موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

تقدّم في فروعه (١).

وتوضيحه : أنّه لا إشكال في استحباب الغسل وكونه عبادة في نفسه غير مؤقتة بل هناك قول بوجوبه النفسي كما قدّمناه وعليه لا فرق في محبوبيته واستحبابه قبل الوقت وبعده فللمكلّف أن يأتي به قبل الوقت أيضاً.

وأمّا الوضوء فهو إن كان مثل الغسل عبادة غير موقتة في نفسه كما استظهرناه في محلِّه وقلنا إنّ محبوبيته غير مؤقتة (٢) فهو كالغسل يجوز الإتيان به قبل الوقت أيضاً. وأمّا لو لم يثبت ما ذكرناه وكانت محبوبيته متوقفة على دخول وقت الصلاة فلا مانع من الإتيان به قبل الوقت تهيؤاً للصلاة في أوّل وقتها. وتدل عليه السيرة المتشرعية حيث جرت سيرتهم على التهيؤ والوضوء قبل الوقت للتمكّن من إقامة الجماعة في أوّل الوقت.

وهذه السيرة لم تقم في التيمّم بأن يتيمموا للتهيؤ للصلاة ، ومن هنا لم يجز الإتيان بالتيمّم قبل الوقت بوجه.

نعم لو أتى بالتيمّم قبل الوقت لغاية من غاياته المشروعة له كالتيمم لصلاة القضاء في الموارد الّتي يجوز فيها التيمّم للقضاء دون ما لا يجوز كما يأتي تفصيله في محلِّه (٣) فلو تيمّم ثمّ دخل وقت الصلاة لم يجب عليه أن يتيمّم ثانياً لأجل فريضة الوقت ، فإنّه متطهر ولا يجب التيمّم على المتطهّر ، بل له الشروع في الفريضة بتيممه السابق الّذي وقع صحيحاً حسب الفرض.

ثمّ إنّ التيمّم كالوضوء والغسل في كونه عبادة مستحبّة في ذاتها ، ومن هنا قلنا إنّ عبادية الطّهارات الثلاث ومحبوبيتها ناشئة من استحبابها الذاتي ولم تنشأ من الأمر الغيري المتعلق بها على القول بالوجوب الغيري فضلاً عمّا لو لم نلتزم به. إلاّ أنّ الكلام‌

__________________

(١) في شرح العروة ٦ : ٣٤٩.

(٢) شرح العروة ٥ : ٣.

(٣) في ص ٣٣٩.

٣٢١

[١١٤٠] مسألة ٢ : إذا تيمّم بعد دخول وقت فريضة أو نافلة يجوز إتيان الصلوات الّتي لم يدخل وقتها بعد دخوله (١) ما لم يحدث أو يجد ماءً ، فلو تيمّم لصلاة الصبح يجوز أن يصلِّي به الظهر ، وكذا إذا تيمّم لغاية أُخرى غير الصلاة.

______________________________________________________

في تعيين ظرف استحبابه النفسي وهل يستحب في كل وقت.

قد دلّتنا الأخبار (١) والآية المباركة (٢) على أن محبوبيته واستحبابه الذاتي بعد الوقت لا قبله ، وهذا لا يبتني على القول بالواجب المعلق. وسواء قلنا به أم لم نقل به فلا يمكننا الحكم بجواز التيمّم قبل الوقت ، لأنّ القول بالواجب المعلق لا يقتضي أن يكون ظرف الاستحباب في التيمّم قبل الوقت. فما ذهب إليه المشهور من عدم مشروعيته قبل الوقت هو الصحيح.

التيمّم لصلاة بعد وقتها يسوغ الإتيان بغيرها أيضاً بعد وقتها‌

(١) ولا يجب عليه أن يتيمّم لكل واحدة من الصلوات تيمماً على حدة ، بل يكفي تيممه مرّة واحدة لجميع الغايات المترتبة عليه ما لم يحدث أو يجد الماء ، لأنّهما ناقضان للتيمم.

والوجه في ذلك : ما أشرنا إليه من أنّ المكلّف بعد ما صار متطهراً بتيمم مشروع لا يجب عليه تحصيل الطّهارة ثانياً ، لأنّ التيمّم وظيفة غير المتطهر ، وهو متطهر فله أن يأتي بتيممه باقي الصلوات الّتي دخل وقتها ، وكذلك بالإضافة إلى ما لم يأت وقته فإنّه لا يجب عليه أن يتيمّم لأجله ، لأنّه تطهر حسب الفرض ، هذا.

مضافاً إلى التسالم بين الأصحاب على ذلك ، وادعي عليه الإجماع والاتفاق. وتدل عليه جملة من الروايات الصحيحة كصحيحة زرارة ، قال « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : يصلِّي الرجل بتيمم واحد صلاة اللّيل والنهار كلّها؟ فقال : نعم ، ما لم يحدث‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٤١ / أبواب التيمّم ب ١ ، ١٩ ، ٢١ ، ٢٢ وغيرها.

(٢) تقدّمت في ص ٣٢٠.

٣٢٢

أو يصب ماء » (١).

وصحيحة حماد بن عثمان قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل لا يجد الماء يتيمّم لكل صلاة؟ فقال : لا ، هو بمنزلة الماء » (٢) ودلالتها على المدّعى أظهر من سابقتها ، لاختصاص الاولى بعدم وجوب تجديد التيمم لصلوات اللّيل والنهار ، ودلالة الأخيرة على عدم وجوب تجديده لكل صلاة ، يومية كانت أو غيرها ، فريضة أو نافلة.

وقد ورد في بعض الأخبار أنّ الصعيد يكفيك عشر سنين (٣) وإن فسرناها سابقاً بمعنى آخر.

وبإزاء هذه الأخبار صحيحة أبي همام عن الرضا عليه‌السلام قال : « يتيمّم لكل صلاة حتّى يوجد الماء » (٤) فان ظاهرها أن كل واحدة من الصلوات يحتاج إلى تيمّم ولا يكفي التيمّم الواحد لأكثر من صلاة واحدة.

