موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وإن كان الاحتياط بالإعادة في الفريضة آكد من النافلة (١).

[١١٥٣] مسألة ١٥ : لا يلحق بالصلاة غيرها إذا وجد الماء في أثنائها بل تبطل مطلقاً وإن كان قبل الجزء الأخير منها ، فلو وجد في أثناء الطواف ولو في الشوط الأخير بطل (*) (٢)

______________________________________________________

انتقاض التيمّم فيها بوجدان الماء بعد الركوع ، وأمّا النافلة فتبقى تحت المطلقات المتقدمة الدالّة على أن وجدان الماء ناقض للتيمم حيث لم يرد تخصيصها بالنافلة ، أو أنّ الحكم يعمّ النوافل؟.

الصحيح شمول الحكم للنوافل فلا فرق بينها وبين الفرائض ، وذلك لإطلاق الحسنة المتقدمة حيث سئل فيها عن الرجل يصلِّي بتيمم واحد صلاة اللّيل والنهار وأنّه لو أصاب الماء وقد دخل في الصلاة هل ينتقض تيمّمه أم لا ينتقض (١)؟ وهو كما ترى يشمل النافلة. ودعوى الانصراف إلى الفريضة لا شاهد عليها بوجه.

(١) وفي جملة من النسخ : وإن كان الاحتياط في النافلة آكد. والوجه فيه ظاهر لأنّ النافلة مضافاً إلى اشتراكها مع الفريضة في الخلاف وهو القول بعدم انتقاض التيمّم بوجدان الماء حتّى قبل الركوع ، وفي كونها مشمولة للروايتين الضعيفتين الدالّتين على أن وجدانه ناقض للتيمم حتّى بعد الركوع تختص بشبهة أُخرى هي شبهة اختصاص المخصص بالفرائض وبقاء النافلة تحت المطلقات الدالّة على انتقاض التيمّم بوجدان الماء.

بطلان غير الصلاة بالوجدان في الأثناء‌

(٢) ما ذكره قدس‌سره هو الّذي تقتضيه القاعدة ، لدلالة الأدلّة على أنّ التيمّم‌

__________________

(*) فيه إشكال ، والأحوط الإتيان بعد الطّهارة المائية بطواف كامل بقصد الأعم من الإتمام والتمام إذا كان وجدان الماء بعد تجاوز النصف وكان طوافه مع التيمّم مشروعاً في نفسه.

(١) تقدّم شطر منها في ص ٣٦٨ وذيلها في ص ٣٧١.

٣٨١

ينتقض بوجدان الماء الّذي مقتضاها أنّ المتيمِّم لو وجده قبل الفراغ من العمل المشروط بالطّهارة ولو بجزء بطل تيمّمه ووجب عليه استئنافه مع الوضوء أو الاغتسال ، وأدلّة عدم البطلان بوجدان الماء بعد الركوع خاصّة بالصلاة ولا تأتي في الطواف ونحوه.

إلاّ أن مقتضى الأدلّة الواردة في الطواف وأنّ الطائف لو أحدث في أثنائه يفصّل بين ما إذا صدر منه الحدث غير الاختياري قبل الشوط الرّابع استأنف طوافه من الابتداء ، وبين ما لو أحدث بعده فيحصّل الطّهارة ويشرع من حيث قطع (١) هو التفصيل في المقام أيضاً ، لدلالة الأدلّة على انتقاض التيمّم عند وجدان الماء وكونه محدثاً بعد وجدانه ، ومعه لو وجده قبل الشوط الرّابع استأنف طوافه ولو وجده بعده توضأ أو اغتسل واستأنف الأشواط من حيث قطعها.

ولعلّ الماتن قدس‌سره إنّما أفتى بما تقتضيه القاعدة ، وإلاّ فبالنظر إلى ما ذكرناه لا مناص من التفصيل.

ثمّ إن محل الكلام في الطائف المتيمِّم الّذي يجد الماء أثناء طوافه ما إذا كان متيمماً بتيمم صحيح كما لو تيمّم بدلاً عن الغسل أو الوضوء ، أي لغير الطواف من الغايات كالصلاة إذا تيمّم لأجلها وصلّى لعدم وجدانه الماء في وقت الصلاة ثمّ بعد انقضاء وقتها أراد أن يطوف فوجد الماء أثناء طوافه ، لما مرّ من أنّ المتيمِّم لغاية يباح له الدخول في جميع الغايات المترتبة عليه إلاّ بالتيمّم لضيق الوقت ، لأنّه حينئذ فاقد للماء بالإضافة إلى الصلاة وحسب ، وهو واجد للماء حال التيمّم بالإضافة إلى غير الصلاة فلا يسوغ له الدخول في غيرها من الغايات.

وهذه الصورة هي الّتي قلنا إنّه لا يبعد التفصيل فيها بين ما إذا وجد الماء بعد التجاوز عن نصفه المتحقق بإتمام الشوط الرابع ومن هنا عبّروا بإتمام الشوط الرابع وبالتجاوز عن نصفه فيجب عليه أن يتوضأ أو يغتسل ويتم طوافه من حيث قطع‌

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٧٨ / أبواب الطواف ب ٤٠.

٣٨٢

وبين ما إذا وجده قبل إتمام النصف والشوط الرّابع فيجب عليه استئناف أشواطه والإتيان بها مع الطّهارة المائية.

وأمّا إذا لم يكن متيمِّماً بتيمّم صحيح كما لو تيمّم للطواف ثمّ وجد الماء في أثنائه فلا إشكال في وجوب الاستئناف عليه من الابتداء مطلقاً سواء وجده قبل النصف أم بعده ، وذلك لأنّ الطواف موسع بل غير مؤقت بوقت ، فالتيمّم لأجله إنّما يسوغ فيما لو لم يجد الماء مطلقاً ، وأمّا لو انكشف عدم كونه فاقداً للماء بل كان متمكّناً منه واقعاً فينكشف بذلك أنّ التيمّم لم يكن مشروعاً في حقّه ولم يكن طوافه بصحيح.

