موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

فيجب تعيينه ولو بالإجمال (١).

[١١٣٠] مسألة ١٢ : مع اتحاد الغاية لا يجب تعيينها (٢) ومع التعدّد يجوز قصد الجميع ويجوز قصد ما في الذمّة ، كما يجوز قصد واحدة منها فيجزئ عن الجميع (٣).

______________________________________________________

(١) فانّ الواجب حقائق متعددة مختلفة ، ولا تعين لما يأتي به بدلاً عنه عند عدم قصد التعيين لا واقعاً ولا ظاهراً فيبطل ولا بدّ معه من الإعادة.

وتوضيحه : أنّه عند عدم تعيين المبدل منه لا يمكن أن يقع التيمّم بدلاً عن الجميع لعدم التداخل فيه كما عرفت ، ولا يقع بدلاً عن بعض دون بعض ، لأنّه من دون ترجيح وتعيين فيقع باطلاً لا محالة.

وقد يختلف أثر المبدل منه كما لو وجب عليه غسل الجنابة ووجب عليه الوضوء لسبب من أسبابه ، فلو تيمّم بدلاً عن الوضوء لم يجز له ما يجوز لغير الجنب من دخول المساجد ومسّ القرآن وغيرهما ، وهذا بخلاف ما لو تيمّم بدلاً عن الغسل.

وكيف كان ، فمع التعدّد لا بدّ من تعيين المبدل منه ولو إجمالاً كما لو قصد ما وجب عليه أوّلاً.

(٢) لأنّها متعيّنة واقعا.

كفاية قصد ما في الذمّة‌

(٣) قد يقال : ما معنى قصد ما في الذمّة في مقابل قصد غاية معيّنة من الغايات وقصد الجميع؟ لأنّ المكلّف إمّا أن يقصد جميع غاياته وإمّا أن يقصد بعضاً معيّناً فأي معنىً لما في الذمّة غيرهما ليقصده المكلّف في مقام الامتثال؟

والجواب : أنّ المراد بقصد ما في الذمّة هو قصد الجامع بين الغايات مع إلغاء الخصوصيات الفرديّة ، فقد لا يدري المكلّف بأنّه يأتي بأية غاية من غاياته.

٣٠١

[١١٣١] مسألة ١٣ : إذا قصد غاية فتبيّن عدمها بطل (١) وإن تبيّن غيرها صحّ له إذا كان الاشتباه في التطبيق (٢) وبطل إن كان على وجه التقييد (*) (٣).

______________________________________________________

إذن يصح أن يقال : إنّه قد يقصد غاية معيّنة وأُخرى يقصد الجميع وثالثة يقصد الجامع بينها من دون قصد شي‌ء من خصوصياتها ، وعلى جميع التقادير يحكم عليه بالطّهارة ولو فيما إذا قصد غاية معيّنة ، ومعه يسوغ له الدخول في كل عمل مشروط بالطّهارة ، لأنّه متطهر على الفرض.

لو قصد غاية فتبيّن عدمها‌

(١) كما إذا تيمّم لصلاة الظهر وانكشف كونه قبل الوقت بطل ، أو انكشف أنّه صلاّها وليس هناك أية غاية أُخرى من غاياته. والوجه في بطلانه هو عدم المشرع له.

(٢) بأن يقصد به الأمر الفعلي ، غاية الأمر أنّه كان يتخيّل أنّه من جهة غاية كذا وانكشف أنّ الغاية كانت شيئاً ثانياً غير ما كان يتخيّله.

(٣) قد سبق القول في هذه المسألة (١) وقلنا : أنّ عبادية الطهارات الثلاثة لم تنشأ من أمرها الغيري وإنّما نشأت من محبوبيتها بذاتها وكونها مستحبّاً نفسيّاً ، فإذا أتى بها مضافة إلى الله سبحانه نحو إضافة صحّت ، سواء كان قد أتى بها بقصد كونها مقدمة لغاية معيّنة على نحو التقييد بأن كان بحيث لو علم بعدم تلك الغاية لم يأت بها أو أتى بها [ لا ] على وجه التقييد. فقصد التقييد وعدمه لا أثر له في المقام وأمثاله ، بل لا بدّ من الحكم بالصحّة في كلتا الصورتين.

__________________

(*) مرّ أنّه لا أثر للتقييد في أمثال المقام.

(١) في شرح العروة ٥ : ٣٦٢.

٣٠٢

[١١٣٢] مسألة ١٤ : إذا اعتقد كونه محدثاً بالأصغر فقصد البدلية عن الوضوء فتبيّن كونه محدثاً بالأكبر فإن كان على وجه التقييد بطل (١) وإن كان من باب الاشتباه في التطبيق (*) أو قصد ما في الذمّة صحّ ، وكذا إذا اعتقد كونه جنباً فبان عدمه وأنّه ماسّ للميّت مثلاً (٢).

[١١٣٣] مسألة ١٥ : في مسح الجبهة واليدين يجب إمرار الماسح على الممسوح فلا يكفي جرّ الممسوح تحت الماسح (٣) ، نعم لا تضر الحركة اليسيرة في الممسوح إذا صدق كونه ممسوحا.

______________________________________________________

إذا نوى البدلية عن الأصغر فانكشف أنّه الأكبر‌

(١) لأن ما قصده من الغاية لم يكن ، وما هو موجود لم يقصد ، ومعه لا بدّ من الحكم ببطلانه ، وهذا بخلاف ما لو أتى به بقصد أمره الفعلي متخيّلاً أنّه محدث بالأصغر فبان كونه محدثاً بالأكبر.