وفيه : أنّ الصحيحة ليست بصدد بيان من يجب عليه التيمّم ومن لا يجب في حقّه ذلك ، وإنّما هي بصدد بيان أنّ التيمّم كالوضوء يجوز أن يؤتى به أي صلاة يريدها المكلّف من فريضة أو نافلة أداءً أو قضاءً حتّى يوجد الماء ، وأمّا أنّه واجب لأي شخص ومشروع في حق أي مكلّف فليست الرواية بصدد بيانه.

نعم رواية السكوني ظاهرة الدلالة على عدم جواز الإتيان بالتيمّم الواحد زائداً على صلاة واحدة ونافلتها ، حيث روى عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : « لا يتمتع بالتيمّم إلاّ صلاة واحدة ونافلتها » (٥).

إلاّ أنّها ضعيفة السند بمحمّد بن سعيد بن غزوان لأنّه لم يوثق ، وعليه لا يمكن الحكم بوجوب تجديد التيمّم لكل صلاة ، إلاّ أنّه أمر لا مانع من الالتزام باستحبابه‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٧٩ / أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٧٩ / أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ٣.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٨٠ / أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ٧.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٧٩ / أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ٤.

(٥) الوسائل ٣ : ٣٨٠ / أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ٦.

٣٢٣

[١١٤١] مسألة ٣ : الأقوى جواز التيمّم في سعة الوقت وإن احتمل ارتفاع العذر في آخره بل أو ظنّ به نعم مع العلم بالارتفاع يجب الصبر ، لكن التأخير إلى آخر الوقت مع احتمال الرفع أحوط وإن كان موهوماً ، نعم مع العلم بعدمه وبقاء العذر لا إشكال في جواز التقديم (١).

______________________________________________________

بناءً على التسامح في أدلّة السنن.

فالمتحصل : أن ما ادّعي عليه الإجماع من كفاية التيمّم الواحد لجميع الغايات المترتبة على الطّهارة ممّا دخل وقته وما لم يدخل من دون حاجة إلى تكراره لكل صلاة وغاية هو الصحيح.

صور البدار وأحكامها‌

(١) شرع قدس‌سره في بيان حكم البدار ، وصوره ثلاثة :

الأُولى : ما إذا علم المكلّف بأنّه يتمكّن من استعمال الماء قبل انقضاء الوقت وإن كان عاجزاً عنه بالفعل.

الثّانية : ما إذا احتمل طروء التمكّن له في الأثناء إلى آخر الوقت وإن كان يحتمل عدمه وبقاء عجزه أيضاً.

الثّالثة : ما إذا علم ببقاء عذره إلى آخر الوقت وعدم ارتفاعه في الأثناء.

الصورة الأُولى :

المعروف والمشهور فيها عدم جواز البدار ووجوب التأخير إلى أن يتمكّن من الماء.

وقد يقال بجوازه حينئذ تمسّكاً بعموم أدلّة بدلية التراب عن الماء فان ربّ الصعيد وربّ الماء واحد (١) ، وبما أنّ المكلّف لا يتمكّن من الماء بالفعل يسوغ له أن يتيمّم ويصلِّي ثمّ إذا وجد الماء لم تجب عليه إعادتها ، لما يأتي من الأخبار الدالّة على أن من‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٥ / أبواب التيمّم ب ٢٣ ، ٣٧٠ / ب ١٤ ح ١٣ ، ١٥ ، ١٧.

٣٢٤

صلّى بالتيمّم لا تجب عليه إعادتها إذا وجد الماء في الوقت.

إلاّ أن ذلك ضعيف غايته ، لأنّا أسلفنا أنّ الفقدان المسوغ للتيمم هو الفقدان بالإضافة إلى المأمور به ، والمأمور به هو الطبيعي الجامع بين الأفراد العرضية والطولية الواقعة بين المبدأ والمنتهى ، والخصوصيات الفردية خارجة عمّا تعلق به الأمر.

ومن الظاهر أنّ المكلّف متمكّن من الماء بالنسبة إلى الطبيعي ، لعلمه بأنّه متمكّن من استعماله قبل انقضاء وقته ، نعم هو فاقد للماء بالنسبة إلى بعض الأفراد كالفرد الّذي يريد أن يأتي به في أوّل الوقت ، إلاّ أنّ الفقدان بالنسبة إلى الأفراد وغير المأمور به غير مسوغ للتيمم بوجه ، وإلاّ فلو كان في السرداب مثلاً جاز له أن يتيمّم ويصلِّي لأنّه بالنسبة إلى الفرد الواقع في السرداب فاقد للماء وإن كان واجداً له بالنسبة إلى غيره.

وممّا يدل على ما ذكرناه الأخبار الآمرة بطلب الماء (١) فانّ الفقدان بالنسبة إلى فردٍ ما إذا كان كافياً لم يجب الطلب في جواز التيمّم ، بل جاز التيمّم من دون طلب أيضاً. فهذا الوجه ساقط ، ولا يجوز البدار في هذه الصورة بوجه.

الصورة الثّانية (٢) :

والمعروف فيها بين المتقدمين أو بينهم وبين المتأخرين هو عدم الجواز ، إلاّ أنّه قد يلتزم بجوازه تمسّكاً بعموم أدلّة البدلية ، وبعد ما وجد الماء لا تجب الإعادة ، لإطلاق ما دلّ على أن من صلّى بتيمم لا تجب عليه الإعادة فيما إذا وجد الماء في أثناء الوقت.

لكن الجواب عنه قد ظهر ممّا ذكرناه في الصورة الأُولى ، لأن أدلّة البدلية إنّما تدل على مشروعية التيمّم لمن لم يتمكّن من استعمال الماء بالإضافة إلى المأمور به وهو الطبيعي الجامع بين الأفراد الواقعة بين المبدأ والمنتهى ، وهذا مشكوك الانطباق في‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٤١ / أبواب التيمّم ب ١.

(٢) وقد بُيِّن في ضمنها حكم الصورة الثالثة.

٣٢٥

المقام ، لاحتمال أن يكون المكلّف متمكّناً من استعمال الماء إلى آخر الوقت كما يحتمل عدمه فهو شبهة مصداقية للعمومات ، ولا يمكن التمسّك بها في الشبهة المصداقية.

