موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[١٠٦٩] مسألة ١١ : إذا طلب الماء بمقتضى وظيفته فلم يجد فتيمم وصلّى ثم تبيّن وجوده في محل الطلب من الغلوة أو الغلوتين أو الرحل أو القافلة صحت صلاته ولا يجب القضاء أو الإعادة (*) (١)

______________________________________________________

إذا طلب ولم يجد الماء وتبيّن وجوده بعد الصّلاة‌

(١) وذلك لأن المكلف قد أتى بما هو الواجب في حقه وهو التيمّم بعد الفحص عن الماء ، والمدار على عدم التمكن من الماء لا على عدم وجوده ، فان وجود الماء واقعاً لا أثر له في المقام وإنما الموضوع للأمر بالتيمّم من لم يتمكن من الماء ، وهذا متحقق في المقام أيضاً ، ومع الإتيان بما هو الوظيفة في حقه لا وجه لوجوب القضاء عليه إذا تبين وجود الماء في محل الطلب ، هذا كله بحسب القضاء.

وأمّا الإعادة فمقتضى كلام الماتن قدس‌سره عدم وجوبها ، بل قد يدعى أنه من صغريات مسألة من صلّى بتيمم صحيح لا تجب عليه الإعادة حسبما دلّت عليها النصوص الكثيرة. ولعلّه لما قدّمناه (١) من أن المعتبر إنما هو عدم التمكن من الماء لا عدم وجوده ، والمفروض أن المكلف قد طلب الماء ولم يجده فلم يكن متمكناً من استعماله فيلزمه حينئذ التيمّم وقد أتى به فلا موجب للإعادة إذا انكشف وجود الماء واقعاً لأنه أتى بما هو الوظيفة في حقه.

وهذا ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لا لأن المدار على عدم وجود الماء فان المعتبر في وجوب التيمّم إنما هو عدم التمكن من استعماله لا عدم وجوده كما تقدّم الكلام فيه ، بل لأن المستفاد من صحيحة زرارة المتقدمة والآية المباركة (٢) هو أن المعتبر في الأمر بالتيمّم إنما هو العجز عن استعمال الماء في مجموع الوقت ، أي عدم التمكّن من الصلاة مع الطهارة المائية ، وحيث إن المأمور به من الصلاة هو الطبيعي فلا مناص من أن يلاحظ التمكّن من الماء وعدمه بالنسبة إلى الطبيعي الواقع بين الحدّين‌

__________________

(*) لا يترك الاحتياط بالإعادة.

(١) في موارد منها في ص ٧٧.

(٢) تقدّمتا في ص ٨٠ ، ٦٧.

١٠١

[١٠٧٠] مسألة ١٢ : إذا اعتقد ضيق الوقت عن الطلب فتركه وتيمّم وصلّى ثم تبيّن سعة الوقت لا يبعد صحّة صلاته (*) وإن كان الأحوط الإعادة أو القضاء بل لا يترك الاحتياط بالإعادة (١)

______________________________________________________

فلا يعتنى بعدم التمكّن من الاستعمال في زمان ما.

وعليه إذا عجز عن الماء في زمان فتيمم وصلّى ثم وجد الماء كشف ذلك عن عدم كونه مأموراً بالتيمّم واقعاً فلا بدّ من أن يعيد صلاته مع الطهارة المائية ، وقد قدمنا أن المكلف لا بدّ من أن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت (١) فلو أتى بها قبل ذلك ثم عثر على الماء وجبت الإعادة عليه في الوقت ، لأنه لم يأت بما هو الواجب عليه في حقه.

إذا اعتقد ضيق الوقت فتبين خلافه‌

(١) لم يستبعد الماتن قدس‌سره الحكم بصحّة صلاته في مفروض المسألة ، إلاّ أنه حكم بعدئذ بوجوب الإعادة أو القضاء فيما إذا ترك الطلب باعتقاد عدم الماء فتبين وجوده. والذي يمكن أن يكون وجهاً لذلك أحد أمرين :

أحدهما : صحيحة زرارة المتقدمة الدالّة على أن المكلف إذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت (٢) نظراً إلى أنها دلّت على وجوب الصلاة مع التيمّم عند خوف فوات الوقت وأن الخوف له موضوعية في الحكم بوجوب الصلاة مع التيمّم والخوف يحتمل معه الخلاف بأن لا يكون الوقت فائتاً بل موسعاً.

ومعه تدلّنا الرواية على وجوبها مع التيمّم عند اعتقاد ضيق الوقت بطريق أولى لأنّه مع هذا الاعتقاد لا يحتمل بقاء الوقت وسعته وهو محتمل مع الخوف ، وعليه لا يجب على المكلف الإعادة ولا القضاء عند انكشاف سعة الوقت ، وذلك لإطلاق الأمر بالصلاة مع التيمّم عند الخوف من فوات الوقت.

__________________

(*) بل هي بعيدة فيما إذا كان الانكشاف في سعة الوقت.

(١) تقدّم في ص ٨١.

(٢) تقدّمت في ص ٨٠.

١٠٢

وثانيهما : أن يقال : إن المكلف عند اعتقاده ضيق الوقت عن الطلب يكون محكوماً من قبل العقل بالصلاة مع التيمّم ، لوجوب الخروج عن عهدة الأمر بالصلاة ، وبما أنه فاقد الماء فيلزمه العقل بالإتيان بها مع التيمّم ، ومعه يكون عاجزاً عن الماء وطلبه لعدم إمكان اجتماع الأمر بالصلاة مع التيمّم مع الأمر بالطلب ، وقد تقدم سقوط الطلب عند العجز عنه لأنه طريق إلى الصلاة مع الوضوء ، ومع العجز عن الطلب يسقط الأمر بالطلب.

ويرد على الوجه الأوّل : أن الصحيحة إنما تدل على أن المكلف إذا خاف فوت الوقت صلّى في آخر الوقت متيمماً وصلاته حينئذ مأمور بها ، فلا بدّ من النظر فيها إلى أن الخوف هل هو موضوع للحكم بوجوب الصلاة مع التيمّم أو أنه طريق إلى ضيق الوقت ليصح التعدي عن موردها على الأوّل إلى ما نحن فيه.

