موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وإن كان حجر الجص والنورة قبل الإحراق. وأمّا بعده فلا يجوز على الأقوى (*) كما أنّ الأقوى عدم الجواز بالطين المطبوخ كالخزف والآجر وإن كان مسحوقاً مثل التراب (١).

______________________________________________________

ومنها : موثقة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قلت له : رجل أمّ قوماً وهو جنب وقد تيمّم وهم على طهور ، قال : لا بأس ، فإذا تيمّم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت ، فان فاته الماء فلن تفوته الأرض » (١).

ومنها : موثقته الأُخرى المروية في الوسائل بعد موثقته المتقدمة (٢).

وهي تدلّنا على أنّ المطهر عند فقدان الماء مطلق وجه الأرض لا أنّه خصوص التراب حتّى يكون المكلّف عند عدم تمكّنه من التراب فاقد الطهورين ، ومع ذلك ينبغي مراعاة الاحتياط واختيار التراب للتيمم به.

هذا تمام الكلام في عدم اختصاص التيمّم بالتراب وجوازه بمطلق وجه الأرض حتّى مع الاختيار.

التسوية بين الطين المطبوخ وغيره‌

(١) لا فرق في جواز التيمّم على حجر الجص والنورة والطين بين قبل الإحراق والطبخ وبعدهما ، وذلك لأنّها من أجزاء الأرض ، وقد قدّمنا أنّ الصحيح جواز التيمّم بمطلق وجه الأرض ، ومن المعلوم أنّ الطبخ لا يخرج الشي‌ء عن حقيقته ولا يقتضي‌

__________________

(*) بل على الأحوط ، ومثله التيمّم على الطين المطبوخ والعقيق ، وعليه فالأحوط الجمع بين التيمّم بالغبار والتيمّم بأحد هذه الأُمور عند عدم التمكّن من التيمّم بالتراب وغيره من المذكورات.

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٤ / أبواب التيمّم ب ٢٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٨٥ / أبواب التيمّم ب ٢٢ ح ٤.

٢٠١

تبدله واستحالته ، وهذا كما في اللحم حيث إنّ المشوي منه الكباب وغيره لحم أيضاً ولا يخرج بطبخه عن كونه لحماً ، وليس هذا مثل إحراق الشجر وجعله رماداً لأنّه حقيقة أُخرى غير حقيقة الشجرية ، هذا.

وقد يستدل على جواز التيمّم بحجر الجص والنورة قبل الطبخ وبعده برواية السكوني المتقدمة في التعليقة السابقة (١) المصرحة بجواز التيمّم بالجص والنورة ، وقد تقدّم أنّ ظاهرها هو الجص والنورة بعد طبخهما.

ويدفعه : أنّ الرواية ضعيفة السند من جهتين وقد تقدّمتا ولا يمكن الاعتماد عليها أبداً.

ويستدل اخرى بالاستصحاب الموضوعي بتقريب : أنّ الجص والنورة لا إشكال في كونهما من الأجزاء الأرضية قبل

إحراقهما وطبخهما ، فلو شككنا في بقائهما على الحقيقة الأرضية المعلومة سابقاً وخروجهما عن الأرضية بالإحراق فمقتضى الاستصحاب لزوم الحكم ببقائهما على أرضيتهما وعدم خروجهما عن كونهما أرضاً بالطبخ.

ويرد عليه : أنّ الشبهة حينئذ مفهومية ، لأنّ الشك في سعة مفهوم الأرض وضيقه وليست الشبهات المفهومية مورداً للاستصحاب الموضوعي ولا الحكمي.

أمّا الاستصحاب الموضوعي فلأن الاستصحاب متقوم باليقين السابق والشك اللاّحق ، ولا يقين ولا شك كذلك في مورد الشبهة المفهومية ، مثلاً في المقام كون الجص أو النورة غير محترق ولا مطبوخ سابقاً معلوم لنا بالوجدان ، وصيرورتهما مطبوخين معلوم لنا بالوجدان أيضاً.

وليس لنا شك في شي‌ء ، إذ لم ينقلب فيهما شي‌ء موجود معدوماً ولا انعدم عنهما شي‌ء موجود غير الطبخ المقطوع سابقاً ولاحقاً ، ومعه لا معنى لإجراء الاستصحاب في مثلهما. وإنّما شكنا في صدق اسم الأرض عليهما وأنّ مفهومه موسع يشملهما بعد‌

__________________

(١) في ص ١٩٨.

٢٠٢

الطبخ أو مضيق لا يشملهما بعد الطبخ. وبعبارة اخرى : الشك في المفهوم الوضعي ولا سبيل للاستصحاب في تعينه.

وأمّا الاستصحاب الحكمي فعدم جريانه في موارد الشبهة المفهومية لا لما قد يقال من أن جواز التيمّم بهما بعد طبخهما تكليفاً ممّا لا شبهة فيه لعدم حرمة التيمّم شرعاً بهما ، وأمّا من حيث الوضع والحكم بترتب الطّهارة على التيمّم بهما فهو وإن كان مشكوكاً فيه إلاّ أنّه من الاستصحاب التعليقي الّذي لا نقول بجريانه ، وذلك لأن مرجعه إلى أنّ المكلّف لو كان قد تيمّم بهما قبل طبخهما لكانت الطّهارة تترتب عليه والآن كما كان ، وذلك لأن الطّهارة ليست مترتبة على الوضوء أو التيمّم وإنّما هي نفس الوضوء والغسل والتيمّم. ثمّ إنّ الطهور إنّما ترتب على ذات الأرض كما أنّه ترتب على ذات الماء على ما دلّت عليه الآية والأخبار وليس هذا صفة للتيمم لأنّه طهارة لا أنّه طهور.

