موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[١١٤٥] مسألة ٧ : إذا اعتقد عدم سعة الوقت فتيمّم وصلّى ثمّ بان السعة (١) فعلى المختار صحّت صلاته ويحتاط بالإعادة ، وعلى القول بوجوب التأخير تجب الإعادة.

______________________________________________________

وأمّا النوافل غير المؤقتة فالصحيح جواز التيمّم لأجلها مطلقاً ، لأنّها مأمور بها في كل وقت كالصلاة والصوم ، فإذا لم يتمكّن من الصلاة في وقت مع الوضوء فله الإتيان بها مع التيمّم سواء علم بارتفاع عذره بعد ذلك أم علم ببقائه أم لم يعلم.

ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكرناه بين طول المدّة وقصرها كما لو علم بارتفاع عذره بعد ساعة مثلاً ، نعم عدم التمكّن من الماء في المقدّمات القريبة للوضوء أو الغسل كالمشي إلى الماء أو تسخينه وكذا عدم التمكّن منه في زمان الاغتسال لا يسوغ التيمّم ، لعدم صدق الفقدان بسببه ، بل يصدق عليه التمكّن من الاستعمال كما هو ظاهر.

إذا اعتقد عدم السعة فتيمّم وصلّى ثمّ بان السعة‌

(١) فصّل فيه بين القول بالمواسعة فتصح صلاته ولا يجب إعادتها وبين القول بالمضايقة فيجب إعادتها ، لأن اعتقاد الضيق إنّما يسبب حكماً ظاهرياً بجواز الإتيان بها مع التيمّم ولا يكون مجزئاً عن المأمور به الواقعي الّذي هو الصلاة آخر الوقت.

ودعوى : أنّ صحيحة أو حسنة زرارة المشتملة على أنّه إذا خاف فوت الوقت فليتيمم وليصل (١) تقتضي جواز الإتيان بها مع التيمّم في مفروض الكلام لاعتقاده الضيق وعدم سعة الوقت ، وتقتضي إجزاءها. مدفوعة بأنّها إنّما تدل على أن خوف الفوت من جهة ضيق الوقت مسوغ للتيمم أعني الخوف الناشئ عن ضيق الوقت لا مطلق الخوف ولو كان مستنداً إلى اعتقاد الضيق أو غيره ، لأن مورد الرواية هو خوف الفوت لأجل ضيق الوقت ، فلو خاف فوت الوقت مع أنّه ضيق جاز له التيمّم‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٣.

٣٤١

وهذا غير الفوت لأجل اعتقاد الضيق فإنّه شي‌ء آخر.

وفي بعض الحواشي (١) وجوب الإعادة مطلقاً وعلى كلا المسلكين. ولم نفهم وجهه إذ أنّ القول بالمواسعة أي جواز إيقاع الصلاة بالتيمّم في أوّل الوقت والحكم بوجوب الإعادة فيما لو أتى بها في أوّل وقتها وسعته مع اعتقاده الضيق لا يلتئمان ، لأنّه من أحد مصاديق المواسعة بزيادة اعتقاد الضيق.

ولعل وجهه تخيل أنّ المقام نظير ما إذا أتى بالتيمّم باعتقاد ضيق الوقت عن الوضوء ثمّ بان أنّ الوقت موسع للوضوء والصلاة معاً فالتيمّم باطل حينئذ ، وهذا بخلاف المقام الّذي يفرض فيه المكلّف فاقداً للماء في نفسه فإنّه لو تخيّل ضيق الوقت وأتى به ثمّ انكشف الوقت فإنّه على القول بالمواسعة لا إشكال في صحّته ، هذا.

رجوع عمّا (٢) سبق ببيان ما هو محل الكلام‌

اعلم أنّ هناك مسألتين :

إحداهما : ما إذا اعتقد المكلّف ضيق الوقت عن الوضوء أو الاغتسال مع وجدانه الماء من دون عذر وقد تيمّم ثمّ بان سعة الوقت.

وقد ذكرنا أنّ الوظيفة عند ضيق الوقت هي التيمّم ، لأنّ المراد من الفقدان والوجدان هو الفقدان والوجدان بالنسبة إلى الصلاة ، وبما أنّ المكلّف فاقد للماء بالنسبة إلى الصلاة حينئذ وإن كان واجداً للماء بالنسبة إلى غيرها جاز له أن يتيمّم ويصلِّي ، وإن كان هناك قول بالخلاف وعدم كون ضيق الوقت مسوغاً للتيمم (٣).

وفي مثله إذا اعتقد ضيق الوقت وكان الوقت موسعاً لاستعمال الماء واقعاً فلا يكون التيمّم المأتي به مجزئاً قطعاً ، لأنّه ينكشف به عدم كون التيمّم مأموراً به إلاّ خيالاً وإلاّ فهو مأمور في الواقع بالطّهارة المائية.

__________________

(١) كتعليقة النائيني والسيِّد جمال الگلپايگاني والسيِّد الشاهرودي ( قدّس الله أسرارهم ).

(٢) المناسب : إلى ما.

(٣) راجع ص ١٥٤.

٣٤٢

[١١٤٦] مسألة ٨ : لا تجب إعادة الصلاة الّتي صلاّها بالتيمّم الصحيح بعد زوال العذر لا في الوقت (*) ولا في خارجه مطلقاً (١).

______________________________________________________

ولا تجري في هذه المسألة المواسعة أو المضايقة ، إذ لا معنى فيها للقول بجواز الإتيان بالتيمّم في أوّل الوقت أو في آخره أو في أثنائه ، وهو ظاهر.

ثانيتهما : ما إذا كان المكلّف غير واجد للماء حقيقة أو لعذر ، وهذه هي مسألتنا. وقد ذكرنا أنّه لا يسوغ له البدار والإتيان بالتيمّم في أوّل الوقت ، بل يجب عليه الصبر إلى آخر الوقت فان لم يجد الماء تيمّم وصلّى في آخره ، وهذا هو المعبر عنه بالمواسعة والمضايقة.