والصحيح أن الخوف قد أُخذ طريقاً إلى ضيق الوقت واقعاً ، وليس له موضوعية في الحكم بوجوب الصلاة مع الطهارة الترابية ، وذلك بقرينتين :

إحداهما : قوله : « خاف أن يفوته الوقت » (١) فان ظاهره وقت الصلاة ، فدلت هذه الجملة على أن فوت الوقت الواقعي هو الموجب للحكم بوجوب الصلاة مع التيمّم والخوف طريق إليه.

وثانيتهما : قوله : « وليصل في آخر الوقت » (٢) فان المراد بالوقت فيها هو الوقت المذكور قبله أعني وقت الصلاة لا وقت الخوف كما لا يخفى وهذا يدلّنا أيضاً على أن المدار على نفس الوقت ، والخوف طريق إليه ، ولا موضوعية له في الحكم ليمكننا التعدي إلى ما نحن فيه.

وعلى الجملة : أن مفروض الصحيحة ما إذا صلّى آخر الوقت ، ولا يتصور معه انكشاف سعة الوقت بعد الصلاة في الوقت وإلاّ لم يكن صلّى آخر الوقت بل قبله وهو غير ما نحن فيه ، أعني ما إذا اعتقد ضيق الوقت ثم انكشف سعته. فدلّت الصحيحة على أن من خاف فوت الوقت وصلّى آخر الوقت لم يجب عليه القضاء.

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٣ وقد ذكر جزء منها في ٣٤١ / ب ١ ح ١.

١٠٣

وأمّا إذا ترك الطلب باعتقاد عدم الماء فتبيّن وجوده وأنه لو طلب لعثر فالظاهر وجوب الإعادة أو القضاء (*) (١)

______________________________________________________

فلو صلّى من غير طلب باعتقاد الضيق ثم انكشف سعة الوقت لا بدّ من الحكم بوجوب الإعادة عليه في الوقت ، فلا دلالة للصحيحة على صحّة الصلاة عند انكشاف سعة الوقت ليتكلّم في أن الخوف مأخوذ فيها موضوعاً أو طريقاً إلى الضيق ليمكننا على الأوّل التعدي عن موردها إلى المقام أي صورة اعتقاد الضيق بالأولوية.

ويرد على الوجه الثاني : أن العجز عن الطلب وإن كان يوجب سقوطه كما مرّ والعجز العقلي كالعجز الشرعي ، إلاّ أن الكلام في المقام ليس من هذا القبيل وإنما هو خيال العجز وصورته ، وأما بحسب الواقع فلا معجز في البين ، لأنه إنما عجز باعتقاده ضيق الوقت من دون أن يكون ضيق واقعاً ، ومع انكشاف السعة لا بدّ من الإعادة. نعم لو انكشف ذلك بعد الوقت لم يجب عليه القضاء لأنه أتى بما هو وظيفته وقت الصلاة ، وترك الطلب حسب اعتقاده. هذا كله في صورة اعتقاده الضيق.

وأمّا إذا اعتقد عدم الماء وترك الطلب لأجله ثم تبين وجوده فوجوب الإعادة أولى وأظهر من الصورة السابقة ، إذ لا نص في هذه الصورة ولا هناك معجز عقلي أو شرعي عن الطلب ، لأن اعتقاد عدم الماء لا يلزمه بالصلاة مع التيمّم ، بل هو مرخص له في أن يصلِّي مع التيمّم أو ينتظر آخر الوقت ويصلِّي مع الماء بعد الانكشاف.

نعم إذا كان الانكشاف بعد انقضاء الوقت لم يجب عليه القضاء ، لعدم تمكنه من الطلب في الوقت حسب اعتقاده عدم الماء ، وهو مأمور حينئذ بالصلاة مع الطهارة الترابية وقد أتى بما هو وظيفته فلا قضاء عليه.

الاحتياط بالإعادة أو القضاء‌

(١) إن أراد بهذه العبارة أن المكلف إذا اعتقد عدم الماء فتيمم وصلّى ثم انكشف وجوده في الوقت وجبت الإعادة عليه كما عرفت فان توانى وفاته الوقت وجب‌

__________________

(*) لا حاجة إلى القضاء إذا كان الانكشاف في خارج الوقت.

١٠٤

[١٠٧١] مسألة ١٣ : لا يجوز إراقة الماء الكافي للوضوء أو الغسل بعد دخول الوقت إذا علم بعدم وجدان ماء آخر ولو كان على وضوء لا يجوز له إبطاله إذا علم بعدم وجود الماء (١)

______________________________________________________

أن يقضيها خارج الوقت فهو أمر صحيح ، لكونه مكلفاً بالإعادة في الوقت وحيث لم يأت بها في وقتها وجب أن يقضيها خارج الوقت. إلاّ أن هذا خلاف ظاهر العبارة.

وإن أراد بها أن الانكشاف إذا كان خارج الوقت فإنه يقضيها حينئذ كما هو ظاهر العبارة فيدفعه ما أشرنا إليه من أن المكلف في مفروض الكلام لم يكن مكلفاً بالوضوء في وقت الصلاة ، لعدم تمكنه منه حسب اعتقاده عدم الماء ، فإنه مع هذا الاعتقاد لا يكون مستولياً على الماء ومتمكناً من استعماله ، لأن الأفعال الاختيارية إنما تتبع الصور الذهنية ولا تتبع الواقع ونفس الأمر ، ومن هنا قد يموت الإنسان عطشاً والماء في رحله لعدم علمه بالحال ، ومن هذا شأنه مكلف بالتيمّم دون الوضوء ومع عدم كونه مأموراً بالوضوء في الوقت لا موجب للقضاء عليه إذا كان الانكشاف بعد الوقت.

عدم جواز إراقة الماء عند العلم بعدم الوجدان‌

(١) والأمر كما أفاده قدس‌سره. والوجه فيه : أن المراد بالفقدان وعدم وجدان الماء في الآية المباركة الذي هو موضوع الحكم بوجوب التيمّم هو الفقدان بالطبع لا الفقدان بالاختيار.