إذن لا مانع من استصحاب بقاء الجص والنورة على صفتهما الثابتة عليهما قبل طبخهما ، لأنّهما كانا من الأرض وطهوراً قبل طبخهما قطعاً فلو شككنا في زوال تلك الصفة عنهما بالطبخ وعدمه نستصحب بقاءهما على الطهورية.

بل عدم جريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية من جهة أنّ الشك في بقاء الموضوع مانع عن جريان الاستصحاب الحكمي لا محالة ، وفي المقام المفروض أنّ الجص لا ندري هل هو أرض كي يكون طهوراً أو أنّه خرج عن كونه أرضاً لئلاّ يكون طهوراً ، ومعه لا يبقى مجال للاستصحاب الحكمي بوجه فلا بدّ من الرجوع إلى سائر الأُصول الموجودة في المقام.

وهل الأصل الجاري حينئذ هو البراءة أو الاشتغال؟ يختلف هذا باختلاف المسالك.

فإذا قلنا بأنّ الطّهارة أمر بسيط ويترتب على الغسل أو الوضوء أو التيمّم لا بدّ من التمسّك بقاعدة الاشتغال ، لأنّ الشك في محصل المأمور به البسيط.

٢٠٣

وإذا قلنا بأنّ الطّهارة هي عين الوضوء وأخويه الّذي هو الصحيح فالأصل الجاري هو البراءة ، لأنّ الأمر بالتيمّم بجامع الجص المطبوخ وغير المطبوخ مثلاً معلوم لا شك معه ، والشك في توجه التكليف الزائد عن الجامع وهو عدم كونه مطبوخاً وحيث إنّ الشك دائر بين الإطلاق والتقييد فيدفع احتمال التقييد بالبراءة على ما هو المقرر عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر.

هذا كلّه فيما لو انتهت النوبة إلى الأصل العملي لأجل الشك ، لكنّا أشرنا إلى أنّ المسألة ليست مشكوكة ، لأنّ الطبخ لا يخرج الشي‌ء عن حقيقته جزماً ، فالجص قبل الطبخ من الأرض وكذا بعد طبخه من الأرض ، وهكذا الأمر في النورة والطين المطبوخ خزفاً أو آجراً ، ودعوى القطع بذلك غير مجازَف بها قطعاً.

ويدلُّ على ما ذكرنا أمران :

أحدهما : صحيحة الحسن بن محبوب عن أبي الحسن عليه‌السلام أنّه سأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثمّ يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليه بخطه : « إنّ الماء والنار قد طهّراه » (١).

لأنّها تدلّنا على أنّ الجص لا يخرج عن كونه أرضاً وممّا يصح السجود عليه بطبخه وإنّما سأله عن حكمه من جهة تنجسه بالنجاسة العرضية حيث يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ، وأجابه عليه‌السلام بأنّه قد طهّره الماء والنار وارتفعت نجاسته العرضية.

وبعبارة اخرى : جهة السؤال عن جواز السجدة عليه بعد طبخه بالعذرة ونحوها ليست هي خروجه عن كونه أرضاً بالطبخ ، بل كان السائل بحسب الارتكاز عالماً بأنّه باقٍ على أرضيته ولم يخرج بطبخه عن كونه أرضاً إلاّ أنّه سأله عن جواز السجدة عليه من جهة تنجسه ، وقد قرّره الإمام عليه‌السلام على هذا الارتكاز ولم‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٥٢٧ / أبواب النجاسات ب ٨١ ح ١.

٢٠٤

ولا يجوز على المعادن كالملح والزرنيخ والذهب والفضّة والعقيق ونحوها ممّا خرج عن اسم الأرض (١)

______________________________________________________

يقل له إنّ الجص خرج عن حقيقة الأرضية بطبخه ، بل أقره وأمضاه وبيّن له أنّ نجاسته ترتفع بالماء والنار ، فإذا جاز السجود على الجص بعد طبخه جاز التيمّم عليه أيضاً بعد طبخه كما يأتي بيانه.

وثانيهما : أنّ الجص أو الطين المتنجسين لا يجوز السجود عليهما بعد طبخهما حتّى عند القائلين بجواز التيمّم عليهما بعد طبخهما ، مع أن لازم كون الطبخ موجباً للتبدل في الحقيقة والاستحالة هو الحكم بطهارتهما بعد الطبخ وجواز السجود عليهما ، لأنّ الاستحالة من المطهّرات. وهذا أقوى دليل على أنّ الطبخ لا يخرج الشي‌ء عن حقيقته ولا يوجب التبدّل في الأشياء كما بيّناه في مثال اللحم.

إذن يجوز السجود على المذكورات قبل طبخها وكذلك يجوز بعده ، وإذا جاز السجود عليها جاز التيمّم عليها. وهذا الحكم لا للملازمة بين الأمرين حتّى يشكل بأن السجدة تجوز على النبات مع أنّه لا يجوز التيمّم عليه ، بل لأجل أن جواز السجدة عليها بعد الطبخ يكشف عن بقائها على كونها أرضاً ، فإذا كانت أرضاً جاز التيمّم عليها كما مرّ.

عدم جواز التيمّم على ما خرج عن عنوان الأرض‌

(١) لا إشكال في كبرى ما أفاده قدس‌سره أي عدم جواز التيمّم بما هو خارج عن اسم الأرض وإن كان متكوّناً فيها ، لما تقدّم من أنّ التيمّم لا بدّ من وقوعه على الأجزاء الأرضية.

وإنّما الكلام في بعض الموارد الّتي ذكرها قدس‌سره فإنّ الذهب والفضّة وأمثالهما وإن كان خارجاً عن الأجزاء الأرضية ، ولا يصدق عليها عنوان الحجر أو غيره من‌

٢٠٥

الأجزاء الأرضية إلاّ أن مثل العقيق والفيروزج وغيرهما ليس كذلك ، لأنّ المعدن وإن كان يصدق عليها من دون ريب فيقال : معدن الفيروزج أو معدن الملح أو غيرهما إلاّ أنّ المعدن لم يترتب عليه الحكم بعدم جواز التيمّم أو السجود عليه في شي‌ء من الأدلّة ، بل الحكم مترتب على الأرض وأجزائها.

