موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

ولا يعتبر فيها قصد رفع الحدث بل ولا الاستباحة (١).

الثّاني : المباشرة حال الاختيار (٢).

______________________________________________________

عدم اعتبار قصد الرفع في التيمّم‌

(١) يأتي التكلم على أنّ التيمّم هل هو كالوضوء رافع للحدث كما هو مقتضى ما دلّ على أن ربّ الماء والصعيد واحد (١) ، أو أنّه مبيح للدخول معه في الصلاة تخصيصاً لما دلّ على أنّه « لا صلاة إلاّ بطهور » (٢) فيجوز في حق المتيمم؟

إلاّ أنّه لا يعتبر في صحّته قصد شي‌ء من ذلك ، لأنّ ذلك كلّه حكم من الأحكام المترتبة على التيمّم ، وليس هو إلاّ ضربه ومسحة ، فإذا أتى بهما ناوياً به القربة فقد تحقق المأمور به وحصل الامتثال ، سواء أكان التيمّم رافعاً كما هو الصحيح الموافق لما دلّ على أن ربّ الماء والصعيد واحد أم كان مبيحاً ، لعدم اعتبار نيّة الأحكام المترتبة على التيمّم في صحّته.

الثّاني ممّا يعتبر في التيمّم‌

(٢) وذلك لأنّه يقتضيه الأخبار البيانيّة الواردة في كيفيّة التيمّم ، حيث دلّت على أنّهم ضربوا أيديهم على الأرض ومسحوا بها وجوههم وأيديهم فقد تصدوا له بالمباشرة.

ثمّ لو ناقشنا في ذلك نظراً إلى أنّ الأخبار المذكورة إنّما وردت لبيان الكيفيّة المعتبرة في التيمّم لا لبيان من يصدر منه التيمّم فلا دلالة لها على اعتبار المباشرة ، كفانا في الاستدلال على ذلك إطلاقات الأمر بالمسح في الآية المباركة وفي الأخبار الآمرة بضرب اليدين على الأرض والمسح بهما على الوجه واليدين ، وذلك لأن مقتضى‌

__________________

(١) راجع الوسائل ٣ : ٣٨٥ / أبواب التيمّم ب ٢٣ ، تجد مضمونها فيه.

(٢) الوسائل ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١.

٢٨١

إطلاقهما أنّ المكلّف لا بدّ أن يصدر منه ضرب اليدين والمسح سواء صدر ذلك من غيره أم لم يصدر.

على أنّا لو شككنا في ذلك ولم يمكننا استفادة اعتبار المباشرة من الآية والأخبار فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم سقوط التكليف بالتيمّم عن المكلّف إذا يممه غيره ، لأنّه مكلّف بالتيمّم قطعاً فلو شكّ في سقوطه بتصدي الغير لتيممه فقاعدة الاشتغال تقتضي البراءة اليقينية الحاصلة بالتصدي للتيمم بالمباشرة.

نعم شرطية المباشرة تختص بحالة الاختيار ولا تعتبر في صحّة التيمّم عند العجز وعدم التمكّن. والوجه في ذلك أحد أمرين :

أحدهما : ما قدمناه من أن ما دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال (١) ذو حكومة على جميع أدلّة الأجزاء والشرائط في الصلاة ، ومن جملة الشرائط في الصلاة هو الطهور ، وقد دلّتنا الآية والأخبار على أنّ المباشرة معتبرة في الطهور ، ومع العجز عن المباشرة فمقتضى إطلاق الشرطية سقوط الأمر بالصلاة عن المكلّف ، إلاّ أنّ ما دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال يدلّنا على أنّ المكلّف مأمور بالصلاة حينئذ ولا صلاة إلاّ بطهور.

ومقتضى ذلك سقوط قيد المباشرة في التيمّم ويستكشف أنّ اشتراط المباشرة مختص بحال التمكّن والاختيار ، وبهذا الدليل سنستدل على جملة من الفروع الآتية إن شاء الله تعالى.

وثانيهما : رواية ابن أبي عمير عن محمّد بن مسكين وغيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قيل له : إنّ فلاناً أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات ، فقال : قتلوه ألا سألوا؟ ألا يمموه؟ إنّ شفاء العي السؤال » (٢) فإنّها تدلّنا على أنّ العاجز عن التيمّم ييممه غيره ، فالمباشرة ساقطة عند العجز.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٤٦ / أبواب التيمّم ب ٥ ح ١.

٢٨٢

إلاّ أنّ الكلام في سندها لأنّها إلى ابن أبي عمير حسنة ، وهو يروي عن محمّد بن مسكين ، وهذا ضعيف.

هذا بناءً على نسخة الكافي (١) والوسائل في طبعته الأخيرة ، إلاّ أنّ الموجود في التهذيب (٢) والوافي (٣) والوسائل في طبعه الأمير البهادري ( سكين ) بدل ( مسكين ) وهو موثق.

وذكر الأردبيلي في جامع الرواة أن نسخة الكافي مغلوطة على الظاهر ، والصحيح سكين ، لأن من يروي عنه ابن ابي عمير هو محمّد بن سكين لا مسكين ، حتّى أنّ الموارد الّتي نقل فيها أنّ ابن أبي عمير روى فيها عن ابن مسكين كلّها مروية عن ابن سكين أيضاً (٤).

وفي الحدائق نقلها عن الكافي عن محمّد بن سكين لا مسكين (٥) ولو كان نقلها عن نسخة الكافي لكان هذا شهادة على كون نسخة الكافي محمّد بن مسكين غلطاً.