فان الظاهر المستفاد من الآية المباركة وغيرها من الجمل المشتملة على الأمر بالشي‌ء وعلى الأمر بشي‌ء آخر على تقدير العجز عن الأوّل والاضطرار إلى تركه ، أن الفعل الثاني بدل اضطراري لا أنه بدل اختياري بحيث يتمكن المكلف من الابتداء بين الإتيان بالأول وبين تعجيز نفسه عنه والإتيان بالثاني ، بل الثاني لا ينتقل إليه إلاّ فيما إذا كان الأوّل غير مقدور بطبعه ، فاذا عجّز نفسه عنه بالاختيار لم يشمله الأمر‌

١٠٥

بالفعل الثاني لكونه مختصاً بما إذا كان الأوّل غير ممكن بالطبع ، وعليه فليس للمكلف بعد دخول الوقت أن يهريق الماء أو ينقض طهارته ليدخل بذلك تحت فاقد الماء فيتيمم ويصلِّي.

بل مقتضى الجمود على ظاهر الآية سقوط الصلاة عن المكلف حينئذ ، لأنه غير متمكن من الوضوء على الفرض ، ولا أمر بالتيمّم في حقه لأنه فاقد بالاختيار لا بالطبع فهو كفاقد الطهورين تسقط عنه الصلاة ، إلاّ أن الإجماع القطعي وما ورد في المستحاضة من أنها لا تدع الصلاة بحال (١) يمنعنا عن ذلك ويدلنا على أن الصلاة لا تسقط في أي صورة وإنما تصل النوبة إلى المرتبة النازلة من المرتبة المعسورة ، ولأجله نحكم في المقام بوجوب الصلاة مع التيمّم في مفروض الكلام وإن عصى بإراقة الماء أو بنقض الطهارة.

وهذا الذي ذكرناه من أن التيمّم إنما يجب عند الفقدان بالطبع لا ينافي ما دل على أن الصلاة مع التيمّم تامة الملاك وواجدة لجميع ما تشتمل عليه الصلاة مع الوضوء من الملاك كقوله عليه‌السلام : « رب الصعيد والماء واحد » (٢) والوجه في عدم التنافي أن الصلاة مع التيمّم إنما تكون واجدة للملاك التام فيما إذا كان المكلف فاقداً للماء بالطبع لا فيما إذا كان فاقداً بالاختيار.

هل يجب القضاء في محل الكلام؟

ثم إنه هل يجب القضاء على المكلف في مفروض المسألة ، بأن يصلِّي مع التيمّم في الوقت ويقضيها مع الوضوء خارج الوقت؟ قد يقال بذلك نظراً إلى أن المكلف لم يأت بما هو الواجب عليه في وقته.

ولكن الصحيح عدم وجوب القضاء ، وذلك لأنه إنما يجب فيما إذا فات الواجب المكلف في ظرفه ، وهذا مفقود في المقام ، لأن المفروض أن المكلف أتى بأصل الصلاة‌

__________________

(١) تقدمت في المسألة التاسعة [١٠٦٧].

(٢) الوسائل ٣ : ٣٤٣ / أبواب التيمّم ب ٣ ح ١ ، ٢ ، فإنّهما بهذا المضمون.

١٠٦

بل الأحوط (*) عدم الإراقة وعدم الإبطال قبل الوقت أيضاً مع العلم بعدم وجدانه بعد الوقت ، ولو عصى فأراق أو أبطل يصح تيمّمه وصلاته وإن كان الأحوط القضاء (١).

______________________________________________________

ولم تفته الصلاة بأصلها وإنما الإخلال واقع في شرطها ، ونظيره ما إذا عجّز نفسه عن القيام في الصلاة بالاختيار فصلى قاعداً فإنه وإن عصى لكن صلاته صحيحة ، ولا يجب عليه القضاء لإتيانه بأصل الصلاة. نعم الأحوط القضاء كما ذكره الماتن قدس‌سره.

إراقة الماء قبل الوقت‌

(١) هل يجوز إراقة الماء وإبطال الطهارة قبل الوقت إذا علم [ عدم ] تمكّنه من الطهارة بعد الوقت أو لا يجوز؟

مقتضى الأصل هو الجواز ، إلاّ أنّا ذكرنا في بحث المقدمات المفوتة أن مخالفة التكليف كما تعد عصياناً ومخالفة للمولى وهو قبيح موجب لاستحقاق العقاب كذلك هي تفويت للغرض الملزم وهو قبيح كالعصيان (١) ، وعليه ففي موارد إحراز الملاك لا يجوز تعجيز المولى عن الأمر بما فيه الملاك الملزم بإراقة الماء وتعجيز النفس عن الوضوء أو الغسل.

إلاّ أن ذلك في مورد العلم بوجود الملاك الملزم ، وهو غير محرز في المقام ، لأن الطريق إلى استكشاف الملاك هو الأمر ، ولا أمر بالصلاة مع الوضوء في حق المكلف في المقام ، لأنه من التكليف بما لا يطاق ، لأنه قد عجز نفسه عن الوضوء فلا يمكن الأمر به.

وليس الأمر بالصلاة مع الوضوء من الواجب المعلق ليكون وجوبها فعلياً ولو قبل وقتها ويكون الواجب متأخراً ، وذلك لأنه وإن كان ممكناً لكنه خلاف ظاهر الدليل ولا إشكال في أن ما دل على وجوب الصلاة بعد الزوال ظاهره الوجوب بعد تحقق‌

__________________

(*) لا بأس بتركه.

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٣٥٩.

١٠٧

[١٠٧٢] مسألة ١٤ : يسقط وجوب الطلب إذا خاف على نفسه أو ماله من لص أو سبع أو نحو ذلك كالتأخر عن القافلة ، وكذا إذا كان فيه حرج أو مشقة لا تتحمّل (١).

[١٠٧٣] مسألة ١٥ : إذا كانت الأرض في بعض الجوانب حَزنة وفي بعضها سَهلة يلحق كلا حكمه من الغَلوة أو الغلوتين (٢).

الثاني : عدم الوصلة إلى الماء الموجود (٣) لعجزٍ من كبر أو خوف من سبع أو‌

______________________________________________________

شرطه لا أن وجوبها فعلي والتأخر في شرطها. فلا أمر حتى نستكشف الملاك منه ومعه تتوقف دعوى وجود الملاك الملزم على علم الغيب.

