موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[١١١٣] مسألة ٥ : لا يجوز التيمّم بما يشك في كونه تراباً أو غيره ممّا لا يتيمّم به كما مرّ ، فينتقل إلى المرتبة اللاّحقة إن كانت ، وإلاّ فالأحوط الجمع بين التيمّم به (*) والصلاة ثمّ القضاء خارج الوقت أيضا (١).

______________________________________________________

لكونه طرفاً للعلم الإجمالي ، فمراد الماتن قدس‌سره ما إذا لم تجر فيه أصالة تقتضي طهارته إمّا لأن حالته السابقة هي النجاسة أو لأنّه طرف للعلم الإجمالي ، فينحصر المقصود بما إذا كان مشكوكاً بالشك البدوي من دون أن تكون حالته السابقة هي النجاسة.

التيمّم بما يشك في كونه تراباً أو غيره‌

(١) قد يفرض الكلام فيما إذا كانت الشبهة مفهومية ، وأُخرى فيما إذا كانت موضوعية.

أمّا إذا شكّ من جهة الشبهة المفهومية فمقتضى القاعدة على ما فصّلناه سابقاً جواز الاكتفاء بما يشك في كونه تراباً ، وذلك للعلم بتعلّق التكليف بالجامع بينه وبين التراب ، وإنّما الشك في توجّه التكليف بالأمر الزائد عن الجامع وهو خصوصية الترابية فالتكليف مردّد بين المطلق والمقيد فيؤخذ بالمطلق ويدفع احتمال الخصوصية والتقييد بالبراءة ، فينتج جواز الاكتفاء بما يشك في كونه تراباً من جهة الشبهة المفهومية.

هذا فيما إذا كان هناك فرد آخر معلوم الترابية ، وأمّا إذا كان منحصراً بالمشكوك فيه فهل ينتقل أمره إلى المرتبة اللاّحقة ولو نظراً إلى أنّه ليس هناك فرد آخر غير المشكوك فيه ليعلم تعلق التكليف بالجامع بينهما ويشك في الخصوصية الزائدة لتدفع بالبراءة ويؤخذ بالتكليف بالجامع ، أو أنّه يكتفي بالتيمّم المشكوك فيه؟

الصحيح هو الثّاني ، وذلك لأنّ موضوع الحكم بالانتقال إلى المرتبة المتأخرة هو غير الواجد للمرتبة الاولى ، والمشكوك ترابيته إذا حكمنا بكفاية التيمّم أو السجود‌

__________________

(*) على الأحوط الأولى.

٢٤١

عليه وعدم الحاجة إلى التراب عند عدم الانحصار بالمشكوك فيه يكفي عند الانحصار به أيضاً ، ومع وجوده لا ينتقل إلى المرتبة اللاّحقة ، إذ لا يصدق حينئذ عدم وجدان ما يكفي في المرتبة الأُولى ، لأنّ المشكوك فيه ممّا يكفي في المرتبة الأُولى بحيث لم يكن معه احتياج إلى التيمّم بالتراب ، فلا يصدق مع وجوده أنّ المكلّف غير واجد لما يكفيه في المرتبة الاولى فلا ينتقل الأمر إلى المرتبة اللاّحقة بوجه ، هذا.

إلاّ أنّ الشبهة المفهومية غير مرادة للماتن قدس‌سره في المقام ، وإنّما غرضه الشبهة الموضوعية كما يأتي بيانها.

وأمّا إذا كانت الشبهة موضوعية كما إذا شكّ في أنّ الموجود تراب أم رماد فإن كانت هناك مرتبة لاحقة لم يجز للمكلّف أن يكتفي بما يشك في كونه تراباً ، وذلك لأن من شرط صحّة التيمّم أن يقع على التراب في المرتبة السابقة.

ومقتضى العلم بهذا التكليف الخروج عن عهدته بالامتثال القطعي ، ومع الشك في الترابية حيث لا يحرز صحّة التيمّم لا يمكن للمكلّف أن يقتنع بالتيمّم به ، ولما قدّمناه من أنّ التكليف بالوضوء والتيمّم قد أُخذ فيه الوجدان أي وجدان الماء أو وجدان التراب أو الغبار أو الطين على الترتيب والوجدان قد أُخذ في مفهومه الإحراز ، وهذا إنّما يتحقق فيما إذا أمكنه إحراز أن ما تيمّم به تراب ولا يتحقق مع الشك كما في المقام.

على أنا لو سلمنا أنّ الحكم مترتب على وجود التراب لا على وجدانه كفانا في المقام استصحاب عدم وجود التراب على نحو مفاد كان التامة.

وأمّا لو بنينا على أنّ الموضوع للحكم هو وجود التراب على نحو مفاد كان الناقصة كما هو الظاهر من الأخبار أي أن يكون هناك شي‌ء متصف بالترابية فلا مناص من الرجوع إلى استصحاب عدم اتصاف الموجود بالترابية على نحو استصحاب العدم الأزلي ، فإذا لم يكن الموجود متصفاً بالترابية انتقل الأمر إلى المرتبة اللاّحقة لا محالة.

وأمّا لو لم تكن هناك مرتبة لاحقة فهل يجب عليه أن يتيمّم بما يشك في ترابيته أو أنّه مأمور بالصلاة خارج الوقت قضاءً لأنّه فاقد الطهورين ، أو أنّه يجب الجمع بين‌

٢٤٢

الصلاة بالتيمّم بالمشكوك فيه في الوقت وبين الصلاة خارج الوقت قضاءً؟

ذكر الماتن قدس‌سره أنّ الأحوط هو الجمع ، نظراً إلى العلم الإجمالي بأنّ الموجود إمّا أنّه تراب أو غبار أو طين فالواجب عليه أن يصلِّي في الوقت بالتيمّم به أو أنّه شي‌ء غيرها فهو فاقد الطهورين والواجب عليه هو الصلاة خارج الوقت قضاء.

