موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

ما عدا رماد الحطب ونحوه (١) وبالمرتبة المتأخرة من الغبار أو الطين ، ومع عدم الغبار والطين الأحوط التيمّم بأحد المذكورات والصلاة ثمّ إعادتها أو قضاؤها.

[١٠٩٨] مسألة ٣ : يجوز التيمّم حال الاختيار على الحائط المبني بالطين واللّبن والآجر إذا طلي بالطين (٢).

______________________________________________________

يكون طبخه موجباً لخروجه عن حقيقته كما بيّناه ، ومعه يجمع في تيممه بين الجص المطبوخ والمرتبة الأخيرة من غبار أو طين عند عدم الغبار ، ومع انعدام الجميع يجمع بين الصلاة بالتيمّم على الجص المطبوخ في الوقت وبين إعادتها أو قضائها خارج الوقت.

(١) لأنّه على ما تقدم في بعض الأخبار (١) لا يخرج عن الأرض بل يخرج من الشجر والنبات وهو ممّا لا يجوز التيمّم به ، وهذا بخلاف الرماد الحاصل من الأرض كما في الأمثلة السابقة لأنّ حاله حال الجص المطبوخ.

وكما أنّ الجص قبل طبخه من الأرض وبعد طبخه مورد للخلاف ويحتمل المصنف كونه من الأرض ولا يخرجه الطبخ عن حقيقته كذلك الحال في التراب المحترق رماداً أو الحجر المحترق رماداً فإنّهما من الأرض قبل الاحتراق والطبخ ، وبعدهما يقعان محل الخلاف مع احتمال المصنف أن لا يكون الطبخ مخرجاً لهما عن حقيقتهما الأرضية فهما مورد الاحتياط.

جواز التيمّم على الحائط‌

(٢) لأنّه على طبق القاعدة ، لأن جعل التراب عالياً وحائطاً لا يخرجه عن حقيقته وكونه من الأرض.

نعم لا مجال في المقام للاستدلال على صحّة التيمّم على الحائط بموثقة سماعة قال : « سألته عن رجل مرّ على جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع؟ قال : يضرب‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٢ / أبواب التيمّم ب ٨ ح ١.

٢٢١

[١٠٩٩] مسألة ٤ : يجوز التيمّم بطين الرأس (١) وإن لم يسحق وكذا بحجر الرَّحَى وحجر النار وحجر السن ونحو ذلك ، لعدم كونها من المعادن (٢) الخارجة عن صدق الأرض ، وكذا يجوز التيمّم بطين الأرمني.

[١١٠٠] مسألة ٥ : يجوز التيمّم على الأرض السبخة إذا صدق كونها أرضاً بأن لم يكن علاها الملح (٣).

[١١٠١] مسألة ٦ : إذا تيمّم بالطين فلصق بيده يجب إزالته أوّلاً (*) ثمّ المسح بها ، وفي جواز إزالته بالغسل إشكال (٤).

______________________________________________________

بيديه على حائط اللبن فليتيمم » (١) وذلك لأنّ التيمّم مع التمكّن من الماء ليس بمشروع في نفسه وإنّما قلنا بمشروعيّته في مورد الرواية وهو صورة خوف الفوت على تقدير التوضؤ للتعبّد.

فكما أنّ أصل مشروعيّته خاص بمورد الرواية فليكن جواز التيمّم على الحائط أيضاً مختصّاً بمورد الرواية ولا يمكننا التعدّي عنه إلى غيره.

(١) لإطلاق ما دلّ على جواز التيمّم بالأرض وإن كانت أفراد التراب أو الحجر مختلفة من حيث القيمة فبعضها ثمين مثل طين الأرض المطلوب لبرودته ، وطين الرأس المطلوب لرقته ، وهكذا الحال في الأحجار.

(٢) بل ولو كانت من المعادن كما سبق (٢).

(٣) لأنّ الملح خارج عن الأرض ولا يطلق عليه اسمها ، وهذا بخلاف ما إذا كانت سبخة من دون أن يعلوها الملح فإنّها أرض حقيقة ويصدق عليها اسمها.

وجوب إزالة ما لصق باليد من الطين لدى التيمّم‌

(٤) في هذا الفرع مسألتان :

__________________

(*) فيه إشكال ، بل لا يبعد عدم جواز الإزالة تماماً ولو بغير الغسل.

(١) الوسائل ٣ : ١١١ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٥.

(٢) في ص ٢٠٥.

٢٢٢

[١١٠٢] مسألة ٧ : لا يجوز التيمّم على التراب الممزوج بغيره من التبن أو الرماد أو نحو ذلك وكذا على الطين الممزوج بالتبن (١) ، فيشترط فيما يتيمّم به عدم كونه مخلوطاً بما لا يجوز التيمّم به إلاّ إذا كان ذلك الغير مستهلكا.

______________________________________________________

إحداهما : أنّ الطين إذا لصق بيد المتيمم عند ما تيمّم به هل تجب إزالته أو لا تجب؟ والصحيح عدم الوجوب ، لإطلاق ما دلّ على جواز التيمّم من الطين أو به.

ودعوى أنّ الطين اللاّصق باليد عند التيمّم به يمنع عن مسح الوجه باليد أو مسح إحداهما بالأُخرى لوجود الحائل بينهما وهو الطين اللاّصق بيده ، مندفعة بأنّ المانع عن تحقق المسح باليد إنّما هو فيما إذا كان الحائل من غير الطين دون ما إذا كان هو الطين أو التراب عند التيمّم به ، فان حيلولته ليست مانعة عن صحّة مسح الوجه باليدين أو مسح إحداهما بالأُخرى.

هذا بناءً على استحباب نفض اليدين من أثر التراب أو غيره ممّا يتيمّم به وعدم وجوبه ، وإلاّ فلا مناص من القول بوجوب إزالة ما في اليد من الطين لأنّها مقتضى وجوب النفض حينئذ.

