موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

ادفنه معي في قبري.

[٨٩٨] مسألة ٢ : إذا كان الميِّت غير مختون لا يجوز أن يختن بعد موته.

[٨٩٩] مسألة ٣ : لا يجوز تحنيط المحرم بالكافور ولا جعله في ماء غسله كما مرّ ، إلاّ أن يكون موته بعد الطواف (*) للحج أو العمرة.

فصل في تكفين الميِّت‌

يجب تكفينه بالوجوب الكفائي (١) رجلاً كان أو امرأة (٢) أو خنثى (٣) أو صغيراً (٤).

______________________________________________________

فصل في تكفين الميِّت‌

(١) لا إشكال في وجوب التكفين في الشريعة المقدّسة والأخبار في ذلك مستفيضة (٢) ولم يقع خلاف فيه من أحد ، وإنّما الاختلاف في بعض الخصوصيات.

(٢) للإطلاق والتصريح بهما في بعض الأخبار (٣).

(٣) لأنّها ليست طبيعة ثالثة وإنّما هي امرأة أو رجل وقد عرفت حكمهما.

(٤) لما تقدّم (٤) في البحث عن وجوب غسل الميِّت من أنّ السقط إذا استوت خلقته يجب تغسيله وتكفينه ولحده ، وأنّه إذا تمّ له ستّة أشهر فهو تام ، وللمطلقات الدالّة على أنّ الميِّت يغسل ويكفن ، فانّ الميِّت يشمل الصبي أيضاً.

__________________

(*) تقدم الكلام فيه آنفاً [ في المسألة ٨٨٤ ].

(١) الوسائل ٣ : ٥ / أبواب التكفين ب ١ وغيره.

(٢) الوسائل ٣ : ٨ / أبواب التكفين ب ٢ ح ٧ ، ٩ وغيرهما.

(٣) في شرح العروة ٨ : ٢١٣.

٨١

بثلاث قطعات (١) :

______________________________________________________

وجوب التكفين بثلاث قطعات‌

(١) هذا هو المعروف بين الأصحاب وقد نسب الخلاف فيها إلى سلاّر حيث ذهب إلى كفاية قطعة واحدة (١).

ويدلُّ على ما ذهب إليه المشهور جملة من النصوص الدالّة على أنّ الكفن ثلاث قطعات (٢) ولا دليل على ما ذهب إليه سلاّر إلاّ ما نقله الشيخ في تهذيبه عن زرارة « إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام ، لا أقل منه يوارى فيه جسده كلّه ، فما زاد فهو سنّة » (٣).

وظاهرها التخيير بين الأقل والأكثر ، فان واحداً من الثلاثة لا بدّ أن يكون تامّاً شاملاً لجميع جسد الميِّت ، فيكون معنى الرواية أنّ الواجب في الكفن ثلاثة قطعات إحداها شاملة لجميع جسده أو ثوب واحد شامل لتمام جسده. والتخيير بين الأقل والأكثر غير معقول ، نعم لو بنى القائل بوجوب قطعة واحدة على كفاية القطعات الثلاث بأن تلف كل قطعة على قطعة من الميِّت ، كان للتخيير وجهاً في الرواية ، فإنّه يرجع إلى التخيير بين أن يكفن الميِّت بقطعة واحدة تشمل جميع جسد الميِّت ، وبين التكفين بالقطع المتعددة بأن يكفن كل قطعة منه بقطعة من الثوب ، إلاّ أنّ القائل بعدم وجوب التعدد لا يرى جواز التكفين بالقطع المتعددة بدلاً عن القطعة التامّة.

على أنّ الرواية معارضة برواية الكليني (٤) الّتي عطفت « ثوب تام » بالواو لا بأو ولا بأس بعطف الواو حينئذ ، لأنّه من عطف الخاص على العام كعطف النخل والرمان‌

__________________

(١) نسبه إليه في الجواهر ٤ : ١٥٩ وراجع المراسم : ٤٧.

(٢) الوسائل ٣ : ٦ / أبواب التكفين ب ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٦ / أبواب التكفين ب ٢ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٩٢ / ٨٥٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٤٤ / ٥.

٨٢

على الفاكهة في قوله تعالى ( فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ ) (١) بل عن بعض نسخ التهذيب أيضاً روايتها بالعطف بالواو ، وعن بعض نسخه الأُخرى إسقاط « أو ثوب ».

ومعه لا يمكننا الاعتماد على نسخة التهذيب المروية بالعطف بـ « أو » فانّ الكليني أضبط ونسخ التهذيب مختلفة فلا يثبت أنّ المروي أي شي‌ء. مضافاً إلى عدم معقولية التخيير بين الأقل والأكثر.

وعلى الجملة : أن نُسخ التهذيب على ما يظهر من الحدائق (٢) على قسمين :

أحدهما : ما لا يشتمل على شي‌ء من العاطف والثوب وهي هكذا « إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب تام لا أقل منه ... ».

وثانيهما : ما نقله (٣) عن شيخنا البهائي في الحبل المتين من كونه كالكافي أي مع العطف بالواو فهي هكذا « إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب تام لا أقل منه ... » واحتمل في هذه النسخة أن يكون الواو بمعنى أو ، لا أن من نسخه ما يشتمل على « أو ».

وأمّا ما يظهر من الوافي (٤) فهو أن نسخ التهذيب على أقسام ثلاثة :

منها : ما سقط فيه العاطف والثوب.

ومنها : ما اشتمل على العطف بالواو مثل الكافي.

ومنها : ما اشتمل على العطف بأو ، وهذا الأخير هو الّذي ذكرنا عدم ثبوته.

وأمّا ما في بعض الكلمات من نقل إسقاط العاطف كلية عن أكثر نسخ التهذيب فهو ممّا لا أساس له. على أنّه لا معنى له في نفسه ، إذ ما معنى « المفروض ثلاثة أثواب ثوب تام ».