وبهذا كلّه يطمأن أنّ الصحيح هو ابن سكين لا ابن مسكين ، فإنّ القرائن المذكورة تفيد اطمئنان النفس بصحّة نسخة التهذيب والوافي والوسائل بطبعته السابقة.

والعجب أنّ الطبعة الأخيرة من الوسائل مع أنّها مبنية على التصحيح لم تصحح في المقام ، ولا أُشير إلى أن ( مسكين ) نسخة ، فالرواية معتبرة وقابلة للاعتماد عليها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٨ / ٥ ، ولكن الموجود في النسخة الحديثة من الكافي « سكين » كما ذكره في المعجم أيضاً.

(٢) التهذيب ١ : ١٨٤ / ٥٢٩.

(٣) الوافي ٦ : ٥٤٩.

(٤) جامع الرواة ٢ : ١٩٣ / ١٣٨١.

(٥) الحدائق ٤ : ٢٧٧.

٢٨٣

الثّالث : الموالاة (١) وإن كان بدلاً عن الغسل (٢) والمناط فيها عدم الفصل المخل بهيئته عرفاً بحيث تمحو صورته.

______________________________________________________

الثّالث ممّا يعتبر في التيمّم‌

(١) لم يرد اعتبار الموالاة في دليل لفظي في المقام. والإجماع المدّعى في المقام منقول لا يمكن الاعتماد عليه ، نعم مقتضى الارتكاز المتشرعي أنّ للعبادات المركبة هيئة وصورة بحيث لو لم يؤت بأجزائها متوالية بأن تخلل بينها فصل طويل ولم يصدق عليها أنّها عمل واحد بطلت ، فلو أتى بجزء منها في وقت ثمّ بجزئه الآخر في وقت آخر بعد فصل طويل لم يصدق أن ما أتى به صلاة أو وضوء أو تيمّم أو غيرها.

وبهذا اعتبرنا التوالي في الصلاة ، وإلاّ لم يقم دليل لفظي على اعتبارها بين أجزائها فإن مقتضى الارتكاز أنّه لو كبّر وقرأ الفاتحة ثمّ اشتغل بفعل آخر ، وبعد مدّة ضمّ إليهما الركوع ، وبعد فصل أتى بالسجود بطلت صلاته ولم يصدق على عمله الصلاة.

واعتبار التوالي في أجزاء الجزء الواحد أوضح ، كما لو قرأ بعض الفاتحة ثمّ بعد مدّة قرأ النصف الآخر. واعتبار الموالاة بين أجزاء الكلمة الواحدة أوضح وأظهر ، كما لو قال : ما ، وبعد فصل قال : لك يوم الدين ، فإنّه لا يطلقون عليه عنوان الفاتحة.

وعلى هذا تعتبر الموالاة في أجزاء التيمّم كبقية العبادات ، نعم علمنا في الغسل من الخارج عدم اعتبار الموالاة في أجزائه ، وهو أمر آخر مستند إلى دليله.

(٢) وهل يفرق في اعتبار الموالاة في أجزاء التيمّم بين التيمّم الّذي هو بدل عن الغسل وبين التيمّم البديل عن الوضوء ، بأن يقال بعدم اعتبارها في الأوّل دون الثّاني لأن مبدله في الأوّل وهو الغسل لا يعتبر فيه الموالاة؟

الصحيح عدم الفرق في اعتبارها بين أن يكون بديلاً عن الغسل أو بديلاً عن الوضوء ، لأن اشتراط الموالاة فيه ليس مستنداً إلى اشتراطها في مبدله ليفرق فيه بين ما هو بدل عن الغسل وما هو بدل عن الوضوء ، وإنّما اعتبارها من جهة الارتكاز‌

٢٨٤

الرّابع : الترتيب على الوجه المذكور (١).

______________________________________________________

المقتضي لاعتبارها بين أجزاء العبادات المركبة بحيث لو وقع بينها فصل طويل بنحو لا تعد الأجزاء عملاً واحداً بطلت. فلا فرق في اعتبارها بين أقسام التيمّم.

الرّابع ممّا يعتبر في التيمّم‌

(١) أمّا اعتبار أن يكون مسح الوجه بعد الضرب فهو ممّا لا إشكال فيه ، وتقتضيه الآية المباركة والأخبار الواردة في المقام ، فلو مسح وجهه ثمّ ضربهما على الأرض لم يكفِ ذلك ، لقوله تعالى ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) (١) فلا بدّ أن يكون المسح بالتراب.

وكذلك تقتضيه الروايات (٢) بل قد عبّر في بعضها بكلمة « ثمّ » الدالّة على الترتيب.

ودعوى : أنّ التيمّم فعل تدريجي ، ولا بدّ في الفعل التدريجي من ترتيب على كل حال ، ووقوع بعضه بعد بعض لا يدل على اعتبار الترتيب بين أجزائه. مندفعة بأنّها قد وردت لبيان الكيفيّة المعتبرة في التيمّم ، وما صدر عنهم ( عليهم الصّلاة والسّلام ) في ذلك المقام ظاهره أنّه معتبر في صحّة التيمّم ، وقد حكي ذلك في بعضها عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) وعبّر فيه بكلمة « ثمّ » أيضاً ، فلا موقع لإنكار دلالتها على الترتيب ، وهذا ظاهر.

وأمّا اعتبار الترتيب بين اليدين ومسح اليمنى قبل اليسرى فلم يدل عليه دليل ، لأنّ الأخبار البيانية كلّها مشتملة على أنّهم مسحوا كفيهم إحداهما على الأُخرى ، وأمّا أنّه يعتبر الترتيب في مسح اليدين فهو ممّا لم يدل عليه شي‌ء من تلك الأخبار.