ثانيتهما : أنّ الطين اللاّصق باليد عند التيمّم به هل تجوز إزالته بالغسل أو لا تجوز؟ يبتني عدم جواز إزالته بالغسل على اشتراط العلوق في التيمّم بأن يكون في اليد شي‌ء من آثار الأرض ، فإنّه يزول بالغسل بالماء ومع زواله لا يصح التيمّم بناءً على اعتبار العلوق ، وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من عدم اعتبار العلوق في التيمّم فلا مانع من إزالة ما لصق باليد من الطين عند التيمّم به.

عدم جواز التيمّم على التراب الممزوج بغيره‌

(١) لاعتبار كون ما يتيمّم به تراباً أو طيناً ، وهو غير صادق على التراب أو الطين عند امتزاجهما بغيرهما من التبن أو الرماد ، اللهمّ إلاّ أن يكون الخليط مستهلكاً فيهما لصدق التيمّم بالتراب أو بالطين حينئذ. على أنّ الغلبة تقتضي ذلك ، إذ قلّما ينفك‌

٢٢٣

التراب أو الطين عن المزج بالتبن أو الرماد أو غيرهما ممّا لا يجوز التيمّم به.

تفصيل في المسألة‌

وتفصيل الكلام في هذا المقام أنّ للمسألة صوراً ، وذلك لأنّ غير التراب الممزوج به :

قد يكون مستهلكاً في التراب كالملح والرماد القليلين الممتزجين بالتراب. وهذا لا إشكال في جواز التيمّم به ، لأنّه تراب ويصدق عليه عنوان الصعيد حقيقة.

وقد يكون الغير الممتزج بالتراب كثيراً يستهلك التراب فيه كالتراب القليل الممتزج بالملح مثلاً. وهذا لا شبهة في عدم جواز التيمّم به ، لأنّه ملح لدى العرف ولا يصدق عليه الصعيد.

وثالثة : لا يستهلك أحدهما في الآخر بل يتركب منهما شي‌ء ثالث ، نظير ما ذكرناه في الماء الممتزج بغيره. وهذا أيضاً لا يجوز التيمّم به ، لأنّه وإن لم يكن ملحاً مثلاً إلاّ أنّه ليس بتراب أيضاً ، فهو أمر ثالث لا يطلق عليه الصعيد. هذا كلّه فيما إذا عدّ المجموع موجوداً واحداً كما مثّل.

وأمّا لو عدّ موجودين كما في التبن أو الحشيش الملقى على وجه الأرض فإن اعتبرنا استيعاب الكف لما يتيمّم به كما هو الظاهر لم يصح التيمّم به ، لأنّ التبن مثلاً مانع عن الاستيعاب وهو ظاهر ، وإذا لم نعتبر فيها الاستيعاب صحّ التيمّم بالتراب الممتزج بشي‌ء من التبن ونحوه ، هذا.

وقد يقال في هذه الصورة بصحّة التيمّم ولو بناءً على اعتبار الاستيعاب في الكف لما يتيمّم به ، نظراً إلى غلبة امتزاج

التراب بشي‌ء من أمثال التبن والحشيش ونحوهما فلو كان الخلوص منها أيضاً معتبراً في صحّة التيمّم بالصعيد لوجب البيان والتنبيه عليه ، وحيث لم يرد بيان على اعتبار خلوص التراب من أمثالها فلا مانع من التيمّم بالتراب الممتزج بذلك.

ويدفعه : أنّ غلبة الامتزاج بمثل التبن إنّما هي في الأمصار والقرى ، وأين تلك‌

٢٢٤

[١١٠٣] مسألة ٨ : إذا لم يكن عنده إلاّ الثلج أو الجمد وأمكن إذابته وجب كما مرّ (١) كما أنّه إذا لم يكن إلاّ الطين وأمكنه تجفيفه وجب.

[١١٠٤] مسألة ٩ : إذا لم يكن عنده ما يتيمّم به وجب تحصيله ولو بالشراء ونحوه (٢).

______________________________________________________

الغلبة في البوادي ومطلق وجه الأرض ، فهذا وادي السلام وغيره من البوادي إلى الحجاز لا توجد فيها تلك الغلبة ولا تبن يمتزج بالتراب فيها إلاّ نادرا.

وعليه ما أفاده الماتن قدس‌سره من عدم جواز التيمّم على التراب الممزوج بغيره [ يبتني على اعتبار الاستيعاب في الصورة الثالثة ].

إذا تمكّن من إيجاد الماء‌

(١) لتمكّن المكلّف من الطّهارة المائية حينئذ ، كما أنّ الحال كذلك فيما إذا أمكنه إيجاد الماء وخلقه فإنّه مع القدرة على إيجاده لا تصل النوبة إلى التيمّم. وكذلك الحال فيما إذا كان متمكّناً من تحصيل المرتبة العالية من الطّهارة الترابية كما لو تمكّن من تجفيف الطين مثلاً ثمّ التيمّم بالتراب ، لأنّه مع القدرة على مرتبة لا تصل النوبة إلى المرتبة النازلة من التيمّم.

هل يجب تحصيل ما يتيمّم به بالشراء؟

(٢) لم يرد في هذه المسألة نص بالخصوص وإنّما ورد النص في الوضوء ، وأنّه يشتري الماء للتوضي به ولو بأضعاف قيمته (١) وإن استلزم ضرراً مالياً كما لو طلب مالكه ثمناً لمائه أضعاف قيمته ، ما لم يستلزم العسر والحرج ، وهو مختص بالوضوء ولا يمكننا التعدّي عنه إلى التيمّم.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٩ / أبواب التيمّم ب ٢٦ ح ١.

٢٢٥

اللهمّ إلاّ أن يتشبث بعموم التعليل وهو قوله : وما يشتري (١) به مال كثير ، لدلالته على لزوم بذل المال لتحصيل الطّهارة وإن كان أضعاف قيمته ، لأن ما يشتريه في الحقيقة أي ما يحصل به الطّهارة أكثر مالية ممّا يبذله من المال ، ولا يفرق في هذا بين الطّهارة المائية والترابية.