ثمّ إنّ الدليل على ذلك عدّة من الروايات وإن ذكر صاحب الوسائل في هذا الباب (١) رواية واحدة مرسلة إلاّ أنّه أرشد إلى غيرها بما تقدّم ويأتي ، ومن جملتها ما ورد في المرأة إذا فاجأها الحيض أثناء طوافها ففصل بين إتمام الشوط الرّابع والتجاوز عن نصفه فحكم عليها بأن تغتسل بعد طهرها وتبدأ من حيث قطع ، وأمّا إذا كان قبل النصف بطلت أشواطها فتستأنف الطواف من الابتداء بعد غسلها من الحيض (٢) وحيث إن روايته صحيحة وواردة في الحيض والحكم فيها على خلاف مقتضى القاعدة خصوا ذلك بالحدث غير الاختياري ، وقلنا في محلِّه : أنّه الأحوط (٣). وقد عبّر في الرواية بقوله : حاضت أو اغتسلت (٤) أو طمثت ونحوها ممّا يرجع إلى مفاجاة الحيض غير الاختيارية.

وحيث إن وجدان الماء أيضاً ناقض للتيمم فلا يبعد إلحاقه بالأحداث غير الاختيارية ، لأنّ الصحيحة وإن وردت في الحيض إلاّ أنّه إذا جاز إتمام الأشواط فيه مع أنّ الفصل في الحيض طويل فان أقلّه ثلاثة أيّام وقد يطول إلى عشرة أيّام جاز ذلك في غيره من الأحداث بطريق أولى.

__________________

(١) أي باب ٤٠ من أبواب الطواف من الجزء ١٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٥٣ / أبواب الطواف ب ٨٥.

(٣) شرح العروة ٢٩ : ٩ ، ١٠ الصورة الثانية ، الثالثة.

(٤) الصحيح : اعتلت.

٣٨٣

وكذا لو وجد في أثناء صلاة الميّت بمقدار غسله بعد أن يُمّم لفقد الماء فيجب الغسل وإعادة الصلاة (١) بل وكذا لو وجد قبل تمام الدفن.

[١١٥٤] مسألة ١٦ : إذا كان واجداً للماء وتيمّم لعذر آخر من استعماله فزال عذره في أثناء الصلاة هل يلحق بوجدان الماء في التفصيل المذكور؟ إشكال (*) فلا يترك الاحتياط بالإتمام والإعادة إذا كان بعد الركوع من الركعة الأُولى (٢).

______________________________________________________

وجدان الماء في أثناء صلاة الميّت الميمّم‌

(١) ما أفاده قدس‌سره وإن كان صحيحاً لما قدّمناه من أنّ الأمر بتيمم الميت إنّما هو في فرض عدم وجدان الماء إلى آخر وقت يمكن الانتظار إليه ، فلو وجد الماء بعد ما يمّم الميت وقبل أن يدفن كشف ذلك عن عدم مشروعية تيمّمه ، لأنّه كان مبنياً على تخيّل عدم الماء ، ولا أثر للتخيل فلا بدّ من أن يغسّل ويصلّى عليه.

إلاّ أنّه أجنبي عمّا نحن فيه بالكلية ، لأنّ الكلام في أنّ المصلّي المتيمِّم هل تنتقض صلاته ويجب إعادتها إذا وجد الماء بعد الدخول فيها أو لا؟ والمصلّي في المقام لم يكن متيمماً ، إذ لا يشترط الطهور في الصلاة على الميت وإنّما ييمّم الميت بدلاً عن تغسيله ووجوب تغسيله عند وجدان الماء عقيب التيمّم أجنبي عمّا نحن بصدده.

ويمكن أن يقال : إنّ الكلام في انتقاض التيمّم عند وجدان الماء في المصلِّي بعد الدخول في الصلاة ، وفي الميت قبل أن يدفن وعدم الانتقاض ، وحيث إن أدلّة عدم الانتقاض مختصّة بالصلاة فلا يمكن الحكم بعدمه في الميت.

زوال العذر غير الفقدان في أثناء الصلاة

(٢) إذا زال العذر غير فقدان الماء قبل الركوع فلا إشكال في وجوب الإعادة من الابتداء وهو ظاهر.

__________________

(*) الظاهر عدم الإلحاق بوجدان الماء.

٣٨٤

نعم لو كان زوال العذر في أثناء الصلاة في ضيق الوقت أتمها (١)

______________________________________________________

وأمّا إذا كان بعد الركوع فقد استشكل قدس‌سره في إلحاق ارتفاع بقيّة الأعذار المسوغة للتيمم بوجدان الماء ، ولعله من جهة أنّ الحكم بعدم البطلان إذا وجد الماء بعد الركوع حكم على خلاف القاعدة ، فإنّها تقتضي البطلان مطلقاً ، وإنّما خرجنا عنها في خصوص وجدان الماء بعد الركوع بالنصوص ويبقى ارتفاع بقية الأعذار مشمولاً للقاعدة.

ولكن الصحيح هو الإلحاق وذلك :

أمّا أوّلاً : لما قدّمناه من أنّ المراد من وجدان الماء وفقدانه هو التمكّن من استعماله الأعم من التمكّن العقلي والشرعي وعدمه. ومن هنا قلنا إنّ المراد بإصابة الماء في الأخبار هو التمكّن من استعماله في مقابل عدم الوجدان في الآية المباركة الّذي هو بمعنى عدم التمكّن من استعمال الماء.

وأمّا ثانياً : وهو العمدة ، فلأجل التعليل الوارد في الصحيحة المتقدمة لزرارة وهو قوله عليه‌السلام : « لمكان أنّه دخلها وهو على طهر بتيمم » (١).

وقد قدمنا أنّه حكم كبروي ، ومقتضى كليته أن كل من دخل في صلاته متطهراً بتيمم يمضي في صلاته ولا أثر لارتفاع العذر في أثنائها ، نعم خرجنا عن إطلاقه فيما إذا ارتفع العذر قبل الركوع بالأخبار المتقدمة ، وأمّا بعده فمقتضى التعليل عدم الفرق بين وجدان الماء وارتفاع غيره من الأعذار.

زوال العذر في الأثناء في ضيق الوقت‌

(١) إذ لا أثر لارتفاع العذر في وقت لا يسع الوضوء أو الاغتسال مع الصلاة ، فإنّه في الحقيقة معذور عن الطّهارة المائية ووظيفته التيمّم وهو متيمم على الفرض.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٢ / أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٤. وقد تقدّمت في ص ٣٧٨.

