موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[١١٤٩] مسألة ١١ : التيمّم الّذي هو بدل عن غسل الجنابة حاله كحاله في الإغناء عن الوضوء (١)

______________________________________________________

تخييري لا تعييني بما أن للمكلّف أن يتوضأ أو يأتي بغسل استحبابي ، حيث إن كليهما طهور ، ولا يتعيّن عليه الإتيان بالغسل المستحب تحصيلاً للتقيد أو لما هو الواجب بالأمر الغيري ، وعليه لو تعذر على المكلّف اختيار الطهور بالغسل المستحب تعين عليه العدل الآخر وهو الوضوء ، ولا تصل النوبة إلى التيمّم لتمكّنه من الماء. فالإتيان بالتيمّم بدلاً عن الأغسال المستحبّة محل إشكال ومنع.

فالمتحصل : أنّ البدلية بناءً على القول بأنّ التيمّم رافع للحدث أو التنزيل بناءً على أنّه مبيح يختص بالوضوءات والأغسال الرافعة أو المبيحة على تفصيل قد عرفته.

التيمّم البدل عن غسل الجنابة مغن عن الوضوء‌

(١) صور المسألة خمسة :

الاولى : أن يجب على المكلّف الوضوء وحسب ، ولا بدّ أن يكون وضوءاً واحداً إذ لا يتصوّر وجوب الوضوء زائداً على الواحد ، فانّ التعدّد إنّما يتصوّر في منشئه من بول وغائط ونوم ونحوها ، وأمّا الواجب فلا يكون إلاّ وضوءاً واحداً.

ولا ينبغي التردد في أنّ المكلّف إذا لم يتمكّن من الماء في هذه الصورة يجب عليه تيمّم واحد بدلاً عن الوضوء الواحد الواجب في حقّه ، وهذا ظاهر.

الثّانية : ما إذا وجب على المكلّف غسل واحد من دون أن يجب عليه الوضوء أصلاً. وفي هذه الصورة إذا لم يتمكّن المكلّف من الماء ليغتسل وجب عليه أن يتيمّم تيمماً واحداً بدلاً عن الغسل الواجب عليه ، ولا يجب عليه أن يتيمّم ثانياً بدلاً عن الوضوء.

وليس هذا لأنّ الغسل أو بدله يغني عن الوضوء ، بل لعدم المقتضي لوجوب‌

٣٦١

كما أنّ ما هو بدل عن سائر الأغسال يحتاج إلى الوضوء أو التيمّم بدله مثلها ، فلو تمكّن من الوضوء توضأ مع التيمّم بدلها ، وإن لم يتمكّن تيمّم تيممين أحدهما بدل عن الغسل والآخر عن الوضوء.

______________________________________________________

الوضوء أصلاً ، لأنّ المفروض عدم وجوب الوضوء عليه وإنّما الواجب في حقّه غسل واحد ، وهذا كما في الجنب.

ويدلُّ على ما ذكرناه الآية المباركة ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (١) فإنّ التفصيل في الآية قاطع للشركة ، وهي تدلّنا على أنّ الوضوء وظيفة المحدث غير الجنب ، وأمّا الجنب فوظيفته الاغتسال دون الوضوء إن تمكّن من الماء وإلاّ فوظيفته التيمّم وهو غير مأمور بالوضوء أصلاً.

الثّالثة : ما إذا وجب عليه وضوء وغسل واحد كما في المستحاضة المتوسطة على الصحيح ، أو غير غسل الجنابة من الأغسال على ما هو المعروف عندهم من أنّ غسل غير الجنابة لا يغني عن الوضوء فهل يجب عليه أن يتيمّم بتيممين عند عدم تمكّنه من الماء : تيمّم بدلاً عن الغسل وتيمّم بدلاً عن الوضوء ، أو يجب عليه تيمّم واحد؟

لا إشكال في وجوب تيممين على المكلّف حينئذ ، لأنّ المفروض أنّه مكلّف بأمرين : الوضوء والغسل ، فلو اغتسل لم يسقط عنه الوضوء فكيف إذا تيمّم بدلاً عن الغسل ، فلا يكفي تيممه هذا عن الوضوء الواجب في حقّه قطعاً فلا بدّ من أن يأتي بتيممين أحدهما بدل عن الغسل وثانيهما بدل عن الوضوء ، من غير فرق بين كون التيمّم بدلاً عن الوضوء أو الغسل وبين أن يقال بأنّ التراب بدل عن الماء ، لأن المعنى في كلا التعبيرين واحد ، لأنّه لا معنى لبدلية التراب عن الماء أو عن غيره من الأشياء لأنّهما أمران متغايران ، ولا مناص من أن تكون البدلية في أمر جامع بينهما وهو استعمالهما في الطّهارة.

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

٣٦٢

ومعناه : أن استعمال التراب كاستعمال الماء كاف في تحقق المأمور به ، نظير ما قدّمناه (١) في معنى « إن ربّ الماء وربّ الصعيد واحد » فإنّه لا معنى له سوى أنّ الأمر واحد وبينهما جامع وهو تحصيل الطّهارة الّتي أمر الله سبحانه بها ، وإلاّ فربّ الموجودات بأجمعها واحد من دون اختصاص ذلك بالصعيد. إذن يكون معنى تلكم الجملة هو أنّ التيمّم بدل عن الوضوء أو الغسل ، لأن استعمال التراب هو التيمّم كما أن استعمال الماء عبارة عن الغسل أو الوضوء.