وهذا نظير ما إذا أتى بصلاة أربع ركعات قاصداً بها الظهر فبان أنّه قد صلاّها ، فانّ المأتي به حينئذ لا يقع عصراً بل يحكم ببطلانه ، بخلاف ما إذا أتى بها بقصد ما في الذمّة أو بقصد أمرها الفعلي متخيّلاً أنّه الأمر بالظهر فبان أنّه مأمور بالعصر فإنّه يقع عصراً لا محالة. فالتفصيل بين صورة التقييد وبين قصد الأمر الفعلي صحيح حينئذ (١).

(٢) يأتي تفصيل الكلام في ذلك في المسألة ٢٦ من مسائل أحكام التيمّم إن شاء الله تعالى فراجعه.

عدم كفاية جرّ الممسوح تحت الماسح‌

(٣) اعتمد في ذلك على الأخبار البيانيّة وغيرها ممّا دلّ على أنّهم مسحوا بأيديهم‌

__________________

(*) الظاهر هو البطلان في هذا الفرض أيضاً.

(١) لاحظ ص ٤٠٧.

٣٠٣

وجوههم وأيديهم. وقد ذكرنا في مبحث الوضوء (١) أنّ للمسح في لغة العرب معنيين :

أحدهما : إزالة الأثر. ويعبّر عن آلة الإزالة بالماسح ، فإذا كانت اليد قذرة فازيلت بمنديل أو بالحائط يقال : إنّه مسح يده بالحائط أو بالمنديل ، ومعناه أن ما دخلته « الباء » قد أزال الأثر عن اليد مثلاً. ولا يفرق في هذا بين إمرار الماسح على الممسوح وبين إمرار الممسوح وجرة من تحت الماسح ، فانّ المنديل ماسح على كل حال ، سواء أوقفنا اليد وأمررنا المنديل عليه أم أمررنا اليد على المنديل.

وقد احتملنا هناك أن يكون قوله سبحانه ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) من هذا القبيل ، أي يكون الرأس آلة وموجباً لزوال الرطوبة الموجودة في الأصابع. وقد دلّت الأخبار على أنّه لا بدّ أن تكون فيها رطوبة تمسح بالرأس والرجل.

ولا يفرق في هذا كما تقدم بين أن يمر الماسح على الممسوح أو العكس ، وإنّما قلنا في الوضوء باعتبار مرور اليد على الرأس والرجلين لأجل الروايات.

وثانيهما : المسح (٢) ، وهو إمرار اليد ، ومنه قولهم : مسحت يدي على رأس اليتيم. وفي هذا يعتبر مرور الماسح على الممسوح ، لأنّه بمعنى الإمرار ، فلو أوقفنا اليد وأمررنا رأس اليتيم تحتها انعكس الأمر فكان الماسح الرأس لا اليد.

وفي المقام الأمر كذلك ، لأنّ الأمر بالمسح في التيمّم ليس لأجل إزالة الأثر من اليد لا سيما لو قلنا بوجوب النفض ، فإنّه لا يبقى معه شي‌ء من التراب ليزال بالمسح ، فيتعيّن أن يكون المسح في المقام بمعنى الإمرار ، ومعه لا بدّ من إمرار اليد على الوجه والكفين ولا يكفي جرّ الممسوح من تحت الماسح.

__________________

(١) شرح العروة ٥ : ١٩٢.

(٢) لعلّ الصحيح : الإمرار.

٣٠٤

[١١٣٤] مسألة ١٦ : إذا رفع يده في أثناء المسح ثمّ وضعها بلا فصل وأتمّ فالظاهر كفايته (١) وإن كان الأحوط الإعادة.

[١١٣٥] مسألة ١٧ : إذا لم يعلم أنّه محدث بالأصغر أو الأكبر وعلم بأحدهما إجمالاً يكفيه تيمّم واحد بقصد ما في الذمّة (٢).

[١١٣٦] مسألة ١٨ : المشهور على أنّه يكفي فيما هو بدل عن الوضوء ضربة واحدة للوجه واليدين ويجب التعدّد فيما هو بدل عن الغسل ، والأقوى كفاية الواحدة فيما هو بدل الغسل أيضاً وإن كان الأحوط ما ذكروه ، وأحوط منه التعدّد في بدل الوضوء أيضاً (٣).

______________________________________________________

كفاية رفع اليد في أثناء المسح ثمّ الوضع

(١) وذلك لإطلاقات الأخبار (١) ومسحهم عليهم‌السلام في الأخبار البيانيّة (٢) وإن كان متّصلاً إلاّ أن فعلهم ذلك لا يدل على الوجوب لا سيما بملاحظة عدم الاهتمام ببيان اعتبار الاتصال في الأخبار ولو بالحكاية عن أنّهم مسحوا من غير فصل.

(٢) لما تقدّم من أنّه يكفي في التعيين تعيين المبدل عنه بالإجمال كقصد ما في الذمّة ولو مع العلم بأنّه محدث بالأصغر أو الأكبر فضلاً عمّا إذا لم يعلم به.

كفاية الضربة الواحدة مطلقا‌

(٣) الظاهر أنّ الأقوال في المسألة أربعة :

الأوّل : التفصيل بين التيمّم البدل عن الوضوء وبين الّذي هو بدل عن الغسل فيكفي في الأوّل ضربة واحدة للوجه واليدين ، وفي الثّاني تعتبر ضربتان : ضربة قبل‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٠ / أبواب التيمّم ب ١١ ح ٧ ، ب ١٢ ح ٢ ، وغيرهما.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٥٨ / أبواب التيمّم ب ١١.

٣٠٥

مسح الوجه وأُخرى قبل مسح اليدين بعد مسح الوجه. ذهب إليه المحقق (١) والشيخ في مبسوطه ونهايته (٢) والمفيد في المقنعة (٣) وجمع آخرون ، بل نسب إلى أكثر المتأخرين.

الثّاني : كفاية الضربة الواحدة مطلقاً سواء كان التيمّم بدلاً عن الغسل أم كان بدلاً عن الوضوء. وقد ذهب إليه جمع كالمرتضى (٤) وابن الجنيد (٥) وابن أبي عقيل (٦) وجمع من متأخري المتأخرين.