فالمتحصل : أنّ الواجب في الكفن ثلاثة أثواب كما ذكره المشهور.

__________________

(١) الرحمن ٥٥ : ٦٨.

(٢) الحدائق ٤ : ١٥.

(٣) نقله عنه في الحدائق ٤ : ١٥ وراجع حبل المتين : ٦٦.

(٤) الوافي ٢٤ : ٣٥٩.

٨٣

الاولى : المئزر (١)

______________________________________________________

القطعة الأُولى : المئزر‌

(١) المعروف بينهم أنّ الأجزاء الثلاثة من الكفن هي المئزر والقميص والإزار وأنّ المئزر يجب أن يكون من السرة إلى الركبة والأفضل من الصدر إلى القدم والقميص يجب أن يكون من المنكبين إلى نصف الساق والأفضل إلى القدم ، والإزار ثوب يغطي تمام البدن.

وذكر بعضهم (١) أن كون قطعات الكفن بتلك الكيفيّة الّتي ذكرها المشهور بأن يكون المئزر من السرة إلى الركبة لا مستند له من الأخبار ، وإنّما الموجود فيها ثوبان وقميص أو ثلاثة أثواب ، والمتبادر منها أن تكون أثواباً شاملة لتمام البدن ، إلاّ أنّا علمنا أن أحدها القميص ، إمّا قميصه الّذي كان يصلّي فيه حال الحياة كما ورد في بعض الأخبار وأنّه أحب (٢) أو مطلق القميص ، فلا يجب أن يكون شاملاً لتمام البدن ، وأمّا الآخران فلا بدّ أن يكونا شاملين لتمام البدن ، فما هو المعروف من كون أحدها المئزر وهو ما يستر به ما بين الركبة والسرة ممّا لا وجه له ، هذا.

والصحيح ما ذكره المشهور في المقام ، وذلك لأنّ المئزر كما ذكروه وإن لم يرد في الأخبار إلاّ أنّه ورد فيها الإزار ، وظاهر إطلاق الفقهاء الإزار في مقابل المئزر في قطعات الكفن وإرادتهم منه الثوب الشامل لتمام البدن ، أنّ الإزار متى أُطلق في الأخبار إنّما هو بهذا المعنى المذكور.

إلاّ أنّ الصحيح أنّ الإزار هو ما يشد به من الوسط أي السرة إلى الركبة أو القدم فهو بمعنى المئزر في كلماتهم وهو المعبّر عنه بالوزرة عند الاصطلاح فان هذا هو معناه لغة فإنّه من الأزر بمعنى الظهر كما في قوله تعالى ( اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ) (٣)

__________________

(١) وهو صاحب المدارك ٢ : ٩٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٧ / أبواب التكفين ب ٢ ح ٥ ، وفي ص ١٦ / ب ٤ ح ٣.

(٣) طه ٢٠ : ٣١.

٨٤

والازر بالضم موضع الإزار من الحقوين مقابل السرة ، ويطلق على كل ما سترك ، ومنه إطلاقه على الدار لأنّها ساترة للإنسان عن الغير ، وعلى المرأة لكونها ساترة الرجل عن الفحشاء ، وعلى الملكة النفسانية فيقال : العفاف إزاره أي ساتره من المعايب والمعاصي. وظني أنّه أُطلق على تلك الأُمور بالتبع ، لأنّها كالوزرة ممّا يتستر به ، لا أنّها من معاني الإزار وإنّما اختص بالمئزر والوزرة ، لأنّ العورة أوّل ما يريد الإنسان ستره ولا يرضى بكشفه للغير.

وعليه فالإزار محمول على معناه اللغوي وهو المئزر في كلماتهم. وفي الروايات الواردة في ستر العورة في الحمام ما يدل على ذلك بوضوح كرواية حنان بن سدير (١) وكذا فيما ورد في ثوبي الإحرام من أنّه إزار وغيره (٢).

وبهذا يندفع الاشكال عن المشهور في تفسيرهم المئزر وأنّه ما يشد على الوسط من السرة إلى الركبتين ، لأنّ المئزر وإن لم يرد في الأخبار إلاّ أنّ الإزار بمعنى المئزر.

فالكفن هو الإزار بمعنى المئزر والقميص ، والثوب أي التام الشامل لتمام البدن ـ ، وهذا الّذي ذكره المشهور يستفاد من الأخبار الواردة في المقام بوضوح ونحن نتعرّض إلى الأخبار المعتبرة منها.

الأخبار الواردة في المقام منها :

معتبرة يونس عنهم عليهم‌السلام قال : « في تحنيط الميِّت وتكفينه ، قال : ابسط الحبرة بسطاً وهي الثوب الشامل لتمام البدن ثمّ ابسط عليها الإزار ثمّ ابسط القميص عليه وتردّ مقدم القميص عليه ... » (٣) ، وقد مرّ أن نظائر ذلك من الأخبار لا يعامل معها معاملة المراسيل ، لأنّها مروية عن علي بن إبراهيم عن رجاله عن يونس.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٩ / أبواب آداب الحمام ب ٩ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٦١ / أبواب الإحرام ب ٢٩ ح ٢ وغيرها.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٢ / أبواب التكفين ب ١٤ ح ٣.

٨٥

ومنها : موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن الميِّت ، فذكر حديثاً يقول فيه : « ثمّ تكفنه ، تبدأ وتجعل على مقعدته شيئاً من القطن وذريرة تضم فخذيه ضمّاً شديداً ، وجمر ثيابه بثلاثة أعواد ، ثمّ تبدأ فتبسط اللفافة طولاً اللفافة والحبرة بمعنى واحد ثمّ تذر عليها من الذريرة ثمّ الإزار طولاً حتّى يغطي الصدر والرجلين ... » (١).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام كيف أصنع بالكفن؟ قال : تأخذ خرقة فتشد بها على مقعدته ورجليه ، قلت : فالإزار؟ قال : لا ، إنّها لا تعدّ شيئاً إنّما تصنع لتضم ما هناك لئلاّ يخرج منه شي‌ء وما يصنع من القطن أفضل ... » (٢) حيث تعجب عبد الله بن سنان من أمره بأخذ الخرقة لشد مقعدته تخيلاً أنّ ذلك لستر عورته فقال : إنّ الإزار هو الساتر لها فلا حاجة إلى الخرقة ، فأجابه عليه‌السلام بأنّ الخرقة ليست من الكفن ولا لستر العورة ، بل للتحفظ من خروج شي‌ء منه ، فتدل على أنّ الإزار إنّما هو المئزر الّذي يشدّ من السرة إلى الركبتين.