وهذه المسألة مغايرة للمسألة السابقة كما ترى ، فانّ المكلّف واجد للماء هناك بخلاف مسألتنا هذه.

فإذا قلنا فيها بالمواسعة كما هو مختار المصنف قدس‌سره فمعناه أنّ للمكلّف أن يأتي بالتيمّم والصلاة في أوّل الوقت كما يجوز له في آخره. فلا يفرق في صحّته بين أن يعتقد السعة أو الضيق ، فإنّه نظير ما إذا أتى بصلاة الظهر معتقداً سعة الوقت أو ضيقه فإنّه لا يكاد يكون فارقاً في صحّتها. إذن لا بدّ من الالتزام بصحّة التيمّم على القول بالمواسعة فيما إذا أتى به معتقداً ضيق الوقت فبان سعته.

نعم بناءً على ما اخترناه من القول بالمضايقة لا بدّ من الحكم ببطلان التيمّم ، لعدم كونه مأموراً به حينئذ وإنّما اعتقد المكلّف كونه مأموراً به.

عدم وجوب إعادة ما صلاّهُ بالتيمّم‌

(١) ليس المدار في المسألة على الإتيان بالصلاة مع التيمّم [ الصحيح ] ، بل المدار على الإتيان بالصلاة الصحيحة مع التيمّم ، وذلك لأنّه قد يكون التيمّم صحيحاً ويحكم‌

__________________

(*) الظاهر وجوب الإعادة إلاّ إذا كان عذره عدم وجدان الماء فارتفع بوجدانه فعندئذ لا تجب الإعادة.

٣٤٣

ببطلان الصلاة المأتي بها بذاك التيمّم ، كما لو تيمّم قبل الوقت لغاية من غاياته أو بعد الوقت لغير الصلاة من غاياته ، فالتيمّم صحيح في الصورتين لكن لو صلّى به في أوّل الوقت حكمنا ببطلانها كما قدّمناه (١) ، لوجوب التأخير إلى آخر الوقت. إذن المدار على الإتيان بالصلاة الصحيحة مع التيمّم.

وكان اللاّزم على المصنف أن يقول : إذا صلّى صلاة صحيحة بتيمم ، لا كما صنعه في المتن.

وهل تجب إعادتها أو قضاؤها بعد زوال العذر أو لا تجب؟

يقع الكلام فيه في مقامين :

أحدهما : في وجوب قضائها إذا زال العذر خارج الوقت وعدمه.

ثانيهما : في وجوب إعادتها إذا زال العذر في الوقت وعدمه.

المقام الأوّل : في وجوب القضاء‌

لا يجب قضاء ما أتى به من الصلوات الصحيحة بالتيمّم إذا زال عذره بعد الوقت وذلك بالكتاب والسنّة والأصل.

أمّا الكتاب فلقوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (٢) لأنّه دلّ على تقسيم المكلّفين إلى قسمين : قسم وظيفته الطّهارة المائية وقسم وظيفته التيمّم بالصعيد ، وإن كانت الوظيفتان طوليتين لا عرضيتين.

فإذا أتى فاقد الماء بما هو وظيفته من الصلاة بالتيمّم لم يكن وجه لقضائها أبداً ، كما أنّ واجد الماء لو أتى بوظيفته من الصلاة بالطّهارة المائية لم يكن موجب لقضائها لأنّه أتى بواجبه. ومن هنا قلنا بعدم جواز تفويته الماء بعد الوقت وعدم جواز إبطاله طهارته بعد دخول الوقت.

وأمّا الأخبار فلدلالتها على عدم وجوب القضاء في محل الكلام صريحاً ، وإليك‌

__________________

(١) لاحظ ص ٣٣٦ ، ٣٣٨.

(٢) النِّساء ٤ : ٤٣ ، المائدة ٥ : ٦.

٣٤٤

بعضها :

منها : حسنة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه » (١).

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد وصلّى ثمّ وجد الماء ، قال : لا يعيد ، إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد فقد فعل أحد الطهورين » (٢) ، وهي أصرح رواية في المقام.

ومنها : صحيحة يعقوب بن يقطين الآتية (٣).

ومنها : ما عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن أبي ذر رضي‌الله‌عنه : « أنّه أتى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله هلكت ، جامعت على غير ماء ، قال : فأمر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمحمل فاستترت به ، وبماء فاغتسلت أنا وهي ، ثمّ قال : يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين » (٤).

وهي مروية بطريقين : في أحدهما محمّد بن سعيد بن غزوان وهو غير موثق ، وفي ثانيهما أحمد بن محمّد عن أبيه ، وهو ابن الحسن بن الوليد على الظاهر ، وليس هو العطّار ، لقوله بعد ذلك : عن محمّد بن يحيى. ولا معنى له لو كان الأوّلان هو أحمد بن محمّد بن يحيى وأباه. وأحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد لم تثبت وثاقته كابن العطّار.

نعم في هامش الوسائل الجديدة السند الثّاني في التهذيب والاستبصار هكذا : أحمد بن محمّد عن أبيه عن سعد. فيحتمل أن يكون أحمد هو ابن العطّار (٥).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٧٠ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١٥.

(٣) في المقام الثّاني.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٦٩ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١٢.

(٥) وأن « عن محمّد بن يحيى » في الوسائل مصحف « محمّد بن يحيى » وعلى أي حال فالتردّد

٣٤٥

والمتحصل : أنّ القضاء ليس واجباً في المقام حسبما تدل عليه الأخبار.

وأمّا الأصل فلأنا لو فرضنا أنّ الكتاب والسنّة غير موجودين لم نقل بوجوب القضاء أيضاً ، لأنّه بأمر جديد ، وموضوعه الفوت وهو غير محرز في المقام ، ومع الشك فإنّ الأصل يقتضي عدم الفوت وعدم وجوب القضاء على المكلّف.