الرّابعة : ما إذا وجب على المكلّف أغسال متعددة ومنها غسل الجنابة ، كما لو مسّ الجنب ميّتاً ، أو كانت حائضاً وطهرت من حيضها ووجب الاغتسال بأغسال متعددة فهل يجب على المكلّف حينئذ إذا لم يتمكّن من الماء أن يتيمّم بتيممات بعدد الأغسال الواجبة في حقّه أو أنّه إذا تيمّم تيمماً واحداً كفى عن الجميع؟

مقتضى إطلاق الآية المباركة ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٢) إلى آخرها هو أنّ الجنب مأمور بالاغتسال مرّة واحدة سواء كان محدثاً بغير الجنابة من الأحداث الكبيرة أو الصغيرة أم لم يكن ، فيكفي الغسل في حقّه مرّة واحدة ، فهو في الحقيقة مأمور بالغسل الواحد ، فلو تيمّم بدلاً عنه كفاه وذلك بحسب إطلاق الآية والأخبار كما أن مقتضى ما استظهرناه من الآية من أن وظيفة الجنب هي الاغتسال دون الوضوء لأنّه وظيفة غير المجنب عدم وجوب التيمّم عليه بدلاً عن الوضوء أيضاً إذ لا أمر بالوضوء عليه ليجب عليه التيمّم بدلاً عنه فيكفي في حقّه تيمّم واحد لا تيممان أو أكثر.

الخامسة : ما إذا وجب أغسال متعددة غير غسل الجنابة كالحيض ومسّ الميت فهل الواجب عليه حينئذ أن يتيمّم تيمماً واحداً أو لا بدّ أن يأتي بتيممات متعددة حسب تعدّد الأغسال؟

__________________

(١) في ص ٣٥٩.

(٢) المائدة ٥ : ٦.

٣٦٣

يبتني هذا على أنّ التداخل عند اجتماع الأغسال المتعددة هل هو في الأسباب أو أنّ التداخل في المسببات؟

فان قلنا إنّ التداخل في الأسباب كما هو الأظهر بمعنى أن تلك الأسباب المتعددة لا يتسبب منها إلاّ مسبب واحد وهو الغسل الواحد وإن كثرت أسبابه ومناشئه نظير تعدّد الأسباب في الوضوء وكما أنّها لا تؤثر إلاّ مسبباً ووضوءاً واحداً كذلك الحال في الأغسال ، بحيث لو اغتسل المكلّف في مفروض الكلام غسلاً واحداً ناوياً لبعضها المعين دون الجميع أو مع الغفلة عن ثبوت غسل آخر عليه كفى ذلك في حقّه ولم يجب عليه غسل آخر بعد ذلك. فلا مناص من الاكتفاء بالتيمّم الواحد بدلاً عن المسبب الواحد الّذي على ذمّته من الأغسال.

وإن قلنا إن كل مسبب يؤثر في مسبب واحد فهناك مسببات ، لكن له الإتيان بغسل واحد ناوياً عن الجميع فإنّه يجزئ عن غيره إذا نواه ، لقوله عليه‌السلام : « إذا اجتمعت عليك حقوق متعددة أجزأك عنها غسل واحد » (١) بحيث لو لم ينو الجميع لغفلته عن كونه مكلفاً بغسل آخر أو لقصده غسلاً معيّناً لم يسقط عنه إلاّ ما نواه. فلا مناص من أن يأتي بتيممات متعددة حسب تعدّد الأغسال الواجبة في حقّه ، لأنّ التداخل على خلاف الأصل ولا يمكن الالتزام به إلاّ مع الدليل ، وهو إنّما دلّ على ذلك في الأغسال ولم يقم دليل عليه في بدله الّذي هو التيمّم.

كما أنّه لو قلنا بأن كل غسل يغني عن الوضوء كما اخترناه اختص ذلك بنفس الأغسال ولم يأت في بدلها الّذي هو التيمّم ، لعدم دلالة الدليل على إغناء التيمّم الّذي هو بدل عن الغسل عن الوضوء ، وحيث إنّه مأمور بالوضوء أيضاً مع كونه محدثاً بتلك الأحداث ومن هنا لو توضأ قبل الاغتسال عنها صحّ وضوءه ولم يكن تشريعاً محرماً غاية الأمر أنّه لو لم يأت به قبلها لكان له الاجتزاء بالاغتسال فلا بدّ أن يأتي بتيمم آخر بدلاً عن الوضوء.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٦١ / أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ١.

٣٦٤

[١١٥٠] مسألة ١٢ : ينتقض التيمّم بما ينتقض به الوضوء والغسل من الأحداث (١)

______________________________________________________

وهذا بخلاف الصورة الرّابعة وهي ما إذا كان المكلّف محدثاً بالجنابة لأن مقتضى الآية المباركة أن وظيفة الجنب ليست هي الوضوء بل وظيفته الاغتسال وحيث أنّها مطلقة كفى في حقّه غسل واحد وكذا تيمّم واحد ، من غير وجوب تيمّم زائد عليه بدلاً عن الوضوء أو غسل آخر.

نواقض التيمّم هي نواقض الطّهارة المائية‌

(١) ويدلُّ عليه وجوه :

الأوّل : قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١) فإنّه دلّ على أنّ المحدث بحدث النوم أو غيره إذا قام إلى الصلاة لا بدّ إمّا أن يتوضأ إن كان غير جنب ، وإمّا أن يغتسل إن كان جنباً وإن لم يجد ماءً فتيمّم صعيداً طيِّباً.

وهذا يصدق على المتيمم إذا أحدث ثمّ أراد الصلاة ، فهو محدث قام إلى الصلاة يجب عليه الوضوء أو الغسل إن كان واجداً للماء ، والتيمّم إن لم يجد.

الثّاني : كل ما دلّ على وجوب الوضوء أو الغسل بعد صدور أسبابهما كما دلّ على أنّ الرجل إذا نام أو بال فليتوضأ (٢) أو أنّه إذا أجنب فليغتسل (٣) وغير ذلك ممّا ورد في الأحداث.

لأنّها شاملة للمتيمم إذا صدر منه شي‌ء من تلك الأسباب فمقتضاها وجوب‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ، ٢ وغيرهما.

(٣) الوسائل ٢ : ١٧٣ / أبواب الجنابة ب ١ ، وغيره.