أو نقول : إنّ ذلك ممّا يقتضيه عموم التنزيل الدال على قيام التيمّم مقام الوضوء وتنزيل الطّهارة الترابية منزلة الطّهارة المائية في جميع الآثار والأحكام ، إذ كما يجب تحصيل الماء ولو بالشراء في الوضوء كذلك يجب تحصيل التراب ولو بالشراء في التيمّم.

ويرد على التمسّك بما ورد في ذيل الرواية وما يشتري به مال كثير أنّه مختص بمورده ، ومن هنا لم يتعد الفقهاء إلى الطّهارة الخبثية ، إذ لم يوجبوا شراء الماء لتنظيف الثوب أو البدن ، فلو دلّ على ذلك العموم لوجب القول به في الطّهارة الخبثية أيضاً وإن كان الماء بأضعاف قيمته. فالدليل مختص بمورده وهو الماء.

كما يرد على الاستدلال بعموم أدلّة التنزيل أنّ التنزيل إنّما يختص بالطهور فقط بمعنى أنّ التيمّم أو التراب يكفي في الطّهارة عند العجز عن الماء ، ولا دلالة لها على اشتراكهما مع الماء في جميع الأحكام والآثار. إذن لا نص على وجوب تحصيل ما يتيمّم به ولو بالشراء.

لكن الصحيح هو ذلك ، وليس هذا إلاّ للأولوية القطعية ، بيانه : أنّ النصوص دلّتنا على وجوب بذل المال بإزاء الماء فيما إذا استلزم ترك البذل فوات الطّهارة المائية وإن تمكن المكلّف من الصلاة بالطّهارة الترابية ، أي المرتبة النازلة من الطّهارة ، وهذا يدلّنا على وجوب الشراء وبذل المال بإزاء التراب أو غيره ممّا يتيمّم به بالأولوية ، لأن ترك البذل حينئذ يستلزم فوات أصل الصلاة ، فلو وجب البذل أو الشراء عند استلزام‌

__________________

(١) هذا التعبير ورد في الكافي ٣ : ٧٤ / ١٧ ، التهذيب ١ : ٤٠٦ / ١٢٧٦ ، وأمّا الفقيه فقد نقله بلفظ : وما يسوؤني.

٢٢٦

[١١٠٥] مسألة ١٠ : إذا كان وظيفته التيمّم بالغبار يقدم ما غباره أزيد (*) كما مرّ (١).

[١١٠٦] مسألة ١١ : يجوز التيمّم اختياراً على الأرض الندية والتراب الندي (٢) وإن كان الأحوط مع وجود اليابسة تقديمها.

______________________________________________________

تركهما [ ترك ] الصلاة مع الوضوء مع التمكّن من أصلها وجب الشراء والبذل عند استلزام تركهما [ ترك ] أصل الصلاة بالأولوية القطعية كما في المقام ، لأنّه لو لم يشتر التراب مثلاً دخل في موضوع فاقد الطهورين وتسقط عنه الصلاة لعدم تمكّنه من الطّهارة.

تقديم ما غباره أزيد‌

(١) إن أراد بقوله هذا وجوب تقديم ما غباره أزيد فهو تناقض ظاهر ، لأنّ ما تقدّم منه (١) إنّما هو الاحتياط بتقديم ما غباره أزيد لا الفتوى بالوجوب ، ولا تجتمع الفتوى مع الاحتياط.

وإن أراد بذلك بيان كيفية التقديم وأن ما غباره أزيد يقدم على الكيفية المتقدمة أي الاحتياط فهو صحيح ، وهذا أمر لا بُعد في إرادته من المتن.

التيمّم بالأرض النديّة‌

(٢) لإطلاق ما دلّ على جواز التيمّم بالأرض والتراب (٢) لعدم تقييدهما باليبوسة والجفاف ، نعم ورد في صحيحة رفاعة : « فانظر أجف موضع تجده فتيمّم منه » (٣) إلاّ‌

__________________

(*) على الأحوط كما مرّ في المتن.

(١) في ص ٢٠٧.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٤٩ / أبواب التيمّم ب ٧.

(٣) تقدّمت في ص ٢٠٧.

٢٢٧

[١١٠٧] مسألة ١٢ : إذا تيمّم بما يعتقد جواز التيمّم به فبان خلافه بطل (١) وإن صلّى به بطلت ووجبت الإعادة أو القضاء ، وكذا لو اعتقد أنّه من المرتبة المتقدّمة فبان أنّه من المتأخرة مع كون المتقدّمة وظيفته.

[١١٠٨] مسألة ١٣ : المناط في الطين الّذي من المرتبة الثّالثة كونه على وجه يلصق باليد [١] (٢) ولذا عبّر بعضهم عنه بالوَحَل ، فمع عدم لصوقه يكون من المرتبة الأُولى ظاهراً وإن كان الأحوط تقديم اليابس والنديّ عليه.

______________________________________________________

أنّ الصحيحة أجنبية عمّا نحن فيه ، لأنّ موردها ما إذا لم يوجد التراب ولا الرمل وكانت الأرض مبتلة وكلّها طين ففي مثلها أمره بالتيمّم من أجف موضع يجده.

ولا بأس بالعمل بالصحيحة في موردها أي عند انحصار ما يتيمّم به بالطين وأمّا مع وجود التراب واختلافه باليبوسة والنداوة فمقتضى الإطلاق جواز التيمّم بما أراده وإن كانت الأرض ندية.