الثّالث : اعتبار الضربتين في التيمّم مطلقاً. وهو منسوب إلى جماعة من المتقدمين.

الرّابع : ما نسب إلى علي بن بابويه من اعتبار ضربات ثلاث في التيمّم بلا فرق بين ما هو بدل عن الوضوء وما هو بدل عن الغسل (٧).

أمّا القول الأخير فقد استدلّ عليه بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التيمّم فضرب بكفيه الأرض ثمّ مسح بهما وجهه ، ثمّ ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ، ثمّ ضرب بيمينه الأرض ثمّ صنع بشماله كما صنع بيمينه ... » (٨). حيث دلّت على أنّ التيمّم ثلاث ضربات.

وفيه : ما قدّمناه (٩) من أنّها محمولة على التقية ، إذ لا يجب في التيمّم المسح من المرفق كما مرّ ، على أنّها مخالفة لجميع الأخبار الواردة في التيمم لدلالتها على أنّه ضربة أو‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٨٨.

(٢) المبسوط ١ : ٣٣ ، النهاية : ٤٩.

(٣) المقنعة : ٦٢.

(٤) المسائل الناصريات : ١٤٩ ، مسألة ٤٦.

(٥) حكاه في المختلف ١ : ٢٧١ ، مسألة ٢٠٢.

(٦) حكاه في المختلف ١ : ٢٧١ ، مسألة ٢٠٢.

(٧) حكى نسبته إليه في الجواهر ٥ : ٢٠٨.

(٨) الوسائل ٣ : ٣٦٢ / أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٥.

(٩) في ص ٢٧١ ، ٢٧٣.

٣٠٦

ضربتان ، فهي رواية شاذّة ومخالفة للسنّة القطعيّة فلا مناص من طرحها. فهذا القول ساقط.

وأمّا القول الأوّل الّذي ذهب إليه المحقق والطوسي وغيرهما من التفصيل بين التيمّم البدل عن الغسل وما هو بدل عن الوضوء فهو ممّا لا يمكن الالتزام به أيضاً حيث لا دليل عليه ، وإن استدلّ عليه الشيخ الطوسي قدس‌سره (١) بما حاصله : أنّ الأخبار على طائفتين :

إحداهما : تدل على أنّ التيمّم ضربة واحدة. ومقتضى إطلاقها عدم الفرق في ذلك بين ما هو بدل عن الغسل وما هو بدل عن الوضوء.

وثانيتهما : تدل على أنّه ضربتان. ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين البدل عن الغسل والبدل عن الوضوء. إلاّ أنّا نأخذ بالقدر المتيقن من كل منهما ونرفع به اليد عن ظاهر الأُخرى.

وحيث إنّ القدر المتيقن من الطائفة الثّانية هو اعتبار الضربتين فيما هو بدل عن الغسل ، إذ لا يحتمل أن تكون الضربتان معتبرتين فيما هو بدل عن الوضوء دون الغسل ، فنأخذ به ونرفع اليد لأجله عن إطلاق الطائفة الدالّة على أنّه ضربة واحدة بحملها على ما هو بدل عن الوضوء.

كما أنّ القدر المتيقن من الطائفة الأُولى اعتبار الضربة الواحدة فيما هو بدل عن الوضوء ، لأنّا لا نحتمل عكسه ، فنأخذ به ونرفع اليد عن إطلاق الطائفة الثّانية بحملها على ما هو بدل عن الغسل.

وقد صنع الشيخ قدس‌سره نظير ذلك في الجمع بين ما دلّ على أن « ثمن العذرة سحت » (٢) وبين ما دلّ على أنّه « لا بأس ببيع العذرة » (٣) بحمل الاولى على عذرة‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢١١.

(٢) الوسائل ١٧ : ١٧٥ / أبواب ما يكتسب به ب ٤٠ ح ١.

(٣) الوسائل ١٧ : ١٧٥ / أبواب ما يكتسب به ب ٤٠ ح ٢ ، ٣.

٣٠٧

الإنسان وحمل الثّانية على عذرة غيره بعين البيان المتقدم (١).

ولا يمكن الاعتماد على ما ذكره بوجه ، وذلك :

أمّا أوّلاً : فلأن وجود القدر المتيقن من الخارج لا يقلب الرواية عن ظاهرها وعليه فهما متعارضتان لا بدّ من علاجهما. وحمل إحداهما على ما هو بدل عن الغسل والأُخرى على ما هو بدل عن الوضوء ليس بجمع عرفي بينهما.

وأمّا ثانياً : فلأن في المقام روايتين تدلاّن على أنّ التيمّم في كل من الغسل والوضوء على ترتيب واحد.

إحداهما : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال « قلت له : كيف التيمّم؟ قال : هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرّتين ... » (٢). فان معناها أنّ التيمّم قسم واحد للوضوء والغسل ، وفي كليهما تضرب بيديك.

ودعوى : أن معنى الرواية هو أنّ التيمّم ضرب واحد للوضوء ، وأمّا الغسل فلا بدّ فيه من ضرب اليد على الأرض مرّتين. مندفعة : بأنّه خلاف الظاهر جدّاً ، لأن « تضرب ... » لا يمكن حمله على الغسل.

وثانيتهما : موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن التيمّم عن الوضوء والجنابة ومن الحيض للنساء سواء؟ فقال : نعم » (٣) وهي أصرح من سابقتها. وهما تدلاّن على بطلان التفصيل بين التيمّم البدل عن الوضوء وما هو بدل عن الغسل.