المقام الثّاني : في وجوب الإعادة‌

وقد تقدّم الكلام فيه (١) مفصّلاً. وقد استظهرنا من الأخبار أن من كان راجياً زوال عذره أو وجدانه الماء قبل انقضاء الوقت وجب عليه التأخير ، ولو أتى به في أوّل الوقت ثمّ وجد الماء أو ارتفع عذره في أثنائه كشف ذلك عن عدم كونه مأموراً بالتيمّم من الابتداء ، لأنّ المدار على الفقدان بالنسبة إلى الطبيعي ، وهو بالنسبة إليه واجد للماء فلا بدّ من أن يعيد طهارته وصلاته.

وأمّا من كان آيساً أو عالماً بعدم وجدانه الماء وعدم ارتفاع عذره فيجوز له البدار والإتيان بالتيمّم والصلاة في أوّل الوقت ، بحيث لو وجد الماء بعد ذلك أو ارتفع عذره في أثناء الوقت لم يجب عليه إعادتها حسبما دلّت عليه الأخبار المتقدمة.

نعم هناك خبران قد يقال بدلالتهما على وجوب الإعادة في الوقت فيما إذا ارتفع عذره في الأثناء :

أحدهما : صحيحة يعقوب بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل تيمّم فصلّى فأصاب بعد صلاته ماءً أيتوضأ ويعيد صلاته أم تجوز صلاته؟ قال : إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد ، فان مضى الوقت فلا إعادة عليه (٢).

__________________

لا يضر باعتبار السند ، لأنّ للشيخ قدس‌سره [ في الفهرست : ٧٥ / ٣٠٦ ] طريقاً معتبراً إلى جميع كتب وروايات سعد بن عبد الله. راجع المعجم ٩ : ٧٩.

(١) في ص ٣٢٥ فما بعد.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٦٨ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٨.

٣٤٦

إلاّ أنّ الأمر ليس كما يقال ، فان مفروض كلامنا ما إذا أتى المكلّف بصلاة صحيحة ثمّ ارتفع عذره أو وجد الماء ، وهذا إنّما يكون في موردين :

أحدهما : ما إذا صلّى في آخر الوقت وارتفع عذره بعد الوقت ، وهذا وظيفة من احتمل الوجدان إلى آخر الوقت. ولا إشكال في عدم وجوب القضاء عليه كما مرّ.

وثانيهما : من أيس أو اطمأن بعدم وجدانه الماء أو ارتفاع عذره إلى آخر الوقت فأتى بالتيمّم والصلاة في أوّل الوقت ثمّ ارتفع عذره أو وجد الماء.

والصحيحة مطلقة وليست واردة في وجوب الإعادة في خصوص الصورة الثّانية فلتحمل بمقتضى ما دلّ على عدم وجوب الإعادة عند اليأس على صورة ما إذا لم يأت بصلاة صحيحة ، كما لو كان محتملاً لوجدان الماء أو كان عالماً به ومعه أتى بالتيمّم في أوّل الوقت وصلّى. أو تحمل على الاستحباب في صورة ما إذا أتى بصلاة صحيحة ثمّ ارتفع عذره أو وجد الماء ، هذا.

ولكن الصحيح حملها على الاستحباب وحسب ، ولا مجال لحملها على صورة الإتيان بها مع العلم بالوجدان أو رجائه ، وذلك لأن مفروض الصحيحة أنّ الرجل صلّى صلاته صحيحة ، وإنّما سأل عن لزوم إعادتها وعدمه ، بحيث لولا وجوب الإعادة كانت صلاته تامّة.

وهذا بمقتضى ما دلّ على أنّ التيمّم والإتيان بالصلاة أوّل الوقت إنّما هو في صورة اليأس عن وجدان الماء إلى آخر الوقت لا بدّ أن تحمل على تلك الصورة وهي ما إذا كان آيساً من الوجدان وحيث قلنا في تلك الصورة بعدم وجوب الإعادة بمقتضى الأخبار المذكورة فلا مناص من حمل هذه الصحيحة على الاستحباب ، ولا يمكن حملها على صورة الإتيان بالصلاة فاسدة.

ثانيهما : موثقة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في رجل تيمّم فصلّى ثمّ أصاب الماء ، فقال : أمّا أنا فكنت فاعلاً ، إنّي كنت أتوضأ وأُعيد » (١).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٨ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١٠.

٣٤٧

نعم الأحوط استحباباً إعادتها في موارد :

أحدها : من تعمّد الجنابة مع كونه خائفاً من استعمال الماء فإنّه يتيمّم ويصلِّي (١)

______________________________________________________

وذكر صاحب الوسائل أنّ هذه الرواية واضحة الدلالة على الاستحباب.

والأمر كما أفاده قدس‌سره لقوله عليه‌السلام : « أمّا أنا فكنت فاعلاً » وهي حكاية فعل منه عليه‌السلام فهو أمر كان يفعله ولا يجب على غيره ، بل لا بدّ من الحمل على الاستحباب على تقدير ظهورها في الوجوب في مقابل الأخبار المتقدمة الدالّة على عدم وجوب الإعادة حينئذ.

وهناك رواية أُخرى دالّة على وجوب الإعادة أيضاً وهي صحيحة عبد الله بن سنان الّتي رواها الصدوق (١) بإسناده عنه ، وإسناده إليه صحيح. قال : « إنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل تصيبه الجنابة في اللّيلة الباردة فيخاف على نفسه التلف إن اغتسل ، فقال : يتيمّم ويصلِّي فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة » (٢).

والجواب عن ذلك : أنّ الصحيحة واردة في خصوص من أصابته الجنابة ، وقد دلّت على وجوب الإعادة عليه عند ارتفاع عذره. إلاّ أنّا نبيّن في التعليقة الآتية أنّها معارضة بغيرها ممّا دلّ بصراحته على أن من أصابته الجنابة لا يعيد صلاته ، وحيث إنّها نص في مدلولها ودلالة الصحيحة هذه بالظهور فلا بدّ من رفع اليد بها عن ظهورها وحملها على الاستحباب بعد تقيدها بما إذا أتى بالتيمّم آيساً من ارتفاع عذره إلى آخر الوقت بمقتضى الأخبار المتقدمة.