٣٨٥

وكذا لو لم يف زمان زوال العذر للوضوء بأن تجدد العذر بلا فصل فإنّ الظاهر عدم بطلانه (١) وإن كان الأحوط الإعادة.

[١١٥٥] مسألة ١٧ : إذا وجد الماء في أثناء الصلاة بعد الركوع ثمّ فقد في أثنائها أيضاً أو بعد الفراغ منها بلا فصل هل يكفي ذلك التيمّم لصلاة أُخرى أو لا؟ فيه تفصيل : فإمّا أن يكون زمان الوجدان وافياً للوضوء أو الغسل على تقدير عدم كونه في الصلاة أو لا ، فعلى الثّاني الظاهر عدم بطلان ذلك التيمّم بالنسبة إلى الصلاة الأُخرى أيضاً (٢) ، وأمّا على الأوّل فالأحوط عدم الاكتفاء به بل تجديده لها (٣) لأنّ القدر المعلوم من عدم بطلان التيمّم إذا كان الوجدان بعد الركوع إنّما هو بالنسبة إلى الصلاة الّتي هو مشغول بها لا مطلقا.

______________________________________________________

إذا لم يف زمان زوال العذر للوضوء‌

(١) كما إذا ارتفع العذر دقيقة واحدة ثمّ عاد ، وذلك لعين ما استدللنا به في سابقه فإنّه غير متمكّن من الطّهارة المائية على الفرض ووظيفته التيمّم وهو متيمم على الفرض.

وجدان الماء في الأثناء ثمّ فقده في الأثناء‌

(٢) والوجه فيه واضح ، فان مفروض الكلام عدم تمكّن المكلّف من الطّهارة المائية لعدم سعة زمان الوجدان للغسل أو الوضوء ، وهو في الحقيقة لم يجد ماءً أو لم يرتفع عذره.

وقد قدّمنا أنّ المراد من وجدان الماء وإصابته هو التمكّن من استعماله ، وهو غير متمكّن منه على الفرض فوظيفته حينئذ هي التيمّم لا الطّهارة المائية ، وبما أنّه متيمم ويسوغ له إتمام الصلاة الّتي بيده كذلك يسوغ له الدخول في غيرها من الصلوات بذاك التيمّم.

(٣) علّله بأن مقتضى القاعدة وجوب الطّهارة المائية عليه ، لأنّه واجد للماء ومتمكّن من استعماله فتشمله إطلاقات أدلّة وجوب الغسل أو الوضوء ، وإنّما ثبت‌

٣٨٦

بالدليل الخارجي جواز إتمام ما بيده من الصلاة والمضي فيها بتلك الطّهارة الترابية الّتي حصّلها قبل الصلاة ، وأمّا أنّه يجوز أن يشرع في غيرها من الصلوات فلم يقم عليه دليل ، ومن هنا يجب عليه تجديد الطّهارة المائية لغيرها من الصلوات.

وما أفاده قدس‌سره هو الصحيح فيما إذا كانت الصلاة نافلة يجوز قطعها أو كانت فريضة وقلنا بجواز قطعها ، وذلك لأن المكلّف واجد للماء حينئذ ومتمكّن من الطّهارة المائية ، غاية الأمر أنّه ثبت بمقتضى الحسنة المتقدِّمة أو غيرها جواز المضي فيما بيده من الصلاة وعدم بطلانها بوجدان الماء بعد الركوع (١) وأمّا بالإضافة إلى غيرها فقد انتقض تيمّمه بمقتضى ما دلّ على أن وجدان الماء ناقض له ، فلا يجوز له الدخول في غيرها من الصلوات.

نعم إذا قلنا بحرمة قطع الفريضة ووجد الماء في أثنائها ثمّ فقده أو وجده (٢) أو بعدها في زمان قليل لا يسع الطّهارة المائية فلا إشكال في بقاء تيمّمه ، لعدم تمكّنه من الماء شرعاً لحرمة قطع الفريضة على الفرض ، فله الدخول في غيرها من الصلوات.

ولا يفرق الحال فيما ذكرناه من انتقاض التيمّم بوجدان الماء في أثناء الصلاة بالإضافة إلى بقية الصلوات فيما إذا جاز قطعها بين أن يكون التيمّم مبيحاً للدخول في الصلاة وبين أن يكون رافعاً ، وعلى الثاني لا فرق بين كون التيمّم طهارة حقيقية في ظرف الفقدان وبين كونه رافعاً للحدث فقط مع بقاء الجنابة أو غيرها بحالها.

وذلك لأنّ الطّهارة ليست من الأُمور الحقيقية والواقعية الّتي لا يختلف حالها بالإضافة إلى الأشخاص والحالات ، وإنّما هي أمر شرعي اعتباري يمكن أن تكون معتبرة بالإضافة إلى ما بيد المكلّف من الصلاة وأن لا تكون معتبرة بالإضافة إلى غيره ، لأنّها تدور مدار الاعتبار. وقد تقدّم في بعض الروايات أنّه إذا وجد الماء ثمّ فقده وجب تحصيل الطّهارة بالإضافة إلى الصلوات الآتية (٣).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨١ / أبواب التيمّم ب ٢١ ح ١ ، وغيره من الأحاديث.

(٢) لعلّ المناسب : ثمّ فقده في أثنائها أو بعدها في زمان ...

(٣) الوسائل ٣ : ٣٧٧ / أبواب التيمّم ب ١٩ ح ١ وغيره ، وقد تقدّم في ص ٣٦٨.

٣٨٧

[١١٥٦] مسألة ١٨ : في جواز مس كتابة القرآن وقراءة العزائم حال الاشتغال بالصلاة الّتي وجد الماء فيها بعد الركوع إشكال (١) لما مرّ من أنّ القدر المتيقن من بقاء التيمّم وصحّته إنّما هو بالنسبة إلى تلك الصلاة ، نعم لو قلنا بصحّته إلى تمام الصلاة مطلقاً كما قاله بعضهم جاز المسّ وقراءة العزائم ما دام في تلك الصلاة وممّا ذكرنا ظهر الإشكال في جواز العدول من تلك الصلاة إلى الفائتة الّتي هي مترتبة عليها (٢) لاحتمال عدم بقاء التيمّم بالنسبة إليها.