وثالثاً : لأنّ التفصيل بذلك لا يمكن الالتزام به في نفسه ، لأنّ الأخبار البيانية الدالّة على أنّ التيمّم ضربة واحدة قد ورد أكثرها في قضيّة عمار (٤) وهو إنّما كان مأموراً‌

__________________

(١) الاستبصار ٣ : ٥٦ / ذيل ح ٢ ، ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٦١ / أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٤.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٦٢ / أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٦.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٥٨ / أبواب التيمّم ب ١١.

٣٠٨

بالغسل من الجنابة على ما صرّح به في الأخبار ، ومعه كيف يمكن حملها على التيمّم البدل عن الوضوء.

وقد يقال : إنّ الجمع بين الطائفتين بما ذكره الشيخ قدس‌سره إنّما هو للشاهد الّذي نقله العلاّمة (١) عن الشيخ من أنّه روي عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إنّ التيمّم من الوضوء مرّة واحدة ومن الجنابة مرّتان » (٢) ، وهي شاهدة الجمع بين الطائفتين.

ويندفع بأنّ الرواية ليس لها وجود ، ولعل أوّل من تنبه له صاحب المنتقى (٣) ، وقد ذكر أنّه اجتهاد من الشيخ وأنّ العلاّمة ظنّ من عبارته أنّه رواية ، حيث إنّ الشيخ بعد ما نقل الأخبار وما استدلّ به على التفصيل المذكور بما ذكرناه من الجمع بين الطائفتين قال : على أنّا أوردنا خبرين مفسرين لهذه الأخبار ، أحدهما عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام والآخر عن ابن أُذينة عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّ التيمّم من الوضوء مرّة واحدة ومن الجنابة مرّتان (٤).

وقوله : أوردنا ، كالصريح في أنّه يشير إلى الأخبار الّتي نقلها قبل ذلك ، وليس في الأخبار ما يدل على التفصيل المذكور ، فقوله : إنّ التيمّم من الوضوء مرّة واحدة ... نتيجة ما فهمه عن نقل الأخبار والجمع بينها.

على أنّا لو سلّمنا وجود تلك الرواية فهي تدل على تفصيل آخر لم يقل به أحد من الأصحاب ، حيث إنّها تدل على أنّ التيمّم بدلاً عن الوضوء مرّة واحدة وعن الغسل مرّتان ، أي يجب في البدل عن الوضوء التيمّم مرّة وفي البدل عن الغسل تيممان ، ولم يقل بهذا فقيه.

__________________

(١) المنتهي ٣ : ١٠٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٦٣ / أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٨.

(٣) منتقى الجمان ١ : ٣٥١.

(٤) التهذيب ١ : ٢١١.

٣٠٩

وإنّما التزموا بوحدة التيمّم في كليهما ، واختلفوا في اعتبار الضربة الواحدة فيه أو اعتبار الضربتين أو اعتبار التفصيل. فهذا القول الأوّل الّذي يتضمن التفصيل المشهور ممّا لا يمكن الاعتماد عليه.

إذن يدور الأمر بين القول بكفاية الضربة الواحدة مطلقاً فيما هو بدل عن الوضوء والغسل وبين القول بلزوم تعدّد الضربة مطلقاً.

والصحيح هو الأوّل وهو الاجتزاء بالضربة الواحدة مطلقاً ، وذلك لأن ما استدلّ به على اعتبار تعدّد الضربة قاصر عن إثبات ذلك المدّعى في نفسه ، على أنّه لو تمّ في الدلالة عليه لا يقاوم معارضة الأدلّة الدالّة على كفاية الضربة الواحدة.

والكلام يقع في مقامين :

المقام الأوّل : في قصور الأخبار المستدل بها على التعدّد عن إثبات مدّعى القائلين بالتعدّد ، وذلك لأنّه من تلك الأخبار :

صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته عن التيمّم فقال : مرّتين مرّتين للوجه واليدين » (١) ، فانّ قوله عليه‌السلام : « مرّتين مرّتين » لا يمكن حمله على كونه صادراً عنه عليه‌السلام بأن تدل على اعتبار الضرب في التيمّم أربع مرّات ، لأنّه ممّا لم يقل به أحد من أصحابنا ، فلا مناص من حمله على أن لفظة « مرّتين » الاولى من الراوي بأن يقال : مراده أنّه عليه‌السلام قال مرّتين : التيمّم مرّتين للوجه واليدين. ولأجل الدلالة على أنّه قال كذلك مرّتين أضاف الراوي كلمة « مرّتين » ثانية.

فتدلّنا الصحيحة على اعتبار التعدّد في التيمّم ، إلاّ أنّه لا دلالة لها على أنّ المراد هو التعدّد على الكيفيّة الّتي يدعيها القائل به بأن يعتبر في التيمّم ضربة قبل مسح الوجه وضربة اخرى قبل مسح اليدين بعد مسح الوجه ، لأن مقتضى إطلاقها جواز إيقاع الضربتين قبل مسح الوجه. فلا دلالة لها بوجه على لزوم كون إحدى الضربتين قبل مسح الوجه والأُخرى بعده قبل مسح اليدين.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦١ / أبواب التيمّم ب ١٢ ح ١.

٣١٠

ومنها : صحيحة إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا عليه‌السلام قال : « التيمّم ضربة للوجه وضربة للكفين » (١) وهي أصرح رواية يمكن الاستدلال بها على التعدّد.

إلاّ أنّها أيضاً كسابقتها في قصور الدلالة على مراد المدعي للتعدّد ، إذ لا دلالة لها على أن إحدى الضربتين تقع قبل مسح الوجه والثّانية تقع قبل مسح اليدين بعد مسح الوجه ، لاحتمال إرادة وقوعهما قبل مسح الوجه ، بل مقتضى إطلاقها ذلك.