والظاهر أنّ العقيق والفيروزج وغيرهما من الأحجار الكريمة من الأرض ، وهي قسم من الأحجار الأرضية غالية القيمة إمّا لكونها ذات ألوان معينة ، أو لكونها ذوات دوام واستحكام ، أو لأمر آخر لم نفهمه لحد الآن ولم نفهم لماذا كانت قيمة الفيروزج أغلى من غيره ممّا هو بلون الفيروزج أو بغيره من الألوان. وعلى كل فهي من الأحجار ومن الأجزاء الأرضية.

وقد قيل : إنّ بعض الأراضي أرض عقيق بمعنى أنّ الأحجار الصغار فيها حجر العقيق ، أشبه بأرض النجف حيث إنّها ذات درّ فإنّه يوجد فيها أحجار هي درّ.

وكيف كان ، فالظاهر أنّ العقيق والفيروزج ونظائرهما من الأحجار والأجزاء الأرضية ، ولا مانع من التيمّم أو السجود عليها.

ولو شككنا في صدق الأرض عليها فان بنينا على أنّ الطّهارة المأمور بها أمر بسيط يحققها الوضوء والغسل والتيمّم فلا بدّ من الرجوع إلى أصالة الاشتغال ، للعلم بالمأمور به والشك في محصّله.

وإن بنينا على ما هو الصحيح من أنّ الطّهارة اسم لنفس الأفعال من الوضوء وأخويه فلا بدّ من الرجوع إلى أصل البراءة ، لأنّ الأمر بالتيمّم بجامع العقيق وغيره ممّا هو معلوم الأرضية معلوم ، ونشك في اعتبار الزائد عليه وهو عدم كونه عقيقاً أو فيروزجاً مثلاً ، فهو من دوران الأمر بين الإطلاق والتقييد أي بين الأقل والأكثر وهو مجرى أصل البراءة فندفع به التقييد المحتمل.

ومن هنا يظهر أنّ الحكم بعدم التيمّم على مثل العقيق والفيروزج مبني على الاحتياط.

٢٠٦

ومع فقد ما ذكر من وجه الأرض يتيمّم بغبار الثوب أو اللِّبد أو عُرف الدابة ونحوها ممّا فيه غبار (١) إن لم يمكن جمعه تراباً بالنفض ، وإلاّ وجب ودخل في القسم الأوّل (٢) والأحوط اختيار ما غباره أكثر (٣)

______________________________________________________

جواز التيمّم بالغبار‌

(١) للأخبار الدالّة على ذلك وهي معتبرة ، وإليك بعضها :

صحيحة زرارة قال « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أرأيت المواقف وهو المحارب مع عدوه إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال عليه‌السلام : يتيمّم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته فان فيها غباراً ويصلِّي » (١).

وصحيحة رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه ، فانّ ذلك توسيع من الله عزّ وجلّ. قال : فان كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شي‌ء مغبر ... » (٢) وغيرهما من الأخبار المعتبرة.

(٢) لأنّه متمكّن من التيمّم بالتراب ، حيث إنّ الغبار هو الأجزاء الصغار الّتي لو جمعت لكانت تراباً ، وهو كالبخار الّذي هو غير الماء لكنّه لو جمع في مكان صار ماءً ومع التمكّن من التراب لا يجوز التيمّم بالغبار.

(٣) وهو احتياط في محلِّه لكنّه ليس بواجب ، وذلك لأن ما غباره أكثر قد تكون كثرته بمقدار يصدق عليه التراب ولا إشكال في أنّه متمكّن من التراب حينئذ ولا بدّ من أن يتيمّم به ، وقد لا يبلغ تلك المرتبة إلاّ أن غبار أحدهما أكثر من غيره ولا دليل على تقديم ما غباره أكثر ، لأنّ مقتضى الأخبار عدم الفرق بين ما يكون غباره أقل وما يكون الغبار فيه أكثر ، لدلالتها على لزوم التيمّم بما فيه الغبار كان غباره أكثر من غيره أم لم يكن.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٣ / أبواب التيمّم ب ٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٥٤ / أبواب التيمّم ب ٩ ح ٤.

٢٠٧

ومع فقد الغبار يتيمّم بالطين إن لم يمكن تجفيفه (١) وإلاّ وجب ودخل في القسم الأوّل ، فما يتيمّم به له مراتب ثلاث : الأُولى : الأرض مطلقاً غير المعادن. الثّانية : الغبار. الثّالثة : الطين.

______________________________________________________

جواز التيمّم بالطين‌

(١) للنصوص المعتبرة الدالّة على ذلك مثل صحيحة رفاعة المتقدمة حيث ورد في ذيلها : « وإن كان في حال لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمّم منه ». وصحيحتي زرارة « وإن كان في حال لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمّم منه. إذا كنت في حال ... » (١) وغيرها ، وهذا ممّا لا إشكال فيه.

وإنّما الكلام في أنّ الطين في طول الغبار أو أنّه في عرضه.

قد يقال بأنّهما في عرض واحد استناداً إلى ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال « قلت : رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع؟ قال : يتيمّم فإنّه الصعيد ، قلت : فإنّه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء ، قال : إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوات الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللّبد أو البرذعة ويتيمّم ويصلِّي » (٢).

نظراً إلى أنّه عليه‌السلام جوّز التيمّم بالطين إذا قدر على النزول وإلاّ فبالغبار فلا تقدم للغبار على الطين.

