موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

إلى المنوب عنه ، حيث إن تفريغ ذمّة الأخ المؤمن من الديون من الأُمور المستحبّة على المكلّفين ولا سيما إذا كان من أقربائه ، وهذا أمر متوجه إلى المؤمنين الّذين منهم النائب ، لا أنّه متوجه إلى المنوب عنه ، وإذا آجر المؤمن نفسه للعبادات الواجبة على الغير تبدل هذا الأمر الاستحبابي بالوجوبي وصار تفريغ ذمّة المنوب عنه واجباً عليه بعد أن كان مستحبّاً في حقّه.

وبهذا دفعنا الإشكال في الاستئجار للعبادات من أنّ الأمر الناشئ من الإجارة أمر توصلي لم يؤخذ فيه قصد القربة بوجه.

وحاصل الجواب : أنّ العبادية إنّما هي مستندة إلى أمر سابق على الأمر الإجاري وقد كان مستحبّاً في نفسه وانقلب إلى الوجوب بعد الإجارة.

وثانيهما : ما قدمناه في الصلاة عن الميت من أنّها واجبة على المكلّفين وجوباً كفائياً (١) ، فالأمر متوجه إلى الطبيعي دون الأشخاص ، ومن هنا لو لم يتمكّن أحد من الطّهارة المائية لعذر لم تصح منه الصلاة ، لأنّ الأمر متوجه إلى الطبيعي وهو متمكّن من الطّهارة المائية ، نظير ما لو عجز عن القيام فلا تصح منه الصلاة ، لوجود من يتمكّن من القيام ، والمأمور هو الطبيعي دون الأشخاص.

نعم إذا فرضنا أنّه لم يوجد هناك من يصلِّي مع الطّهارة المائية لا لأجل عدم كون الماء ميسوراً لهم ، بل لأنّهم لا يصلّون باختيارهم ولو للعصيان صحّ للعاجز عن الماء أو عن القيام أن يتصدّى للصلاة عن الميت.

وعلى هذا نقول في المقام : إن تفريغ ذمّة الميت عمّا اشتغلت به أمر مستحب عبادي في نفسه ، وهو متوجه إلى طبيعي المكلّفين يسقط عن ذمّتهم بقيام أحدهم به ، وقد عرفت أنّ هذا الأمر المستحب هو الّذي تعلّق به الوجوب عند الاستئجار.

وعليه إذا فرضنا أن أحداً لا يتمكّن من الوضوء لم يصح استئجاره للصلاة عن الميت ، لأن المأمور هو الطبيعي وهو واجد للماء وغير فاقد له لينتقل الأمر إلى بدله وخصوص الفرد ليس بمأمور على الفرض.

كما أنّه إذا طرأ العجز عن الطّهارة المائية بعد استئجاره وجب عليه تأخير الصلاة‌

__________________

(١) المناسب : مستحبّة ... استحباباً كفائيّاً.

٤٢١

[١١٦٨] مسألة ٣٠ : المجنب المتيمِّم إذا وجد الماء في المسجد وتوقف غسله على دخوله والمكث فيه لا يبطل تيمّمه (*) بالنسبة إلى حرمة المكث وإن بطل بالنسبة إلى الغايات الأُخر ، فلا يجوز له قراءة العزائم ولا مسّ كتابة القرآن ، كما أنّه لو كان جنباً وكان الماء منحصراً في المسجد ولم يمكن أخذه إلاّ بالمكث وجب أن يتيمّم للدخول والأخذ كما مرّ سابقاً ، ولا يستباح له بهذا التيمّم إلاّ المكث فلا يجوز له المسّ وقراءة العزائم (١).

[١١٦٩] مسألة ٣١ : قد مرّ سابقاً أنّه لو كان عنده من الماء ما يكفي لأحد الأمرين من رفع الخبث عن ثوبه أو بدنه ورفع الحدث قدّم رفع (**) الخبث وتيمّم للحدث ، لكن هذا إذا لم يمكن صرف الماء في الغسل أو الوضوء وجمع الغسالة في إناء نظيف لرفع الخبث ، وإلاّ تعين ذلك ، وكذا الحال في مسألة اجتماع الجنب والميت والمحدث بالأصغر ، بل في سائر الدورانات (٢).

______________________________________________________

إلى زمان التمكّن من الماء ، بل لو لم يتمكّن من التأخير لضيق الوقت أو لعلمه بعدم ارتفاع عذره إلى آخر الوقت كشف ذلك عن بطلان إجارته في المقدار الّذي لم يتمكّن من إتيانها مع الوضوء.