نعم يمكن إحراز بقاء عذره وعدم تمكّنه من الماء إلى آخر الوقت بالاستصحاب ، إلاّ أنّه حكم ظاهري لو تمكّن من الماء بعده ينكشف عدم مطابقته للواقع وعدم كونه مأموراً بالتيمّم من الابتداء فتجب عليه الإعادة لا محالة ، فالتمسك بإطلاق دليل البدلية في غير محلِّه.

وعلى الجملة : إذا احتمل المكلّف وجدان الماء إلى آخر الوقت فهل يشرع له التيمّم أوّل الوقت أو يجب عليه التأخير؟ المعروف هو عدم جواز البدار كما سبق ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلماتهم. وذهب جماعة إلى جواز البدار.

وقد يفصّل في المسألة بين صورة رجاء الوجدان فلا يجوز البدار وبين صورة اليأس أو الاطمئنان بعدم وجدان الماء إلى آخر الوقت فيجوز البدار.

ومنشأ الاختلاف بينهم هو اختلاف الأخبار ، وذلك لأنّه ورد في جملة من الروايات وفيها الصحاح أنّ المكلّف إذا تيمّم فصلّى ثمّ وجد الماء في الوقت لم يعد صلاته ، وفي بعضها عبّر بالإجزاء وأنّه قد أجزأته صلاته الّتي صلّى (١).

وهذه الأخبار وإن كانت مبتلاة بالمعارض حيث ورد في قبالها أنّه يتوضأ أو يغتسل ويعيد صلاته ، ولكن يمكن الجمع بينهما بحمل ما دلّ على عدم الإجزاء ووجوب الإعادة على الاستحباب ، إذ الطائفة الأُولى صريحة في الإجزاء ، وإذا ورد في قبالها الأمر بالإعادة فلا يبعد حمل الأمر على الاستحباب ، لأنّه مقتضى الجمع العرفي بين ما دلّ على الإجزاء وما دلّ على الأمر بالإعادة.

وعلى أي حال تدلّنا كلتا الطائفتين على مشروعية التيمّم في أوّل الوقت قطعاً لدلالتهما على أنّ الصلاة المأتي بها بذلك التيمّم إمّا مشروطة بعدم وجدان الماء بعدها إلى آخر الوقت أو هي صحيحة وغير مشروطة بذلك ، فتيممه في أوّل الوقت صحيح‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمّم ب ١٤.

٣٢٦

فتحصل : أنّه إمّا عالم ببقاء العذر إلى آخر الوقت أو عالم بارتفاعه قبل الآخر أو محتمل للأمرين ، فيجوز المبادرة مع العلم بالبقاء ، ويجب التأخير مع العلم بالارتفاع ، ومع الاحتمال الأقوى جواز المبادرة خصوصاً مع الظن بالبقاء ، والأحوط التأخير (*) خصوصاً مع الظن بالارتفاع.

______________________________________________________

ومشروع وليس من المحرمات الإلهيّة ولا سيما بملاحظة قوله عليه‌السلام في بعضها : « أمّا أنا فكنت فاعلاً » (١) لدلالتها على أنّه عليه‌السلام كان يتيمّم في أوّل الوقت.

وهذا هو المقصود من مشروعية التيمّم أوّل الوقت عند احتمال وجدانه الماء قبل انقضاء الوقت أو عند اليأس عنه ، وأمّا أنّ الصلاة المأتية بالتيمّم صحيحة وغير مشروطة بعدم الوجدان إلى انقضاء الوقت أو هي مشروطة به فهو بحث آخر نتكلّم فيه إن شاء الله تعالى.

فمقتضى هذه الأخبار جواز البدار في مفروض الكلام.

وقد ورد في جملة أُخرى من الروايات المعتبرة أنّ المكلّف يجب أن يؤخر تيممه إلى آخر الوقت فإنّه إذا فاته الماء لم يفته التراب (٢) ، ومقتضاها عدم جواز البدار حينئذ ، وهي معارضة مع الطائفة المتقدمة ولا بدّ من العلاج بينهما فنقول :

إنّ الطائفة الأُولى إنّما دلّت على جواز التيمّم في أوّل الوقت بالالتزام ، وإلاّ فهي ناظرة إلى بيان أنّ الصلاة المأتي بها بالتيمّم مشروطة بعدم وجدان الماء إلى آخر الوقت أو هي غير مشروطة به ، فلا إطلاق لها بالإضافة إلى جواز التيمّم في أوّل الوقت.

نعم يستفاد منها جوازه ومشروعيّته في الجملة لا مطلقاً ، لعدم كون الأخبار بصدد البيان من تلك الناحية ، بل تدل على صحّة الصلاة أو عدمها في فرض الإتيان بالتيمّم‌

__________________

(*) هذا الاحتياط لا يترك.

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٨ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١٠.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٨٤ / أبواب التيمّم ب ٢٢ وفيها : الأرض ، بدل : التراب.

٣٢٧

الصحيح ، وأمّا أنّه في أي مورد يكون صحيحاً ومشروعاً فهي ساكتة عن بيانه.

وبعبارة أُخرى : أنّها فرضت التيمّم صحيحاً ودلّت على أنّه متى ما صلّى بالتيمّم الصحيح ثمّ وجد ماءً أعادها.

وأمّا الطائفة الثّانية فهي قد سيقت للدلالة على وجوب تأخير التيمّم ، وحيث إنّ هذه الطائفة ظاهرة فيما إذا احتمل وجدان الماء بعد ذلك قبل انقضاء الوقت لاشتمالها على أنّه إن كان فاته الماء فلن تفوته الأرض فتكون مختصّة بصورة احتمال إصابة الماء وعدمها.

ومنها : صحيحة زرارة أو حسنته المتقدمة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت » (١) وهي الّتي قدّمنا (٢) أن لها طرقاً بعضها صحيح وفيه : « فليطلب » وفي غير المعتبر منها : « فليمسك » ، ولا بدّ من الأخذ بما هو معتبر « فليطلب ».