______________________________________________________

كما تقدّم أنّ التيمّم لضيق الوقت إنّما تجوز به الصلاة الّتي ضاق وقتها وحسب لا غيرها من الغايات ، لأنّه فاقد الماء بالنسبة إليها وواجد له بالإضافة إلى باقي الغايات كما مرّ (١).

ترتيب آثار الطّهارة حال الصلاة في محل الكلام‌

(١) ظهر الحال في بقية الغايات المترتبة على التيمّم من بياناته في الفرع المتقدم وذلك لأنّ المكلّف إذا وجد الماء في أثناء النافلة أو الفريضة بناءً على جواز قطعها فقد انتقض تيمّمه لكونه متمكّناً من الماء ، فليس له الدخول في صلاة أُخرى ولا في غيرها من الغايات المشروطة بالطّهارة لعدم كونه واجداً للطهارة ، وإنّما يجوز له المضي فيما بيده من الصلاة وحسب.

وأمّا إذا وجده في أثناء الفريضة وقلنا بحرمة قطعها فتيممه باقٍ بحاله ، لعدم طروء التمكّن من الماء على الفرض فيجوز له الدخول في صلاة أُخرى أو غيرها من غاياته.

جواز العدول عن تلك الصلاة إلى الفائتة‌

(٢) نظراً إلى أن ما ثبت بالحسنة (٢) أو غيرها إنّما هو جواز المضي فيما بيده من‌

__________________

(١) في ص ١٦٩.

(٢) تقدمت في المسألة المتقدمة.

٣٨٨

[١١٥٧] مسألة ١٩ : إذا كان وجدان الماء في أثناء الصلاة بعد الحكم الشرعي بالركوع كما لو كان في السجود وشكّ في أنّه ركع أم لا ، حيث إنّه محكوم بأنّه ركع فهل هو كالوجدان بعد الركوع الوجداني أم لا؟ إشكال (*) فالاحتياط بالإتمام والإعادة لا يترك (١).

______________________________________________________

الصلاة ، وأمّا جواز العدول منها إلى غيرها فلم يثبت بدليل ، ومعه يحتمل انتقاض التيمّم بالنسبة إلى المعدول إليها فيشمله ما دلّ على انتقاض التيمّم بالوجدان واعتبار الطّهارة المائية في الصلاة ، هذا.

والصحيح أنّه لا إشكال في جواز العدول ، وذلك لأنّه مترتب على الصلاة الصحيحة ، وقد ثبت بمقتضى الحسنة المتقدمة صحّة الصلاة الّتي بيده ، وقد رتّب الشارع على صحّتها جواز العدول منها إلى غيرها.

فلو دخل في العصر سهواً ووجد الماء بعد الركوع ثمّ فقده فيجوز له العدول إلى الظهر ، لكونها صلاة صحيحة بيده فيجوز العدول منها إلى غيرها ممّا هو سابق على العصر في الترتيب. وكذلك الحال فيما لو أراد العدول إلى فائتة من صلاتها بأن يعدل من الظهر إلى الفجر ، لعين الدليل الّذي عرفت.

نعم بناءً على ما يأتي من أنّ القضاء لا يجوز أن يؤتى به مع التيمّم فيما لو كان هناك رجاء التمكّن من الماء لا يجوز له العدول إلى الفائتة. إلاّ أنّه لأجل عدم جواز الإتيان به مع رجاء التمكّن من الماء حتّى فيما إذا لم يجد الماء فعلاً ، وليس لأجل ما ذكره الماتن قدس‌سره فان مفروض الكلام ما إذا جوزنا الإتيان بالفائتة مع التيمّم.

وجدان الماء بعد الركوع التعبّدي‌

(١) لا إشكال في المسألة فيما إذا قامت أمارة شرعية على الإتيان بالركوع ، لأنّها‌

__________________

(*) أظهره أنّه بحكم الركوع الوجداني.

٣٨٩

[١١٥٨] مسألة ٢٠ : الحكم بالصحّة في صورة الوجدان بعد الركوع ليس منوطاً بحرمة قطع الصلاة فمع جواز القطع أيضاً كذلك ما لم يقطع (١) ، بل يمكن أن يقال في صورة وجوب القطع أيضاً إذا عصى ولم يقطع الصحّة باقية (*) بناءً على الأقوى من عدم بطلان الصلاة مع وجوب القطع إذا تركه وأتمّ الصلاة (٢).

______________________________________________________

تحكي عن الواقع. وهل الأمر كذلك فيما لو أثبتناه بقاعدة التجاوز أم لا؟

الصحيح أنّ الأمر كذلك ، لما بيّناه في محلِّه (١) من أنّ القاعدة ناظرة إلى الواقع في ظرف الشك ، لقوله عليه‌السلام : « بلى قد ركع » (٢) وليس البناء على تحقق الركوع مجرّد وظيفة فعلية.

وجه الحكم بالصحّة عند الوجدان‌

(١) لما مرّ من أنّه مستند إلى النص ، ومن هنا قلنا بجريانه في النوافل مع جواز قطعها. فحرمة القطع وعدمها أجنبيان عمّا نحن بصدده.

(٢) ما أفاده قدس‌سره في غاية الإشكال ، لأنّا وإن كنّا نلتزم بالترتب وأنّه إذا أمر المولى بالأهم وعصاه المكلّف وكان للمهم إطلاق وجب عليه المهم ولا وجه لسقوطه بالمرّة وإنّما يسقط إطلاقه وحسب ، والأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن ضدّه. إلاّ أن ذلك فيما إذا كان للمهم إطلاق يشمل صورة عصيان الأمر بالأهم ، وليس الأمر كذلك في المقام ، لأنّ الأمر بالمضي فيما بيده من الصلاة وإن لم يكن أمراً وجوبياً إلاّ أنّه ظاهر فيما إذا كانت وظيفته الفعلية هي المضي وكان أمراً جائزاً.