كل ذلك لما عرفت من أنّ المأمور بالعمل هو الطبيعي وهو متمكّن من الطّهارة المائية ، فلا يصح العمل من الفرد العاجز عن بعض شرائطه ، اللهمّ إلاّ أن لا يوجد من الطبيعي فرد يقوم بهذا العمل فيجوز حينئذ استئجار الفاقد للماء باعتبار أنّ الطبيعي فاقد له أو أن غيره لا يقوم بذلك العمل.

(١) قدّمنا الكلام في هذه المسألة (١) فليلاحظ.

(٢) قدّمنا الكلام في هذه المسألة (٢) أيضاً كما يأتي.

__________________

(*) قد مرّ أنّه من فاقد الماء وأنّه لا يجوز له المكث في المسجد ، وبه يظهر حال بقية المسألة.

(**) قد مرّ حكم ذلك [ في المسألة ٢٨٦ ].

(١) في ص ١٨٠.

(٢) في ص ١٤٤ ، ٤٠٧.

٤٢٢

[١١٧٠] مسألة ٣٢ : إذا علم قبل الوقت أنّه لو آخر التيمّم إلى ما بعد دخوله لا يتمكّن من تحصيل ما يتيمّم به فالأحوط أن يتيمّم قبل الوقت (*) لغاية أُخرى غير الصلاة في الوقت ويبقي تيمّمه إلى ما بعد الدخول فيصلِّي به ، كما أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى الوضوء (**) إذا أمكنه قبل الوقت وعلم بعدم تمكّنه بعده فيتوضأ على الأحوط لغاية أُخرى أو للكون على الطّهارة (١).

[١١٧١] مسألة ٣٣ : يجب التيمّم لمسّ كتابة القرآن إن وجب كما أنّه يستحب إذا كان مستحبّاً ، ولكن لا يشرع إذا كان مباحاً ، نعم له أن يتيمّم لغاية أُخرى ثمّ يمسح المسح المباح (٢).

______________________________________________________

(١) هذه المسألة (١) والمسألتان اللّتان قبلها قد تكلمنا فيها سابقاً فلا نعيد.

وقد ذكرنا في المسألة الأُولى أنّه لا يجوز التيمّم لأجل المكث في المسجد في مفروض المسألة.

وذكرنا في المسألة الثّانية أنّه لا وجه لتقديم الطّهارة من الخبث على الطّهارة من الحدث ، نعم أضاف في المقام أنّ الحكم بتقديم رفع الخبث إنّما هو فيما إذا لم يمكن صرف الماء في الغسل أو الوضوء وجمع الغسالة في إناء نظيف لرفع الخبث ، وإلاّ تعين ذلك.

وكذلك الحال في المسألة الثالثة الّتي فرضت اجتماع الجنب والميت والمحدث بالحدث الأصغر ، بل في سائر الدورانات ، والأمر كما أفاده.

وجوب التيمّم لمس كتابة القرآن‌

(٢) قد ذكرنا غير مرّة أن عبادية الطهارات الثلاثة لم تنشأ عن الأمر الغيري المتعلق بها الناشئ عن الأمر النفسي بما يتوقف عليها ، وذلك :

__________________

(*) بل لا يخلو من قوّة.

(**) عدم الوجوب بالنسبة إليه أظهر.

(١) تقدّم البحث عنها في ص ١٠٥ وفي شرح العروة ٥ : ٢١٢.

٤٢٣

أمّا أوّلاً : فلعدم وجوب المقدمة وعدم كونها مأمور بها بالأمر الغيري على ما فصّلناه في محلِّه (١).

وأمّا ثانياً : فلأنه على تقدير الالتزام بوجوب المقدمة فهو أمر توصلي لا يعتبر فيه قصد الأمر والامتثال.

بل العبادية في الطهارات نشأت عن الأمر الاستحبابي النفسي الثابت عليها في أنفسها ، لأنّها أُمور راجحة ومندوب إليها في الشريعة المقدّسة ، فالعبادية مأخوذة فيها سابقاً على أمرها الغيري ، فهي عبادات جعلت مقدمة لغاياتها ، فلا يفرق في استحبابها ومشروعيتها بين أن تكون غاياتها واجبة أو مستحبّة أو مباحة.