المورد الأوّل لاستحباب الإعادة‌

(١) ذهب جماعة قليلون إلى أن متعمد الجنابة لو تيمّم وصلّى ثمّ وجد الماء وارتفع عذره وجب عليه إعادة الصلاة. واستدلّ عليه بالصحيحة المتقدمة في التعليقة السابقة عن ابن سنان ، حيث دلّت على أن من أصابته جنابة وتيمّم لخوفه من التلف لو‌

__________________

(١) في الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٧٢ / أبواب التيمّم ب ١٦ ح ١.

٣٤٨

اغتسل ثمّ ارتفع عذره وجب عليه إعادة الصلاة.

وهذه الرواية وإن رويت بطرق متعددة فإنّها مروية بطريق الكليني (١) وطريق الشيخ (٢) إلاّ أنّ الأوّل مرسل والثّاني مردد ، لأنّه عن عبد الله بن سنان أو غيره ، أو هي مرسلة على روايته الأُخرى عن الكليني (٣).

فالاستدلال برواية الصدوق بسنده إلى عبد الله بن سنان ، وهو صحيح.

إلاّ أنّ الصحيحة لا دلالة فيها على أن ذلك وظيفة من تعمّد الجنابة ، لأن قوله : « تصيبه الجنابة » أعم من العمدية وغير العمدية كالاحتلام لو لم ندع ظهورها في غير العمدية ، لأن ظاهرها أنّ الجنابة تصيب الشخص لا أنّه يحدثها. فهي تدل على أنّ الجنب أعم من المتعمد وغيره لو ارتفع عذره وجبت عليه الإعادة.

إلاّ أن في مقابلها عدّة صحاح تنص على عدم وجوب الإعادة على الجنب المتعمّد وغيره.

منها : حسنة أو صحيحة الحلبي قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا لم يجد الرجل طهوراً وكان جنباً فليتمسح من الأرض وليصل ، فإذا وجد ماءً فليغتسل وقد أجزأته صلاته الّتي صلّى » (٤).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان بعين مضمون الصحيحة المتقدمة (٥).

وأصرح منها صحيحة محمّد بن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد وصلّى ثمّ وجد الماء ، قال : لا يعيد ، إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين » (٦) فان تعليلها هذا ممّا لا يختص بالمتعمّد وغيره.

ومنها : صحيحة الحلبي « أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل إذا أجنب‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٧ / ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٩٦ / ٥٦٨ ، ٥٦٧.

(٣) لم يرد الكليني في الطريق المذكور.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٦٧ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٤.

(٥) الوسائل ٣ : ٣٦٨ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٧.

(٦) الوسائل ٣ : ٣٧٠ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١٥.

٣٤٩

لكن الأحوط إعادتها بعد زوال العذر ولو في خارج الوقت (١).

الثّاني : من تيمّم لصلاة الجمعة (*) عند خوف فوتها لأجل الزحام ومنعه (٢).

______________________________________________________

ولم يجد الماء ، قال : يتيمّم بالصعيد ، فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة » (١).

وحيث إن تلك الصحاح صريحة الدلالة على عدم وجوب الإعادة وتلك الصحيحة المتقدِّمة ظاهرة في وجوب الإعادة فنرفع اليد عن ظهورها بنص تلكم الصحاح فنحمل الصحيحة على استحباب الإعادة في الوقت بعد تقييد هذه الصحاح بما إذا أتى بالتيمّم آيساً من ارتفاع عذره في الوقت بمقتضى الأخبار المتقدمة.

(١) لا استحباب في الإعادة خارج الوقت ، لصحيحة يعقوب بن يقطين « ... فان مضى الوقت فلا إعادة عليه » (٢).

المورد الثّاني لاستحباب الإعادة‌

(٢) وذلك لموثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام : « أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج عن المسجد من كثرة الناس ، قال : يتيمّم ويصلِّي معهم ويعيد إذا انصرف » (٣).

وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عن علي عليهما‌السلام : « أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة فأحدث أو ذكر أنّه على غير وضوء ولا يستطيع الخروج من كثرة الزحام ، قال : يتيمّم ويصلِّي معهم ويعيد إذا هو انصرف » (٤).

__________________

(*) الظاهر وجوب الإعادة في هذا الفرض.

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٦٨ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٨.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٧١ / أبواب التيمّم ب ١٥ ح ١.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٧١ / أبواب التيمّم ب ١٥ ح ٢. المراد بأبي جعفر الواقع في سند الرواية هو

٣٥٠

حملاً للأمر بالإعادة فيهما على الاستحباب ، إذ لا تجب على المكلّف في كل يوم إلاّ خمس صلوات لا ست صلوات فتكون إعادة الظهر مستحبّة لا محالة ، والمراد بها إعادتها ظهراً ، لأنّه لا معنى لإعادة صلاة الجمعة في غير وقتها ، هذا.

ولا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّ الوارد في الروايتين إن كان هو صلاة الجمعة كان لما ذكروا من استحباب الإعادة في مفروض الكلام وجه ، بناءً على أن إقامة الجمعة واجب تعييني أو أنّها واجب تخييري ويجب الحضور لها إذا نودي لصلاتها يوم الجمعة كما استظهرناه وقوّيناه لأنّه الموافق لما هو ظاهر الآية الكريمة ، فيمكن أن يقال على هذا : بما أنّ المكلّف كان مأموراً بإقامة صلاة الجمعة أو بحضورها ولم يتمكّن من الطّهارة المائية للزحام فيتيمم ويأتي بما هو وظيفته ثمّ يستحب له أن يعيدها ظهراً بمقتضى الأمر بالإعادة في الروايتين.