وأين هذا ممّا إذا كان القطع واجباً عليه كما هو المفروض ، فان وظيفته الفعلية حينئذ هي القطع لا المضي ، وبهذا تكون الحسنة منصرفة عمّا إذا وجب القطع على‌

__________________

(*) الظاهر أنّها لا تبقى ومنشأه انصراف النص.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٦٣ ٢٦٧.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٧ / أبواب الركوع ب ١٣ ح ٣. وفيه : بلى قد ركعت ...

٣٩٠

[١١٥٩] مسألة ٢١ : المجنب المتيمِّم بدل الغسل إذا وجد ماءً بقدر كفاية الوضوء فقط لا يبطل تيمّمه (١) وأمّا الحائض ونحوها ممّن تيمّم تيمّمين (٢) إذا وجد بقدر الوضوء بطل تيمّمه الّذي هو بدل عنه ، وإذا وجد ما يكفي للغسل ولم يمكن صرفه في الوضوء بطل تيمّمه الّذي هو بدل عن الغسل وبقي تيمّمه الّذي هو بدل عن الوضوء ، من حيث إنّه حينئذ يتعيّن صرف ذلك الماء في الغسل فليس مأمور بالوضوء.

______________________________________________________

المكلّف في مورد ، ومع عدم كون المهم مطلقاً وشاملاً لصورة العصيان للأهم لا يبقى مجال للترتب.

المجنب المتيمِّم إذا وجد ماء بقدر الوضوء‌

(١) لأنّه إنّما يتيمّم تيمماً واحداً بدلاً عن الغسل والوضوء ، إذ لا يجب الوضوء مع غسل الجنابة ، فلا يبطل تيمّمه هذا إلاّ إذا وجد ماء يكفي لغسله. فوجدانه ما يكفي الوضوء دون الغسل لا يضر بتيمّمه البدل عن غسل الجنابة المغني عن الوضوء ، بل يبقى تيمّمه بحاله لعدم تمكّنه معه من الغسل فلا ينتقض بمثله.

المتيمِّم تيمّمين إذا وجد ما يكفي للغسل فقط‌

(٢) والجامع غير غسل الجنابة من الأغسال الرافعة للأحداث الكبيرة كغسل مسّ الميت والحيض ونحوهما.

وتفصيل الكلام في هذه الأغسال : أنّ المكلّف المأمور بشي‌ء من تلكم الأغسال إذا تيمّم بدلاً عن الغسل فان قلنا بأنّه كغسل الجنابة يغني عن الوضوء فلا يجب عليه إلاّ تيمّم واحد بدلاً عن الغسل والوضوء ، فلو وجد ماء يكفي لوضوئه دون غسله لم ينتقض تيمّمه ، لعدم تمكّنه من الغسل فتيمّمه بدلاً عنه باقٍ بحاله ، والمفروض إغناؤه عن الوضوء.

٣٩١

وإذا وجد ما يكفي لأحدهما وأمكن صرفه في كل منهما بطل كلا التيممين (١) ويحتمل عدم بطلان ما هو بدل (*) عن الوضوء من حيث إنّه حينئذ يتعيّن صرف ذلك الماء في الغسل فليس مأموراً بالوضوء ، لكن الأقوى بطلانهما.

______________________________________________________

وهذا في غير غسل الاستحاضة المتوسطة الّذي هو لا يغني عن الوضوء من دون كلام كما تقدم غير مرّة.

وأمّا إذا قلنا بعدم إغنائه عن الوضوء فيجب عليه تيممان أحدهما بدل عن الغسل والثّاني بدل عن الوضوء ، فلو وجد ماءً يكفي لوضوئه بطل تيمّمه الّذي هو بدل الوضوء لتمكّنه من الماء بالنسبة إليه ، ويبقى تيمّمه الّذي هو بدل الغسل بحاله ، فلو فقد الماء بعد ذلك لم يجب عليه التيمّم بدلاً عن الغسل وإنّما يجب عليه تيمّم واحد بدلاً عن الوضوء.

وإذا فرضنا وجدانه ماءً يكفي لغسله فقط ولم يمكن صرفه في الوضوء لمانع تكويني أو شرعي كعدم رضا المالك بصرفه في غير الاغتسال ، بطل تيمّمه الّذي هو بدل الغسل ، وبقي تيمّمه الّذي هو بدل عن الوضوء بحاله لعدم تمكّنه من الماء بالنسبة إليه فلو فقد الماء بعد ذلك لا يجب عليه إلاّ تيمّم واحد بدل عن الغسل دون الوضوء ، لبقاء التيمّم البدل عن الوضوء بحاله.

المتيمِّم تيمّمين إذا وجد ماءً لأحدهما‌

(١) إذا وجد ذلك هل يبطل كلا التيممين أو يبطل تيمّمه البدل عن الغسل؟ فيه احتمالان ، فقد احتمل الماتن قدس‌سره ثانيهما ابتداءً ثمّ قوّى أوّلهما.

والصحيح فيما فرضه الماتن قدس‌سره من تعين صرف الماء حينئذ في الاغتسال هو الحكم ببطلان التيمّم البدل عن الغسل ، وذلك لأنّ المكلّف وإن كان في نفسه‌

__________________

(*) هذا الاحتمال قوي في غير الاستحاضة المتوسطة.

٣٩٢

متمكّناً من صرف الماء في كل من الغسل والوضوء إلاّ أنّ الشارع عيّن صرفه في الغسل ، فالمكلّف لا يتمكّن من الماء إلاّ بالنسبة إلى الغسل فينتقض تيمّمه بدلاً عن الغسل ، ويبقى تيمّمه بدلاً عن الوضوء بحاله ، فلو فقد الماء بعد ذلك لم يجب عليه إلاّ تيمّم واحد بدلاً عن الغسل. فما أفاده الماتن قدس‌سره من بطلان كلا التيممين حينئذ لا نعرف له وجهاً محصلاً.

نعم يمكن المناقشة فيما فرضه من تعين صرف الماء في الاغتسال ، وذلك لأنّه مبني على دخول المقام تحت كبرى التزاحم ، بأن يكون الأمر بالغسل والأمر بالوضوء متزاحمين حينئذ لعدم تمكّن المكلّف من امتثالهما معاً ، وبما أنّ الغسل معلوم الأهمية أو محتملها على الأقل فيتقدّم على الوضوء ، لما سبق غير مرّة من أن احتمال الأهميّة مرجح في باب التزاحم.