نعم العبادية لا تتوقف على قصد الأمر وحسب ، بل تتحقق بالإتيان بالعمل وإضافته إلى الله سبحانه نحو إضافة ، وعليه إذا كانت الغاية واجبة أو مستحبّة كفى في صحّة الطهارات الثلاثة وعباديتها الإتيان بها بعنوان كونها مقدمة للأمر الراجح أي لأجل التوصّل بها إلى أمر محبوب فإنّه نحو إضافة إلى الله وموجب لأن تكون عبادة مقربة إلى الله سبحانه ، وهذا يختص بما إذا كانت الغاية واجبة أو مستحبّة ، ولا يتحقق فيما إذا كانت الغاية مباحة.

ولعلّ نظر الماتن قدس‌سره إلى ذلك ، وهو ما إذا أتى بالطهارات بعنوان كونها مقدمة من دون قصد غاية أُخرى من غاياتها ، فلو كان نظره الشريف إلى ذلك صحّ التفصيل بين ما إذا كانت الغاية واجبة أو مستحبّة وبين ما إذا كانت مباحة.

وعلى هذا يمكن أن يقال بصحّة الطهارات وعباديتها إذا كانت غايتها مباحة حتّى إذا أتى بها بعنوان كونها مقدمة ، وذلك لأنّ الإتيان بها مقدمة للمباح ليس بمعنى كونها مقدمة لذات المباح ، فإنّه في ذاته لا يتوقف على التيمّم أو غيره ، بل المراد الإتيان بها مقدمة للمباح بما أنّه مباح ، ومن الظاهر أن المس المباح إنّما هو المس حال الطّهارة فإنّ المس في غير حال الطّهارة محرم ، فيرجع الإتيان بها مقدمة للمباح بوصف كونه‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٤٣٤.

٤٢٤

مباحاً إلى الإتيان بها مقدمة لارتكاب غير المحرم وفراراً عن المبغوض المحرم وهو المس حال الحدث ، وهذا أمر راجح أيضاً ومقرب ونحو من الإضافة إلى الآمر سبحانه وهو كافٍ في صحّتها وعباديتها.

إذن لا فرق في عبادية الطهارات بين كون غاياتها مثل المس واجبة أو مستحبّة أو مباحة ، هذا.

وقد يقال (١) : أن إتيان الطهارات الثلاثة مقدّمة للمس الواجب أو المستحب لا يوجب صحّتها وكونها عبادة ، وذلك لأنّها ليست مقدمة للمس الواجب أو المستحب أو الجائز ، ونعبِّر عنها بالجواز بالمعنى الأعم.

بل الطّهارة مقدمة لجواز المس بالمعنى الأعم إذ لولا كونها لم يكن المس جائزاً فلو أتى بها مقدمة للمس الجائز لم تصح إذ لا مقدمية لها للمس ، بل لا بدّ من الإتيان بها لغاية أُخرى من غاياتها حتّى يكون متطهراً فيجوز له مس الكتاب العزيز حينئذ.

ويرده : أوّلاً : أنّ المستفاد من الأدلّة أن للمس قسمين وحصّتين : إمّا جائز بالمعنى الأعم أو غير جائز ، والطّهارة مقدمة للحصّة الجائزة ، فتكون الطّهارة قيداً للجائز ومقدمة له لا أنّها قيد للجواز ، فلا مانع من الإتيان بالطّهارة لكونها مقدمة للحصّة الجائزة من المس.

وثانياً : أن كون الطّهارة مقدمة للجواز دون الجائز أمر غير معقول في نفسه لأنّ الطهارات إذا كانت قيداً للوجوب أو الاستحباب أو الجواز لم يكن وجوب قبلها ، وإذا لم تكن الطّهارة واجبة فيجوز للمكلّف تركها ، إذ لا يجب عليه إيجاد ما هو مقدمة للتكليف ، فأي داع للمكلّف لإتيانه بها؟

فجعل الطّهارة قيداً ومقدمة للوجوب أي الجواز بالمعنى الأعم يفضي إلى عدم وجوب الطّهارة ، ومع عدمها لا يجب المس ، وهذا خلف لأنّ المفروض أنّ المس واجب.

__________________

(١) والقائل هو السيد الحكيم (ره) في المستمسك ٤ : ٤٩٠.