إذا اعتقد جواز التيمّم بشي‌ء وانكشف الخلاف‌

(١) لعدم الدليل على إجزاء التيمّم بما يعتقد جواز التيمّم به إذا لم يكن كذلك واقعاً ، كما لو اعتقد أن ما تيمّم به رمل فبان ملحاً. وكذلك الحال فيما إذا اعتقد أنّه من المرتبة المتقدمة فبان أنّه من المرتبة المتأخرة فيما إذا كانت وظيفته التيمّم بالمرتبة المتقدمة.

تحديد مراتب الطين‌

(٢) لا دليل على هذا التحديد بل المدار على الصدق العرفي ، فمتى صدق أنّه طين لم يجز التيمّم به مع وجود التراب ، وهذا يختلف باختلاف الموارد ، فقد يصدق التراب‌

__________________

(*) بل المناط فيه الصدق العرفي.

٢٢٨

مع البلل والرطوبة كما في التراب الموضوع في السراديب المبتل برطوبتها ، فإنّه تراب لدى العرف ولا يصدق عليه الطين وإن كان رطباً مبتلا. وقد لا يصدق الطين مع لصوقه باليد أيضاً كما لو كثر ماؤه وبلغ حد الدوغ فإنّه ليس طيناً لدى العرف. فليس المدار في الطين على لصوقه باليد ، بل بالمدار على الصدق العرفي كما مرّ.

ثمّ إنّه إذا علم أنّه تراب أو طين فهو ، وأمّا إذا شكّ في ذلك فإن كانت الشبهة موضوعية كما إذا لم يظهر أنّه تجاوز حدّ الطين وبلغ مرتبة الدوغ أو لم يتجاوز ، أو أنّه تجاوزت نداوة التراب وبلغ مرتبة الطين عرفاً أو لم يبلغ فلا مناص من الرجوع إلى استصحاب الحالة السابقة والعمل على طبقها ، لكونه مسبوقاً بالطينية أو بالحالة الترابية ونحوهما ويترتب عليهما آثارهما.

وأمّا إذا كانت الشبهة حكمية أي مفهومية فلا مجال للاستصحاب على مسلكنا بل لا بدّ من الرجوع إلى سائر الأُصول والقواعد الجارية في المقام ، ومقتضى العلم الإجمالي هو وجوب الجمع بين التيمّم بما يشك في كونه تراباً أو طيناً والصلاة في الوقت وبين التيمّم بما هو معلوم الترابية أو الطينية والصلاة خارج الوقت أو التوضؤ والصلاة إذا لم تكن وظيفته التيمّم.

وذلك لأن ما يشك في كونه تراباً من جهة وصوله المرتبة الطينية أو في الطين من جهة تجاوزه عن حدّه إن كان تراباً أو طيناً ووظيفته التيمّم به ، وجب عليه التيمّم به والصلاة في وقتها أداءً ، وإن لم يكن ممّا وظيفته التيمّم به فهو فاقد الطهورين ، وقد بيّنا أنّ وظيفته الصلاة خارج الوقت متوضئاً أو متيمماً على الوجه الصحيح. ومقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بين الأداء والقضاء على النحو الّذي عرفت.

هذا فيما إذا لم يكن عنده ما هو معلوم الترابية أو الطينية ، وأمّا مع وجود التراب أو الطين المعلوم كونه كذلك فمقتضى القاعدة أن يتيمّم به ويأتي بالصلاة في وقتها أداء.

٢٢٩

فصل

في شرائط ما يتيمّم به

يشترط فيما يتيمّم به أن يكون طاهراً (١)

______________________________________________________

فصل في شرائط ما يتيمّم به

اشتراط الطّهارة فيما يتيمّم به‌

(١) كالماء في الوضوء. ويدلُّ على ذلك مضافاً إلى التسالم والإجماع قوله تعالى ( صَعِيداً طَيِّباً ) (١) فانّ الطيب بمعنى الطاهر والنظيف شرعاً ، للقطع بعدم اعتبار النظافة العرفية فيما يتيمّم به ، لوضوح أنّ التراب إذا لم يكن نظيفاً لدى العرف لوساخته جاز التيمّم به شرعاً بلا كلام.

وما دلّ على أنّ الأرض أو التراب أحد الطهورين ، وأنّ الأرض جعلت لي مسجداً وطهوراً (٢) ، فانّ الطهور يعني ما هو طاهر في نفسه ومطهر لغيره ، ومعه لا بدّ من كون ما يتيمّم به طاهراً في نفسه.

نعم هذا فيما إذا كان ما يتيمّم به أرضاً أو تراباً ، وأمّا في الغبار الموجود في الثوب النجس فمقتضى إطلاق ما دلّ على جواز التيمّم بالمغبر (٣) عدم اعتبار النظافة الشرعية في الثوب ، إذ لم يقم على اعتبارها فيه دليل وإن كان الغبار كالعارض على الثوب ، لاختصاص الدليل بالأرض والتراب ، وإن كان الاحتياط بالتيمّم به والصلاة في الوقت مع التيمّم بالطاهر والصلاة خارج الوقت أو الوضوء وإتيانها خارج الوقت حسناً وفي‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٤٩ / أبواب التيمّم ب ٧ وغيره.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٥٣ / أبواب التيمّم ب ٩.

٢٣٠

فلو كان نجساً بطل (*) وإن كان جاهلاً بنجاسته أو ناسياً (١) ، وإن لم يكن عنده من المرتبة المتقدمة إلاّ النجس ينتقل إلى اللاّحقة ، وإن لم يكن من اللاّحقة أيضاً إلاّ النجس كان فاقد الطهورين ويلحقه حكمه.

ويشترط أيضاً عدم خلطه بما لا يجوز التيمّم به كما مرّ.

ويشترط أيضاً إباحته وإباحة مكانه (٢) والفضاء (**) الّذي يتيمّم فيه (٣) ومكان المتيمم (***) (٤)

______________________________________________________

محلِّه إذا لم يكن عنده مغبر طاهر ، وإلاّ يتيمّم به ويصلِّي في وقتها أداءً.

(١) لعدم صحّة التيمّم بالنجس واقعا.