نعم ورد في صحيحة محمّد بن مسلم التصريح بالترتيب في مسح اليدين وأنّ التيمّم‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٥٨ / أبواب التيمّم ب ١١.

(٣) الباب المتقدم : ح ٢ ، ٤ ، ٨ ، ٩.

٢٨٥

الخامس : الابتداء بالأعلى (*) ومنه إلى الأسفل في الجبهة واليدين (١).

______________________________________________________

التيمّم كالوضوء إلاّ في مسح الرأس والرجلين (١) ، إلاّ أنّها محمولة على التقية كما قدّمناه (٢).

وورد في موثقة زرارة المروية عن السرائر عن نوادر البزنطي أنّه مسح اليسرى على اليمنى واليمنى على اليسرى (٣) ، إلاّ أنّه خالٍ عن الدلالة على الترتيب ، وإنّما اشتمل على أنّه مسح كلا من اليدين بالأُخرى. ومن الواضح أنّه أمر تدريجي لا بدّ من أن يقدم بيان أحدهما على الآخر ، فلا يستفاد منه اعتبار الترتيب في مسح اليدين.

وورد ذلك أيضاً في الفقه الرضوي (٤) بعنوان ( أروي ) ، وقد سبق غير مرّة أنّه لم يثبت كونه رواية فضلاً عن اعتبارها.

وأمّا دعوى الإجماع على اعتبار الترتيب بينهما فهي مندفعة بأنّه إجماع منقول لا يمكننا الاعتماد عليه ، على أن كلمات القدماء غير مشتملة على هذا الترتيب ، فقد عبر الصدوق في المقنع (٥) والهداية (٦) بما ورد في الروايات من أنّه يضرب بيديه الأرض ثمّ يمسح بهما وجهه ويديه ، من دون أن يتعرّض لبيان الترتيب بين اليدين وكذلك سلار (٧) ، نعم اعتبره بعضهم ، ومعه لا يمكن دعوى الإجماع في هذه المسألة.

الخامس من الشروط‌

(١) هذا هو المعروف بين الأصحاب ، وقد استدلّ عليه تارة بأنّ التيمّم بدل عن‌

__________________

(*) على الأحوط.

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٢ / أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٥.

(٢) في ص ٢٧١ ، ٢٧٣.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٦٠ / أبواب التيمم ب ١١ ح ٩ ، السرائر ٣ : ٥٥٤.

(٤) المستدرك ٢ : ٥٣٥ / أبواب التيمّم ب ٩ ح ١ ، فقه الرضا : ٨٨.

(٥) المقنع : ٢٦.

(٦) الهداية : ١٨.

(٧) لاحظ المراسم : ٥٤.

٢٨٦

الوضوء ، فكما يبدأ بالوضوء من الأعلى إلى الأسفل فكذلك الحال في بدله يجب البدء من الأعلى إلى الأسفل.

ويدفعه : عدم الدليل على أن جميع الأحكام المترتبة على المبدل لا بدّ من أن تترتب وتجري على البدل ، لأنّ المبدل شي‌ء والبدل شي‌ء آخر. على أنّه لو تمّ فإنّما يتم في التيمّم الّذي هو بدل عن الوضوء ولا يجري فيما هو بدل عن الغسل ، إذ لا يعتبر فيه البدء من الأعلى إلى الأسفل.

وأُخرى بالأخبار البيانية الدالّة على أنّهم عليهم‌السلام مسحوا بأيديهم على وجوههم وأيديهم ، فان مقتضى عدم تعرّضهم لجواز النكس في المسح هو اعتبار كون المسح من الأعلى إلى الأسفل ، لأنّه المتعارف في المسح دون النكس ، فلو جاز غيره أو وجب للزم عليهم عليهم‌السلام التنبيه والدلالة عليه ، نظير ما استدللنا به على اعتبار كون المسح بباطن الماسح على ظاهر الممسوح.

وقد أُجيب عن ذلك بأنّ الأخبار البيانية إنّما اشتملت على حكاية فعل صدر من الإمام ، ولا دلالة له على الوجوب ، لأنّ الفعل لا بدّ أن يقع على أحد الوجهين لا محالة ، ومن هنا لو مسح من الأعلى إلى الأسفل ثمّ بيّن أنّ ذلك غير واجب ويجوز النكس في المسح لم يكن فعله معارضاً لقوله ، ولا وجه له سوى أنّ الفعل لا يدل على الوجوب. فلا يمكننا استفادة الوجوب من مسحهم عليهم‌السلام في الأخبار البيانية بناءً على صحّة التقريب المتقدم في دلالته على الوجوب.

وفيه : أنّ الفعل إنّما لا يدل على الوجوب فيما إذا لم يصدر في مقام البيان والجواب عن وجوبه ، كما إذا ورد أنّ الإمام تيمّم أو توضأ قائماً أو قاعداً ، فانّ ذلك لا يدل على اعتبار القيام أو القعود في شي‌ء منهما كما أُفيد ، إذ الوضوء لا بدّ أن يقع منه إمّا قائماً وإمّا قاعداً لا محالة.

وأمّا لو سئلوا عن كيفيّة شي‌ء كالتيمم في المقام وأنّهم عليهم‌السلام عملوا عملاً في الجواب عن السؤال فيدل ذلك لا محالة على اعتبار ما فعلوا في ذلك الشي‌ء‌

٢٨٧

المسئول عنه ، كيف وهم في مقام البيان والجواب عن الكيفيّة المعتبرة في التيمّم.