٣٦٥

كما أنّه ينتقض بوجدان الماء (١)

______________________________________________________

الوضوء أو الغسل عليه ، وحيث إنّه لا يتمكّن من الماء فيجب عليه التيمّم ، ولا يمكنه الاكتفاء بتيممه السابق لانتقاضه بصدور الأسباب منه حسبما تقتضيه الأدلّة المذكورة.

الثّالث : صحيحة زرارة أو حسنته قال « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : يصلِّي الرجل بوضوء واحد صلاة اللّيل والنهار كلّه؟ قال : نعم ، ما لم يحدث ، قلت : ويصلِّي بتيمم واحد صلاة اللّيل والنهار؟ قال : نعم ، ما لم يحدث أو يصب ماءً » (١).

وهي مرويّة بطريقين :

أحدهما حسن بابن هاشم إن لم نقل بوثاقته.

وثانيهما مشتمل على محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان. والظاهر أنّها صحيحة ، لأن محمّد بن إسماعيل وإن كان في نفسه مردداً بين أشخاص إلاّ أنّ الظاهر أنّه تلميذ الفضل الثقة ، وهو الّذي يروي عن شيخه الفضل بن شاذان كثيراً.

وقد رواها الشيخ أيضاً بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد (٢) ، وهو طريق صحيح وفيه غنى وكفاية سواء صحّ الطريق المتقدم أم لم يصح.

بوجدان الماء ينتقض التيمّم‌

(١) وليس هذا الحكم مستنداً إلى إطلاق أدلّة الطّهارة المائية وكونها مقدمة على استصحاب بقاء الطّهارة الترابية بعد الوجدان ، فإن أدلّة الطّهارة المائية كالآية المباركة وغيرها ممّا دلّ على وجوب الوضوء أو الغسل للمتمكّن من الماء مختصّة بالمحدث وأنّه إذا قام إلى الصلاة وجب عليه أن يتوضأ أو يغتسل ، فلا تكاد تشمل المتيمم لأنّه متطهر حتّى بعد وجدان الماء.

وذلك لإطلاق أدلّة طهورية التراب لغير المتمكّن من الماء (٣) لدلالتها على أنّ‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٧٧ / أبواب التيمّم ب ١٩ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٠ / ٥٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٤ / ٥٧٠.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٨٥ / أبواب التيمّم ب ٢٣ ، ب ١٤ ح ١٥ وغيره.

٣٦٦

التيمّم طهور وأنّه أحد الطهورين ، ومقتضى إطلاقها كونه طهوراً حتّى بعد وجدان الماء ، لعدم كونها مغياة بالوجدان.

وإطلاق أدلّة الطهوريّة (١) وارد على إطلاق أدلّة الطّهارة المائية ، لكونها موجبة لخروج المتيمم عن موضوعها وهو المحدث بالوجدان ، فلو كنّا نحن وهذه المطلقات لقلنا ببقاء الطّهارة الترابية بعد وجدان الماء وعدم انتقاضها به ، كما التزمنا والتزم المشهور بذلك في المتوضي مع الجبيرة ، حيث ذكروا أنّه لو ارتفع عذره بعد الوضوء وتمكّن من الوضوء الصحيح لم ينتقض وضوءه ، وذلك لإطلاق ما دلّ على طهورية الوضوء مع الجبيرة لذوي الأعذار (٢) فإنّه وارد على إطلاق ما دلّ على وجوب الطّهارة المائية لأنّ الموضوع فيها هو المحدث.

والمقام وتلك المسألة من وادٍ واحد ، فانّ المكلّف في كلا المقامين غير متمكّن من الماء لأنّه معذور ، فلا وجه لدعوى شمول إطلاق أدلّة الطّهارة المائية للمتيمم وكونها مقتضية لوجوب الوضوء أو الغسل في حقّه وعدم جريان استصحاب بقاء الطّهارة الترابية بعد الوجدان ، لأنّ الإطلاق دليل اجتهادي يتقدم على الأصل.

بل الوجه في ذلك هو الأخبار المتضافرة الّتي أكثرها صحاح ، وقد دلّت على أن وجدان الماء ناقض للتيمم ، وهي على طوائف :

منها : ما ورد في خصوص الوضوء وأنّ المتيمم بدلاً عنه إذا وجد الماء توضأ ، مثل حسنة زرارة أو صحيحته المتقدمة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت ، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل » (٣).

ومنها : ما ورد في التيمّم بدلاً عن الغسل وأنّه إذا وجد ماءً انتقض تيممه ، وذلك مثل صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي « أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل‌

__________________

(١) أي طهوريّة التراب.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٣.

٣٦٧

إذا أجنب ولم يجد الماء ، قال : يتيمّم بالصعيد ، فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة » (١) ونظيرها صحيحة أو حسنة أُخرى له (٢) فليراجع.

ومنها : ما هو مطلق يعم التيمّم بدلاً عن الوضوء وما هو بدل عن الغسل كما في صحيحة زرارة أو حسنته المتقدمة « قلت : ويصلِّي بتيمم واحد صلاة اللّيل والنهار؟ قال : نعم ، ما لم يحدث أو يصب ماءً ... » (٣).

ومنها : ما هو مصرح بالإطلاق وذلك كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال « قلت له : كيف التيمّم؟ قال : هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة ... ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنباً والوضوء إن لم تكن جنباً » (٤).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة (٥) الدالّة على ذلك ، واقتصرنا على الأخبار المتقدمة من باب المثال.

ويترتب على ذلك أنّ المتيمم إذا وجد الماء ولم يتوضأ أو يغتسل حتّى طرأ عليه العجز عن استعماله الماء ثانياً وجب عليه أن يتيمّم ثانياً ، وليس له الاكتفاء بتيممه السابق لانتقاضه بالوجدان.

وهذا مضافاً إلى أنّه أمر على طبق القاعدة منصوص ، فقد ورد في ذيل الصحيحة أو الحسنة المتقدمة (٦) عن زرارة : « قلت : فإن أصاب الماء ورجا أن يقدر على ماءٍ آخر وظنّ أنّه يقدر عليه كلّما أراد فعسر ذلك عليه؟ قال : ينقض ذلك تيممه وعليه أن يعيد التيمّم ».