بل يمكن أن يقال : إن قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... ) (١) وقوله عليه‌السلام : « إذا زالت الشمس فقد وجبت الصلاة والطهور » (٢) يدلان على أنه لا ملاك فيهما قبل الوقت.

إذن لا يجب حفظ القدرة بالتحفظ على الماء أو الطهور قبل دخول وقتها.

(١) تقدّم الكلام عنه (٣) فلا نعيد.

(٢) قدّمنا الكلام فيه مفصلاً (٤) ولا حاجة إلى إعادته.

(٣) إما لمانع تكويني لهرم أو لوجوده في مكان مقفل لا يقدر على فتحه ، وإما لمانع شرعي كما إذا خيف في المكان من سبع أو لص أو نحوهما ، لأن تعريض النفس إلى الهلاك غير واجب بل غير جائز.

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ١ : ٣٧٢ / أبواب الوضوء ب ٤ ح ١. وفيه : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة .... ».

(٣) في ص ٦٨ ، ٨٨.

(٤) في ص ٨٩.

١٠٨

لص أو لكونه في بئر مع عدم ما يستقى به من الدلو والحبل وعدم إمكان إخراجه بوجه آخر ولو بإدخال ثوب وإخراجه بعد جذبه الماء وعصره (١).

[١٠٧٤] مسألة ١٦ : إذا توقف تحصيل الماء على شراء الدلو أو الحبل أو نحوهما أو استيجارهما أو على شراء الماء أو اقتراضه وجب (٢) ولو بأضعاف‌

______________________________________________________

وقد تقدم أن قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) يعني عدم التمكن من استعمال الماء لا بمعنى عدم وجود الماء بقرينة قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ) في الآية الكريمة والمريض غالباً لا يتمكن من استعمال الماء مع وجوده عنده لا أنه يفقد الماء. إذن مع عدم الوصلة إلى الماء يجب عليه التيمّم.

(١) يأتي التعرض لحكم ذلك قريباً إن شاء الله تعالى.

إذا توقف تحصيل الماء على بذل المال‌

(٢) إذا توقف تحصيل الماء على شرائه وجب الشراء لأنه وصلة إلى الماء بأمر مقدور للمكلف ، ومع التمكن من شرائه يكون المكلف واجداً ومتمكناً من الماء.

ولو فرضنا أن المالك لا يبيعه إلاّ بأضعاف قيمته فهل يجب شراؤه بأضعافها كما إذا كانت قيمته درهماً وطلب المالك ألف درهم؟ مقتضى قاعدة « لا ضرر » عدم الوجوب ، لأنه ضرر مالي لم يجعل في الشريعة المقدسة ، لكن مقتضى صحيحة صفوان وغيرها وجوب الشراء ولو بأضعاف قيمة الماء ، وقد ذكر عليه‌السلام في الصحيحة أنه قد ابتلي به وأن ما يشتريه من الماء شي‌ء كثير (١). بمعنى أن المكلف يتخيل أنه بذل مالاً كثيراً بإزاء شي‌ء قليل لكنه في الواقع دفع مالاً كثيراً بإزاء مال كثير.

وهذه النصوص مخصصة للقاعدة في موردها وهو شراء الماء للوضوء ، ونتعدّى عنه بتنقيح المناط إلى شراء الدلو وغيره من الآلات أيضاً ، لأن الدلو ونحوه وإن كان‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٩ / أبواب التيمّم ب ٢٦ ح ١.

١٠٩

العوض ما لم يضر بحاله (١) وأما إذا كان مضرّاً بحاله فلا‌

______________________________________________________

يتخيّل أنه شي‌ء زهيد فلا يقابل بالمال الكثير لكن الصحيحة دلتنا على أنه شي‌ء كثير لأنه بتنقيح المناط يستفاد أن ما يبذل بإزائه المال إذا كان وصلة إلى الوضوء المأمور به شي‌ء كثير وإن كان غير الماء.

نعم لا يمكننا التعدي إلى ما إذا كان له مال كثير لو ذهب لتحصيل الماء أخذه اللص أو ذهب هدراً ، فلا يجب عليه الذهاب لتحصيله لاستلزامه الضرر عليه ، وليس في مقابله شي‌ء ليقال إنه كثير.

وكذا الحال فيما إذا كان له عباءة أو ثوب يسوى قيمة معتداً بها لا يمكنه الحصول على الماء إلاّ بشقه وجعله دلواً ، فإنه ضرر مالي ليس واجباً على المكلفين ولا تشمله الصحيحة لأنه ليس من الشراء في شي‌ء.

ولو فرضنا أنه متمكن من الشراء ولو بأضعاف قيمته إلاّ أنه مديون لشخص لا يتمكن من أداء دينه علماً أو ظنا على تقدير شرائه الماء لم يجب عليه الشراء ، لأنه إتلاف لحق الدائن وهو حرام ، والصحيحة إنما دلّت على أن المال المبذول بإزاء ماء الوضوء لا يذهب هدراً فإنه شي‌ء كثير أيضاً ، ولا دلالة لها على جواز إتلاف حقوق الناس.

إذا كان شراء الماء حرجيّا‌

(١) أي ما دام لم يكن بذل الماء الكثير بإزاء ماء الوضوء حرجياً في حقه ، كما لو كان متمكناً من بذل أضعاف قيمة الماء إلاّ أنه لو بذله لم يتمكّن من إعاشة نفسه وعياله فلا يمكنه إدارتهم فيقع في العسر والحرج وهما منفيان في الشريعة المقدّسة.

وهذا هو مراد الفقهاء بقولهم : ما لم يضر بحاله ، بعد العلم بأن الشراء ضرر مالي على كل حال إلاّ أنه إذا كان زائداً على الضرر المالي حرجاً عليه لا يجب شراؤه عليه.

ولا فرق في الحرج بين الفعلي منه والاستقبالي كما لو كان عنده مال ليس مورداً‌

١١٠

كما أنه لو أمكنه اقتراض نفس الماء أو عوضه مع العلم أو الظن بعدم إمكان الوفاء لم يجب ذلك (١).