وأمّا ما قيل من أنّه لو صرّح بعد المسح من الأعلى إلى الأسفل بأنّه ليس واجباً فلا يكون تعارض بين قوله وفعله عليه‌السلام فهو من الغرابة بمكان ، وذلك لأنّ الاستفادة من الفعل إنّما هي بالدلالة ، وهي لا تكون أقوى من الصراحة ، إذ مع التصريح بخلاف الظهور لا يبقى للفعل دلالة على الوجوب ، والتصريح بيان لعدم إرادة الظاهر منه.

وكذلك الحال في المطلق الّذي ظاهره الشمول والسريان ، فإنّه لو صرّح بعدم إرادة السريان منه لم يكن بينهما مناقضة أصلاً ، لأنّه قرينة وتصريح بعدم إرادة الظاهر منه بل وكذلك الحال فيما لو صرّح بشي‌ء وصرّح أيضاً بما أراده منه لم يكن بينهما مناقضة إذا عدّ قرينة على المراد.

فالصحيح في الجواب أن يقال : إن مسح الوجه واليدين يتصوّر على وجوه : فقد يمسحان من الأعلى إلى الأسفل ، وأُخرى من الأسفل إلى الأعلى ، وثالثة من اليمين إلى اليسار ورابعة من اليسار إلى اليمين.

وليس المسح من الأعلى إلى الأسفل أمراً عاديا دون غيره ليجب بيان غيره على تقدير عدم وجوب المسح من الأعلى إلى الأسفل. إذن لا دلالة للأخبار البيانية على اعتبار المسح من الأعلى إلى الأسفل.

وقد يستدل على ذلك بما ورد في الفقه الرضوي من أنّه يمسح من منبت الشعر إلى طرف الأنف (١).

وفيه : أنّه لم يثبت كونه رواية فضلاً عن اعتبارها ، على أنّه إنّما يدل على اعتبار البدء من الأعلى إلى الأسفل في الوجه ، ولا تعرض له إلى اعتبار ذلك في اليدين ومعه نحتاج في تتميم ذلك إلى التمسّك بالإجماع ، وهو لو تمّ لاستدللنا به على اعتباره من‌

__________________

(١) المستدرك ٢ : ٥٣٥ / أبواب التيمّم ب ٩ ح ١ ، فقه الرضا : ٨٨ ، فيه « مقام الشعر » بدل « منبت الشعر ».

٢٨٨

السّادس : عدم الحائل بين الماسح والممسوح (١).

السّابع : طهارة الماسح والممسوح (*) حال الاختيار (٢).

______________________________________________________

الابتداء من دون احتياج إلى الفقه الرضوي ، وهو غير تام ، نعم المشهور ذلك كما مرّ.

إذن اعتبار ذلك في التيمّم مبني على الاحتياط لذهاب المشهور إليه من دون إمكان تتميمه بدليل.

السّادس من الشروط‌

(١) لأنّ المسح عبارة عن مسّ الماسح ومروره على الممسوح ، ومع وجود الحائل لا تتحقق المماسة الّتي هي المحققة للمسح.

ومن هنا يظهر أن عدّ ذلك من الشرائط مبني على التسامح ، لأنّه محقق الموضوع والمسح ، لا أنّه شي‌ء زائد على حقيقته وهو شرط في صحّته ، بل لولاه لم يتحقق المسح والموضوع أصلاً ، فإطلاق الشرط عليه مبني على ضرب من التسامح ، وهو نظير ما إذا قيل : يشترط في الوضوء غسلتان ومسحتان ، وهذا ظاهر.

السّابع من الشروط‌

(٢) قد يستدل على اعتبارها في التيمّم بأنّها معتبرة في الوضوء.

وفيه : أوّلاً : أنّه لا ملازمة بين المقامين.

وثانياً : قد بيّنا في محلِّه أن طهارة المحل في الوضوء لا دليل على اعتبارها إلاّ من جهة تنجس الماء به بناءً على تنجيس المتنجس (١) ، ولا بدّ أن يكون الماء والتراب طاهرين ، لأنّهما طهور ، والطهور هو الّذي يكون طاهراً في نفسه ومطهراً لغيره.

__________________

(*) بل الظاهر عدم اعتبارها فيهما وإن كان الاحتياط لا بأس به.

(١) شرح العروة ٥ : ٣٠٦.

٢٨٩

[١١١٩] مسألة ١ : إذا بقي من الممسوح ما لم يمسح عليه ولو كان جزءاً يسيراً بطل (١) عمداً كان أو سهواً أو جهلاً ، لكن قد مرّ أنّه لا يلزم المداقة والتعميق.

[١١٢٠] مسألة ٢ : إذا كان في محل المسح لحم زائد يجب مسحه أيضاً (٢)

______________________________________________________

فاعتبار طهارة المحل في الوضوء مبتنية على أنّ المتنجس ينجس كما هو المعروف بحيث لو لم يكن المحل موجباً لنجاسة الماء لم يكن عندنا دليل على اعتبار الطّهارة في المحل.

وحيث إنّ المفروض في المقام طهارة التراب وعدم تنجسه بنجاسة الماسح أو الممسوح فلا دليل على اعتبار الطّهارة فيهما ، ثمّ بعد ما تيمّم إن كان متمكّناً من تطهيرهما يطهرهما ، وإلاّ يصلِّي مع نجاستهما لعدم تمكّنه من تطهيرهما.

إذا بقي في الممسوح ما لم يمسح عليه‌

(١) لأنّه مقتضى ما قدّمناه من اعتبار الاستيعاب في المسح ، ومع الإخلال به لا بدّ من الحكم ببطلانه ، نعم قد لا تعتبر المداقة العقلية في الاستيعاب ، فان ما بين الأصابع في كل من الماسح والممسوح لا يقع ماسحاً ولا ممسوحاً ، ومعه يحكم بصحّة التيمّم فإنّه لا يعتبر أن يكون كل جزء من الماسح يمس كل جزء من الممسوح كما مرّ ، بل اللاّزم هو الاستيعاب العرفي على ما تقدّم بيانه (١).

