن ما يدل على ذلك ما روى فى الكافى وثواب الاعمال عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : من قرأ فى المصحف متع ببصره وخفف على والديه وان كانا كافرين (٤).

وفى ثواب الاعمال عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ليس شىء أشد على الشيطان من القراءة فى المصحف نظرا (٥).

وفى الكافى بسنده عن اسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له :

جعلت فداك انى احفظ القرآن على ظهر قلبى فأقرأه على ظهر قلبى افضل او انظر فى المصحف؟ قال فقال لى : بل اقرأه وانظر فى المصحف فهو أفضل اما علمت ان النظر فى المصحف عبادة (٦).

وفى المستدرك عن كتاب الغايات للشيخ جعفر بن احمد القمى روى عن

__________________

(١) تحف العقول ص ٨٢ ط بيروت.

(٢) الخصال ج ٢ ص ١٦٤

(٣) عدة الداعى ص ٢١٢.

(٤) ثواب الاعمال ص ٥٨.

(٥) ثواب الاعمال ص ٥٨.

(٦) اصول الكافى ج ٢ ص ٦١٣ ـ ٦١٤ ط طهران

١٣

النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : افضل العبادة القراءة فى المصحف (١).

( الثالث ) حفظ القرآن على ظهر قلب ولو كان بمشقة للبعض :

روى الصدوق فى اماليه عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة (٢).

وقال عليه‌السلام : ان الذى يعالج القرآن ويحفظه بمشقة منه وقلة حفظ له اجران (٣).

وقال عليه أفضل الصلاة والسلام : من شد وعليه القرآن كان له أجران ومن يسر عليه كان من الأولين (٤) وفى رواية ( كان من الابرار ).

وفى الأمالي عن شيخ الطائفة بسنده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا يعذب الله قلبا وعى القرآن (٥).

( الرابع والخامس ) اقتناء المصحف والاحتفاظ به فى المنزل : جاء فى كتاب قرب الاسناد عن الامام الصادق عن ابيه عليهما‌السلام انه كان يقول : يستحب ان يعلق المصحف فى البيت يتقى به من الشياطين قال : ويستحب ان لا يترك القراءة فيه.

وفى الكافى وثواب الاعمال عن الامام الصادق عليه‌السلام انه قال :.

انه ليعجبنى ان يكون فى البيت مصحف يطرد الله عز وجل به الشياطين ».

( السادس ) تعاهده بالقراءة والتلاوة : لما رواه فى عدة الداعى عن النبى (ص) انه قال : اجعلوا لبيوتكم نصيبا من القرآن فان البيت اذا قرأ فيه القرآن يسر على أهله وكثر خيره وكان سكانه فى زيادة واذا لم يقرأ فيه القرآن ضيق على أهله وقل خيره وكان سكانه فى نقصان.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ج ٤ ص ٢٦٧ ط مؤسسه آل البيت عليهم‌السلام

(٢) الأمالي ص ٥٧ ط بيروت.

(٣) اصول الكافى ص ٥٩٥.

(٤) اصول الكافى ص ٥٩٥.

(٥) الأمالي ص ٤.

١٤

ومن ما يدل على ذلك ايضا ما روى فى الكافى وثواب الأعمال عن الامام الصادق عليه‌السلام انه قال : من قرأ فى المصحف متع ببصره وخفف عن والديه وان كانا كافرين.

ومنها ما فى الخصال عن جابر قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول : يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون الى الله عز وجل : المصحف والمسجد : يا رب عطلونى وضيعونى وتقول العترة : يا رب قتلونا وطردونا وشردونا فأجثوا للركبتين للخصومة؟

فيقول الله جل جلاله : انا أولى بذلك ».

( الادب المكروه )

( الأول ) قراءة القرآن فى الخلاء :

لخبر عمر بن يزيد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التسبيح فى المخرج وقراءة القرآن فقال : لم يرخص فى الكنيف اكثر من آية الكرسى ويحمد الله أو آية الحمد لله رب العالمين.

والظاهر حمل عدم الرخصة فيما زاد على ذلك على تأكد الكراهة لرواية الحلبى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته أتقرأ النفساء والحائض والجنب والرجل يتغوّط القرآن؟ قال : يقرءون ما شاءوا ».

ورواية ابى حمزة عن ابى جعفر الباقر عليه‌السلام قال : مكتوب فى التوراة التى لم تغير ان موسى عليه‌السلام سأل ربه فقال الهى انه يأتى علىّ مجالس اعزّك واجلك ان اذكرك فيها فقال يا موسى ان ذكرى حسن على كل حال ».

وبمضمونها أخبار أخر أيضا.

( الثانى ) اصطحاب القرآن الى الخلاء :.

روى الحميرى فى قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه الامام موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يجامع ويدخل الكنيف وعليه الخاتم فيه ذكر الله او شىء من القرآن أيصلح ذلك؟ قال : لا.

١٥

وقال الصدوق فى الفقيه : ولا يجوز للرجل ان يدخل الخلاء ومعه خاتم عليه اسم الله او مصحف فيه القرآن فان دخل وعليه خاتم عليه اسم الله فليحوله عن يده اليسرى اذا اراد الاستنجاء » (١).