كما أن مقتضى بعض الأخبار الواردة في التعدّد أن تكون الضربتان قبل مسح الوجه ، وذلك كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال « قلت له : كيف التيمّم؟ قال : هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة ، تضرب بيديك مرّتين ثمّ تنفضهما نفضة للوجه ومرّة لليدين » (٢) لدلالتها على أنّ الضربتين لا بدّ أن تقعا قبل مسح الوجه لمكان لفظة « ثمّ ».

وصحيحة ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في التيمّم ، قال : تضرب بكفيك على الأرض مرّتين ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك » (٣) وذلك لمكان لفظة « ثمّ » أيضاً.

إذن ليس هناك رواية تدل على مدّعى القائل بالتعدّد إلاّ صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة (٤) الّتي حملناها على التقية ، حيث صرّحت باعتبار ضربات ثلاثة في التيمّم : واحدة للوجه وثانية لليد اليمنى وثالثة لليد اليسرى. ولا يمكن الاعتماد عليها على ما مرّ. هذا كلّه في المقام الأوّل.

المقام الثّاني : في أنّ الأخبار المستدل بها على اعتبار التعدّد بناءً على دلالتها على هذا المدّعى لا تقاوم الأخبار الدالّة على كفاية الضربة الواحدة في التيمّم ، وأنّها لا بدّ أن تحمل على الاستحباب وإن لم يكن قائل باستحباب التعدّد قبل مسح الوجه أيضاً.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦١ / أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٦١ / أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٤.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٦١ / أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٢.

(٤) في ص ٣٠٦ عند نقل الاستدلال على القول الآخر.

٣١١

والسر في ذلك : أنّ الأخبار البيانيّة على كثرتها لم يذكر فيها أنّهم عليهم‌السلام ضربوا كفيهم على الأرض مرّتين ، وحيث إنّها في مقام البيان فيستكشف منها أنّ المعتبر في التيمّم هو الضربة الواحدة دون الضربتين ، فلو كانوا عليهم‌السلام ضربوا مرّتين لنقلته الرواة إلينا كما نقلت إلينا الأخبار البيانيّة.

ودعوى : أنّها إنّما وردت لبيان الماسح والممسوح وأنّه لا يلزم مسح تمام البدن بدلاً عن غسله ، مندفعة بأن جملة منها وردت في قضيّة عمار لبيان ما يعتبر في التيمّم وتعليمه إيّاه فكيف يمكن أن يدعى أنّها ليست في مقام البيان؟ حيث إنّ عماراً لم يكن يعلم بكيفيّة التيمّم ، فلو لم يكن صلى‌الله‌عليه‌وآله بصدد بيان كيفيّته وما يعتبر فيه لم يكن هذا مفيداً في حقّه وكان حاله بعده كحاله قبله. فلا يمكن دعوى أنّها ليست بصدد البيان ، بل قد ورد في مقام تعليمه وبيان أنّه لا يجب التمرغ في التراب ما هو كالصريح في عدم اعتبار التعدّد في التيمّم.

وهذه صحيحة زرارة قال « قال أبو جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم لعمار في سفر له : يا عمار بلغنا أنّك أجنبت فكيف صنعت؟ قال : تمرّغت يا رسول الله في التراب ، قال فقال له : كذلك يتمرغ الحمار ، أفلا صنعت كذا ، ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد ثمّ مسح جبينه ( جبينيه ) بأصابعه وكفيه إحداهما بالأُخرى ، ثمّ لم يعد ذلك » (١).

فان قوله : « لم يعد ذلك » كالصريح في أنّه ضرب يديه على الأرض مرّة واحدة من دون إعادتها ، هذا.

وقد ذكر صاحب الجواهر قدس‌سره أنّ قوله عليه‌السلام : « ثمّ لم يعد ذلك » يحتمل فيه أمران :

أحدهما : ما قدّمناه من أنّه عليه‌السلام ضرب يديه على الأرض مرّة واحدة من دون أن يكرّرها ويعيدها.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٠ / أبواب التيمّم ب ١١ ح ٨.

٣١٢

والأولى أن يضرب بيديه ويمسح بهما جبهته ويديه ثمّ يضرب مرّة أُخرى ويمسح بها يديه. وربما يقال : غاية الاحتياط أن يضرب مع ذلك مرّة أُخرى يده اليسرى ويمسح بها ظهر اليمنى ثمّ يضرب اليمنى ويمسح بها ظهر اليسرى.

______________________________________________________

وثانيهما : أنّه لم يَعدُ أي لم يتجاوز في المسح ولم يمسح زائداً على جبينه وكفيه وعليه فالرواية تصبح مجملة (١). ولعله أخذ ذلك من المحدث الكاشاني حيث إنّه ذكر هذين الاحتمالين بعد نقل الصحيحة (٢) هذا.

ولكن الظاهر هو الأوّل ، وذلك لوجود لفظة « ثمّ » ، لأنّه لو كان بمعنى لم يتجاوز ولم يَعدُ كان ذلك متّصلاً بمسحه أي لم يتجاوز في مسحه ، فلا معنى فيه للتأخير المدلول عليه بلفظة « ثمّ » ، فوجودها موجب لظهور الرواية في أنّه لم يُعد أي لم يكرّر الضرب.

ثمّ لو فرضنا أنّ الرواية كانت صريحة في الثّاني أي لم يَعدُ ولم يتجاوز لم يكن مناص أيضاً من حمله على أنّه لم يتجاوز في ضرب اليدين أيضاً ، لمكان لفظة « ثمّ » وأنّه بعد ما مسح كفيه لم يُعِد الضرب. فالرواية كالصريحة فيما ذكرناه.

إذن لا بدّ من الالتزام بكفاية الضربة الواحدة في التيمّم على الإطلاق وحمل ما دلّ على التعدّد على الاستحباب أو التقيّة.