إذا كان في المحل لحم زائد‌

(٢) لأنّه من توابع اليد أو الوجه عرفاً ، ونظيره الإصبع الزائدة في بعض الأيدي فإنّه يجب مسحها لكونها معدودة من توابع اليد.

__________________

(١) في ص ٢٧٠ ، ٢٧٦.

٢٩٠

وإذا كانت يد زائدة فالحكم فيها كما مرّ في الوضوء (١).

______________________________________________________

(١) ذكر في بحث الوضوء (١) أنّه إن كانت له يد زائدة دون المرفق وجب غسلها كاللحم الزائد ، وإن كانت فوقه فان علم زيادتها لا يجب غسلها ويكفيه غسل اليد الأصليّة وإن لم يعلم الزائدة من الأصلية وجب غسلهما.

والوجه فيما أفاده : أنّ اليد الزائدة لو كانت دون المرفق فلا بدّ من غسلها لكونها من توابع اليد ، وما دون المرفق إلى الأصابع لا بدّ من غسله في الوضوء. وإن كانت فوقه فان كانت أصلية بأن تكون كالأُخرى مورداً للاستعمال في الحوائج وجب غسلها لما دلّ على وجوب غسل اليد في الوضوء ، وإن كانت زائدة فلا يجب لأنّ الواجب غسل اليد لا الشي‌ء الزائد عليها ، وإذا لم يعلم الأصلية من الزائدة وجب غسلهما من باب المقدمة العلميّة.

وفي المقام إذا كانت اليد الزائدة فوق الزند فحكمها حكم الزائدة في الوضوء ، فان كانت أصليّة يجب مسحها ، لما دلّ على وجوب مسح اليد من الزند إلى أطراف الأصابع ، وإن كانت زائدة فلا يجب لعدم وجوب مسح العضو الزائد ، وعند الاشتباه يجب مسحهما من باب المقدمة العلميّة.

وإذا كانت اليد الزائدة دون الزند فيمكن التفرقة بين التيمّم والوضوء ، فانّ الوجه في وجوب غسل الزائدة عند كونها دون المرفق هو ما دلّ على وجوب غسل ما دون المرفق إلى أطراف الأصابع ، وفي بعض الأخبار أنّه عليه‌السلام لم يدع شيئاً إلاّ وغسله (٢) ومقتضاه وجوب غسل الزائدة في الوضوء لأنّه شي‌ء دون المرفق.

وأمّا في التيمّم فليس لنا دليل يدل على وجوب مسح ما دون الزند إلى أطراف الأصابع ، وإنّما دلّ الدليل على وجوب مسح الكف ، واليد الزائدة ليست بكف حتّى يجب مسحها وإنّما هي شي‌ء زائد لا وجه لمسحها.

__________________

(١) في شرح العروة ٥ : ٩٠.

(٢) الوسائل ١ : ٣٨٨ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

٢٩١

[١١٢١] مسألة ٣ : إذا كان على محل المسح شعر يكفي المسح عليه (١) وإن كان في الجبهة بأن يكون منبته فيها ، وأمّا إذا كان واقعاً عليها من الرأس فيجب رفعه لأنّه من الحائل.

[١١٢٢] مسألة ٤ : إذا كان على الماسح أو الممسوح جبيرة يكفي المسح بها أو عليها (٢).

______________________________________________________

حكم الشعر على محل المسح‌

(١) لأنّه من توابع الوجه واليدين ، وأنّه مقتضى السكوت عنه في الأخبار البيانيّة حيث إنّ الغالب بل لا توجد يد أو جبهة لم ينبت عليها شعر إلاّ نادراً ، ومعه لو كان الشعر النابت عليهما مانعاً عن صحّة التيمّم لبين في الأخبار ووجب التنبيه عليه.

نعم لو كان وقع عليهما شعر آخر غير ما هو النابت عليهما كما لو وقع شعر الرأس على الجبهة لزم رفعه ليتحقق موضوع المسح ، لأنّه حائل بين الماسح والممسوح ، وأمّا الشعر النابت على الموضعين فلا مانع من إيقاع المسح عليه كالبشرة.

حكم الجبيرة على الماسح أو الممسوح‌

(٢) هذا هو المعروف بين الأصحاب ، بل ادعي عليه الاتفاق في كلماتهم ، إلاّ أنّه لا يمكن الاستدلال على ذلك بالإجماع لعدم تماميته ، ولا بقاعدة الميسور لأنّها كما مرّ مراراً ممّا لا يمكن الاعتماد عليها.

وأمّا رواية عبد الأعلى مولى آل سام قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال : يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزّ وجلّ ، قال الله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) امسح عليه » (١) فهي غير صالحة للاستدلال بها سنداً ودلالة.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٤ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٥.

٢٩٢

أمّا من حيث السند فلأن عبد الأعلى لم تثبت وثاقته.

وأمّا من حيث الدلالة فلأجل أن نفي الحرج إنّما ينفي وجوب مسح البشرة ، ولا يقتضي وجوب المسح على المرارة. ومعنى قوله عليه‌السلام : « يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله » أن نفي وجوب غسل البشرة أو مسحها أو غيرهما من الأحكام الحرجية يستفاد من كتاب الله ، لا أنّه يثبت وجوب شي‌ء آخر.

نعم هناك روايتان رواهما صاحب الوسائل في أحكام الجبائر من دون اختصاصهما بالغسل أو الوضوء.