[١٠٧٥] مسألة ١٧ : لو أمكنه حفر البئر بلا حرج (٢) وجب كما أنه لو وهبه غيره بلا منة ولا ذلة وجب القبول (٣).

الثالث : الخوف من استعماله على نفسه أو عضو من أعضائه بتلف أو عيب أو حدوث مرض أو شدّته أو طول مدّته أو بطء برئه أو صعوبة علاجه أو نحو ذلك مما يعسر تحمله عادة (٤)

______________________________________________________

لحاجاته فعلاً لكنه سيحتاج إليه في الشتاء مثلاً فإنه لا يجب عليه بذله لشراء الماء لوقوعه في الحرج مستقبلاً في الشتاء.

(١) لأن الاقتراض وإن لم يشترط فيه التمكن من الأداء إلاّ أنه بعد الاقتراض مطالب بالأداء ، فلو لم يؤدِّ حق الدائن وصرفه في شراء ماء الوضوء عُدّ هذا إذهاباً وإتلافاً لحق الناس وهو غير جائز.

(٢) كما يتفق في بعض القرى والبلدان ، وذلك لأن الماء موجود تحت الأرض وهو متمكن من الوصول إليه فيجب الحفر لصدق تمكنه من الماء.

(٣) بل يجب الاستيهاب ، لأنه مثل قبول الهبة وصلة إلى الماء وهو متمكن منها فيجبان ، نعم لو كان فيهما قبول الهبة أو الاستيهاب منّة وصعوبة عليه لا يجبان لأنه عسر في حقه.

الثالث من مسوغات التيمّم‌

(٤) ويدلُّ على ذلك قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ* ... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١) لما قدمناه من أن المسافر قد يكون فاقداً للماء حقيقة‌

__________________

(١) النساء ٤ : ٤٣.

١١١

وواقعاً إلاّ أن المريض غالباً ما يكون واجداً للماء حقيقة لكنه لا يتمكّن من استعماله.

فالمراد من عدم الوجدان هو عدم التمكّن من استعماله لكونه موجباً لشدّة المرض أو بطئه أو صعوبة علاجه أو غير ذلك من الأُمور علماً أو احتمالاً ، إذ لو كان استعماله لا يؤثر في اللاحق وجب أن يتوضأ لعدم كونه مضراً في حقه. إذن المدار في وجوب التيمّم هو احتمال كون الماء مضراً وموجباً لشدة المرض أو لغيرها ، ولا فرق بين سبق المرض وعدمه ، فالمدار على احتمال الضرر.

ويدلُّ عليه الأخبار الواردة في المجذوم والكسير والقريح الدالّة على أنهم يتيممون (١) ، إذ لا وجه له سوى احتمالهم كون الماء مؤثراً في الجذام أو الكسر أو القرحة في اللاّحق. وفي بعض الأخبار (٢) أنه لو خاف على نفسه البرد تيمم ، فتدلنا هذه الأخبار على الانتقال إلى التيمّم عند احتمال الضرر بلا فرق بين سبق المرض ولحوقه.

كما يمكن الاستدلال عليه بأدلة نفي الحرج ، لأن إلزام المكلف بالوضوء أو الغسل مع احتمال كونه مضرّاً بحاله كما لو استلزم العمى فيما لو توضأ أو اغتسل من بعينه الرمد موجب للعسر والحرج ، وهما منفيان في الشريعة المقدسة.

نعم لا مجال للاستدلال عليه بحديث لا ضرر (٣) بل الاستدلال به من عجائب الكلام ، وذلك لأنه لا علم بالضرر في موارد الخوف ، وكلامنا في مسوغية الخوف نعم الضرر محتمل عند الخوف وليس بمعلوم ، ومع عدم إحراز الضرر كيف يتمسك بحديث لا ضرر ، فإنّه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية من طرف العام ولا يقول به أحد ، وإنما يرى جوازه من ذهب إليه في الشبهة المصداقية من طرف المخصص ، بل مقتضى الاستصحاب عدم تحقق الضرر.

نعم لا بأس باستدلال المحقق الهمداني قدس‌سره في المقام بما دلّ على نفي العسر‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٤٦ / أبواب التيمّم ب ٥.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٤٨ / أبواب التيمّم ب ٥ ح ٧ ، ٨.

(٣) الوسائل ١٨ : ٣٢ / أبواب الخيار ب ١٧.

١١٢

بل لو خاف من الشين (١) الذي يكون تحمله شاقاً (٢) تيمم ، والمراد به ما يعلو البشرة من الخشونة المشوهة للخلقة أو الموجبة لتشقق الجلد وخروج الدم. ويكفي الظن بالمذكورات أو الاحتمال الموجب للخوف (٣) سواء حصل له من نفسه أو قول طبيب أو غيره وإن كان فاسقاً أو كافراً (٤) ولا يكفي الاحتمال المجرّد عن الخوف (٥) كما أنه لا يكفي الضرر اليسير الذي لا يعتني به العقلاء (٦) وإذا أمكن علاج المذكورات بتسخين الماء وجب ولم ينتقل إلى التيمّم (٧).

______________________________________________________

والحرج (١) كما تقدّم.

(١) وهو المعبر عنه بالسوداء ونحوه.

(٢) حرجياً إما من جهة التطهير والوضوء أو لأجل كونه في الوجه واليدين وتشويه الخلقة فيما يظهر للناس مما يصعب تحمّله ، وهو أمر حرجي.

وأما إذا لم يكن تحمله حرجياً كما لو كان على بدنه فيما لا يراه الناس ولا يحتاج إلى تطهيره في اليوم خمس أو ثلاث مرات فلا ينتقل الأمر إلى التيمّم ، لأنه ليس مرضاً وهو متمكن من استعمال الماء بلا موجب للخوف من ضرر الماء فلا يشمله شي‌ء من الأدلّة.

(٣) أعني الاحتمال العقلائي.

(٤) إذ لا تعتبر العدالة في الطبيب وغيره ، بل المدار على حصول الخوف من قوله.

(٥) إذ مع عدم الخوف لا يندرج الاحتمال المجرد تحت شي‌ء من الأدلة المتقدمة.