وما أفاده قدس‌سره من الاحتياط أمر لا إشكال في حسنه ، إلاّ أنّ الظاهر عدم لزومه ووجوبه ، لما قدّمناه من استصحاب عدم وجود التراب أو استصحاب عدم اتصاف الموجود بالترابية ، وبهذا يثبت أنّه فاقد الطهورين ولا بدّ أن يصلِّي خارج الوقت قضاءً وحسب.

ودعوى أنّ مقتضى قاعدة الاشتغال وحكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المعلوم بالامتثال اليقيني إن أمكن وإلاّ فبالامتثال الاحتمالي هو الإتيان بالصلاة بالتيمّم بالمشكوك فيه في الوقت مع القضاء خارج الوقت ، مندفعة بأنّ حكم العقل بالتنزل إلى الامتثال الاحتمالي إنّما هو فيما إذا كان التكليف متنجزاً على المكلّف حينئذ ، كما إذا علم بغصبية أحد الماءين أو الترابين كما مرّ ، لأن كل واحد منهما إمّا أن يكون مباحاً فالتطهير به واجب أو يكون مغصوباً فالتصرف فيه حرام. وبما أنّه متمكِّن من كل منهما في نفسه فكل واحد من التكليفين متنجز في حقّه ، وبما أنّه ليس متمكّناً من الامتثال اليقيني يتنزل العقل إلى الامتثال الاحتمالي كما بيّناه.

وهذا بخلاف المقام ، لأنّ التكليف بالتيمّم بالمشكوك فيه ليس محرزاً في نفسه لاحتمال عدم كونه تراباً أو غباراً أو طيناً وكونه فاقد الطهورين الّذي تجب الصلاة عليه في خارج الوقت. ومقتضى استصحاب عدم وجود التراب أو عدم اتّصاف الموجود بالترابية أنّه فاقد الطهورين فلا يجب عليه التيمّم بالمشكوك فيه في الوقت بل تجب الصلاة عليه خارج الوقت قضاء.

٢٤٣

[١١١٤] مسألة ٦ : المحبوس في مكان مغصوب يجوز أن يتيمّم فيه على إشكال لأنّ هذا المقدار لا يعد تصرفاً زائداً (١)

______________________________________________________

المحبوس في المكان المغصوب‌

(١) قد بيّنا أن حلية ما يتيمّم به من الشرائط المعتبرة في صحّته ، ومقتضى ذلك بطلان التيمّم في المكان المغصوب. إلاّ أنّه محكوم بصحّته لأجل الاضطرار ، إذ التصرف في المغصوب وإن كان محرماً إلاّ أنّه ما من شي‌ء حرّمه الله إلاّ وقد أحلّه عند الضرورة (١).

هذا من جهة أنّ كون التيمّم في المكان المغصوب استيلاء على مال الغير ، وهو غصب محرم في نفسه ، وإنّما جاز له للاضطرار إليه لأنّه مضطر إلى الاستيلاء على مال الغير ، وكذلك مضطر إلى التصرف في الهواء بضرب اليدين.

فلا يرد أنّه بالحبس يسوغ له التصرف المضطر إليه لا الزائد عليه كالتيمم ، فإنّه لا تصرف في التيمّم إلاّ من حيث الاستيلاء على مال الغير والتصرف في فضائه والكون فيه ، وهذا مورد للاضطرار فيباح في حقّه.

وليس من جهة مسّ الأرض باليدين ، وذلك لعدم حرمته بوجه ، إمّا لأنّ التصرّف المنهي عنه في المغصوب منصرف لدى العرف عن مثل مسّ اليد للأرض ، ومن هنا لم يستشكل أحد في الاتكاء والاعتماد على حائط الغير أو ضرب اليد عليه. وإمّا لأنّ المقتضي للحرمة قاصر الشمول لمثله ، وذلك لأنّ التوقيع الّذي يشتمل على عنوان التصرّف أعني قوله عليه‌السلام : « لا يحل لأحد أن يتصرّف في مال غيره ... » (٢) ضعيف ، فإنّه مروي في الاحتجاج (٣) الّذي رواياته مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها ، وإنّما‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٨٣ / أبواب القيام ب ١ ح ٧ وغيره.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٤٠ / أبواب الأنفال ب ٣ ح ٧.

(٣) الاحتجاج ٢ : ٥٥٩. ورواها الصدوق (ره) أيضاً في كمال الدين [ ٥٢٠ / ٤٩ ] مسندة ولكن مشايخه الذين روى عنهم هذه الرواية لم يوثقوا.

٢٤٤

بل لو توضأ بالماء الّذي فيه وكان ممّا لا قيمة له يمكن أن يقال بجوازه ، والإشكال فيه أشدّ (١).

______________________________________________________

المعتبر هو الرواية المشتملة على قوله عليه‌السلام « لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه » (١).

ومعنى عدم حلية المال أنّ الاستيلاء عليه عدواناً محرم ، وهو غير شامل لمثل ضرب اليد أو الاتكاء على المغصوب. فما أفاده في التيمّم في المكان المغصوب بالإضافة إلى المحبوس فيه ممّا لا غبار عليه.

التوضؤ بالماء في المكان المغصوب إذا لم يكن له قيمة‌

(١) الحكم بصحّة الوضوء من الماء الموجود في المكان المغصوب إذا لم تكن له قيمة في نهاية الإشكال ، بل الظاهر عدم صحّته.

وذلك لأنّ التوضي منه إتلاف له على كل حال ، ولا يمكن فرض التوضي منه من دون أن يكون موجباً لإتلافه ، وإتلافه استيلاء على مال الغير إن كان له قيمة ، أو على ملك الغير إن لم يكن له قيمة ، وهو غصب محرم.

ولا تختص حرمته بما إذا كان المغصوب مالاً ، بل المستفاد من الرواية أنّ الاستيلاء على ما يرجع إلى الغير محرم بدون إذنه سواء أكان المغصوب مالاً أو ملكاً أو لم يكن هذا ولا ذاك بل كان متعلقاً لحق الاختصاص ، ومن ثمة لم يجز للغير أن يتصرف في حيوان غيره إذا مات لأنّه تعد وعدوان على الغير.