إحداهما : رواية كليب الأسدي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل إذا كان كسيراً كيف يصنع بالصلاة؟ قال : إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصل » (١).

ولا بأس بدلالتها على المدّعى ، لأن قوله عليه‌السلام : « إن كان يتخوف على نفسه » يعم ما إذا كان خوفه من جهة مسحه على البشرة بحيث لو مسحها ورفع جبيرته تضرر به ، وقد حكم عليه‌السلام بلزوم المسح على الجبيرة حينئذ. إلاّ أنّها ضعيفة من حيث السند لأنّ كليباً الأسدي لم يوثق في الرّجال.

وثانيتهما : حسنة الوشاء قال : « سألت أبا الحسن يعني الرضا عليه‌السلام كما صرّح به الصدوق عن الدواء إذا كان على يدي الرجل أيجزئه أن يمسح على طلي الدواء؟ فقال : نعم يجزئه أن يمسح عليه » (٢) ، وهي من حيث السند حسنة بالوشاء.

إلاّ أنّ الصدوق قدس‌سره رواها بعين هذا السند عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : « سألته عن الدواء يكون على يد الرجل أيجزئه أن يمسح في الوضوء على الدواء المطلي عليه؟ فقال : نعم يمسح عليه ويجزئه » (٣) وهي كما ترى مقيّدة‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٥ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٨.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٥ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٩.

(٣) الوسائل ١ : ٤٦٦ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ١٠ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٢ / ٤٨.

٢٩٣

بالمسح في الوضوء ولا تعم المسح في التيمّم.

ومن البعيد أن تكون هاتان روايتين رواهما كل من سعد بن عبد الله وأحمد بن محمّد بن عيسى والحسن بن علي الوشاء ، ومنه يظهر أنّ رواية الشيخ (١) سقطت منها كلمة « في الوضوء » ومعه لا يمكن الاستدلال بهما على المدّعى.

نعم لا بأس بالاستدلال على ذلك بالأخبار الواردة في الكسير المجنب أو الّذي به قرح أو جراحة وتصيبه الجنابة ، حيث دلّت على أنّه لا يغتسل ويتيمّم. حيث إنّ الكسر والقرح غالباً يكون على الرأس والجبهة واليدين ، ولا أقل من أنّه متعارف عادة لو لم يكن غالبياً ، وقد أمر الإمام عليه‌السلام في مثله بالتيمّم من دون أن يأمر برفع الجبائر عن الكسير ونحوه.

ثمّ لو لم تتم دلالة الأخبار على ذلك يكفينا في ذلك ما قدّمناه من أن ما دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال (٢) حاكم على أدلّة الأجزاء والشرائط المعتبرة في الصلاة ومقدّماتها من الوضوء والغسل والتيمّم ، فإنّه يوجب اختصاص تلك الأجزاء والشرائط بحال الاختيار ، لأنّه دلّ على أنّ المكلّف عند عدم التمكّن من تلك الشرائط والأجزاء مأمور بالصلاة ، وحيث أنّها مشروطة بالطهور فلا بدّ أن يأتي بالطهور بالمقدار الّذي يتمكّن منه.

نعم لا حكومة له على اشتراط الطهور في الصلاة ، وليس هذا من جهة التخصيص بل لأنّه مع فقد الطهور لا يتحقق موضوع للصلاة ، وفي المقام لمّا لم يتمكّن المكلّف من المسح في التيمّم على نفس البشرة أو لم يتمكّن من المسح بها وجب عليه أن يتيمّم بالمسح على الجبيرة أو بالمسح بالجبيرة.

__________________

(١) وهي رواية كليب المتقدمة ، والتي رواها في التهذيب ١ : ٣٦٤ / ١١٠٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

٢٩٤

[١١٢٣] مسألة ٥ : إذا خالف الترتيب بطل (١) وإن كان لجهل أو نسيان.

[١١٢٤] مسألة ٦ : يجوز الاستنابة عند عدم إمكان المباشرة (٢) فيضرب النائب بيد المنوب عنه ويمسح بها وجهه ويديه (٣)

______________________________________________________

(١) لأنّه مقتضى ما قدّمناه (١) من اعتبار الترتيب في مسح الوجه واليدين.

جواز الاستنابة عند العجز عن المباشرة

(٢) لما مرّ (٢) من أنّ اعتبار المباشرة يختص بحال الاختيار.

(٣) لا أنّ النائب يضرب بيدي نفسه على الأرض ليمسح بهما وجه المنوب عنه ويديه ، لأنّ التيمّم فعل نفس العاجز فلا بدّ من صدوره عنه.

مضافاً إلى صحيحة ابن سكين المتقدمة الدالّة على أنّ المجدور ونحوه ييممه غيره (٣) فان معنى « يمموه » إيجاد التيمّم فيه وإحداثه به.

إذن لا بدّ أن يكون المنوب عنه هو الّذي يقع فيه التيمّم ويحدث به كما هو مقتضى الإطلاق ، وهذا لا يتحقق إلاّ بضرب النائب يدي المنوب عنه على الأرض لا بضرب النائب يدي نفسه ، فانّ التيمّم حينئذ لا يتحقق في المنوب عنه ، لأنّه متقوم بضرب اليد ومسحها ، وقد استفدنا من الصحيحة لزوم حدوثه في العاجز ، نعم لمّا لم يمكنه إحداثه بالمباشرة ساغ له أن يحدثه بواسطة النائب.

ومن هنا يظهر الفرق بين التيمّم والوضوء والغسل ، لأنّ التيمّم كما مرّ ضرب ومسح ، وهما لا يتحققان إلاّ بيد المتيمم المحدث ، إذ لو صدرا بيد الغير لم يتحقق التيمّم في المنوب عنه.