اشتراط الإباحة فيما يتيمّم به وفي مكانه والفضاء‌

(٢) لأنّه مع حرمة ما يتيمّم به ومبغوضيته يكون التيمّم به مبغوضاً محرماً ، والحرام لا يمكن أن يقع مصداقاً للواجب. وكذلك الحال فيما إذا كان مكانه محرماً ، لأنّ التيمّم بالضرب على المتيمم به تصرف فيه ، ومع حرمته لا يقع مصداقاً للتيمم المأمور به.

(٣) لأنّ التيمّم يعتبر فيه الضرب وهو تصرف في الفضاء ، ولا يكفي فيه مجرّد وضع اليد على ما يتيمّم به كما لا يخفى.

(٤) لا دليل على إباحة مكان المتيمم بعد إباحة نفس ما يتيمّم به ومكان التيمّم وفضائه ، لأنّه أمر خارج عن التيمّم ولا يسري حرمته إلى المأمور به بوجه.

__________________

(*) على الأحوط في الثوب ونحوه ، فلو انحصر ما يصح التيمّم به فيه فالأحوط الجمع بين الصلاة مع التيمّم به والقضاء.

(**) على الأحوط وجوباً.

(***) لا تعتبر إباحة مكان المتيمم إذا كان مكان التيمّم مباحاً.

٢٣١

فيبطل مع غصبية أحد هذه مع العلم والعمد ، نعم لا يبطل مع الجهل (*) والنسيان (١).

______________________________________________________

إذا جهل الغصبية أو نسيها‌

(١) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

أحدهما : في صورة الجهل بغصبية إحدى هذه المذكورات.

ثانيهما : في صورة نسيان الحرمة أو الغصبية في المذكورات.

المقام الأوّل : وقد أشبعنا الكلام فيه في مباحث الوضوء (١) وقلنا إنّ المشهور هو صحّة الوضوء بالماء المغصوب عند الجهل به. إلاّ أنّ الصحيح عدم الفرق في بطلان الوضوء من الماء المغصوب بين العلم والجهل به ، وذلك لأنّ الوجه في البطلان عند العلم به ليس هو كون التصرف موجباً لاستحقاق العقاب عليه حتّى يتوهّم صحّته فيما إذا لم يكن التصرف فيه موجباً لاستحقاق العقاب للجهل بحرمته أو غصبيته ، بل الوجه في بطلانه أنّه تصرف مبغوض لدى الشارع والمبغوض لا يقع مصداقاً للواجب.

ومن الظاهر أنّ الجهل لا يوجب سقوط الحرمة الواقعية ، وإنّما هو مسوغ للتصرف ظاهراً لأنّه عذر حال الجهل ، ومع بقاء الحرمة الواقعية والمبغوضية الواقعية كيف يكون العمل مصداقاً للواجب والمأمور به.

وبعبارة اخرى : ليس أمثال تلك الصورة من موارد اجتماع الأمر والنهي ليحكم بصحّتها عند الجهل بالحرمة لصدوره على وجه غير مستحق للعقاب ، بل هي من موارد النهي عن العبادة ، وحيث إنّها مبغوضة واقعاً عند الجهل بحرمتها فلا مناص من الحكم ببطلانها ولو مع الجهل بالحال ، لأنّ المبغوض والمحرم لا يقع مصداقاً للمأمور به ، والتخصيص واقعي.

نعم ادعوا الإجماع على صحّة الوضوء مع الجهل بالغصبية. وقد أجبنا عنه في‌

__________________

(*) الظاهر أنّه لا فرق بين العلم والجهل ، فإذا بطل في فرض العلم بطل مع الجهل أيضاً ، وبذلك يظهر الحال في المسألة الآتية.

(١) شرح العروة ٥ : ٣١٧.

٢٣٢

[١١٠٩] مسألة ١ : إذا كان التراب أو نحوه في آنية الذهب أو الفضّة فتيمّم به مع العلم والعمد بطل (*) لأنّه يُعَدُّ استعمالاً لهما عرفا (١).

______________________________________________________

محلِّه (١) بأنّ الإجماع المذكور ليس تعبّدياً ، وإنّما هو مستند إلى الوجه العقلي وهو تخيل أنّ البطلان لدى العلم بالحرمة إنّما هو لأجل صدور العمل مستحقاً للعقاب عليه وقد عرفت بطلانه.

المقام الثّاني : وهو صورة النسيان. ويفرق فيها بين كون الناسي نفس الغاصب وبين كونه غيره.

فإذا كان الناسي غير الغاصب كما لو غصب غاصب داراً فتيمّم شخص آخر بترابها ناسياً كون الدار مغصوبة فنلتزم فيه بالصحّة ، كما قد التزمنا بها في الوضوء (٢) لأنّ النسيان موجب لرفع الحرمة وسقوطها واقعاً ، لعدم إمكان نهيه وتوجيه التكليف إليه ، فيصدر العمل من الناسي غير محرم ولا مبغوض ، ومعه لا مانع من أن يقع مصداقاً للمأمور به ومقرباً من المولى.

وأمّا إذا كان الناسي نفس الغاصب فالحرمة وإن كانت ساقطة حينئذ ، لعدم إمكان توجيه الخطاب نحو الناسي إلاّ أنّه عمل يعاقب على فعله ، فإنّه وإن لم يمكن نهيه عنه إلاّ أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، وحيث إنّه مستند إلى سوء اختياره لأنّه غصبه ولم يرده إلى مالكه فوقع فيما وقع فيه فيحكم ببطلان وضوئه وتيممه.

ومن هنا يظهر الإشكال فيما ذكره الماتن قدس‌سره من التسوية بين صورتي الجهل والنسيان وحكمه بالصحّة في الناسي مطلقاً.

إذا كان ما يتيمّم به في آنية الذهب والفضّة‌

(١) بعد البناء على حرمة التصرف في آنيتهما ولو بالتيمّم بما فيهما من التراب‌

__________________

(*) على الأحوط.

