موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

بل يمكن الاستدلال في المقام بكل ما دلّ على أن فاقد الماء من المحدث بالجنابة أو بغيرها يتيمّم ، حيث إن إطلاقه يشمل المقام ، لما قررناه من أنّ الجنابة لا ترتفع إلاّ بالغسل وتبقى مع التيمّم لأنّه مطهر فقط ، والجنابة أمر انتزاعي كما تقدم ، وحيث إنّه محدث ولا يجد الماء وجب عليه أن يتيمّم.

ويضاف إلى ذلك الأخبار الدالّة على أنّ المتيمِّم باق على جنابته وأنّ التيمّم طهور وحسب ، وليس رافعاً للجنابة ، وإليك بعضها :

منها : صحيحة جميل بن دراج قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلِّي بهم؟ قال : لا ، ولكن يتيمّم الجنب ويصلِّي بهم ، فانّ الله جعل التراب طهوراً » (١).

ومنها : موثقة عبد الله بن بكير قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب ثمّ تيمّم فأمّنا ونحن طهور ، فقال : لا بأس به » (٢).

ومنها : موثقته الأُخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قلت له : رجل أمّ قوماً وهو جنب وقد تيمّم وهم على طهور ، فقال لا بأس » (٣).

ومنها : صحيحة ابن المغيرة (٤) الّتي هي مثلها ، لأنّها مروية بإسناد الشيخ إلى محمّد بن علي بن محبوب (٥) ، وله طريق صحيح إليه وإن كان له طريقان آخران إلى الرجل ، وهما ضعيفان بأبي المفضل وابن بطة وبأحمد بن محمّد بن يحيى.

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في أنّ الإمامة لا يشترط فيها الاغتسال ، بل لو تيمّم كفى في صحّة صلاته.

والوجه في دلالتها على المدّعى أنّها دلّت على أنّ الجنب بالفعل لا من كان جنباً‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٦ / أبواب التيمّم ب ٢٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٢٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٢٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ٣.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٢٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ٣.

(٥) التهذيب ١ : ٤٠٤ / ١٢٦٥.

٤٠١

سابقاً ، لأن ظاهر التوصيف هو التلبس الفعلي يتيمّم ويصلِّي جماعة ، فهو مع كونه جنباً متيمم ومتطهر حيث قال : « يتيمّم الجنب ويصلِّي بهم » أي يصلِّي الجنب بهم فدلّتنا على أنّ التيمّم غير رافع للجنابة وإنّما هو موجب للطهارة مع بقاء المكلّف على جنابته.

ثمّ لو أغمضنا عن تلكم الروايات ففي الكتاب والسنّة غنى وكفاية ، بالإضافة إلى ما تقدم من أنّ الجنابة عنوان يبقى مع التيمّم كما عرفت.

والمتحصل : أنّ المكلّف في مفروض المسألة يتيمّم وإن كان ضم الوضوء إليه أحوط هذا كلّه في حدث الجنابة.

وأمّا المحدث بسائر الأحداث كحدث الحيض والنفاس ومسّ الميت ونحوها إذا تيمّم بدلاً عن الغسل ثمّ أحدث بالأصغر فلا ينبغي الإشكال في وجوب الوضوء عليه ، للإطلاقات الدالّة على وجوب الطّهارة المائية عند الحدث ، وذلك لعدم الدليل على إغناء التيمّم البدل عن الغسل في غير الجنابة عن الوضوء وإن قلنا بالإغناء في الأغسال ، فلو لم يتمكّن من الماء للوضوء تيمّم بدلاً عن الوضوء.

وأمّا التيمّم الّذي أتى به بدلاً عن الغسل فهل يبطل بإحداثه بحدث أصغر ليجب عليه التيمّم ثانياً بدلاً عن الغسل ، أو أنّه لا يبطل؟

لا يأتي فيه ما ذكرناه في حدث الجنابة ، لأنّه ليس له عنوان ينطبق على المكلّف بعد تيمّمه إذا أحدث كعنوان ملامسة النِّساء أو الجنابة كما قدمناه ، وليس هو مورداً للتمسك بالإطلاقات كما في الجنابة.

إلاّ أن حكم التيمّم بدلاً عن سائر الأحداث حكم التيمّم بدلاً عن غسل الجنابة وذلك لأن موثقة سماعة الّتي رواها في الوسائل في الباب الأوّل من الجنابة (١) المشتملة على جميع أسباب الغسل تدلّنا على أنّ الغسل من تلك الأحداث كالحيض والنفاس ومسّ الميت والجنابة إنّما هو شرط لصحّة الصلوات الآتية ، فالأغسال واجبة وجوباً‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٣ / ح ٣.

٤٠٢

شرطياً لا نفسياً وهو ظاهر.

ومقتضى تلك الموثقة أنّ المحدث بحدث من تلك الأحداث ما دام لم يغتسل لم تقع صلواته الّتي بعد (١) الغسل صحيحة ، فلو كنّا نحن وهذه الموثقة لقلنا بسقوط الصلاة عن المحدث بحدث منها إذا لم يجد ماءً يغتسل به ، لعدم تمكّنه من شرط الصلاة الّذي هو الاغتسال قبلها ، ولكن الأدلّة الدالّة على بدلية التراب عن الماء تدلّنا على أنّ الفاقد للماء مأمور بالتيمّم بدلاً عن الغسل فنحكم بها بوجوب الصلاة عليه وصحّتها إذا وقعت بعد تيمّمه.

إلاّ أن تلك الأدلّة ليس لها إطلاق يشمل ما لو أحدث المكلّف بالأصغر بعد التيمّم وذلك للدليل الدال على أن بدلية التراب محدودة بعدم إحداثه وعدم إصابته الماء حيث قال : « ما لم يحدث أو يصب ماءً » فعلمنا من ذلك أنّ البدلية وما دلّ على جواز إيقاع الصلوات النهارية واللّيلية بتيمم واحد إنّما هما إذا لم يحدث المكلّف ولم يصب ماءً ، وأمّا بعد ما يحدث فأين أدلّة البدلية والإطلاقات حتّى نتمسّك بها بعد الحدث.

إذن لا بدّ إمّا أن يغتسل حتّى تصح منه الصلوات المتأخرة عنه أو يتيمّم بدلاً عنه إذا لم يجد ماءً ، فيجب عليه أن يتيمّم بدلاً عن الغسل ويتوضأ أو يتيمّم تيمماً آخر بدلاً عن الوضوء.