بل حرمته لا تحتاج إلى الرواية ، لكفاية السيرة العقلائية في إثبات الحرمة ، فإنّها قامت على عدّ التصرف والاستيلاء على مال الغير أو ملكه أو متعلق حقّه غصباً وتعدياً وعدواناً على الغير.

__________________

(١) الوسائل ٢٩ : ١٠ / أبواب القصاص ب ١ ح ٣.

٢٤٥

والأحوط الجمع فيه (*) بين الوضوء والتيمّم والصلاة ثمّ إعادتها أو قضاؤها بعد ذلك (١).

[١١١٥] مسألة ٧ : إذا لم يكن عنده من التراب أو غيره ممّا يتيمّم به ما يكفي لكفّيه معاً يكرّر الضرب حتّى يتحقق الضرب بتمام الكفين عليه (٢).

______________________________________________________

فالوضوء من الماء في مفروض المسألة في غاية الإشكال بل الأظهر بطلانه.

(١) هذا الاحتياط ممّا لا سبيل إليه ، لأنّ التصرف في الماء إن جاز وساغ ولو في مرحلة الظاهر فلا تصل النوبة إلى التيمّم ، وإن لم يجز التصرّف فيه بالوضوء تعين التيمّم ولا سبيل إلى الوضوء. فالجمع بينهما ممّا لا وجه له.

إذا لم يكن تراب يكفي لكفيه معاً‌

(٢) إذ لا دليل على اعتبار ضرب اليدين معاً عند عدم التمكّن منه ، بل مقتضى إطلاق الآية الكريمة ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) (١) والأخبار الآمرة بضرب اليدين على الأرض أو غيرها (٢) عدم اعتبار كون ضرب اليدين معاً ، لأن ضرب اليدين أعم من أن يكون معاً أو متعاقبين. وكذلك الآية الكريمة فإنّها دلّت على اعتبار كون المسح منه ، ولا تدل على أن يكون الضرب معاً هذا.

وقد يقال : إنّ اعتبار المعية إنّما يستفاد من الأخبار الآمرة بضرب اليدين في التيمّم لأنّ الغالب المتعارف منه هو ضربهما معاً ، وهي سيقت لبيان المتعارف من الضرب.

__________________

(*) لا وجه للاحتياط بالجمع ، إذ ما لم يحرز جواز التصرف في الماء لا وجه للتوضؤ به احتياطاً ، ومع إحرازه لا وجه لضم التيمّم إليه.

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٥٨ / أبواب التيمّم ب ١١ ، ١٢.

٢٤٦

______________________________________________________

وفيه : أنّه لا غلبة ولا تعارف في ضرب اليدين معاً بالإضافة إلى أزمنة صدور تلك الأخبار ، بل مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ضربهما معاً أو متعاقباً.

وأُخرى يستدل على اعتبار المعية بالإجماع عليها. وهو على تقدير تحققه يقتصر فيه على القدر المتيقن ، لأنّه دليل لبي ، والمتيقن صورة التمكّن منه فلا يشمل صورة عدم التمكّن من الضرب معاً كما هو الحال في مفروض الكلام.

وثالثة يستدل بالأخبار البيانية الواردة في كيفية التيمّم (١) حيث دلّت على ضرب الكفين معاً على الأرض ، فإنّه لو كان على نحو التعاقب لاحتاج إلى البيان ولم يبيّن فيها كون الضرب متدرجاً.

وهذا الاستدلال وإن كان صحيحاً إلاّ أنّه يختص أيضاً بصورة التمكّن ، لأنّ الإمام والمبين له كلاهما في تلك الأخبار متمكّن منه ، هذا. على أن تلك الأخبار مشتملة على حكاية فعل ، والفعل ليس له لسان حتّى يدل على اعتبار ذلك على نحو الإطلاق والمقدار المتيقن منه هو صورة التمكّن منه لا محالة.

وبهذه الأخبار نقيد إطلاق الآية والأخبار المتقدمة ، وينتج ذلك اعتبار المعيّة عند التمكّن منها وعدم اعتبارها عند عدم التمكّن منها كما هو الحال في المقام ، ومعه لا حاجة إلى الاستدلال على كفاية الضرب متعاقباً بقاعدة الميسور ليرد عليه أنّها غير ثابتة الاعتبار. هذا كلّه في عدم اعتبار ضرب اليدين معاً.

وكذلك الحال فيما إذا لم يتمكّن إلاّ من ضربهما على الأرض بكيفية أُخرى ، بأن وقع نصف كل يد على التراب لإتمامها ، أو تمكن من تكرار الضرب أربع مرّات بأن ضرب كل واحدة من اليدين مرّتين مرّة بهذا النصف منها وأُخرى بنصفها الآخر ، فان مقتضى إطلاقات الضرب كفاية ذلك كلّه ، اللهمّ إلاّ أن يكون متمكّناً من ضربهما معاً فيعتبر حينئذ ضربهما معاً بمقتضى الأخبار البيانية ، وأمّا في صورة عدم التمكّن فالإطلاقات محكمة.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٨ / أبواب التيمّم ب ١١.

٢٤٧

وإن لم يمكن يكتفي بما يمكن ويأتي بالمرتبة المتأخّرة أيضاً إن كانت ويصلِّي ، وإن لم تكن فيكتفي به ويحتاط بالإعادة أو القضاء أيضا (١).

[١١١٦] مسألة ٨ : يستحب أن يكون على ما يتيمّم به غبار يعلق باليد (*) ويستحب أيضاً نفضها بعد الضرب (٢).

______________________________________________________

نعم لو كان التراب قليلاً جدّاً بحيث احتاج ضرب مجموع الكف على الأرض إلى التعدّد كثيراً كما لو كان التراب بمقدار فلس واحد فلا تشمله إطلاقات الضرب.