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمم ب ١٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٦٧ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٤.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٧٧ / أبواب التيمّم ب ١٩ ح ١.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٦١ / أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٤.

(٥) الوسائل ٣ : ٣٧٧ / أبواب التيمّم ب ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ وغيرها.

(٦) في التعليقة رقم (٣).

٣٦٨

أو زوال العذر (١) ولا يجب عليه إعادة ما صلاّهُ كما مرّ (٢) وإن زال العذر (*) في الوقت ، والأحوط الإعادة حينئذ بل والقضاء أيضاً في الصور الخمسة المتقدمة.

[١١٥١] مسألة ١٣ : إذا وجد الماء أو زال عذره قبل الصلاة لا يصح أن يصلِّي به وإن فقد الماء أو تجدد العذر فيجب أن يتيمّم ثانياً (٣) ، نعم إذا لم يسع زمان الوجدان أو زوال العذر للوضوء أو الغسل بأن فقد أو زال العذر بفصل غير كاف لهما لا يبعد عدم بطلانه وعدم وجوب تجديده ، لكن الأحوط التجديد مطلقاً (٤).

______________________________________________________

انتقاض التيمّم بزوال العذر‌

(١) للأخبار المتقدمة الدالّة على بقاء الطّهارة الترابية ما لم يحدث أو يصب ماءً (١) فإن إصابة الماء الّتي جعلت غاية رافعة للطهارة الترابية إنّما هي نقيض قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) (٢) المفسّر بعدم التمكّن من الاستعمال.

إذن فالمراد بالإصابة هو التمكّن من استعمال الماء ، فإذا تمكّن من استعماله بارتفاع عذره بطل تيممه.

(٢) كما تقدّم قريبا.

(٣) لبطلان تيممه السابق بالوجدان ، فلو طرأ عليه الفقدان بعد ذلك فهو موضوع جديد ولا بدّ من أن يتيمّم بسببه ثانيا.

إذا لم يسع زمان الوجدان للطهارة‌

(٤) لأنّ الإصابة الواردة في الأخبار المتقدمة إنّما هي في مقابل قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) (٣) وحيث إن معناه عدم التمكّن من استعمال الماء عقلاً أو شرعاً فيكون‌

__________________

(*) مرّ حكم ذلك [ في المسألة ١١٤٦ ].

(١) تقدّمت في نفس المسألة [ ص ٣٦٧ ، ٣٦٨ ].

(٢) ، (٣) النِّساء ٤ : ٤٣ ، المائدة ٥ : ٦.

٣٦٩

وكذا إذا كان وجدان الماء أو زوال العذر في ضيق الوقت فإنّه لا يحتاج إلى الإعادة حينئذ للصلاة الّتي ضاق وقتها.

[١١٥٢] مسألة ١٤ : إذا وجد الماء في أثناء الصلاة فإن كان قبل الركوع من الركعة الأُولى بطل تيمّمه وصلاته ، وإن كان بعده لم يبطل ويتم الصلاة (١)

______________________________________________________

معنى الإصابة هو التمكّن من استعمال الماء عقلاً وشرعاً ، بأن يكون للماء وجود خارجي وتمكّن من استعماله تكويناً بأن لا يكون مريضاً لا يقدر على الحركة أو ممنوعاً عنه من قبل الظالم ونحوه ، وشرعاً بأن كان مباحاً ولم يكن استعماله في الوضوء أو الغسل مزاحماً بتكليف آخر.

فإذا أصاب الماء ولم يكن متمكّناً من استعماله تكويناً لقلّة زمان الوجدان كما لو مرّت عليه سيارة تحمل ماءً أو ظفر ببئر ماءٍ ولم يكن عنده أدوات النزح ، أو لم يكن متمكّناً من استعماله شرعاً بأن كان مغصوباً أو في آخر الوقت بحيث لا يسع الوضوء أو الغسل ونحو ذلك ، لم ينتقض تيممه لعدم تحقق الغاية الرافعة للطهارة الترابية في حقّه.

وجدان الماء في أثناء الصلاة‌

(١) قد يكون الوجدان قبل الصلاة وقد يكون بعدها وثالثة يكون في أثنائها.

لا إشكال في أنّه إذا وجده قبل الصلاة بطل تيممه ، لأنّ الوجدان ناقض له كما سبق (١).

كما لا شبهة في أنّه إذا وجده بعد الصلاة صحّت صلاته ولا تجب إعادتها مطلقاً أو على تفصيل قد قدّمناه (٢) وهو ما إذا صلّى آيساً من وجدان الماء وما إذا صلّى مع احتمال إصابته وإنّما يجب أن يتوضأ أو يغتسل للصلوات المقبلة.

وإنّما الكلام فيما إذا وجد الماء في أثناء الصلاة. والمشهور هو التفصيل بين ما إذا وجده بعد الركوع فيمضي في صلاته وهي صحيحة وما إذا وجده قبل الركوع وقبل‌

__________________

(١) في ص ٣٦٦.

(٢) في ص ٣٢٦.

٣٧٠

الدخول فيه فيبطل تيممه وصلاته ، وهذا هو الّذي اختاره الماتن.

وذهب جمع كثير بل نسب إلى المشهور أنّه متى ما كبّر للافتتاح ودخل في الصلاة لم يجز له الرجوع ، فلا فرق بين وجدان الماء قبل الركوع أو بعده.

وذهب ثالث إلى استحباب القطع ما لم يركع ، وغير ذلك من الأقوال.

ومن المتسالم عليه أنّ الوجدان بعد الدخول في الركوع غير مسوغ لقطعها والرجوع إلاّ من الشاذ النادر ، حيث ذهب إلى أن وجدانه قبل إتمام الركعتين موجب للقطع والرجوع.