والّذي يدلّنا على ذلك مضافاً إلى ما تقدم صحيحة أبي همام عن الرضا عليه‌السلام قال : « يتيمّم لكل صلاة حتّى يوجد الماء » (٢) فان مقتضاها وجوب التيمّم على الفاقد لكل صلاة ، وقد خرجنا عنها فيما إذا لم يحدث بالحدث الأصغر بما دلّنا على جواز إيقاع صلوات اللّيل والنهار أو غيرهما بتيمم واحد ما لم يحدث أو يصب ماءً (٣) ، وتبقى صورة إحداثه بالأصغر مشمولة للصحيحة وهي تقتضي وجوب التيمّم للصلوات الآتية.

__________________

(١) والصحيح : قبل الغسل.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٧٩ / أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ٤.

(٣) راجع نفس الباب المتقدم.

٤٠٣

[١١٦٣] مسألة ٢٥ : حكم التداخل الّذي مرّ سابقاً في الأغسال يجري في التيمّم أيضاً فلو كان هناك أسباب عديدة للغسل يكفي تيمّم واحد عن الجميع وحينئذٍ فإن كان من جملتها الجنابة لم يحتج إلى الوضوء أو التيمّم بدلاً عنه ، وإلاّ وجب الوضوء (*) أو تيمّم آخر بدلاً عنه (١).

______________________________________________________

التداخل يجري في التيمّم أيضا‌

(١) إذا فرضنا أن على المكلّف أغسالاً متعددة ولم يتمكّن من الاغتسال فهل يجب عليه أن يتيمّم تيمماً واحداً بدلاً عن الجميع أو يجب عليه التيمّم متعدداً؟

قد يقال بالتداخل في التيمّم نظراً إلى أنّه بدل عن الغسل ، ومقتضى إطلاق أدلّة البدلية أن يكون التيمّم كالمبدل منه في جميع الأحكام والآثار الّتي منها التداخل ، كما أنّه لو كان اغتسل لم يجب عليه إلاّ غسل واحد كذلك لو أتى ببدله الّذي هو التيمّم.

وفيه : أن مقتضى الفهم العرفي من أدلّة البدلية هو أنّ التراب بدل عن الماء في الطّهارة وحسب وأنّه يقوم مقامه في جواز الصلاة به ، لأنّه المستفاد ممّا دلّ على أن ربّ الماء وربّ الصعيد واحد (١) وقوله عليه‌السلام : « ولا تدخل البئر ولا تفسد على القوم ماءهم ، لأن ربّ الماء هو ربّ التراب » (٢) إلى غير ذلك من المضامين ، فلا إطلاق في أدلّة البدلية كي تدل على قيام التيمّم مقام الماء في جميع آثاره وأحكامه.

والّذي يدلّنا على أنّ الأحكام المترتبة على المبدل منه لا تترتب بأجمعها على بدله أنّا استظهرنا من الروايات أنّ الغسل يغني عن الوضوء ، ولا نعهد فقيهاً التزم بذلك في التيمّم البدل عن غير غسل الجنابة من الأغسال كما إذا وجب عليه غسل المس ولم يجد ماءً فتيمّم ، فإنّه لم يقل أحد بعدم وجوب الوضوء عليه حينئذ.

__________________

(*) هذا فيما إذا كان محدثاً بالأصغر أو كان من جملة تلك الأسباب الاستحاضة المتوسطة.

(١) الوسائل ٣ : ٣٤٣ / أبواب التيمّم ب ٣ ، ذيل ب ١٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٤٤ / أبواب التيمّم ب ٣ ح ٢ ، والمذكور في الوسائل : فإن ربّ الماء هو ربّ الصعيد ، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم. والمضمون واحد.

٤٠٤

والّذي يمكن أن يقال هنا : إنّ الأغسال كما قدّمنا (١) حقائق وطبائع متعددة وإن كانت متحدة صورة ، وذلك لقوله عليه‌السلام : « إذا اجتمعت عليك حقوق » (٢).

ولا إشكال في عدم تعددها من حيث الغايات ، فالغسل لأجل الصلاة أو الطواف أو مس كتابة القرآن أو غيرها واحد لا تعدّد فيه ، إلاّ أنّه يتعدد من ناحية الأسباب فالغسل من الجنابة مغاير للغسل من الحيض ، وهما مغايران للغسل من مسّ الميت وهكذا.

فان كان بين الأغسال الواجبة على المكلّف غسل الجنابة فمقتضى إطلاق الآية المباركة وجوب تيمّم واحد عليه سواء كان عليه غسل آخر أم لم يكن وذلك لقوله تعالى ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (٣) على التقريب المتقدم في محلِّه (٤) ، لدلالته على أنّ الجنب يجب عليه التيمّم إن لم يجد ماءً ومقتضى إطلاقه عدم الفرق في ذلك بين أن يكون عليه غسل آخر أو لم يكن.

وإن لم يكن بينها غسل الجنابة فإن قلنا بأنّ المكلّف إذا وجب عليه أغسال متعددة وأتى بواحد منها ولو مع الغفلة عن غيره وعدم قصده وقع عن الكل وسقطت عن ذمّته لقوله عليه‌السلام : « إذا اجتمعت عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد » (٥) فلا مناص من الالتزام بالتداخل في بدله أيضاً.

وذلك لأن معنى ذلك أنّ الأغسال الواجبة عليه حينئذ لا تقع مطلوبة منه في الخارج سوى غسل واحد ، فالمتعدد غير مطلوب في الخارج وإنّما الواجب الّذي يقع مطلوباً في الخارج غسل واحد وهو مجزئ عن غيره.

ومن الواضح أنّ الغسل الواحد يكون بدله أيضاً واحداً فلا يجب عليه إلاّ تيمّم واحد ، فانّ التداخل في الأغسال على طبق القاعدة حينئذ ، أي لم يجب عليه من‌

__________________

(١) شرح العروة ٧ : ٦٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٦١ / أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ١.

(٣) النِّساء ٤ : ٤٣ ، المائدة ٥ : ٦.

(٤) في ص ٣٦٣.

(٥) الوسائل ٢ : ٢٦١ / أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ١.