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ، ومنطق ، وخمار ولفافتين » (٣) وهي وإن لم تدل على أنّ الكفن في الرجال أيّ شي‌ء إلاّ أنّا علمنا خارجاً أن زيادة الكفن في المرأة عن الرجال إنّما هو الخمار واللفافة الثانية ، فيبقى للرجال ثلاثة : الدرع وهو القميص وقد يطلق على القميص المصنوع من الحديد ، والمنطق بمعنى ما يشد به من الوسط أي المئزر وبهذا الاعتبار تطلق المنطقة ومنطقة البروج بتخيّل الدائرة في الفلك كالمنطقة واللفافة وهي الحبرة أي الثوب التام لتمام البدن ، فالأخبار الواردة في المقام يستفاد منها ما ذكره المشهور بوضوح ، هذا كلّه في الأخبار المعتبرة وأمّا غيرها فكثيرة لا حاجة إلى التعرّض لها.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٣ / أبواب التكفين ب ١٤ ح ٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٨ / أبواب التكفين ب ٢ ح ٨.

(٣) الوسائل ٣ : ٨ / أبواب التكفين ب ٢ ح ٩.

٨٦

وتدل على ذلك مضافاً إلى ما ذكرناه من أنّه معنى الإزار لغة واستظهرناه من الأخبار المتقدمة السيرة العملية الجارية على ذلك ، إذ من البعيد أن تكون هذه السيرة على خلاف الحكم الثابت في الشريعة المقدسة ، فهذا يكشف عن أنّ المراد بما ورد في الأخبار هو المئزر ، وذلك لأنّ الحكم لو كان على خلاف ذلك لاشتهر وبان لأنّ المسألة ممّا تعم بها البلوى في كل زمان ومكان ولا يكاد يخفى حكمها على أحد ولم ينحصر المخالف فيها بصاحب المدارك وتلميذه الأمين الأسترآبادي كما في الحدائق (١) ولم تظهر المخالفة في عصرهما بل ظهرت من الابتداء.

فتحصل : أن ما ذكره صاحب المدارك من كون الكفن ثوبين وقميصاً غير متعين ، فهل هو جائز بأن يكفن الميِّت بدلاً عن المئزر ثوباً شاملاً؟

الصحيح عدم جوازه أيضاً ، فإنّ الوارد في جملة من الأخبار وإن كان مطلق الثوب إلاّ أنّ الأخبار المتقدمة الّتي استظهرنا منها كون أحد الأكفان مئزراً ولا سيما ما دلّ على أنّ الكفن في المرأة العظيمة خمسة ، درع ومنطقة ... فإنّها صريحة في إرادة المئزر لأنّ المنطقة ما يشد به من الوسط ظاهرة في تعينه ، ولا مسوغ لرفع اليد عن ظهورها في التعين بوجه.

فما أفاده صاحب المدارك غير مشروع في نفسه فضلاً عن تعينه ، والمتعين ما ذكره المشهور من كون الكفن الأوّل هو المئزر.

وأمّا القميص فهل هو متعيّن أو يجوز أن يلبس الميِّت بدله ثوباً شاملاً؟.

ظاهر كلام المدارك هو الجواز ، لأنّه جمع بين ما دلّ على أنّ الأكفان ثلاثة أثواب وما دلّ على أنّها ثوبان وقميص ، فيحمل على التخيير بين الثوب والقميص ، ولما دلّ على التخيير في ذلك من النصوص وهي روايتان :

إحداهما : ما رواه الصدوق قدس‌سره عن موسى بن جعفر عليه‌السلام « أنّه سئل عن الميِّت يموت أيكفن في ثلاثة أثواب بغير قميص؟ قال : لا بأس بذلك‌

__________________

(١) نقله في الحدائق ٤ : ٣ وراجع المدارك ٢ : ٩٤.

٨٧

والقميص أحب إليّ » (١).

وثانيتهما : ما رواه محمد بن سهل عن أبيه قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الثياب التي يصلِّي فيها الرّجل ويصوم أيُكفّن فيها؟ قال : أُحبّ ذلك الكفن ، يعني قميصاً ، قلت : يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال : لا بأس به ، والقميص أحبّ إليّ » (٢).

وفيه : أن مقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيّد لا الجمع بينهما بالتخيير ، حيث إن ما دلّ على أنّ الأكفان ثلاثة أثواب مطلق فيحمل على ما دلّ على أن أحدها قميص.

وأمّا الروايتان ، فالأُولى منهما ضعيفة بالإرسال ، على أنّه لم يعلم كونها رواية أصلاً ، لاحتمال أن يشير الصدوق بها إلى ما ورد في ذيل الرواية الثانية عن موسى بن جعفر عليه‌السلام لاتحادهما في المضمون.

وأمّا الرواية الثانية فهي ضعيفة أيضاً ، لأن محمّد بن سهل لم يوثق ولم يمدح. على أن دلالتها قاصرة ، إذ أن قوله عليه‌السلام « والقميص أحب إليّ » بمعنى أنّ القميص الّذي كان الميِّت يصلّي فيه ويصوم أحب من القميص الّذي ليس كذلك ، أو القميص المصنوع من الأكفان ، لا أنّه أحب من الثوب لتدل على التخيير بين الثوب والقميص وكون الثاني أفضل.