الاحتياط في كلام الماتن‌

(١) ما ذكره من الاحتياط في الاكتفاء بما يمكن والإتيان بالمرتبة المتأخرة ، وكذا في الإتيان بما يمكن والإعادة أو القضاء في محلِّه ، وهو مبني على قاعدة الميسور ، لأنّه يحتمل أن يكون الإتيان بما يمكنه واجباً بتلك القاعدة كما يحتمل الانتقال إلى المرتبة المتأخّرة لعدم كونه واجداً للمرتبة السابقة ، وكذا يحتمل وجوب الإتيان بما يمكنه بمقتضى قاعدة الميسور كما يحتمل وجوب الإعادة أو القضاء لعدم تمامية القاعدة حسبما أوضحناه في محلِّه (١).

اعتبار العلوق وعدمه‌

(٢) هنا مسألتان قد اختلطتا :

الاولى : أنّه لا إشكال ولا خلاف في أنّ التيمّم لا يعتبر فيه المسح على الوجه واليدين بالتراب وإنّما يعتبر فيه المسح باليد.

وهذه المسألة اتّفاقية وممّا لا شبهة فيها ، وممّا يؤذن باتّفاق أصحابنا ما عن العلاّمة‌

__________________

(*) الأحوط اعتباره مهما أمكن ، كما أنّ الأحوط وجوب النفض.

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٤٧٧.

٢٤٨

في المنتهي من أنّه لا يجب استعمال التراب في الأعضاء الممسوحة على ما ذكره علماؤنا ثمّ حكى الخلاف فيه عن الشافعي وأحمد (١) ، وهذا ظاهر.

الثّانية : أنّه هل يعتبر في التيمّم أن يكون بما يعلق منه شي‌ء باليد بأن يكون المسح بالأثر الباقي من التراب ونحوه في اليد بعد القطع بعدم اعتبار كون المسح بالتراب ، أو لا يعتبر؟.

المشهور عدم اعتبار العلوق. وعن جماعة كصاحب الحدائق (٢) والبهائي ووالده (٣) اعتبار العلوق في التيمّم.

وقد استدل على ذلك بأنّ الآية والأخبار الآمرة بالتيمّم وإن كانت مطلقة إلاّ أنّها منزلة على الغالب ، والغالب في التيمّم هو العلوق حتّى فيما إذا كان التيمّم بالحجر أو الرمل ، لأنّه على الأغلب يعلق الغبار منه باليد ، اللهمّ إلاّ أن يكون التراب أو الرمل رطباً أو مع النداوة كما في أيّام الشتاء وأوقات نزول الأمطار عليه أو كان الهواء بارداً على نحو لم يكن عليها غبار ، وهو نادر جدّاً. إذن تدلّنا الآية والأخبار على اعتبار العلوق في التيمّم.

ويدفعه : أنّ الغالب وإن كان كذلك إلاّ أنّه لا وجه لحمل المطلق على الفرد الغالب بل مقتضى ظهور الآية والأخبار وإطلاقهما أنّ المعتبر إنّما هو المسح على الوجه واليدين ومجرد التيمّم بالصعيد الطيب سواء أكان فيه علوق أم لم يكن. فهذا الوجه ليس بتام.

على أنّا لو لو قطعنا النظر عن إطلاق الدليل يكفينا الأصل ، للشك في أنّ الصلاة هل يشترط فيها التيمّم بما فيه العلوق أو لا يشترط فيها إلاّ التيمّم على وجه الإطلاق؟ ومقتضى أصالة البراءة عدم اشتراط الصلاة بالتيمّم بما فيه العلوق ، لأنّ‌

__________________

(١) لاحظ المنتهي ٣ : ٩٧.

(٢) الحدائق ٤ : ٣٣٣.

(٣) حبل المتين : ٨٩.

٢٤٩

المورد من موارد التمسّك بالبراءة دون الاشتغال.

إلاّ أنّ التمسّك بالإطلاق أو الأصل إنّما ينفع فيما إذا لم يقم هناك دليل على الاشتراط ، وإلاّ وجب تقييد المطلقات به ورفع اليد عن البراءة ، فلا بدّ من ملاحظة ما استدل به على اشتراط العلوق. وقد استدلّ عليه بوجوه : الوجوه المستدل بها على اعتبار العلوق

الوجه الأوّل : قوله تعالى ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) (١) بضميمة صحيحة زرارة المشتملة على قوله عليه‌السلام : لأنّ الله علم أنّ العلوق لا يكون في جميع الكف وإنّما يعلق ببعضها (٢) فعبّر بكلمة « من » التبعيضية لتدل على أنّ التيمّم يكفي فيه المسح ببعض التراب ولا يعتبر فيه المسح بالكف المشتملة على التراب كلّها.

وفيه : ما قدّمناه من أنّ التراب اسم جنس يصدق على القليل والكثير ، ولا يصح أن يقال : إنّ ما في الكف بعض التراب. بل هو تراب لصدقه عليه من دون عناية ، فلا حاجة إلى جعل « من » تبعيضية.

فمعنى الصحيحة أمر آخر وهو أنّ المسح في التيمّم لا بدّ أن يكون منشؤه التراب والأرض ، فلفظة « من » بيانية ونشوية لا تبعيضية ، فلا دلالة في الصحيحة ولا في الآية المباركة على اعتبار كون التيمّم بما فيه العلوق.

ومن هنا يظهر الجواب عمّا اشتمل على الأمر بالمسح من الأرض كما في صحيحتي الحلبي وابن سنان (٣) فلا نطيل.

وبعبارة اخرى : ذكرنا (٤) أنّ التيمّم لا يعتبر فيه أن يكون المسح بالتراب ، وعليه‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٦٤ / أبواب التيمّم ب ١٣ ح ١. والقول المذكور ليس نصّه بل مفاده.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٤ ، ٧.

(٤) في ص ٢٤٨.

٢٥٠

لا معنى لجعل « من » تبعيضية لتدل على اعتبار كون المسح ببعض التراب ، بل هي للبيان والنشوء من دون أن تدل على اعتبار العلوق.