إلاّ أنّ المذكور فيهما ليس هو صلاة الجمعة ، بل المذكور فيهما يوم الجمعة ويوم عرفة ، ومن الواضح أنّه لا صلاة جمعة يوم عرفة. فلا يمكن حمل الروايتين على إرادة صلاة الجمعة ، بل لا بدّ من حملها على إرادة صلاة الجماعة ، وحيث إنّها أمر مستحب فتدل الروايتان على أنّ من كان في المسجد عند إقامة صلاة الجماعة ولم يمكنه الخروج لتحصيل الطّهارة المائية فيجوز له أن يتيمّم ويصلِّي جماعة تحفظاً على فضيلة الوقت.

إلاّ أنّه من الظاهر أنّها حينئذ صورة جماعة وليست جماعة حقيقة ، لأنّه متمكّن من الماء ، فيتحفظ على ظهور الروايتين في وجوب الإعادة لعدم إتيانه بما هو وظيفته ولكنّه لمّا لم يجز له الإقدام على الصلاة أوّل وقتها عند عجزه عن الماء حينئذ أمر ( سلام الله عليه ) بالتيمّم والصلاة عند إقامة الجماعة للتحفظ على فضيلة الوقت مع إيجاب الإعادة عليه بعد ذلك. فلا دلالة في الروايتين على وجوب التيمّم حينئذ واستحباب الإعادة كما ادعي ، بل دلالتهما على العكس وهو استحباب التيمّم ووجوب‌

__________________

أحمد بن محمّد بن عيسى عن أبيه محمّد بن عيسى ، وهو وجه القميين وشيخ الأشاعرة ، وهذا يدل على حسنة فلا مانع من الاعتماد على روايته ، وإن لم يوثقه إلاّ بعض المتأخرين كالشهيد كما حكاه عنه الشهيد الثّاني في الرعاية في علم الدراية : ٣٧١ ونحن لا نعتمد على توثيقاتهم.

٣٥١

الثّالث : من ترك طلب الماء عمداً إلى آخر الوقت وتيمّم وصلّى ثمّ تبيّن وجود الماء في محل الطلب (١).

______________________________________________________

الإعادة كما أوضحناه.

ويؤكّد ما ذكرناه أنّ الظاهر أنّ الجماعات المنعقدة في زمان صدور الأخبار في الأماكن المفروضة لا سيما بملاحظة كثرة الناس على وجه يمنع المكلّف عن الخروج إنّما كانت للعامّة ، إذ لم يكن في تلك الأعصار جماعة للخاصّة في المساجد المعروفة ولم يكن لهم تلك الكثرة ، فيكون الأمر بالتيمّم لأجل إدراك الجماعة على ذلك مبنيّاً على التقية ومراعاة لعدم إظهار المخالفة لهم عند إقامتهم الصلاة ، ومعه كيف يمكن أن يقال : إنّ الإعادة مستحبّة؟

بل لو فرضنا أنّ الروايتين واردتان في صلاة الجمعة لم نتمكّن من الحكم باستحباب الإعادة ، لأن من يرى وجوب إقامة الجمعة أو الحضور لها إنّما يراه واجباً على من يكون واجداً للشرائط ، ولا يلتزم بوجوب الإقامة أو الحضور على من كان بدنه أو ثوبه متنجساً ليصلّي مع الثوب النجس أو عارياً أو مع البدن المتنجس ، وكذا من لا يتمكّن من الوضوء وهو خارج المسجد ، إذ لا يحتمل أن تكون إقامتها أو الحضور لها واجباً على مثله بأن يتيمّم ويدخل الصلاة.

وعليه فمن لم يكن متطهراً حال إقامتها لا يحكم عليه بوجوب إقامة الصلاة ليسوغ له التيمّم ثمّ يستحب له الإعادة. فالصحيح هو التحفظ على ظاهر الروايتين أي وجوب الإعادة في موردهما واستحباب التيمّم لدرك فضيلة الوقت كما مرّ.

مَن تبدّلت وظيفته لأجل التفويت متعمِّداً‌

(١) تعرّض قدس‌سره لجملة من الموارد الّتي قدّمناها سابقاً (١) ، ويجمعها من فوّت المأمور به في حقّه حتّى تبدّلت وظيفته من الطّهارة المائية إلى الترابية.

__________________

(١) في ص ١٥٩ ، ١٠٥ ، ٩٨.

٣٥٢

الرّابع : من أراق الماء الموجود عنده مع العلم أو الظن بعدم وجوده بعد ذلك وكذا لو كان على طهارة فأجنب مع العلم أو الظن بعدم وجود الماء.

الخامس : من أخّر الصلاة متعمداً إلى أن ضاق وقته فتيمّم لأجل الضيق.

[١١٤٧] مسألة ٩ : إذا تيمّم لغاية من الغايات كان بحكم الطاهر ما دام باقياً لم ينتقض وبقي عذره فله أن يأتي بجميع ما يشترط فيه الطّهارة (١)

______________________________________________________

منها : من أخّر الصلاة متعمداً حتّى ضاق وقتها بحيث لم يمكنه الوضوء أو الاغتسال. وقد قدّمنا أنّ مقتضى القاعدة حينئذ سقوط الصلاة عنه ، لعدم تمكّنه من الصلاة الواجبة في حقّه وهي الصلاة مع الطّهارة المائية. إلاّ أنّا علمنا أنّ المكلّف لا تسقط عنه الصلاة بحال ، ومن ثمة وجبت عليه الصلاة مع الطّهارة الترابية وإن كان عاصياً بتفويته الصلاة مع الطّهارة المائية.

ومنها : من أراق الماء الموجود عنده مع العلم بعدم تمكّنه منه إلى آخر الوقت ، أو كان على طهارة فأحدث بالجنابة أو بغيرها مع العلم بعدم تمكّنه من الماء إلى آخر الوقت فيجب عليه الصلاة بطهارة ترابية أيضاً.

ومنها : من ترك الفحص الواجب في حقّه إلى آخر الوقت فيجب عليه أيضاً أن يتيمّم ويصلِّي إن كان الماء موجوداً في محل الطلب واقعاً. فإنّه في هذه الموارد لا مانع من إعادة الصلاة بعد التمكّن من الماء احتياطاً.