٤٢٥

[١١٧٢] مسألة ٣٤ : إذا وصل شعر الرأس إلى الجبهة فإن كان زائداً على المتعارف وجب رفعه للتيمم ومسح البشرة (١). وإن كان على المتعارف لا يبعد‌

______________________________________________________

ودعوى : أنّ الطّهارة وإن لم تكن مقدمة للواجب لأنّها مقدمة للوجوب فلا تكون واجبة من تلك الناحية إلاّ أنّها واجبة الإتيان عقلاً ، لأنّها مقدّمة لتحصيل الغرض الملزم في المس الواجب ، وكما أنّ الإتيان بالمقدمة لازم لتحصيل الواجب كذلك هو لازم لتحصيل الغرض.

مندفعة بأنّا إذا أنكرنا وجوب المس لكون الوجوب متوقفاً على الطهارات ، فانّ الطهارات مقدمة للوجوب لا الواجب ، فمن أين نستكشف كونه ذا ملاك وغرض حتّى يجب علينا تحصيلها؟

على أنّا لو سلمنا أنّ المس ذو ملاك وغرض كفى ذلك في عبادية الطهارات إذا أتى بها توصلاً إلى غرض المولى وما فيه الملاك ، لأنّ الإتيان بالمقدمة بما هي مقدّمة أي للتوصّل بها إلى الواجب كما أنّه كافٍ في عباديتها وكونها مقربة لأنّه نحو إضافة إلى الله سبحانه كذلك الإتيان بها مقدمة للغرض اللاّزم تحصيله جهة مقربة ومحسنة ، وهي نحو إضافة إلى الله وكافية في عبادية الطهارات.

فلا حاجة إلى إتيانها بغاية أُخرى كما يرومه المدعي ، ومعه تكون الطّهارة قيداً للمس الجائز وهو ما فيه الغرض لا قيداً للجواز كما لعله ظاهر.

فالمتحصل : أنّ الإتيان بالطهارات بداعي أمرها النفسي أو بداعي كونها مقدّمة يوجب عباديتها إذا كانت الغاية واجبة أو مستحبّة ، وكذلك الحال إذا كانت الغاية مباحة كما مرّ ، من دون حاجة إلى إتيانها بغاية أُخرى كما يروم المدعي.

يجب رفع الحواجب في صحّة التيمّم‌

(١) إذا كان الشعر متدلياً على الجبهة والوجه ، كما في النِّساء وبعض الرجال فيجب رفعه للتيمم ، والوجه فيه هو ما قدّمناه من أنّ التيمّم يعتبر فيه مسح الجبهة‌

٤٢٦

كفاية مسح ظاهره عن البشرة (١) والأحوط مسح كليهما.

______________________________________________________

الّتي عبرت الأخبار عنها بالوجه أو الجبين أو الجبينين (١) على ما تقدّم تفصيله (٢) وإن لم يرد لفظ الجبهة في شي‌ء منها.

وقد عرفت أنّ الواجب صدق مسح الجبهة عرفاً ، ومع كون الشعر زائداً على المتعارف ومتدلياً على الجبينين لا يتحقق المسح المأمور به وهو ظاهر.

عدم وجوب رفع الشعر المتدلي بمقدار متعارف‌

(١) كما إذا لم يحلق رأسه عشرين يوماً أو شهراً أو أقل أو أكثر. وما أفاده قدس‌سره من كفاية مسح ظاهره حينئذ هو الصحيح.

وذلك لأنّ المراد بالوجه الواجب مسحه هو ما يواجه به الإنسان ، ولا إشكال في أنّ المقدار المتعارف من الشعر الواصل إلى الجبهة ممّا يواجه به الإنسان ، فيكفي مسح ظاهره عن مسح نفس البشرة.

هذا على أنّا لو لم نتمكّن من استفادة كفاية المسح على المقدار المتعارف من الشعر المتدلي على الجبهة من النصوص كفانا في ذلك السيرة المستمرة المتصلة بزمان المعصومين عليهم‌السلام ، لأن اشتمال الجبهة على المقدار المتعارف من شعر الرأس ولا سيما في أهل البوادي والقرى الّذين قد لا يحلقون رؤوسهم شهرين أو شهوراً هو أمر متعارف عادي ، فلو كان رفعه لازماً لوجب التنبيه عليه في الأخبار ، ولم ترد فيه إشارة إلى ذلك ، نعم الأحوط أن يمسح كليهما كما ذكره الماتن.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٨ / أبواب التيمّم ب ١١ ، ١٢.

(٢) في ص ٢٦٥ فما بعد.