نعم ، دلالة المرسلة على المدّعى ممّا لا إشكال فيها إلاّ أن سندها ضعيف ، هذا كلّه في القميص.

وأمّا الإزار فلم يستشكل أحد في تعينه بمعنى الثوب التام حتّى صاحب المدارك لأن هذا الثوب وإن لم يرد في الأخبار بعنوان الإزار لما تقدّم من أنّه بمعنى المئزر ، إلاّ أنّه ورد بعنوان اللفافة والثوب الشامل ونحوهما.

فتحصل : أنّ المئزر والقميص والإزار بمعنى الثوب الشامل واجبات متعينة في التكفين.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٢ / أبواب التكفين ب ٢ ح ٢٠ ، الفقيه ١ : ٩٣ / ٤٢٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٧ / أبواب التكفين ب ٢ ح ٥.

٨٨

ويجب أن يكون من السرّة إلى الرّكبة والأفضل من الصّدر إلى القدم (١).

الثانية : القميص. ويجب أن يكون من المنكبين (٢) إلى نصف السّاق (٣) والأفضل إلى القدم.

______________________________________________________

وجوب كون المئزر من السرة إلى الركبة‌

(١) وحكي عن بعضهم الاجتزاء بما يصدق عليه المئزر عرفاً وإن كان ممّا دون السرة وفوق الركبة ، لعدم ورود التحديد بذلك في الأخبار ، هذا.

والصحيح هو ما ذكره المشهور ، وذلك لما تقدّم من أنّ الإزار إنّما هو مأخوذ من الأزر الّذي هو بمعنى الظهر ، والازر الّذي بمعنى محل عقد المئزر من الحقوين المحاذي للسرة ، فلو كان ممّا دون السرة لم يصدق عليه الإزار لغة.

وأمّا من حيث المنتهي فكونه إلى الركبة وإن لم يرد في شي‌ء من الأدلّة إلاّ أنّ الظاهر يقتضي اعتباره ، لما تقدّم من أنّ الإزار أُخذ في مفهومه التستر والإنسان بعد ستر عورتيه يهتم بطبعه بستر ما بين السرة والركبة ، فترى الجالس عارياً يواظب على التستر فيما بينهما ، فكأنّ الكشف عمّا فوق الركبتين ينافي الوقار والأُبّهة والشرف والاتزار بهذا المقدار هو المتعارف في مطلق الاتزار وفي خصوص باب الإحرام ، وكيف كان فما ذكروه قدس‌سرهم لو لم يكن أقوى فهو أحوط.

القطعة الثانية : القميص‌

(٢) لا خلاف في القميص من حيث المبدإ ، فإنّ القميص إنّما يلبس من المنكبين فلو كان قميص ملبوس ممّا دونهما لما صدق عليه القميص إلاّ مجازاً ، والقميص المعتبر في الأكفان وإن لم يكن قميصاً إلاّ أنّه مشابه له فلا كلام في حدّه وابتدائه من المنكبين.

(٣) أو إلى القدم ، وهذا لم يقم عليه دليل إلاّ كونه هو المتعارف في القميص العربي إلاّ أنّه لا يقتضي تعين ذلك بعد صدق القميص حقيقة على ما هو أقصر من ذلك.

٨٩

الثالثة : الإزار ، ويجب أن يغطي تمام البدن (١) والأحوط أن يكون في الطول بحيث يمكن أن يشدّ طرفاه (٢) وفي العرض بحيث يوضع أحد جانبيه على الآخر (٣) والأحوط أن لا يحسب الزائد على القدر الواجب على الصغار من الورثة وإن أوصى به أن يحسب من الثلث (٤)

______________________________________________________

القطعة الثالثة : الإزار‌

(١) كما دلّت عليه النصوص فيما تقدم.

(٢) المطمأن به لو لم يكن متيقناً أنّه أراد بالشد : شد طرفي الثوب في نفسه ، بأن يكون طويلاً بمقدار يمكن شدّه بنفسه من طرف الرأس والقدم ، وهذا ممّا لم يقم عليه دليل لكنّه قد التزم به بعضهم فلذا جعله أحوط.

وأمّا لو أُريد به الشد بالعلاج أي بغير الكفن كالخيط ونحوه فلا إشكال في وجوبه ، لا أنّه أحوط ، لأن معنى الكفن ما يستر الميِّت ، ومع عدم شدّه من طرف الرأس أو القدم لا يكون الكفن ساتراً لتمامه.

عرض الإزار‌

(٣) هذا لا دليل عليه ، فانّ الثوب لا بدّ أن يكون بحيث يدرج فيه الميِّت بإزاره وقميصه ، وهذا يتحقق فيما إذا كان عرضه بحيث يصل أحد جانبيه إلى الجانب الآخر ويشد بخيط أو بغيره ، ولا يلزم أن يكون بحيث يقع أحدهما على الآخر.

(٤) يأتي في المسألة ١٩ أنّ القدر الواجب من الكفن يخرج من أصل التركة وأنّه مقدّم على الديون والوصايا ، لأنّ الميِّت أولى بتركته من غيره ، وأمّا المستحب منه فإنّما يخرج من الثلث مع الوصية وإلاّ فيؤخذ من حصّة الكبار بإجازتهم ولا يؤخذ من حصّة الصغار. والمقدار الزائد احتياطاً كالمستحب يؤخذ من الثلث مع الوصية وإلاّ فمن حصّة الكبار بإجازتهم من دون أن يؤخذ من حصّة الصغار.

٩٠

وإن لم يتمكّن من ثلاث قطعات يكتفى بالمقدور (*) (١)

______________________________________________________

إذا لم يتمكّن من القطعات الثلاث‌

(١) ما تقدم كلّه فيما إذا كانت الأكفان الثلاثة ممكنة ومقدورة ، وأمّا إذا لم يمكن واحد منها أو اثنان فهل يجب التكفين بالممكن والمقدور منها أو لا يجب؟.