وهي كما ترى ظاهرة في صورة احتمال الوجدان ، وإلاّ لا معنى للطلب والفحص. وعليه فتحمل هذه الطائفة على صورة احتمال وجدان الماء إلى آخر الوقت ، والطائفة الاولى على صورة اليأس عن وجدان الماء إلى آخر الوقت.

ودعوى : أن صورة الاطمئنان واليأس عن وجدان الماء قبل انقضاء الوقت ثمّ وجدانه ليكون القطع على خلاف الواقع فرد نادر ، ولا يمكن حمل المطلق على الفرد النادر.

مندفعة بأنّ الصورة المذكورة وإن كانت نادرة ، وليس هذا كالقطع بعدم التمكّن من الاستعمال إلى انتهاء الوقت ، لأنّه يوجد كثيراً كما في المريض والكسير ونحوهما ممّن يقطع بعدم برئه إلى أسبوع أو أقل أو أكثر ، وأمّا القطع بعدم وجدان الماء ثمّ وجدانه بعدها كما هو محمل الطائفة الأُولى فهو نادر وأقل وجوداً من صورة الاحتمال. إلاّ أنّا‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٣.

(٢) في ص ٨٠ ٨١.

٣٢٨

ذكرنا أنّ الطائفة الأُولى ليست مطلقة من هذه الجهة ليكون هذا حملاً للمطلق على الفرد النادر ، بل إنّما استفيد منها أنّ التيمّم في أوّل الوقت مشروع في الجملة ، وليكن هذا هو صورة القطع بعدم الوجدان ثمّ الوجدان بعده ، ومعه لا بأس بهذا الحمل جمعاً بين الطائفتين ، هذا.

على أنّا لو سلمنا إطلاق الطائفة الأُولى حتّى من هذه الجهة وأنّها بصدد بيان أنّ التيمّم مشروع في أوّل الوقت مطلقاً لم يكن فيما ذكرناه من الحمل بأس أيضاً ، وذلك لأنّ النسبة بينها وبين الطائفة الثّانية عموم مطلق ، لدلالة الثّانية على عدم مشروعيّته عند احتمال وجدان الماء إلى آخر الوقت.

وبه يظهر أن مورد الطائفة الأُولى هي صورة القطع بعدم الوجدان ثمّ وجدان الماء بعد ذلك فهي مطلقة قليلة الأفراد ، ولا مانع من كون المطلق نادر الأفراد أو قليلها كما لو ورد أن ذا الرأسين حكمه كذا وكذا ، مع أنّه لا يوجد إلاّ نادراً ، وهذا غير حمل المطلق على الفرد النادر المستهجن.

على أن موردها ليس بنادر كما ادعي ، بل لها موردان :

أحدهما : ما إذا قطع بعدم الوجدان ثمّ وجدانه قبل انقضاء الوقت.

وثانيهما : ما إذا خاف فوت الوقت فتيمّم وصلّى ثمّ انكشف بقاء الوقت ، لأنّ الأخبار الدالّة على أنّه لا يعيد صلاته أو يعيدها شاملة لهذه الصورة أيضاً ، حيث إنّا لو قلنا بوجوب تأخير التيمّم لا يراد منه التأخير العقلي على نحو يكون « ميم » السلام عليكم مقارناً للغروب ، بل المراد هو أن تكون الصلاة في آخر الوقت عرفاً.

مثلاً إذا آخر التيمّم بحيث خاف فوات الوقت فتيمّم وصلّى ثمّ ظهر أنّ الوقت باقٍ بمقدار ربع ساعة مثلاً صحّ تيممه بمقتضى الأخبار المتقدمة ، لأنّه أخّر تيممه عرفاً. فتبيّن أنّ للطائفة الأُولى موردين :

أحدهما : صورة القطع بعدم الوجدان ثمّ وجدانه.

وثانيهما : صورة اعتقاد الفوت أو خوفه وظهور بقاء الوقت. فلا يكون حمل‌

٣٢٩

الأخبار عليهما من الحمل على الفرد النادر المستهجن.

والمتحصل من ذلك هو التفصيل في الصورة المذكورة بين احتمال وجدان الماء قبل انقضاء الوقت وبين القطع بعدم وجدانه ثمّ يجد الماء ، بأن يقال بالجواز في الثّاني وبعدم الجواز في الأوّل ، لما قدّمناه من أنّ الطائفة الأُولى ليست بصدد البيان من جهة التيمّم وإنّما تدل على صحّة الصلاة الواقعة بالتيمّم المفروض صحّته أو عدمها ، وأمّا أنّ التيمّم صحيح في أي صورة فلا تعرّض لها في تلكم الأخبار ، فلتحمل على صورة القطع واليأس من وجدان الماء ، والطائفة الثّانية تحمل على صورة رجاء الوجدان كما هو موردها ، هذا.

وقد يقال : إنّما يتم هذا في غير صحيحة الحلبي ، وأمّا هي فلا مجال لإنكار إطلاقها من جهة التيمّم ، حيث روى علي الحلبي « أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء ، قال : يتيمّم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة » (١) لأنّها بصدد بيان أنّه يتيمّم حينئذ وبعد ما وجد الماء يغتسل ولكن لا يعيد صلاته فلا مانع من التمسّك بإطلاقها ، فلا مجال لحملها على صورة القطع أو اليأس عن وجدان الماء.

وفيه : أنّ الاستدلال بالصحيحة ليس في محلِّه ، وذلك من جهتين :

إحداهما : أنّ المفروض فيها أنّ المكلّف لم يجد الماء فتيمّم ، وهذا إنّما يكون فيما إذا قطع بعدم وجدان الماء أو اليأس عن وجدانه حتّى انقضاء الوقت ، وإلاّ فعدم الوجدان في ساعة أو بالنسبة إلى فرد ليس مصححاً للتيمم بوجه ، لما سبق وعرفت من أنّ المسوغ للتيمم عدم وجدان الماء بالنسبة إلى الطبيعي المأمور به وهو الجامع بين المبدأ والمنتهى لا الأفراد ، وإلاّ جاز التيمّم في حق كل شخص ، لصدق عدم وجدان الماء بالنسبة إلى الفرد الّذي يريد أن يوقعه في الدار أو السرداب ولا ماء عنده هناك.