(١) شرح العروة ٥ : ٣١٩.

(٢) شرح العروة ٥ : ٣٢١.

٢٣٣

[١١١٠] مسألة ٢ : إذا كان عنده ترابان مثلاً أحدهما نجس يتيمّم بهما (١) كما أنّه إذا اشتبه التراب بغيره يتيمّم بهما ، وأمّا إذا اشتبه المباح بالمغصوب اجتنب عنهما (٢). ومع الانحصار انتقل إلى المرتبة اللاّحقة ، ومع فقدها يكون فاقد الطهورين (*) كما إذا انحصر في المغصوب المعين.

______________________________________________________

تندرج المسألة في الفرع المتقدم ويأتي فيها ما قدمناه هناك ، فيحكم بالبطلان في صورتي العلم والجهل ، ويفرق في صورة النسيان بين كونه لا بسوء الاختيار كما لو كانت الآنية لغيره فتيمم هو بما فيها من التراب نسياناً فيحكم بصحّته ، وبين كونه بسوء الاختيار كما لو اشتراها للاستعمال واستعملها في التيمّم نسياناً فيحكم ببطلانه.

(١) وإن كان أحد التيممين باطلاً ، ولا ينتقل معه إلى المرتبة اللاّحقة بوجه ، لوجود التراب الطاهر وتمكّنه من التيمّم به على الفرض.

اشتباه التراب المباح بالمغصوب‌

(٢) الصحيح في هذه المسألة أن كل واحد من الترابين من موارد دوران الأمر بين المحذورين ، لأنّه إن كان مغصوباً فهو يحرم التصرف فيه لتمكّن المكلّف من تركه ومعه تتنجز الحرمة في حقّه ، كما أنّه إذا كان هو المباح فهو يجب التيمّم به لتمكّن المكلّف من التيمّم بالتراب المباح ، غاية الأمر أنّه لا يتمكّن من إحراز أنّه التيمّم الواجب أو الحرام.

إلاّ أنّه يتمكّن من التيمّم بكل منهما فيقطع بامتثال الواجب كما يقطع بارتكاب الحرام ، وحيث إنّ المخالفة القطعية غير جائزة ولا يتمكّن المكلّف من الموافقة القطعية كما لا يتمكّن من المخالفة القطعية فينتقل الأمر إلى الموافقة والمخالفة الاحتماليتين.

إذن لا بدّ من الحكم بتخيير المكلّف بين التيمّم بهذا التراب أو بذاك ، لأنّه موافقة‌

__________________

(*) لا يبعد وجوب التيمّم بأحد الترابين حينئذ.

٢٣٤

للتكليف الوجوبي احتمالاً ومخالفة للتكليف التحريمي احتمالاً.

ومن هذا يظهر ما في كلام الماتن قدس‌سره من جعل المكلّف فاقد الطهورين عند فقد المرتبة اللاّحقة وتنظير المقام بما إذا انحصر المغصوب في المعين ، حيث ظهر أنّ المكلّف واجد للطهور ومتمكّن من استعماله واقعاً غير أنّه ليس قادراً على التمييز فليست وظيفته وظيفة فاقد الطهورين ، كما أنّ المقام مغاير لصورة انحصار المغصوب في المعين ، لأنّ المكلّف في تلك الصورة ليس قادراً على التيمّم كما أنّه غير متمكّن من الوضوء أو الغسل فيدخل في موضوع فاقد الطهورين.

إذن لا يمكن قياس المقام بصورة انحصار ما يتيمّم به في المغصوب المعين بوجه بتخيل أنّ العلم الإجمالي بالغصبية مثل العلم التفصيلي بها ، وذلك لما عرفت من تمكّن المكلّف من كلا التكليفين التحريمي والوجوبي غير أنّه ليس قادراً على التمييز فالمقام من دوران الأمر بين المحذورين ووظيفة المكلّف هو التخيير فيختار أحد الترابين ويتيمّم به.

وتوضيح ما ذكرناه في المقام هو أنّ قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ... ) (١) والأخبار الواردة في التيمّم الدالّة على أنّه إذا وجد تراباً يتيمّم به أو طيناً يتيمّم به (٢) يدل على أنّ الوضوء والتيمّم اعتبر فيهما الوجدان أي وجدان الماء والتراب ونحوه.

والوجدان بمعنى ( يافتن ) قد أُخذ في مفهومه الإحراز ، ومعه لا بدّ من أن يكون المكلّف المأمور بالوضوء أو بالتيمّم محرزاً بأنّه قد توضأ بالماء أو تيمّم بالتراب الحائز للشروط من الإباحة والطّهارة ونحوهما.

فإذا فرضنا أنّ أحد الماءين مغصوب أو أحد الترابين مغصوب والمرتبة الثّانية من التيمّم ميسورة لم يتمكّن المكلّف من إحراز أنّه توضأ أو تيمّم بالماء أو التراب المباح‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٤٩ / أبواب التيمّم ب ٧ ، ٩.

٢٣٥

لأن إحراز الامتثال يتوقف على الوضوء بكلا الماءين أو التيمّم بكلا الترابين وهو غير سائغ ، لاستلزامه المخالفة القطعية لحرمة الغصب ، فالامتثال القطعي والإحرازي غير ممكن.

والموافقة الاحتمالية بالوضوء أو التيمّم بأحدهما غير مفيدة ، لاعتبار إحراز الوضوء بالماء أو التيمّم بالتراب ، ولا يحرز ذلك بالوضوء بأحد الماءين أو بالتيمّم بأحد الترابين لاحتمال أن يكون ما امتثل به هو المغصوب.

ومجرد المصادفة الواقعية وكون ما امتثل به مباحاً ليس كافياً في إحراز الامتثال ومعه ينتقل الأمر إلى المرتبة الثانية من التيمّم أو إلى الثالثة وهو التيمّم بالطين ونحوه. ولا دليل على كفاية الامتثال الاحتمالي حينئذ ، لتمكّنه من المرتبة الثّانية واعتبار الإحراز في مفهوم الوجدان ، هذا.