وفيه : أنّ الرواية ضعيفة السند بأحمد بن هلال ، وقد وردت طعون كثيرة فيه. مع أنّ الأخبار الدالّة على أنّه يتيمّم بالغبار أوّلاً وإلاّ فبالطين كثيرة معتبرة ، وهي ممّا اشتهر بين الأصحاب ، والرواية من الشاذ الّذي لا يعبأ به في قبال الأخبار المشهورة هذا.

على أنّها بحسب الدلالة قابلة للمناقشة أيضاً ، لاحتمال أنّها تبين حكم شخصين‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٣ / أبواب التيمم ب ٩ ح ٢ ، ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٥٤ / أبواب التيمّم ب ٩ ح ٥.

٢٠٨

بأن يسأل عن شخص دخل الأجمة ولا يقدر إلاّ على الطين ثمّ يسأله عن حكم من دخلها وهو متمكّن من الغبار للتيمم ، وأحد الحكمين لمن دخل الأجمة وليس عنده إلاّ الطين وحكمه التيمّم به ، وثانيهما لمن دخل الأجمة وهو متمكّن من التيمّم بالغبار وحكمه أن يتيمّم بالغبار ، وليس هذا حكم شخص واحد دخل الأجمة لتتوهم دلالة الرواية على عدم تقديم التيمّم بالغبار على التيمّم بالطين.

والمتحصل : أنّ المكلف الفاقد للماء يجب عليه أن يتيمّم بالتراب أو بغيره من الأجزاء الأرضية ، فان لم يتمكّن منها يتيمّم بالغبار الّذي هو ليس بتراب بل هو أجزاء صغار منه ، فان لم يتمكّن منه يتيمّم بالطين. هذا كلّه بحسب التعبّد والنصوص ولولاها لقدمنا الطين على الغبار لأنّه صعيد كما مرّ في بعض الأخبار (١) بخلاف الغبار فإنّه ليس بتراب.

بل لولاها لقلنا بجواز التيمّم به حتّى مع التمكّن من التراب لكونه صعيداً ، ولا فرق بينهما إلاّ بالرطوبة والجفاف ، وليس ذلك بفارق بمقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ التراب والأرض طهور ، اللهمّ إلاّ بناءً على اعتبار العلوق في التيمّم فلا يجوز التيمّم بالطين مع التمكّن من التراب ، إذ لا علوق في الطين لأنّه لا يعلق أثره باليد عند ضربها عليه الّذي هو معنى العلوق بل يتعلق هو بنفسه على اليد لا أثره وعلوقه.

وقد تحصل إلى هنا : أنّ المكلّف مع تمكّنه من الأرض يتيمّم بها ولو كانت رطبة يختار أجف موضع فيتيمم به ، وإلاّ فيتيمم بالغبار ، وإلاّ فبالطين لو أمكن.

إذا لم يوجد غبار ولا طين‌

وأمّا إذا لم يوجد الطين فماذا يصنع المكلّف؟ هل يكون فاقد الطهورين أو أنّه يتيمّم بالثلج إن كان؟ يقع الكلام في ذلك في مقامين :

المقام الأوّل : إذا لم يتمكّن المكلّف من الماء هل يجب أن يتوضأ أو يغتسل بالثلج‌

__________________

(١) كالرواية المتقدمة.

٢٠٩

إذا تمكّن منه أو لا يجب بل ينتقل أمره إلى التيمّم؟ والمراد بالثلج هو الماء المنجمد في الهواء المعبر عنه في الفارسية ( برف وتگرگ ) لا الثلوج المتكوّنة على الأرض.

المقام الثّاني : بعد البناء على عدم وجوب الوضوء أو الغسل بالثلج وانتقال الأمر إلى التيمّم هل يصح التيمّم بالثلج أو لا بدّ في صحّته من وقوعه على الأرض؟

أمّا المقام الأوّل : فقد يقال بوجوب التوضي أو الاغتسال بالثلوج فيما إذا لم يتمكّن من الماء. ويستدل عليه بجملة من الأخبار :

منها : ما رواه محمّد بن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلاّ الثلج ، قال : يغتسل بالثلج أو ماء النهر » (١).

ويتوجه على الاستدلال بها أنّها ضعيفة السند ، لوقوع علي بن إسماعيل في سلسلة السند لأنّه السندي أو السري وهو غير موثق ، نعم وثقه ابن الصباح الكناني (٢) إلاّ أنّه غير موثق أيضاً فلا يمكن الاعتماد على توثيقه.

على أنّها قابلة للمناقشة من حيث الدلالة أيضاً ، لأن مفروض كلام السائل أنّه ليس عند المكلّف إلاّ الثلج وقال عليه‌السلام في جوابه : إنّه « يغتسل بالثلج أو ماء النهر » فمنه يظهر أنّ الماء كان موجوداً في مفروض الكلام لكنّه كان بارداً كالثلج.

فلعلّ المراد به أنّه إمّا أن يغتسل بالثلج أو بماء النهر وكلاهما على حد سواء ، بمعنى أنّه يذيب الثلج فيغتسل أو أنّه يغتسل بماء النهر ، لا أنّه يدلك بدنه بالثلج ، لأنّه عبّر بالاغتسال الّذي لا يصدق على الدلك ، إذ قد أُخذ في الاغتسال جريان الماء على المغسول ، فكأنه عليه‌السلام قال : إمّا أن يذيب الثلج فيغتسل أو يدخل النهر ويغتسل من مائه وإن كان بارداً. فهي أجنبية عما نحن بصدده من الاستدلال على وجوب الغسل أو الوضوء بالثلج عند عدم التمكّن من الماء.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٦ / أبواب التيمّم به ١٠ ح ١.

(٢) بل وثقه نصر بن الصباح ولقّبه بالسندي ، وناقش في كلا الأمرين السيِّد الأُستاذ ( دام بقاؤه ) راجع معجم رجال الحديث ١٢ : ٣٠٢ ترجمة علي بن إسماعيل السندي.