وعلى هذا المبنى يتعيّن صرف الماء في الغسل ، ومع وجدانه ما يكفي لأحدهما ينتقض تيمّمه بدلاً عن الغسل دون الوضوء. ولا يبقى لما قوّاه الماتن على هذا المبنى من بطلان كلا التيممين مجال.

إلاّ أنّا قدمنا أنّ المقام وأمثاله خارج عن باب التزاحم وإنّما هو من باب التعارض ، لأنّ التزاحم إنّما يتصور بين تكليفين استقلاليين ، وأمّا بين تكليفين ضمنيين كما في الأجزاء والشرائط أو الشرط والجزء فلا معنى للتزاحم فيهما ، لأنّ المكلّف بعجزه عن أحد الجزأين أو الشرطين يسقط عنه الأمر بالمركب لتعذره فلا أمر ضمني في شي‌ء منهما.

نعم لمّا علمنا أنّ الصلاة لا تسقط بحال علمنا أنّ المكلّف لا بدّ له من الإتيان بها مع أحد الجزأين أو الشرطين وأنّها واجبة عليه ، فالتكليف إنّما جعل على الصلاة مقيّدة بأحدهما أو مشتملة على أحدهما ، ولا يمكن جعله مقيدة أو مشتملة على هذا وذاك فهما متعارضان.

ولأجل التعارض يسقط إطلاق دليل كل واحد منهما ، كما دلّ على وجوب الغسل عند تمكّنه من الماء وما دلّ على وجوب الوضوء عند تمكّنه منه ، لعدم إمكان شمولهما‌

٣٩٣

[١١٦٠] مسألة ٢٢ : إذا وجد جماعة متيممون ماءً مباحاً لا يكفي إلاّ لأحدهم بطل تيممهم أجمع (*) إذا كان في سعة الوقت ، وإن كان في ضيقه بقي تيمّم الجميع (١)

______________________________________________________

للمقام فيسقطان ، ونرجع إلى مقتضى الأصل العملي وهو البراءة عن خصوصية أحدهما فينتج تخيير المكلّف بين الأمرين ، فيجوز للمكلّف أن يصلِّي مع الغسل دون الوضوء ويجوز له العكس.

وحيث إنّه متمكّن من كل منهما في نفسه ولا ترجيح لأحدهما على الآخر فيبطل كلا تيمميه ، لأن بطلان أحدهما من دون بطلان الآخر ترجيح من دون مرجح.

وهذا وإن كان موافقاً في النتيجة لما أفاده الماتن قدس‌سره من تقوية بطلان كلا التيممين إلاّ أنّه مبني على كون المقام من باب التعارض الّذي لا تكون الأهميّة أو احتمالها مرجحاً فيه ، وأمّا على المبنى الّذي أشار إليه الماتن من فرض تعين صرف الماء في الاغتسال وجعله من باب التزاحم فلا وجه لما أفاده كما عرفت.

جماعة متيممون إذا وجدوا ماء يكفي أحدهم‌

(١) للمسألة صور :

فإنّه قد يفرض أن بعضهم جنب والواجب عليه الاغتسال ولا يكفي الماء للغسل أو أن المالك لا يرضى بصرفه في الاغتسال ، ومعه لا وجه لبطلان تيمّمه البدل عن الغسل ، وإنّما يبطل تيمّم من تيمّم بدلاً عن الوضوء لتمكّنه من الماء من دون مزاحم.

وقد يفرض فيما إذا كان كل منهم متيمماً بدلاً عن الوضوء إلاّ أن الوقت ضيق لا يسع الوضوء ، أو لا يسع الغسل فيما إذا كانوا متيممين بدلاً عن الغسل ، فلا ينتقض تيممهم جميعاً لعدم تمكّنهم من الماء.

__________________

(*) هذا فيما إذا لم يقع التزاحم عليه بينهم ، وإلاّ لم يبطل تيمّم المغلوب ، ومع عدم الغلبة لم يبطل تيممهم أجمع.

٣٩٤

وكذا إذا كان الماء المفروض للغير وأذن للكل في استعماله ، وأمّا إن أذن للبعض دون الآخرين بطل تيمّم ذلك البعض فقط ، كما أنّه إذا كان الماء المباح كافياً للبعض دون الآخر لكونه جنباً ولم يكن بقدر الغسل لم يبطل تيمّم ذلك البعض.

______________________________________________________

وثالثة : يفرض الكلام في سعة الوقت للغسل أو الوضوء والماء واف لكل منهما أو أن المالك أذن لهم جميعاً. وهذا هو محل البحث في المقام.

وقد ذهب الماتن إلى بطلان تيممهم أجمع ، ولعله لأن ترجيح بعضهم على بعض من دون مرجح ، وكل منهم متمكِّن من الوضوء أو الغسل في نفسه فيبطل تيمّم الجميع.

التفصيل الصحيح في المسألة :

ولكن الصحيح هو التفصيل في المقام بين ما إذا فرضنا أن كلا من هؤلاء لو سبق إلى الوضوء أو الغسل لم يزاحمه الآخر بوجه فيحكم حينئذ ببطلان تيمّم الجميع ، لأن كلا من تلك الجماعة واجد للماء ومتمكّن من استعماله حسب الفرض ، والحكم ببطلان تيمّم بعضهم دون بعض من غير مرجح.

وبين ما إذا فرضنا أن كلا منهم لو سبق إليهما زاحمه الآخر في ذلك لأن كلا منهم يريد الغسل أو الوضوء ، فإنّه في هذه الصورة.

إمّا أن يتساوى الجميع من حيث القوّة والضعف بحيث لا يغلب واحد منهم الآخر فيبقى حينئذ تيمّم الجميع بحاله ، لكشف ذلك عن عدم تمكّنهم من الماء ، لأنّه مزاحم مع الآخر من دون تمكّنه من الغلبة.

وإمّا أن يكون واحد منهم غالباً على الآخر ويكون الآخر مغلوباً فينتقض حينئذ تيمّم الغالب ويبقى تيمّم المغلوب بحاله ، لأنّ الغالب متمكّن من الوضوء أو الاغتسال دون المغلوب فلا وجه لانتقاض تيمّمه ، فان مجرد وجدان الماء لا يوجب الانتقاض بل المدار على التمكّن من الاستعمال.