٤٠٥

[١١٦٤] مسألة ٢٦ : إذا تيمّم بدلاً عن أغسال عديدة فتبين عدم بعضها صحّ بالنسبة إلى الباقي (١) وأمّا لو قصد معيناً فتبين أن الواقع غيره فصحّته مبنية على أن يكون من باب الاشتباه في التطبيق (*) لا التقييد (٢) كما مرّ نظائره مرارا.

______________________________________________________

الابتداء إلاّ غسل واحد فبدله أيضاً واحد ، لا أنّ المطلوب منه في الخارج هو التعدّد والدليل الخارجي دلّ على التداخل في الغسل ليدعى اختصاصه بالغسل فلا يأتي في بدله.

وأمّا لو قلنا بما ذهب إليه جماعة ومنهم الماتن قدس‌سره من أنّ التداخل والإجزاء إنّما هو في صورة قصد الجميع ، ومع عدم قصد الجميع لا يوجب الغسل الواحد الإجزاء عن غير المقصود بالنية فيقع غيره في الخارج على صفة المطلوبية وأنّه معنى قوله : « إذا اجتمعت عليك حقوقك أجزأك عنها غسل واحد » أي فيما إذا قصد الجميع ، فلا وجه للتداخل في التيمّم.

وذلك لأنّ المفروض أنّ المتعدِّد يقع في الخارج على صفة المطلوبية إذا لم يقصد الجميع ، إلاّ أنّ الدليل قام على جواز الاكتفاء بواحد منها عند قصد الجميع. فالتداخل على خلاف القاعدة ولا بدّ من الاقتصار فيه على مورد الدليل وهو الغسل ، وليس عندنا دليل على ترتب ذلك على بدله الّذي هو التيمّم.

والّذي يسهل الخطب أنا لم نلتزم بذلك في مبحث التداخل حيث قلنا : إنّ الإتيان بالغسل الواحد يجزئ عن الجميع وإن لم يقصد الجميع (١).

(١) لأنّه قصد المأمور به وأتى به في الخارج ، غاية الأمر أنّه ضمّ إليه غير المأمور به أيضاً ، وهو لا يضر بصحّة المأتي به.

إذا قصد معيناً فتبيّن أنّ الواقع غيره‌

(٢) بأن يأتي بالتيمّم المقيّد بكونه بدلاً عن الجنابة وانكشف أن ما على ذمّته غسل‌

__________________

(*) محل الكلام ليس من هذا القبيل فالظاهر فيه البطلان‌

(١) شرح العروة ٧ : ٥٣ ، ٤٣.

٤٠٦

[١١٦٥] مسألة ٢٧ : إذا اجتمع جنب وميت ومحدث بالأصغر (١)

______________________________________________________

المس لا الجنابة ، وذلك نظراً إلى أن ما أتى به وقصده غير الواقع وما هو الواقع غير مقصود ، هذا.

ولكن ظهر ممّا بيّناه في المقام وفي بحث تداخل الأغسال خروج المقام عن باب الخطأ في التطبيق (١) ، لأن مورده ما إذا أتى بذات المأمور به في الخارج واشتبه في خصوصياته وكيفياته ، وهذا كما إذا كانت الصلاة مستحبة في حقّه فأتى بها بقصد وجوبها أو بالعكس ، فإنّه اشتباه في التطبيق.

وأمّا إذا كان المأتي به مغايراً لما هو المأمور به فهو من باب الخطأ في أصل المأمور به واشتباهه بغير المأمور به لا أنّه خطأ في التطبيق ، وهذا كما لو كان مديوناً لواحد فأعطاه لغيره فإنّه لا يكون مجزئاً بوجه ، لعدم كونه إتياناً للمأمور به.

ومن ذلك الأداء والقضاء والنافلة والفريضة والظهر والعصر وغيرها ، فإذا دخل في الصلاة قاصداً بها الظهر ثمّ انكشف إتيانه بها قبل ذلك وأنّ الواجب عليه هو العصر ، أو أنّه أتى بركعتين ناوياً بها نافلة الفجر ثمّ ظهر إتيانه بها وأن اللاّزم هو إتيانه بفريضة الفجر فان صلاته لا تقع عصراً ولا فجراً في المثالين ، لأنّهما حقيقتان متباينتان ، لقوله عليه‌السلام : « إلاّ أن هذه قبل هذه » (٢) وكذلك الأمر في النافلة والفريضة والأداء والقضاء.

والأمر في المقام كذلك ، لأنّ الأغسال حقائق متباينة مختلفة ، والتيمّم بدلاً عن غسل الحيض لا يقع بدلاً عن غسل المس ، وليس هذا من باب الاشتباه في التطبيق ، بل من باب الخطأ والاشتباه في تخيل غير المأمور به مأموراً به ، وهذا ظاهر.

اجتماع الجنب والميت والمحدث بالأصغر‌

(١) قد يقال بتقديم الجنب وتيمّم المحدث بالحدث الأصغر والميت ، وقد يقال بالتخيير.

__________________

(١) لاحظ ص ٣١ ، ٣٠٣.

(٢) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ وغيره.

٤٠٧

وكان هناك ماء لا يكفي إلاّ لأحدهم فإن كان مملوكاً لأحدهم تعيّن صرفه لنفسه وكذا إن كان للغير وأذن لواحد منهم ، وأمّا إن كان مباحاً أو كان للغير وأذن للكل فيتعيّن للجنب (*) فيغتسل وييمم الميت ويتيمّم المحدث بالأصغر أيضا.

______________________________________________________

والكلام يقع في المقام تارة فيما تقتضيه القاعدة عند ملاحظة النسبة بين الجنب والميت ، وملاحظتها بين الميت والمحدث بالأصغر ، وملاحظتها بين الجنب والمحدث بالأصغر. وأُخرى فيما تقتضيه النصوص الواردة في المسألة.

المقام الأوّل : إذا دار الأمر بين الجنب والميت فلا يخلو الحال إمّا أن يكون الماء ملكاً للجنب أو الميت أو يكون مقدار منه للميت أو يكون مملوكاً لثالث ، وعلى التقدير الأخير إمّا أن يرخص المالك في التصرف به للجنب خاصّة أو للميت فقط أو يبيح التصرف فيه مطلقاً. وإمّا أن يكون الماء مباحاً من المباحات الأصلية الأوّلية.