٢١٠

ومنها : ما عن معاوية بن شريح قال : « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده فقال : يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ ولا نجد إلاّ ماءً جامداً فكيف أتوضأ؟ أدلك به جلدي؟ قال : نعم » (١).

وهي من حيث الدلالة ظاهرة ، إلاّ أنّها ضعيفة السند لوجود معاوية بن شريح فيه وهو ضعيف ، والظاهر اتحاده مع معاوية بن ميسرة وإن ذهب الأردبيلي إلى تعدّدهما (٢) وعلى كلٍّ سواء اتّحد أم تعدد لم تثبت وثاقتهما.

ومنها : ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجاً وصعيداً أيّهما أفضل؟ أيتيمّم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال : الثلج إذا بلّ رأسه وجسده أفضل ، فان لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم » (٣).

وهي ضعيفة السند لوجود محمّد بن أحمد العلوي فيه وهو غير موثق في الرجال على أن مدلولها خارج عن محل الكلام ، لأنّه عليه‌السلام أجاب بأنّ الثلج إذا بلّ رأسه فهو أفضل ، وذلك لأن بل الجسد هو أدنى مراتب الاغتسال ، فإذا تمكّن المكلّف منه بوجه ولو بحرارة بدنه فهو متمكّن من الوضوء والاغتسال بالماء لا أنّه اغتسال أو وضوء بالثلج.

ومنها : رواية ثانية لعلي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل تصيبه الجنابة فلا يقدر على الماء فيصيبه المطر هل يجزئه ذلك أم يتيمّم؟ قال : إن غسله أجزأه وإلاّ عليه التيمّم ، قال قلت : أيّهما أفضل؟ أيتيمّم أم يمسح بالثلج‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٧ / أبواب التيمّم ب ١٠ ح ٢.

(٢) جامع الرواة ٢ : ٢٣٨ / ١٧٣٤.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٥٧ / أبواب التيمّم ب ١٠ ح ٣ ، واستظهر السيِّد الأُستاذ في المعجم حسن الرجل ، مضافاً إلى كونه مذكوراً في أسناد التفسير. راجع ج ١٦ : ٥٩ من الكتاب ترجمة محمّد بن أحمد العلوي.

٢١١

وجهه وجسده ورأسه؟ قال : الثلج إن بل رأسه وجسده أفضل ... » (١) وهي من حيث الدلالة عين سابقتها ، ومن حيث السند ضعيفة لأن في سندها عبد الله بن الحسن وهو غير موثق.

فالمتحصل : أنّ الأخبار المستدل بها على وجوب الوضوء أو الاغتسال بالثلج بمعنى الدلك به كلّها ضعيفة السند وقابلة للمناقشة في دلالة أكثرها.

وأمّا المقام الثّاني : فمقتضى القاعدة المستفادة من الكتاب والسنّة عدم جواز التيمّم بالثلج ، لأنّ الطهور منحصر بالماء والتراب بمعنى الأرض وليس الثلج من الأرض ولا أنّه ماء.

لكن قد يقال بجواز التيمّم عليه. ويستدل عليه بصحيحة محمّد بن مسلم أو حسنته بإبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألت عن رجل أجنب في سفر ولم يجد إلاّ الثلج أو ماءً جامداً ، فقال : هو بمنزلة الضرورة يتيمّم » (٢).

وفيه : أنّ الرواية تدل على أنّ المكلّف في مفروض السؤال فاقد للماء ويجوز له أن يتيمّم ، وليست فيها أية دلالة على أنّه يتيمّم بالثلج أو الماء الجامد بل يتيمّم بما يتيمّم به شرعاً. وقوله : « ولم يجد إلاّ الثلج أو ماء جامداً » ليس بمعنى أنّه لا يجد ما يتيمّم به أيضاً ، بل لم يجد ما يتوضأ أو يغتسل به. فلا دلالة في الصحيحة على ذلك المدّعى.

وروى صاحب الوسائل في الباب الثّامن والعشرين من أبواب التيمّم رواية عن المقنع للصدوق قال في المقنع ـ : وروى : « إن أجنبت في أرضٍ فلم تجد إلاّ ماءً جامداً ولم تخلص إلى الصعيد فصلّى بالتمسح ثمّ لا تعد إلى الأرض الّتي توبق فيها دينك » (٣).

وذكر المعلِّق في الهامش : قلت : رواه البرقي أيضاً في المحاسن في [ ٢ : ١٢٢ / ١٣٣٧ ]

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٧ / أبواب التيمّم ب ١٠ ح ٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٥٥ / أبواب التيمّم ب ٩ ح ٩.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٩١ / أبواب التيمّم ب ٢٨ ح ٣ ، المقنع : ٤٣.

٢١٢

عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن عبيد الله بن علي الحلبي نحوه.

وهذا السند كما ترى صحيح ، وهو يوهم وجود رواية صحيحة تدل على لزوم التمسح بالماء الجامد فيما إذا لم يجد المكلّف سوى الماء الجامد ولم يخلص إلى الصعيد فلا بدّ من اتباعها وإن كانت رواية المقنع مرسلة.

إلاّ أنّ الأمر ليس كما توهِمه التعليقة ، إذ لم توجد رواية أُخرى دالّة على لزوم التمسح بالماء الجامد ، وإنّما الرواية هي ما قدّمناه من الصحيحة أو الحسنة عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألت عن رجل أجنب في سفر ولم يجد إلاّ الثلج أو ماءً جامداً ، فقال : هو بمنزلة الضرورة يتيمّم ، ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض الّتي توبق فيها دينك ». فإنّ البرقي روى هذه الرواية في المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله فراجع الباب التاسع من أبواب التيمّم من الوسائل ، والاشتباه من المعلّق.