نعم الأحوط أن يكرّر الضرب مرّتين كما في الأخبار. وأحوط منه أن يتيمّم مرّتين : بالضربة الواحدة يتيمّم مرّة ، ويتيمّم اخرى بضربتين قبل مسح الوجه. كما يحصل الاحتياط بما ذكره الماتن من أنّه يضرب يديه مرّة واحدة ويمسح وجهه ويديه ثمّ يضرب مرّة أُخرى ويمسح بها يديه.

__________________

(١) الجواهر ٥ : ٢١٤.

(٢) الوافي ٦ : ٥٨٠ / أبواب التيمّم ، باب صفة التيمّم ، ذيل ح ٣.

٣١٣

[١١٣٧] مسألة ١٩ : إذا شكّ في بعض أجزاء التيمّم بعد الفراغ منه لم يعتن به (*) (١) وبنى على الصحّة ، وكذا إذا شكّ في شرط من شروطه.

______________________________________________________

الشك بعد الفراغ عن التيمّم

(١) فيما إذا لم يكن شكّه في الإتيان بالجزء الأخير ، كما لو شكّ في أنّه أتى بجزء من أجزاء التيمّم أو كان واجداً لشرط من شرائطه فيبني على صحّة تيممه ، لما دلّ على أنّه : كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو (١).

وأمّا إذا شكّ في الإتيان بالجزء الأخير من التيمّم أي مسح يده اليسرى فهو ليس بمورد لقاعدة الفراغ ، لعدم إحراز الفراغ عنه لاحتمال أنّه بعدُ في أثنائه ولم يأت بالجزء الأخير.

ودعوى : أنّ الفراغ المعتبر في القاعدة هو الفراغ البنائي بأن يبني المكلّف على أنّه فرغ من عمله ، ممّا لا شاهد عليه في شي‌ء من الروايات ، بل يعتبر في جريان القاعدة المضي والفراغ حقيقة ، ولا يتحقق هذا مع الشك في الإتيان بالجزء الأخير ، نعم لو شكّ في ذلك بعد فوات الموالاة لا بأس بالتمسّك بقاعدة الفراغ لمضي محل التيمّم حينئذ ، إذ يصح أن يقال : إنّه ممّا قد مضى وتجاوز عن محلِّه.

وكذلك الحال فيما إذا شكّ فيه بعد دخوله في شي‌ء آخر مترتب على التيمّم ، فإنّه يحرز به التجاوز عن المحل فتجري فيه القاعدة. فالمحقق للفراغ والتجاوز أحد أمرين : الأوّل : فوات الموالاة. الثّاني : الدخول في شي‌ء آخر مترتب على التيمّم.

__________________

(*) الأحوط لزوم الاعتناء به إذا كان الشك في الجزء الأخير ولم يدخل في الأمر المترتب عليه ولم تفت الموالاة.

(١) الوسائل ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٦.

٣١٤

وإذا شكّ في أثنائه قبل الفراغ في جزء أو شرط (١) فإن كان بعد تجاوز محلّه بنى على الصحّة ، وإن كان قبله أتى به وما بعده ، من غير فرق بين أن يكون بدلاً عن الوضوء أو الغسل ، لكن الأحوط الاعتناء به مطلقاً وإن جاز محلِّه أو كان بعد الفراغ ما لم يقم عن مكانه أو لم ينتقل إلى حالة اخرى على ما مرّ في الوضوء خصوصاً فيما هو بدل عنه.

______________________________________________________

الشك في أثناء التيمّم‌

(١) فان لم يتجاوز عن محلِّه ولم يدخل في الجزء الآخر أتى بما يشك في الإتيان به لعدم جريان القاعدة فيه بوجه. وأمّا إذا تجاوز عن محل المشكوك ودخل في جزء آخر فهل تجري فيه قاعدة التجاوز ويحكم بعدم الاعتناء بشكّه أو لا تجري؟

فيه كلام قد تعرّضنا له في محلِّه (١) وقلنا : إنّه قد يمنع عن جريان القاعدة في الطهارات الثلاث نظراً إلى أنّ الطّهارة أمر واحد بسيط لا معنى للشك في أثنائه والتجاوز عن بعض أجزائه ، لأنّه إمّا موجود وإمّا معدوم ، ولا تركب فيه ، وإنّما الشك في محصلها وسببها فلا بدّ من الاعتناء بالشك في أثناء تلكم الأفعال المحصلة للطهارة ، وعليه فلا تجري القاعدة بطبعها في شي‌ء من الطهارات الثلاث من دون حاجة إلى التخصيص في أدلّتها.

وأجبنا عن ذلك : أنّ الوضوء والغسل والتيمّم اسم لنفس تلكم الأفعال ، وهي مركبة قد يشك في الإتيان بجزء منها بعد الدخول في جزء آخر منها فلا مانع من جريان القاعدة فيها في طبعها ، ومن هنا أجريناها في الغسل عند الشك في أثنائه ، وإنّما لا نلتزم بجريانها في الشك في أثناء الوضوء للتخصيص من جهة الأخبار الدالّة عليه (٢) ، لا لأنّه ليس بمورد للقاعدة.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٨٩.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٩ / أبواب الوضوء ب ٤٢.

٣١٥

[١١٣٨] مسألة ٢٠ : إذا علم بعد الفراغ ترك جزء يكفيه العود إليه والإتيان به وبما بعده مع عدم فوت الموالاة ومع فوتها وجب الاستئناف (١). وإن تذكر بعد الصلاة وجب إعادتها أو قضاؤها (٢) ، وكذا إذا ترك شرطاً مطلقاً ما عدا الإباحة في الماء أو التراب (*) (٣) فلا تجب إلاّ مع العلم والعمد كما مرّ.

______________________________________________________

وعليه فلو شكّ في أثناء التيمّم ، في جزء منه بعد الدخول في جزء آخر جرت فيه القاعدة ، وبها يحكم بصحّة التيمّم ، من دون فرق في ذلك بين أن يكون التيمّم بدلاً عن الوضوء أو بدلاً عن الغسل ، وذلك لأنّ التيمّم عبادة في نفسه ، وهو أمر قابل للشك في أثنائه فتجري فيه القاعدة ، إذ لم يقم دليل على تخصيصها إلاّ في الوضوء.