__________________

(١) في ص ٢٨٥.

(٢) في ص ٢٨٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٤٦ / أبواب التيمّم ب ٥ ح ١ ، وقد تقدّمت في ص ٢٨٢.

٢٩٥

وإن لم يمكن الضرب بيده (*) فيضرب بيده نفسه (١).

[١١٢٥] مسألة ٧ : إذا كان باطن اليدين نجساً وجب تطهيره إن أمكن (**) (٢) وإلاّ سقط اعتبار طهارته ، ولا ينتقل إلى الظاهر إلاّ إذا كانت نجاسته مسرية (***)

______________________________________________________

وهذا بخلاف الغسل أو الوضوء ، لأنّ اللاّزم فيهما غسل البشرة ، ولا يعتبر فيه كونه بيد المنوب عنه ، بل لو كان بيد النائب يصدق أيضاً أنّ المنوب عنه قد توضأ أو اغتسل ، إلاّ في مسح الرأس والرجلين فإنّه إنّما يتقوّم بيد المنوب عنه نفسه ، كالضرب والمسح في التيمّم.

إذا لم يمكن الضرب بيده‌

(١) لما تقدّم من أنّ قوله عليه‌السلام : « ولا تدع الصلاة بحال » (١) حاكم على جميع أدلّة الأجزاء والشرائط المعتبرة في الصلاة أو مقدماتها ، وهو يوجب اختصاصها بحال الاختيار ، وحيث إنّ العاجز مكلّف بالصلاة ولا صلاة إلاّ بطهور وهو غير متمكّن من الماء يتعيّن عليه الصلاة بالتراب ، وحيث إنّ المقدار المتمكّن منه للعاجز من التيمّم وقوع المسح على وجهه ويديه بالتراب من دون تمكّنه من ضرب يديه على الأرض أو وضعهما عليها وجب على النائب أن يضرب بيدي نفسه على الأرض ويمسح بهما وجه العاجز ويديه.

إذا كان باطن اليدين نجسا‌

(٢) تقدّمت هذه المسألة سابقاً (٢) إلاّ أنّه قدس‌سره زاد عليها في المقام أنّ‌

__________________

(*) ولم يمكن وضع اليد أيضاً.

(**) مرّ أنّه الأحوط الأولى.

(***) الأحوط حينئذ الجمع بين التيمّم بالظاهر والباطن مع تقديم التيمّم بالظاهر إن كان ما يتيمّم به منحصراً في واحد.

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٢) في ص ٢٨٩.

٢٩٦

إلى ما يتيمّم به ولم يمكن تجفيفه.

______________________________________________________

النجاسة إذا لم يمكن إزالتها وكانت مسرية لا يمكن تجفيفها انتقل الأمر إلى ظاهر اليدين.

وتوضيح القول في ذلك : أنّا قدمنا أنّ الطهور الّذي تتوقف الصلاة عليه بمعنى الماء والتراب ، وهو ممّا لا بدّ أن يكون طاهراً لأنّه بمعنى ما يتطهر به ، وعليه :

إن قلنا بكفاية كون التراب طاهراً في نفسه قبل ضرب اليد عليه وإن كان يتنجس التراب بالضرب عليه ، لأنّه يصدق عليه أنّه صعيد طيب قد قصدناه كما هو معنى قوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١) فلا موجب للانتقال إلى ظاهر اليدين ، بل يجب عليه أن يضرب بباطن يديه على الأرض وإن كان التراب يتنجس بضرب اليدين عليه.

وأمّا لو قلنا بلزوم كونه طاهراً حتّى بعد الضرب عليه وبما أنّه يتنجس بمجرّد ضرب اليد عليه فلا بدّ من الانتقال إلى ظاهر اليدين ، لما تقدّم من أن اعتبار الضرب بالباطن مختص بحال الاختيار والتمكّن.

ومقتضى الاحتياط هو الجمع بين التيمّم بضرب الباطن على الأرض وضرب الظاهر عليه ، لأنّه مقتضى العلم الإجمالي باعتبار الطّهارة في التراب المتيمم به إمّا مطلقاً وإمّا قبل وقوع الضرب عليه ، بل لو كان التراب منحصراً بواحد لا بدّ من تقديم الضرب بظاهر اليدين على الضرب بباطنهما ، لأنّه لو عكس تنجس التراب ولم ينفع التيمّم به حينئذ بضرب الظاهر عليه.

__________________

(١) النِّساء ٤ : ٤٣ ، المائدة ٥ : ٦.

٢٩٧

[١١٢٦] مسألة ٨ : الأقطع بإحدى اليدين يكتفي بضرب الأُخرى ومسح الجبهة بها ثمّ مسح ظهرها بالأرض (١) والأحوط الاستنابة (*) لليد المقطوعة فيضرب بيده الموجودة مع يد واحدة للنائب ويمسح بهما جبهته ويمسح النائب ظهر يده الموجودة ، والأحوط مسح ظهرها على الأرض أيضاً.

______________________________________________________

وظيفة الأقطع بإحدى اليدين‌

(١) والوجه فيما ذكره : أنّا قد استفدنا من الآية المباركة والأخبار أنّ التيمّم يعتبر فيه مسح الوجه واليدين من الأرض لا بالأرض ، فإذا فرضنا أنّ المكلّف أقطع بإحدى اليدين فهو وإن كان يمكنه مسح الوجه والجبهة من الأرض ، لأنّه يضرب بيده الموجودة على الأرض فيمسح بها وجهه ، إذ يشمله قوله تعالى ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ) فإنّه وإن كان جمعاً وخطاباً للجميع إلاّ أنّه من باب مقابلة الجمع بالجمع ، أي يمسح كل مكلّف وجه نفسه ويده ، إذ ليس له وجوه وأيدي ، وهذا كما ترى شامل لمقطوع اليد الواحدة أيضاً.