المتيمم لغاية بحكم الطاهر‌

(١) هذا هو المعروف عندهم ، وخالف فيه بعضهم فذهب إلى أنّ المتيمم ليس له الدخول في المساجد أو اجتياز المسجدين أو مسّ الكتاب مستدلاًّ بقوله تعالى ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (١) حيث جعل الغاية لحرمة دخول المساجد أو‌

__________________

(١) النِّساء ٤ : ٤٣.

٣٥٣

غيره هي الاغتسال دون التيمّم ، فلو كان التيمّم غاية أيضاً لجعلته الآية غاية أُخرى ومقتضى إطلاقها عدم كون الغاية غير الاغتسال.

والصحيح هو ما ذهب إليه المشهور في المسألة. وتوضيحه :

أنّ التيمّم إن قلنا بكونه رافعاً للجنابة كالاغتسال وإن كان رفعه مؤقتاً فإذا وجد الماء حكم بجنابته ، وليس هذا لأن وجدان الماء من أسباب الجنابة ، لانحصار سببها بالأمرين المعروفين ، بل من جهة السبب السابق على التيمّم ، وإنّما حكم بارتفاع جنابته مؤقتاً ما دام معذوراً عن الماء فلا وجه للمناقشة المذكورة ، لأنّ التيمّم كالاغتسال ، إذ كما أنّ الاغتسال غاية لارتفاع موضوع الجنابة وتبدله بغير الجنب نظير الغاية في قوله تعالى ( حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (١) أي حتّى يتبدّل يُتمه بالبلوغ فيرتفع موضوع الصغر ، لأنّ الغاية ليست غاية لارتفاع الحكم مع بقاء الموضوع بحاله بل غاية لارتفاع موضوعه ، كذلك الحال في التيمّم ، فإنّه موجب لارتفاع موضوع الجنابة أيضاً وتبدلها بغيرها فيسوغ له دخول المساجد واجتياز المسجدين ونحوهما من الغايات المتوقفة على الطّهارة وعدم الجنابة. فالمناقشة المذكورة ليست في محلها.

وإن قلنا بكون التيمّم رافعاً للحدث لا للجنابة فان الجنب على قسمين : متطهر وغير متطهر ، والمتيمم جنب متطهر فهو غير رافع لموضوع الجنابة ، بل رافع للحدث فقط فيسوغ به كل غاية مترتبة على الطّهارة وعدم الحدث دون الآثار المترتبة على عدم الجنابة. فللمناقشة المذكورة وجه وجيه ، لأن دخول المساجد في الآية المباركة مترتب في حقّ الجنب على الاغتسال أي على عدم (٢) تبدل موضوع الجنابة بغيرها.

وحيث إنّ المفروض بقاء الجنابة بحالها مع التيمّم فلا يسوغ له الدخول في المساجد حتّى يغتسل ويرتفع موضوع الجنابة ويتبدل بغيرها ، إذ المفروض أنّ التيمّم يرفع الحدث لا الجنابة.

__________________

(١) الأنعام ٦ : ١٥٢.

(٢) الظاهر زيادة كلمة ( عدم ).

٣٥٤

ولعلّه لأجل ذلك استشكل العلاّمة في التيمّم للصيام (١) ، لأن موضوع المفطر فيه هو البقاء على الجنابة ، وهذا لا يرتفع بالتيمّم وإن ارتفع به الحدث ، ولكن لم يرتب الحكم فيه على البقاء على الحدث ليرتفع بالتيمّم ، بل الموضوع هو البقاء على الجنابة وهي لا ترتفع بالتيمّم. ومن هنا احتطنا في الصوم وقلنا إنّ التيمّم أحوط ، ولم نقل إنّه أقوى.

ولكن يدفع هذا الاحتمال أنّ المرتكز في أذهان المتشرعة ومقتضى مناسبة الحكم والموضوع أنّ المراد بالاغتسال في الآية الكريمة هو طلب تحصيل الطّهارة ورفع الحدث لا الاغتسال بما هو اغتسال ، ولذا عبرت آية التيمّم عنه بالتطهّر ، قال عزّ من قائل ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٢) فجواز الدخول في المساجد كالدخول في الصلاة وغيرهما من الغايات مترتبة على طلب الطّهارة أي على رفع الحدث لا على ارتفاع الجنابة بما هي جنابة.

فتندفع المناقشة المذكورة ، فإنّ التيمّم تحصيل للطهارة ورافع للحدث كالاغتسال فتصح به كل غاية تصح مع الاغتسال ، فلو تيمّم المجنب كفى في صحّة صومه ، لأنّ الموضوع فيه وإن كان هو البقاء على الجنابة إلاّ أن رافعها هو الاغتسال بمعنى طلب الطّهارة ورفع الحدث ، وهذا يتحقق بالتيمّم أيضاً.

ويؤكّد ما ذكرناه أنّ السيرة قد جرت على ترتيب تلك الغايات على التيمّم ، لأنّ الابتلاء بالتيمّم بدلاً عن غسل الجنابة من أجل المرض أو فقدان الماء أو غيرهما من المسوغات كثير في زماننا وفي الأزمنة المتقدمة ، وهم كانوا يدخلون المساجد ويقيمون فيها الصلاة ، فلو كان دخول المساجد محرماً على المتيمم الجنب لبان حكمه وذاع واشتهر.

هذا وقد ورد في بعض الأخبار (٣) بل أفتى به بعضهم جواز إمامة الجنب المتيمم‌

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٢١٥ ، المنتهي ٣ : ١٤٨.

(٢) المائدة ٥ : ٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٢٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٧.

٣٥٥

إلاّ إذا كان المسوغ للتيمم مختصّاً بتلك الغاية كالتيمم لضيق الوقت فقد مرّ أنّه لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ولا قراءة العزائم ولا الدخول في المساجد ، وكالتيمم لصلاة الميّت أو للنوم مع وجود الماء.

______________________________________________________

لغيره ، فيدلّنا هذا على أن رفع الحدث بالتيمّم كافٍ في ترتيب الآثار المترتبة على الطّهارة وغير الجنب ، وأنّه مانع عنها بما هو حدث لا بما هو جنابة.