٤٢٧

[١١٧٣] مسألة ٣٥ : إذا شكّ في وجود حاجب في بعض مواضع التيمّم حاله حال الوضوء والغسل في وجوب الفحص حتّى يحصل اليقين (١) أو الظن بالعدم (*) (٢).

[١١٧٤] مسألة ٣٦ : في الموارد الّتي يجب عليه التيمّم بدلاً عن الغسل وعن الوضوء كالحائض والنفساء وماسّ الميت الأحوط تيمّم ثالث بقصد الاستباحة من غير نظر إلى بدليته عن الوضوء أو الغسل بأن يكون بدلاً عنهما ، لاحتمال كون المطلوب (**) تيمماً واحداً من باب التداخل (٣) ولو عين أحدهما في التيمّم الأوّل وقصد بالثاني ما في الذمّة أغنى عن الثالث.

______________________________________________________

إذا شكّ في وجود الحاجب‌

(١) لما تقدم من أن استصحاب عدم الحاجب لا يترتب عليه غسل البشرة أو مسحها إلاّ على القول بالأصل المثبت (١) ، فلا بدّ من تحصيل الحجّة على عدم الحاجب حينئذ حتّى يقطع بصحّة طهارته.

عدم كفاية الظن بالعدم‌

(٢) تقدم في بحث الوضوء أنّ الظن بالعدم غير قابل للاعتماد عليه ، لعدم حجيته في الشريعة المقدّسة ، فلا مناص من تحصيل الحجّة الشرعية على عدمه من القطع الوجداني أو الاطمئنان الّذي هو حجّة عقلائية (٢).

هل تمس الحاجة إلى التيمّم الثالث في موارده؟

(٣) ولا يخفى ما في هذا الاحتمال من الضعف ، إذ التداخل ممّا تدفعه إطلاقات‌

__________________

(*) لا اعتبار به ما لم يبلغ مرتبة الاطمئنان.

(**) هذا الاحتمال ضعيف.

(١) شرح العروة ٦ : ١٣١.

(٢) شرح العروة ٥ : ٣١٢.

٤٢٨

[١١٧٥] مسألة ٣٧ : إذا كان بعض أعضائه منقوشاً باسم الجلالة أو غيره من أسمائه تعالى أو آية من القرآن فالأحوط محوه حذراً من وجوده على بدنه في حال الجنابة أو غيرها من الأحداث لمناط حرمة (*) المسّ على المحدث ، وإن لم يمكن محوه أو قلنا بعدم وجوبه فيحرم إمرار اليد عليه حال الوضوء أو الغسل بل يجب إجراء الماء عليه من غير مس أو الغسل ارتماساً أو لف خرقة بيده والمس بها ، وإذا فرض عدم إمكان الوضوء أو الغسل إلاّ بمسه فيدور الأمر (**) بين سقوط حرمة المس أو سقوط وجوب المائية والانتقال إلى التيمّم.

______________________________________________________

الأدلّة ، لأنّ المفروض أنّه مكلّف بالوضوء وإن كان لو قدم عليه الغسل قلنا باغنائه عنه إلاّ أنّه مأمور بالوضوء قبل الاغتسال ، بحيث لو تمكّن من الماء وجب عليه الوضوء وإن لم يتمكّن منه في الغسل ووجب عليه التيمّم بدلاً عنه.

فمقتضى إطلاق الأدلّة (١) إذا لم يتمكّن من الماء وجوب التيمّم عليه بدلاً عن الوضوء ، كما أنّه مأمور بالاغتسال وإذا لم يتمكّن من الماء فإطلاق الأدلّة من الآية (٢) والأخبار (٣) يقتضي وجوب تيمّم آخر عليه بدلاً عن الغسل.

فالتداخل على خلاف الإطلاق فلا موجب للتيمم الثالث إلاّ على وجه الاحتياط الاستحبابي.

__________________

(*) في إحراز المناط في المقام إشكال.

(**) لا يدور الأمر فيما ذكر بل الظاهر وجوب الطّهارة المائية مع الاستنابة ، نعم إذا لم يتمكّن من الاستنابة يصح الدوران المذكور ، لكن الظاهر عدم سقوط حرمة المس فينتقل الأمر إلى التيمّم إذا لم يكن النقش في مواضعه ، وإلاّ تعيّنت الطّهارة المائية.

(١) الوسائل ٣ : ٣٤١ / أبواب التيمّم ب ١ ، ٢ ، ٣ وغيرها.