كذا أفاده أوّلاً ، ثمّ ذكر ( دام ظلّه ) أنّه عند المراجعة إلى المحاسن ظهر أنّ الاشتباه من صاحب الوسائل دون المعلّق ، لأن صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة الّتي ذكر بعدها صاحب الوسائل أنّ البرقي روى مثله بالسند السابق لا يتطابق مع ما هو الموجود في المحاسن إلاّ في النهي عن العود إلى هذه الأرض الّتي توبق دينه ، فقول صاحب الوسائل : روى في المحاسن مثله ، اشتباه ، بل رواية المحاسن مثل رواية المقنع مع اختلاف يسير بينهما في الألفاظ على ما أشار إليه المعلّق. إذن فهي صحيحة السند ولا يمكن المناقشة في سندها.

إلاّ أنّ دلالتها تبقى قابلة للمناقشة ، وذلك لأنّ قوله : « فصلّ بالمسح » لا ( فصلّى بالمسح ) كما في المقنع لا دلالة له على إرادة التوضي أو الاغتسال بالماء الجامد تمسحاً كما لا دلالة له على إرادة التيمّم بالماء الجامد ، لأنّ ذلك وإن كان قد يستفاد منه إرادة التوضي أو الاغتسال بالماء الجامد تمسحاً بحسب الميزان البحثي إلاّ أنّه بحسب الرواية فلا ، لأنّ المراد به ولو بحسب الاحتمال هو التيمّم دون الوضوء أو الاغتسال ، حيث إنّ المأمور به على ما دلّت عليه الآية المباركة ينقسم إلى أقسام ثلاثة :

٢١٣

أحدها : غَسل محض وهو الغُسل بالضم.

ثانيها : ملفق من الغَسل والمسح وهو الوضوء.

ثالثها : مسح محض وهو التيمّم.

وإليه أشارت الآية المباركة قال عزّ من قائل ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (١) وهذا كما ترى ملفّق من الغسل والمسح. ثمّ قال ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) أي اغتسلوا على ما يستفاد من قوله تعالى في آية النهي عن قرب الصلاة سكراناً أو جنباً ( حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (٢) فظهر أنّ الغسل بالضم هو غسل محض. ثمّ قال تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) أي اقصدوا ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ) (٣) من دون لفظة « منه » فعلم منه أنّ التيمّم مسح محض.

والظاهر أنّ قوله عليه‌السلام في الرواية : « فصلّ بالمسح » إشارة إلى ذلك أي فصل بالتيمّم ، أو لا أقل أنّه محتمل.

ثمّ إنّه لم يبيّن أن ما يتيمّم به هو الماء الجامد بل أمر بالتيمّم وحسب ، فيكون المتيمم به موكولاً إلى بيان الشرع ، والمشروع حينما لم يجد المكلّف ماءً ولا صعيداً هو أن يتيمّم بغبار الثوب أو نحوه ، فلا دلالة في الرواية على هذا المدّعى ، فانّ الطهور منحصر بالماء والصعيد ، هذا.

ثمّ إنّا لو قلنا بتمامية الأخبار المتقدّمة فيه وتمّت دلالتها على أنّ المكلّف حينئذ يتوضأ أو يغتسل بالثلج لوقعت المعارضة بينها وبين هذه الرواية ، لدلالتها على وجوب التيمّم بالثلج حينئذ ، فإذا تساقطا لأجل المعارضة يرجع إلى الكتاب العزيز وهو قد دلّ على أنّ الطّهارة إنّما تحصل بالماء أو الصعيد ، فلا يسوغ التيمّم بالثلج.

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) النِّساء ٤ : ٤٣.

(٣) وهو ذيل الآية المباركة في سورة النِّساء.

٢١٤

ومع فقد الجميع يكون فاقد الطهورين والأقوى فيه سقوط الأداء (١)

______________________________________________________

وظيفة فاقد الطّهورين‌

(١) إذا بنينا في المسألة المتقدمة على عدم جواز الوضوء أو الاغتسال أو التيمّم بالثلج أو بنينا على جوازه إلاّ أنّ المكلّف لم يجد شيئاً يتوضأ أو يغتسل أو يتيمّم به فهو فاقد الطهورين. والمحتملات فيه أربعة :

الأوّل : أنّه مكلّف بالأداء فيصلّي من غير طهارة ، ويقضيها مع طهارة خارج الوقت.

الثّاني : أنّه مكلّف بالأداء ويصلِّي من دون طهارة ، ولا قضاء عليه.

الثّالث : أنّه غير مكلّف بالأداء لكن يجب عليه القضاء خارج الوقت.

الرّابع : أنّه غير مكلّف بالأداء ولا بالقضاء.

هذه محتملات المسألة ، ولعلّ لكل واحد منها قائلاً. ويقع الكلام في مقامين :

أحدهما : من حيث الأداء وأن فاقد الطهورين مكلّف أو ليس مكلّفاً بالأداء.

ثانيهما : من حيث القضاء وأنّه مكلّف به أو ليس مكلّفاً به.

المقام الأوّل : فالظاهر أنّ فاقد الطهورين غير مكلّف بالأداء ، لأنّ الصلاة حسبما دلّتنا عليه الروايات ثلاثة أثلاث : ثلث الطهور ، وأنّه لا صلاة إلاّ بطهور (١) فإذا لم يتمكّن المكلّف من الطهور سقط عنه الأمر بالصلاة لعدم قدرته عليها.

وأمّا ما هو المشتهر من أنّ الصلاة لا تسقط بحال فهو بهذا اللّفظ ليس مدلولاً لدليل إلاّ أنّ مضمونه ورد في بعض روايات المستحاضة ، فقد ورد عنهم عليهم‌السلام : « ولا تدع الصلاة على حال ، فإنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الصلاة عماد دينكم » (٢) وحيث إنّ الصلاة عماد الدين فلا يمكن تركها بحالٍ فهي واجبة في جميع‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

٢١٥

صور الاستحاضة من القليلة والمتوسطة والكثيرة.