ولا دليل على أنّ حكم البدل هو حكم مبدله فبما أنّ الوضوء لا تجري فيه القاعدة فلا تجري في التيمّم أيضاً ، نعم الأحوط الاعتناء بالشك في أثنائه ولا سيما فيما هو بدل عن الوضوء.

(١) للإخلال بالهيئة الاتصاليّة المعتبرة في العبادات المركّبة.

لو علم ترك جزء بعد الفراغ‌

(٢) للعلم بفوات الطهور ، ولا صلاة إلاّ بطهور ، وحينئذ يقطع المكلّف ببطلانها.

(٣) نظراً إلى أنّ الإباحة شرط ذكرى ، ومع عدم العلم والعمد يسوغ التصرّف في الماء أو التراب وإن كانا للغير فيصح وضوءه وغسله وتيممه.

وفيه : أنّ ذلك وإن كان مشهوراً عندهم حيث جعلوا المقام من موارد اجتماع الأمر والنهي ، وذكروا أنّه مع سقوط النهي للجهل أو لغيره لا مانع من الإتيان بالمجمع ووقوعه صحيحاً ، لأنّه مأمور به وقد ارتفع عنه المانع والمزاحم الّذي هو النهي.

إلاّ أنّا ذكرنا في مبحث الوضوء والغسل (١) أنّ الإباحة شرط واقعي أيضاً ، لأنّ‌

__________________

(*) الحال في التيمّم كما مرّ في الوضوء.

(١) شرح العروة ٥ : ٣١٧ ، ٦ : ٤١٢.

٣١٦

فصل

في أحكام التيمّم‌

[١١٣٩] مسألة ١ : لا يجوز التيمّم للصلاة قبل دخول وقتها (١) وإن كان بعنوان التهيؤ‌

______________________________________________________

الحرمة وإن لم تكن متنجزة في موارد الجهل على المكلّف إلاّ أنّها موجودة واقعاً وهو أمر مبغوض ، والحرمة الواقعية كافية في تخصيص دليل الوجوب ، لأنّ الحرام لا يعقل كونه مصداقاً للمأمور به.

فالمقام من موارد النهي عن العبادة لاتحاد متعلق الأمر والنهي فيه ، وليس من موارد اجتماع الأمر والنهي الّتي يكون المأمور به فيها مغايراً للمنهي عنه إلاّ أنّ المكلّف لا يتمكّن من امتثالهما ، والفرق بين المقامين ظاهر ، فإذا ظهر أنّ الماء أو التراب لم يكن حلالاً بطل تيممه أو وضوءه ووجب عليه إعادة صلاته أو قضاؤها.

نعم إذا كان ناسياً للغصبية صحّ وضوءه وغسله وتيممه ، لأنّ النسيان يرفع الحرمة والمبغوضية الواقعيّة ، ولكون العمل مع النسيان صادراً على وجه مباح ، وما يأتي به مع النسيان يقع مصداقاً للمأمور به من غير نقص ، إلاّ أن يكون الناسي هو الغاصب بعينه ، لأنّه وإن كانت الحرمة مرتفعة عنه أيضاً إلاّ أنّه يصدر العمل منه مبغوضاً ويعاقب عليه ، لأنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

فصل في أحكام التيمّم‌

(١) هذا هو المعروف عند الأصحاب. وتفصيل الكلام فيه :

أنّه قد يقع الكلام في من وجب عليه الغسل أو الوضوء قبل الوقت بسبب ونحو من الأنحاء من الالتزام بالواجب المعلّق أو غيره على ما أسلفناه في بحوث مقدّمة‌

٣١٧

الواجب والمقدّمات المفوتة (١) ، وذلك كالغسل ليلة شهر رمضان قبل الفجر لئلاّ يبقى على الجنابة عند طلوع الفجر ، فحيث إنّه لا يتمكّن من الطّهارة المائيّة جاز في حقّه التيمّم وإن كان قبل الوقت ، لعين ما دلّ على وجوب الطّهارة المائيّة في حقّه إمّا بالالتزام بالواجب المعلّق أو بغيره من الوجوه. وليس كلام المشهور في أنّ التيمّم لا يجوز قبل الوقت ناظراً إلى تلك الصورة ، أعني ما إذا وجبت عليه الطّهارة قبل الوقت.

ومن هذه الكبرى ما إذا كان عند المكلّف ماء يفي بغسله أو وضوئه قبل الوقت إلاّ أنّه لو لم يتوضأ أو يغتسل قبل الوقت وأراق الماء لم يتمكّن من الطّهارة المائيّة ولا الترابيّة بعد الوقت ، فإنّه في هذه الصورة يجب عليه التوضؤ أو الاغتسال قبل الوقت. أو لو كان على طهارة وجب عليه إبقاؤها وحرم عليه نقضها بالحدث قبل الوقت لأنّه لو لم يأت بهما قبل الوقت لفوّت الملاك الموجود في الصلاة بالاختيار ، لأنّه لا صلاة إلاّ بطهور ، وتفويت الملاك قبيح عند العقل كقبح عصيان التكليف المحكّم.

نعم لو كان على نحو لو فوّت الماء قبل الوقت لم يتمكّن من الوضوء أو الغسل بعد الوقت ولكنّه يتمكّن من الطّهارة الترابيّة لم يجب عليه الوضوء أو الاغتسال قبل الوقت ، كما أنّه لو كان على طهارة جاز له أن ينقضها بالحدث قبل الوقت ، لأنّه متمكّن من تحصيل الملاك الملزم في الصلاة بالتيمّم لأنّه كالماء وقائم مقامه. فهذه المسألة أيضاً من صغريات تلك الكبرى.