ذهب صاحب المدارك قدس‌سره إلى عدم الوجوب لسقوط الأمر عن الكل والمركب ، بتعذّر بعض أجزائه (٢).

وذهب جمع إلى الوجوب لقاعدة الميسور ، بل ذكر المحقق الهمداني قدس‌سره أنّ المورد من أظهر موارد صدق الميسور من المأمور به المعسور (٣) أو الاستصحاب بدعوى أنّ التكفين بذلك المقدور كان متصفاً بالوجوب عند التمكّن من الجميع ، فإذا تعذّر الكل وشككنا في سقوط الوجوب عن المقدار الممكن منه نستصحب وجوبه.

ولا يتم شي‌ء من ذلك ، أمّا قاعدة الميسور فلما ذكرناه مراراً من عدم تماميتها في نفسها لضعف الأخبار المستدل بها على تلك القاعدة (٤).

وأمّا الاستصحاب فهو أفحش ، إذ لا موضوع حتّى يستصحب ، فانّ المتيقن هو الوجوب الضمني عند التمكّن من الكل وهو مرتفع قطعاً ، والمشكوك فيه هو الوجوب النفسي الاستقلالي ولا حالة سابقة له.

ودعوى : أنّ الاستصحاب يجري في الطبيعي الجامع بين القسمين ، غير مسموعة إذ لا يصدق على رفع اليد عن اليقين السابق عند الشك نقض اليقين بالشك ، لأنّ المتيقن وهو الوجوب الضمني قد ارتفع قطعاً. هذا على أنّه من الأصل الجاري في الأحكام ولا نقول بجريان الاستصحاب فيها.

__________________

(*) على الأحوط فيه وفيما بعده.

(١) لاحظ المدارك ٢ : ٩٥ وفيه : ( يجزئ عند الضرورة قطعة ، لأنّ الضرورة تجوّز دفنه بغير كفن فبعضه أولى ). ولعلّ المراد به صاحب الحدائق كما حكى عنه هذا القول الهمداني في مصباحه ، راجع الحدائق ٤ : ١٤.

(٢) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٩٢ السطر ٢٤.

(٣) عوالي اللّئالي ٤ : ٥٨.

٩١

وإن دار الأمر بين واحدة من الثلاث تجعل إزاراً (١)

______________________________________________________

هذا فيما إذا تجدد العجز بعد الموت ، وأمّا لو كان التعذّر سابقاً على الموت فلا وجوب ليستصحب إلاّ على نحو التعليق بأن يقال : لو كان الميِّت قد مات عند التمكّن من الأكفان كان التكفين بهذا الجزء واجباً والآن كما كان ، ولا نلتزم بالاستصحاب التعليقي بوجه.

والصحيح في المقام أن يقال بما ذكرناه في الأغسال (١) وحاصله : أنّ المستفاد من الأخبار الواردة في التكفين أنّ الواجب انحلالي ، وأنّ التكفين بكل قطعة من القطعات واجب بحياله ، وفي بعض الأخبار أنّ التكفين بالثوبين والتكفين بالقميص كذا (٢) ، وهو يدل على أن كلاًّ منها تكفين مستقل فإذا تعذّر بعضها فلا موجب لسقوط الآخر عن الوجوب.

دوران الأمر بين واحدة من الثلاث‌

(١) إذا كانت هناك قطعة يمكن أن تجعل إزاراً ويمكن جعلها قميصاً أو مئزراً هل يتخيّر في صرفها بين واحد من الثلاث؟ أو يتعيّن صرفها في الإزار وإن لم يمكن ففي القميص؟

تختلف المسألة باختلاف المدرك في الحكم بوجوب التكفين الممكن من الثلاث ، فان كان المدرك فيه ما قدمناه من أن مقتضى الأخبار الواردة في المقام هو الانحلال وكون كل قطعة من الثلاث واجباً مستقلا ، فيدخل المقام في كبرى التزاحم للعلم بوجوب الأكفان الثلاثة في الشريعة المقدسة إلاّ أنّه لا يتمكّن من الجميع وإنّما يتمكّن من أحدها ، فيقع التزاحم بين صرفه في الإزار أو القميص أو المئزر ، وحيث إن احتمال الأهميّة مرجح في باب المتزاحمين ، فلا بدّ من الحكم بصرفه في الإزار لاحتمال أهميّته بالوجدان ، وعلى تقدير عدم التمكّن منه فيصرف في القميص.

__________________

(١) في ص ٢٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٢ / أبواب التكفين ب ١٤.

٩٢

وإن لم يمكن فثوباً ، وإن لم يمكن إلاّ مقدار ستر العورة تعين (١) ، وإن دار بين القُبل والدُّبر يقدِّم الأوّل (٢).

______________________________________________________

وأمّا إذا كان المدرك قاعدة الميسور أو الاستصحاب أو الإجماع والعمدة منها الأوّل والأخير دون الثاني فالحكم المجعول أوّلاً ، أعني وجوب المجموع المركب ، قد ارتفع بالتعذّر ، والحكم الثابت بهما حكم جديد لا ندري أنّه مجعول على الإزار أو على القميص أو على المئزر ، فنشك في الجعل فيكون المقام حينئذ من دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، للعلم بأنّه مجعول إمّا على خصوص الإزار أو على الأعم منه ومن القميص ، أو على خصوص القميص أو على الأعم منه ومن المئزر ، وقد ذكرنا في محلِّه (١) أن احتمال التعيين حينئذ يندفع بالبراءة ونحكم بالتخيير.