على أنّ المورد ليس من موارد التنزل إلى الموافقة الاحتمالية ، وذلك لاستصحاب عدم التوضي بالماء المباح أو عدم التيمّم بالتراب المباح ، ومعه لا مناص من الانتقال إلى المرتبة الثّانية وإن كان المكلّف عالماً بوجود الماء المباح أو التراب المباح في البين إلاّ أنّه لعدم تمكّنه من الإحراز يصدق أنّه ليس واجداً لهما ، لما تقدم من اعتبار الإحراز في مفهوم الوجدان ، فلا مناص من الانتقال إلى المرتبة المتأخّرة كما مرّ.

وأمّا إذا لم تكن هناك مرتبة أخيرة للتيمم أو فرضنا العلم الإجمالي في المرتبة الأخيرة فلا يأتي حينئذ ما قدّمناه من اعتبار الإحراز في الامتثال والتوضؤ بالماء المباح أو التيمّم بالتراب المباح ، بل المورد مورد التمسّك بإطلاقات وجوب الصلاة وأنّها ( كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) (١) وأنّها المائزة بين الكفّار والمسلمين (٢) وقوله عليه‌السلام « إذا زالت الشمس فقد وجبت الصلاتان » (٣) وغير ذلك من المطلقات فان مقتضاها وجوب الصلاة ، وهي مشروطة بالطهور ، وحيث لا يمكن امتثال الأمر‌

__________________

(١) النِّساء ٤ : ١٠٣.

(٢) الوسائل ٤ : ٤١ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١١.

(٣) الوسائل ٤ : ١٢٥ / أبواب المواقيت ب ٤.

٢٣٦

بالصلاة المشروطة بالطهور امتثالاً جزمياً لاستلزامه المخالفة القطعية فالعقل يستقل بالتنزل إلى الامتثال الاحتمالي وإلغاء استصحاب عدم الوضوء بالماء المباح أو عدم التيمّم بالتراب المباح.

وذلك لدوران الأمر بين المحذورين ، لأنّ المكلف حيث يتمكّن من الطهور بالمباح يتنجز في حقّه الأمر بالصلاة مع الماء أو التراب ، وبما أنّه متمكّن من امتثال النهي عن الغصب يتنجز في حقّه تحريم الغصب. والأوّل يقتضي الوضوء أو التيمّم بكلا الطرفين تحصيلاً للعلم بالفراغ ، والثّاني يقتضي التجنّب عن كليهما تحصيلاً للعلم بامتثال النهي عن الغصب ، وحيث إنّ كلاًّ من الطرفين يحتمل فيه الوجوب والحرمة ولا يمكن الاحتياط فهو من دوران الأمر بين المحذورين والوظيفة حينئذ لدى العقل هي التخيير والتنزل إلى الامتثال الاحتمالي ، فان مقتضى قاعدة الاشتغال هو وجوب الامتثال القطعي وحيث إنّه أمر غير ممكن في المقام يتنزل إلى الامتثال الاحتمالي كما قدّمناه ، هذا.

وقد يقال : إنّ المورد من موارد العلم الإجمالي ، لأنّ ذلك الطرف الّذي يتوضأ أو يتيمّم به إن كان مباحاً وجب عليه الإتيان بالصلاة في وقتها مع الماء أو التراب ، وإن كان مغصوباً وجب عليه القضاء خارج الوقت لكونه فاقد الطهورين حينئذ ، ومقتضى العلم الإجمالي لزوم الجمع بين الأمرين فلا بدّ من أن يتوضأ أو يتيمّم بواحد منهما ويصلِّي في الوقت ثمّ يقضي صلاته خارج الوقت مع الماء المباح أو التراب المباح.

ويدفعه : أنّ العلم الإجمالي إنّما يتنجز فيما إذا جرت الأُصول في أطرافه وتساقطت بالمعارضة ، وليس الأمر في المقام كذلك ، وذلك لأنّه في الوقت لا بدّ من الوضوء أو التيمّم بأحد الماءين أو الترابين أي الموافقة الاحتمالية بمقتضى قاعدة الاشتغال وأمّا القضاء فحيث نشك في موضوعه وهو الفوت فنرجع إلى البراءة عنه ، لأنّ القضاء بأمر جديد.

وعليه فالصحيح ما ذكرناه من تخيير المكلّف بين التيمّم بأحد الترابين أو الوضوء بأحد الماءين لأنّه من دوران الأمر بين المحذورين.

٢٣٧

[١١١١] مسألة ٣ : إذا كان عنده ماء وتراب وعلم بغصبية أحدهما لا يجوز الوضوء ولا التيمّم (*) ومع الانحصار يكون فاقد الطهورين (١).

______________________________________________________

العلم الإجمالي بغصبية الماء أو التراب‌

(١) ظهر حكم هذه المسألة ممّا بيّناه في المسألة المتقدمة ، وتفصيله : أنّه إذا علم بغصبية ما عنده من الماء أو التراب لم يجز له التصرف في شي‌ء منهما إذا كان عنده ماء أو تراب آخر ، للعلم الإجمالي بحرمة التصرف في أحدهما.

وأمّا إذا انحصر الماء أو التراب بهما فقد ذكر الماتن أنّ المكلّف يكون فاقد الطهورين حينئذ.

إلاّ أنّ الصحيح أن يقال : إنّ التراب الواقع طرفاً للعلم الإجمالي بالغصبية إمّا أن لا يكون له أثر آخر غير جواز التيمّم به ، لأنّه في مكان مرتفع أو منخفض مثلاً لا يجوز السجود عليه ، أو أنّ المالك لا يرضى إلاّ بالتيمّم به. أو يكون له أثر آخر غير جواز التيمّم به كجواز السجود عليه.