الوجه الثّاني : الأخبار الواردة في أنّ التراب طهور كالماء (١) لدلالتها على أنّ التراب كالماء في لابدية المسح به ، أي كما أنّه لا بدّ في الماء أن يكون المسح به كذلك لا بدّ في التراب والتيمّم أن يكون المسح بأثر التراب الّذي علق باليد.

ويرد عليه : أنّ المسح بالتراب مباشرة بمعنى تمريغ الجسد في التراب كما في الماء مقطوع العدم كما مرّ ، لعدم [ اعتبار ] كون المسح بالتراب ، فيدور الأمر بين أن يراد به المسح باليد الّتي ضربت على التراب ومسته ، وهذا هو المراد. أو يراد به المسح بأثر التراب الّذي علق باليد ، وهو وإن لم يقم إجماع على خلافه كما في المسح بنفس التراب إلاّ أنّه مجرّد دعوى تحتاج إلى الدليل والبرهان ، ولم يقم عليه دليل.

الوجه الثّالث : الأخبار الآمرة بالنفض بعد الضرب (٢) لدلالتها على أنّ التيمّم لا بدّ أن يكون واقعاً على ما يعلق منه شي‌ء باليد ليزال عينه بالنفض بعد الضرب ويمسح بأثره.

وقد أُجيب عن ذلك تارة : بأنّ الأخبار المذكورة إنّما دلّت على النفض على تقدير أن يكون له موضوع في الخارج بأن يقع التيمّم اتّفاقاً على ما يعلق منه شي‌ء باليد أي على تقدير تحقق موضوعه ، بمعنى أنّ المتبادر من الأمر بالنفض إرادته على تقدير حصول العلوق ، وحينئذ لا بدّ من النفض ، ولم تدل على لزوم النفض مطلقاً وعلى جميع التقادير حتّى يستفاد منها اعتبار كون ما يتيمّم به ممّا يعلق منه شي‌ء باليد.

ويدفعه : أنّ الأمر بالنفض فيها متوجّه إلى عامّة المكلّفين ، ولا اختصاص فيها بجمع دون جمع أو شخص دون شخص. إذن لا بدّ أن يكون التيمّم واقعاً على ما يعلق منه شي‌ء باليد ليتحقق موضوع النفض ولتزال العين بالنفض ويبقى أثره ليتمسح به.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٥ / أبواب التيمّم ب ٢٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٦٠ / أبواب التيمّم ب ١١ ح ٧ ، ب ١٢ ح ٢ ، ٤.

٢٥١

وثانية : يورد على هذا الاستدلال بأنّه أخص من المدّعى ، لأنّ التيمّم قد يكون بالحجر أو الرمل ، ولا يعلق منهما شي‌ء باليد ليصح الأمر بالنفض بأن يعلق منهما شي‌ء باليد فيصح الأمر بإزالته والتمسح بأثره ، بل لو لصق منهما شي‌ء باليد مثل الأجزاء الصغار من الرمل يزول بالنفض بالمرة ولا يبقى منه شي‌ء بعد النفض ليكون المسح بأثره.

ويدفعه : ما أشرنا إليه من أنّ الغالب في جميع ما يصح التيمّم به هو العلوق ، إذ لا أقل من أن يكون على الحجر غبار يعلق باليد أو الأجزاء الصغار من الرمل فتزال عينه بالنفض ويتمسح بأثره ، والتيمّم بما لا علوق فيه أصلاً مثل التيمّم بالتراب أو الرمل الرطبين نادر كما عرفت.

وثالثة : يورد عليه بأنّ الأخبار الآمرة بالنفض محمولة على الاستحباب ، بمعنى أنّ النفض غير معتبر في التيمّم لزوماً بل هو أمر مستحب ، وللمكلّف أن يختار في التيمّم ما فيه علوق لينفض يده بعد الضرب. ومع الاستحباب لا يمكن الاستدلال بها على اعتبار العلوق ، لأنّه مع الاستحباب يحق للمكلّف أن يختار ما لا علوق فيه فلا يتحقق معه موضوع للنفض أصلاً.

ودعوى أنّ النفض وإن كان مستحبّاً في نفسه إلاّ أنّ الأمر به يدل على أنّ المتيمم به لا بدّ أن يكون ممّا فيه قابلية العلوق وإيجاد هذا المستحب ، وإن كان نفض اليدين بعد التيمّم به مستحباً ، مندفعة بأنّه مجرد دعوى لا مثبت لها ، إذ لا دلالة للأمر بالنفض المستحب على أن يكون المتيمم به ممّا فيه العلوق دائماً.

وهذا الجواب متين في نفسه ، إلاّ أنّ الكلام في وجه حمل الأخبار المعتبرة الآمرة به على الاستحباب ، وذلك لأنّه لا وجه له سوى الشهرة القائمة على عدم اعتبار العلوق في التيمّم ، ومع عدمه لا يبقى موضوع للنفض ، ومن ثمة حملوا الأوامر الواردة بالنفض أو الأخبار البيانية المشتملة على أنّه عليه‌السلام نفض يديه (١) على الاستحباب.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٩٢ / أبواب التيمّم ب ٢٩.

٢٥٢

وهذا أمر لا يصلح لرفع اليد بسببه عن ظواهر الأخبار المذكورة. إذن لا مناص من حملها على الوجوب لأن مقتضاها وجوب النفض ، ومعه لا يعتنى بالأخبار المطلقة غير المشتملة على النفض لوجوب تقييدها بالمقيّدات الآمرة بالنفض ، ومعه تدلّنا الأخبار الآمرة به على اعتبار العلوق في التيمّم.

نعم اعتبار العلوق فيه مختص بحال التمكّن منه ، فإذا لم يتمكّن من التيمّم بما فيه علوق لعدم وجوده يسقط اعتباره لا محالة ويكتفى بما ليس فيه علوق كالحجر ونحوه.