أمّا إذا كان الماء مملوكاً للجنب فلا إشكال في تعين الغسل عليه ، لتمكّنه من الماء في الاغتسال. وقد قدّمنا في محلِّه أنّه لا يجب على المكلّفين بذل الماء وإنّما الواجب عليهم العمل وحسب (١) ، وحيث إنّه لا ماء لتغسيل الميت به وجب عليهم أن ييمموه.

وإذا كان الماء مملوكاً للميت وجب تغسيل الميت به ، ويجب على الجنب أن يتيمّم لعدم تمكّنه من الماء والاغتسال.

وإذا كان الماء مشتركاً بينهما فان تمكّن الجنب من شراء حصّة الميت من وليّه أو وصيّه أو قيّمه أو تُمكن من العكس وجب ، لتمكّنه من تحصيل الماء للغسل الواجب ووجب على الآخر أن يتيمّم أو ييمم. وإذا لم يُتمكّن من أحدهما فلا يجب الغسل على الجنب ولا تغسيل الميت ، لعدم التمكّن من الماء الوافي للاغتسال أو التغسيل فينتقل الأمر إلى التيمّم في كليهما.

وإذا كان الماء مملوكاً لثالث فلم يأذن بالتصرف فيه لأحدهما فلا كلام في وجوب‌

__________________

(*) فيه إشكال.

(١) شرح العروة ٩ : ١٣٩ ، ١٤٤ ، ٣ : ٢٧٧.

٤٠٨

التيمّم على الجنب والميت ، وإذا أذن للجنب خاصّة وجب عليه الاغتسال أو أذن للميت وجب تغسيله به ويتيمّم الجنب.

وإذا أذن للجنب أن يتصرّف فيه كيف شاء أو كان الماء مباحاً أوّلياً فيقع التزاحم حينئذ بين وجوب غسل الجنابة على المكلّف وبين وجوب تغسيل الميت ، لأنّه واجب عليه أيضاً وجوباً كفائياً ، وحيث لا مرجح لأحدهما على الآخر من الأهميّة أو احتمالها فمقتضى القاعدة أن يكون المكلّف مخيراً بين الأمرين.

وعين هذا البيان يأتي عند ملاحظة النسبة بين الميت والمحدث بالحدث الأصغر.

وأمّا إذا دار الأمر بين الجنب والمحدث بالحدث الأصغر فهو مثل سابقيه إلاّ أن المالك إذا أذن لهما في التصرف أو كان الماء مباحاً أوّلياً لم يقع بينهما تزاحم ، إذ لا معنى للتزاحم بين التكليفين المتوجهين إلى المكلّفين ، بل يجب التسابق حينئذ فمن سبق إلى أخذه فهو له ويتمكّن من الماء فيجب عليه الاغتسال أو الوضوء ، وأمّا إيثاره الآخر على نفسه فهو وإن كان يظهر القول به من المحقق الهمداني قدس‌سره (١) إلاّ أنّه أمر لا وجه له ، فإنّه بعد تمكّنه من الماء ووجوب الوضوء عليه لا مسوغ لإيثاره الآخر على نفسه وإن كان الآخر جنباً ومأموراً بالاغتسال ، فيتيمم لا محالة.

وإذا تساووا في الأخذ لم تجب الطّهارة المائية على الجنب ولا على المحدث بالحدث الأصغر ، لعدم تمكّنهما من الماء ، هذا ما تقتضيه القاعدة.

وأمّا المقام الثّاني : فقد استدلّ القائل بتقدم الجنب وتيمّم الميت والمحدث بالحدث الأصغر وجوباً أو استحباباً بصحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران : « أنّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب والثّاني ميت والثالث على غير وضوء ، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم من يأخذ الماء وكيف يصنعون؟ قال : يغتسل الجنب ويدفن الميت بتيمم ويتيمّم الّذي هو على غير وضوء ، لأن غسل الجنابة فريضة وغسل الميت سنّة والتيمّم للآخر جائز » (٢).

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٥٠٩ السطر ٢٩.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٧٥ / أبواب التيمّم ب ١٨ ح ١.

٤٠٩

وروى محمّد بن الحسن بإسناده إلى الصفار عن محمّد بن عيسى عن عبد الرحمن ابن أبي نجران عن رجل حدّثه قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام وذكر نحوه. غير أنّه قال : ويدفن الميت. ولم يشتمل على لفظة « بتيمم » (١). وقد ذكروا أن هذه الرواية صحيحة السند ونص في المدعى.

والكلام يقع في مقامين : في سند الرواية ، وفي دلالتها.

الأوّل : في سند الرواية.

وقد تلقى الأصحاب هذه الرواية بالصحّة ، وعبّر عنها كل من عثرنا على كلامه بالصحيحة. إلاّ أن للمناقشة فيها مجالاً واسعاً ، وذلك لأن الصدوق رواها بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي نجران (٢) ، وله طريقان صحيحان إليه :

أحدهما : عن محمّد بن الحسن عن الصفار عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي نجران (٣).

وثانيهما : عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمّد بن عيسى عنه (٤). وقد رواها عن ابن أبي نجران أنّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام.

ورواها الشيخ بإسناده عن الصفار الّذي وقع في طريق الصدوق ، ونقل الرواية المتقدِّمة عن الصفار مع الواسطة.

وللشيخ طريق صحيح إلى الصفار (٥) وهو رواها عن ابن أبي نجران أنّه قال : حدثني رجل قال : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام ... ».

وحيث إنّا لا نحتمل تعدد الرواية لاتحاد ألفاظهما بتمامها سوى اشتمال إحداهما على لفظة « بتيمم » بعد قوله : « ويدفن الميت » دون الأُخرى ، وهذا لا يستوجب الحكم بتعدّد الرواية.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠٩ / ٢٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٠١ / ٣٢٩.

(٢) الفقيه ١ : ٥٩ / ٢٢٢.

(٣) الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ١٧ ، ٩١.

(٤) الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ١٧ ، ٩١.

(٥) التهذيب ١٠ ( المشيخة ) : ٧٣.

٤١٠

كما أنّ الراوي فيهما هو الصفار عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي نجران بناءً على وجود السقط في نسخة الشيخ ، حيث رواها بإسناده عن الصفار عن محمّد بن عيسى لا عن أحمد بن محمّد بن عيسى.