وأمّا لو قلنا بأنّ التيمّم مبيح للدخول في الصلاة فللمناقشة المتقدمة وجه قوي وذلك لأن إباحة الدخول مع التيمّم مختصّة بالصلاة فلا يباح به الدخول في المساجد وغيره من الغايات المترتبة على الطّهارة ، فهو تخصيص في دليل اشتراط الصلاة بالطهور فلا يباح به غير الدخول في الصلاة من الغايات ، هذا.

ولكن الظاهر عدم تمامية هذه المناقشة على هذا الاحتمال أيضاً ، لأنّه إن أريد بذلك أنّ التيمّم ليس بطهارة أصلاً فيدفعه الأخبار المتطابقة على أنّه طهور ، وأنّه فَعَلَ أحد الطهورين ، وأن ربّ الماء وربّ الصعيد واحد (١). فهو طهارة بالتنزيل وإن كان بحسب النتيجة تخصيصاً فيما دلّ على اشتراط الصلاة بالطهور إلاّ أنّه بحسب اللب لا بحسب منطوق الروايات.

وإن أُريد أنّه طهارة في مورد خاص فيدفعه عموم التنزيل المستفاد من الأخبار المتقدمة ، وبعمومه يترتب عليه جميع الغايات المترتبة على الغسل والوضوء والّتي منها دخول المساجد وغيره ، وقد أشرنا إلى أن ذلك هو الّذي تقتضيه السيرة المتشرعية كما مرّ.

هذا كلّه فيما إذا لم يكن التيمّم مختصّاً بغاية ، وإلاّ لم يجز بتيممه سائر الغايات ، وإليه أشار بقوله : إلاّ إذا كان المسوغ للتيمم مختصّاً بتلك الغاية. كالتيمم للنوم مع التمكّن من الماء ، والتيمّم لصلاة الجنازة ، والتيمّم لمن منعه الزحام وهو داخل المسجد وإن‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٥ / أبواب التيمّم ب ٢٣ ، ٣٧٠ / ب ١٤ ح ١٣ ، ١٥ ، ١٧.

٣٥٦

[١١٤٨] مسألة ١٠ : جميع غايات الوضوء والغسل غايات للتيمم أيضاً فيجب لما يجب لأجله الوضوء أو الغسل ويندب لما يندب له أحدهما ، فيصح بدلاً (*) عن الأغسال المندوبة والوضوءات المستحبّة حتّى وضوء الحائض والوضوء التجديدي مع وجود شرط صحّته من فقد الماء ونحوه (١)

______________________________________________________

كان التيمّم في مورده بدلاً عن الوضوء لا عن غسل الجنابة لفرض أنّه في المسجد وكالتيمم لضيق الوقت الّذي قدمنا (١) أنّه لا يستباح به سوى الصلاة ، فإنّها تيممات لغايات معيّنة ولا يجوز بها باقي غاياتها.

غايات الوضوء غايات للتيمم أيضا‌

(١) هذه المسألة غير المسألة المتقدمة ، إذ الكلام هناك في أنّ التيمّم لأجل غاية صحيحة هل يكفي لسائر الغايات. والكلام هنا في تعيين الغاية الصحيحة للتيمم فنقول :

لا شبهة في جواز التيمّم لأجل الصلاة وأنّها من الغايات الصحيحة له ، وذلك لقوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ... فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (٢) وكذا يستفاد ذلك من الأخبار بوضوح.

ومقتضى إطلاق الآية والأخبار عدم الفرق في ذلك بين الصلوات الواجبة والمندوبة فيصح التيمّم للنافلة بدلاً عن الغسل أو الوضوء.

وكذا لا ينبغي التردد في جوازه ومشروعيته لكل غاية متوقفة على الطّهارة من صوم وغيره ، لأنّ المستفاد من أدلّة البدلية والتنزيل أنّ التيمّم طهور عند عدم التمكّن من الماء.

__________________

(*) في بدليته عمّا لا يرفع الحدث إشكال ، ولا بأس بالإتيان به رجاء.

(١) في ص ١٦٩.

(٢) المائدة ٥ : ٦.

٣٥٧

فكل غاية مشروطة بالطّهارة إذا لم يتمكّن المكلّف من أن يغتسل أو يتوضأ لها يجوز أن يتيمّم لأجلها ومنها تيمّم الحائض بعد انقطاع دمها لحلية وطئها ، فله أن يتيمّم لأجل الصوم إذا لم يتمكّن من الاغتسال له ، وكذا التيمّم لأجل الخروج من المسجدين ، فإنّه منصوص وإن ناقشنا في النص من حيث السند فليراجع مبحث غسل الجنابة (١).

وأمّا التيمّم للطواف فلم يرد فيه نص ، ومن ثمة وقع فيه الكلام وأنّ التيمّم هل يسوغ لأجله فيقوم مقام الغسل أو الوضوء أو لا يسوغ.

ذهب بعضهم إلى الجواز ، ولعلّ ذلك لما هو المشتهر من أنّ الطواف بالبيت صلاة وبمقتضى دليل التنزيل وإطلاقه يترتب على الطواف جميع الآثار المترتبة على الصلاة الّتي منها جواز التيمّم لها. إلاّ أن هذه الرواية لم تثبت من طرقنا نعم رواها الشيخ قدس‌سره في الخلاف (٢) وذيلها « إلاّ أنّ الله أحلّ فيه النطق ». ولكن رواها عن ابن عباس عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالرواية مرسلة وإنّما هي كلام مشهوري.

نعم لو كان نظر القائل بالجواز إلى جريان السيرة على التيمّم للطواف كان له وجه وجيه ، وذلك للقطع بوجود من هو معذور عن الماء باختلاف أسبابه بين الحجاج على كثرتهم في عصر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، لبعد أن لا يوجد فيهم من يكون معذوراً عن الماء أصلاً ، ومعه لو لم يكن التيمّم مشروعاً للعاجز عن الماء للطواف وجب عليه أن يستنيب غيره في طوافه ، لعدم تمكّنه منه لعدم كونه على طهارة ، وهذا أمر لم تجر عليه السيرة ولا ورد في دليل ، فنستكشف منه أنّ التيمّم يقوم مقام الغسل أو الوضوء للطواف أيضاً.