وممّا ذكرناه في هذه الصورة يظهر حكم ما لو سبق بعضهم زاحمه الآخر ولكن بعضهم لو سبق لم يزاحمه الآخرون ، وإن لم يتعرض له ( مد ظلّه ).

٣٩٥

[١١٦١] مسألة ٢٣ : المحدث بالأكبر غير الجنابة إذا وجد ماءً لا يكفي إلاّ لواحد من الوضوء أو الغسل قدم الغسل وتيمّم بدلاً عن الوضوء (*) ، وإن لم يكف إلاّ للوضوء فقط توضأ وتيمّم بدل الغسل (١).

[١١٦٢] مسألة ٢٤ : لا يبطل التيمّم الّذي هو بدل عن الغسل من جنابة أو غيرها بالحدث الأصغر (٢) (*)

______________________________________________________

(١) ظهر الحال في هذه المسألة ممّا بيّناه في المسألة المتقدمة فلا نعيد.

التيمّم البدل عن الغسل لا يبطل بالأصغر‌

(٢) إذا تيمّم المحدث بحدث أكبر لعدم تمكّنه من الاغتسال ثمّ أحدث بالأصغر فهل يجب عليه أن يتوضأ كما هو الحال فيما إذا كان قد اغتسل عن الحدث الأكبر ثمّ أحدث بالأصغر ، أو يجب عليه أن يتيمّم بدلاً عن غسل الجنابة أو غيرها من الأحداث؟

قد أصبحت هذه المسألة محلا للكلام بين الأصحاب ، وقد بنوا هذه المسألة على أنّ التيمّم رافع أو مبيح.

وعلى القول بالإباحة لا بدّ من التيمّم ، لأنّه محدث بالجنابة مثلاً وقد أُبيح له الدخول في الصلاة فإذا صار محدثاً بالأصغر لم يجز ولم يبح له الدخول فيها حتّى يغتسل أو يتيمّم.

وعلى القول بالرفع فالمتيمم مثل المغتسل ليس بمحدث ولا جنب لارتفاعهما بتيممه ، ومن الواضح أن غير الجنب والمحدث لو أحدث بالأصغر فوظيفته الوضوء دون التيمّم.

وقال المشهور إنّ التيمّم مبيح. ومن هنا التزموا في المقام بوجوب التيمّم بعد الحدث الأصغر.

__________________

(*) على الأحوط الأولى في غير المستحاضة المتوسطة ، وأمّا فيها فهي مخيرة بين الغسل والوضوء.

(**) الأظهر أنّه يبطل به فيجب بعده التيمّم بدل الغسل ، والأحوط الجمع بينه وبين الوضوء.

٣٩٦

فما دام عذره عن الغسل باقياً تيمّمه بمنزلته ، فإن كان عنده ماءً بقدر الوضوء توضأ وإلاّ تيمّم بدلاً عنه ، وإذا ارتفع عذره عن الغسل اغتسل ، فإن كان عن جنابة لا حاجة معه إلى الوضوء ، وإلاّ توضأ أيضاً (*) هذا ولكن الأحوط إعادة التيمّم أيضاً ، فإن كان عنده من الماء بقدر الوضوء تيمّم بدلاً عن الغسل وتوضأ وإن لم يكن تيمّم مرّتين مرّة عن الغسل ومرّة عن الوضوء ، هذا إن كان غير غسل الجنابة وإلاّ يكفيه مع عدم الماء للوضوء تيمّم واحد بقصد ما في الذمّة.

______________________________________________________

تحقيق أنّ التيمّم رافع أم مبيح‌

والإنصاف أن كون التيمّم مبيحاً أو رافعاً لم ينقح في كلماتهم ، وذلك لأنّ المراد من الإباحة إن كان هو أنّ المتيمِّم باقٍ على حدثه وجنابته إلاّ أن أدلّة التيمّم مخصّصة لما دلّ على اشتراط الطهور في الصلاة ، وبها جاز للمتيمم الدخول في الصلاة من دون طهارة فهو مقطوع الفساد.

وذلك لأن أدلّة بدلية التيمّم تدلّنا على أنّ التيمّم أو التراب طهور ، وأن ربّ الصعيد وربّ الماء واحد (١) ، وأنّ المكلّف قد دخل في صلاته بطهر عن تيمّم (٢) ، بل يمكن دعوى تواتر الأخبار على أنّ التيمّم طهور كما أنّ الماء طهور.

فهذا الاحتمال لا يظن القول به من أحد فضلاً عن أن ينسب إلى المشهور.

وأمّا المراد من الرفع فهو إن كان هو أنّ التيمّم كالغسل يرفع الحدث والجنابة فلازمه أن يكون وجدان الماء الّذي ينقض به التيمّم من أحد أسباب الجنابة فتكون أسبابها ثلاثة : الجماع ، وخروج المني ، ووجدان الماء. مع أنّه من البديهي أن وجدان الماء ليس سبباً للجنابة أو غيرها من الأحداث وإنّما هو ناقض للتيمم ، والمكلّف جنب بسببه السابق على تيمّمه.

__________________

(*) مرّ الكلام فيه وفي المسألة الآتية [ في المسألة ٨٢٠ و ١٠٥٨ ].

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٥ / أبواب التيمّم ب ٢٣ ، ذيل ب ١٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٨٢ / أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٤.

٣٩٧

فلا وقع للبحث عن الرفع والإباحة بهذين المعنيين وليسا قابلين للبحث والكلام.

الّذي ينبغي التكلّم عليه‌

والّذي ينبغي أن يتكلّم عنه هو أنّ التيمّم هل هو رافع للجنابة رفعاً مؤقتاً أي في الزمان المتخلّل بين التيمّم ووجدان الماء ، أو هو غير رافع لها حتّى مؤقتاً وإنّما هو طهور ، فالجنب المتيمِّم باقٍ على جنابته إلاّ أنّه متطهر ، فالجنب على قسمين : متطهر وغير متطهر.