ومن البعيد جدّاً أن يروي ابن أبي نجران هذه الرواية لأحمد ثمّ هو للصفار تارةً بقوله : « سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام » (١) وأُخرى بقوله : « حدّثني رجل أنّه سأل أبا الحسن الرضا عليه‌السلام » (٢) بل من المطمأن به أنّهما رواية واحدة نقلها ابن أبي نجران للراوي عنه بكيفية واحدة مرددة في أنّها مسندة أو مرسلة ، فبهذا تسقط الرواية عن الاعتبار لا محالة.

ويدلُّ على ذلك أنّ الشيخ والصدوق قدس‌سرهما صرحا أن ما يرويانه عن أرباب الكتب والمصنفات إنّما يرويانه عن كتبهم لا عن أصحابها بالمشافهة ، فيتعين بذلك اتحاد الرواية ، إذ لا نحتمل أن يروي الصفار في كتابه هذه الرواية مرّتين ، مسندة تارة ومرسلة اخرى ، بل الرواية واحدة رويت بكيفية واحدة لم تعلم أنّها هي المسندة أو المرسلة. إذن تسقط الرواية عن الاعتبار كما مرّ.

ويؤيد ما ذكرناه : أنّ المذكور في الاستبصار (٣) والتهذيب (٤) وكذا في الوافي (٥) إنّما هو أبو الحسن عليه‌السلام فقط ، وإنّما زيد عليه الرضا عليه‌السلام في الوسائل ولعلّه من جهة تعدد النسخ واختلافها ، وأبو الحسن إذا أُطلق فهو منصرف إلى موسى ابن جعفر عليه‌السلام وأي معنى لنقل رواية عنه مسندة ومرسلة.

على أن ابن أبي نجران من أجلاء الرواة وهو كثير الرواية جدّاً ، وقد عبّر عنه النجاشي بقوله : ثقة ثقة (٦). وأكثر هذه الروايات إنّما هو بطريق عاصم ، الراوي لكتاب محمّد بن قيس.

__________________

(١) الألفاظ مغايرة لما في المصدر ، لكنه ليس بمهم.

(٢) الألفاظ مغايرة لما في المصدر ، لكنه ليس بمهم.

(٣) الاستبصار ١ : ١٠١ / ٣٢٩.

(٤) التهذيب ١ : ١٠٩ / ٢٨٥.

(٥) الوافي ٦ : ٥٦٩ / أبواب التيمّم ، باب أحكام التيمّم ح ٣٢.

(٦) رجال النجاشي : ٢٣٥ / ٦٢٢.

٤١١

وقد ذكروا في ترجمته أنّه من أصحاب الرضا عليه‌السلام ، ولم يثبت دركه موسى ابن جعفر عليه‌السلام ، ولم نعثر على روايته عنه عليه‌السلام بعد الفحص والاستقراء ، نعم له رواية عن الجواد عليه‌السلام رواها في أُصول الكافي ١ : ٨٢ ، ٨٨ على اختلاف الطبعتين كما أنّ له رواية عن أبي الحسن عليه‌السلام في الجزء الأوّل (١) إلاّ أنّ المراد به الرضا عليه‌السلام لأنّه كان من أصحابه ، فعلى هذا تنحصر روايته عن موسى بن جعفر بهذه الرواية الواحدة مع كثرة روايته جدّاً.

وهذا يؤكّد الإرسال وأنّ الصحيح هو نسخة الشيخ وأنّ المراد بأبي الحسن هو موسى بن جعفر عليه‌السلام وقد رواها عنه بواسطة ، وسقطت تلك الواسطة في كلام الصدوق ، فيحمل كلامه قدس‌سره على هذا النحو لا محالة ، هذا.

ويدلُّ على اتحاد الرواية أنّه لا وجه لنقل الرواية مرسلة عن الإمام المتأخر مع كونه راوياً لها مسندة عن الإمام المتقدم عليه ، نعم لو كان الأمر منعكساً بأن كان الإرسال فيما يرويه عن الإمام السابق والإسناد عن الإمام المتأخّر لم يكن التعدّد ببعيد.

وكيف كان ، فمن المطمأن به كونها رواية واحدة نقلت بكيفية واحدة بل وعن إمام واحد ، ووقع الاشتباه في الإسناد إلى الرضا عليه‌السلام من جهة التعبير بأبي الحسن ، الظاهر في الكاظم عليه‌السلام عند الإطلاق ، وحيث إنّها مردّدة بين الإرسال والإسناد لا يمكننا الاستدلال بها بوجه.

على (٢) أن رواية الصدوق في نفسها ممّا لا يمكننا العمل على طبقها ، وذلك لأنّ الماء المفروض فيها لا يمكن أن يكون ملكاً للجنب ، وإلاّ فلا وجه للتوقف في تقديمه على الميت وغيره كما تقدّم ولا ينبغي السؤال عنه بوجه ، فلا بدّ من فرض الماء مشتركاً بينهم ، ومعه كيف ساغ للمحدث بالحدث الأصغر المتمكّن من الوضوء أن يعطي ماءه‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٤ / أبواب مقدّمة العبادات ب ١ ح ٢٨. ولروايته عن أبي الحسن عليه‌السلام موارد اخرى. راجع المعجم ١٠ : ٣٢٥.

(٢) لعلّ المناسب شروع المقام الثاني من هذه الفقرة.

٤١٢

للجنب ويتيمّم ، فهل يجوز ذلك في غير مورد الرواية حتّى يجوز فيه؟ لوضوح أنّه مأمور بالوضوء ولا يسوغ له التيمّم بوجه ، هذا.

على أن مفروض الرواية كاد أن يلحق بالمعميات ، لأن فرض اجتماع جنب وميت ومحدث بالأصغر في مورد واحد مع اشتراك الماء بينهم لا يزيد عن حاجة أحدهم أمر لا يكاد يتحقق في الخارج ، لأن غسل الميت مركب من أغسال ثلاثة ، فكيف يمكن فرض الماء وافياً بتلك الأغسال الثلاثة ولا يزيد عنها ولو بكف واحدة يكفي للوضوء فإنّه لا يحتاج إلى أزيد من غرفة واحدة من الماء؟ ففرضه على نحو الدقة بحيث لا يزيد على الأغسال بغرفة ليس له تحقق في الخارج ، بل هو من المعميات فدلالتها مخدوشة أيضاً.