ومنشأ الاختلاف بينهم هو الاختلاف في كيفيّة الاستفادة من الأخبار الّتي منها صحيحة زرارة في حديث قال « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة ، قال : فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته فانّ التيمّم أحد الطهورين » (١) ودلالتها على التفصيل المتقدم ممّا لا غبار عليه.

وسندها معتبر ، حيث إن لها طرقاً ثلاثة :

أحدها : ما رواه الشيخ (٢) عن المفيد عن أحمد بن محمّد عن أبيه عن الصفار ... ، وهو ضعيف بأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار لعدم ثبوت وثاقته (٣).

وثانيها : ما رواه الكليني (٤) عن محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان ، وهو مورد المناقشة من جهة محمّد بن إسماعيل ، حيث قيل بتضعيفه وإن لم يكن الأمر كما قيل.

وثالثها : ما رواه الكليني (٥) عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز ، وهو حسن. فالرواية صحيحة بمعنى المعتبرة الأعم من الصحيحة أو الحسنة أو الموثقة في الاصطلاح.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨١ / أبواب التيمّم ب ٢١ ح ١. وتقدم في المسألة ١٢ [ ص ٣٦٦ ] ما له ربط في المقام من جهة سند الرواية.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٠ / ٥٨٠.

(٣) لاحظ المعجم ١٩ : ٢٧ / ١٢٠٠٥ ، فإنّه ذكر أنّ المراد من أحمد في مثل هذا السند هو أحمد ابن محمد بن الحسن بن الوليد.

(٤) الكافي ٣ : ٦٣ / ٤.

(٥) الكافي ٣ : ٦٣ / ٤.

٣٧١

ومن جملة الروايات رواية عبد الله بن عاصم : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة فجاء الغلام فقال : هو ذا الماء ، فقال : إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته » (١).

ودلالتها كسابقتها ظاهرة ، وإنّما الكلام في سندها حيث إنّ لها طرقاً ثلاثة :

أوّلها : ما رواه الكليني (٢) عن الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد عن الوشاء عن أبان بن عثمان. والحسين بن محمّد هو شيخ الكليني الثقة ويروي الكليني عنه بدون واسطة ، ولكن معلى بن محمّد لم يوثق فالسند ضعيف لأجله.

وثانيها : ما رواه الشيخ (٣) بإسناده عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمّد عن أبان بن عثمان عن عبد الله بن عاصم. وهو ضعيف أيضاً بالقاسم بن محمّد ، لأنّه الجوهري وهو ضعيف.

وذكر ابن داود في رجاله أنّ الظاهر أنّ القاسم بن محمّد الجوهري رجلان ، فانّ الشيخ ذكره في موضعين ، فعنونه مرّة وعدّه من أصحاب الكاظم عليه‌السلام وقال : إنّه واقفي ، وأُخرى في من لم يرو عنهم. إذن فهو رجلان ، إذ لا يمكن أن يكون شخص واحد من أصحاب الكاظم عليه‌السلام وممّن لم يرو عنهم ، والثّاني موثق فلا بدّ من الحكم بصحّة السند في المقام ، لأنّه روى عن أبان بن عثمان وبواسطته ولم يرو عن الكاظم عليه‌السلام (٤).

وفيه : أنّ الشيخ ذكره في ثلاثة مواضع ، فتارة ذكره في أصحاب الصادق عليه‌السلام (٥) وأُخرى في أصحاب الكاظم عليه‌السلام (٦) وثالثة في من لم يرو‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨١ / أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٢. والرواية معتبرة ، فإن معلى بن محمّد واقع في تفسير القمي رحمه‌الله [ كما ذكره قدس‌سره في المعجم ١٩ : ٢٧٢ ].

(٢) الكافي ٣ : ٦٤ / ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠٤ / ٥٩٢.

(٤) رجال ابن داود : ١٥٤ / ١٢١٩.

(٥) رجال الطوسي : ٢٧٣ / ٣٩٤٦.

(٦) رجال الطوسي : ٣٤٢ / ٥٠٩٥.

٣٧٢

عنهم (١) ، والظاهر أنّه لا تنافي بين عدّ الرجل من أصحاب إمام وممّن لم يرو عنهم ، إذ المراد من عدّه من أصحابهم أنّه ممّن صحبهم وأدركهم لا أنّه روى عنهم ، ويمكن أن يدرك شخص إماماً أو إمامين وأنّه مِن صَحْبهم أو أكثر ولا يروي عنهم من دون واسطة.

نعم ، في خصوص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر الشيخ باب ( من روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا باب ( أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ). إذن لا شهادة في عدّ الشيخِ الرجلَ في موضعين على تعدّده ، هذا.

على أنّا لو سلمنا تعدّده فمن أين تثبت وثاقة ثانيهما ، فإنّه لم يدلّنا دليل على وثاقته فالسند ضعيف لأجله.

ومنها (٢) : ما رواه الشيخ (٣) بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن جعفر بن بشير. وهذا السند ضعيف أيضاً ، لأن إسناد الشيخ إلى محمّد بن علي بن محبوب وإن كان صحيحاً إلاّ أنّ الحسن بن الحسين اللؤلؤي لم تثبت وثاقته ، وذلك لأنّه وإن وثقه النجاشي قدس‌سره (٤) إلاّ أنّ الشيخ ذكر في رجاله أن ابن بابويه قد ضعّفه (٥). ومستند تضعيف الصدوق إيّاه هو تضعيف شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد قدس‌سره وإن لم يذكره الشيخ قدس‌سره ، وهو الّذي ضعّف الرجل وتبعه الصدوق كما هو دأبه. وقد أيده شيخ النجاشي عباس بن سامان (٦) قائلاً ما مضمونه : إنّ تضعيفه في محلِّه.

وقد تعرّض لذلك النجاشي في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري ، حيث ذكر بعد توثيقه : أنّه كان يروي عن الضعفاء كثيراً ومن ثمة استثنى ابن الوليد جملة من‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٤٣٦ / ٦٢٤٤.