إذا لم يمكن إلاّ مقدار ستر العورة‌

(١) إذا لم يوجد شي‌ء من الأكفان وتمكّن المكلّف من ستر عورة الميِّت وحسب فهل يجب سترها؟

لا دليل على وجوب ستر العورة إلاّ ما رواه الصدوق قدس‌سره في العلل عن الفضل بن شاذان : « أنّه روي عن الرضا عليه‌السلام إنّما أُمر أن يكفن الميِّت ليلقى ربّه ( عزّ وجلّ ) طاهر الجسد ولئلاّ تبدو عورته لمن يحمله أو يدفنه » (٢) إلاّ أنّها ضعيفة السند ، لأن في طريق الصدوق إلى الفضل عبد الواحد بن عبدوس ، وهو وإن كان من مشايخ الإجازة إلاّ أنّه لم يرد في حقّه توثيق ولا مدح ، ومن هنا كان الحكم بوجوب ستر العورة مبنياً على الاحتياط.

دوران الأمر بين ستر القبل أو الدبر‌

(٢) ثمّ لو قلنا بوجوب ستر العورة احتياطاً أو فتوى ولم يف الساتر بكليهما بل إنّما‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٤٥٣ ٤٥٧.

(٢) الوسائل ٣ : ٥ / أبواب التكفين ب ١ ح ١ ، علل الشرائع : ٢٦٨.

٩٣

[٩٠٠] مسألة ١ : لا يعتبر في التكفين قصد القربة وإن كان أحوط (١).

[٩٠١] مسألة ٢ : الأحوط في كل من القطعات أن يكون وحده ساتراً لما تحته فلا يكتفى بما يكون حاكياً له وإن حصل الستر بالمجموع (٢).

______________________________________________________

كان بمقدار القبل أو الدبر فهل يتعيّن صرفه في القبل أو يتخيّر المكلّف بينهما؟

ذكر الماتن قدس‌سره أنّه يتعيّن صرفه في القبل ، والوجه في ذلك : هو احتمال الأهميّة في القبل ولو من جهة أنّ الدبر مستور في الجملة بأليتين.

عدم اعتبار قصد القربة في التكفين‌

(١) وذلك لأنّ الأخبار الواردة في المقام لم يدل شي‌ء منها على أنّ التكفين عبادي ومع الشك في كونه عباديا أو توصّلياً يرجع إلى إطلاق الدليل أو البراءة من لزوم قصد التقرّب كما ذكرناه في مبحث التعبّدي والتوصلي (١) وحيث إنّه يحتمل التعبديّة في التكفين احتاط الماتن قدس‌سره بقوله « وإن كان أحوط » إلاّ أنه إذا كفّنه لا بقصد القربة لا يجب أن يكفِّنه ثانياً ، لما تقدّم من أن التكفين توصّلي ولم يقم دليل على اعتبار قصد القربة فيه ، فالإتيان به مسقط للأمر به وإن لم يقصد التقرّب به.

ما هو الأحوط في القطعات‌

(٢) ذكر قدس‌سره اعتبار كون الأكفان الثلاثة ساترة لبدن الميِّت بأجمعها ، كما ذكر اعتبار كون كل منها ساتراً أي بحيث لا يرى جسد الميِّت تحته.

أمّا وجه اعتبار كون المجموع ساتراً فيكفينا في ذلك صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة على رواية الكليني (٢) وصحيحة زرارة على رواية الشيخ (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إنّما الكفن المفروض ثلاث أثواب أو ثوب تام ( وثوب ) أو بإسقاط‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٦٥ ١٧٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٦ / أبواب التكفين ب ٢ ح ٢ ، الكافي ٣ : ١٤٤ / ٥.

(٣) الوسائل ٣ : ٦ / أبواب التكفين ب ٢ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٩٢ / ٨٥٤.

٩٤

نعم ، لا يبعد كفاية ما يكون ساتراً من جهة طليه بالنشاء ونحوه لا بنفسه (١) وإن كان الأحوط كونه كذلك بنفسه.

[٩٠٢] مسألة ٣ : لا يجوز التكفين بجلد الميتة (٢) ولا بالمغصوب (٣).

______________________________________________________

وثوب لا أقل منه يواري فيه جسده » فاعتبار الستر والمواراة في مجموع الكفن ممّا لا مفرّ عنه.

وأمّا وجه اعتبار كون كل قطعة من القطعات ساترة ، فلما قدّمناه من أنّ الواجب انحلالي ، وكل من المئزر والقميص والإزار كفن واجب باستقلاله وقد أُخذ في مفهوم الكفن الستر والمواراة ، فيقال : كفّن الخبزة في الملّة أي الرماد الحار واراها بها ، وهو نوع من طبخ الخبز ، وكفّن الجمر بالرماد أي غطاه به ، ومعه يعتبر أن يكون كل من المئزر والقميص والإزار ساتراً وموارياً للجسد.

(١) إذ لا يعتبر في الكفن أن يكون ساتراً بنفسه فلو كان ستره من جهة النشاء كفى في الامتثال.

واحتمال أنّ الستر حينئذ بالنشاء لا بالكفن ، مندفع بأنّ النشاء ليس له وجود مستقل غير وجود الكفن ليستند الستر إليه ، وإنّما يستند الستر إلى الكفن المشتمل على النشاء ، ومن هنا لم يحتمل أحد عدم كفاية مثله في الساتر الصلاتي الّذي يجب أن يكون ثوباً ، نظراً إلى أنّ الساتر هو النشاء ، ولا وجه له سوى ما ذكرنا من أنّ الكفن هو الساتر ولو لاشتماله على النشاء ، لا أنّ الساتر هو النشاء.

عدم جواز التكفين بجلد الميتة‌

(٢) لما استفدناه من اعتبار الطهارة في الكفن حتّى أنّه لو تنجّس بعد تكفينه وجب غسله أو قرضه ، فإذا كانت النجاسة العرضية مانعة عن التكفين فالنجاسة الذاتيّة مانعة عن صحّة التكفين بطريق أولى.