وأمّا الوضوءات المستحبّة الّتي لا تكون رافعة للحدث ولا مبيحة للدخول في الصلاة كوضوء الحائض أو الوضوء التجديدي فقد ذهب الماتن إلى أنّ التيمّم يقوم‌

__________________

(١) شرح العروة ٦ : ٣٣٣.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٢٣ مسألة ١٢٩.

٣٥٨

نعم ، لا يكون بدلاً عن الوضوء التهيئي كما مرّ ، كما أن كونه بدلاً عن الوضوء للكون على الطّهارة محل إشكال (*) نعم ، إتيانه برجاء المطلوبية لا مانع منه ، لكن يشكل الاكتفاء به لما يشترط فيه الطّهارة أو يستحب إتيانه مع الطّهارة.

______________________________________________________

مقامها. وقد يستدل عليه بعموم أدلّة البدلية لأنّها تقتضي قيامه مقام الوضوء مطلقاً رافعاً كان أم لا ، مبيحاً كان أو غيره.

إلاّ أنّ الصحيح عدم جواز التيمّم بدلاً عن الوضوءات غير الرافعة أو المبيحة وذلك لأنّه لا دليل لنا ليدل على بدلية التيمّم عن مطلق الوضوء ، وإنّما المستفاد من التعليل الوارد في رواية الركيّة (١) وصحيحة محمّد بن مسلم (٢) وغيرهما (٣) من أن ربّ الماء وربّ الصعيد واحد وأن ربّ الماء هو ربّ الأرض ونحوهما من التعبيرات هو أنّ التيمّم بدل عن الوضوء من حيث إنّه طهور لا بما أنّه وضوء وإن لم يكن طهورا.

ويدلُّ عليه قوله عليه‌السلام : ربّ الماء وربّ الصعيد واحد. لأنّه لو كان ذلك بملاحظة الوضوء بما هو وضوء لم يكن وجه لتخصيص الصعيد بالذكر ، لأن ربّ الماء وربّ كل شي‌ء واحد فلما ذا لم يقل ربّ الماء وربّ الخبز واحد؟

إذن لا بدّ أن يكون التخصيص بالذكر لجهة جامعة بينهما وهي الطهورية بمعنى أنّ الله الّذي أمر بالطّهارة بالتوضي أو الاغتسال هو الّذي أمر بالتيمّم بالتراب لأجل تحصيلها ، فكما أنّهما امتثال لأمر المولى سبحانه ، كذا التيمّم امتثال لأمر الله سبحانه ولا خصوصية في طهورية الماء.

ويكشف عن ذلك على وجه الصراحة صحيحة محمّد بن مسلم حيث عقب الجملة المتقدمة بقوله : « فقد فعل أحد الطهورين ». إذن لا وجه لتوهم كون التيمّم‌

__________________

(*) لا تبعد صحّة بدليّته عنه.

(١) الوسائل ٣ : ٣٤٤ / أبواب التيمّم ب ٣ ح ٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٧٠ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١٥.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٤٣ / أبواب التيمّم ب ٣ ، ٢٣ ، ب ١٤ ح ١٧ وغيره.

٣٥٩

بدلاً عن الوضوء في غير الطهور.

وحيث إنّ الوضوءات المستحبّة المذكورة ليست بطهور لعدم كونها مبيحة ولا رافعة فلا دليل على قيام التيمّم مقامها ، وبه يشكل الحكم بجوازه بدلاً عنها وإن صرّح الماتن بصحّته ، فتختص بدلية التيمّم بالوضوءات الرافعة للحدث حقيقة ، كما إذا بنينا على أنّ التيمّم رافع للحدث كما هو الصحيح ، أو تنزيلاً كما إذا قلنا بأنّه مبيح لأنّه منزل منزلة الطّهارة حينئذ.

وأمّا الكون على الطّهارة الّذي قوينا استحبابه وقلنا إنّ البقاء على الطّهارة أمر مستحب مرغوب فيه في الشريعة المقدّسة ، لأنّ الله يحب التوابين ويحب المتطهرين فلا مانع من التيمّم بدلاً عن الوضوء المذكور ، لأنّه أمر مستحب وطهارة مندوبة على ما بيّنا.

وأمّا الأغسال فلا شبهة في قيام التيمّم مقام الواجب منها ، لأنّه طهور والصعيد طهور أيضاً ، وأمّا الأغسال المستحبّة كغسل يوم الجمعة ويوم عرفة ونحوهما فهل يقوم التيمّم مقامها ويسوغ الإتيان به بدلاً عنها أم لا يسوغ؟ نقول :

إنّ هناك جهتين للأغسال المستحبّة : جهة كونها أمراً مستحبّاً في نفسه ومرغوباً فيه في الشريعة المقدّسة. ولا يقوم التيمّم مقامها من هذه الجهة ، لأنّه إنّما يقوم مقام الطهور من الوضوء والغسل على ما تقدم فهو طهور ترابي بدل عن الماء في الطهورية ، وأمّا بدليته في الاستحباب النفسي فلم تثبت بدليل.

وجهة كون هذه الأغسال مغنية عن الوضوء على ما أسلفنا من أنّ الأغسال المستحبّة تغني عن الوضوء ، بمعنى أنّها طهور يسوغ الدخول بها فيما هو مشروط بالطّهارة والوضوء ، لقوله عليه‌السلام : أي وضوء أنقى من الغسل (١).

والتحقيق عدم قيام التيمّم مقام الأغسال المستحبّة حتّى من هذه الجهة ، وسره : أنّ الأمر الغيري على القول به أو تقيد الصلاة بالطّهارة في الأغسال المستحبّة‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٤٧ / أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٤.

٣٦٠