(٢) وهذا هو الطريق الثالث لرواية عبد الله بن عاصم.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠٤ / ٥٩٣.

(٤) رجال النجاشي : ٤٠ / ٨٣.

(٥) رجال الطوسي : ٤٢٤ / ٦١١٠.

(٦) لعلّ الصحيح : أبو العباس بن نوح.

٣٧٣

رواياته ، وعدّها النجاشي في كتابه ومن جملتها ما رواه عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي متفرداً به (١) وهو الّذي أيّده شيخ النجاشي قدس‌سرهما.

فإمّا أن يتقدّم التضعيف على توثيق النجاشي لتعدّد المضعِّف ، وإمّا أن يتعارضا ، وفي النتيجة لا يثبت توثيق الرجل فلا يمكن الاعتماد على رواياته ، فما ذكره صاحب المدارك قدس‌سره من أنّ الرواية ضعيفة السند هو الصحيح. فالمعتمد هو الحسنة المتقدمة وحسب.

وبإزاء هاتين الروايتين [ روايتان ] :

[ إحداهما ] : رواية محمّد بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قلت له : رجل تيمّم ثمّ دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثمّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ، قال : يمضي في الصلاة ، واعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلاّ في آخر الوقت » (٢). نظراً إلى أنّها تدل على أن وجدان الماء حين الدخول في الصلاة غير موجب لانتقاض التيمّم فلا عبرة بدخوله في الركوع وعدمه.

ويقع الكلام تارة في سندها وأُخرى في دلالتها.

الكلام في سند الرواية‌

أمّا من حيث السند فالظاهر ضعفها ، لتردد محمّد بن سماعة بين محمّد بن سماعة بن مهران الّذي هو ضعيف ، وبين محمّد بن سماعة بن موسى وهو ثقة والد الحسن وإبراهيم وجعفر.

وقد يقال : إنّ اللّفظ ينصرف إلى من هو المعروف من المسمين به كما بيّناه مراراً وحيث إن محمّد بن سماعة بن موسى ثقة جليل فينصرف اللّفظ إليه.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٤٨ / ٩٣٩.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٨٢ / أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٣. أمّا الكلام من جهة السند فقد رجع السيِّد الأُستاذ ( دام بقاؤه ) عمّا ذكره هنا في المعجم [ ١٧ : ١٤٤ ] فبنى على انصراف محمّد بن سماعة إلى ابن موسى الثقة ، وكذلك محمّد بن حمران إلى النهدي الثقة. راجع المعجم ١٧ : ٤٨ ، وعلى هذا فالسند معتبر.

٣٧٤

وفيه : أن كبرى انصراف الاسم إلى المعروف المشتهر وإن كانت صحيحة إلاّ أنّ المقام ليس من صغرياتها ، لأنّ كلا الرجلين مشتهر معروف ، والوثاقة وعدمها أجنبيان عن الاشتهار ، فانّ الوثاقة لا تستدعي الانصراف وإنّما المستتبع له هو الاشتهار ، هذا.

بل قد يقال بانصراف محمّد بن سماعة إلى ابن مهران ، نظراً إلى التصريح برواية البزنطي عن محمّد بن سماعة بن مهران كثيراً كما لا يخفى على من راجع الأخبار ، وهذا بخلاف محمّد بن سماعة بن موسى ، إذ لم يصرح برواية البزنطي عنه في الإسناد ، بل إنّما يوجد أنّه روى عن محمّد بن سماعة من دون تصريح بابن موسى ، هذا. ولا أقل من أن يكون محمّد بن سماعة مردّداً بين الثقة والضعيف كما ذكره صاحب الجواهر قدس‌سره (١) ، وهذا كلّه من جهة محمّد بن سماعة.

وأمّا محمّد بن حمران فقد تكلمنا فيه سابقاً وحاصل الكلام فيه هو : أن محمّد بن حمران مردّد بين الثقة والضعيف.

وتوضيحه : أنّ الشيخ تعرض في رجاله ثلاث مرّات لمحمّد بن حمران ، فتارةً عنون محمّد بن حمران بن أعين وعدّه من أصحاب الصادق عليه‌السلام (٢).

وثانية : عنون محمّد بن حمران مولى بني فهر وعدّه أيضاً من أصحاب الصادق عليه‌السلام وصرّح بأن محمّداً هذا غير محمّد بن حمران بن أعين (٣).

وثالثة : عنون محمد بن حمران النهدي وعدّه أيضاً من أصحاب الصادق (٤). وظاهره لو لم يكن صريحه أنّ المسمّين بمحمّد بن حمران ثلاثة أنفار وجميعهم من أصحاب الصادق عليه‌السلام.

وتعرّض لمحمّد بن حمران بن أعين في فهرسته وذكر أن له كتاباً وأنّه يروي عنه محمّد بن أبي عمير وابن أبي نجران (٥).

__________________

(١) الجواهر ٥ : ٢٤١.

(٢) رجال الطوسي : ٣١٣ / ٤٦٥١.

(٣) رجال الطوسي : ٣١٣ / ٤٦٤٩.

(٤) رجال الطوسي : ٢٨١ / ٤٠٥٩.

(٥) الفهرست : ١٤٨ / ٦٢٦.

٣٧٥

وتعرّض النجاشي في كتابه إلى محمّد بن حمران النهدي ووثقه ، وذكر أنّ له كتاباً ويروي عنه علي بن أسباط (١).

ولو لا تعرّض الشيخ في رجاله للرجل مرّتين وكل في مقابل الآخر الّذي هو كالنصّ في التعدد لجزمنا باتحاد الرجلين ، وذلك لأن للنهدي كتاباً يروي عنه علي بن أسباط على ما صرّح به النجاشي فلا وجه لعدم تعرّض الشيخ له في فهرسته ، لأنه وضعه لذكر فهرست الكتب وأصحابها ، ومن هذا يظن أنّهما شخص واحد غاية الأمر أنّ الشيخ عنونه باسم أبيه وعنونه النجاشي بلقبه.