(٦) كما إذا استلزم الوضوء الاستبراد دقيقة واحدة مع ارتفاعه بعدها ، وذلك لعدم كونه ضرراً عند العقلاء فلا يشمله شي‌ء من الأدلة المتقدمة.

(٧) لأن الواجب هو الوضوء بطبيعي الماء ، والمدار على التمكن من استعمال الطبيعي والمفروض تحققه في المقام ، فإنه بتسخين الماء يتمكن من الوضوء والغسل ومعه لا ينتقل الأمر إلى التيمّم.

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٤٥٨ السطر ١٦.

١١٣

[١٠٧٦] مسألة ١٨ : إذا تحمل الضرر وتوضأ أو اغتسل ، فان كان الضرر في المقدمات من تحصيل الماء ونحوه وجب الوضوء أو الغسل وصح وإن كان في استعمال الماء في أحدهما بطل (*) (١)

______________________________________________________

(١) ذكرنا أنه بعد فرض وجود الماء والتمكن من استعماله إذا احتمل الضرر في الوضوء أو الاغتسال ساغ له التيمّم بدلاً عنهما. والضرر قد يكون في مقدمة الغسل أو الوضوء من دون أن يكون في نفسهما ضرر ، وقد يكون الضرر في نفسهما.

أمّا الصورة الاولى : فلو تحمل الضرر وارتكب المقدمة فلا ينبغي الشبهة في أن وظيفته الغسل أو الوضوء حينئذ ، لأنه وإن كان مأموراً بالتيمّم قبل ارتكابه المقدمة لأنه فاقد الماء بالمعنى المتقدم إلاّ أنه إذا تحمّل الضرر في المقدمة ينقلب واجداً للماء لفرض عدم كونهما ضررين في نفسهما ، فهو من تبدل الموضوع ، ولا شبهة في صحّة الغسل والوضوء حينئذ.

وأمّا الصورة الثانية : فقد صرح الماتن قدس‌سره ببطلان الوضوء أو الغسل حينئذ. وهو مبني على ما هو المعروف عندهم من أن الإضرار بالنفس محرم ، بل ذكر شيخنا الأنصاري قدس‌سره في البحث عن قاعدة « لا ضرر » : أن الإضرار بالنفس محرم شرعاً وعقلاً (١).

ولمّا كان الوضوء أو الغسل ضرريين فهما مبغوضان للشارع ، والمبغوض لا يمكن أن يقع محبوباً ومقرباً فيبطلان.

إلاّ أنّا ذكرنا عند البحث عن قاعدة « لا ضرر » أن المحرم إنما هو الإضرار بالغير وأما الإضرار بالنفس فلم يقم على حرمته دليل (٢) ، فلا مانع من أكل الطعام الذي يوجب المرض يوماً أو يومين أو أكثر ، اللهمّ إلاّ أن يكون الإضرار بالنفس مما نقطع بعدم رضا الشارع به كقتل النفس أو قطع الأعضاء أو نحوهما.

__________________

(*) فيه إشكال ، ولا تبعد الصحّة في بعض مراتب الضرر.

(١) المكاسب : ٣٧٣ السطر ٤.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٥٤٨.

١١٤

وأمّا إذا لم يكن استعمال الماء مضراً بل كان موجباً للحرج والمشقة كتحمل ألم البرد أو الشين مثلاً فلا تبعد الصحّة (١) وإن كان يجوز معه التيمّم ، لأنّ نفي‌

______________________________________________________

وعليه فلو تحمل الضرر وتوضأ أو اغتسل فحكمه حكم الفرع الآتي وهو ما إذا كان الوضوء أو الغسل حرجياً وتحمل الحرج فتوضأ أو اغتسل.

نعم بناء على أن الإضرار بالنفس محرم لا ينبغي التأمل في بطلانهما ، ولكن مع ذلك قد يقال بصحتهما حينئذ بدعوى أن

نفس الوضوء أو الاغتسال ليس ضرراً وإنما هما غسل أو مسح وإنما الضرر يترتب عليهما فهما مقدّمتان للضرر ، وقد بينا في محله أن مقدّمة الحرام ليست محرمة حتى لو قلنا بوجوب مقدّمة الواجب (١) ، ومع عدم حرمتها لا وجه لبطلانهما.

ولكنها تندفع بأن الغسل أو الوضوء ليسا من المقدمة والضرر ذو المقدمة ، بل ترتبه عليهما من باب ترتب الأفعال التوليدية على ما تتولد منه كالقتل المترتب على فري الأوداج ، وذلك لعدم كونهما فعلين اختياريين يتوقف أحدهما على الآخر ، بل هما عنوانان يترتبان على فعل واحد ، فما يترتب على أحدهما يترتب على الآخر.

إذن فالغسلتان والمسحتان محكومتان بالحرمة لحرمة عنوانهما وهو الضرر ، وهذا بخلاف المقدمة وذيها لأنهما فعلان ومعنونان لا عنوانان لمعنون واحد.

إذا تحمّل الحرج والمشقة‌

(١) لأن تحمل الحرج ليس من المحرمات وإن كان تيمّمه صحيحاً أيضاً ، فهو في الحقيقة مخير بين الوضوء أو الاغتسال وبين التيمّم ، وكذلك تحمل الضرر بناء على إباحته كما مرّ ، هذا.

ولكن المحقق النائيني قدس‌سره ذهب إلى بطلانهما نظراً إلى أن الحكم بصحّة وضوئه وغسله حينئذ كالجمع بين المتناقضين ، لأن موضوع وجوب الغسل أو الوضوء‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٤٣٩ ٤٤٠.

١١٥

الحرج من باب الرخصة لا العزيمة ، ولكن الأحوط ترك الاستعمال وعدم الاكتفاء به على فرضه فيتيمم أيضا.

______________________________________________________

واجد الماء كما أن موضوع وجوب التيمّم هو فاقده ، فالحكم بجوازهما في حقه يؤول إلى أنه واجد الماء فلذا يصح غسله ووضوءه ، وأنه فاقد الماء ولذا يصح تيمّمه. وهذا ما ذكرناه من لزوم الجمع بين المتناقضين ، إذ كيف يمكن أن يقال في وقت واحد إنه واجد الماء وفاقده.