وهذا أمر معقول قابل لأن يبحث عنه ويتكلم فيه ، وذلك لأنّ الحدث من أحكام الجنابة يمكن أن يرتفع في مورد بدليل ، ولأنّ الجنابة أمر عرفي أمضاه الشارع ، وهي منتزعة من أمرين : الجماع ونزول المني وعدم الاغتسال. والشخص الواجد للأمرين قد يتيمّم ويتطهر وقد لا يتيمّم ولا يتطهر.

فالجنب على قسمين : متطهر وغير متطهر. وقد قال سبحانه في ذيل آية التيمّم ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) (١) فهو كالصريح في أنّ التيمّم مطهر ، وكذلك غيره من الأخبار المتقدمة ، فإنّ المتيمِّم ممّن خرج منه المني ولم يغتسل كما أن غير المتيمِّم كذلك أيضاً ، فلا منافاة بين الجنابة والطّهارة ، فانّ الرافع للجنابة إنّما هو الغسل وحسب دون التيمّم.

ولعلّه إليه أشار قوله سبحانه ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (٢) أي لا ترتفع الجنابة إلاّ بالاغتسال وتبقى الجنابة عند التيمّم.

كما أنّ الجنابة أمر اعتباري لا مانع من ارتفاعه في الوسط مع بقائه في الأوّل والأخير ، وهو مستند إلى سببه السابق ، بأن يكون المكلّف جنباً باعتبار ملامسته النِّساء أو خروج المني ، ثمّ يرتفع ذلك الاعتبار عند تيمّم المكلّف إلى زمان وجدان‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) النِّساء ٤ : ٤٣.

٣٩٨

الماء ، ثمّ بعد وجدانه يعتبر جنباً بالسبب السابق وهو ملامسته أو إمناؤه بمعنى أنّه يمكن أن يكون اعتبار [ ارتفاع ] الجنابة محدوداً بحد وزمان ويكون قبله وبعده مستنداً إلى سببه السابق ، فيكون التيمّم رافعاً للجنابة حقيقة رفعاً مؤقتاً من دون أن يكون وجدان الماء سبباً للجنابة.

نعم هذا غير معقول في الأُمور التكوينية والحقيقية ، لأنّ المعلول إذا ارتفع احتاج حدوثه وعوده بعد ذلك إلى علّة جديدة ، ولا يعقل أن تكون علّته السابقة موجودة ويرتفع معلولها في الوسط ويعود في الأخير.

وما ذكرناه في المقام له نظائر كثيرة منها : ما إذا استأجر شخص داراً إلى سنة فإنّه يملك منفعتها بسبب عقد الإجارة إلى آخر السنة ، ثمّ آجرها في الوسط من شخص آخر فان منافعها تخرج عن ملكه في الأثناء وبعد شهرين مثلاً تعود إلى ملكه بعين السبب السابق وهو عقد الإجارة فهو سبب للملكية في الأوّل والأخير مع ارتفاعها في الوسط حقيقة.

فهذان الاحتمالان يقبلان البحث والنزاع ، وتبتني عليهما المسألة الّتي بأيدينا.

وذلك لأنّا لو قلنا بأنّ التيمّم رافع للجنابة حقيقة رفعاً مؤقتاً فالمكلّف ليس بجنب حقيقة ، وغير الجنب والمحدث لو أحدث بحدث أصغر وجب عليه الوضوء ، وهو ظاهر.

ولو قلنا بأنّه يبقى جنباً لكنّه متطهر وجب عليه التيمّم ثانياً ، لزوال طهارته بالحدث الأصغر ، وهذا ما ذهب إليه المشهور.

والصحيح هو الثّاني وأن وظيفة المكلّف في مفروض الكلام هو التيمّم دون الوضوء ، وذلك :

أمّا من حيث الأصل العملي فلأنا لو قلنا بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلية نستصحب بقاء جنابة المكلّف بعد تيمّمه ، وذلك لكونه جنباً قبل التيمّم يقيناً ، فلو شككنا في بقائه على جنابته بعد التيمّم نستصحب جنابته فيجب عليه التيمّم ثانياً إذا أحدث بالأصغر.

٣٩٩

ولو لم نقل بجريان الاستصحاب فيها كما هو المختار فمقتضى العلم الإجمالي هو وجوب الجمع بين التيمّم والوضوء ، وذلك لأنّه إن كان باقياً على جنابته بعد التيمّم فوظيفته التيمّم ثانياً ، وإن كانت جنابته مرتفعة به فوظيفته الوضوء ، فلا مناص من أن يجمع بينهما عملاً بالعلم الإجمالي.

وأمّا من حيث الأدلّة الاجتهادية فمقتضى إطلاق الكتاب والسنّة وجوب التيمّم على المكلّف في مفروض المسألة ، وذلك لأن قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١) يفيدنا أنّ المحدث بالأصغر إذا أراد الصلاة فإن كان في طبعه ونفسه مكلفاً بالوضوء ولم يجد ماءً تيمّم ولو وجده توضأ ، كما أنّ المكلّف بحسب طبعه ونفسه بالغسل إن وجد ماءً اغتسل وإن لم يجد ماءً تيمّم.

ومن البديهي أنّ المكلّف في مفروض الكلام في طبعه مكلّف بالاغتسال ، وحيث إنّه محدث بالأصغر وقد قام إلى الصلاة ولم يجد ماءً وجب أن يتيمّم بمقتضى إطلاق الآية الكريمة.

وكذا ما ورد في الأخبار من أنّ المكلّف المجنب إذا وجد ماءً لا يكفي لغسله وجب أن يتيمّم لا أن يتوضأ (٢) ، فإنّها تدلّنا على أن من كانت وظيفته الاغتسال ولم يجد ماءً وجب عليه التيمّم. والمكلّف مأمور بالاغتسال في المقام ولكنّه لم يجد الماء فوجب عليه أن يتيمّم لا محالة.

وملخّص الاستدلال بالكتاب : أنّه سبحانه عنون « لمس النِّساء » فقال ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ... ) وهذا العنوان كعنوان الجنابة باقٍ بعد التيمّم أيضاً ، حيث يصدق في المقام أنّه رجل لامس النِّساء ولم يجد ماءً فيجب أن يتيمّم بعد الحدث الأصغر.

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٨٦ / أبواب التيمّم ب ٢٤.

٤٠٠