وكيف كان ، فهو تام بحسب المضمون ، إلاّ أنّه لا يقتضي وجوب الأداء على فاقد الطهورين ، لأنّه دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال ، وهو لا يعقل أن يتكفّل لإثبات موضوعه ويدلُّ على أن ما أتى به فاقد الطهورين فهو صلاة. وبما أنّ ثلث الصلاة الطهور ولا صلاة إلاّ بطهور فيستكشف منه أن ما يأتي به فاقد الطهورين ليس صلاة لتجب عليه ولا تسقط عنه.

وممّا ذكرنا قد ظهر أنّ التمسّك في المقام بالمطلقات الدالّة على وجوب الصلاة كقوله تعالى ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) (١) وقوله عليه‌السلام : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلاّ أنّ هذه قبل هذه » (٢) وغيرهما من المطلقات ليس في محلِّه ، وذلك لعدم كون الصادر من فاقد الطهورين صلاة ليجب أداؤها ، بل هو غير متمكّن منها فيسقط وجوبها أداءً.

كما أنّه ظهر ممّا ذكرناه الحال والفرق بين ما ورد من أنّه « لا صلاة إلاّ بطهور » وبين ما ورد من أنّه « لا صلاة إلاّ إلى القبلة » (٣) و « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (٤) ونحوهما ، حيث لا تخرج الصلاة عن كونها صلاة بافتقادها الفاتحة أو القبلة وتسقط عن كونها صلاة عند عدم الطهور.

والوجه فيه ظاهر ، وهو الأدلّة الخارجية الدالّة على صحّة الصلاة الفاقدة للفاتحة أو القبلة ولو في بعض الموارد كالناسي ، كحديث « لا تعاد » (٥) وغيره ، فان ضُم ذلك إلى ما دلّ على أنّه « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » أو « ... إلى القبلة » كانت النتيجة أن اعتبار فاتحة الكتاب أو الاستقبال في الصلاة مختص بحالة التمكّن والاختيار ولا يعتبران في الصلاة عند النسيان أو الاضطرار ، وهذا بخلاف الطهور ، إذ لم يدلّنا دليل‌

__________________

(١) النِّساء ٤ : ١٠٣.

(٢) الوسائل ٤ : ١٣٠ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٢١ وغيره.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٩٧ / أبواب القبلة ب ٢ ، ١٠ ، ١١.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ وغيره.

(٥) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨ ، وغيرها من الموارد.

٢١٦

ووجوب القضاء وإن كان الأحوط الأداء أيضاً. وإذا وجد فاقد الطهورين ثلجاً أو جَمداً قال بعض العلماء بوجوب مسحه على أعضاء الوضوء أو الغسل وإن لم يجر ، ومع عدم إمكانه حكم بوجوب التيمّم بهما ، ومراعاة هذا القول أحوط فالأقوى لفاقد الطهورين كفاية القضاء والأحوط ضمّ الأداء أيضاً ، وأحوط من ذلك مع وجود الثلج المسح به أيضاً.

______________________________________________________

على أنّ الصلاة صحيحة من دون طهور.

إذن فمقتضى إطلاق قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلاّ بطهور » عدم الفرق بين الاختيار وعدمه والتمكّن وعدمه. وعليه لمّا كان فاقد الطهورين غير متمكّن من الصلاة مع الطهور فهي ساقطة في حقّه ولا يكلّف بالأداء.

وأمّا قاعدة الميسور فهي على تقدير تماميتها في نفسها ولم تتم (١) لا يمكن إجراؤها في المقام بدعوى أنّ الصلاة الفاقدة للطهور ميسور لمعسورها ، وذلك لأنّ الصلاة من غير طهارة تباين الصلاة عن طهارة لا أن أحدهما ميسور للآخر. فالمتحصل : أنّ فاقد الطهورين غير مكلّف بالأداء.

المقام الثّاني : في وجوب القضاء.

قد يقال بوجوب القضاء على فاقد الطهورين تمسّكاً بإطلاق ما دلّ على قضاء الصلوات الفائتة فإنّه يشمل المقام أيضاً.

وأُجيب عنه بأنّ الفوت غير محرز في المقام ، لأنّه إنّما يصدق فيما لو كانت صلاة فاقد الطهورين مشتملة على الملاك والمكلّف قد فوته كما في النائم ونحوه ، وإذا لم يكن لها ملاك في نفسها كما في صلاة الحائض والنفساء والصبي فلا يكون ترك الإتيان بها محققاً للفوات. ومن المحتمل أن لا يكون لصلاة فاقد الطهورين ملاك أصلاً فلا تشمله إطلاقات أدلّة القضاء.

__________________

(١) كما في مصباح الأُصول ٢ : ٤٧٧.

٢١٧

وأُجيب عن هذا الجواب بأنّ وجود الملاك يستكشف من الأمر بالصلاة لأنّه كاشف قطعي عنه ، والعجز عن تحصيل الطهورين يوجب سقوط الأمر والتكليف ولا يوجب سقوط الصلاة عن كونها واجدة للملاك ، فيكون تركها ولو من جهة فقدان الطهورين محققاً للفوت فيجب عليه قضاؤها.

ويرد على ذلك : أنّ الملاك ليس لنا إليه سبيل إلاّ وجود الأمر والتكليف ، ومع سقوطهما لا كاشف عن الملاك ولا علم لنا بوجوده فمن أين تحرز أن صلاة فاقد الطهورين مشتملة على الملاك ، ولعلها كصلاة الحائض والنّفساء والصبي ممّا لا ملاك فيها.