ويدفعه : أن موضوع وجوب الغسل أو الوضوء وإن كان واجد الماء بمعنى التمكن من استعماله ، كما أن موضوع وجوب التيمّم هو الفاقد له إلاّ أنه لا يلزم الجمع بين المتناقضين في الحكم بصحّة كل من التيمّم والوضوء والغسل حينئذ ، وذلك لأن المكلف في موارد الحرج وموارد الضرر المباح واجد للماء حقيقة ، وهو متمكن من استعماله بحيث لو كنّا نحن والآية المباركة لحكمنا بوجوب الوضوء والغسل عليه إلاّ أن الشارع رفع عن المكلف الأحكام الضررية والحرجية امتناناً ، وأدلة نفي الحرج والضرر حاكمة على أدلة وجوب الوضوء أو الاغتسال للواجد.

والحكومة هي التخصيص بلسان نفي الموضوع ، فكأنه فرضه فاقداً للماء لا أنه فاقد له حقيقة ، لأن نفي الحرج والضرر امتنان لا يجعل المكلف فاقداً له حقيقة ، فهو حال كونه واجداً للماء مرخص له بالتيمّم أيضاً إرفاقاً وامتناناً لا أنه واجد وفاقد للماء معاً ، وليس في هذا جمع بين المتناقضين ولا فيه شائبته.

نعم إنما تلزم هذه المناقشة إذا كان الواجد في جميع الموارد محكوماً بوجوب الوضوء عليه والفاقد في جميع الموارد محكوماً بوجوب التيمّم عليه من غير تخلف ، وقد عرفت أن الأمر ليس كذلك ، بل المكلف مع كونه واجداً للماء يمكن أن يكون مرخصاً بالتيمّم امتناناً.

والذي يكشف عما ذكرناه أن ذلك لو استلزم الجمع بين المتناقضين للزم الالتزام به في جميع موارد التخصيص من أول الفقه إلى آخره ، لأنه في تلك الموارد يوجد‌

١١٦

حكمان ، مع أنه لا يلتزم به متفقة فضلاً عن الفقيه ، إذ ليس هناك إلاّ موضوع واحد كان محكوماً بحكم ثم حكم عليه بحكم ثانٍ.

فالمتحصل : أن كون المكلف مخيراً بين الغسل أو الوضوء وبين التيمّم أمر ممكن لا استحالة فيه ، ولا مانع من أن يكون مأموراً بالطهارة الأعم من المائية والترابية.

وعلى الجملة : إن الحكم بجواز التيمّم في حقه ليس لأجل فقدانه الماء بل لأجل الامتنان ، وإلاّ فهو واجد للماء حقيقة.

نعم يقع الكلام في الدليل على ذلك ، فإنه في موارد الضرر المباح والحرج مأمور بالتيمّم وهو منه صحيح من دون كلام ، وإنما الكلام في صحّة الغسل أو الوضوء الصادر منه ، فإنه بعد ما رفع الشارع الأمر بهما كيف يقعان صحيحين مع توقف صحّة العبادة على وجود الأمر بها.

ويظهر من الماتن أن الوجه في الصحّة هو أن الشارع إنما رفع الإلزام عن الغسل أو الوضوء وأما أصل المحبوبية والطلب فهو باقٍ بحاله ، لاقتضاء الامتنان رفع الإلزام والكلفة فقط لا رفع الجواز وأصل الطلب ، لأنه على خلاف الامتنان ، فان رفع الضرر رخصة لا عزيمة ، ومعه يقعان صحيحين لكونهما مأموراً بهما على الفرض.

وفيه : أن ما هو مجعول للشارع ليس إلاّ جعل الفعل على ذمة المكلف. وإن شئت قلت : المجعول هو اعتبار الذمة مشغولة بعمل مع الإبراز ، وأما الإلزام فهو من ناحية العقل المستقل بوجوب الطاعة على العبيد والتحرك بتحريك المولى ما دام لم يقارنه ترخيص من قبله ، فاذا رفع الشارع مجعوله وهو اعتبار الفعل على ذمّة المكلف فلا يبقى في البين شي‌ء ، ويحتاج إثبات أصل المطلوبية والأمر إلى دليل. وليس مجعول الشارع أمراً مركباً من الطلب والإلزام ليتوهم بقاء الأوّل بعد ارتفاع الثاني في مورد هذا.

وقد يستدل على صحّة الغسل والوضوء حينئذ بأن دليلي نفي الضرر والحرج إنما ينفي الإلزام دون الملاك ومعه يتصف الوضوء والغسل بالصحّة ، وذلك لأن الأدلّة الدالّة على وجوب الغسل والوضوء لها دلالتان : مطابقية وهي كونهما مأموراً بهما‌

١١٧

والتزامية وهي كونهما ذا ملاك ، لأن الأحكام الشرعية عند العدلية تابعة لما في متعلقاتها من الملاك ، فاذا علمنا بسقوط الدلالة المطابقية عن الحجية بأدلة نفي الضرر والحرج لدلالتهما على نفي الوجوب وعدم الإلزام بهما فتبقى الدلالة الالتزامية بحالها وحجيتها وهي تدل على كَون الفعل ذا ملاك.

وقد بينا في بعض المباحث المتقدمة ان العقل لا يفرق بين الأمر والملاك ويرى المخالفة لكل منهما عصياناً وتمرداً كما أن إطاعتهما لازمة ، وعليه فبالملاك نحكم بصحّة كل من الوضوء والغسل في مفروض الكلام.

وفيه : ما بيناه في مباحث التعادل والترجيح (١) من أن الدلالة الالتزامية كما تتبع الدلالة المطابقية حدوثاً وثبوتاً كذلك تتبعها حجية ولا تنفك عنها في الحجية.