وظاهر كلامه مؤذن بالتحريم كما هو صريح ظاهر عبارته كما ترى الا ان المشهور على الكراهة وهذا انما فى أصل الادخال فتنبه.

( الثالث ) مس المحدث بالحدث الأصغر أو الاكبر لجلد المصحف او ورقه دون كتابته وخطه :

ويدل عليه موثقة ابى بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمن قرأ القرآن وهو على غير وضوء قال : لا بأس ولا يمس الكتاب.

ومرسلة حريز عمن اخبره عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : كان اسماعيل ابن ابى عبد الله عنده فقال يا بنى اقرأ المصحف فقال : انّى لست على وضوء فقال : لا تمس الكتابة ومس الورق واقرأه.

والظاهر انه لا خلاف هنا فى جواز مس الهامش والورق الخالى من الكتابة كما هو ظاهر المرسلة المتقدمة وكذا حمله وتعليقه كما نقله العلامة فى المنهى على كراهية لما سيأتى فى رواية إبراهيم بن عبد الحميد فى صدر التعرض للأدب الواجب عما قريب.

( الادب الواجب )

( الأول ) مس المحدث بالحدث الأصغر لخط القرآن :

لو وجب مس خط المصحف على المكلف المحدث بالحدث الأصغر اما بسبب من قبله كالنذر وشبهه أولا من قبله كاصلاح فيه ونحوه على القول بوجوب ذلك فهل يجب الوضوء لذلك ام لا؟

__________________

(١) فقيه من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٢٠.

١٦

قولان مبنيان على تحريم المس على المحدث وعدمه.

والمشهور الأول : واستدل عليه بقوله عز وجل « إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ » ( الواقعة ـ ٧٦ ـ ٧٧ ـ٧٨ ).

المفسر فى رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن عليه‌السلام قال :

المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خطه ولا تعلقه ان الله يقول :

« لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ».

وعلى هذا فيكون ضمير ( يمسه ) راجعا الى القرآن وان بعد فى السياق دون ( الكتاب ) وان قرب بل ظاهر أمين الاسلام الطبرسى فى المجمع كون ذلك مجمعا عليه حيث قال : وعندنا ان الضمير يعود الى القرآن فلا يجوز لغير الطاهر مس كتابة القرآن ». ومثله فى المحكى عن تبيان شيخ الطائفة قدس‌سره.

والظاهر اختصاص حرمة المس بالملاقاة بجزء من الجسد فلا يتعدى الى الملاقاة بطرف الثوب ونحوه وعلى تقدير الأول فلا اختصاص باليد بل يشمل سائر الجسد سواء كان مما تحله الحياة أم لا للاطلاق وعدم الاستفصال والتخصيص.

( فروع )

ويلحق بالمسألة المتقدمة فروع انتخبناها من كتاب الحدائق للمحقق البحرانى قدس‌سره حيث يقول :

( الاول ) لو وضأ بعض اعضائه فقبل الاكمال هل يجوز المس بذلك العضو الذى وضأه أم لا؟ الظاهر الثانى وبه صرح فى التحرير لأن الحدث المشروط زواله بالطهارة ليس مقسما على الاعضاء وانما هو أمر معنوى قائم بالشخص من حيث هو لا يرتفع الا باعمال الطهارة.

( الثانى ) هل يختص الحكم بالقرآن من حيث الهيئة الاجتماعية المتعلق بها هذا الاسم ام يتعدى الى الآيات المكتوبة فى الكتب وعلى الدراهم ونحو ذلك؟

١٧

وجهان أرجحهما الثانى لما يفهم من حسنة داود بن فرقد وتشعر به صحيحة على بن جعفر ولان الظاهران الهيئة الاجتماعية لا مدخل لها فى التحريم ضرورة ان المس انما يقع على البعض ولا يقع على الكل دفعة وانضمام غيرها اليها لا يخرجها عن كونها قرآنا.

( الثالث ) الظاهر شمول التحريم لما نسخ حكمه دون تلاوته لبقاء الحرمة من جهة التلاوة وصدق المصحف والقرآن والكتاب عليه بخلاف ما نسخت تلاوته وان بقى حكمه فانه لا يحرم مسه لعدم الصدق ولا اعرف خلافا فى ذلك.

( الرابع ) الظاهر عدم ثبوت التحريم بالنسبة الى الصبى ونحوه لعدم التكليف الموجب لتعلق الخطاب به وهل يجب على الولى منعه؟ الظاهر العدم لعدم الدليل ونقل عن المعتبر وجوبه على الولى وهو ظاهر التحرير ولا يخلو من قوة نظرا الى عموم الأدلة الدالة على التحريم وعدم توجّه الخطاب فيها الى الطفل لما ذكرناه لا ينافيه التوجيه الى وليّه.