وثانيتهما : لم يفرض في الرواية أنّه وجد الماء في أثناء الوقت ، بل دلّت على أنّه‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١.

٣٣٠

إذا وجد الماء اغتسل ولم يعد صلاته ، فلتحمل على صورة وجدانه بعد الوقت كما لو آخر تيممه وصلّى في آخر الوقت ثمّ وجد الماء بعد الوقت ، ولا إشكال في أن مثله لا تجب عليه الإعادة أي القضاء كما اشتملت عليه الأخبار الدالّة على عدم وجوب الإعادة فيما إذا وجد الماء بعد الوقت.

إذن ما ذكرناه في الجمع بين الروايتين هو الصحيح.

وقد يقال : إنّ الأخبار الواردة في أن من صلّى بتيمم لم يعد صلاته إذا وجد الماء في أثناء الوقت لا يعارضها شي‌ء لتحمل على صورة القطع بعدم وجدان الماء كما صنعتم لأنّ الطائفة الثّانية الدالّة على أنّه يؤخر التيمّم إلى آخر الوقت لا تشتمل إلاّ على الإرشاد.

وذلك لأنّه لا إشكال في أنّ الصلاة مع الطّهارة المائيّة أفضل منها مع الطّهارة الترابيّة ، وقد أرشدت هذه الأخبار إلى ذلك بقوله عليه‌السلام : « فإن فاتك الماء فلن تفوتك الأرض » (١).

ومعناه أنّه يؤخر تيممه إلى آخر الوقت حتّى لو وجد الماء في الأثناء يصلِّي مع الطّهارة المائيّة فلا يفوته أفضل الأفراد ، ولو لم يجد الماء فيصلّي مع التيمّم وهي كالصلاة معه في أوّل الوقت فلا يفوته شي‌ء من الفضيلة ، بخلاف ما لو صلّى بتيمم في أوّل الوقت لأنّه لا يتمكّن من الصلاة مع الطّهارة المائيّة بعد ذلك فتفوته الفضيلة. فهذه الأخبار وردت إرشاداً فلا تعارض الطائفة الأُولى الدالّة على جواز الإتيان بالتيمّم في أوّل الوقت.

ويرد على ذلك :

أوّلاً : أن حمل الأمر على الإرشاد خلاف الظاهر في نفسه.

وثانياً : أنّ التيمّم في أوّل الوقت والصلاة لدرك مصلحته أمر مستحب ، وهو أفضل من الصلاة مع الطّهارة المائيّة في آخر الوقت كما يستفاد ذلك من قوله ( عليه‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٤ / أبواب التيمّم ب ٢٢ ح ١ ، ٣ ، ٤.

٣٣١

السلام ) : « أمّا أنا فكنت فاعلاً ، إنّي كنت أتوضأ وأُعيد » (١) وقد دلّت الطائفة الأُولى على أنّه لو صلّى بتيمم ثمّ وجد الماء لم يعد صلاته وإن قلنا باستحباب الإعادة أيضاً جمعاً بين الأخبار.

إذن لا معنى للإرشاد في المقام ، لعدم فضيلة تأخير الصلاة عن أوّل وقتها وإيقاعها آخر الوقت لترشد الأخبار إليه ، فإنّما يتم الإرشاد لو كانت الصلاة في آخر الوقت أرجح ، وقد عرفت خلافه.

وثالثاً : لا تنحصر الأخبار بما اشتمل منها على التعليل بقوله : « فان فاته الماء فلن يفوته الصعيد » (٢) بل نتمسك بغير المشتمل مثل حسنة زرارة المتقدمة « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل آخر الوقت » (٣) وأين الإرشاد في هذه المعتبرة؟ هذا.

وربما يقال : إنّ الجمع بين الطائفتين المتقدمتين بحمل الاولى على صورة اليأس والقطع بعدم وجدان الماء وحمل الثّانية على صورة الرجاء والاحتمال إنّما يتم مع قطع النظر عن رواية محمّد بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قلت له : رجل تيمّم ثمّ دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ، ثمّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ، قال : يمضي في الصلاة ، واعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلاّ في آخر الوقت » (٤).

لدلالتها على استحباب إيقاع التيمّم في آخر الوقت لقوله عليه‌السلام : « ليس ينبغي » الّذي يعني لا يناسب ، ومعه تكون الرواية شاهدة جمع بين الطائفتين المتقدمتين ويحمل ما دلّ على تأخير التيمّم إلى آخر الوقت على الاستحباب.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٨ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١٠.

(٢) المذكور في المصدر هو : ... فلن تفوته الأرض.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٣.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٨٢ / أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٣.

٣٣٢

[١١٤٢] مسألة ٤ : إذا تيمّم لصلاة سابقة وصلّى ولم ينتقض تيممه حتّى دخل وقت صلاة أُخرى يجوز الإتيان بها (*) في أوّل وقتها وإن احتمل زوال العذر في آخر الوقت على المختار ، بل وعلى القول بوجوب التأخير في الصلاة الأُولى عند بعضهم (١).

______________________________________________________

ويدفعه : أنّ الرواية غير قابلة الاعتماد عليها ، لأن محمّد بن حمران (١) مردد بين ابن أعين الّذي له كتاب يروي عن الصادق عليه‌السلام وهو لم يوثق ، وبين ابن النهدي الّذي له كتاب أيضاً يروي عن الصادق عليه‌السلام وهو موثق ، ولكل منهما رواة ولم يظهر أن محمّد بن سماعة يروي عن أيّهما.

على أن دلالتها على الاستحباب قابلة للمناقشة ، لأنّا ذكرنا أن معنى « لا ينبغي » لا يتمكّن ولا يتيسر ، مثل قوله تعالى ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ) (٢) وغيره من موارد استعمالاته ، وليس هو بمعنى لا يناسب.

ومن الظاهر أنّ المراد منها عدم التمكّن أو التيسر التشريعي لا التكويني ، فهو يدل على الحرمة وعدم الجواز ، ولا أقل من دلالته على عدم الرجحان الجامع بين الحرمة والكراهة كما ذكره صاحب الحدائق قدس‌سره (٣). فلا يتم الاستدلال بها على استحباب التأخير بوجه.