ويدلّنا عليه ما ورد في الأخبار المشتملة على الأمر بالنفض أو الأمر بالتيمّم على أجف موضع يجده (١) فتدلّنا هذه الأخبار على أنّ التيمّم بما فيه علوق كالتراب مختص بحال التمكّن دون ما إذا لم يتمكّن منه ، فإنّه يجوز حينئذ أن يتيمّم بالمكان الرطب أيضاً ومن هنا اكتفى القائل باعتبار العلوق بالتيمّم بالحجر ونحوه عند عدم التمكّن من التراب هذا.

ويمكن أن يورد على ما ذكرناه في المقام بأنّكم قد التزمتم في الإقامة وأمثالها ممّا ورد الأمر بها في غير واحد من الأخبار المعتبرة بالاستحباب ، نظراً إلى أن ذهاب الأصحاب فيها إلى الاستحباب قرينة واضحة على عدم إرادة الوجوب من الأخبار الآمرة بها ، حيث إنّها من المسائل عامّة البلوى ، ولو كانت واجبة لبان وجوبها واشتهر فتكون الشهرة على خلاف الوجوب في مثلها أقوى دليل على الاستحباب وعدم الوجوب.

وعليه لا بدّ في المقام من الالتزام بذلك ، لما تقدّم من أنّ الشهرة على خلاف الوجوب ، وحيث إنّها من المسائل عامّة البلوى فلا مناص من حمل الأخبار الآمرة بالنفض على الاستحباب ، لأنّه لو كان واجباً لبان واشتهر كما ذكرتم ذلك في غير واحد من المقامات ، ومعه لا يمكن الاستدلال بتلك الأخبار على اعتبار العلوق.

ويندفع هذا بأن ما ذكرناه في الإقامة إنّما هو لكون الأصحاب بأجمعهم ذاهبين إلى استحبابها ومصرِّحين بعدم وجوبها ، وفي مثل ذلك لمّا كانت المسألة عامّة البلوى‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٣ / أبواب التيمّم ب ٩.

٢٥٣

وكثيرة الابتلاء فلو كانت واجبة لم يكن يخفى على أحد فكيف بتصريحاتهم بعدم الوجوب.

وأين هذا من النفض الّذي اشتهر فيه عدم الوجوب ابتداءً من عصر المحقق ومن بعده ، ولا تصريح في كلمات المتقدمين عليه بالاستحباب بل كلماتهم ظاهرة في إرادة الوجوب من دون نصب قرينة على الاستحباب.

فهذا كتاب المقنع (١) والهداية (٢) والمقنعة للمفيد (٣) وشرحها للطوسي (٤) والمراسم لسلار (٥) والغنية لابن زهرة (٦) كلّهم ذكروا اعتبار النفض في كيفية التيمّم من دون أن يصرحوا أو يشيروا إلى إرادة الاستحباب منه ، بل الحلبي في إشارة السبق صرّح بالوجوب (٧) ، نعم ذهب ابن حمزة (٨) من القدماء إلى الاستحباب. فليس عدم الوجوب مشهوراً بين المتقدمين.

نعم ذكر الشيخ قدس‌سره اعتبار النفض في التيمّم ومسح كل واحدة من اليدين بالأُخرى (٩) واعترض عليه المحقق (١٠) وصاحب المدارك (١١) قدس‌سرهما بأنّه لا دليل على اعتبار مسح اليدين بعد النفض ، وهو كما أفاده. واحتمل صاحب الجواهر قدس‌سره أنّه أراد بذلك كون النفض بمسح إحداهما بالأُخرى (١٢) وهذا غير بعيد بل قريب.

__________________

(١) المقنع : ٢٦.

(٢) الهداية : ١٨.

(٣) المقنعة : ٦٢.

(٤) التهذيب ١ : ٢٠٦ / باب صفة التيمّم.

(٥) المراسم : ٥٤.

(٦) الغنية : ٦٣.

(٧) إشارة السبق : ٧٤.

(٨) الوسيلة : ٧٢.

(٩) المبسوط ١ : ٣٣ ، النهاية : ٤٩.

(١٠) النهاية ونكتها ١ : ٢٦٣.

(١١) المدارك ٢ : ٢٣٦.

(١٢) الجواهر ٥ : ٢٢٢.

٢٥٤

[١١١٧] مسألة ٩ : يستحب أن يكون ما يتيمّم به من رُبَى الأرض وعواليها لبعدها عن النجاسة.

______________________________________________________

والمتلخص : أنّ الاستحباب في المسألة ليس بحيث يمكن إسناده إلى جميع الأصحاب نعم ادّعى العلاّمة في التذكرة إجماعهم على عدم الوجوب (١). إلاّ أنّه إجماع منقول وهو ممّا لا يعتمد عليه في نفسه ولا سيما في مثل المقام الّذي عرفت عدم تصريح القدماء به ، بل ظاهر كلماتهم هو الوجوب.

والعجب أنّهم مع ذلك نسبوا القول بالاستحباب إلى الأصحاب ، ولا أدري كيف صحّ لصاحب المدارك قدس‌سره دعوى : لا أجد في الاستحباب خلافاً بين الأصحاب (٢). إذن لا يمكن قياس مقامنا بالإقامة. وما ذكرناه من الاحتياط في المسألة في محلِّه ، بل القول بوجوبه لا يخلو عن قوّة.

كيفيّة النفض‌

بقي الكلام في كيفيّة النفض. لم ترد في شي‌ء من الروايات كيفية النفض المعتبر في التيمّم فكيفيته موكولة إلى العرف ، وما هو المعتاد في النفض لديهم هو المعتبر في التيمّم شرعاً ، وهو عندهم يتحقق بتحريك اليدين وبضرب إحداهما على الأُخرى.