هذا على أن غسالة الوضوء ممّا لا إشكال عندنا في طهارتها وجواز استعمالها في رفع الخبث والحدث ، ولا مانع من جمعها في إناءٍ ثمّ يغتسل الجنب بها أو يغسل الميت بها ، هذا كلّه.

على أنّها معارضة بصحيحة أُخرى عن أبي بصير يأتي التكلم عليها ، حيث دلّت على عكس ما اشتملت عليه الرواية المتقدمة ، لأنّها رجّحت الوضوء وأمرت الجنب بالتيمّم. فرواية ابن أبي نجران ممّا لا يسعنا الاعتماد عليها بوجه.

المقام الثّاني : في دلالة رواية ابن ابي نجران.

ولم يتضح لنا معنى قوله عليه‌السلام : « لأن غسل الجنابة فريضة وغسل الميت سنّة والتيمّم للآخر جائز » فإنّ المراد من جواز التيمّم للآخر إن كان هو المشروعية فهو كذلك في الجنب أيضاً ، لأنّه يتيمّم عند فقدانه الماء.

ثمّ إنّ الوضوء مثل الغسل في كونه فريضة ، لاستنادهما إلى نص الكتاب ، نعم غسل الميت سنّة. إذن فما المرجح لغسل الجنابة على الوضوء؟ وعليه لا يمكن حمل ذلك على التعليل ولا بدّ من حمله على التعبّد المحض.

٤١٣

ذكر جملة من الروايات :

ومن جملة الروايات : ما رواه أبو بصير قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم كانوا في سفر فأصاب بعضهم جنابة وليس معهم من الماء إلاّ ما يكفي الجنب لغسله ، يتوضؤون هم هو أفضل أو يعطون الجنب فيغتسل وهم لا يتوضؤون؟ فقال : يتوضؤون هم ويتيمّم الجنب » (١) وهي على عكس الرواية السابقة.

والظاهر أن سندها صحيح ، لأن وهيب بن حفص وإن كان مردّداً بين الثقة والضعيف إلاّ أنّ الظاهر كونه الثقة في سند الرواية ، لشهادة النجاشي على أنّ الراوي لكتاب وهيب بن حفص هو محمّد بن الحسين (٢) مثل ما في هذا السند.

هذا على أنّ الظاهر أن ( وهيب ) شخص واحد ، لا أنّه متعدد أحدهما موثق وثانيهما ضعيف ، وذلك لأن منشأ توهم التعدد أنّ النجاشي عنون وهيب بن حفص الجريري ووثقه وقال فيه : إن له كتباً ، وعدّ جملة منها وقال : يرويها عنه محمّد بن الحسين ، فقال النجاشي : أو النخاس ، ذكره سعد (٣) أي سعد بن عبد الله الأشعري فتوهّم من هذه العبارة أنّ النخاس غير الجريري ، وأنّ النجاشي قد وثق الجريري دون النخاس.

ولكن الصحيح أنّ الأمر ليس كما توهم ، بل مراد النجاشي من قوله : ذكره سعد أن توصيف وهيب بن حفص بالنخاس مذكور في كلام سعد لا أنّه شخص آخر ذكره سعد. فهو رجل واحد قد يذكر موصوفاً بالنخاس كما ورد في كلام سعد بن عبد الله وقد يذكر من دون توصيفه بالنخاس.

ويدلُّ على ذلك أنّ الشيخ ذكر في فهرسته وهيباً ووصفه بالنخاس (٤) ولم يذكر‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٧٥ / أبواب التيمّم ب ١٨ ح ٢.

(٢) لاحظ رجال النجاشي : ٤٣١ ، حيث لم ترد فيه هذه الشهادة ، نعم ذكر ذلك الشيخ في الفهرست : ١٧٣ / ٧٥٨.

(٣) رجال النجاشي : ٤٣١.

(٤) لاحظ الفهرست : ١٧٣ / ٧٥٨.

٤١٤

غيره. ووجه دلالته : أنّه من البعيد غايته بل لا معنى لتعرضه إلى غير الموثق مع ترك التعرّض للموثق الّذي هو صاحب الكتب والمؤلفات.

كما أنّ الشيخ لم يتعرّض في رجاله إلاّ إلى وهيب بن حفص الجريري (١) وذكر أنّ الراوي عنه سعد بن عبد الله ومحمّد بن الحسين ولم يتعرّض لغيره ، فلو كان هناك شخص ثانٍ مسمّى بهذا الاسم لذكره ، فان كتابه موضوع لذكر الرواة وعدّ الرجال ولا وجه لتركه.

ودعوى أنّ الشيخ لعله لم يقف على وهيب النخاس ولذا لم يتعرّض له في كتاب رجاله ، مدفوعة بأنّ الشيخ بنفسه روى في التهذيب رواية عن وهيب الموصوف بالنخاس (٢) فهو عالم به ، ولو كان شخصاً ثانياً غير وهيب المطلق لذكره.

فتحصّل : أنّ كلام الشيخ قدس‌سره في فهرسته وفي رجاله قرينتان على وحدة الرجل فقد يطلق الاسم وقد يقيّد بالنخاس.

ويؤيده أنّ المسمّى بهذا الاسم وهيب قليل غايته ولعلّه لا يتجاوز ثلاثة أشخاص ، فإذا قيّد الاسم بابن حفص تضيق وصار أقل ، ومع ملاحظة كونه في طبقة واحدة مع غيره المسمّى بهذا الاسم يبعد جدّاً كونه متعدداً ، فالظاهر أنّ الرجل واحد وهو موثق. فالرواية صحيحة وقد دلّت على ترجيح الوضوء وتيمّم المجنب.

ومن جملة الروايات : ما رواه الحسن التفليسي قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ميت وجنب اجتمعا ومعهما ماء يكفي أحدهما أيّهما يغتسل؟ قال : إذا اجتمعت سنّة وفريضة بُدئ بالفرض » (٣).

ومفروضها وإن كان أمراً متصوراً وقد يتحقق خارجاً ، لأن غسل الجنابة يحتاج‌

__________________

(١) لاحظ رجال الطوسي : ٣١٧.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٣ / ٧٤. والوارد فيه : وهب بن حفص النخاس ، لكن السيِّد المقرَّر له يرى في المعجم ٢٠ : ٢٢٧ / ١٣٢١٥ أنّ الصحيح هو وهيب.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٧٦ / أبواب التيمّم ب ١٨ ح ٣.