كما أنّ النجاشي لم يتعرّض لابن أعين مع أن تأليفه متأخّر عن الفهرست ، لأنّه ناظر في كتابه إلى الفهرست ويعترض على الشيخ وإن لم يصرّح باسم الكتاب ، وقد ترجم النجاشي الشيخ وذكر في تعداد كتبه كتاب الفهرست (٢). ومع كون الفهرست بين يديه وتصريح الشيخ بأنّ له كتاباً يروي عنه محمّد بن أبي عمير وابن أبي نجران وهما كالمروي عنه من المعروفين المشهورين بين الرواة ولم يتعرّض النجاشي لابن أعين فيظن به أنّ الرجل واحد يعبر عنه بابن أعين تارة ويعبر عنه بالنهدي أي بلقبه اخرى ، ومن ثمة تعرّض الشيخ لأحد العنوانين وتعرّض النجاشي للآخر وسكت كل منهما عن الآخر.

إلاّ أنّ الجزم بذلك ليس ممكناً ، لتصريح الشيخ بالتعدد على ما بيّناه. إذن فهو متعدد وأحدهما ثقة وهو النهدي والآخر لم يوثق وهو ابن أعين ، فيتردّد محمّد بن حمران الموجود في الرواية بين الثقة والضعيف فلا يمكن الاعتماد عليها. ولا وجه لحملها على النهدي الثقة ، لأنّ الوثاقة لا توجب الانصراف ، وإنّما الموجب له هو الاشتهار وإن كان الراوي ضعيفاً. وكل من الرجل (٣) والراوي عنهما معروف مشهور لو لم ندع أن ابن أعين وراوييه ابن أبي عمير وابن أبي نجران أشهر وأعرف.

نعم لو قلنا إن ابن أبي عمير لا يروي إلاّ عن ثقة وأثبتنا ذلك حكمنا باعتبار‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٥٩ / ٩٦٥.

(٢) رجال النجاشي : ٤٠٣ / ١٠٦٨.

(٣) لعلّ المناسب : الرجلين.

٣٧٦

الرواية ، ولا يترتب أثر على تردد الراوي بين النهدي وابن أعين ، لاعتبار الرواية على كلا التقديرين. إلاّ أنّا أنكرنا هذا المبنى كما سبق مراراً ، ومعه لا يمكننا الاعتماد على الرواية ، هذا كلّه بالنسبة إلى محمّد بن حمران. هذا تمام الكلام في سند الرواية.

الكلام في دلالتها‌

لو أغمضنا النظر عن المناقشة السندية وبنينا على أن محمّد بن سماعة هو ابن موسى الثقة ، وأن محمّد بن حمران هو النهدي الثقة فلا يمكننا الاستدلال بالرواية ، لعدم دلالتها على المدّعى.

وذلك لأنّها إنّما تدل على عدم الاعتبار بما قبل الركوع وما بعده بمقتضى إطلاقها لدلالتها على أنّه إذا وجد الماء وهو داخل في الصلاة مضى في صلاته سواء كان ذلك قبل الركوع أم بعده ، فنقيدها بصحيحة زرارة أو حسنته المتقدمة الدالّة على التفصيل بين ما إذا وجد الماء قبل الدخول في الركوع وما إذا وجده بعده (١) فإنّه مقتضى قانون الإطلاق والتقييد.

وقد يقال بأنّ الرواية صريحة في أن وجدان الماء قبل الركوع لا يوجب انتقاض التيمّم لا أنّها تدل عليه بالإطلاق فهما متعارضتان ، ولا بدّ معه من حمل الحسنة أو الصحيح على الاستحباب إذا وجد الماء قبل الركوع ، وذلك لتصريح الراوي بأنّه وجد الماء حين يدخل في الصلاة أي حين شروعه فيها.

إلاّ أنّ هذا التوهم باطل ، لأنّ المراد به هو كون الرجل داخلاً في الصلاة ولا يراد به حال الشروع والدخول ، فان معنى « حين يدخل » حين كونه داخلاً في الصلاة وذلك لئلاّ يناقضه قول السائل قبل هذا : « رجل تيمّم ثمّ دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثمّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ». لأنّه فرض أنّه دخل في الصلاة وبعد دخوله فيها ، وذلك لمكان « ثمّ » ، فمعنى « يؤتى بالماء ... » أي يؤتى به حال كونه داخلاً في الصلاة ، فلو حمل ذلك على حال الشروع والدخول لكان مناقضاً لقوله : « ثمّ دخل في الصلاة ».

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨١ / أبواب التيمّم ب ٢١ ح ١ ، وقد تقدّمت في ص ٣٧١.

٣٧٧

هذه هي إحدى الروايتين اللّتين استدلّ بهما على أنّ المتيمِّم إذا دخل في الصلاة ثمّ وجد الماء لم تنتقض طهارته سواء كان ذلك قبل الركوع أم بعده ، ولأجلهما حملوا الصحيحة أو الحسنة المتقدمة الدالّة على الانتقاض إذا وجد الماء قبل الركوع على استحباب نقض الصلاة ثمّ الشروع فيها مع الوضوء.

وثانيتهما : صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم أنّهما قالا لأبي جعفر عليه‌السلام : « في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمّم وصلّى ركعتين ثمّ أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثمّ يصلِّي؟ قال : لا ، ولكنّه يمضي في صلاته فيتمها ولا ينقضها ، لمكان أنّه دخلها وهو على طهر بتيمم » (١).

وذلك لأنّها وإن وردت في من أصاب الماء بعد الركعتين إلاّ أنّ العلّة المذكورة في ذيلها تعمم الحكم لما إذا دخل في الصلاة ثمّ وجد الماء قبل الركوع ، لدلالتها على أنّ المدار في وجوب المضي في الصلاة إنّما هو الدخول فيها عن طهر بتيمم ، وحيث إنّها علّة غير قابلة للتخصيص ، فلا بدّ من حمل الحسنة المتقدمة الدالّة على الانتقاض فيما إذا وجد الماء قبل الركوع على الاستحباب كما قدّمنا ، هكذا ذكروا في وجه الاستدلال بها.