نعم ورد في موثقة زرارة حكاية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه « ضرب بيديه على الأرض ثمّ ضرب إحداهما على الأُخرى ... » (٣). إلاّ أنّها لا تدل على الكيفية المعتبرة في النفض ، فان مضمونها أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله نفض يديه وأنّ النفض يتحقق بضرب إحدى اليدين على الأُخرى ، وأمّا أنّه بأية كيفية فلا يكاد يستفاد من الموثقة بوجه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٩٦.

(٢) المدارك ٢ : ٢٣٥.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٦١ / أبواب التيمّم ب ١١ ح ٩.

٢٥٥

[١١١٨] مسألة ١٠ : يكره التيمّم بالأرض السبخة إذا لم يكن يعلوها الملح وإلاّ فلا يجوز ، وكذا يكره بالرمل ، وكذا بمهابط الأرض ، وكذا بتراب يوطأ وبتراب الطريق (١).

فصل

في كيفيّة التيمّم‌

ويجب فيه أُمور :

الأوّل : ضرب باطن اليدين معاً دفعة على الأرض فلا يكفي الوضع بدون الضرب ولا الضرب بإحداهما ولا بهما على التعاقب ولا الضرب بظاهرهما حال الاختيار نعم حال الاضطرار يكفي الوضع (٢)

______________________________________________________

(١) ما ذكره قدس‌سره من المستحبّات والمكروهات مبتنٍ على قاعدة التسامح فإنّه لم يدلّنا دليل معتبر على استحبابها أو كراهتها.

فصل في كيفيّة التيمّم‌

(٢) تعرّض قدس‌سره للكيفيّة المعتبرة في التيمّم وذكر أنّه يعتبر فيها أُمور :

منها : ضرب اليدين على الأرض وعدم كفاية وضعهما عليها ، وهذا حمل للمطلقات على مقيداتها ، حيث ورد في بعض الأخبار أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند تعليمه التيمّم لعمار وضع يديه على الأرض (١) ، وفي آخر وهو صحيحة زرارة أنّ أبا جعفر عليه‌السلام وضع كفيه على الأرض (٢).

وورد في جملة كثيرة من الأخبار الأمر بالضرب وأنّهم عليهم‌السلام ضربوا‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٨ / أبواب التيمّم ب ١١ ح ٢ ، ٤ ، ٨.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٥٩ / أبواب التيمّم ب ١١ ح ٥.

٢٥٦

بكفيهم على الأرض (١). ومن الظاهر أنّ الوضع أعم من أن يتحقق بشدّة فيسمى ضرباً أو يكون بخفة حتّى لا يصدق عليه الضرب ، ولم يؤخذ في مفهوم الوضع اللّين مثلاً.

وذكرنا في أحكام الحائض أنّه يحرم عليها وضع شي‌ء في المساجد (٢) ، ولا إشكال في عدم اختصاص الحرمة بما إذا وضعت في المسجد شيئاً بلين بل لو وضعته بشدّة فيحرم أيضاً.

إذن تكون النسبة بين الطائفتين هي الإطلاق والتقييد ، فإذا قيّدنا المطلقات صارت النتيجة أنّ المعتبر في التيمّم هو الوضع بشدّة أعني الضرب فلا يكفي فيه الوضع بلين.

نعم القدر المتيقن من هذا الحمل والتقييد إنّما هو صورة الاختيار ، وأمّا عند الاضطرار فالمطلقات محكمة ويكفي فيه الوضع بلين على ما يأتي بيانه.

ومنها : كون الضرب باليدين فلا يكفي الضرب باليد الواحدة ، ويدلُّ عليه الأخبار الواردة في المقام حيث صرّحت باعتبار كون الضرب باليدين (٣).

نعم ورد في جملة من الأخبار ضرب اليد على الأرض ، إلاّ أنّها مقترنة بقرينة دالّة على أنّ المراد باليد هو الجنس الشامل لليد الواحدة والثنتين ، مثل ما عن الكاهلي قال : « سألته عن التيمّم ، قال : فضرب بيده على البساط فمسح بهما وجهه ثمّ مسح كفيه إحداهما على ظهر الأُخرى » (٤) وهي مشتملة على إرجاع الضمير المثنى إلى اليد حيث قال : « فمسح بهما » وهو قرينة على أنّ المراد باليد هو الجنس الشامل لكلتا اليدين.

ومثل موثقة زرارة قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التيمّم فضرب بيده على الأرض ثمّ رفعها فنفضها ثمّ مسح بها جبينه وكفيه مرّة واحدة » (٥) وهي معتبرة‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٠ / أبواب التيمّم ب ١١ ح ١ ، ٣ ، ٦ ، ٧.

(٢) شرح العروة ٧ : ٣٤٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٥٨ / أبواب التيمّم ب ١١.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٥٨ / أبواب التيمّم ب ١١ ح ١.

(٥) الوسائل ٣ : ٣٥٩ / أبواب التيمّم ب ١١ ح ٣.

٢٥٧

من حيث السند.

إلاّ أن قوله : « ثمّ مسح بها جبينه وكفيه » قرينة على إرادة الجنس الشامل لكلتا اليدين ، لأنّ اليد الواحدة لا يمكن مسح كلتا الكفين بها بل الممكن مسح كل منهما بالأُخرى ، على أنّها رويت بطريق آخر صحيح مشتمل على قوله : « ثمّ مسح بهما جبهته ».

وقد يقال : إن من هذه الروايات موثقة زرارة الثّانية عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « أتى عمار بن ياسر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّي أجنبت اللّيلة ... إلى أن قال : فضرب بيده على الأرض ثمّ ضرب إحداهما على الأُخرى ثمّ مسح بجبينه ثمّ مسح كفيه كل واحدة على الأُخرى ... » (١) إلاّ أنّها في الوسائل طبعة عين الدولة وفي الطبعة الجديدة : « فضرب بيديه على الأرض » فليلاحظ.

نعم ورد فيما رواه أبو أيوب الخزاز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن التيمّم ، فقال : إنّ عماراً أصابته جنابة ... إلى أن قال : فوضع يده على المسح أي على ما يتمسح به ثمّ رفعها فمسح وجهه ثمّ مسح فوق الكف قليلاً » (٢).