( الخامس ) هل يدخل فى الكتابة التشديد والمد والهمزة والاعراب؟

احتمالات ثالثها دخول ما عدا الأخير ومنشأ ذلك الشك فى صدق مس الكتاب بمسها وعدمه ورجح بعض مشايخنا المحققين من متأخرى المتأخرين العدم مطلقا قال : لاطلاق اسم الكتاب عليه قبل ضبطه بالثلاثة المتقدمة كقوله تعالى ( .. كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ ... ) (١) ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ .. ) (٢)

( حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ ) (٣) ونحوها وحمله على المجاز باعتبار ما يؤول اليه خلاف الأصل ولأن تحريم المس خلاف الأصل فيقتصر منه على موضع اليقين ، وهو جيد. اه (٤).

__________________

(١) الانعام ـ ٩٢ ـ ١٥٢.

(٢) الكهف ـ ١

(٣) الزخرف ـ الدخان ـ ٢.

(٤) الحدائق الناضرة ج ٢ ص ١٢٥ ـ ١٢٦

١٨

أقول : وفى هذا المقام كلام مسهب قد بسطنا القول فيه فى كتابنا مغنى اللبيب والأديب عن كتب اللغة والأعاريب وخلاصة القول فيه : ان الخط العربى قد مر بمراحل متتابعة تطور فيها الى حد بلغ فيه الى النحو الذى وصل إلينا فيه اليوم مضبوطا بالحركات والسكنات.

وقد كان خلوا فى بادئ امره منه لعدم اقتضاء الحاجة اليه يومذاك لوجود ملكة الاعراب فى نفوسهم العاصمة لهم عن الخطأ فى النطق الا ان هذا القانون المودع فى اعماقهم قد أصابه الذبول والتذبذب بعد اختلاطهم بالامم الأعجمية وكانت أول بادرة فى طريق تصحيح نهجه وصيانته على يد امير المؤمنين على ابن ابى طالب عليه‌السلام ثم وصلت النوبة الى الخليل بن أحمد الفراهيدى الذى كان أول من صنف النقط ورسمه فى كتاب وذكر علله (١).

( الأدب الواجب الثانى ) مس المحدث بالحدث الاكبر القرآن.

لو وجب مس خط المصحف على المكلف المحدث بالحدث الأكبر اما بسبب من قبله أولا على ما تقدم فى المسألة المتقدمة فهو ان كان واجبا فالغسل له واجب والا فهو شرط فى استباحته وكل منهما مبنى على تحريم المس على المحدث حدثا اكبر والمستفاد من ظاهر عبائر اعلام مشايخنا المعتمدين فى مطولاتهم الاستدلالية ان هذا الحكم اجماعى بل نقل المحقق فى المعتبر والعلامة فى المنتهى انه اجماع علماء الاسلام.

ولم يشذ عن هذا الحكم سوى المحكى عن السيد المرتضى رضى الله عنه حيث ذهب الى تحريم مس هامش القرآن للجنب والحائض.

( الأدب الواجب الثالث ) سجود التلاوة :

يجب سجود التلاوة على القارئ كلما قرأ عزيمة من العزائم الأربع وهى :

١ ـ فى سورة السجدة قوله عز وجل : ( إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا

__________________

(١) كتاب النقط للدانى ص ١٣٣.

١٩

بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) ( الآية رقم ـ ١٥ )

٢ ـ وفى سورة فصلت قوله تعالى : ( وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ ) ( لآية رقم ـ ٣٨ ).

٣ ـ وفى آخر سورة النجم وهى قوله تبارك وتعالى : ( فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا )

٤ ـ وفى سورة العلق قوله جل شأنه : ( كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ) وقد انعقد الاجماع على الوجوب فى هذه المواضع الاربعة وكذا لو استمع اليها مستمع من انسان كان يقرؤها ذكرا كان أم انثى صغيرا كان ام كبيرا حرا كان أم رقا وكذا لو استمعها من مذياع أو حاكى ( آلة تسجيل ) اذ لا فرق بينها فى ذلك لعموم الحكم وشموله لهذه المصاديق حتى المعلم والمتعلم متى ما حصل لهما موجب ذلك اذ الملاك والضابطة فى الحكم التلفظ بها من عضو النطق او استماعها وهو طلب السمع وتجشمه والاصغاء اليه بمقتضى انبعاث الارادة وشوقها الى ايصاله الى حيز دائرة الشعور عن طريق حاسة السمع.

واختلف فى الوجوب على السامع من غير اصغاء بالنحو المتقدم فذهب جمع منهم الشيخ فى الخلاف والمحقق فى الشرائع والعلامة فى المنتهى الى عدم الوجوب عليه.

وجنح ابن ادريس والشهيد فى الذكرى والمسالك الى الوجوب واستقر به المحقق البحرانى فى حدائقه ونسبه الى اكثر الأصحاب.

واما المطالعة لها مجردة او استحضار هيئتها فى القلب من غير صوت وكذا تحريك الشفتين بها مع خفاء جوهر الصوت فلا ريب فى عدم استلزامها السجود وترتب احكامه.

والمشهور ان محل السجود بعد تمام الآية فمتى سمعها أو استمعها أو تلاها

٢٠