عدم جواز التكفين بالمغصوب‌

(٣) لحرمة كل فعل متعلّق بالمغصوب ومنه تكفين الميِّت به ، وقد ذكرنا في محلِّه أن‌

٩٥

أمثال المقام ليس من موارد اجتماع الأمر والنهي ، فإنّ الحرمة إذا كانت ناشئة من الموضوع كما في المقام وفي الوضوء بماء مغصوب فهو من النهي عن العبادة أو الواجب ، وهذا بخلاف ما إذا كان مكان الوضوء غصبياً فإنّه من موارد الاجتماع. وعليه لا يجوز التكفين بالمغصوب سواء قلنا بجواز الاجتماع أم لم نقل ، بل لو كفن به وجب نزعه وردّه إلى مالكه.

بل لو علم ذلك بعد الدفن وجب نبشه إن أمكن ، فإنّ التكفين به كلا تكفين فلا مناص من تكفينه ثانياً بعد نزع المغصوب منه امتثالاً للأمر بالتكفين.

وقد يتوهّم كما توهّم أنّ التكفين واجب توصلي ولا يعتبر في سقوطه قصد التقرّب ، إذن لا مانع من الحكم بسقوط الأمر به بالتكفين بالمغصوب وإن كان ذلك عصياناً ومحرماً على المكلّف لوجوب ردّه إلى مالكه.

ويندفع بأنّ الواجب التوصّلي إنّما يفترق عن التعبّدي بعدم اعتبار قصد القربة والإضافة إلى الله تعالى في الإتيان به ، ومن ثمة يتحقق الامتثال في التوصليات بمجرّد الإتيان بها. وهذا بخلاف الواجب التعبّدي إذ يعتبر فيه قصد التقرّب والإضافة إلى الله سبحانه إمّا شرعاً كما على مسلكنا (١) وإمّا عقلاً كما ذكره صاحب الكفاية (٢) فلو أتى به من دون ذلك لم يسقط أمره ولم يكن امتثالاً له ، ولا فرق بينهما زائداً على ذلك. وإذا كان العمل محرماً في نفسه كما في المقام لا يعقل أن يحصل به الامتثال بلا فرق في ذلك بين التوصّلي والتعبّدي ، وذلك لعدم إمكان أن يكون المحرم مصداقاً للواجب ، وليس معنى التوصّلي أنّ الحرام يمكن أن يكون مصداقاً للواجب.

نعم ، في المقدّمات الخارجيّة عن الواجب أي المقدمات الّتي نعلم بعدم مدخليتها في الواجب لو أتى بها في ضمن أمر حرام لم يضر ذلك بالامتثال كما إذا ركب دابة مغصوبة ومشى بها إلى الحج فإنّه لا يمنع عن صحّة حجّه ، وذلك لخروج المقدّمة عن‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٦٥ ١٧٢.

(٢) كفاية الأُصول : ٧٢.

٩٦

ولو في حال الاضطرار (*) (١) ولو كفن بالمغصوب وجب نزعه بعد الدفن أيضاً.

______________________________________________________

الواجب وعدم كون المقدمة واجبة حتّى بالوجوب الغيري على مسلكنا. نعم ، هي متصفة به على المشهور ، إلاّ أنّ الوجوب الغيري لا يترتب عليه أثر في المقام ، ومنه تطهير الثوب الّذي هو مقدمة للصلاة فإنّه أمر يتحقق بالماء المغصوب أيضاً ، إذ لا يشترط في التطهير إباحة الماء إلاّ أنّه أمر خارج عن المأمور به كما هو ظاهر. وأمّا الواجب فيستحيل أن ينطبق على الحرام بلا فرق في ذلك بين التعبّدي والتوصّلي.

نعم ، لا مانع من الالتزام بسقوط الواجب التوصّلي بالمحرم إذا قام عليه دليل ولكنّه لا دليل عليه في المقام. وقد ذكرنا في محله أنّ المبغوضية والحرمة إذا كانتا ناشئتين من قبل الموضوع كما في المقام وفي التوضؤ بماء مغصوب يكون العمل بنفسه وعنوانه متعلّقاً للنهي ، وهو من النهي في العبادة وليس من بحث اجتماع الأمر والنهي ليبتني الحكم بالفساد على القول بالامتناع وتقديم جانب النهي.

إذن يتم ما ذكره الماتن قدس‌سره من عدم جواز التكفين بالمغصوب ولو في حال الاضطرار أي فيما إذا لم يوجد كفن آخر غيره وذلك لوضوح أنّ ذلك لا يسوّغ التصرّف في المغصوب بل يدفن عارياً حينئذ.

(١) إن كان ذلك راجعاً إلى خصوص التكفين بالمغصوب فقد عرفت صحّته ، وأمّا لو كان راجعاً إلى كل من التكفين بالمغصوب والميتة فلنا مطالبة الماتن بالدليل على عدم جواز التكفين بالميتة عند الاضطرار ، وذلك لأنّه قدس‌سره يرى جواز الانتفاع بالميتة فيما لا يشترط فيه الطهارة ، ويأتي منه قدس‌سره أن اشتراط الطهارة في الكفن مختص بصورة التمكّن والاختيار. إذن لا مانع من التكفين بالميتة عند عدم التمكّن من غيرها. اللهمّ إلاّ بناءً على عدم جواز الانتفاع بالميتة مطلقاً وهو على خلاف مسلكه.

__________________

(*) هذا في المغصوب وأمّا في جلد الميتة فالأحوط وجوباً التكفين به.

٩٧

[٩٠٣] مسألة ٤ : لا يجوز اختياراً التكفين بالنجس (١) حتّى لو كانت النجاسة بما عفي عنها في الصلاة على الأحوط (*) (٢).

______________________________________________________

كما أنّه يلزمه تقييد الميتة بالنجسة ، لأنّ الميتة الطاهرة كجلد السمكة الميتة إذا كان كبيراً يسع الميِّت لا مانع من التكفين به ، إذ أن مطلق الميتة وإن كانت مانعة من الصلاة إلاّ أنّه للتمسّك ببعض الإطلاقات (٢) هناك ، وأمّا في المقام فلم يرد فيه أيّ دليل لفظي ليمكن التمسُّك بإطلاقه فلا مانع من التكفين بالميتة الطاهرة.