المتيمم لصلاة سابقة هل يجوز له البدار إلى صلاة أُخرى بعد دخول وقتها‌

(١) ما ذكرناه واخترناه من التفصيل بين الآيس والقاطع بعدم وجدان الماء حتّى‌

__________________

(*) لكنّه إذا ارتفع العذر في أثناء الوقت أعاد الصلاة على الأحوط.

(١) استظهر السيِّد الأُستاذ ( دام بقاؤه ) في المعجم ١٧ : ٤٨ أن محمّد بن حمران الوارد في الروايات هو النهدي الثقة.

(٢) يس ٣٦ : ٤٠.

(٣) الحدائق ٤ : ٣٦٠.

٣٣٣

لكن الأحوط التأخير في الصلاة الثّانية أيضاً وإن لم يكن مثل الاحتياط السابق ، بل أمره أسهل ، نعم لو علم بزوال العذر يجب التأخير كما في الصلاة السابقة.

______________________________________________________

ينقضي الوقت فيجوز له الصلاة بتيمم في أوّل الوقت ، وبين المحتمل الّذي يرجو وجدان الماء قبل انتهاء الوقت فلا يجوز البدار إلى التيمّم والصلاة أوّل الوقت إنّما هو بالإضافة إلى المحدث الّذي يريد أن يتيمّم ويصلِّي بعد دخول الوقت.

وهل يسري الحكم بعدم جواز البدار إلى المكلّف الّذي تيمّم قبل الوقت بتيمم صحيح لغاية من غاياته كما لو تيمّم لقراءة القرآن أو لصلاة الظهرين ثمّ دخل وقت العشاءين وهو متطهر ، فهل له أن يصلِّي العشاءين في أوّل الوقت بذاك التيمّم أو يجب عليه التأخير فيكون حكمه حكم التيمّم بعد الوقت لأجل الصلاة؟

ذكر المحقق الهمداني قدس‌سره أنّ المنع مختص بالتيمّم بعد الوقت لغاية الصلاة الحاضرة ، وأمّا لو تيمّم بتيمم صحيح قبل الوقت بل بعد الوقت لغير الصلاة من غاياته فلا مانع من أن يصلِّي به لأنّه متطهر (١).

ولعل ذلك من جهة التمسّك بإطلاق ما دلّ على أنّ المتيمم لو صلّى ثمّ وجد الماء في أثناء الوقت لم يعد صلاته ، فإطلاقها يشمل ما إذا كان المكلّف متطهراً قبل الوقت أو بعده لأجل غاية أُخرى.

وذكر الماتن قدس‌سره أنّه يجوز له أن يأتي بالصلاة في أوّل وقتها ، ولكن الأحوط التأخير وإن لم يكن مثل الاحتياط السابق ، بل أمره أسهل.

والوجه في ذلك : أنّ الأخبار الآمرة بتأخير التيمّم موردها المكلّف المحدث الّذي يريد التيمّم لأجل الصلاة وقد أُمر بتأخير تيممه ، وهذا هو المأمور به في حقّه. وأمّا تأخير الصلاة إلى آخر الوقت فهو أمر طبيعي قهري عند تأخير التيمّم لا أنّه بنفسه مأمور به ، وعليه لا تشمل هذه الأخبار المتطهر قبل الوقت أو بعده لأجل غاية‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٤٨٣ السطر ٥.

٣٣٤

أُخرى فله أن يصلِّي بطهارته.

وكذلك الطائفة الدالّة على أن من صلّى بتيمم لا يعيد صلاته ، لأنّها ظاهرة الاختصاص بمن كان محدثاً فتيمّم بعد الوقت وصلّى ، فلا تشمل التطهير قبل الوقت أو بعده لأجل غير الصلاة من الغايات ، فالمورد خارج عن كلتا الطائفتين ، وبما أنّه متطهر وقد صلّى بطهارة فيحكم بصحّتها ، هذا.

والأمر وإن كان كما ذكرناه ، فانّ الواجب تأخيره هو التيمّم دون الصلاة ، وتأخيرها طبعي لا أنّه مورد للأمر ، إلاّ أنّه يوجد من الأخبار الدالّة على أن من صلّى بتيمم لم يعد صلاته ما يشمل المقام ، وهو روايتان صحيحتان :

إحداهما : صحيحة زرارة قال « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فإن أصاب الماء وقد صلّى بتيمم وهو في وقت؟ قال : تمّت صلاته ولا إعادة عليه » (١).

وثانيتهما : صحيحة العيص قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الماء وهو جنب وقد صلّى ، قال : يغتسل ولا يعيد الصلاة » (٢).

فان قوله في الصحيحة الأُولى : « صلّى بتيمم » يشمل بإطلاقه ما إذا كان بتيمم قبل الوقت أو بعده لأجل غاية أُخرى. وكذا قوله في الثّانية : « وقد صلّى » أي صلّى بتيمم لوضوح أنّ الصلاة من دونه لا تحتاج إلى السؤال عن إعادتها ، فدلّتا بإطلاقهما على أن من صلّى بتيمم قبل الوقت أو بعده لأجل غاية أُخرى تمّت صلاته ولا يعيدها.

نعم خرجنا عن إطلاقهما بالنسبة إلى من صلّى بتيمم بعد الوقت لأجل الصلاة الحاضرة إذا كان يرجو ويحتمل وجدان الماء قبل انقضاء الوقت فيبقى غيره تحت إطلاقهما.

إلاّ أن دلالتهما على عدم وجوب الإعادة على من صلّى أوّل الوقت بالتيمّم السابق أو اللاّحق المأتي به لأجل سائر الغايات بالإطلاق لا أنّه موردهما.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٨ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٩.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٧٠ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١٦.

٣٣٥

وبإزائهما صحيحة زرارة أو حسنته المتقدّمة من الطائفة الّتي تشمل بإطلاقها المقام ، حيث ورد فيها : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت ... » (١) ، فإنّها شاملة للمقام من جهتين :

إحداهما : قوله : « وليصل في آخر الوقت » لدلالته على أن تأخير الصلاة كتأخير التيمّم مأمور به في حقّ المتيمم لا أن تأخيرها أمر طبعي والمأمور به هو تأخير التيمّم وحسب حتّى لا تشمل المقام.