والّذي يمكن أن يقال : إنّ فاقد الطهورين مأمور بالقضاء ، وذلك لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها ، قال : يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار » (١) وذلك بتقريبين :

أحدهما : أنّ قوله : « أو نسي صلوات » ذكر تمهيداً لبيان مطلق ترك الصلاة ، وليس لخصوص تركها لنسيانها موضوعية في حكمه بوجوب القضاء ، لأنا نقطع بأن ترك الصلاة متعمداً عصياناً أيضاً مورد للقضاء ، فلو كان للنسيان خصوصية فقد ترك ذكر ما لا إشكال في وجوب قضائه ، فهو إنّما ذكر تمهيداً لبيان أنّ مطلق ترك الصلاة يوجب القضاء ، وكأنّه جعل عدم الترك عمداً وعصياناً مفروغاً عنه في حقّ المكلّف المسلم ، إذ كيف يعصي الله ولا يأتي بفريضة متعمداً ، فاقتصر على ذكر الشق المحتمل وقوعه في حقّه وهو النسيان.

فتدلّنا الصحيحة على وجوب القضاء في كل مورد ترك فيه الصلاة عمداً أو نسياناً أو لغيرهما من الأسباب ، وأنّ الصلاة ذات ملاك مطلقاً إلاّ في موارد خاصّة علمنا بعدم وجوب القضاء فيها كالحائض.

ثانيهما : أنّ مقتضى إطلاق الصحيحة أن من صلّى بلا طهور وجب عليه القضاء‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٣ / أبواب قضاء الصلوات ب ١ ح ١.

٢١٨

هذا كلّه إذا لم يمكن إذابة الثلج أو مسحه على وجه يجري ، وإلاّ تعين الوضوء أو الغسل ولا يجوز معه التيمّم أيضا (١).

[١٠٩٦] مسألة ١ : وإن كان الأقوى كما عرفت جواز التيمّم بمطلق وجه الأرض إلاّ أنّ الأحوط مع وجود التراب عدم التعدّي عنه (٢) من غير فرق فيه بين أقسامه من الأبيض والأسود والأصفر والأحمر ، كما لا فرق في الحجر والمدر‌

______________________________________________________

بلا فرق في ذلك بين تمكّنه من الطهور وبين عدم تمكّنه ، فتدلّنا الصحيحة على أنّ فاقد الطهورين لو صلّى من دون طهارة لوجب عليه قضاؤها.

فلو وجب القضاء فيما لو صلّى فاقد الطهورين من دون طهور لوجب عليه القضاء فيما لو لم يصل بطريق أولى ، إذ لا يحتمل أن يكون ترك الصلاة موجباً لسقوط القضاء بخلاف الإتيان بها ، نعم الأحوط أن يضم الأداء أيضاً فيأتي بالصلاة في الوقت من دون طهور ثمّ يقضيها خارج الوقت إذا حصل على طهور.

إذا أمكنه إذابة الثلج‌

(١) لما تقدّم من أنّ الوجدان في الآية الكريمة بمعنى التمكّن من الاستعمال ، ومع التمكّن من إذابة الثلج يكون المكلّف متمكّناً من استعمال الماء فيجب عليه الوضوء أو الاغتسال.

وهذه المسألة مع المسألة المتقدّمة السابعة والثّلاثين من وادٍ واحد ، ووجوب الإذابة هنا والمزج هناك كلاهما مستند إلى كون المكلّف متمكّناً معهما من الماء فالحكم هنا بوجوب الوضوء أو الغسل بعد إذابة الثلج لأجلهما دون وجوب المزج هناك أو بالعكس كما عن بعضهم ممّا لم يظهر لنا وجهه.

(٢) وهو احتياط مستحب في محلِّه ولو لأجل الخلاف ووجود القائل بعدم جواز التيمّم بغيره عند الاختيار.

٢١٩

أيضاً بين أقسامهما ، ومع فقد التراب الأحوط الرمل ثمّ المدر (*) ثمّ الحجر (١).

[١٠٩٧] مسألة ٢ : لا يجوز في حال الاختيار التيمّم على الجص المطبوخ والآجر والخزف (٢) والرماد (**) وإن كان من الأرض (٣) لكن في حال الضرورة بمعنى عدم وجدان التراب والمدر والحجر الأحوط الجمع (٤) بين التيمّم بأحد المذكورات

______________________________________________________

تقدّم غير الحجر على الحجر‌

(١) أمّا وجه تقدم غير الحجر على الحجر احتياطاً فهو وجود الخلاف والقول بعدم جواز التيمّم بالحجر مع التمكّن من غيره ، وأمّا وجه تقدّم الرمل على المدر فلم يظهر لنا بعد.

ودعوى : أنّ الرمل أقرب إلى التراب من المدر ممنوعة ، لأنّ الرمل أقرب إليه من جهة كونه أجزاءً صغاراً شبيهة بالتراب والمدر أقرب إليه من جهة أنّه هو التراب المجتمع ، فلا أقربية لأحدهما على الآخر في البين. فالصحيح لمن أراد الاحتياط أن يجمع في التيمّم بينهما.

(٢) بل قد عرفت (١) أنّ التحقيق هو الجواز.

(٣) كما إذا حصل الرماد من احتراق التراب أو الأحجار كما في بعض الجبال الّتي تخرج من قللها النار ، ولأجل شدّة حرارتها تحرق الأحجار فرمادها حينئذ من الحجر أو من التراب وهما من الأرض. كما أنّه قد يكون الرماد حاصلاً من غير الأرض كما لو حصل من حرق الحطب والحشيش أو اللّحم أو الصوف أو غيرها من النبات أو الحيوان.

منشأ الاحتياط في المسألة‌

(٤) منشأ احتياطه هذا هو احتمال أن يكون الجص المطبوخ مثلاً من الأرض ولا‌

__________________

(*) فيه إشكال.

(**) على الأحوط في غير الرماد كما مرّ.

(١) في ص ٢٠١ فما بعد.

٢٢٠