لا يجوز اختيار الكفن النجس‌

(١) لما تقدّم (٣) من الروايتين الدالّتين على أن كفن الميِّت إذا تنجّس بما يخرج من الميِّت وجب قرضه أو غسله ، فإذا لم يجز التكفين بالنجس بحسب البقاء فلا يجوز بحسب الحدوث أيضاً لعدم الفرق بينهما.

النجاسة بما عفي عنه في الصلاة‌

(٢) والوجه في هذا الاحتياط : أن ما دلّ على اعتبار الطهارة في الكفن وهو الروايتان المتقدِّمتان (٤) لا إطلاق له حتّى يشمل النجاسة المعفو عنها في الصلاة وذلك لأنّهما وردتا فيما يخرج من الميِّت ، وهما فيه وإن كانتا مطلقتين وشاملتين للدم المعفو عنه في الصلاة إلاّ أنّا نحتمل أن يكون للدم الخارج منه خصوصية ، لأنّه من أجزاء الميتة ومن ثمة لا يمكننا التعدّي عن موردهما إلى غيره إذا كان ممّا يعفى عنه في الصلاة.

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

(١) الوسائل ٤ : ٣٤٣ / أبواب لباس المصلّي ب ١.

(٢) في ص ٧١.

(٣) في ص ٧١.

٩٨

ولا بالحرير الخالص (١).

______________________________________________________

نعم ، نتعدّى عنه إلى غيره في غير المعفو عنه في الصلاة للقطع بعدم الفرق بينهما ، فما في كلام المحقق الهمداني (١) قدس‌سره وغيره من التمسُّك بالإطلاق ممّا لا نرى له وجهاً معقولاً.

نعم ، الفتاوى مطلقة حيث ذكروا عدم جواز التكفين بالمتنجس ولم يستثنوا منه ما إذا كانت النجاسة معفواً عنها في الصلاة ، ومن ثمة احتاط الماتن في المسألة.

عدم جواز التكفين بالحرير الخالص‌

(١) وقد استدلّوا على ذلك بوجوه :

منها : الاستصحاب ، لأنّ الميِّت حال حياته كان يحرم عليه لبس الحرير فيحرم أن يلبس به بعد الممات أيضاً بالاستصحاب ، نعم هذا يختص بالرجال لعدم حرمة لبس الحرير على النِّساء.

وفيه أوّلاً : أنّه من الاستصحاب في الأحكام ولا نقول به.

وثانياً : عدم بقاء الموضوع ، وذلك لأنّ الميِّت حال الحياة كان يحرم عليه لبس الحرير بالمباشرة وكان يحرم على غيره أن يلبسه ذلك ، لأنّ التسبيب إلى الحرام محرم على ما بيناه مراراً من أنّ العرف لا يفرق بين التسبيب والمباشرة ، فإذا حرم شي‌ء على المكلّف بالمباشرة يستفاد منه حرمته بالتسبيب. إلاّ أن حرمة التسبيب متفرّعة على حرمة المباشرة ، فإذا مات المكلّف وسقطت عنه الحرمة بالمباشرة فمن أين تستفاد حرمة التسبيب ، إذ الميِّت جماد لا يكلف بشي‌ء فكيف يحكم بحرمة إلباسه الحرير من جهة التسبيب إلى الحرام ، فالاستصحاب ساقط في المقام.

وقد يستدل عليه بالإجماع ، ويندفع بأنّ الإجماع في أمثال المقام لا يمكن التشبّث‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٩٣ السطر ١٠.

٩٩

به للاطمئنان ولا أقل من الاحتمال باعتمادهم فيه على أحد الوجوه المستدل بها في المسألة ومعه لا يعتمد عليه بوجه.

وثالثاً : يستدل عليه برواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تجمروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلاّ بالكافور فانّ الميِّت بمنزلة المحرم » (١). فإنّها نزّلت الميِّت منزلة المحرم ، ومقتضى عموم التنزيل عدم جواز تلبيسه الحرير ، لأنّ المحرم يحرم عليه لبس الحرير ، بضميمة ما ذكره بعضهم من وجوب أن يكون ما يحرم فيه من جنس ما يصلّى فيه.

ويردّه : أنّ التنزيل في الرواية يحتمل قريباً أن يكون من جهة حرمة الطيب فحسب ، لا أنّ التنزيل من جميع الجهات ، فانّ المحرم يحرم عليه تغطية رأسه ورجليه بالجورب أو الخف ونحوهما ، ورمسه في الماء ، وهذا لا تحرم على الميِّت قطعاً ، هذا.

مضافاً إلى أنّها معارضة بما دلّ على أنّ المحرم إذا مات فهو كالمحل سوى أنّه لا يقرب منه الطيب (٢) فكيف بمن لم يكن محرماً قبل الموت ، بل الرواية في موردها غير معمول بها ، لعدم حرمة قرب الطيب من الميِّت بل هو أمر مكروه.

على أن سندها ضعيف بمحمّد بن سنان وأحمد بن محمّد الكوفي وابن جمهور وأبيه أي جمهور نفسه ، لأنّه مهمل ، وقد وردت في طريق آخر للصدوق وهو ضعيف أيضاً لوجود القاسم بن يحيى وجده الحسن بن راشد فيه ، وهما ضعيفان (٣) والحسن هو مولى المنصور ، الضعيف بقرينة رواية القاسم عنه.

ورابعاً : يستدل عليه بما عن الفقه الرضوي (٤) ودعائم الإسلام (٥) من النهي عن التكفين في ثوب إبريسم.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٨ / أبواب التكفين ب ٦ ح ٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٠٣ / أبواب التكفين ب ١٣.

(٣) هما موجودان في أسناد كامل الزيارات فطريق الصدوق قدس‌سره معتبر.

(٤) فقه الرضا : ١٦٩.

(٥) لاحظ الدعائم ١ : ٢٣٢.

١٠٠