(٢) النِّساء ٤ : ٤٣ ، المائدة ٥ : ٦.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٥٨ / أبواب التيمّم ب ١١ ، ١٤ ، ١٦ ، وغيرها.

٤٢٩

والظاهر سقوط حرمة المس ، بل ينبغي القطع به إذا كان في محل التيمّم ، لأنّ الأمر حينئذ دائر بين ترك الصلاة وارتكاب المس ، ومن المعلوم أهميّة وجوب الصلاة فيتوضأ أو يغتسل في الفرض الأوّل وإن استلزم المس ، لكن الأحوط مع ذلك الجبيرة أيضاً بوضع شي‌ء عليه والمسح عليه باليد المبللة ، وأحوط من ذلك أن يجمع بين ما ذكر والاستنابة أيضاً بأن يستنيب متطهراً يباشر غسل هذا الموضع ، بل وأن يتيمّم مع ذلك أيضاً إن لم يكن في مواضع التيمّم (١).

______________________________________________________

(١) تعرّض قدس‌سره في هذه المسألة إلى جهات :

الجهة الاولى : أن من كان على بعض أعضائه نقش لفظ الجلالة أو غيره ممّا يحرم مسّه على المحدث وجب عليه محوه ، لأنّه وإن كان لا يصدق عليه المس الحرام ، لأنّ المماسة تستدعي تعدّد الماس والممسوس وتغايرهما ، ومع الاتحاد كما إذا كانت اللّفظة من عوارض الماس لم يصدق المس بوجه. إلاّ أن مناط حرمة المس وملاكها كالمعية والاقتران أو غيرهما متحقق معه فلا بدّ من محوها.

وفيه : أنّ المتّبع إنّما هو ظواهر الأدلّة (١) وهي إنّما تقتضي حرمة المس غير المتحقق في المقام ، ولا عبرة بالمناطات المستكشفة الظنيّة بوجه.

الجهة الثّانية : أنّ المحو إذا لم يكن ميسوراً للمكلّف أو قلنا بعدم وجوبه وأراد المكلّف أن يغتسل أو يتوضأ حرم عليه مسّها وإمرار اليد عليها حالهما ، بل يتعيّن عليه أن يُجري الماء عليها بالصب والارتماس أو لفّ خرقة بيده والمس بها وغير ذلك ممّا لا يتحقق به المس ، لأنّه محدث ، ولا يجب عليه مسّها.

الجهة الثّالثة : إذا لم يمكن الغسل أو الوضوء إلاّ بمسّها فقد قسمها قدس‌سره إلى صورتين :

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢١٤ / أبواب الجنابة ب ١٨.

٤٣٠

الاولى : ما إذا كانت اللّفظة على مواضع التيمّم بحيث لا مناص له من مسّها اغتسل أو توضأ أو تيمّم.

الثّانية : ما إذا كانت اللّفظة المنقوشة على غير مواضعه كما لو كانت فوق الزند بحيث لا يقع عليها المس لو تيمّم.

الصورة الأُولى :

ذكر الماتن قدس‌سره فيها أنّ الأمر لا ينتقل إلى التيمّم ، لأنّ الغرض منه أن لا يقع المس على اللّفظة ، فإذا فرضنا أنّه واقع عليها لا محالة فلا موجب للانتقال إليه بل ذكر أن حرمة المس ساقطة حينئذ فيتعيّن عليه أن يتوضأ أو يغتسل وإن استلزم ذلك المس.

وما أفاده قدس‌سره من عدم انتقال الأمر إلى التيمّم وإن كان صحيحاً ، لأنّ المقصد منه هو الفرار عن المس ومع كونه في المس مثل الوضوء فلا مسوغ له ، إلاّ أن ما أفاده من سقوط حرمة المس حينئذ وتعين الغسل أو الوضوء عليه ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، بل الصحيح وجوب الاستنابة حينئذ ، لأنّ المباشرة في الطهارات إنّما هي معتبرة في حال التمكّن منها لا مطلقاً ، وحرمة المس كافية في المانعية وسلب قدرة المكلّف عن المباشرة شرعاً.

نعم الأحوط حينئذ هو الجمع بين الاستنابة والغسل أو الوضوء بالمباشرة بعد التسبيب ، لأنّ المس فيهما متأخراً عن الطّهارة التسبيبية جائز قطعاً إمّا لأن وظيفته الاستنابة وقد حصلها فهو متطهر ، والمس بعدها يقع في حال الطّهارة دون الحدث وإمّا لأن وظيفته الغسل أو الوضوء بالمباشرة لسقوط حرمة المس حينئذ.