إذ لو كان الأمر كذلك لتمت الجملة بقوله : « فليتيمم في آخر الوقت » أو « إذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم » ولم تكن أية حاجة إلى قوله : « وليصل في آخر الوقت » فيصبح ذكرها لغواً لا ثمرة فيه ، فهذا يدلّنا على وجوب تأخير الصلاة على المتيمم سواء كان محدثاً فتيمّم للصلاة بعد الوقت أو كان متطهراً قبل الوقت أو تيمّم بعد الوقت لكن لأجل غاية أُخرى ، فتشمل المقام بإطلاقها.

ثانيتهما : قوله في صدرها : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف ... » فإنّه شامل للمتطهر قبل الوقت أيضاً ، لأنّه وإن كان متيمماً ومتطهراً على الفرض إلاّ أن مقتضى صدر الرواية أنّه مأمور بطلب الماء إلى أن يخاف فوت الوقت.

إذن تقع المعارضة بين هذه الرواية وبين الروايتين المتقدمتين ، وحيث إن تعارضهما بالإطلاق فيتساقطان فنبقى نحن ومقتضى القاعدة والأصل الجاري في المقام ، وهو يقتضي جواز الإتيان بالصلاة في أوّل وقتها إذا كان متطهراً قبل الوقت أو بعده لأجل غاية أُخرى.

وليس هذا لأجل استصحاب طهارته السابقة ، إذ لا شك لنا في بقائها ، فإن دخول الوقت ليس من نواقض التيمّم وإنّما الناقض له وجدان الماء أو الحدث ، بل لاستصحاب عدم وجدانه الماء حتّى آخر الوقت بناء على جريانه في الأُمور الاستقبالية كما هو الصحيح ، فإنّه ببركته يدخل في كبرى من يقطع بعدم وجدان الماء‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٣.

٣٣٦

[١١٤٣] مسألة ٥ : المراد بآخر الوقت الّذي يجب التأخير إليه أو يكون أحوط الآخرُ العرفي فلا تجب المداقة فيه (١) ولا الصبر إلى زمان لا يبقى الوقت إلاّ بقدر الواجبات ، فيجوز التيمّم والإتيان بالصلاة مشتملة على المستحبّات أيضاً بل لا ينافي إتيان بعض المقدمات القريبة بعد الإتيان بالتيمّم قبل الشروع في الصلاة بمعنى إبقاء الوقت بهذا المقدار (٢).

______________________________________________________

إلى آخر الوقت ويسوغ له أن يقدم الصلاة بتيمم ، إلاّ أنّه حكم ظاهري ، فلو وجد الماء أثناء الوقت بعد ذلك ينكشف كونه واجداً للماء فصلاته بالتيمّم باطلة لا بدّ من إعادتها ، وهذا بخلاف المتيمم بعد الوقت لأجل الصلاة فيما إذا كان آيساً وقاطعاً وجداناً بعدم الوجدان فمقتضى الأخبار عدم وجوب الإعادة في حقّه وأن ما أتى به بتيمم مجزي في حقّه.

ثمّ إنّ قوله عليه‌السلام : « فليتيمم وليصل آخر الوقت » لا دلالة له على أنّ المتيمم قبل الوقت يجب عليه أن يتيمّم أيضاً في آخر الوقت ولا يكتفي بتيممه السابق كما قد يتوهم ، وذلك لوضوح أنّ الأمر بتيممه في آخر الوقت من جهة الغالب ، حيث إن بقاء التيمّم إلى آخر الوقت من غير أن ينتقض ولا سيما إذا كان قبل الوقت بكثير أمر غير متعارف ، بل العادة جارية على انتقاضه وعدم بقائه من أوّل الصبح مثلاً إلى آخر وقت العصر ، لا أنّ التيمّم السابق لا يكتفى به بعد الوقت.

(١) لأنّه أمر حرجي بل متعذر في حق المكلّف كما قدّمناه (١).

ما هو المراد بآخر الوقت؟

(٢) فليس المراد بآخر الوقت آخره الّذي لا يسع إلاّ الصلاة المشتملة على الأجزاء والشرائط الواجبة ، بل الأخبار منصرفة إلى إرادة الصلاة العادية المتعارفة كالصلاة بأذان وإقامة وغيرهما من الأُمور المستحبّة فيها ، هذا.

__________________

(١) في ص ٣٢٩.

٣٣٧

ثمّ إن ما ذكرناه في المقام من المضايقة إنّما هو بالنسبة إلى من لا يجد الماء حقيقة وأمّا من كان واجداً للماء ولكنّه لا يتمكّن من استعمال الماء شرعاً فهل يجري ما ذكرناه فيه أو أنّه يجوز أن يأتي بالتيمّم والصلاة في أوّل الوقت؟

هل المضايقة تعم العاجز من استعمال الماء شرعاً؟

نقل في الحدائق الإجماع عن الشهيد في الروض (١) على المضايقة ووجوب التأخير على غير المتمكّن من الاستعمال شرعاً ، ثمّ أخذ في المناقشة في دعواه الإجماع حيث قال بعد نقله كلام الروض : وفيه ما لا يخفى ، فإنّه قد طعن في هذه الإجماعات في شرحه على الشرائع في غير موضع ، فاستسلامه هنا والاعتماد عليه مجازفة محضة (٢) هذا.

ولكن الصحيح أن ما ذكره الشهيد هو الصحيح ، والإجماع المدعى ليس إجماعاً تعبّدياً ليستشكل فيه بما ذكره في الحدائق ، بل الظاهر أنّه إجماع على القاعدة ، وذلك لما قدّمناه من أنّ المستفاد من الآية المباركة بقرينة ذكر المرضى أنّ المراد من عدم الوجدان هو عدم التمكّن من استعمال الماء ، وكذلك الحال في الأخبار.