ولا كلام في سند الرواية ، لأنّ الصدوق رواها عن زرارة ومحمّد بن مسلم (٢) وطريقه صحيح (٣) ، نعم طريق الشيخ قدس‌سره (٤) ضعيف بأحمد بن محمّد بن الحسن ابن الوليد لعدم ثبوت وثاقته (٥).

وإنّما الكلام في دلالتها. والظاهر أنّها قابلة للتقييد أيضاً ، لأن علل الأحكام الشرعية لا تزيد على نفس الأحكام بل هي هي ، غاية الأمر أنّها حكم كبروي ، ومرجع‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٢ / أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٤.

(٢) الفقيه ١ : ٥٨ / ٢١٤.

(٣) الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ٦ ، ٨.

(٤) التهذيب ١ : ٢٠٥ / ٥٩٥.

(٥) وقد تقدّم وجود طريق صحيح للشيخ الطوسي قدس‌سره في [ الفهرست : ١٥٦ / ٦٩٤ ] إلى روايات محمد بن الحسن بن الوليد من غير ولده أحمد بن محمد ، فراجع.

٣٧٨

التعليل في الرواية ومعناه : أن من دخل في الصلاة عن طهر بتيمم لم تنتقض صلاته بوجدان الماء بعده ، وهو بمثابته.

ولا شبهة في أن مثله قابل للتقييد ، وليست العلل الشرعية كالعلل العقلية غير قابلة للتخصيص ، فانّ الدور إذا قام البرهان على استحالته لم يمكن تخصيصه بوقت دون وقت كالليل مثلاً ، فان حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد. وأمّا العلل الشرعية فتخصيصها أو تقييدها بمكان من الإمكان.

وليعلم أنّ المراد من أنّ التعليل غير قابل للتخصيص أنّه آبٍ عنه إذا القي على العرف لا أن تخصيصه غير ممكن ولا كلام في إبائه عن التقييد فلاحظ.

والنقض بالتعليل الوارد في الاستصحاب غير تام ، إذ لا كلام في إمكانه كما مرّ. على أن محل الكلام فيما إذا علّل حكم في مورد وورد في ذلك المورد بخصوصه ما يتوهم تخصيصه ، لا أن يرد حكم في مورد آخر قد يجتمعان ويخصص أحدهما. مع أنّه يمكن أن يقال فيه بالتقدّم بنحو الحكومة.

وقد وقع نظيره كثيراً ، مثل التعليل الوارد في صحاح ثلاث لزرارة وردت في الاستصحاب كقوله عليه‌السلام : « لأنّك كنت على يقين من وضوئك ، ولا تنقض اليقين بالشك أبداً » (١) على اختلاف ألفاظه باختلاف الصحاح. مع أنّا خصّصناه بقاعدتي الفراغ والتجاوز فيما إذا شكّ بعد الصلاة أو في أثنائها.

وبالجملة : إنّ قوله عليه‌السلام : « لمكان أنّه دخلها وهو على طهر بتيمم » بمثابة أن يقال : من دخل في صلاته بطهر عن تيمّم لم تنتقض صلاته بوجدان الماء بعده. وهو حكم قابل للتقييد ، ومقتضى قانون الإطلاق والتقييد هو تقييد إطلاق تلكم الصحيحة بحسنة زرارة المتقدِّمة (٢) الدالّة على أنّ الداخل في الصلاة بطهر عن تيمّم إذا وجد الماء قبل الركوع انتقضت طهارته وصلاته.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١ ، ٣ : ٤٧٧ / أبواب النجاسات ب ٤١ ، ٤٤ ح ١.

(٢) في ص ٣٧١.

٣٧٩

لكن الأحوط مع سعة الوقت الإتمام والإعادة مع الوضوء.

ولا فرق في التفصيل المذكور بين الفريضة والنافلة على الأقوى (١).

______________________________________________________

إذن ما ذهب إليه المشهور من التفصيل بين وجدانه الماء قبل الركوع ووجدانه بعده هو الصحيح.

نعم الاحتياط يقتضي إتمام الصلاة وإعادتها مع الوضوء كما في المتن ، وذلك لورود روايتين ضعيفتين دلّتا على أن وجدان الماء بعد الركوع موجب للانتقاض ، ولأجل الخروج عن الخلاف في المسألة.

وإحدى الروايتين لزرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل صلّى ركعة على تيمّم ثمّ جاء رجل ومعه قربتان من ماء ، قال : يقطع الصلاة ويتوضأ ثمّ يبني على واحدة » (١) أي يشرع من حيث قطعها.

ودلالتها على وجوب التوضي وانتقاض التيمّم بوجدان الماء حتّى بعد الركوع ظاهرة ، لكن السند ضعيف بعلي بن السندي.

وثانيتهما : رواية الحسن الصيقل قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل تيمّم ثمّ قام يصلِّي فمرّ به نهر وقد صلّى ركعة ، قال : فليغتسل وليستقبل الصلاة ، قلت : إنّه قد صلّى صلاته كلّها ، قال : لا يعيد » (٢).

ودلالتها ظاهرة كسابقتها ، لكن سندها ضعيف بموسى بن سعدان الّذي ضعّفوه (٣) والمثنى المردد بين الثقة والضعيف ، والحسن الصيقل لعدم ثبوت وثاقته.

التسوية بين النفل والفرض في الانتقاض بالوجدان‌

(١) هل التفصيل المتقدم خاص بالفريضة وأنّها الّتي دلّت الحسنة على عدم‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٣ / أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٥.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٨٣ / أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٦.

(٣) رجال النجاشي : ٤٠٤ / ١٠٧٢.

٣٨٠