الصورة الثّانية :

وهي ما لو كان اسم الجلالة أو آيات الكتاب في غير مواضع التيمّم. فقد يحتمل فيها وجوب التيمّم ليكون متطهراً حتّى يغتسل أو يتوضأ بعد ذلك ، لعدم تمكّنه منهما من دون تيمّم ، لأنّهما يستلزمان المس المحرم فيتيمم لأجل الطّهارة حتّى يتمكّن به منهما.

٤٣١

وقد ذكروا نظيره في الجنب إذا كان اغتساله مستلزماً للمكث في المساجد أو الاجتياز من المسجدين فيما كان الماء في المسجدين أو المساجد ، حيث قالوا : إنّه يتيمّم لدخول المسجد أو المكث فيه فيكون متطهراً وبعد ذلك يدخل المسجدين أو يمكث في المساجد لكي يغتسل.

ويدفعه : ما ذكرناه هناك من عدم جواز التيمّم حينئذ لاستلزام جوازه الدور (١) وكذلك الأمر في المقام ، لأنّ التيمّم إنّما يكون مشروعاً فيما إذا كان المكلّف مأموراً بالغسل أو الوضوء ، مع المس بالمباشرة ليقال إنّه إذا لم يتمكّن من الماء يتيمّم بدلاً عن الطّهارة المائية ، فلو توقّف جواز الطّهارة المائية على مشروعية التيمّم لدار.

إذن لا يشرع له التيمّم حينئذ ولا سيما مع كونه واجداً للماء في نفسه وإن لم يكن واجداً له بالنسبة إليهما. فهذا الاحتمال ساقط.

ثمّ إنّ المسألة تدور بين احتمالات ثلاثة :

أحدها : أن تكون هذه المسألة ملحقة بتلك المسألة ، فنقول بأنّه يتيمّم للصلاة لفقدانه الماء وعدم تمكّنه من الطّهارة المائية لاستلزامها المس الحرام ، كما قلنا به في تلك المسألة.

ثانيها : أن يقال بوجوب الغسل والوضوء في حقّه وسقوط الحرمة عن المس كما ذهب إليه الماتن قدس‌سره.

ثالثها : أن تجب عليه الاستنابة فيغتسل أو يتوضأ من دون مباشرة.

ومقتضى الاحتياط في المسألة هو الجمع بين تلكم الوجوه ، بأن يتيمّم أوّلاً ثمّ يتوضأ أو يغتسل بالتسبيب ثمّ يغتسل أو يتوضأ بالمباشرة ، لأنّه يستلزم القطع بإباحة الصلاة في حقّه ، لأنّه إمّا مأمور بالطّهارة الترابية لعدم تمكّنه من الماء لاستلزامه المس الحرام وقد أتى بالتيمّم ، وإمّا هو مأمور بالطّهارة المائية مع سقوط قيد المباشرة أو بقيدها وقد أتى بهما.

__________________

(١) شرح العروة ٦ : ٣٤٢.

٤٣٢

وإذا كان ممّن وظيفته التيمّم وكان في بعض مواضعه وأراد الاحتياط جمع بين مسحه بنفسه والجبيرة والاستنابة ، لكن الأقوى كما عرفت كفاية مسحه وسقوط حرمة المس حينئذ.

تمّ كتاب الطّهارة‌

______________________________________________________

إلاّ أنّ الأقوى على ما ظهر ممّا قدّمناه تعين الاستنابة عليه ، لأنّ المباشرة إنّما هي معتبرة في حال التمكّن منها ، وكفى بحرمة المس أن تكون مانعة عن المباشرة ، إذ بها تكون المباشرة ممتنعة شرعاً ، والممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً ، فتسقط شرطية المباشرة فيجب عليه الاغتسال والتوضي بالاستنابة.

وهكذا الكلام في كل مورد دار الأمر فيه بين التيمّم والطّهارة المائية مع التسبيب.