وعليه فالأخبار المتقدمة الواردة في أن من صلّى بتيمم ثمّ وجد الماء لم يعد صلاته والأخبار الواردة في أنّ المكلّف إذا لم يجد ماءً وأراد التيمّم لا بدّ من أن يؤخره إلى آخر الوقت ، وكذا الصحيحة أو الحسنة المتقدمة المشتملة على أنّ المسافر إذا لم يجد الماء (٣) تشمل غير المتمكّن من الاستعمال شرعاً.

فان عدم الوجدان فيها بمعنى أعم من عدم الوجدان حقيقة أو عدم التمكّن من استعماله شرعاً ، فالمريض الّذي لا يتمكّن من استعمال الماء شرعاً لا بدّ من أن يؤخر تيممه ويصلِّي في آخر الوقت سواء كان تيممه قبل الوقت أم بعده لغاية أُخرى غير الصلاة كما قدّمناه ، هذا.

__________________

(١) الروض : ١٢٢ السطر ١٩.

(٢) الحدائق ٤ : ٣٦٦.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٣.

٣٣٨

[١١٤٤] مسألة ٦ : يجوز التيمّم لصلاة القضاء والإتيان بها معه (*) ولا يجب التأخير إلى زوال العذر ، نعم مع العلم بزواله عمّا قريب يشكل الإتيان بها قبله (١)

______________________________________________________

ثمّ لو فرضنا أنّ الأخبار المتقدمة مختصّة بعدم الوجدان تكويناً إلاّ أنّ ذلك إنّما يمنع عمّا ذكرناه فيما إذا كانت المواسعة على طبق القاعدة وخرجنا عنها في حق غير الواجد تكويناً بالأخبار المتقدمة ، لكنا أسمعناك أنّ المضايقة على طبق القاعدة ، لأنّ التيمّم إنّما يسوغ لمن لم يتمكّن من الإتيان بالطبيعي المأمور به بالطّهارة المائيّة ، ومع فرض تمكّن المكلّف من الماء ولو آخر الوقت لا يجوز له التيمّم والصلاة إلاّ ظاهراً كما قدّمنا (١) فالمضايقة على طبق القاعدة ، ولو قلنا بالمواسعة في مورد فهو محتاج إلى دليل ، وحيث لا دليل على جواز المواسعة في غير المتمكّن من الماء شرعاً فمقتضى القاعدة فيه هو المضايقة كما أسفلنا.

وما ذكرناه من المضايقة والمواسعة يأتي فيما لو قلنا بأنّه لو دخل في الصلاة متيمماً فوجد الماء في أثنائه أنّه يمضي ويتم صلاته أو يقطعها فيصلّي مع الماء ، إذ يأتي فيه كلا القولين ، بمعنى أنّه لا يلزم أحد القولين في المقام ، إذ المراد بآخر الوقت ليس هو آخره الحقيقي بل يعم ما إذا شرع فيها ثمّ قطع صلاته وتوضأ فصلّى.

يجوز التيمّم لصلاة القضاء‌

(١) الأخبار المتقدمة (٢) كلّها مختصّة بالأداء والإتيان بالصلاة في وقتها ، ولا نص في القضاء إلاّ أنّ الكلام فيه هو عين الكلام في الأداء.

وتوضيحه : أنّ المكلّف مأمور بالقضاء كما هو مأمور بالأداء ، وهو قد يعلم بارتفاع عذره قبل أن يموت ، فانّ القضاء موسع ، وقد يحتمل ارتفاعه وبقاءه ، وثالثة يطمئن ببقائه مع يأسه من زواله.

__________________

(*) لكنّه يعيدها إذا ارتفع العذر بعد ذلك.

(١) في ص ٣٣٦.

(٢) راجع الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمم ب ١٤ وغيره.

٣٣٩

وكذا يجوز للنوافل الموقتة حتّى في سعة وقتها بشرط عدم العلم بزوال العذر إلى آخره (١).

______________________________________________________

أمّا الصورة الاولى : فلا إشكال في عدم جواز تيممه لأجل القضاء ، لأنّ المعتبر في الفقدان إنّما هو فقدان الماء بالنسبة إلى طبيعي المأمور به لا بالنسبة إلى فرد من أفراده ، وهو وإن كان فاقداً للماء في الزمان الّذي يريد الإتيان بالقضاء فيه إلاّ أنّه غير مسوغ له بوجه ، لتمكّنه من الإتيان بالقضاء المأمور به مع الطّهارة المائيّة على الفرض ولو في غير هذا الزمان فلا بدّ من التأخير إلى زوال العذر.

وأمّا الصورة الثّانية : وهي صورة رجاء الارتفاع فلا يمكن التمسّك فيها بالعمومات الدالّة على أن ربّ الماء وربّ الصعيد واحد وغيره من أدلّة البدليّة (١) وذلك لأنّ المقام شبهة مصداقية له ، لاحتمال ارتفاع العذر وتمكّنه واقعاً من الإتيان بالقضاء مع الطّهارة المائيّة وإن كان لا يعلم به.

نعم لا مانع من استصحاب بقاء العذر وعدم ارتفاعه إلى آخر زمان يتمكّن فيه من القضاء ، وبه يدخل في موضوع فاقد الماء بالنسبة إلى الطبيعي المأمور به ، إلاّ أنّه حكم ظاهري ، فلو تمكّن من الماء بعد ذلك وجب عليه الوضوء أو الاغتسال والقضاء ولا يكون ما أتى به مجزياً في حقّه ، فلا يفيد الاستصحاب إلاّ بالنسبة إلى الحكم التكليفي وهو جواز الإتيان بالقضاء مع التيمّم وحسب.

وأمّا الصورة الثّالثة : فلا شبهة فيها في جواز الإتيان بالقضاء مع التيمّم ، لأنّ المفروض اطمئنانه بعدم ارتفاع عذره إلى انقضاء الوقت.

جواز التيمّم للنوافل الموقتة‌

(١) ظهر الحال فيها ممّا ذكرناه في القضاء ، وتأتي فيها الصور الثلاثة المتقدِّمة فإنّها مأمور بها وإن كان أمرها ندبيّاً.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٧٠ / أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٣ ، ١٥ ، ١٧ ، ٣٨٥ / ب ٢٣.

٣٤٠