٤١٥

إلى ماء زائد ليس بمقدار ما يحتاجه الوضوء وقد لا يكون مجموع الماء وافياً لكل من غسل الجنابة وغسل الميت ، إلاّ أن ضعف سندها لا يبقي مجالاً للتكلم في دلالتها فان الحسن التفليسي لم يوثق إلاّ بناءً على اتحاده مع الحسن بن النضر الأرمني كما احتمل ويأتي الكلام عليه في الرواية الآتية إن شاء الله.

ومنها : ما رواه الحسين بن النضر الأرمني قال : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن القوم يكونون في السفر فيموت منهم ميت ومعهم جنب ومعهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهما ، أيّهما يبدأ به؟ قال : يغتسل الجنب ويدفن الميت ، لأنّ هذا فريضة وهذا سنّة » (١).

وهي ضعيفة سنداً أيضاً ، لأنّ الحسين بن النضر الأرمني لم يوثق ، نعم قد يحتمل أنّه الحسن بن النضر لا الحسين ، وأنّه هو الحسن التفليسي بقرينة اتحاد الروايتين مضموناً وكون تفليس مركز الأرامنة.

وفيه : أنّا لو سلمنا اتحادهما لا يمكن الاعتماد على الرواية أيضاً ، لعدم ثبوت وثاقة الحسن بن النضر الأرمني ، نعم ذكر الكشي أنّ الحسن بن النضر من دون توصيفه بالأرمني كان من أجلاء أصحابنا ومن أصحاب العسكري عليه‌السلام (٢) لكن لم يثبت كون مقصوده هو هذا الحسن الواقع في سند الرواية ، لأنّه من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، وإن أمكن بقاؤه حياً إلى زمن العسكري عليه‌السلام ، إلاّ أن ثبوت اتحادهما يتوقف على الدليل وهو مفقود.

ومنها : رواية محمّد بن علي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قلت له : الميت والجنب يتفقان في مكان لا يكون فيه الماء إلاّ بقدر ما يكتفي به أحدهما ، أيّهما أولى أن يجعل الماء له؟ قال : يتيمّم الجنب ويغسّل الميت بالماء » (٣).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٧٦ / أبواب التيمّم ب ١٨ ح ٤.

(٢) رجال الكشي : ٥٣٥ / ١٠١٩.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٧٦ / أبواب التيمّم ب ١٨ ح ٥.

٤١٦

[١١٦٦] مسألة ٢٨ : إذا نذر نافلة مطلقة أو موقتة في زمان معيّن ولم يتمكّن من الوضوء في ذلك الزمان تيمّم بدلاً عنه وصلّى وأمّا إذا نذر مطلقاً لا مقيداً بزمان معيّن فالظاهر وجوب الصبر (*) إلى زمان إمكان الوضوء (١).

______________________________________________________

وهي ضعيفة بالإرسال ، ومحمولة على صورة ما إذا كان لشخص ماء يريد بذله لمن يحتاج إليه فهل الأولى أن يبذله للجنب أو يبذله للميت ، وقد دلّت على رجحان بذله للميت.

والمتحصل : أنّ الأخبار ضعيفة ، ولا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة في المقام حسب بياننا له في المقام الأوّل (١).

العجز من الماء في نذر النافلة‌

(١) إذا نذر صلاة نافلة هل يجوز له الإتيان بها مع التيمّم أو لا؟

قد تكون النافلة موقتة كما لو نذر الإتيان بنافلة اللّيل في ليلة كذا ولم يتمكّن من الماء في تلك اللّيلة. ولا إشكال في هذه الصورة في جواز التيمّم لأجلها ، لأنّ التراب بدل الماء عند العجز عنه من دون فرق في ذلك بين الفريضة والنافلة.

وقد تكون النافلة غير موقتة أو موقتة بوقت وسيع كما لو نذر أن يصلِّي نافلة إلى شهر. وفي هذه الصورة قد يتيمّم لأجل الإتيان بالنافلة لعدم تمكّنه من الماء في الوقت الّذي يريد الإتيان بها لمرض ونحوه ، كما لو تيمّم بعد طلوع الشمس وقبل الزوال حيث لا غاية للتيمم حينئذ سوى الإتيان بالنافلة.

ولا إشكال في بطلان التيمّم وعدم جواز الإتيان بالنافلة بهذا التيمّم ، لأنّه وإن كان بدلاً عن الماء إلاّ أنّه بدل عند العجز عن الطّهارة المائية لا مطلقاً ، والمكلّف‌

__________________

(*) بمعنى أنّه لا يجوز التيمّم لتلك النافلة ، وأمّا إذا كان متيمماً في نفسه فلا يبعد جواز الإتيان بها وإن كان التأخير أحوط.

(١) المتقدم في ص ٤٠٨.

٤١٧

بالإضافة إلى ما تعلق به نذره وهو إتيان النافلة في ظرف شهر واحد متمكّن من الماء ، وهو إنّما لا يتمكّن من الماء في هذا اليوم أو في هذا الأُسبوع ، لا أنّه عاجز عنه إلى تمام الشهر ونهايته ، والوجوب قد تعلق بالطبيعي الجامع. وأمّا بالإضافة إلى الحصّة الخاصّة منه وهي الفرد الّذي يريد إتيانه فهو غير متمكّن من الماء ، إلاّ أنّه لم يتعلّق به الأمر ، إذ المأمور به هو الطبيعي دون الحصّة.

التيمّم لغاية هل يسوغ غيرها مع ارتفاع الفقدان فيه؟

وقد يكون المكلّف متيمماً لغاية مسوغة له كما لو عجز عن الطّهارة المائية لصلاة الفجر فتيمّم لأجلها ثمّ بعد ذلك أراد الإتيان بالنافلة فهل يحكم بصحّتها ، لأنّه كان متطهراً على الفرض وطهارته طهارة صحيحة فلا مانع من الإتيان بطهارته بكل ما هو مشروط بها ومنه النافلة المنذورة أو لا يجوز؟

قد يحتمل جواز الإتيان بالنافلة حينئذ ، لما عرفت من أنّ المكلّف متطهر.