والسر فيه : أنّ مقتضى ما دلّ على حرمة المسّ على المحدث (١) ثبوت الحرمة على نحو الإطلاق ، إذ لا مخصص لها في المقام كي نلتزم بعدم حرمة المس حينئذ ، ومع ثبوت الحرمة لا يتمكّن المكلّف من الطّهارة المائية بالمباشرة ، وبهذا يظهر عدم وصول النوبة إلى التيمّم لتمكّن المكلّف من الطّهارة المائية مع الاستنابة فيتعيّن عليه ذلك حينئذ ، ولا يبقى لاحتمال وجوب التيمّم في حقّه مجال ، كالمسألة المتقدمة فيما إذا كان الماء في المسجد وكان المكلّف جنباً ويستلزم اغتساله المكث في المسجد.

ولا يبقى لاحتمال سقوط الحرمة عن مسّ المحدث مجال كما ذهب إليه الماتن قدس‌سره ، هذا كلّه إذا كانت الاستنابة مقدورة له.

وإذا لم تمكنه الاستنابة أو كانت حرجاً عليه في مورد فلا شبهة في انتقال الأمر إلى التيمّم ، لأنّ حرمة المس ثابتة على وجه الإطلاق ، ولا مخصص لها في المقام ، ومعها تمتنع عليه الطّهارة المائية بالمباشرة أو الاستنابة فينتقل أمره إلى التيمّم لا محالة.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٨٣ / أبواب الوضوء ب ١٢ ، ٢ : ٢١٤ / أبواب الجنابة ب ١٨.

٤٣٣

هذا تمام الكلام في كتاب الطّهارة.

ولله الحمد أوّلاً وآخراً وصلّى الله على محمّد وعترته الطاهرين ، وقد آل الأمر بنا إلى هنا يوم الأربعاء ١٨ شعبان ١٣٨٤ في زاوية المدرسة الخليلية الكبرى في النجف الأشرف على مشرفها آلاف التحيّة والثناء.

٤٣٤

فهرس

الموضوعات الطهارة

٤٣٥
٤٣٦

فهرس الموضوعات

٤٣٧
٤٣٨

فهرس الموضوعات

الطهارة

فصل : في الأغسال المندوبة................................................... ١

الأغسال الزمانية............................................................. ١

استحباب غسل الجمعة...................................................... ١

الأخبار الواردة في غسل الجمعة.............................................. ٣

مبدأ وقت غسل الجمعة..................................................... ٩

منتهى وقت غسل الجمعة.................................................. ١٠

ثمرة النزاع في كون الغسل بعد زوال الجمعة أداء أو قضاء..................... ١٣

قضاء غسل الجمعة ليلة السبت............................................. ١٦

مشروعية قضائه يوم السبت وإن تعمد تركه يوم الجمعة....................... ١٩

تقديم غسل الجمعة يوم الجمعة.............................................. ٢٣

ما هو المسوغ لتقديم الغسل يوم الخميس؟.................................... ٢٤

إعادة الغسل يوم الجمعة لمن قدمه عليها...................................... ٢٥

٤٣٩

اشتراط إذن المولى في غسل العبد........................................... ٢٧

انكشاف التمكن من الغسل يوم الجمعة أثناء الغسل لمن قدمه.................. ٢٩

قضاء الغسل لمن نذر الإتيان به فتركه....................................... ٣٠

الاغتسال قبل يوم الخميس بتخيل الجمعة.................................... ٣١

الاغتسال يوم الجمعة بتخيل الجمعة......................................... ٣٢

الاغتسال يوم الجمعة بتخيل السبت ناويا القضاء............................. ٣٣

هل تجب إعادة الغسل إذا انتقض بعده...................................... ٣٤

مشروعية غسل الجمعة من الحائض والجنب ونحوهما........................... ٣٤

التيمم بدل الغسل لغير المتمكن منه.......................................... ٣٥

الأغسال ليالي شهر رمضان................................................ ٣٦

الغسل يومي العيدين...................................................... ٤١

غسل يوم الغدير.......................................................... ٤٦

غسل يوم المباهلة.......................................................... ٤٨

هل يستحب الغسل في أي وقت أريد؟...................................... ٥٠

الأغسال الزمانية لا تقضى إلا ااستثني....................................... ٥٢

فصل : في الأغسال المكانية.................................................... ٥٣

فصل : في الأغسال الفعلية..................................................... ٥٧

القسم الأول : ما يستحب لأجل فعل يراد الاتيان به.......................... ٥٧

غسل الإحرام............................................................ ٥٧

غسل الطواف............................................................ ٥٨

القسم الثاني : ما يستحب لأجل فعل أُتي به.................................. ٦١

غسل من فرط في صلاة الكسوفين مع احتراق القرص........................ ٦٣

٤٤٠