وكيف كان ، لا إشكال في وجوب التيمّم فيما إذا كانت الطّهارة واجبة على المكلّف قبل الوقت ، اللهمّ إلاّ أن نقول إنّ التيمّم مبيح للصلاة لا أنّه رافع للحدث فلا يجب التيمّم على المكلّف في المثال على هذا المبنى ، لأنّه لا يرفع حدثه كي يكون متطهراً بسببه ويدرك الفجر متطهراً ، بل يبقى على الحدث بعد التيمّم وإنّما يباح له الدخول في الصلاة ، ولا دليل على أنّه يباح بالتيمّم الصوم أيضاً ، فهو فاقد الطّهارة حينئذ‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٣٥٥ ، وغيرها.

٣١٨

ومضطر في بقائه على الجنابة عند الفجر فلا تجب عليه الكفّارة لاضطراره.

وهذا بخلاف ما إذا قلنا بأنّه رافع للحدث فإنّه واجب على المكلّف حينئذ ، لأنّه مأمور بالطّهارة وترك البقاء على الجنابة عند طلوع الفجر ، فإنّه لو بقي عليها بالاختيار لوجبت عليه كما هو محرر في محلِّه ، فيجب عليه أن يرفع حدثه بالتيمّم لعجزه عن الماء.

ولعلّه إلى ذلك ينظر المانعون عن مشروعية التيمّم قبل دخول الوقت حتّى في مفروض المثال.

بل يمكن أن يقال : إنّ التيمّم بناءً على أنّه رافع للحدث لا يكون مشروعاً في المقام أيضاً ، لأنّه ليس برافع للجنابة ، بل المتيمم جنب حقيقة وإنّما يرتفع بالتيمّم حدثه ومن هنا يجب عليه الاغتسال بعد تمكّنه من الماء ، والدليل دلّ على أنّ البقاء على الجنابة موجب لبطلان الصوم أو للكفارة ، والمتيمم جنب فهو على كلا القولين مضطر إلى البقاء على الجنابة فلا تجب الكفارة عليه ولا يشرع في حقّه التيمّم أيضاً.

إلاّ أنّ الصحيح أنّه على القول بكونه رافعاً لا شبهة في مشروعية التيمّم قبل الوقت في الصورة المذكورة ، وذلك لأن ظاهر الأدلّة أنّ الجنابة بما أنّها حدث لا يجوز البقاء عليها ، وهي بهذا الوصف مانع عن الدخول في الصلاة أو غيرها لا بوصف كونها جنابة ، فإذا ارتفعت الجنابة بما أنّها حدث صحّ صومه وجاز له كلّ ما هو جائز للمتطهر وغير المحدث ، والمفروض أنّ المكلّف محدث فيجب عليه التيمّم قبل الوقت لئلاّ يبقى على الحدث عند الفجر بالاختيار ، وإلاّ لوجبت عليه الكفارة وبطل صومه كما يأتي تفصيل هذا البحث عند التكلم في أنّ التيمّم رافع أو مبيح (١).

وأُخرى يقع الكلام فيما إذا لم تجب الطّهارة قبل الوقت عليه وهو بحيث يحتمل تمكّنه من الماء بعد دخول الوقت وقبل أن ينقضي.

وفي هذه الصورة إن قلنا بعدم جواز التيمّم أوّل الوقت لمن احتمل تمكّنه من الماء‌

__________________

(١) في ص ٣٩٧.

٣١٩

نعم لو تيمّم بقصد غاية أُخرى واجبة أو مندوبة يجوز الصلاة به بعد دخول وقتها ، كأن يتيمّم لصلاة القضاء (*) أو للنافلة إذا كان وظيفته التيمّم.

______________________________________________________

إلى آخر الوقت فلا مناص من الالتزام بعدم جوازه قبل الوقت بطريق أولى.

وإن قلنا بجوازه أوّل الوقت ولو مع احتمال طروء التمكّن من الماء آخر الوقت أو فرضنا الكلام في من علم بعدم تمكّنه إلى آخر الوقت فهل يجوز له التيمّم قبل دخول الوقت أو لا يجوز؟ قد يقال بالجواز بدعوى أنّه حينئذ مقتضى القاعدة ، فالقول بعدم جوازه يحتاج إلى دليل.

والتحقيق : عدم مشروعية التيمّم قبل الوقت ، إذ ليست هناك قاعدة تقتضي الجواز لنحتاج في الخروج عنها إلى إقامة الدليل عليه.

وسره : أنّا قد استفدنا من الآية المباركة والأخبار أنّ التيمّم إنّما يسوغ في ظرف الحاجة إليه لأجل الصلاة أو سائر الغايات ، لأنّه معنى قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ... ) (١) فإنّه إذا احتاج إلى الطّهارة ولم تمكنه الطّهارة المائيّة فيقوم التيمّم مقامها فان ربّ الماء وربّ الصعيد واحد ، وأمّا قبل دخول الوقت في مفروض الكلام فلا حاجة للمكلّف إلى الطّهارة بوجه حتّى تقوم الطّهارة الترابيّة مقام الطّهارة المائيّة ويسوغ التيمّم.

وهذا الوجه وإن كان جارياً في الغسل والوضوء أيضاً ، لقوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ... ) (٢) أو قوله تعالى ( حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (٣) وكذا دلّت عليه الأخبار ، إلاّ أنّ الوضوء والغسل عبادتان ومستحبان في ذاتهما فلا مانع من الإتيان بهما بداعي محبوبيتهما حتّى قبل الوقت ، بل التزم بعضهم بالوجوب النفسي في غسل الجنابة كما‌

__________________

(*) هذا فيما إذا جاز له التيمّم لها.

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) المائدة ٥ : ٦.

(٣) النِّساء ٤ : ٤٣.

٣٢٠