إلاّ أنّ التحقيق عدمه ، وذلك لما أوضحناه في مسألة التيمّم لضيق الوقت (١) أن وجدان الماء وفقدانه أمران إضافيان نسبيان ، فقد يكون المكلّف فاقداً للماء بالنسبة إلى غاية كصلاة الفريضة الّتي ضاق وقتها وهو واجد له بالنسبة إلى غاية أُخرى كقراءة القرآن ودخول المسجد وغيرهما ، أو يكون واجداً بالنسبة إلى الوضوء وفاقداً بالنسبة إلى الغسل.

وعليه فالمكلّف في المقام وإن كان فاقداً للماء بالنسبة إلى صلاة الفجر لفرض عدم تمكّنه منه في وقتها إلاّ أنّه واجد للماء بالنسبة إلى النافلة لسعة وقتها مثلاً وارتفاع المانع عن الماء قبل انقضاء وقتها ، فلا يجوز معه الإتيان بالنافلة به ، لما تقدّم من عدم جواز البدار مع العلم بارتفاع العذر إلى آخر الوقت (٢). هذا كلّه لو علم بارتفاع عذره قبل انقضاء وقت النافلة.

__________________

(١) في ص ١٦٩.

(٢) تقدّم في ص ٣٢٤.

٤١٨

وأمّا لو شكّ في ارتفاعه في آخر الوقت أو عدم ارتفاعه أو اطمأن بعدم ارتفاعه فلا شبهة في جواز البدار والإتيان بالنافلة بذاك التيمّم الصحيح ، لأنّ الاطمئنان حجّة شرعية ، أو لاستصحاب البقاء وعدم ارتفاع العذر. وقد تقدم أنّ البدار مع اليأس عن ارتفاع العذر ممّا لا إشكال في جوازه (١).

إلاّ أنّه إنّما يجزئ فيما إذا لم يرتفع العذر إلى آخر الوقت ، وأمّا لو ارتفع بعد ذلك فلا بدّ من الإعادة ، لأنّ الأمر الظاهري كما في صورة الشك والاعتماد على الاستصحاب أو الأمر الخيالي كما في صورة الاطمئنان بعدم الارتفاع لا يجزئ عن الأمر الواقعي.

توضيح لما ذكرناه في هذه المسألة :

أنّا قدّمنا سابقاً أنّ المستفاد من الآية المباركة والأخبار أنّ مشروعية التيمم إنما هي في صورة فقد الماء ، فالمأمور بالتيمم إنّما هو الفاقد ، فلو كنّا نحن وهذه الأدلّة لمنعنا عن البدار وأوجبنا الصبر والانتظار إلى آخر الوقت ليظهر أنّه فاقد للماء حتى يتيمم أو هو واجد حتى يتوضأ.

وقد خرجنا عن ذلك بمقتضى الأخبار الواردة في جواز البدار (٢) حيث جوّزته على التفصيل المتقدِّم من دلالتها على الجواز مطلقاً أو في صورة اليأس عن الوجدان على الكلام بين الأصحاب (٣).

فلو تيمم في موارد مشروعية البدار ثم بعد ذلك وجد الماء لم تجب عليه الإعادة بمقتضى الأخبار الدالّة على عدم إعادة الصلاة المأتي بها مع التيمم الصحيح.

إلاّ أنّ تلك الأخبار بين ظاهر وصريح في الاختصاص بالصلوات اليومية ، وقد اشتمل بعضها على أنه إذا خاف فوت الوقت ... ، ومن المعلوم أنّ الوقت إنّما هو متحقِّق في الصلوات اليومية لا في غيرها. إذن لا دليل على جواز البدار وعدم وجوب الإعادة فيما لو أتى بالصلاة المنذورة بالتيمم بداراً لليأس عن الظّفر بالماء أو‌

__________________

(١) تقدّم في ص ٣٢٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمم ب ١٤.

(٣) تقدّم في ص ٣٢٤.

٤١٩

[١١٦٧] مسألة ٢٩ : لا يجوز الاستئجار لصلاة الميت ممّن وظيفته التيمّم مع وجود من يقدر على الوضوء بل لو استأجر من كان قادراً ثمّ عجز عنه يشكل جواز الإتيان بالعمل المستأجر عليه مع التيمّم ، فعليه التأخير إلى التمكّن مع سعة الوقت ، بل مع ضيقه أيضاً يشكل كفايته فلا يترك مراعاة الاحتياط (١).

______________________________________________________

لاستصحاب عدم ارتفاع العذر إلى آخر الوقت ، بل لا بدّ من الإعادة في الصورتين كما قدّمناه.

ولا مجال للتشبّث في جواز البدار في الصلاة المنذورة واليومية وغيرهما بالمطلقات الدالّة على أن ربّ الماء وربّ الصعيد واحد (١) ، وذلك لأنّها إنّما تدل على كفاية التيمّم المشروع في الدخول في الصلاة أو غيرها ممّا هو مشروط بالطّهارة ، لأن معناه أنّ الآمر بالطّهارة المائية هو الّذي أمر بالطّهارة الترابية ، وقد فرضنا أنّها إنّما تجوز للنافلة (٢) ولا تكون مشروعة لواجد الماء لتكون بدلاً عن الطّهارة المائية.

فلا إطلاق لها لتشمل الواجد أيضاً ، وإنّما هي تدلّنا على أنّ التيمّم كالوضوء في موردهما ، فكما أنّ الوضوء لازم على الواجد ولا يشرع في حقّ الفاقد ، كذلك التيمّم مشروع للفاقد ولا يشرع في حق الواجد بوجه ، ولا دلالة لها على البدلية في موارد عدم مشروعيته بوجه.

المأمور بالتيمّم هل يصح استئجاره لصلاة الميت؟

(١) هذه المسألة تبتني على أمرين :

أحدهما : ما قدّمناه في محلِّه (٣) من أن امتثال الأمر المتوجِّه إلى شخص غير معقول من الآخرين ، إذ لا يعقل أن يأتي المكلّف بالعمل الواجب على غيره بقصد الامتثال.

وذكرنا أنّ الأجير في العبادات إنّما يمتثل الأمر المتوجه إلى نفسه لا الأمر المتوجه‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٤٣ / أبواب التيمّم ب ٣ ، ٢٣ ، ذيل ب ١٤.

(٢) لعلّ المناسب : للفاقد.

(٣) لم نعثر في مظانه ، لاحظ محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٤٢.

٤٢٠