إلاّ أنّ الظاهر أنّها ناظرة إلى عدم اعتبار الاستيعاب في المسح ، وليست ناظرة إلى اعتبار كون الضرب باليد الواحدة أو بالثنتين.

ومنها : كون الضرب بباطن اليدين. ومقتضى إطلاق الأخبار كفاية الضرب بكل من ظهر الكف وبطنها ، لأنّ الكف واليد يعمان ظاهرهما وباطنهما.

إلاّ أنّ الأخبار البيانية الواردة في بيان كيفية التيمّم تدل على أنّ المعتبر هو الضرب بالباطن ، لأنّه المتعارف المرسوم في ضرب اليد على الأرض أو غيرها ، فلو كان المراد خصوص الظاهر منها أو الأعم لاحتاج إلى التنبيه والبيان لكونه أمراً غير متعارف وممّا لا يستفاد من ضرب اليد لدى العرف ، وحيث إنّه لم يبيّن إرادة الظهر فيها فلا‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٦٠ / أبواب التيمم ب ١١ ح ٩.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٥٨ / أبواب التيمّم ب ١١ ح ٢.

٢٥٨

مناص من حمل الأخبار على إرادة الباطن وحسب.

نعم هذا يختص بحال الاختيار ، وأمّا عند الاضطرار فالمطلقات هي المحكمة ، لأنّ المقيد هو الأخبار البيانية ، وبما أنّها حكاية فعل لا إطلاق لها فيكتفى فيها بالقدر المتيقن وهو حال الاختيار.

ومنها : أن يكون الضرب بهما دفعة واحدة فلا يكفي الضرب بهما متعاقباً. تقدّمت هذه المسألة (١) وبيّنا أنّ مقتضى الإطلاق كفاية الضرب مطلقاً متعاقباً كان أو معاً ، وقد خرجنا عن إطلاق الأخبار بالأخبار البيانية الدالّة على اعتبار ضرب اليدين معاً.

إلاّ أنّها لمّا كانت مشتملة على حكاية فعل ولا إطلاق في الفعل يكتفى في التقييد بها على المقدار المتيقن منها وهو حال الاختيار ، ويكتفى عند الاضطرار بالضرب ولو متعاقباً.

فذلكة البحث :

فتحصل إلى هنا : أن التيمّم يعتبر فيه أُمور :

الأوّل : أن يكون التيمّم بالضرب لا بالوضع.

الثّاني : أن يكون الضرب باليدين لا بإحداهما.

الثّالث : أن يكون الضرب بباطن اليدين لا بظاهرهما.

الرّابع : أن يكون ضرب اليدين دفعة واحدة لا على نحو التعاقب.

وقد أوضحنا الوجه في اعتبار هذه الأُمور حال الاختيار ، ومع التمكّن منها لو أخلّ بها يبطل تيممه ، فلا يكفي في حال الاختيار وضع اليدين بدلاً عن ضربهما ، ولا الضرب باليد الواحدة بدلاً عن الضرب باليدين ، ولا بالظاهر منهما بدلاً عن باطنهما ولا التعاقب بدلاً عن الدفعة.

وأمّا إذا لم يتمكّن من هذه الأُمور فهل يجب عليه التيمّم بما يتيسر في حقّه [ أوْ لا ] فإذا لم يتمكّن من الضرب اكتفى بالوضع ، وإذا لم يتمكّن من الضرب باليدين ضرب‌

__________________

(١) في ص ٢٤٦.

٢٥٩

إحداهما ووضع الأُخرى ، ولو لم يتمكّن من الضرب بباطنهما اكتفى بظاهرهما ، ولو لم يمكنه الضرب دفعة اكتفى بالتعاقب ، ولو لم يتمكّن من هذه الأُمور جميعاً دخل في موضوع فاقد الطهورين؟

الصحيح هو الأوّل. وليس الوجه في ذلك قاعدة الميسور ، لعدم تماميتها على ما تقدّم غير مرّة ولا الإجماع المتوهم في المقام لأنّه لا يزيد على الإجماع التقديري حيث إن جملة من الفقهاء اكتفوا في التيمّم بالوضع حتّى في حال الاختيار ، وليس لنا علم بأنّهم لو كانوا قائلين باعتبار الضرب عند الاختيار لجوزوا التيمّم بالوضع عند التعذّر ، فهو إجماع تقديري لا اعتبار به.

ولعلّه إلى ذلك ينظر ما في الجواهر من التعبير بكلمة لعل عند ما قال : لعلّه إجماعي (١) ، أي إجماع احتمالي لا أنّه فعلي منجز.

بل الوجه في ذلك أنّ الأمر بالضرب وما دلّ على اعتبار كونه باليدين وإن كان مطلقاً وهو يعم صورة التمكّن والتعذّر ، لأنّ ظاهر تلكم الأوامر هو الإرشاد إلى الشرطية ، كما أنّ ظاهر النهي في أمثال المقام هو الإرشاد إلى المانعية ، ولا مانع من أن تكون الشرطية مطلقة ، ولازمه أن غير المتمكّن من الضرب أو من كونه باليدين ليس مأموراً بالصلاة لتعذرها في حقّه. إلاّ أن مقتضى ما دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال من الإجماع والصحيحة الواردة في حقّ المستحاضة من قوله : « لا تدع الصلاة بحال » (٢) يدلّنا على أنّه مكلّف بالصلاة حتّى عند عدم تمكّنه من الضرب أو من كونه باليدين.

وحيث أنّها مشروطة بالطهور ، إذ « لا صلاة إلاّ بطهور » وهو اسم لنفس الماء والصعيد لأنّ الطهور كالسحور والفطور بمعنى ما يتسحر به أو ما يفطر به ، وما به الطّهارة هو الماء والصعيد علمنا أنّ المكلّف في المقام لا بدّ من أن يصلِّي ويستعمل‌

__________________

(١) الجواهر ٥ : ١٨١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

٢٦٠