أمّا إذا لم يكن له أثر آخر فالعلم الإجمالي بالغصبية لا يكون منجزاً ، لجريان أصالة الحل في الماء من دون معارض ، لأنّ جريانها في التراب متوقف على عدم جريانها في الماء ، حيث إنّها لو جرت في الماء لم تصل النوبة إلى جواز التيمّم بالتراب لأنّ المكلّف واجد للماء حينئذ ولعله ظاهر.

وأمّا إذا كان له أثر آخر كما مرّ فالعلم الإجمالي منجز والأصل في طرفيه متعارض ، وليس له التصرف فيهما لاستلزامه المخالفة القطعية لحرمة الغصب ، إذن لا تمكنه الموافقة القطعية بأن يتوضأ بالماء ويتيمّم بالتراب حتّى يقطع بطهارته الصحيحة ، لأنّها كما عرفت مستلزمة للمخالفة القطعية. إذن لا بدّ له من أن يكتفي‌

__________________

(*) لا يبعد وجوب الوضوء لأنّه من دوران الأمر بين المحذورين في كل من الوضوء والتيمّم فيحكم بالتخيير ، وإذا جاز الوضوء لم ينتقل الأمر إلى التيمّم.

٢٣٨

وأمّا لو علم نجاسة أحدهما (١)

______________________________________________________

بالامتثال الاحتمالي ، لقدرته على الإتيان بالطّهارة الصحيحة إلاّ أنّه لا يميّز أنّها الوضوء بالماء أو التيمّم بالتراب ، فالتكليف بالصلاة مع الطّهارة منجز في حقّه وهو يقتضي الامتثال اليقيني ، إلاّ أنّه لمّا لم يكن ممكناً له فيتنزل العقل إلى الامتثال الاحتمالي لأنّه الّذي يتمكّن المكلّف منه وحسب.

إذن يتخير بين الوضوء بالماء أو التيمّم بالتراب كما في المسألة السابقة ، لدوران الأمر بين المحذورين في كل منهما ، لأنّ الماء إن كان مباحاً فالوضوء واجب وإن كان مغصوباً فهو حرام ، وهكذا الحال في التراب فالمكلف مخير بينهما.

إلاّ أنّ في المقام خصوصية زائدة على المسألة السابقة وهي أنّ التيمّم في مرتبة متأخرة عن الوضوء ، فإذا تخيّر المكلّف بين الوضوء والتيمّم وجاز له الوضوء لم يجز في حقّه التيمّم لأنّه واجد الماء ، وهذا بخلاف المسألة السابقة أي العلم بغصبية أحد الماءين أو أحد الترابين.

إذا علم بنجاسة أحدهما‌

(١) ذكر قدس‌سره أنّه مع الانحصار يجب الجمع بين الوضوء والتيمّم. وما أفاده هو الصحيح ، للعلم الإجمالي بنجاسة الماء أو التراب والعلم الإجمالي بوجوب الوضوء أو التيمّم ، وحيث إنّ للتراب أثراً آخر غير جواز التيمّم به فأصالة الطّهارة في كل من الماء والتراب معارضة بمثلها ، ومقتضى ذلك وجوب الجمع بين الوضوء والتيمّم.

إلاّ أنّه لا بدّ من تقديم التيمّم على الوضوء بالماء بناءً على ما سيجي‌ء من ذهاب جمع إلى اعتبار طهارة الكفين والوجه في التيمّم ، وذلك لأنّه لو قدم الوضوء لعلم ببطلان تيممه على كل حال ، لأنّه إن كان الماء هو النجس فوضوءه باطل ، وهو مأمور بالتيمّم والتراب طاهر إلاّ أن تيممه باطل لتنجس أعضائه. وإن كان الماء‌

٢٣٩

أو كون أحدهما مضافاً (١) يجب عليه مع الانحصار الجمع بين الوضوء والتيمّم (*) وصحّت صلاته.

[١١١٢] مسألة ٤ : التراب المشكوك كونه نجساً يجوز التيمّم به (٢) إلاّ مع كون حالته السابقة النجاسة (٣).

______________________________________________________

طاهراً فهو مكلّف بالوضوء دون التيمّم ، على أنّ التراب نجس.

وعلى كلا التقديرين يقطع ببطلان تيممه ، فلا بدّ من أن يقدم التيمّم ويذهب أثر التراب كلّه من وجهه ويديه ثمّ يتوضأ فيقطع بكونه على طهور حينئذ ، إمّا بالتراب إن كان هو الطاهر ، وإمّا بالماء إن كان الطاهر هو الماء. ولا يضرّه العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما ، لأن ملاقي أطراف الشبهة غير محكوم بالنجاسة فتصح صلاته.

إذا علم بمضافية أحدهما‌

(١) كما إذا علم بأنّه إمّا أن يكون الماء ماء رمان أو أنّ التراب تراب حنطة مثلاً فلا بدّ من الجمع بين الوضوء والتيمّم ، بلا فرق في ذلك بين أن يكون للتراب أثر آخر غير جواز التيمّم به أم لم يكن.

وهذا بخلاف صورة العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما ، لأنّه مع عدم كون التراب ذا أثر آخر غير جواز التيمّم لا يكون العلم الإجمالي منجزاً ، لجريان أصالة الطّهارة في الماء من غير معارض.

وهذا بخلاف صورة العلم الإجمالي بالإضافة ، إذ ليس هناك أي أصل ينفي إضافة الماء أو التراب ، فالعلم الإجمالي حينئذ منجز على كل حال.

(٢) لأصالة الطّهارة أو لاستصحابها.

(٣) أو كان مشكوكاً حتّى من جهة الحالة السابقة إلاّ أن أصالة الطّهارة لم تجر فيه‌

__________________

(*) مع تقديم التيمّم في فرض العلم بالنجاسة بناءً على اعتبار طهارة البدن في صحّته.

٢٤٠