وقد مثلنا لذلك بأمثلة منها ما إذا قامت البينة على ملاقاة شي‌ء من النجاسات للماء أو على كون مال ملكاً لزيد ، فمدلولها المطابقي هو الملاقاة وملكية المال لزيد ومدلولها الالتزامي نجاسة الماء وعدم ملكية المال لعمرو ، فلو سقطت البينة عن الحجية في مدلولها المطابقي للعلم بعدم الملاقاة أو لاعتراف زيد بنفي المال عن ملكه فلا يمكننا الحكم بنجاسة الماء أو عدم كون المال ملكاً لعمرو بدعوى ثبوتهما بالدلالة الالتزامية. إذن ليس لنا في المقام أن نحكم بصحّة الغسل أو الوضوء بالملاك وإن ادعاه جملة من الأعلام.

لكنه مع هذا فالصحيح ما أفاده الماتن قدس‌سره وذلك بوجه آخر وهو : أن أدلّة نفي الحرج والضرر إنما وردت للامتنان فيختصان بالأحكام الإلزامية وحسب ، لأنه في رفعها امتنان على الأُمة ، ولا يشملان الأحكام الترخيصية من المستحبات ونحوها ، إذ المكلف بطبعه مرخص في تركها فلا يكون في رفعها عن المكلف منة ، فاذا كانت زيارة الحسين ( عليه الصلاة والسلام ) حرجية في وقت ما أو كانت ضررية فلا يشملها دليل لا ضرر أو لا حرج حينئذ.

إذا عرفت ذلك فنقول : إن للطهارات الثلاثة حيثيتين :

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٦٧ فما بعد.

١١٨

[١٠٧٧] مسألة ١٩ : إذا تيمم باعتقاد الضرر أو خوفه فتبيّن عدمه صحّ تيمّمه وصلاته (*) (١)

______________________________________________________

إحداهما : كونها قيداً للواجبات المشروطة بالطهارة ، وهي مورد الإلزام من هذه الجهة لكونها شرطاً في الواجب فلا مانع من الحكم بسقوطها عن القيدية بأدلة نفي الضرر والحرج عند كونها ضررية أو حرجية ، لأنه في رفعها منة على العباد فيحكم ببركتها بعدم تقيد الواجب بها.

وثانيتهما : كونها مستحبات نفسية وهي من هذه الجهة لا تشملها أدلّة نفي الضرر والحرج ، لما تقدم من عدم شمولهما الأحكام الترخيصية. إذن فهي على استحبابها في موارد الضرر والحرج ، فان أتى المكلف بها وقعت مستحبة ، ومع استحبابها يحكم على المكلف بالطهارة فلو صلّى معها وقعت صلاته صحيحة لكونها واجدة لشرط الطهور.

وعليه فما أفاده الماتن قدس‌سره هو الصحيح ونتيجته كون المكلف مخيراً بين الطهارة المائية والترابية في تلكم الموارد للوجه الذي بيناه لا لما يظهر من الماتن.

إذا تيمّم باعتقاد الضرر‌

(١) الصور المتعلِّقة بالمقام أربع :

وذلك لأن المكلف عند خوف الضرر أو اعتقاده إما أن لا يعمل على طبق وظيفته الفعلية كما لو اعتقد أو خاف الضرر من الغسل أو الوضوء وكانت وظيفته التيمّم لكنه لم يعمل على طبق وظيفته الفعلية فاغتسل أو توضأ ، أو أنه لم يحتمل ولم يعتقد الضرر فيهما ووجب عليه الغسل أو الوضوء لكنه لم يعمل على طبق وظيفته الفعلية فتيمم ثم انكشف الخلاف وأنه لا ضرر في الغسل والوضوء أو فيهما الضرر.

__________________

(*) فيه إشكال والاحتياط بالإعادة لا يترك.

١١٩

نعم ، لو تبين قبل الدخول في الصلاة وجب الوضوء أو الغسل ، وإذا توضأ أو اغتسل باعتقاد عدم الضرر ثم تبين وجوده صح ، لكن الأحوط مراعاة الاحتياط في الصورتين ، وأما إذا توضأ أو اغتسل مع اعتقاد الضرر أو خوفه لم يصح وإن تبين عدمه ، كما أنه إذا تيمم مع اعتقاد عدم الضرر لم يصح وإن تبين وجوده.

______________________________________________________

وإما أن يعمل على طبق وظيفته الفعلية ، كما إذا اعتقد أن في الغسل أو الوضوء ضرراً عليه أو خاف منهما فتيمم ثم انكشف عدم الضرر فيهما. أو اعتقد أن لا ضرر فيهما ولم يخف من استعمال الماء فاغتسل أو توضأ ثم انكشف وجود الضرر فيهما وأن اللاّزم عليه هو التيمّم.

أمّا إذا لم يعمل على طبق وظيفته الفعلية فلا ينبغي الإشكال في بطلان عمله ولزوم الإعادة عليه سواء انكشف الخلاف أم لم ينكشف. أما إذا لم ينكشف الخلاف فلوضوح أنه بحسب مرحلة الامتثال لم يأت بما هو اللازم في حقه فلا يمكنه الاكتفاء بما أتى به.

وأمّا إذا انكشف الخلاف وظهر أن ما أتى به على خلاف وظيفته الفعلية هو المطابق للواقع فلأنه مع اعتقاده أن ما يأتي به خلاف الواجب في حقه لا يتأتى منه قصد القربة فيقع ما أتى به باطلاً لا يمكن الاجتزاء به.

وأمّا إذا عمل على طبق وظيفته الفعلية (١) فله صورتان : لأنه عند ما يعتقد التضرر من الطهارة المائية أو يخاف من استعمال الماء فيتيمم ثم ينكشف عدم الضرر في استعمال الماء وأن وظيفته الوضوء أو الغسل قد يكون انكشاف عدم الضرر بعد الصلاة وقد يكون قبل الدخول في الصلاة ، وقد فصل الماتن بينهما فحكم في الصورة الأُولى بصحّة تيمّمه وصلاته وحكم في الصورة الثانية بوجوب الوضوء أو الاغتسال عليه.

أمّا الصورة الأُولى فالظاهر أن الماتن اعتمد في حكمه بصحّة التيمّم فيها على أن‌

__________________

(١) ولا يخفى أن للعمل على طبق الوظيفة الفعلية موردين ذكر للأوّل منهما الصورتين الآتيتين ثم يتطرّق فيما يأتي للثاني بعنوان : الصورة الأُخرى.

١٢٠