إلاّ أنّ الأقطع لا يتمكّن من مسح اليدين من الأرض ، لأنّه إنّما يمكن لواجد اليدين فيضرب بهما على الأرض ويمسح بكل منهما على الأُخرى ، ومع فرض انعدام إحداهما لا يمكنه مسحهما من الأرض وإنّما يمكنه مسح إحداهما بالأرض بأن يمسح يده الموجودة على الأرض.

وكذلك يحتمل أن يتعيّن عليه التيمّم بالذراع من اليد المقطوعة بأن يضربها على الأرض ويمسح بها وعليها ، بأن يقوم الذراع مقام الكف ، فإنّه لا يحتمل أن يكون غيره من الأعضاء مقدماً عليه ، فلا تصل النوبة إلى الاستنابة ، كما لم يحتملوا ذلك في الوضوء حيث اكتفوا في الأقطع بغسل اليد الموجودة.

كما يحتمل الانتقال إلى الاستنابة في اليد المقطوعة بإلغاء قيد المباشرة.

__________________

(*) بل الأحوط الجمع بينهما وبين التيمّم بالذراع من اليد المقطوعة.

٢٩٨

وأمّا أقطع اليدين فيمسح بجبهته على الأرض ، والأحوط مع الإمكان الجمع بينه وبين ضرب ذراعيه والمسح بهما وعليهما (١).

______________________________________________________

إذن يدور الأمر بين إلغاء اعتبار كون المسح من الأرض ليكتفى بمسح اليد الموجودة على الأرض على نحوٍ قد عرفت مع (١) وجوب التيمّم بذراع اليد المقطوعة وبين إلغاء قيد المباشرة لينتقل الأمر إلى الاستنابة.

ومقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بين الأمرين (٢) بأن يضرب اليد الموجودة على الأرض ويمسح ظهرها على الأرض ويستنيب شخصاً ليضرب إحدى يديه مع يده الموجودة على الأرض ويمسح بهما وجهه ويده كما في المتن ويتيمّم بذراع اليد المقطوعة مع اليد الموجودة.

وظيفة أقطع اليدين‌

(١) وأمّا في أقطع اليدين فحينئذ لا تشمله الآية المباركة ، إذ لا يد له ليمسح بها وجهه ويديه. كما لا يحتمل فيه الاستنابة قطعاً ، لأنّ معناها أن يتيمّم غيره بدلاً عنه وهذا ممّا لا معنى له.

بل يتعيّن في حقّه أن يضرب ذراعيه على الأرض ويمسح بهما وعليهما ، وذلك لعدم احتمال تقدم غيرهما من الأعضاء عليهما في التيمّم ، ويمسح بجبهته أيضاً على الأرض لاحتمال سقوط اعتبار أن يكون المسح من الأرض ولزوم كون المسح بالأرض في العضو الموجود.

والوجه فيما ذكرناه : أنّ المكلّف في الصورتين لا يحتمل سقوط الصلاة عنه وعدم كونه مأموراً بها طيلة حياته لأنّه أقطع اليدين ، ومع العلم بوجوبها في حقّه مع اشتراطها بالطهور فمقتضى الجمع بين ما دلّت عليه الآية المباركة والأخبار من اعتبار قيد المباشرة وكون المسح من الأرض لا بالأرض هو ما قدّمناه في الاحتياط.

__________________

(١) الأنسب ، وَبيْن.

(٢) لعلّ المناسب : الأُمور الثلاثة.

٢٩٩

[١١٢٧] مسألة ٩ : إذا كان على الباطن نجاسة لها جرم يعد حائلاً (١) ولم يمكن إزالتها فالأحوط الجمع بين الضرب به والمسح به والضرب بالظاهر والمسح به (٢).

[١١٢٨] مسألة ١٠ : الخاتم حائل فيجب نزعه حال التيمّم (٣).

[١١٢٩] مسألة ١١ : لا يجب تعيين المبدل منه مع اتحاد ما عليه (٤) وأمّا مع التعدّد كالحائض والنفساء مثلاً (٥)

______________________________________________________

ثمّ إن ما ذكرناه في الاستدلال في فرعي الأقطع لا يتوقف على ما دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال (١) ، وذلك لقيام الضرورة والقطع بأنّ الأقطع مأمور بالصلاة وليس هو بحيث لا تجب عليه الصلاة طيلة حياته.

(١) أو غيرها ممّا يكون حائلاً مثل القير.

إذا كان على العضو نجاسة لها جرم‌

(٢) لأنّ مقتضى الأدلّة هو اعتبار كون المسح بالباطن واعتبار الاستيعاب فيه والجمع بينهما غير ممكن في المقام ، فيدور الأمر بين سقوط اعتبار الاستيعاب فيضرب بباطن يده المشتملة على الحائل وسقوط اعتبار الباطن ليضرب بظاهر يده ، ومقتضى العلم الإجمالي أن يجمع بينهما كما ذكره في المتن.

(٣) وهو من الظهور بمكان ، وإنّما تعرض قدس‌سره له تنبيهاً للعوام.

(٤) لأنّ المفروض أنّ الواجب في حقّه متعيّن فالتيمّم لا يقع إلاّ بدلاً عنه بلا حاجة إلى التعيين.

اعتبار تعين المبدل منه‌

(٥) لعدم التداخل في التيمّم وإن ثبت ذلك في الغسل ، وكذا المستحاضة الّتي يجب عليها الغسل والوضوء.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

٣٠٠